مدخل
لم ترِد بخاطري من قبلُ مطلقًا فكرة كتابة مذكراتي، ولمَّا كنت أُدرك افتقاري التام للموهبة الأدبية، فقد ظللتُ طوال حياتي مشغولةً بشدة بإصدار مؤلفات زوجي خالد الذكر، ومن ثم لم يكن لديَّ وقت يكفي للاهتمام بأي شيء آخر يتعلق من قريبٍ أو بعيد بذكراه.
وفي عام ١٩١٠م، ونظرًا لسوء حالتي الصحية وتدهور قواي، فقد أصبح لزامًا عليَّ أن أضع أمانة إصدار مؤلفات زوجي، الشديدة الأهمية بالنسبة لي، في أيدي آخرين. وعندما اضطررتُ، بسبب إصرار الأطباء، على العيش بعيدًا عن العاصمة، شعرت بفراغٍ كبيرٍ في حياتي كان من الضروري أن أملأه بعملٍ ما يكون شيقًا بالنسبة لي. بعبارة أخرى، فقد شعرت أن هذا العمل لن يستغرق وقتًا طويلًا.
كنت أعيش في وحدة تامة، لا أشارك، اللهمَّ إلا في القليل، من الأحداث الجارية. وشيئًا فشيئًا رحتُ أستغرق بروحي وفكري في الماضي الذي كان سعيدًا، وهو ما ساعدني على نسيان الفراغ وافتقار حياتي التي أعيشها إلى غايةٍ أصبو إليها.
عندما رحتُ أعيد قراءة دفاتر مذكرات زوجي وكذلك دفاتري الشخصية وجدتُ فيهما من التفاصيل المُهمَّة ما جعلني، دون إرادةٍ مني، أرغب في إعادة كتابتها من جديد؛ لا اختزالًا، على النحو الذي كانت عليه، وإنما بلغةٍ يفهمها الجميع، وخاصة أنني كنتُ على يقين أن أبنائي وأحفادي سوف يُقبلون على قراءتها باهتمامٍ بالغ، وربما اهتمَّ بها أيضًا مُحبو موهبة زوجي الخالد الذكر، وكذلك من لدَيهم الرغبة في أن يتعرفوا على حياة فيودور ميخايلوفيتش العائلية.
ومن هذه المذكرات التي دوَّنتُها في أوقات متفرقة على مدى فصول الشتاء الخمسة الأخيرة (١٩١١–١٩١٦م) تجمَّع لديَّ عددٌ من الدفاتر التي سعيتُ جاهدة أن أضعها مُرتَّبة قدر الإمكان.
لا أتعهَّد لأحدٍ أن تكون مذكراتي شيقة، ولكنني أستطيع أن أضمن صِحتها وحيادها الكاملين؛ من حيث وصف مواقف بعض الشخصيات، فهذه المذكرات بُنِيَت أساسًا على مُدوَّنات مؤيدة بخطابات ومقالات من الصحف والمجلات.
وأعترف صراحةً أن مذكراتي تحتوي على أخطاء أدبية كالإطالة في السرد، والتبايُن في حجم الفصول، والأسلوب القديم وهلم جرًّا. على أنَّ المرء، وقد بلغ السبعين من العمر، يصعُب عليه أن يتعلم أشياء جديدة، وإنما يغفر لي هذه الزلَّات إخلاصي ورغبتي القلبية في أن أُقدِّم للقارئ، فيودور ميخايلوفيتش دستويفسكي بكلِّ ما له وما عليه، وأن أضع أمامَهُ الصورة التي كان عليها في حياته الشخصية والعائلية.
