الفصل التاسع

جرانت يحصل على معلوماتٍ أكثرَ مما توقَّع

كان جرانت يدرس الصحف الصباحية، بدقته المعتادة غيرِ المبالية جزئيًّا. وهذا ليس تناقضًا؛ فجرانت ظاهريًّا تصفَّح الجريدة، ولكن إذا سألتَه عن أي حدث معيَّن بعد ذلك، فستجد أنه قد اكتسب معرفةً عَملية فعالة للغاية منه. كان يشعر بالرضا عن نفسه. كان على بُعد ساعات فقط من القبض على الرجل الذي كان يتعقَّبه. لقد مر أسبوعٌ اليوم على ارتكاب جريمة القتل، وكان تحديد مكان القاتل من بين مجموعةٍ من القرائن المتضاربة في مثلِ هذا الوقت القصير عملًا جيدًا. كان الحظُّ في صفه بالطبع؛ لقد اعترف بذلك بحُرية. ولولا الحظُّ من جانب أحد الأطراف، لأفلت نصف المجرمين في العالم من العقاب. فاللص، على سبيل المثال، نادرًا ما تتم إدانته إلا إذا حالف الشرطةَ الحظُّ. لكن قضية صفِّ الانتظار لم تكن أمرًا يسيرًا بأي حال من الأحوال. فقد كان هناك الكثيرُ من الأعمال التمهيدية الصعبة؛ وانتابت جرانت مشاعرُ طيبة تُشبه إلى حدٍّ بعيد تلك المشاعرَ التي انتابته وهو يفكر في مجموعة الرجال الذين يعملون جنوبَ لندن في هذه اللحظة، بلهفة تُشبه لهفة كلاب الصيد التي تعمل في الخفاء. كانت لديه شكوكُه بشأن السيدة إيفريت، لكنه بشكل عام قرَّر أنها تقول الصدق. أبلغ الرجلُ المسئول عن مراقبتها أنه لم يأتِ أحدٌ أو يغادر المنزلَ من الساعة الثامنة مساءَ أمس، عندما ذهب إلى الخدمة، حتى صباح اليوم. علاوةً على ذلك، كانت قد أعطتهم صورةً لكلٍّ من الرجلين عندما لم تكن هناك ضرورةٌ لذلك، وكان من المحتمل جدًّا أنها لم تكن تعرف عُنوان ساكنها السابق. كان جرانت يعرف جيدًا اللامبالاة الغريبة التي تُولِّدها لندن لدى الأشخاص الذين عاشوا فيها مدةً طويلة. فالجانب الآخر من النهر بالنسبة لأبناء لندن القاطنين في شارع فولام كان مكانًا أجنبيًّا مثل كندا، وربما لن تهتمَّ السيدة إيفريت بعنوانٍ في ريتشموند أكثرَ مما قد تهتمُّ بعُنوان في أحد الأرقام، في أحد الشوارع، في مكانٍ ما، في أونتاريو. فهذا لن يُفيدها كثيرًا. كان لامونت هو الشخصَ الذي قضى معها أقلَّ وقت، وربما كان اهتمامها به أقلَّ من اهتمامها بالقتيل. ربما كان قد وعَد في دفء رحيله الودود، وإن لم يكن صادقًا، بالكتابة إليها، وكانت راضيةً عن ذلك. بشكل عام، كان يعتقد أن السيدة إيفريت كانت صادقة. لم تكن بصماتُ أصابعها تلك الموجودة على المسدس والمظروف. لاحظ جرانت المكانَ الذي حمل منه إبهامُها الأيسر وسبابتها اليُسرى الصورتين بإحكامٍ عند الزاوية، وعند فحص البصمات ثبَتَ أنها جديدةٌ تمامًا في القضية. لذلك كان جرانت سعيدًا هذا الصباح. بصرف النظر عن الشُّهرة التي ستنجم عن اعتقال رجلٍ مطلوب بشدة، فإن إلقاءه القبض على رجلٍ طعنَ آخَر في ظهره سيُشعر جرانت بارتياح كبير. شعر بالاشمئزاز عند التفكير في عقلٍ قادر على التخطيط للجريمة.

في الأسبوع الذي أعقب جريمةَ القتل التي وقعَت في صفِّ الانتظار، انخفضَت قيمتها المثيرة بالنسبة إلى الصحافة إلى حدٍّ ما بسبب أحداثٍ مهمةٍ أخرى، وعلى الرغم من أن اهتمام جرانت الرئيسيَّ بدا وكأنه مكرَّس على ما يبدو لمعلوماتٍ قليلة غير مهمة وغير ذات صلةٍ مثل سرقة الدراجات، فقد كان مدركًا باستمتاع وبالأحرى بامتنانٍ أن أهمَّ الأشياء في بريطانيا اليوم — بالنظر إلى حجم العنوان الذي أعلن عنها ومقدار المساحة المخصَّصة لها — كانت الاستعدادات لسباق القوارب، والإجراء الذي اتخذه طبيبُ تجميلٍ خاصٌّ بالطبقة الراقية ضد سيدة كانت قد أجْرَت عملية شدٍّ للوجه، ورحيل راي ماركابل إلى الولايات المتحدة. عندما قلب جرانت صفحةَ الجريدة المصورة ورأى وجهها أمامه، أدرك مرة أخرى تلك الحركة الغريبة وغير المستقرة التي لا تُشبه سِمات الشرطة في شيء في صدره. لم تتسارع دقاتُ قلبه — فهذا سيكون ظلمًا له؛ فقلوب إدارة التحقيقات الجنائية محصَّنة ضد الخفَقان، أو الارتعاش، أو إساءة التصرُّف بطريقة أخرى حتى عندما ينظر المالك إلى فوهة ماسورة البندقية التي لا هوادة فيها — ولكنه بالتأكيد كان مذنبًا بارتكاب حركة غير مصرَّح بها. ربما كان الاستياء من ضعفه لدى اندهاشه بصورة، لكنَّ عينَي جرانت كانتا قاسيتين للغاية عندما نظر إلى الوجه المبتسم — تلك الابتسامة الشهيرة الغامضة. وعلى الرغم من أن فمه قد يكون انحنى، فإنه لم يبتسم وهو يقرأُ تعليقات الصور الكثيرة: «الآنسة راي ماركابل، صورة استوديو»، «الآنسة ماركابل التي تلعب دورَ دودو في «ديدنت يو نو؟»، «الآنسة ماركابل في الصف»، وأخيرًا، «الآنسة ماركابل تغادر من ووترلو في طريقها إلى ساوثهامبتون» بحجم نصفِ الصفحة الوسطى، وكان هناك راي، واضعةً قدَمَها الصغيرة على عتبة قطار بولمان، وذراعاها ممتلئتان بالورود. وتراصَّ على جانبَيها أشخاصٌ معروفون جيدًا بما يكفي ليكونوا تحت عنوان «من اليسار إلى اليمين». في كلٍّ من الركنين السفليَّين من الصورة، كانت هناك الرءوس المتحمسة لعدد قليل من الجموع التي لا تُعد ولا تُحصى وهي تودعها والتي كانت محظوظةً بما يكفي لتكونَ على مقربة منها. كانت الصور الأخيرة، حيث استدارت في الغالب لتنظرَ إلى الكاميرا، خارج نطاق التركيز وبلا ملامح، مثل مجموعة من الزوائد الفظَّة نصفِ البشرية. في نهاية العمود الذي يصف المشاهد الحماسية التي صاحبَت رحيلها جاءت الجملةُ التالية: «أبحر أيضًا بسفينة الملكة جوينيفير ليدي فوليس روبنسون، وصاحبة المقام الرفيع مارجريت بيديفير، والسيد شاترز-فرانك، عضو البرلمان، واللورد لاسينج.»

تجلَّت ابتسامةُ السخرية على شفتَي المفتش أكثرَ قليلًا. من الواضح أن تلك الإرادة الواضحة والباردة هي التي ستتولَّى أمر لاسينج بقيةَ حياته. حسنًا، من المحتمل أن يعيشَ ويموت دون أن يُدرك ذلك؛ كان هناك بعضُ الراحة في ذلك. لن يتمكنَ من معرفة ذلك سوى من خلال لحظةٍ من الرؤية الواضحة غير الطبيعية، وإذا ذهب إلى أيِّ حشد في لندن، روثرهايث أو مايفير، وأعلن أن راي ماركابل، بكل ما تتمتَّع به من سحر وكرم، كان يصعبُ التعامل معها، فمن المحتمل أن يُعدَم دون محاكمةٍ أو يُطرَد من الكنيسة. ألقى الصحيفة بعيدًا، وكان على وشك التقاط صحيفة أخرى عندما خطرَت له فكرةٌ، أثارها الإعلانُ عن الإبحار في جوينيفير. كان قد قرَّر قَبول صحةِ تصريح السيدة إيفريت، لكنه لم يُحقق في تصريحها الخاصِّ بذَهاب سوريل إلى أمريكا. لقد اعتبر أن قصةَ أمريكا كانت حيلةً قام بها سوريل لإخفاء انتحارِه المقصود، وأن الشاميَّ — لامونت — سواءٌ صدَّق الحكاية أم لا، لم يسْعَ لتغيير افتراضِ رحيل سوريل. هل كان حكيمًا في عدم إجراءِ مزيدٍ من التحقيق في المسألة؟ كان ذلك، على الأقل، غيرَ عمَلي. أرسل بطلب أحدِ مرءوسيه. وقال: «احصل على معلومات عن السفن التي أبحرت من ساوثهامبتون الأربعاء الماضي»، وظل يُفكر حتى عاد الرجل بخبرِ أن السفينة الكنَدية بالمحيط الهادئ «ميتالينير» قد أبحرَت متوجهةً إلى مونتريال، وسفينة روتردام-مانهاتن «كوين أوف آربيا» إلى نيويورك. يبدو أن سوريل قد تحمَّل على الأقل عناءَ التحقُّق من مواعيد الرحلات البحرية. فكَّر جرانت في الذَّهاب إلى مكاتب روتردام-مانهاتن وإجراء محادثة؛ تحسُّبًا لظهور شيءٍ مفيد للعلَن.

بمجرد أن ترك المطر الخفيف الذي لم يتوقَّف ودخل إلى المكاتب الشبيهة بالكاتدرائيات في روتردام-مانهاتن، قفز صبيٌّ صغير يرتدي اللونَ الأزرق مثل الجنِّي من الرصيف المكسوِّ بالفسيفساء في البهو وسأله عمَّا يريد. قال جرانت إنه يريد رؤية شخصٍ يمكنه إخبارُه عن مواعيد الرحلات البحرية إلى نيويورك في الأسبوع الماضي، وقاده الولد الصغير، الذي يتمتَّع بمظهرٍ يجعله خاليًا من الألغاز ومعرفتها، قاده إلى غرفة وموظف، أوضح له جرانت مرة أخرى ما يريد؛ لذا أرشده إلى موظَّف آخَر. وفي عملية الإرشاد الثالثة، وجد جرانت موظفًا يعرف كلَّ ما يجب معرفته عن «كوين أوف آرابيا» — نظامها الاقتصادي الداخلي، وطاقمها، وركابها، وسَعتها، وخصائصها، وحمولتها، وجدولها الزمَني، وإبحارها.

«هل يمكن أن تُخبرني ما إذا كان أي شخص قد حجز مكانًا على متن «كوين أوف آرابيا» في هذه الرحلة ولم يذهب؟»

قال الموظَّف إنه لم يشغل شخصان أماكن مبيتهما. أحدهما كان السيد سوريل والآخر كان السيدة جيمس راتكليف.

عجز جرانت عن الكلام لحظة؛ ثم سأل عن تاريخ الحجوزات. تم حجزهما في اليوم ذاتِه — قبل سبعة أيام من جريمة القتل. ألغت السيدة راتكليف حجزها في اللحظة الأخيرة، لكنهم لم يسمعوا شيئًا من السيد سوريل.

هل يمكن أن يرى مخطَّط الحجرتَين؟

قال الموظف بالتأكيد، وأخرجهما. هنا كان السيد سوريل، وهنا، على بُعد ثلاث حجرات في نفس الصف، كانت السيدة راتكليف.

هل تم الحجز بشكلٍ منفصل؟

نعم، لأنه تذكر المعاملتَين جيدًا. تذكر السيدة راتكليف، وكان متأكدًا استنادًا إلى حديثِه معه أن الرجل هو سوريل نفسُه. وظن أن بإمكانه التعرفَ على السيد سوريل مرة أخرى.

أخرج جرانت صورةَ الشامي وعرَضَها عليه. سأل: «هل هذا هو الرجل؟».

هز الموظفُ رأسه. وقال: «لم أره من قبل على حدِّ علمي.»

سأل جرانت: «ماذا عن ذلك؟» وسلَّمه صورةَ سوريل، وتعرف عليه الموظف على الفور.

سأل جرانت: «هل استفسرَ عن جيرانه في الصف؟» لكن الموظف لم يتذكر أيَّ تفاصيل من هذا القبيل. لقد كان ذلك الإثنين يومًا مزدحمًا للغاية. شكَره جرانت، وخرج إلى المطر الخفيف، غيرَ مدركٍ تمامًا أنها كانت تُمطر. لم تعد الأمورُ معقولةً ومفهومة؛ السبب والنتيجة والدافع والفعل تحالَفوا بأدب. فقد كانوا يكتسبون عدم ترابط مثل كابوس يفزع عقلَه أثناء النهار. كان سوريل قد نوى الذَّهاب إلى أمريكا، بالرغم من كلِّ شيء. لقد حجز مكانًا في الدرجة الثانية واختار بنفسه حجرة. الحقيقة المذهِلة التي لا جدال فيها لا تتناسبُ مع شيء. بدا كما لو أن الأمور التي بدأت تتقدَّم بسلاسة انهارَت تمامًا. لو كان سوريل مفلسًا كما بدا، لما فكر في رحلةٍ من الدرجة الثانية إلى نيويورك، وبالنظر إلى الحجز، بدا الانتحار المتعمَّد تفسيرًا سيئًا لوجود المسدس وغياب المتعلقات. كان واضحًا للغاية من نظريتِه الأولى أن قلة القرائن الشخصية أمرٌ قد تم تدبيره في حالة الاحتكاك بالشرطة. لكن سوريل كان، بكل المقاييس، شخصًا يحترم القانون. وبعد ذلك، لزيادة الطين بلَّة، كانت هناك عودةُ السيدة راتكليف للظهور في هذه القضية. فقد كانت هي الوحيدةَ من بين الأشخاص المحيطين بسوريل الذين أظهَروا ضيقًا ملحوظًا في وقتِ جريمة القتل أو بعدَ ذلك. كانت هي وزوجُها هما اللذَين اعترَفا بوقوفهما خلف سوريل في صفِّ الانتظار. زوجها! ظهرَت في ذهنه صورةُ جيمس راتكليف، ذلك الشخص الذي يدعم الجنسيةَ البريطانية. كان سيذهب ليُجري مقابلةً مفاجئة أخرى مع السيد راتكليف.

أخذ الصبيُّ بطاقته، وانتظر في المكتب الخارجي لمدة ثلاث دقائق تقريبًا قبل أن يخرج السيد راتكليف ويُرشده إلى الداخل بمودةٍ مرحِّبة.

قال: «حسنًا أيها المفتش، كيف حالك؟ هل تعلم، يجب أن تكون أنت وأطبَّاء الأسنان أكثرَ الناس تعاسةً في العالم. لا أحد يراك دون أن يتذكر أشياءَ غيرَ سارة.»

قال جرانت: «لم آتِ لأُزعجك. تصادفَ أن كنتُ بالجوار، واعتقدت أنك ربما تسمح لي باستخدام هاتفك لتُجنِّبني الذَّهاب إلى مكتب البريد.»

قال راتكليف: «أوه، بالتأكيد. تفضل. سأتركك بمفردك.»

قال جرانت: «لا، لا تذهب، لن يكون هناك شيءٌ خاص. أريد فقط أن أعرف ما إذا كانوا يريدونني.»

لكن لم يكن أحدٌ يريده. كانت الأمور في جنوب لندن مستقرَّة، لكن كان ملازموه مُثابرين ومشغولين. وقد أغلق الخطَّ بارتياح كان مفاجئًا إلى حدٍّ ما إذا ما أُخذت في الاعتبار الحالة الذهنية المتلهفة التي انطلق بها من سكوتلانديارد. الآن لم يكن يريد إلقاءَ القبض على أحد حتى يُتاح له الوقت للتفكير مَليًّا في الأمور. إن أفظع شيء في حياة ضابط شرطة سكوتلانديارد هو إجراءُ اعتقال جائر. التفَت إلى راتكليف، وسمح له بمعرفة أن اعتقال المجرم أصبحَ وشيكًا؛ لقد حدَّدوا مكان الرجل الذي يبحثون عنه. جامَله راتكليف، وفي منتصف المجاملات قال جرانت: «بالمناسبة، لم تُخبرني أن زوجتك كانت تنوي الإبحارَ إلى نيويورك في الليلة التالية لجريمة القتل.»

كان وجهُ راتكليف، الواضحُ في ضوء النافذة، فارغًا من أيِّ تعابيرَ ومصدومًا. بدأ قائلًا: «لم أكن أعرف»، ثم أكمل مندفعًا: «لم أكن أعتقدُ أن هذا الأمر ذو أهميةٍ أو أنني يجب عليَّ إخبارُك بذلك. كانت مستاءةً للغاية؛ لذا لم تتمكَّن من الذَّهاب، وعلى أي حال كان هناك التحقيق. لديها أختٌ في نيويورك، وكانت ذاهبةً إلى هناك لمدة شهر فقط. لم يُحدِث هذا أيَّ فارق، أليس كذلك؟ أقصد عدم العلم بالأمر؟ ولم يكن له تأثيرٌ على الجريمة.»

قال جرانت: «أوه، نعم. لقد اكتشفت ذلك بالصدفة. وهو أمر ليس مهمًّا. هل حال زوجتك أفضل؟»

«نعم أعتقدُ ذلك. لم تَعُد إلى المنزل منذ التحقيق. إنها في إيستبورن مع الأختِ الأخرى، التي قابَلتها، على ما أعتقد.»

عاد جرانت إلى سكوتلانديارد وهو لا يزال في حيرةٍ أكثر. ضغط على الزر الموجود على مكتبه وقال للرجل الذي أجاب عليه: «أريد شخصًا للقيام بمهمةٍ خاصة. هل سيمبسون موجود؟»

«أجل سيدي.»

«أرسِلْه إليَّ.»

وصل رجلٌ متوسط القامة أشقرُ ومنمش؛ كان سعيدًا ومنتبهًا مثل كلب صيد صغير ينتظر شخصًا ما لرميِ حجر. قال له جرانت:

«في ٥٤ شارع ليمونورا رود، جولدرز جرين، يعيش السيد والسيدة راتكليف. أريد أن أعرف طبيعة العلاقة بينهما — أعني كلًّا منهما مع الآخر. وأيضًا أي شيء آخَر يمكنك معرفته عن أهل البيت. كلما زاد القيل والقال كان أفضل. أنا أعرف كلَّ شيء عن عمله؛ لذلك لا داعيَ لإضاعة الوقتِ في هذا الأمر. أريد أن أعرف عن شئون منزله. يمكنك استخدامُ أيِّ طريقة تريدها ما دمتَ تلتزمُ بالقانون. أبلِغْني الليلة سواءٌ حصلتَ على أي شيء أو لا. هل مولينز هنا الآن؟» نعم، رآه سيمبسون عندما جاء. «حسنًا، أرسِله إليَّ.»

لم يكن مولينز منمشًا، وبدا مثلَ حامل الصولجان. قال: «صباح الخير يا سيدي»، وانتظَر.

«صباح الخير، مولينز. من الآن وحتى إشعار آخر أنت بائعٌ متجوِّل. أنت تبدو إيطاليًّا تمامًا، لكن أعتقد أنه ربما من الأفضل لك أن تكون بريطانيًّا. هذا أقلُّ لفتًا للانتباه. سأعطيك مذكرةً إلى كليذرو في شارع لاوندز، وسيُعطيك البضاعة التي أريدها. لا تبِعْ أكثرَ مما في وُسعك. ولا أريدك أن تعود إلى هنا. قابِلْني في الزقاق بجوار كليذرو بعد ساعة من الآن. هل يمكنك تدبُّرُ ذلك في ساعة؟»

«أعتقد ذلك يا سيدي. هل أنا شابٌّ أم كبير في السن؟»

«لا يهم. من الشباب إلى منتصف العمر. اللِّحى الرمادية متكلَّفةٌ للغاية. لا تُبالغ في فعل أيِّ شيء. وكن حسَنَ المظهر بما يكفي لركوب الحافلة إذا لزم الأمر.» قال مولينز: «جيد جدًّا يا سيدي»، وكأنَّ تعليماته كانت بشأن إرسال رسالة بالبريد.

عندما قابله جرانت في الزقاق في شارع لاوندز بعد ساعة، قال: «أنت مدهش، مولينز — ببساطة مدهش. لن أُصدق أبدًا أنك كتبتَ تقريرًا في حياتك إذا لم أكن أعرفُ ذلك من قبل بنفسي.» نظر بتقدير إلى البائع المتجول الواقفِ أمامه. كان أمرًا لا يُصدَّق أن هذا الشخص الضعيف نوعًا ما كان أحدَ أكثرِ الرجال الواعدين في سكوتلانديارد. من النادر جدًّا أن تلجأ إدارةُ التحقيقات الجنائية إلى التنكر، لكن عندما يفعلون ذلك يفعلونه جيدًا. كان مولينز يتمتع بالقدرة العجيبة على التنكُّر ليبدوَ كما لو أنه لا يمكن أن يكون غيرَ الشخص الذي يتظاهرُ به في الوقت الحالي. وملابسه، رغم أنه من الواضح أنها كانت مستعملة، كانت مناسبة بشكل مريح عكس الملابس التي يتم ارتداؤها حديثًا. فقد انسدَلَت على كتفيه مثلَ الملابس البالية، مهما كان مقاسها غيرَ ملائم.

قال مولينز، البائع المتجول، وهو يفتح غطاءَ سلته المجدولة: «هل تحبُّ الحليَّ الصغيرة يا سيدي؟». وُضِعت على البطانة الصوفية مجموعةٌ من الأغراض معظمُها سِلَع إيطالية رخيصة — شفرات فتح الرسائل، وزخارفُ خشبية مطليَّة من جميع الأنواع، المفيدة وغير المفيدة، وأوعية من الورق المعجن، وتماثيل من الجص.

قال جرانت: «جيد!» أخرج من جيبه شيئًا رقيقًا ملفوفًا في منديل ورَقي. وبينما يفتح الورقة قال: «أريدك أن تذهب إلى ۹۸ برايتلينج كريسينت، قُبالةَ شارع فولام، وتكتشف ما إذا كانت المرأة التي تعيش هناك قد شاهدَت هذا من قبل.» ووضع خنجرًا فِضيًّا بمقبض مطليٍّ بالمينا بين الخشب المطليِّ والجص. «وغنيٌّ عن القول أنه ليس للبيع.» وأضاف ملتقطًا أحدَ الأغراض: «ما ثمن هذا؟».

قال مولينز دون تردُّد: «أعطِ هذا لرجل مثلك مقابل جنيه وتسعة بنسات.»

وعندما تخطى أحدُ المارَّة نطاقَ السمع، واصل جرانت حديثه بابتهاج كما لو لم يُقاطعه شيء. «عندما تنتهي من سيدة برايتلينج كريسينت — وابقَ متيقظًا عمومًا — انتقل إلى ٥٤ شارع ليمونورا وتحقق مما إذا كان هناك مَن يتعرَّفه. وأبلغني بمجرد الانتهاء.»

عندما وصل بائعُ البضائع الإيطالية المتجول إلى الباب الخلفي للمنزل رقم ٥٤ في شارع ليمونورا قرابةَ وقت الشاي، قالت خادمة جميلة ولكن واهنة، «يا إلهي، ها هو واحدٌ آخر!».

قال البائع المتجول: «واحدٌ آخرُ من ماذا؟».

«رجل آخرُ يبيع الأشياء.»

«أوه! هل مرَّ عليك الكثيرون؟» قال، وهو يفتح السلة: «أراهن أنهم لم يكن لديهم أيُّ شيء مثل هذا.»

قالت وهي مبتهجةٌ بوضوح: «أوه! هل هي غالية الثمن؟»

«ليس هذه. من ناحية أخرى، يمكن لفتاةٍ مثلِك تتقاضى أجرًا أن تتحمَّل بسهولة ثمنَ شيء لطيف.»

«ماذا تعرف عن أجري يا سيد؟»

«حسنًا، لا أعرف شيئًا. أنا فقط أستنتج. فتاة جميلة، منزل جميل، أجر جيد.»

قالت بلهجةٍ تشير إلى وجود عيوب أخرى: «الأجور جيدة بما فيه الكفاية.»

قال: «ألا ترغب سيدةُ المنزل في إلقاء نظرة عليها؟»

قالت: «لا توجد سيدة بالمنزل. أنا سيدة المنزل الآن. السيدات في إيستبورن. هل خدمتَ في الجيش؟»

«كنتُ في الجيش خلال الحرب. هذه هي المرة الوحيدة التي كنت فيها في الجيش. هل تعرفين فرنسا؟ قضيتُ في فرنسا أربع سنوات يا آنسة.»

«حسنًا، يمكنك الدخول واحتساءُ بعض الشاي، دعني أرَ الأشياء كما ينبغي. نحن فقط في منتصف وقتِ احتساء الشاي.»

قادته إلى المطبخ، حيث كان على المائدة زبدة، وخبز، وأنواع عديدة من المربَّى، وكعك. وكان يجلس على الطاولة، حاملًا كوبًا كبيرًا من الشاي في منتصف الطريق إلى فمِه، رجلٌ وسيم لديه نمش يرتدي وشاحًا أزرقَ وشارة فضيَّة لجنديٍّ مُسرَّح على طيَّة صدر السُّترة. بجانبه على الطاولة كانت هناك كومة من دفاتر الكتابة الرخيصة.

قالت الخادمة: «هذا جنديٌّ سابق آخر. إنه يبيع ورق الكتابة. لا أعتقد أن هناك الكثيرَ من البيع له الآن. لقد مر زمنٌ طويل منذ أن رأيت بائعًا متجولًا يبيع الدفاتر.»

قال الشخص ذو النمش، مستقبِلًا نظراتِ البائع المتجول الساخرة برباطةِ جأش كاملة: «كيف حالك يا صديقي؟ كيف حال البيع؟»

«جيد. فقط جيد. يبدو أنك مرتاحٌ للغاية.»

«حسنًا، كنتُ في حاجةٍ إلى ذلك. لم أبِعْ دفترًا اليوم. إن هذا البلد يتدهور حاله. شيء عظيم أن تُصادف شخصًا ما لديه قلبٌ بين الحين والآخر.»

قالت الخادمة وهي تدفع فنجانَ الشاي إلى البائع المتجول: «تناول بعض المربى»، وقد ساعد نفسه بحرِّية.

«حسنًا، أنا سعيدٌ لأن السيدة ليست بالمنزل من جانبٍ، لكني أشعر بالأسفِ من جانبٍ آخَر. فقد فكَّرت في إمكانية شرائها لشيءٍ ما أيضًا.»

قالت: «حسنًا، أنا لستُ آسفةً. إنها راحةٌ مباركة. فمع أسلوبها ونوبات غضبها، لا تستحقُّ الحياةُ العيش.»

«هل هي حادَّة الطباع؟»

«حسنًا، أنا أُسميه طبعًا حادًّا، لكنها تُسميه توترًا. ومنذ قضية القتل هذه — كانت في الصفِّ في تلك الليلة التي قُتل فيها الرجل، كما تعلم. نعم، كانت تقفُ خلفه تمامًا. ويا له من أمرٍ جلَل! ثم كان عليها أن تذهب إلى التحقيق وتُدْلي بالشهادة. إذا كانت قد ارتكبَت جريمة القتل بنفسِها، فلم تكن لتُثير ضجةً أكبرَ بشأن الذهاب. في الليلة السابقة كانت تصرخ وتُولول وتقول إنها لا تستطيع التحمُّل. وعندما حاول السيدُ المسكين تهدئتها، لم تسمح له بالاقتراب منها. وقذفَته بأبشعِ الأوصاف التي لن تستخدمَها لوصف كلب. لذلك أقول لك إنه أمرٌ مريح للغاية أنها سافرت إلى إيستبورن مع الآنسة ليثبريدج — أختها.»

قال الرجل ذو النمش: «نعم، أفضل شيء يمكنُهم فعله عندما يكونون على هذا الحال هو الابتعاد قليلًا. هل تذهب إلى هناك كثيرًا؟»

«ليس كثيرًا بقدرِ ما أريد، صدِّقني. كانت ذاهبةً إلى يوركشاير في اليوم التالي لجريمة القتل، ثم شعرَت باستياءٍ شديد لدرجة أنها لم تستطع الذهاب. والآن ذهبَت إلى إيستبورن بدلًا من ذلك، وأعتقد أنها ربما تبقى هناك مدةً طويلة.» قالت للبائع المتجول: «لنرَ بضاعتَك».

هزَّ رأسه ناحيةَ السلة. «ألْقي نظرةً بنفسك. أي شيء تريدينه يمكنكِ الحصول عليه بسعر رخيص. لقد مضى وقتٌ طويل منذ أن تناولت شايًا مثل هذا. ما قولك، أيها الجندي؟»

وافق زميلُه المتجول وهو يأخذ قضمةً كبيرة من الكعك: «نعم. نادرًا ما يملك الناس قلبًا.»

حدَّقَت بإعجابٍ بعضَ الوقت إلى المجموعة ذات الألوان الزاهية. وقالت: «حسنًا، يفوت السيدةَ رؤيةُ هذه الأشياء. فهي مهووسة بالتحف والأشياء الشبيهة التي تحمل الغبار. إنها مولَعة بالفن.» قالت وهي تحمل الخنجر: «ماذا يفعل هذا؟ هل يقتل الناس؟»

قال البائع المتجول بدهشة: «ألم ترَيْ شيئًا مثل هذا من قبل؟ هذه شفرةٌ لفتح الرسائل. مثل الشفرات الخشبية.»

جربت السنَّ دون تفكير على طرف إصبعها، وبرعشة صغيرة غريبة لاإرادية من الاشمئزاز، أعادته مرةً أخرى. في النهاية اختارت وعاءً صغيرًا مطليًّا، عديمَ الفائدة تمامًا ولكن ذا شكل جميل. سمح لها البائعُ المتجول بالحصول عليه مقابلَ ستة بنسات، وامتنانًا له أخرجَت سجائر السيد راتكليف، وبينما كانا يُدخِّنانها أنعشَتهما بالحديث عن الشيء الذي من الواضح أنه يحتلُّ مركز الصدارة في ذهنها — جريمة القتل.

«كان لدينا هنا مفتشٌ من الشرطة، إذا كنتما تُصدقان ذلك. كان لطيفَ المظهر للغاية. لن تقول أبدًا إنه كان شرطيًّا. فلم يكن فظًّا مثل رجال الشرطة. لكن على الرغم من ذلك، لم يكن وجوده هنا أمرًا جيدًا. بالطبع كان مرتابًا، بسبب انفعالِها بهذا الشكل وعدم رغبتها في رؤيته. لقد سمعت الآنسة ليثبريدج تقول لها: «لا تكوني غبيةً يا ميج. الطريقة الوحيدة لإيقافه هي رؤيته وإقناعه. عليك أن تفعلي ذلك.»

قال الرجل المنمش: «حسنًا، إيستبورن مكانٌ جميل. وسيكون لديها صحبةٌ هناك لتنسى مُشكِلاتها.»

«آه، إنها ليست من هُواة الصحبة. دائمًا ما يكون لديها هوسٌ بشخص أو آخَر، ثم تقضي عليه وتحظى بشخصٍ جديد. الصبيان، في كثيرٍ من الأحيان. إنها غريبة الأطوار.»

عندما بدأ حديثها في التَّكرار بدلًا من تقديم المعلومات، وقف الرجل المنمش وقال: «حسنًا، يا آنسة، لم أشرب مثل هذا الشاي منذ سنوات، وأنا ممتنٌّ لكِ حقًّا.»

قالت: «على الرحب والسَّعَة. إذا أخذتَ بنصيحتي، فسوف تتخلى عن عمل دفاتر الكتابة. لا يوجد بها ميزةٌ هذه الأيام. إنها قديمة الطراز. جرِّب أشياءَ مثل هذه هنا — أشياء جديدة يمكن بيعها في المتاجر في عيد الميلاد.»

سقطَت نظرةُ الرجل المنمش ساخرًا على الخنجر بين «سلع عيد الميلاد».

قال للبائع المتجول: «هل ستسير لأعلى الطريق أم لأسفله؟»

قال البائع المتجول: «لأعلى.»

«حسنًا، وداعًا، سأذهب. شكرًا جزيلًا مرةً أخرى على الشاي يا آنسة.» وأغلق الباب خلفه. بعد خمس دقائق، انصرف البائع المتجول.

قال: «لو كنتُ مكانكِ يا آنسة، لما كنتُ سخيًّا هكذا مع الشاي. هناك الكثيرُ من الرفاق المحترمين على الطريق، ولكن هناك الكثير من النوع الآخَر أيضًا. ولا يمكنكِ أن تكوني شديدةَ الحذر عندما تكونين بمفردك في المنزل.»

سألت بغُنج وبلا تأثُّرٍ يُذكر: «هل تغار من الرجل المنمش؟ لا داعي لذلك. فلم أشترِ دفترًا، كما تعلم.»

قال البائع المتجول، محبطًا في نواياه الحسنة، «حسنًا، حسنًا»، وتباطأ في طريقه إلى البوابة.

بمحضِ الصدفة، وجد الرجلَ المنمش جالسًا على المقعد الخارجي الأمامي بالحافلة التي استقلَّها.

قال ذلك الشخص المحترم بمرح: «حسنًا؟ هل حظيتَ بيوم جيد يا صديقي؟»

قال البائع المتجول: «بشع. فقط بشع. كيف حالك أنت؟»

قال وهو يرى أن موقف الحافلات خلفهما كان مهجورًا: «جيد. أليس هذا مذهلًا يا لهؤلاء الفتيات من حَمْقى! يا إلهي، كان بإمكاننا قتلُها وحملُ كلِّ شيء في المنزل، ولم يبدُ أن هذا قد خطر قطُّ على بالها.»

«قلت لها الشيءَ ذاتَه عند رحيلي، لكنها اعتقدت أنني أشعرُ بالغيرة منك.»

«مني؟ يجب أن يكون العكس. فهي لم تشترِ دفترًا!»

«هذا ما قالته.»

«لديك بضاعةٌ جيدة. هل يختارها ربُّ العمل؟»

«نعم.»

«هذا ما اعتقدتُه. إنه ممتاز. ماذا يريد أن يكتشفَ هناك؟»

«لا أعرف.»

«لاحظتُ أن الفتاة لم تعجب بالشفرة.»

«لا.» لم يكن البائع المتجول كثيرَ الكلام.

لذا توقف الرجلُ المنمش من تلقاء نفسه.

وعلَّق: «طائرٌ ثَرْثار!» وسحب سيجارتين من جيبه وعرَض إحداهما على رفيقه. ألقى البائع المتجول نظرة فاترة على اسم الصانع وعرَف أنها واحدة من سجائر السيد راتكليف. استرخَت ملامحه الصارمة وابتسم.

قال: «استغلالي!» وأمسك سيجارته التي تتطابق مع تلك المعروضة.

ولكن لم يذكر مولينز وسيمبسون شيئًا عن هذا الاستغلال في التقريرَين اللذَين قدماهما إلى جرانت بعد ساعة. قال سيمبسون إن السيد والسيدة راتكليف كانت تجمعهما علاقةٌ ودية، يتخللها أوقات من الشجار الشديد. لم يكن سيمبسون قادرًا على تحديدِ ما إذا كان الشجار قد بدأ بسبب عيوب السيد راتكليف أو بسبب استيائه من زوجته؛ لأن الخادمة لم تكن موجودةً قطُّ عند بداية أي شجار. فقد كانت تسمع من وراء بابٍ مغلق عادة. وقد حدث الخلافُ الأكبر عندما عادا إلى المنزل ليلةَ حدوث جريمة القتل. ومنذ ذلك الحين لم يكونا على وِفاق. وكانت السيدة راتكليف قد نوَت الذَّهاب إلى يوركشاير في اليوم التالي لجريمة القتل، لكنها كانت مستاءةً للغاية لذا لم تتمكَّن من الذَّهاب؛ وبعد التحقيق، ذهبت هي وأختها إلى إيستبورن، حيث تمكثُ الآن في فندق جراند باراد. لقد كانت شخصًا يتمتَّع بميولٍ مفاجئة وعنيفة تجاه الآخرين، وخلال الوقت الذي كانت تُحبهم فيه، كانت تُصبح غيرَ منطقية بشأنهم. كان لديها القليل من المال الخاص بها، وكانت مستقلةً إلى حدٍّ ما عن زوجها.

قال مولينز إنه في المنزل رقم ۹۸ واجهَ صعوبة في جعل السيدة إيفريت مهتمةً بما يكفي للسماح له بفتح سلَّته. لقد أصرَّت على أنها لا تريد شيئًا. وعندما كشف بضاعته، كان أول شيء لاحظته عيناها هو الخنجر. وألقت عليه على الفور نظرةً يملؤها الشك وقالت: «ارحل!» وأغلقت الباب في وجهه.

«ماذا تعتقد؟ هل تعرفت عليه؟»

لم يستطع مولينز أن يُقدم إجابةً عن السؤال، لكن رؤية الخنجر هي التي جعلَتها تُغلق البابَ هكذا. كانت بصدد تقبُّلِه حتى رأت الخنجر. ولم تره الخادمة في شارع ليمونورا من قبل. وهذا ما كان على يقينٍ بشأنه.

عندما أذن جرانت لمولينز بالانصراف، ووضع الخنجر في درجه مرةً أخرى، جلس يُفكر مدةً طويلة. كان هذا يومًا مشئومًا. لم يكن هناك اعتقال — على الرغم من أنه كان يميل إلى التفكير في ذلك الأمر على أنه نعمةٌ ونقمة في آنٍ واحد — كان هناك الاكتشاف المذهل أن سوريل كان من المفترض أن يذهب حقًّا إلى أمريكا، ولم يكن هناك أي أثر للأوراق النقدية التي سُلِّمت إلى لامونت مع ما تبقى من المائتين والثلاثة والعشرين جُنيهًا، التي أرسل منها الصديقُ المجهول الخمسةَ والعشرين جنيهًا. لقد مرت سبعة أيام على جريمة القتل، وسُلِّمت الأوراق النقدية قبل ذلك، ولم يُعثَر على أدنى أثرٍ لها، باستثناء الخمسة والعشرين جنيهًا التي كانت بحوزتهم. علاوةً على ذلك، لم يجلب مُستطلِعاه أيَّ شيء ذي أهمية. ولا يمكنه بأيِّ حال من الأحوال تفسيرُ العلاقة بين السيدة راتكليف وسوريل. كان يميل إلى الاعتقاد بأن صدفةً هي التي وضَعَت اسمَيهما معًا في قائمة ركاب السفينة ووضعتهما معًا في صف الانتظار. إن صدمة زوجها عندما ذكر جرانت الرحيل إلى نيويورك ربما كانت مجرد نتيجةٍ لتذكُّر أنه أغفل إخبار المفتش برحيل زوجته المعتزم. أما بالنسبة إلى السيدة إيفريت، فإن انسحابها المفاجئ كان ينمُّ أكثرَ عن ذكائها وليس عن شعورها بالذنب. قال مولينز إنها نظرت إليه برِيبة. لم تُحاول الخروجَ من الموقف بعجرفةٍ بتجاهلِ الخنجر أو عن طريق لفتِ الانتباه إليه باستهتار. كانت مرتابةً فقط. لذا قرَّر منح السيدة إيفريت مزيدًا من العلامات من أجل ذكائها وتبرئتها من التواطؤ في ارتكاب الجريمة. أما بالنسبة إلى آل راتكليف، فسوف يُخرجهما مؤقتًا. فهما لا يتناسبان مع الأمر، ولم يكن هناك دليل. وغالبًا ما تتناسبُ الأشياء مع قناعة الشرطة عندما لا يوجد دليلٌ على الإطلاق، ولكن هنا الأشياء غير مناسبة وغير مدعومة بالأدلة؛ ومن ثَم يجب أن تُنحَّى جانبًا. في الوقت الحالي، سيكتشف سببَ إخبار السيدة راتكليف لخادمتها بأنها ذاهبةٌ إلى يوركشاير عندما كانت تنوي السفر إلى الخارج.

رنَّ الهاتف. التقط جرانت السماعة بشغفٍ لم يكن يُدركه. كان ويليامز.

«لقد حدَّدنا مكانه، يا سيدي. هل تود المجيء أم نُواصل عملنا؟»

قال له ويليامز: «أين المكان؟ هل أمَّنتَ جميع المخارج؟ هل توجد أي فرصةٍ للفشل إذا انتظرنا قليلًا؟»

«أوه، لا يا سيدي. لقد تمكَّنا منه تمامًا.»

«في هذه الحالة قابِلْني عند نهاية شارع بريكستون من ناحية زقاق أكر لين بعد نصف ساعة.»

عندما انضم إلى مرءوسه، سأل عن التفاصيل، وقدَّمها له ويليامز وهما يمضيان قُدمًا. لقد وجد رجُله من خلال سماسرة المنازل. كان لامونت يَشغل شقة مفروشة في طابق علوي — غرفتان صغيرتان — قبل ثلاثة أيام من جريمة القتل، وانتقل إلى هنا في اليوم الفعلي للجريمة، في الصباح.

نعم، اعتقد جرانت أن ذلك يُناسب قصة السيدة إيفريت. سأل: «ما الاسم الذي أطلقَه على نفسه؟».

قال ويليامز: «اسمه.»

«ماذا! اسمُه؟» كرَّر جرانت غير مصدَّق، وكان صامتًا ومضطربًا بشكل غامض. «حسنًا، لقد أبليت بلاءً حسنًا، ويليامز، للوصول إليه بهذه السرعة. طائرٌ جبان، أليس كذلك؟»

قال ويليامز بتأكيد: «إنه كذلك. حتى الآن لم أتمكَّن من الحصول على أي شخص قال إنه رآه. إن «جبان» هي أفضلُ كلمة لوصفه. ها قد وصلنا يا سيدي. المنزل هو الرابع في الصف من هنا.»

قال جرانت «حسنًا. أنا وأنت سوف نصعد. هل لديك مسدسٌ في جيبك؛ تحسُّبًا لأي أمر؟ حسنًا، هيا بنا.»

لم يكن لديهما مفتاح الباب الخارجي للمنزل، ويبدو أنه لم يكن هناك جرسٌ للطابق الثالث. لذا اضطُرَّا إلى قَرْع جرس الطابق الأرضي عدَّة مراتٍ قبل أن يأتي سكانه متذمِّرين لمساعدتهما وإدخالهما. بينما كانا يصعدان السلالم المتهالكة بشدةٍ في آخر ضوء من النهار، ارتفعَت معنوياتُ جرانت، كما كانت تفعل دائمًا في مرحلة الإثارة. لن يكون هناك المزيدُ من التسكُّع في الأرجاء. كان على وشك مواجهة الشامي، الرجل الذي رآه في شارع ستراند، الرجل الذي طعَن سوريل في ظهره. طرق الباب فجأةً في الظلام. بدَت الغرفة الواقعةُ خلفه جوفاءَ وفارغة؛ لم يكن هناك جواب. طرَق جرانت مرةً أخرى، دون جدوى.

«من الأفضل لك أن تفتح الباب، لامونت. نحن ضباط شرطة، وإذا لم تفتح الباب فسنُضطرُّ إلى فتحه بالقوة.»

لا يزال الصمت التام يُخيم على المكان. سأل جرانت ويليامز: «هل أنت متأكدٌ من أنه هنا؟».

«حسنًا، لقد كان هنا أمسِ، يا سيدي، ولم يرَه أحدٌ منذ ذلك الحين. المنزل تحت المراقبة منذ الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم.»

قال جرانت: «إذن سنكسر القفل، ولا تنسَ أن تبتعدَ عن الباب عندما ينفتح.» هاجما البابَ بوزنهما المشترك، وانتهى الصراع غير المتكافئ بتحطُّم متأوِّه، ودخل جرانت إلى الغرفة، ويده اليمنى في جيبه.

اكتشف الحقيقةَ بإلقاء نظرة سريعة حوله، وفجأةً عرَف أنه منذ وصوله إلى الرواق بالخارج كانت الشقة فارغة. «لقد هرب الطائر، ويليامز. لقد فقَدْناه.» كان ويليامز يقف في منتصف الطابق، وعلى وجهه تعبيرُ طفل أُخِذَت منه قطعة حلوى. ابتلع ريقَه بصعوبة، وحتى في خضمِّ خيبة أملِ جرانت، وجد الوقت ليأسف عليه. لم يكن خطأ ويليامز. لقد كان واثقًا جدًّا أكثر مما ينبغي، لكنه أحسنَ صنعًا بتحديد مكانِ الرجل بهذه السرعة.

قال ويليامز: «حسنًا، لقد غادر مسرعًا، يا سيدي»، كما لو أن تلك الحقيقة كانت ملطِّفةً لألم خيبة أمله وكبريائه المجروحة. وبالتأكيد كان هناك كلُّ دليل على الاستعجال. فقد تُرك الطعام على المائدة، وكانت الأدراج نصفَ مفتوحة ومن الواضح أنها فُتشت بدقة، والملابس متروكة، بالإضافة إلى العديد من الممتلكات الشخصية. لم يكن فرارًا مخطَّطًا له، لقد كان هروبًا.

قال جرانت: «سنُفتش ما تركه وراءه. وسأبحث عن بصمات الأصابع قبل أن نُضطرَّ إلى إضاءة المصابيح. يبدو أنه لا يوجد شيء للإضاءة سوى المصباح.» دار حول الغرفتين بمسحوقه الخفيف، ولكن كان هناك القليلُ من الأسطح في الشقة التي من المحتمل أن تظهر عليها البصماتُ واضحةً وجليَّة، وكانت تلك الأسطح مغطَّاةً بالبصمات لكي تصبح دون جدوى. ولكن في مكان مرتفع إلى حدٍّ ما على خشب الباب المصقول، حيث ترتاح اليدُ اليسرى للشخص بينما تأخذ يمناه معطفًا من الشماعات المثبتة هناك، كانت هناك بصمتان جيدتان. شاعرًا بقليل من التعزية، أضاء جرانت المصباح وفتَّش في الأشياء التي تركها لامونت وراءه. وجذبَه إلى غرفة النوم هُتافُ ويليامز هناك. كان ويليامز يحمل رِزمةَ عملات ورقية من بنك إنجلترا.

«لقد وجدتها في الجزء الخلفي من هذا الدرج، يا سيدي. لقد ذهب حقًّا على عجَل من أمره!» كان البلسم يتدفق على روح ويليامز المسحوجة. «لا شك أنه غاضبٌ من نفسه الآن!»

لكن جرانت كان يبحث في محفظته، وأخرج على الفور قائمةً بالأرقام، قارَنَها بتلك الموجودةِ على الأوراق النقدية. نعم، لم يكن هناك شكٌّ في ذلك؛ فهذه هي النقود التي سحَبها لامونت بالشيك الذي كان بحوزته من سوريل. وكان لامونت مسرعًا في هروبه لدرجة أنه نسي شيئًا مهمًّا للغاية كهذا. كان هناك المبلغ كاملًا، باستثناء الخمسة والعشرين جنيهًا المرسَلة لدفن سوريل. كان ذلك غيرَ عادي إلى حدٍّ ما. لماذا لم ينفق الشامي، كما لا يزال يعتقد جرانت، شيئًا من المبلغ في الأيام العشرة التي تفصل بين وقتِ استلامه وجريمة القتل؟ لم تكن هناك حاجةٌ إلى الخوف إذن بالتأكيد. كانت قيمة النقود كبيرة، لكن ذلك لم يكن تفسيرًا. كان الرجل قد سحَب الأموال بنفسه، وكان بإمكانه الحصولُ على المبلغ بالكامل في شكل سندات خِزانة إذا كان يريد ذلك. لماذا لم ينفق شيئًا منها؟

لم يكن هناك شيءٌ آخرُ تقريبًا في الشقة يُثير اهتمامهما. اعتقد جرانت وهو ينظر إلى صفِّ الكتب الذي زين رفَّ الموقد أن الرجل يتمتع بذوق كاثوليكي في الأدب: ويلز، وأو هنري، وبوشان، وأوين ويستر، وماري روبرتس رينهارت، وقصائد ساسون، والعديد من مجلدات الطبعات السنوية للنشرة الدورية الرياضية «راسينج أب تو ديت»، ورواية باري «القس الصغير». أنزل واحدًا وفتحَه. على الورقة الفارغة في بداية الكتاب، بنفس الخط الذي رآه على الشيك في البنك، كان اسم المالك: ألبرت سوريل. أنزل الكتب الأخرى واحدًا تِلو الآخر. كانت جميعها تقريبًا تنتمي إلى سوريل. من الواضح أن لامونت قد ورثها من سوريل عند مغادرته إلى الولايات المتحدة. إذن حتى اللحظة الأخيرة، كان هذان الرجلان وَدودَين. ماذا حدث؟ أم أنها مجرد صداقة سطحية؟ هل كان لامونت دائمًا صديقًا خائنًا في الخفاء؟

والآن ظهرت المشكلةُ الجديدة لمكان اختباء لامونت الحالي. إلى أين سيذهب على الأرجح؟ كان في عجَلة من أمره — في عجلة يائسة. لم يكن الأمر مخطَّطًا له. هذا يعني أنه ربما كان عليه أن يُهرَع إلى أيِّ ملجأ جاء في طريقه. لم تكن هناك حاجةٌ لهما إلى التفكير في أيِّ احتمال مثل الهروب إلى الخارج في تَخفٍّ مدروس. لم يفعل ذلك بالتأكيد. يكاد يكون من المؤكد أنه لم يخرج من لندن. كان، كما قد فعل من قبل، سيبقى مثلَ الفأر في المكان الذي يعرفه.

أوصى جرانت باستمرارِ البحث تمامًا كما كان من قبل، وعاد إلى سكوتلانديارد محاولًا تخيُّلَ نفسِه في مكان الرجل المطلوب؛ على أمل استنتاج طرَفِ خيطِ عملية هروبه. كان الوقت متأخرًا جدًّا في الليل، وكان مرهقًا جدًّا، عندما اكتشف أخيرًا شيئًا عن القضية. أُرسِلَت إليه صورُ البصمات التي وجدها على الباب، وكانت البصمات للسيدة إيفريت! لم يكن هناك شكٌّ في ذلك. هذه السبابة التي ترَكَت علامةً في الجزء الخلفي من صورة سوريل في الغرفة الصغيرة في برايتلينج كريسينت كانت تنتمي إلى اليد التي كانت تتَّكئ على الباب في محاولةٍ للوصول إلى شيءٍ ما في غرفة لامونت. السيدة إيفريت. يا إلهي! حدِّثني عن الأشخاص الغدَّارين! على جرانت أن يتقاعدَ حقًّا. لقد وصل إلى مرحلة الثقة بالناس. لقد كان أمرًا لا يُصدَّق ومُهينًا، لكنه كان يعتقد أن السيدة إيفريت كانت صريحةً معه. وكان وضعُه لرجل يُراقبها هو أبسطَ ما يمكن فعلُه. حسنًا، لقد كان حظًّا عاثرًا، لكن لديه الآن طرَف خيط للعثور على لامونت. سيحصل عليه من خلال السيدة إيفريت. لم يشكَّ لحظةً في أن المعلومات التي قدَّمتها السيدة إيفريت هي التي دفعَت لامونت إلى الهروب. ربما كانت قد توجَّهَت إليه مباشرةً بعد أن تركَها مساء أمس. لقد ذهبت قبل وصول المراقب، لكن كان يجب أن يراها تعود؛ يجب النظر في ذلك الأمر؛ كان أندروز مهملًا. وعلى الأرجح أنها إمَّا اقترحت مكان الاختباء الجديد أو وفَّرَته. لم يكن يعتقد أن امرأةً بذكائها ستكون غبيةً بما يكفي للاعتقاد بأنها يمكن أن تُخفي لامونت في برايتلينج تيراس؛ لذلك كان عليه الآن أن يكتشفَ كل شيء عن السيدة إيفريت وجميع فروع عائلة إيفريت. كيف يفعلُ ذلك؟ ما أفضل طريقة للتعامل مع امرأةٍ من نوع السيدة إيفريت المحاطة بالخنادق والقلاع؟ لن يُفلح موضوعُ الباب الخلفي، على أي حال. فمن الواضح أنها لم تكن من النوع الذي يُثرثر على الباب، والآن هي حذرةٌ جدًّا. كان هذا الجهد المبذول لدفعها لإظهار مشاعرها عديمَ الجدوى وغيرَ حكيم. ربما كان يعلم أنها لم تكن المرأةَ التي ستُفصح عن أي شيء في محادثةٍ في الباب الخلفي. حسنًا ما العمل إذن؟ وسط أيِّ مجتمع، وفي أي مناسبة، إن وُجدت، ستتخلى السيدة إيفريت عن تحفُّظِها؟ لقد تصوَّرها في بيئات مختلفة، ووجدها غريبة على الدوام. ثم فجأةً راودَته فكرة. الكنيسة! أعلنت المرأةُ بصوت عالٍ أنها عاملة بالكنيسة. كانت تحظى باحترامٍ كبير من قِبَل كل المصلين، لكنها لم تحظَ بشعبية إلى حدٍّ ما لأنها كانت تحتفظ بخصوصيتها لنفسها، وهي صفة محبوبة بعضَ الشيء من قِبَل الأعضاء الجادين في حفلات العمل وما شابهَ ذلك من الأنشطة المسيحية الذين، بعد أن قدَّموا خبرًا بسيطًا مثل شائعة عن إفلاس بين الحشد، يتوقَّعون أن يُقدَّم لهم في المقابل خبرٌ مفصَّل وممتع. «الكنيسة» تعرفها، وبما أنها بالتأكيد لم تكن ذاتَ شعبية كبيرة، فإن رفاقها المصلين سيكونون أكثرَ استعدادًا للتحدث عنها.

عندما أغمض جرانت عينَيه لينام، كان بصدد اتخاذِ قرارٍ بشأنِ مَن سيُرسل للتحقيق بشأن السيدة إيفريت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤