سن المراهقة

في فصل آخر «متاعب الشباب الجنسية» عالجت موضوع المراهقة بشيء من الإيجاز، وأنا هنا للتوسع والاستيعاب.

المراهق هو الشاب أو الفتاة بين سن الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة إلى سن الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة، فهو قبل هذه السن لا يعرف الإحساس الذي يميزه من الجنس الآخر، ثم هو بعدها يجد أن حمى المراهقة قد خفت بعض الشيء وأنه يستطيع أن يتمالك نفسه ويسوس غريزته.

وسن المراهقة هي حمى جنسية، بل أحيانًا جنون جنسي، والوطأة ثقيلة عند بعض الشبان تضنيهم وترهقهم إلى حد مؤلم؛ وذلك لأن الشاب أو الفتاة ينتقلان في هذه السن من الصبا إلى الشباب، فتنمو الهورمونات الجنسية نموًّا مفاجئًا، من حيث انعدام الخبرة السابقة والحيرة في مواجهة التوترات العاطفية، وأيضًا من حيث الحرمان الجنسي الذي يفرضه المجتمع المدني.

وهناك من يقول إن الفتاة أقدر على تحمل هذه الحمى من الشاب، ولكن ليس هذا مؤكدًا؛ إذ قد يكون العكس هو الصحيح، ولكن يتضح من الكتاب الوافي الذي ألفه كينسي الأمريكي، وهو يعتمد على الإحصاءات، أن التوتر أخف قليلًا عند الفتاة مما هو عند الشاب.

والحرمان يؤدي إلى الوقوع في العادة السرية، وهي ملحة مصممة، ومقاومتها تكاد تكون محالًا، وهي إذا كانت معتدلة، مرة أو مرتين في الأسبوع، لا يحدث منها ضرر كبير؛ ونعني الضرر الفسيولوجي، ولكن الضرر النفسي كبير؛ لأن المراهق يغتم ويحتقر نفسه، ويعتقد أن الضرر فادح، وكل هذه الإحساسات تختم عليه فتؤذيه في أداء واجباته المدرسية أو الجامعية، وتضعف طموحه.

وإذا أفرط المراهق في العادة السرية فإنه ينطوي على نفسه، ويختلي ويعتزل الناس، ويستسلم للخواطر كأنه في حلم، ويأخذ خيال المرأة عنده مكان شخصها الحقيقي، حتى لتمر النساء أو الفتيات أمامه فلا يلتفت إليهن، ولكنه ينغمس في خيالاته، وهو حين يكون في الفصل بالمدرسة يشرد إلى هذه الخيالات، ويعجز عن حصر ذهنه في الدرس أو في التفكير الموضوعي في أي شأن آخر؛ لأن كل أفكاره تقريبًا تعاوده كأنه يجترها، فهو يقاطع الواقع.

وواضح أن هذه الحال خاصة بالمتمدنين؛ لأن المتوحش لا يعرف هذه الحدود الاجتماعية التي تحد من الاتصال الجنسي عند المتمدنين، وحسبنا أن نقرأ كتاب مالينوفسكي عن اختباراته في تروبرياند، وهي إحدى الجزر التي تقع بين استراليا وآسيا، فقد أقام هناك سنوات يدرس المتوحشين، وألف كتابًا بعنوان «الحياة الجنسية بين المتوحشين».

ومن الحسن أن نقرأ هذا الكتاب، فإنه يثير في عقولنا فطنة جديدة إلى القيم الاجتماعية التي يفرضها التمدن؛ فالمجتمع المتوحش في تروبرياند يؤمن أو يصطلح على الإيمان بأن المرأة هي أم الأطفال، وأن الرجل ليس له أي شأن بالتناسل، وإنما هو يتصل بالمرأة للسرور واللذة فقط. أما كيف تحمل المرأة فالاعتقاد العام أو الاصطلاح العام هو أن روحًا أو أرواحًا تهبط على رأسها وهي نائمة، ثم تدخل في جسمها وتستقر في الرحم فينشأ الجنين، ولذلك ينتسب الأولاد إلى أخوالهم، وهم ينظرون إلى الأب باعتباره ضيفًا لا يتصل دمه بدمائهم.

ولا بد أن هذه الحال كانت قائمة عند جميع البشر قبل التمدن، والانتساب إلى الأم والأخوال عريق عام عند القبائل القديمة.

ولكن لهذا النظام منطقه في علاقة الشباب بالفتيات؛ إذ ما دام الرجل ليس أصلًا للأبناء فإن الاتصال بين الجنسين يجب ألا تكون له أية خطورة اجتماعية، وهو كذلك في تروبرياند بين العزب، ولكن الخيانة للأمانة الزوجية كبيرة الخطورة جدًّا.

وحين يصل الابن أو البنت إلى سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة يتركان بيت الأم إلى مأوى العزب، ويبقيان هناك خمس أو عشر سنوات حتى يتم زواجهما، وعندئذ يخرجان من هذا المأوى إلى بيت «العائلة».

وفي مأوى العزوبة هذا يباح الاختلاط الجنسي، فالشاب أو المراهق يجد فتاة أخرى من سنه أو أكبر أو أصغر، ويألفها وينام إلى جنبها، ويتصل بها الاتصال الجنسي، وقد يتركها أو تتركه هي إلى آخر بلا قيد أو شرط، وهذا المأوى يحوي جميع المراهقين من فتيات وشبان إلى سن العشرين أو أكثر أو أقل في القرية، وقد يبلغون العشرين أو الثلاثين.

ويلاحظ مالينوفسكي أن الفتيات لا تحمل، وهو لا يستطيع تعليل ذلك، وربما كانت عند السكان طريقة خفية للإجهاض لم يهتد إليها، أو ربما تكون كثرة اللقاء الجنسي مانعة للحمل.

وكل هذا الذي قلنا نريد منه أن نبين أن العادة السرية لا يمكن أن يعرفها هؤلاء المتوحشون؛ لأنهم قد أباحوا الاتصال الجنسي بهذا النظام، وإذن نحن نؤدي ضريبة التمدن بالقيود الجنسية التي تحدث العادة السرية.

وقد كان البغاء في الأمم المتمدنة يؤدي هذه المهمة، ولكنه ألغي.

على أن المقارنة بين بيت البغي عند المتمدنين وبيت العزوبة عند المتوحشين لا تنصف المتوحشين؛ لأن هؤلاء ينظرون بعين الاحترام لبيت العزوبة إذ يعدونه مؤسسة اجتماعية، أما نحن فقد كنا نعد بيت البغاء رجسًا ونجاسة.

ولكن ألا يمكن أن نستسلم للخيال قليلًا ونبحث هذا الموضوع ونبتكر فيه؟

هنا شاب وفتاة، كلاهما يتعلم في جامعة القاهرة ولا يكسب أحدهما قرشًا، ولكنهما قد تحابا، ثم فكرا في الزواج، ولكن الأبوين يمانعان ويعترضان؛ إذ هما فقيران أو غير قادرين على أن يؤسسا بيتًا جديدًا له نفقاته الباهظة.

ولكن هنا يأتي الابتكار؛ يقول محمد أفندي والد الشاب لعلي أفندي والد الفتاة: لمَ ترفض زواج ابني بابنتك؟

فيقول علي أفندي: أرفض لأن ابنك طالب لا يكسب قرشًا، وأنا لا أقدر أن أساعد ابنتي بقرش يزيد على ما أنفقه عليها في الجامعة.

فيقول محمد أفندي: ولكن لماذا تنفق عليها أكثر مما تنفق الآن؟ إن كل ما سوف يحدث أننا نربطهما بعقد الزواج، ثم يبقى ابني في بيتي وابنتك في بيتك، ثم يجتمعان ليلتين في الأسبوع في بيتنا أو في بيتك، ونشرط عليهما أن يراعيا منع الحمل إلى أن يتمما دراسة الجامعة ويحصلا على استقلال اقتصادي يتيح لهما تأسيس بيت جديد.

وعندئذ يجد علي أفندي والد الفتاة أن الزواج لن يكلفه قرشًا آخر غير ما يدفعه الآن لابنته وهي طالبة، فيرضى بالزواج.

وعندئذ لا نحتاج إلى البغاء، وعندئذ لا يحتاج الشاب أو الفتاة إلى العادة السرية، وعندئذ يعيش شبابنا الحياة الجنسية السوية.

•••

ولكن إزاء الجبال القائمة من التقاليد لا أعتقد أن أحدًا يرضى بهذا الحل الذي يقربنا من سكان تروبرياند دون أن نكون متوحشين، ولكني أطرح هذه الفكرة للاختمار.

•••

لا يكاد يمضي عليَّ أسبوع حتى أتسلم خطابًا من أحد الشبان يشكو التعب أو الإرهاق الذي يجده في مكافحة العادة السرية، وهو يسأل: كيف يعالج هذه العادة ويتخلص منها؟

وجوابي: لا تتخلص منها؛ إذ ما دمت معتدلًا فلا تخف.

أما إذا كنت تظن أنك انغمست فإنك تحتاج إلى العلاج، وعلامات الانغماس هي حب الاعتزال والرغبة في التوحد، والاستسلام لممارسة هذه العادة أكثر من ثماني أو عشر مرات في الأسبوع.

والطريق إلى التخلص يجب ألا يكون بمكافحتها؛ أي: الامتناع عن ممارستها؛ لأن الإرادة الجنسية هنا قوية جدًّا، إذ هي شهوة؛ أي: إرادة محتدة متوترة، فالمعارضة لها، فضلًا عن الجهد المضني الذي تحتاج إليه، تؤدي إلى تعقيم الشخصية وجعل الشاب عاجزًا عن أداء عمله.

وإنما الطريق إلى التخلص منها يجب أن يسير على نحو الطريق الذي أدى إليها، فالشاب يقع في العادة السرية بالتخيل؛ أي إنه يتخيل جسم المرأة وحديثها ولونها وحركاتها، فتتكون الإرادة، ثم تحد وتتوتر فتستحيل إلى شهوة لا تقاوم، فيجب على الشاب أن يتخيل خيالات أخرى حتى يصل منها إلى إرادة أخرى غير الشهوة الجنسية.

وبكلمة أخرى نقول: إذا أردت أن تكون لك إرادة في موضوع ما فإنه يجب أن تتخيل هذا الموضوع؛ لأن الخيال هو الطريق إلى الإرادة.

إذا أردت أن تكون مثريًا فلا سبيل إلى ذلك إلا بأن تتخيل نفسك ثريًّا؛ لك أتومبيل وعزبة وشهرة ووجاهة … إلخ، وعندئذ تتكون الإرادة. وإنما يجب التكرار.

وإذا أردت أن تكون عالمًا فلا سبيل إلى ذلك إلا بأن تتخيل أنك عظيم مخترع، لك معمل، ولك مؤلفات، وجمهور يحترمك … إلخ، وعندئذ تتكون الإرادة.

تخيل أي شيء غير المرأة وغير الموضوعات الجنسية، تخيل، تخيل حتى تجد إرادة أخرى، ثم تجنب المجلات الإباحية التي ترسم لك الفخذ والبطن والعنق والصدر؛ لأنها تعطيك خيالًا تتكون لك منه إرادة جنسية تؤدي إلى العادة السرية.

ثم تجنب الاعتزال، وانتهز كل فرصة للاشتراك والاجتماع بالناس، كما يجب أن تتجنب القصص الغرامية والمناظر السينمائية التي تثير الخيال الجنسي، ولا تصدق أن الألعاب الرياضية تخفف العاطفة الجنسية، بل العكس هو الأحرى.

ثم اذكر تروبرياند وسكانها المتوحشين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤