الفصل الرابع والثلاثون

لكل سؤال يا بثين جواب

حضرة الأستاذ محرر الهدف

قرأت أسئلتك، وهي حيلة صحفية لطيفة، ولكن يظهر أنك تريد أن تجرني إلى ضروب من الجدل تنفع جريدتك وتضيع وقتي، كما يصنع معي الصحفيون المصريون، أراني الله وجوههم بخير وعافية.

فما رأيك إذا أجبتك إجابة قاطعة تضيع فيها حيلتك هذه المرة؟

 من هو الشاعر الذي تعتقدون بحق وإخلاص أنه أشعر شعراء العربية في الوقت الحاضر مع ذكر اسمه؟

وأجيب بأن هذا السؤال يشهد بأن فيكم رجعة إلى العقيدة التي كاد يتفرد بها الشرق وهي عقيدة التوحيد، فالشرقيون كانوا أول من آمن بالوحدانية — وحدانية الله — حتى قال القائلون إن مصر سبقت أمم الشرق إلى التوحيد بفضل الملك الشاعر أخناتون.

وأنا بحمد الله أؤمن بأن الله منزه عن الشريك، ولكني أكره أن أكون «موحدًا» في الآداب والفنون، فلا يسوغ في ذهني أن يقال: من هو أشعر شعراء العربية؟ ومن هو أعظم كتاب العربية؟ ومن هو أفصح خطباء العربية؟

وقد اتفق لي من قبل أن أحارب مجلة الحديث الحلبية حين زعمت وزعم بعض قرائها أن الدكتور طه حسين أكبر أديب، فقلت: إن الدكتور طه أشهر أديب وليس أكبر أديب.

وكنا في مصر نجعل شوقي أمير الشعراء، ولكنكم لو رجعتم إلى الجرائد والمجلات لرأيتم مئات المقالات في الثورة على ذلك اللقب مع ما تعرفون ويعرف العرب جميعًا من عظمة شوقي.

والرأي عندي أن يقوم فريق من الناقدين بالبحث عن الشعراء المغمورين فقد تكون فيهم مواهب يقتلها الخمول، وقد اقترحت مائة مرة ومرة أن يؤلف كتاب يجمع الأطايب من الشعر الحديث في جميع الأقطار العربية على نحو ما صنع الثعالبي في القرن الرابع، ولكن يمنع من ذلك أن العصر الحاضر ليس فيه رجل واحد يملك من الإخلاص ما كان يملك الثعالبي، فأهل هذا العصر يغلب عليهم الحقد ولا يحب أحدهم خيرًا لأخيه، ولا ينبغ النابغ في زماننا إلا إن كان فيه من الحيوية ما يرغم حاسديه على أن يخلوا له الطريق.

وقد اتفق مرة للدكتور عبد الوهاب عزام أن يثنى على الرافعي في مجلة الرسالة ثناء مستطابًا ثم حدثني بعد ذلك أنه لقى مر العتب من بعض الأصدقاء.

ولما مات شوقي رثاه صاحب البلاغ بكلمة طيبة، ولكنه وجد من يعترض بأن شوقي لم يكن من الوفديين، ومعنى ذلك أن الخصومة السياسية قد تنقلت إلى خصومة أدبية.

هذا اقتراح أذعته في مصر ثم ضاع، فهل ترون من الخير أن أقدمه إلى أدباء العراق؟

ويسرني أن أعلن بلا موارية وبلا تكلف أن الله نجاني من هذا المرض البغيض: فما أذكر أبدًا أني جحدت الحق، وربما كنت أشجع أهل هذا العصر لأني أنصف أعدائي، في زمن يضن فيه الأصدقاء بالإنصاف.

وخلاصة القول أني أنكر التوحيد في الآداب والفنون، وذهني يسيغ الحكم بأن أبا تمام في بابه أشعر من البحتري في بابه، والبحتري في بابه أشعر من أبي تمام في بابه، والمتنبي أشعر من الشريف الرضي، والشريف الرضي أشعر من المتنبي، وشوقي أعظم من حافظ، وحافظ أعظم من شوقي، والرصافي أعظم من الزهاوي، والزهاوي أعظم من الرصافي، وزكي مبارك في بابه أعظم من الجميع.

وهذا الكلام يحتاج إلى توضيح، وقد بينته في الطبعة الثانية من كتاب (الموازنة بين الشعراء).

 من هو الأديب الذي تعتقدون بحق وإخلاص أنه أحسن أدباء العربية في الوقت الحاضر مع ذكر اسمه؟

وأقول مرة ثانية إن فيكم رجعة إلى عقيدة التوحيد، مع أن الشرك أفضل في هذا المجال، ولكن لا بأس من الإشارة إلى أن الأدباء المصريين في الوقت الحاضر يتسامون جميعًا إلى هذا اللقب الطريف، وسيموت منهم ناس قبل الأوان بفضل الكدح، وأخشى أني أقول مثلًا إن خصومتي مع الدكتور طه حسين ستقصف عمري، لأني أحاول طرد مؤلفاته من الأسواق لتحل محلها مؤلفاتي، ولأغتصب ما ادعاه لنفسه من زعامة الأدب العربي، وستنقل جرائد مصر هذه الكلمة وسيبيت الدكتور طه مؤرقًا لأنه سيتذكر أنه لم يؤلف كتابًا في قوة كتاب «النثر الفني».

ومن شواهد هذا النضال تلك الحمى المخية التي ترونها في أدباء مصر، وإلا فما الذي يوجب أن نرى اسم العقاد واسم المازني في جميع الجرائد والمجلات؟

وما الذي يوجب أن يصبح هيكل أعشى لا يكاد يبصر بفضل سهر الليل؟

وما الذي يوجب أن تهجم الشيخوخة على الأستاذ أحمد أمين؟

ولأي سبب يذوى غصن الأستاذ محمد عبد الله عنان حتى كاد يضاف إلى الفانين؟

إن الأدباء المصريين مجانين، وهم سيقتلون أنفسهم، وسيقتلونني معهم، لا عفا الله عنهم، ولا حشرهم إلا في زمرة السفهاء.

على أن المصائب لا تخلو من منافع، فهذه المنافسة التي ستصرعنا جميعًا هي التي جعلت هذا العصر أعظم عصور اللغة العربية، هي التي جعلت المطابع المصرية تخرج في كل عام نحو أربعة آلاف كتاب وهي التي جعلت الأديب العربي يستطيع أن يجد في كل يوم كتابًا جديدًا يقرؤه بلذة وشوق، والتي جعلته يعجز عن متابعة ما ينشر في الصحف والمجلات، وهذا أمل كنت دعوت إليه منذ سنين فتحقق بأقوى وأعنف مما كنت أريد.

•••

أتراني أخلفت ظنك في الجواب الأول والجواب الثاني؟

لا بأس فقد تجد شيئًا في الجواب الثالث أو الرابع.

تسأل عن الأسباب الرئيسية التي أخرت النهضة الأدبية في العراق؟

ومعنى هذا أنك تقول بتأخر النهضة الأدبية عندكم، فاسمح لي بتسجيل هذا القول، فإنه مهم جدًا، وهو يشهد بأن النهضة الأدبية موجودة بالفعل، وعدم الرضا عما تملك يشهد بأنك أهل لأكثر مما تملك، وأنا أحتفظ بآرائي في نهضة العراق إلى الوقت الذي أتحلل فيه من التشرف بخدمة العراق، فقد يقال إنني ضيف يحدوه حسن الأدب على الرضا عن كل ما في البيت، مع أن الواقع أن في العراق نهضة أدبية تستحق الاهتمام والتشجيع، وليت الزمن يسمح بتسجيل آثارها بعد حين، على أنه لا مفر من الاعتراف بأن النهضة الأدبية الحاضرة أقل مما ينتظره الأدب من العراق والأسباب الرئيسية كثيرة، أهمها ما يأتي:
  • أولًا: كان التعليم في العراق باللغة التركية إلى عهد قريب، وكان من أثر ذلك أن أصبح أكثر الرجال المثقفين لا يملكون القدرة على الإنشاء والتأليف باللغة العربية كما يملكون ذلك باللغة التركية، فهم في أنفسهم أدباء ومفكرون، ولكنهم يعجزون عن تغذية النهضة الأدبية، وهذا العائق لن يدوم لأن الجيل الحديث يتعلم باللغة العربية.
  • ثانيًا: شغلكم النضال السياسي عن الأدب فضعف النشر والتأليف.
  • ثالثًا: وزارة المعارف عندكم مشغولة بإعداد المدرسين، ويمنعني الذوق من التصريح بأنها مصروفة عن إعداد الأدباء والمؤلفين، ولعلها تعدل منهاجها بما يجمع بين المزيتين.

أما الوسائل التي تعين على تقوية النهضة الأدبية في العراق فكثيرة وميسورة.

ويحسن النص بوضوح على وجوب الإكثار من البعثات إلى القاهرة فإن القاهرة تؤدي في العصر الحديث ما كانت تؤديه بغداد في العصر العباسي، وهذه البعثات المنشودة يجب أن تكون تحت رعاية رجل مسئول، فالقاهرة مدينة كبيرة، وفيها عيوب المدائن الكبيرة، والمحاسن الحقيقة في القاهرة تحتاج إلى دليل، ولو استطاع الشاب العراقي أن يعيش في القاهرة عيش الموفقين لكان في مقدوره أن ينفع وطنه أجزل النفع حين يعود.

فما الذي يمنع من أن يكون لكم في القاهرة دائرة تسمى البعثة العراقية، ما الذي يمنع أن يكون لكم في القاهرة خمسون أو ستون يتخصصون في الدراسات الأدبية ليعودوا فينشئوا في بغداد مدرسة مثل دار العلوم أو معهدًا مثل كلية الآداب؟

إن هذه البعثات التي أنشدها ستنفع العراق من ناحيتين.

ستنفع من الوجهة الأدبية، وستنفع من الوجهة العمرانية.

أما الوجهة الأدبية فظاهرة، وهي كفيلة بأن تخلق التنافس الأدبي بين القاهرة وبغداد، وأنا أتطلع إلى اليوم الذي يقع فيه هذا التنافس لتزداد القاهرة حياة إلى حياة.

أما الوجهة العمرانية فتحتاج إلى شرح:

وبيان ذلك أن القاهرة في هذا العصر أصبحت مدينة هائلة جدًا ولا يعرف قيمتها إلا من يراها رأي العين، وفيها ضواح لا تعرف أمثالها باريس، والشاب العراقي حين يعيش في القاهرة ويرى الزمالك والجيزة والمعادي وحلون ومصر الجديدة وحدائق القبة سيذكر ولا ريب أن من واجبه أن يفني عمره في تجميل بغداد، ولا بد للعراق من شبان يؤذيهم أن تظل بغداد على ما هي عليه، ولا مؤاخذة يا سيدي، فأنا متألم لحال بغداد، ولو كان بيدي شيء من الأمر لأريتكم كيف يكون تخطيط عاصمة الرشيد.

هذه وسيلة.

أما الوسيلة الثانية فإيجاد الجوائز الأدبية، ومن الممكن تخصيص ألف دينار في كل سنة توزع منها الجوائز على المتفوقين في اللغة العربية، ولو صنعتم ذلك لضمنتم الظفر بطلائع الحياة الأدبية، وأظنني ضمنت لكم جائزة النحو في البصرة، فقد ألقيت فيها محاضرة ثم اقترحت على سعادة المتصرف وسعادة مدير المعارف هناك إنشاء جائزة نحوية، فإن من العيب أن لا يتفوق أهل البصرة في النحو، وكان أهلها أساتذة الناس في هذا الباب، ضمنت لكم هذه الجائزة؛ لأن من العسير أن يخذلني سعادة متصرف البصرة، أو سعادة مدير المعارف بالبصرة، وهما قد وعدًا بتحقيق هذا الاقتراح أمام جمهور يعد بالمئات، وسأنتظر شرف الإنجاز في وعود الرجال.

قد تقولون: وهل في مصر جوائز أدبية؟

وأجيب بأن في مصر جوائز عظيمة جدًا، وهي خذلان الأدباء، ولعنة الله على الزمن الذي يضطرني إلى اغتياب مصر في العراق.

أستغفر الله فقد تلقيت اليوم خطابًا من كلية الآداب بالجامعة المصرية هذا نصه:

حضرة الدكتور زكي مبارك

لمناسبة مباشرة حضرة صاحب الجلالة مولانا فاروق الأول سلطته الدستورية وما قررته دار الكتب المصرية من منح هدايا لأوائل الناجحين في الدراسات النهائية للجامعة المصرية ترجو الكلية الطالب إفادتها عن اسم وعنوان من يوكله بمصر في استلام الكتب الموضحة بعاليه الخاصة به بأقرب فرصة لإرسالها إليه.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

ثم إمضاء حضرة سكرتير كلية الآداب.

والخطاب لطيف، لأنه وثيقة رسمية تشهد بأنني كنت من أوائل الناجحين في الدراسات النهائية للجامعة المصرية.

ولكن أتعرفون ما هي هذه الجائزة؟ هي نسخة من ديوان مهيار ونسخة من ديوان صر در، ولكم أن تتصوروا مبلغ فرحي بهذه الجائزة حين تعرفون أن لي أبحاثًا عن أشعار هذين الشاعرين عرفها قراء مؤلفاتي منذ أكثر من عشرين سنة، فلم يبق إلا أن يمنحوني نسخة من كتاب «القراءة الرشيدة».

ولو كانت الجامعة المصرية تعرف السبيل إلى تشجيع أبنائها لسألتني عن كتاب «التصوف الإسلامي»، وهو كتاب مخطوط يقع في أكثر من ألف صفحة أنقله معي من أرض إلى أرض إلى أن يسمع بأخباره رجل منصف فيتطوع بطبعه لوجه الله والأدب قبل أن أموت، وليت حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول يسمع هذا الصوت، فمن الموجع أن يموت كتابي عن التصوف الإسلامي وفي مصر ملك يسره أن يشجع كبار المؤلفين، وقد أصبحت مؤلفًا كبيرًا من حيث لا أحتسب ولا أريد.

والاستنجاد بالملوك لا يغض من كرامة الرجال.

ليس في مصر جوائز أدبية، فليشرع العراق هذه الشريعة، وليكن أول قطر عربي يمنح الجوائز للمتفوقين في اللغة العربية.

فإن كان هذا الكلام يؤذي مصر فلتكذبني ولتذكر متى استطاعت ولو مرة واحدة أن تشجع التأليف بعد شهامة الخديوي إسماعيل.

إنما يعيش الأدباء المصريون في حماية أقلامهم، ولم يستطع أديب مصري أن يشرب فنجانًا من القهوة المرة باسم الأدب، إلا إن رعاه رجل عظيم كالذي وقع للمنفلوطي مع سعد زغلول.

أما الوسيلة الثالثة فهي إنشاء الجامعة العراقية.

الجامعة العراقية.

الجامعة العراقية.

الجامعة العراقية.

ولو شئت لرددت اسمها ألف مرة، وستعرفون ما أصنع بعد أن أرحل عن العراق، فسأكتب في جرائد مصر أن العراقيين لا يرعون حقوق بغداد، سأغتابكم بإذن الله أعنف اغتياب، وسأقول إن العراقيين يؤجلون إنشاء الجامعة إلى أن يقضوا على الأمية، مع أن القضاء على الأمية قضاء مطلقًا سيملأ العراق بالعاطلين وسيحرم العراق من السواعد الشداد، سواعد الفلاحين الذي يتقربون إلى الله بالجهل، والذين يسمع الله أصواتهم قبل أن يسمع أصوات العلماء، سأكتب في جرائد مصر وسأقول في الأندية المصرية إن أهل العراق يجهلون الحقيقة الواضحة، الحقيقة التي تقرر أن النهضة العلمية والأدبية يقوم بها مئات ولا يقوم بها ملايين، وهل ارتفعت الأمية في عهد الرشيد أو عهد المأمون ومن إليهم من الخلفاء؟

اسمع هذه الكلمة أيها الأخ العزيز: إن مصر في هذا العصر تسيطر بالعلم والأدب على جميع الأقطار العربية.

فهل تظن أنها تملك هذه السيطرة لأن فيها ستة عشر مليونًا يقرأون ويكتبون؟ هيهات!

ففي مصر خمسون رجلًا فقط من بين هذه الملايين، وهؤلاء الخمسون هم الذين يرفعون اسم مصر في الميادين الأدبية والعلمية والتشريعية والاقتصادية.

ولو جاء رجل مجرم وشنق هؤلاء الخمسين لأصبح القطر المصري في صفوف الجهلاء، ولتوضيح ذلك أقول:

إن لواء المنوفية في مصر كادت تنعدم فيه الأمية، وهناك قرية فيها نحو عشرة آلاف ليس فيهم أمي واحد، ومع ذلك لم ينبغ فيها نبوغًا ظاهرًا غير رجلين اثنين.

ما أحب أن أسترسل في الشواهد، وإنما أحب أن أقرر بصراحة أن إنشاء الجامعة العراقية أصبح واجبًا كل الوجوب، وكنت فكرت في الخروج إلى الميدان لهذه الفكرة الشريفة، ثم رأيت أنني لا أعرف من أخاطب، وإلى من أتوجه، لأني مع الأسف غريب، وإن كان قلبي يحدثني بأني لست في هذا البلد من الغرباء.

وهذه أول مرة ألقى فيها سهمي، وأطوي لوائي، فإلى شبان العراق وكهوله، وإلى أدبائه ونوابه وأعيانه، إليهم جميعًا أكل هذه الأمانة الغالية وهي فكرة الجامعة العراقية، ويجب أن تحترسوا، فسيقول قوم إن أهل العراق ينسون حقوق بغداد.

وسأنظر وينظر العالم ما تصنعون.

•••

أما الوسيلة الرابعة فهي اطلاعكم على الجديد في عالم النشر والترجمة والتأليف.

والظاهر أن سوق الوراقين، وهو ما تسمونه سوق السراي، لا يؤدي واجبه تأدية صحيحة، وأخشى أن أقول إنه لا يتصل بالقاهرة أتم اتصال، أو هو لا يتقبل من الكتب إلا ما يعرض عليه، فليس عنده سياسة مرسومة، لأنه يجهل أصول الاقتصاد، فالشاب العراقي قد يتشوق إلى كتاب جديد ثم لا يجده في سوق السراي، وحين يتنبه هذا السوق إلى الكتاب المطلوب تكون حماسة الشاب فترت وتضيع فرصة الاطلاع، وقد لاحظت أن بعض المؤلفات المهمة يجهلها شبان العراق بفضل تكاسل الوراقين.

وربما كان من الخير أن أقترح إنشاء جائزة تسمى جائزة الوراقين تمنح لأكبر وراق تحسن سمعته في معاملة المكاتب العربية ويصل شبان العراق بما ينشر في سائر الحواضر العربية، ولا ينبغي أن نطلب معونة الحكومة في جميع الشؤون فيكفي أن تكون هذه الجائزة شهادة تمنحها جماعة أدبية مكونة من المؤلفين والصحفيين.

هذه أيها الأخ أهم الوسائل لتقوية النهضة الأدبية في العراق.

•••

بقى السؤال الرابع وهو الخاص بما أراه في الصحافة اليومية والأسبوعية التي تصدر عن العراق، فما رأيك إذا هربت من جواب هذا السؤال؟

أنا لا أخاف من الجهر بكلمة الحق، ولكني أعرف أن الصراحة في هذا الموطن لها عواقب، وقد أعرض الصحفيين العراقيين إلى موقف شائك، فقد تغضبهم صراحتي فيهجمون على رجل لا يملك وسائل الدفاع.

والحق الذي يعرفه الجميع أنني رجل مشاغب، ولكنني أعجز عن الشغب في العراق؛ لأن الحكومة المصرية بالمرصاد، وقد يسوءها أن أشتبك في معركة أدبية فتطلبني بالبرق لا بالبريد.

ومن المؤكد عندي أن الصحفيين العراقيين تأبى شهامتهم أن يهجموا على رجل أعزل، ولكن من المؤكد أيضًا أنه لا يليق بي أن أستغل شهامتهم فأهجم عليهم ثم أحتمي بحقوق الضيافة، فليكن عندكم أنتم جواب هذا السؤال.

وأنتهز هذه الفرصة فأقرر أن مشاغباتي لم تخرج من حدود مصر، لأن أدباء مصر يحتمل بعضهم شر بعض، أما الأدباء غير المصريين فكنت أتلطف معهم في جميع الأحوال، وكانت حجتي في ذلك أن ما أفسدته السياسة يجب أن يصلحه الأدب، ونحن لا نحمل القلم لنمزق الأواصر بين الشعوب العربية، وإنما نحمل القلم لنصلح ما بين القلوب.

وأنتهز هذه الفرصة أيضًا فأقدم أصدق آيات الثناء إلى من أكرموني في العراق، راجيًا أن لا يمر أحد منهم بمصر بدون أن يراني، فسأكون بإذن الله من صور العراق في مصر، كما كنت من صور مصر في العراق.

وأنتهز هذه الفرصة مرة ثالثة فأقدم التحية إلى من داعبوني في الجرائد والمجلات، فهذه المداعبات هي شاهد المودة والإخلاص، وسأجزيهم على مودتهم الغالية فأذكرهم بالخير عند مصدر الوحي، في حضرة ليلى المريضة بالعراق شفاها الله وشفاني، وشفى من أجلها ومن أجلي جميع الملاح وجميع المفكرين.

أيها الصحفيون العراقيون

اشتموني مرة أو مرتين لأصدق أن أهل العراق ناس كسائر الناس يحسنون ويسيئون، فقد كاد كرمكم ينسيني أهلي وأبنائي وما يجوز في شريعتكم أن ينسى الرجل حقوق الأهل والأبناء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤