الفصل الرابع

المذاهب الأدبية في مصر

خطبة ألقاها المؤلف في نادي القلم العراقي

أيها السادة

اقترح معالي الرئيس الأستاذ محمد رضا الشبيبي أن ألقي محاضرة عن المذاهب الأدبية في مصر، وهو موضوعة شائك حملتني وعورته على أن أقف موقف الواصف، ابتغاء السلامة من الشطط والاعتساف.

وأبدأ بشرح الغرض من كلمة «الأدب المصري» فأصرح لكم أنها تؤدي المعنى الذي تؤديه كلمة «الأدب الأندلسي» مثلًا، أعني: أنها تدل على الأدب العربي الذي ينشئه كتاب مصريون، والمعنى الذي تؤديه كلمة «الأدب البلجيكي» أي الأدب الذي ينشئه البلجيكيون، وهم يكتبون وينظمون باللغة الفرنسية، وكذلك يقال: «الأدب الأمريكي» وهو أدب ينشئه الأمريكيون باللغة الإنجليزية، فليس يصح لأحد أن يستوحش من كلمة «الأدب المصري» لأن المصريين يكتبون باللغة العربية في جميع الموضوعات، حتى الشؤون الخاصة بالبيئة المصرية.

فإن سمعتم أن كلية الآداب عندنا تفكر في إنشاء كرسي للأدب المصري فليس معنى ذلك أنها تريد أن تتناسى الأدب العربي، وإنما هو كرسي لدرس الأدب الذي جادت به القرائح المصرية باللغة العربية، وأنتم تعلمون أن للشعراء والكتاب والمؤلفين الذين نبغوا في مصر مكانة في الأدب العربي، وهم خليقون بأن يظفروا باهتمام خاص من الجامعة المصرية.

وأعود إلى صميم الموضوع فأقول: إن هناك فرقًا بين الأدب والمذاهب الأدبية.

وإنما احتجت إلى النص على هذا الفرق لأني غير مطمئن إلى وجود المذاهب الأدبية في مصر، ففي مصر أدب ضخم يتمثل فيما تصدر من المؤلفات، وقد حدثني السيد عبد العزيز الحلبي أحد كبار الناشرين أن المطابع المصرية تخرج في كل يوم نحو اثني عشر كتابًا باللغة العربية، والأمة التي تخرج في كل سنة أكثر من أربعة آلاف كتاب لا يمكن اتهامها بالضعف في حياتها الأدبية واللغوية.

فالأدب في مصر قوي جدًا، ولكن الذي أرتاب فيه هو وجود المذاهب الأدبية، وإليكم البيان.

قامت مناظرة في الجامعة المصرية بين معالي الدكتور محمد حسين هيكل باشا، والأستاذ خليل مطران، وكان موضوع المناظرة: هل يكفي الأدب العربي لتكوين الأديب؟

وكان رأي الأستاذ مطران أنه يكفي، وكان رأي الدكتور هيكل أنه لا يكفي.

وقد وقف الدكتور طه حسين في صف الدكتور هيكل ووقفت أنا في صف الأستاذ مطران، فهل كنا جميعًا جادين في هذا الجدال؟

هيهات، فقد كان الدكتور طه والدكتور هيكل أديبين قبل أن يعرفا شيئًا من اللغات الأجنبية، وكنت أنا والأستاذ مطران من أحرص الناس على التزود من الآداب الأجنبية.

فما معنى هذه المناظرة؟ ما معناها وليس في المتناظرين من يكتفي بالآداب العربية أو يزهد في الآداب الأجنبية.

إن لهذه المناظرة معنى واحدًا هو: حض الشبان على تقليب وجوه الرأي في المسائل الأدبية.

•••

وكذلك يقال في الجدل العنيف الذي ثار في مصر بين القديم والحديث، فقد كان الأستاذ مصطفى الرافعي يحمل راية القديم وكان الدكتور طه حسين يحمل راية الحديث.

فهل معنى ذلك أن أدب الأستاذ الرافعي كان صورة لأدب الجاحظ أو ابن العميد، أو أن الدكتور طه كان يتجاهل الأدب القديم؟

لا هذا ولا ذاك، وإنما هي صور من الجدل يكثر صدورها في الصحف المصرية.

ومن هذا الباب كان الجدل بين الدكتور طه حسين والأستاذ العقاد حول الأدب اللاتيني والأدب السكسوني، فليس الدكتور طه ممن يتجاهلون خصائص الآداب السكسونية، ولا الأستاذ العقاد ممن يتجاهلون خصائص الآداب اللاتينية، وإنما هو جدل يكثر صدوره عن أقلام الأدباء المصريين.

وكذلك الحال في الجدل الذي يثور في مصر أحيانًا بين أنصار الترجمة وأنصار التأليف، فليس في الداعين إلى التأليف من يجهل فضل الترجمة، وليس في الداعين إلى الترجمة من يجهل فضل التأليف، وإنما هي ضروب من الجدل المثمر يحسنها المصريون.

ومثل هذا يقال في الجدل الذي ثار حول الأدب المكشوف، فليس في مصر اختلاف حول استقباح ذكر العورات والمخازي، وإنما هو خلاف في طريقة نشر المؤلفات القديمة، ففي مصر أدباء يشيرون بنشرها مهذبة، وأدباء يشيرون بنشرها كاملة مراعاة للأمانة في فهم التاريخ.

وقد ثار الجدل في مصر حول مهمة المجمع اللغوي، فجماعة يقولون بدرس اللهجات، وآخرون بإحياء المؤلفات القديمة، ولكنهم جميعًا متفقون على ضرورة الجمع بين الفائدتين.

والقصة، ما شأنها؟ ناس يقولون بوجوب الاهتمام بالقصة، وفريق يقول إنها فن مفتعل في اللغة العربية، ولكن أولئك وهؤلاء يجمعون بين المذهبين في التأليف.

وخلاصة القول أن النزاع بين الأدباء المصريين لا يصدر عن مذاهب أدبية، وإنما هي طلائع لمذاهب أدبية ستستفحل بعد حين.

•••

ولكن متى بدت تباشير تلك الطلائع؟

كان المصريون قبل مائة سنة لا يعرفون من موارد الثقافة غير الأزهر الشريف، فكان الأدباء يتشابهون في الأغراض والأساليب.

ثم أنشئت وزارة المعارف فدخلت على الأذهان والعقول أطياف جديدة من الثقافة الغربية، وشرع الأدباء ينقسمون إلى طائفتين: طائفة أزهرية، وطائفة عصرية، وأخذت هاتان الطائفتان تقتتلان في مختلف الميادين.

وأقرب الشواهب لذلك ما كان يثور من الخصومات الأدبية بين كتاب «الجريدة» من جانب، وكتاب «المؤيد واللواء» من جانب، وكان ذلك منذ ثلاثين عامًا، حين كان أحمد لطفي السيد يقارع عبد العزيز جاويش وعلي يوسف، وأساس الثقافة عند الأول مدني، وعند الآخرين أزهري، فكان يظهر التفاوت في الأغراض وفي الأساليب، بحيث كان يظهر أن الجو الأدبي لم يعد يتنفس في هواء واحد، وكاد الناس يدركون أن عقلية من يحمل العمامة تخالف عقلية من يحمل الطربوش؟

والاختلاف في الأغراض ظهر بقوة جارفة يوم ثار الجدل في مصر حول السفور والحجاب، فقد كان دعاة السفور من أنصار الثقافة الحديثة، وكان المتمسكون بالحجاب من شيوخ الأدب القديم.

وكان إنشاء الجامعة المصرية في سنة ١٩٠٨ بداية الفصل بين القديم والحديث، فقد كان أكثر الأدباء لذلك العهد لا يعرفون اللغات الأجنبية، فلما أنشئت الجامعة كان في نظامها أن لا يظفر بألقابها إلا من يؤدون امتحانًا في آداب اللغة الفرنسية أو اللغة الانجليزية، ومعنى ذلك أن الأديب لا يظفر بإجازة جامعية في الأدب إلا إن تمكن من الاتصال بالآداب اللاتينية أو السكسونية، ونحن نعرف أن ذلك لا يمر بسلام، وإنما يدخل في عقل الأديب وذهنه وقلبه ألوانًا من الثورة على الأدب الموروث، ونتائج ذلك محسوسة، فالأدباء المتخرجون في الأزهر ودار العلوم غير المتخرجين في الجامعة المصرية، ويكفي أن تنظروا في كتابين ألفًا في موضوع واحد هو الأدب الجاهلي، أولهما للأستاذ محمد هاشم عطية، وثانيهما للدكتور طه حسين، وهما كتابان جيدان، ولكن المؤلفين يختلفان في فهم الأدب الجاهلي أشد الاختلاف.

•••

وقصة الأدب المكشوف ليس لها في مصر وجود ملموس، ولكن يظهر أثرها في مطبوعات دار الكتب المصرية، فإن القسم الأدبي هناك يطبع من كل كتاب نسختين: نسخة كاملة، أو نسخة مدنسة، تنشر بما اشتملت عليه من العورات والمجون، ولاتباع لغير الخواص، ونسخة مطهرة أو مهذبة تحذف منها أسماء العورات والمجون، وتباع لسائر الناس.

ولم يسلم من هذه الرقابة غير كتابين: الأول: «عيون الأخبار»، وقد دافعت عنه بنفسي يوم كنت موظفًا بدار الكتب المصرية سنة ١٩٢٥، وأقنعت المرحوم الدكتور أبو هيف بإبقاء الكتاب على أصله، رعاية لوصية المؤلف رحمه الله. والثاني: كتاب «الأغاني»، وقد اشترط السيد راتب أن لا يحذف منه شيء، وكان قدم لوزارة المعارف مبلغًا من المال تستعين به على إحياء ذلك الكتاب.

أيها السادة

كان النقد الأدبي قبل الحرب يحاكم الكتاب والشعراء إلى المعروف من أساليب القدماء، ولكن الحياة الأدبية مع ذلك لم تخل من وثبات فكرية بفضل النور الذي بثته الجامعة المصرية، فلما جاءت الحرب غلا الورق غلاء شديدًا، وتخاذلت الصحف والمجلات، وضاقت الميادين أمام الناقدين وخلا الجو للمرحوم المنفلوطي فكان وحده المؤلف وكان وحده المنقود.

وفي أعقاب الحرب ظهر كتاب اسمه «الديوان» وهو أشبه بمجلة دورية يحررها الأستاذ عباس العقاد والأستاذ إبراهيم المازني، وكان الغرض منه هدم الأسماء التي سيطرت على الحياة الأدبية، ولا سيما شوقي والمنفلوطي، وبجانب ذلك نشطت مجلة أسبوعية اسمها عكاظ كان من همها أن تدحر هذين الكاتبين، واستطاع هذا العراك أن يشغل الناس من جديد بالحياة الأدبية.

ثم كانت الثورة المصرية التي خلقت مئات من الكتاب والخطباء.

ثم كان الجدل السياسي بين عدلي يكن وسعد زغلول، وهذا الجدل هو وحده صاحب الفضل على الأدب في الديار المصرية.

وبيان ذلك أن عدلي يكن وأصحابه كانوا يفهمون جيدًا أن سعد زغلول يستأثر بالجماهير، فانشأوا جريدة السياسية وزودوها بالدراسات الأدبية لتستطيع الوصول إلى جماهير القراء، وقد صح ما توقعوه فأصبح لجريدتهم قراء، ثم رأى الوفد المصري أن يفل الأدب بالأدب، فأمد جريدة البلاغ بطائفة من حملة الأقلام.

وكذلك أصبح من التقاليد أن يكون في كل جريدة يومية صفحة أدبية.

ولكي تعرفوا كيف كان يسيطر الأدب في ذلك العهد أروي لكم القصة الآتية:

«كان شوقي رحمه الله ينشر قصائده في جريدة الأهرام، ورأت جريدة السياسة أن تنفرد بنشر تلك القصائد، ولكن ماذا تصنع؟ أعلنت أنها تدفع خمسين دينارًا للجمعية الخيرية الإسلامية في كل مرة تنشر فيها قصيدة من قصائد شوقي. وبذلك غنمت القراء الذين كانوا ينتظرون شوقي على صفحات الأهرام».

أيها السادة

في مصر اليوم رجة اجتماعية ستعود على الأدب بأجزل النفع، وأنتم تعلمون أن الأدب يستفيد من الخير والشر على السواء، ومن شواهد ذلك الأدب النسوي: فقد ابتدأ برسائل «باحثة البادية» ملك حنفي ناصف، وكانت أبحاثها مقصورة على الجوانب الاجتماعية، ثم جاءت الآنسة مي فأمدت الأدب النسوي بأرواح معطرة، ولكن نشأ في الأعوام الأخيرة حادث أدبي يستحق التنويه، ذلك هو أدب الآنسة جميلة العلايلي، فقد أخرجت ديوانًا شعريًا يتوقد بأنفاس الحنين، وهي أول مرة نسمع فيها أن فتاة عربية تنظم ديوانًا تغلب عليه الوجدانيات، ولهذه الآنسة قصص طريفة تمثل بها عواطف النساء العاشقات أصدق تمثيل، وذلك لون من الأدب الجديد.

أقول هذا وأنا أعرف أن فيكم من ينكر أن تفصح الفتاة عن عواطفها الوجدانية، ولكني أقف موقف المؤرخ، ولا حرج على من يحاول الأمانة في سرد التاريخ.

وعندنا اليوم فتاة اسمها سهير القلماوي، وهي أقل جرأة من جميلة العلايلي ولكن يغلب على ظني أنها ستكسر قيود الرزانة بعد قليل، إلا أن تحرص على وظيفتها بكلية الآداب فتتكلف الوقار، وفي كلية الآداب اليوم حركة لانتخاب «أميرة الشواعر» وأخشى أن نستغني بها عن «أمير الشعراء»!!

وبهذه المناسبة أذكر أن المصريين كانوا فكروا في انتخاب أمير للشعر بعد شوقي، ورأي جماعة أن يكون ذلك اللقب من حظ الأستاذ عباس العقاد وثار جماعة آخرون منهم الأستاذ محمد الهراوي والأستاذ محمد الأسمر فقد أهدوا اللقب إلى «البرنس» وهو نساخ في دار الكتب المصرية له منظومات في التهاني بالأفراح والليالي الملاح!! وقد قتل ذلك الجد بهذا المزاح.

أيها السادة

لا تعجبوا من حرصي على تدوين الجانب النسائي في الحياة الأدبية، فأنا واثق بأن الرجة الاجتماعية التي يمثلها اختلاط الجنسين في الجامعة المصرية سيؤدي إلى نتائج منها المقبول والمرذول، ولا مفر من الاعتراف بأن وجود نحو ثلثمائة فتاة بين شبان الجامعة المصرية سيحدث أزمات نفسية وخلقية، ومن تلك الأزمات المخوفة يأخذ الأدب وقوده الذي ظل ينتظره منذ أجيال.

ولكي تعرفوا كيف أسرع التطور في بلادنا أذكر لكم أني كنت طالبًا في الجامعة المصرية منذ عشرين عامًا، ولم يكن يزاملني من الجنس اللطيف في ذلك العهد غير فتاة واحدة هي الآنسة مي، وحين يلتحق ابني بالجامعة في العام المقبل سيجد بجانبه ثلثمائة فتاة، فإن صح أن مزاملة فتاة واحدة أثرت في أدبي، فكيف يكون حال ابني؟ وقاه الله ونجاه!!

أيها السادة

قد يكون من الخير أن نقرر أن الأدباء المصريين بدأوا ينقسمون إلى طوائف ففي الشعراء من يريد قصر شعره على مسامرة الأطفال كالأستاذ محمد الهراوي، وفيهم من يقف أشعاره على الأغاني كالأستاذ أحمد رامي الذي ملأ المشرقين بالحنين على لسان أم كلثوم، وفي الكتاب من لا يعبر عن أغراضه بغير القصص وفيهم من يكاد يقصر أدبه على السخرية من المجتمع كالأستاذ إبراهيم المازني، وفيهم من وقف أدبه على الفكاهة كالأستاذ حسن شفيق المصري، وعندنا أدباء لا يعرفون إلا إذا علوا منابر البرلمان.

وقد بدأت الأساليب تتنافر وتختلف، فأسلوب فكري أباظة ومحمد التابعي غير أسلوب عبد العزيز البشري وأحمد الزيات.

وكتاب الأهرام لهم مسالك في التعبير تخالف مسالك زملائهم في جريدة البلاغ.

والموضوعات التي تدرسها مجلة الرسالة غير الموضوعات التي تدرسها مجلة الصباح.

والسامرون في الأحياء الأزهرية لهم مذاهب في القول والتعبير تباين المذاهب المألوفة عند السامرين في شارع مظلوم وشارع فؤاد، وأدباء القاهرة غير أدباء الإسكندرية وغير أدباء أسيوط.

ولكن ما نراه تباينا لا يجيز القول بأن في مصر مذاهب أدبية تشبه الكلاسيك والرومانتيك عند الفرنسيين، ذلك بأن الأدباء المصريين تتطور أذواقهم كل يوم بفضل إقبالهم على مختلف الثقافات الشرقية والغربية، فالخلاف بين الأساليب هو كالخلاف بين الوجوه لا يجعل الرجلين من أمتين مختلفتين وإن كان يشهد لكل فرد بالقوة الذاتية.

وهذا التصادم بين المشارب والميول يحير المبتدئين في بلادنا فلا يعرفون كيف يتوجهون، ولكنه يساعد على قوة الشخصية، إذ يستطيع الشاب الناضج أن يتفرد في النهاية بأسلوب خاص.

وقد يكون من الخير أيضًا أن نقرر أن في مصر كثيرًا من الجرائد والمجلات التي تصدر باللغات الأجنبية، وهذا يؤثر في تلوين الثقافة أشد تأثير، لأنه يغري الأدباء المصريين بمتابعة الكتاب الأجانب في بعض المذاهب، ولعل لهذا دخلًا في شيوع الصور الرمزية بالمجلات المصرية، والأفكار تعدي بالصحة وتعدي بالمرض في أكثر الأحيان.

أيها السادة

لا يسعني في هذا المقام أن أغفل ظاهرة أدبية عرفتها مصر في الأعوام الأخيرة، فقد كانت أنشئت مجلة شعرية اسمها «أبوللو» ولم تعمر غير عامين، ولو طال عمرها لأمدت الشعر بكثير من الحيوية، ولكن الدكتور أبو شادي عجز عن الإنفاق عليها بعد أن أنفق في سبيلها ما أنفق، فغربت بعد أن أظهرت طاثفة من الشعراء الشبان منهم حسن الصيرفي وصالح جودت وعلي محمود طه، وبعد أن عرفت الجمهور بعبقرية الدكتور إبراهيم ناجي أصدق شاعر يبكي حظوظ القلوب ويذكر الناس بنبرات ابن الأحنف وابن زيدون.

أتريدون كلمة الحق؟

لم يبق في مصر أدب ولا مذهب أدبية.

إن الأقلام كلها تحولت إلى الجدل السياسي، وكاد المسرح المصري يموت بالرغم من وجود قصاصين بارعين أمثال محمود تيمور وتوفيق الحكيم.

فإن شئتم أن تعرفوا ما هو المذهب الجديد الذي عرفته مصر من بين المذاهب الأدبية فإني أحدثكم أن ذلك المذهب هو الأدب السياسي، والأدب السياسي هو كل ما تعرف مصر من غذاء العقول في هذه السنين العواصف.

والأدب السياسي فن جديد في اللغة العربية، ولا يعرف قيمته إلا من يقرأ البلاغ والكوكب والجهاد والأهرام والمقطم وآخر ساعة والكشكول، ففي هذه الجرائد والمجلات صنوف من الصبوح والغبوق يدركها أرباب الأذواق.

ولو رأيتم كيف تتصاول المذاهب والآراء في تلك الجرائد والمجلات لرأيتم العجب العجاب، وأشد ما آسف له أن الأدب السياسي في مصر لا يطلع عليه إخواننا في سائر الأقطار العربية، لأنهم يحسبونه نوعًا من الحديث المعاد، ولو بحثوا لعرفوا أنه صقال للأذهان والعقول.

أيها السادة

قد رأيتم أنني وقفت موقف الواصف لبعض الظواهر الأدبية في الديار المصرية، وما أدعي أني وفيت الموضوع حقه من البحث، ولكن يكفي أن أكون طفت بكم طوفة لا تخلو من طرافة، وهي طوفة كنت فيها مثالًا للدليل الأمين، والسلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤