مكة: فتح الفتوح

والله يا أبا الفضل، لقد أصبح مُلك ابن أخيك الغداةَ عظيمًا.

أبو سفيان
تعود بنا كتب السير والأخبار القهقري زمنًا إلى ما قبل الدعوة، لتُطلِعنا على السر وراء نقض مُعاهَدة الحديبية قبل موعدها بزمن طويل، فتحكي لنا عن مُخاصَمة ثأرية كانت بين قبائل خزاعة وقبائل بكر؛ كان سببها أن رجلًا من بكر خرج تاجرًا، فلما توسط ديار خزاعة، عدَوا عليه وقتلوه واستلبوا تجارته، فكان أن ثارت بكر لرجلها وأخذت بثأرها برجل من خزاعة، فترد خزاعة بإطلاق سيفها ليُطيح بالرءوس من أشراف كنانة، فيسقط رأس مالك بن عياد، ثم الديلي، ثم سلمى، ثم كلثوم، ثم ذؤيب،١ وهنا تأتي الحديبية.

وتنص بنود الحديبية على أن من أراد الدخول في عقد محمد دخل، وأن من أحب الدخول في عقد قريش دخل، فتدخل خزاعة في حلف محمد، وهو الأمر الذي لم يكن جديدًا ولا خافيًا، فقد كانت خزاعة طوال الوقت مع محمد، مشركها ومسلمها؛ ترى بذلك أنها تنال من قريش جميعًا، بعدما أقصاهم قصي الجد البعيد لقريش عن مكة، واستلبهم الكعبة ومفاتيحها، وسيادة كانوا يرونها لهم؛ ومن ثَم كان منطقيًّا تمامًا، أن تدخل عدوتها بكر في حلف قريش.

وإبان هدنة الحديبية، ولم يمضِ على توقيعها بعد عام عمرة القضاء أسابيع، حدثت مُقاتَلة بين بكر وخزاعة فجأة، أرجعها رواتنا إلى غدر بكر، حيث انتهز بنو الديل أحد بطونها فرصة من خزاعة؛ لتثأر لرجلها الديلي، فيُطارِد بعض رجالهم خزاعيًّا عليل القلب مفئودًا اسمه منبه، وكان برفقة رفيق له يُدعى تميمًا، ولما ركض الرجلان أمام مُطارِديهم لم يستطع منبه الاستمرار، فنادى رفيقه تميمًا قائلًا: «… يا تميم، انجُ بنفسك، فأنا والله لَميت، قتلوني، أو تركوني، لقد أنبت فؤادي.» وينطلق تميم، ويموت منبه. وتُضيف كتب الأخبار باقتضاب شديد لا يُفصِح عن أية تفاصيل حول مدى صدق تلك الإضافات، فتقول إن الأمر قد هاج بين القبيلتَين، وإن بعضًا من قريش أمدُّوا بكرًا بالسلاح، وربما قاتلوا معهم مُتخفِّين.٢
هذا بينما هناك رواية أخرى تُؤكِّد أن من أشعل أُوار الحرب بين كنانة وخزاعة هم الخزاعيون وليس الكنانيين، وذلك فيما رواه البلاذري في قوله: «سمع رجل من خزاعة، وكانوا مع رسول الله في عهده وعقده، رجلًا من كنانة، وكانوا في عهد قريش وذمتها، يهجو رسول الله ، فوثب عليه وشجَّه، فاقتتلت خزاعة وكنانة، وأعانت قريش بني كنانة وخرج وجوههم يُقاتِلون مُتنكِّرين.»٣

وسواء كان الأمر هكذا، أو كذلك، ولو سلَّمنا بأن كنانة كانت البادئة، وأخذنا بقصة الرجل الخزاعي المفئود، فإن الموقف قد تصاعَد بموته؛ فخرجت خزاعة في أربعين راكبًا وراء سيدهم عمرو بن سالم، من فخذ كعب الخزاعي، ليقدموا على النبي في يثرب، وهو جالس في مسجده بين أصحابه، ليقف عمرو بن سالم يقص الحدث شعرًا تحريضيًّا طالبًا نصرة النبي في قصيدة طويلة جاء في بعضها:

يا رب إني ناشد محمدًا
حلف أبيه وأبينا الأتلدا
قد كنتم ولدًا وكنا والدًا
ثُمَّت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرًا أعتدًا
وادعُ عباد الله يأتوا مددا
ويُنصِت سيد الخلق للرجل حتى ينتهي من قصيدته الشاكية المُستنصِرة، ليقف النبي وسط الناس، ويُجِيبه بهدوء ما قبل العاصفة:
نُصِرتَ يا عمرو بن سالم.٤
ثم يلتفت إلى الناس، مُعلِنًا مُناصَرته بني كعب من خزاعة قائلًا:

لا نُصِرتُ إن لم أنصر بني كعب مما أنصر به نفسي.

ثم يتطلع إلى سحابة مارة، ويُشير إليها مُردِّدًا:

إن هذا السحاب ليستهل بنصر بني كعب.

ويروي لنا ابن سعد مجرى الحدث وراء الأحداث وهي تتسارع في قوله:
وبعث رسول الله إلى من حوله من العرب، أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وأشجع، وسليم، فمنهم من وافاه بالمدينة، ومنهم من لحقه بالطريق، فكان المسلمون في غزوة الفتح عشرة آلاف. ونادى مُنادي رسول الله: من أحب أن يُفطِر فليُفطِر، ومن أحب أن يصوم فليصُم.٥

ومع إفاقتها، تعلم قريش بما يجري، فتأخذها الرعدة، وتُرسِل زعيمها وحامل لوائها أبا سفيان صخر بن حرب إلى زعيم يثرب؛ لإيقاف الأمر، وإعلان أن قريشًا لا دخل لها بثأر كنانة، وأن قريشًا على عهدها باقية، وببنود صحيفة الحديبية مُستمسِكة. ولا تعلم قريش إلا ما حدث بين كنانة وخزاعة، ولا يعلم أبو سفيان أن وفد خزاعة قد ذهب إلى المدينة يستنصرها، لكنه يلقى ركبهم عائدًا من المدينة، ويُنكِرون عليه قدومهم من هناك ويرحلون إلى ديارهم، لكن روث بهائمهم يفضحهم بالحق، بما فيه من نوى بلح يثرب؛ فيعلم أبو سفيان أن الأمر قد عظم، فيحث خُطاه مُسرِعًا، مُقرِّرًا أنه سيمدُّ العهد ويُوطِّد العقد بين محمد وقريش.

ويدخل أبو سفيان يثرب، ويختار بيت ابنته أم حبيبة، التي تزوَّجها النبي بعد عودتها من مُهاجَرها بالحبشة، ويذهب ليجلس على فراش النبي فتطويه عنه، فيقول: يا بُنَية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ فترد على أبيها: بل هو فراش رسول الله وأنت رجل مشرك نجِس، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله . فيُبغَت الرجل من رد ابنته عليه ليقول لها: والله لقد أصابك يا بُنَية بعدي شر.

ويتركها ويخرج إلى مجلس النبي، ويجلس أمامه، ويُكلِّمه، ويُكلِّمه، ويشرح، ويُفصِّل في بنود العقد، ويعتذر، ويعتذر، ويطلب إبقاء الحديبية، بل وتمديدها، ويظل الرجل يتكلم والنبي صامت لا يرد عليه بشيء، ويكتشف الرجل أنه وحده فقط الذي يتكلم والكل ينظر إليه بصمت مُخيف ومُريب؛ فيقوم زعيم قريش يُجرجِر كرامته إلى بيت أبي بكر، ينتظره ثم يُكلِّمه، ليتوسط لدى النبي، لكن أبا بكر يرد ببساطة: ما أنا بفاعل. فيتركه ويلهث إلى عمر بن الخطاب، لكن ليرد عليه عمر بحدة وانفعال: أأنا أشفع لكم إلى رسول الله؟ والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به …» ولا يدري الرجل أين يذهب، فيتذكر عليًّا، فيركض إلى داره ليجد معه فاطمة وولدها الحسن صبي يدب بين يدَيها، ليقول لعلي:
يا علي، إنك أمسُّ القوم رحمًا، وإني قد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبًا، فاشفع لي عند رسول الله. فيقول له:
ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نُكلِّمه فيه.
وهنا يلتفت الزعيم المذعور إلى فاطمة، مُشيرًا إلى طفلها يائسًا:

يا ابنة محمد، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيُجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟

ولا تبذل فاطمة جهدًا كبيرًا لتكتشف أن الرجل يهذي فترد عليه:

والله ما بلغ ابني ذاك أن يُجير بين الناس، وما يُجير أحد على رسول الله.

ويُسقَط في يد الرجل بعد أن سقط إعياءً ليتوجه بالكلام قانطًا إلى علي قائلًا: «يا أبا الحسن، إني أرى الأمور قد اشتدَّت عليَّ فانصحني.» ولا يجد علي ما يقول سوى: «والله ما أعلم لك شيئًا يُغني عنك شيئًا.» ثم يُذكِّره بمكانته قائلًا: «إنك سيد بني كنانة، قُم فأجِر بين الناس ثم الحقْ بأرضك.» ويسأله أبو سفيان: «أوَترى ذلك مُغنِيًا عني شيئًا؟» فيرد علي: «لا والله ما أظنه، لكني لا أجد لك غير ذلك.» وينهض أبو سفيان يُلملِم كرامة كنانة المُبعثَرة ليدخل المسجد ويقف وسط الناس يُنادي والعيون تتشظى لهبًا حوله: «أيها الناس، إني قد أجرت بين الناس.» وحتى لا يسمع ما يكره يخرج مُسرِعًا إلى بعيره مُيمِّمًا شطر مكة.٦
وما إن يُغادِر أبو سفيان باب المسجد، حتى ينهض الرسول رافعًا يدَيه إلى السماء مُخاطِبًا ربه والناس تسمع:

اللهم خُذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها.

ويتحول نحو الناس يأمرهم بالجهاز إلى مكة، ويركب على رأس عشرة آلاف مُقاتِل ينزل بهم مر الظهران، «وقد عميت الأخبار عن قريش، فلم يأتِهم خبر عن رسول الله ولا يدرون ما هو فاعل». هذا بينما كان العباس قد أخذ أهله وخرج من مكة مُتجِهًا للمدينة، ليُفاجَأ بغتة بهذا الجيش الهائل، وعلى رأسه ابن أخيه فيُردِّد قائلًا:
واصباح قريش!
والله لئن دخل رسول الله مكة عنوة،
قبل أن يستأمنوه،
إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر.

وينضم العباس إلى ابن أخيه، ويُحكى أنه أخذ بغلة النبي البيضاء، وخرج يجوس بها ليلًا حول الجيش قرب مكة؛ عساه يجد لمكة مخرجًا، فيسمع اثنَين يتحاوران، يعرف في صوتَيهما أبا سفيان وبديل بن ورقاء؛ إذ يقول أبو سفيان: ما رأيت كالليلة نيرانًا قط ولا عسكرًا. فيقول بديل: هذه والله خزاعة قد خمشتها الحرب. فيرد أبو سفيان: خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.

وهنا يُنادي العباس أبا سفيان، ويلتقي العباس بالزعيم المأخوذ بذعره، ليُسرِع إليه بالخبر: «ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله في الناس، واصباح قريش والله.» فيرد أبو سفيان: «فما الحيلة فداك أبي وأمي.» فيقول له العباس: «والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجُز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك.»

ويأخذ العباس أبا سفيان ردفه على بغلة رسول الله وسط نيران الكتائب نحو خيمة النبي، ليراه عمر بن الخطاب فيهرع إلى رسول الله يقول: «هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني لأضرب عنقه.» لكن يقتحم العباس الخيمة مُسرِعًا قائلًا: «يا رسول الله إني قد أجرته.» وهنا يقول النبي: «اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتِني به.»٧

وهكذا ينزل أبو سفيان في ضيافة العباس، ضيافة هي إلى الأَسر أقرب، وعند الصباح يخرج به العباس، فيرى الناس قد وقفوا صفوفًا مُنتظِمة، فيُذعَر الرجل ويظنها لحظة الهجوم على بلده، فيقول للعباس: «يا أبا الفضل، ما للناس؟ أؤُمِروا فيَّ بشيء؟» فيرد العباس: «لا، لكنهم قاموا إلى الصلاة.»

وينظر أبو سفيان لذلك الانتظام العظيم، والانضباط الشديد، عشرة آلاف مُقاتِل خلف الزعيم، يُكبِّر فيُكبِّرون، يركع فيركعون، يتلو فيُنصِتون، يرفع فيرفعون، فيُصاب سيد مكة بالبهتة، ويقول:
ما رأيت كاليوم طاعة!
قومٌ جمعهم من ها هنا وها هنا،
ولا فارس الأكارم،
ولا الروم ذات القرون،
بأطوع منهم له.٨
لم يُدرِك الرجل حتى الآن وهو في فهمه القبلي يرفل مُتخلِّفًا، أن هناك أمرًا أعظم من القبيلة قد جمع الناس من ها هنا وها هنا، وتوجَّه مع العباس بعد الصلاة ليراه النبي فيُفاجئه بالسؤال:

ألم يأنِ لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟

يقينًا يعلم أبو سفيان ذلك، وكذلك سائر قريش يعلمون يقينًا، أن لا إله إلا الله، وقد شهدت لهم الآيات القرآنية بذلك العلم، فالله لا إله سواه، لكن هناك الأرباب الأدنى درجة من الإله، تلك التي تشفع للناس عند الله؛ ومن ثَم كانت إجابة أبي سفيان:
بأبي أنت وأمي!
ما أحلمَك، وأكرمَك، وأوصلَك!
والله لقد ظننت أنه لو كان مع الله إله غيره،
لقد أغنى عني شيئًا بعد.
وهنا ينتقل النبي إلى الشق الثاني من السؤال، وهو الشق الذي لا شك سيشق على أبي سفيان، فيقول له:

ويحك يا أبا سفيان، ألم يأنِ لك أن تعلم أني رسول الله؟

فتأخذ الرجل أنفة الصدق العربي في التعبير عن الدواخل ليرد قائلًا:
بأبي أنت وأمي!
ما أحلمَك، وأكرمَك، وأوصلَك!
أما هذه،
والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئًا.
لم يكن الرجل بعالم أن إجابته غير مُوفَّقة بالمرة، وأن الأمور قد تغيَّرت، حتى أساليب التعامل العربية؛ لأن صراحته هنا لن تكون سوى مدخل له إلى المثوى الأخير، فيُسرِع العباس يُنبِّه الرجل بقوله:
ويحك!
أسلِم واشهد أن لا إله إلا الله،
وأن محمدًا رسول الله،
قبل أن تُضرَب عنقك.
وعلى الفور يقولها زعيم قريش، ويُسلِم الرجل،٩ ثم يقول مُتلعثِمًا مُحاوِلًا إظهار تمسُّكه بدينه وبهيبته:

وكيف أفعل بالعزى؟

ليسمعه عمر بن الخطاب بجوار الخيمة، فيرد عليه بصوت عالٍ ساخرًا ضاحكًا ليُسمِعه:

نخرأ عليها.

فيقول أبو سفيان: «ويحك يا عمر إنك لرجل فاحش، دعني مع ابن عمي فإياه أُكلِّم.»١٠

ومرة أخرى يتدخل العباس يقول للنبي : «يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئًا.»

كان الأمر إذن مَقضيًّا، وانتهى أمر زعامة مكة قبل دخولها، حتى إن العباس رأى أن يجعل لزعيم قريش شيئًا بعدما لم يبقَ له شيء.

ويرى النبي أنه لا بأس من شيء لأبي سفيان، فيقول: «نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن.»

ومن ثَم خرج أبو سفيان يحمل عن السيد الجديد رسالة حاسمة قاطعة، هي أوامر بحظر التجول عند دخول الجيش الإسلامي مكة، وقبل أن يهبط مكة، همس النبي لعمه العباس: «يا عباس، احبسه بمضيق الوادي عن خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها.» ويأمر النبي باستعراض القوة. وبينما العباس مع أبي سفيان عند مضيق الوادي، يروي لنا:

مرَّت القبائل على راياتها، كلما مرَّت قبيلة قال: يا عباس، من هذه؟ فأقول: سليم. فيقول: ما لي وسليم. فيقول: يا عباس، من هؤلاء؟ فأقول: مزينة. فيقول: ما لي ولمزينة. حتى نفدت القبائل …

ومرَّ رسول الله في كتيبته الخضراء، وإنما قيل لها الخضراء؛ لكثرة الحديد وظهوره فيها … منها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال: سبحان الله يا عباس، من هؤلاء؟ قلت: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار.

قال:
ما لأحد بهؤلاء من قِبَل ولا طاقة.
والله يا أبا الفضل،
لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداةَ عظيمًا.
قلت: يا أبا سفيان، إنها النبوة. قال: فنعم إذن.
قلت: النجاءَ إلى قومك.١١
وهنا نجد شباب قريش وقد أخذتهم الحمية، بينما يُقسِّم النبي جيشه أربعة ألوية كبرى ليدخل مكة، ونقرأ الخبر عند أبي هريرة وهو يحكي:
فبعث رسول الله الزبير على إحدى المجنبتَين، وبعث خالدًا على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الجسر، وأخذوا بطن الوادي، ورسول الله في كتيبته، وقد وبَّشت قريش أوباشها … فنظر فرآني، فقال: يا أبا هريرة. فقلت: لبيك يا رسول الله. قال: اهتف بالأنصار ولا يأتيني إلا أنصاري. فهتفت بهم فجاءوا فأطافوا برسول الله ، فقال: أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم؟ ثم قال بيدَيه، إحداهما فوق الأخرى: احصدوهم حصدًا حتى تُوافوني بالصفا. فقال أبو هريرة: فانطلقنا فما يشاء واحد منا إلا أن يقتل منهم ما شاء، وما أحد منهم يُوجِّه إلينا منهم شيئًا. فقال أبو سفيان:
أُبِيحت خضراء قريش،
ولا قريش بعد اليوم.١٢
ويهرع أبو سفيان بالفزع إلى مكة يصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قِبَل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه فقالت: اقتلوا الحَمِيت الدسِم الأحمس، قُبِّح من طليعة قوم. قال: ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فقد جاءكم بما لا قِبَل لكم به؛ فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قاتلك الله، وما تُغني عنا دارك؟ قال: ومن أغلق بابه عليه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرَّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.١٣

وبدأ حظر التجول في أم القرى، بعد أن رأى سيد قريش ما رأى، وأراده النبي أن يرى، ثم كيف جمع الأنصار تحديدًا أمامه، أهل الحرب والدم والحلقة، أعداء قريش وفدائيِّي الإسلام ورجاله؛ ليستبيح بهم مكة، حيث ثروات الملأ التي تربو على مئات الملايين، وفيها كان الغيد الحسان اللائي يرفلن في النعيم؛ ومن ثَم تصوَّر سعد بن عبادة أن ما صنعه الرسول من استعراض للقوة والعنف أمام أبي سفيان أمر نهايته استباحة مكة، فخرج يحمل راية القيادة أمام الجيش، ويحمل معها مشاعر كل يثربي إزاء مكة، هاتفًا: اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحَل الحرمة.

ويسمعه المهاجرون فيهرعون بالبلاغ إلى النبي، ومعهم ضرار بن الخطاب شاعرًا يُفصِح عن المشاعر قائلًا:

يا نبي الهدى إليك لجا حيُّ
قريش ولات حين لَجاءِ
حين ضاقت عليهمُ سعة الأر
ض وعاداهمُ إله السماءِ
والتقت حلقتا البطان على القو
م ونُودوا بالصيلم الصلعاءِ
إن سعدًا يريد قاصمة الظهـ
ـر بأهل الحجون والبطحاءِ
خزرجيٌّ لو يستطيع من الغيـ
ـظ رمانا بالنسر والعواءِ
فلئن أقحم اللواء ونادى
يا حماة اللواء أهلَ اللواءِ
لَتكونَن بالبطاح قريش
فقعة القاع في أكف الإماءِ١٤
وهنا يُنادي رسول الله سعدًا ليأخذ منه الراية، ويُعطيها لأكثر المهاجرين رأفة ورحمة ليدخل بها مكة، لعلي بن أبي طالب، وخلف علي دخل الجيش في رسالة طمأنة واضحة لمن ينظرون من خلف فرج الأبواب يتطلعون ويرجفون؛ لتتجرأ النساء فقط فيكشفن عن أنفسهن، ويفتحن الأبواب ويقفن في دلع على شارع الموكب العظيم، يحملن أباريق الخمر يضربن بها وجوه خيل الفتح في دعوة واضحة تُعلِن استسلام النساء للفاتحين عن رضًا. ويُلخِّص ابن الأثير ما روته كتب الأخبار بشأن ذلك الاستقبال الحريمي في قوله:
قام نساء مشركات في وجوههن، يلطمن وجوه الخيل بالخمر، وقد نشرن شعورهن، فرآهن رسول الله وإلى جنبه أبو بكر، فتبسَّم رسول الله ، وقال: يا أبا بكر كيف قال حسان؟١٥

لينطلق حسان مُستجيبًا يصف المشهد شعرًا يقول:

تظل جيادنا مُتمطِّراتٍ
يُلطِّمهن بالخمر النساءُ
فإما تُعرِضوا عنا اعتمرنا
وكان الفتح وانكشف الغطاءُ
وقال الله قد سيَّرت جندًا
هم الأنصار عرضتها اللقاءُ
ألا أبلغ أبا سفيان عني
مُغلغَلة فقد برح الخفاءُ
بأن سيوفنا تركتك عبدًا
وعبد الدار سادتها الإماءُ١٦
ولم يعترض الجيش أحد إلا النساء المُرحِّبات، واللهم إلا مجنبة خالد بن الوليد، الذي لقيه بعض المُتحمِّسين من شباب قريش في جمع عند الخندمة، فقتل منهم ثمانية عشر وفرَّ البقية، وعلم النبي فقال: ألم أنهَ عن القتال؟ فأجابه مُجيب: خالد قُوتِل فقاتل. فقال: قضاء الله خير. ومن المسلمين لم يُقتَل غير رجلَين خطأً لسريانهما في أماكن محظورة وقت حظر التجول، هما كرز بن جابر الفهري، وخالد الأشقر الخزاعي.١٧
ودلف النبي إلى البيت، وأرسل بلالًا إلى عثمان بن طلحة ليأتيه بمفتاح الكعبة؛ ذلك المفتاح التاريخي الذي انتقل عبر القرون من أيادٍ إلى أيادي فوق دماء كثيرة، لينتهي إلى سليل البيت الهاشمي. ويُمسِك النبي بالمفتاح رمز السيادة جميعًا، ويفتح باب الكعبة ليُصلِّي بداخلها ركعتَين، ثم يخرج فيقف على الباب آخذًا بعضادتَيه وقد لبط الناس حوله، فيخطب فيهم قائلًا:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.
ألا كل مأثرة أو دم أو مال يُدعى، فهو موضوع تحت قدمَيَّ هاتَين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج، ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ففيه الدية مُغلَّظة مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها.
يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظُّمها بالآباء. الناس من آدم وآدم من تراب.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى … (وقرأ الآية كلها).
يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟
ويأتيه الرد:

خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.

رد ما كان جوابه إلا:

اذهبوا فأنتم الطلقاء.

ويدعو النبي عثمان بن طلحة، فيدفع إليه مفتاح الكعبة وهو يقول: «خذوها يا بني طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم أحد إلا ظالم.» بينما لا شك كان عثمان بن طلحة يتذكر أيام كان محمد مَهيضًا ضعيفًا في بداية دعوته بمكة، عندما أراد أن يدخل محمد الكعبة مع الملأ القرشي من السادة ليُطالِع ما بداخلها، فمنعه عثمان بن طلحة ورده ردًّا غليظًا، ونال منه. ولا شك يتذكر الآن وهو يستلم المفتاح من محمد بعد أن أصبح سيد السادة، ما سبق وقاله له محمد يومذاك: «يا عثمان، لعلك سترى هذا المفتاح بيدي يومًا، أضعه حيث شئت.» ولا شك أيضًا أنه لم يزَل ذاكرًا بقية الحوار عندما أجابه: «لقد هلكت قريش يومئذٍ وذلَّت.» فرد علي النبي: «بل عمرت وعزت يومئذٍ.»١٨ وقد أثبتت الأيام صدق كل كلمة قالها سيد الخلق.
ثم يُنادي النبي عمه العباس بن عبد المطلب؛ ليُقيمه كما كان على منصب السقاية قائلًا: «أعطيتكم ما ترزأكم ولا ترزءونها.» ثم يبعث إلى تميم بن أسد الخزاعي ويأمره بتجديد أنصاب الكعبة، ثم يأمر بلالًا بالصعود فوق سطح الكعبة عند الظهر؛ ليرفع شعار دولة الإسلام مُؤذِّنًا به، بينما يُردِّد النبي: «لا تُغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة.» وكانت بنت أبي الحكم تُردِّد قولًا آخر وهي تسمع الأذان، فتقول: «أما الصلاة فسنُؤدِّيها، ولكن والله ما تحب قلوبنا من قتل الأحبة.»١٩
وبعدها خرج النبي إلى ساحة الكعبة، يطوف على الأصنام يُشير إليها بقضيب في يده وهو يقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا. ويُؤكِّد ابن هشام عن ابن إسحاق أنه ما أشار إلى صنم إلا وقع لساعته على وجهه أو قفاه، لكن ابن كثير لم يُعجِبه ذلك، ورأى في سقوط الأصنام بمجرد الإشارة تزيُّدًا ورواية ضعيفة.٢٠
وبعدها يدخل النبي إلى قبة بنوها له، وهناك يُصدِر أوامره بقتل نفر سمَّاهم بالاسم، حتى لو وُجِدوا مُتعلِّقين بأستار الكعبة؛ منهم جاريتان كانتا تتغنيان بهجاء النبي، فقُتِلت واحدة واستُؤمن للأخرى من النبي فعفا عنها. وسارة وهي جارية كانت تُؤذيه بمكة قبل الهجرة وقد استُؤمن لها بدورها. والحويرث بن نقيد وهبار بن الأسود وهما اللذان نخسا بعير زينب بنت الرسول فسقطت عنه وألقت جنينها. وعبد الله بن خطل الذي أسلم فأرسله النبي يجمع الصدقات فقتل عبده وعاد إلى مكة مشركًا، وقد قتله سعيد بن حريث. ومقيس بن صبابة الذي ذهب إلى يثرب مسلمًا، ثم قتل أنصاريًّا ثأرًا لأخيه ثم عاد إلى قريش مشركًا، وقد قتله نميلة بن عبد الله. وعكرمة بن أبي جهل، وقد جاءت به امرأته للنبي فاستأمنته له.٢١
كذلك صدر الأمر النبوي بقتل الشاعر عبد الله بن الزبعرى السهمي؛ لأنه كان ممن يهجو النبي بشعره، وقد هرب مع هبيرة المخزومي زوج أم هانئ بنت أبي طالب إلى نجران، وهناك أقام هبيرة مشركًا حتى مات، وعاد ابن الزبعرى إلى النبي مُعتذِرًا مُتحبِّبًا بقصائد المديح، فعفا عنه. كما صدر الأمر بقتل وحشي الحبشي لقتله حمزة بن عبد المطلب عم النبي في أحد، لكنه جاء للنبي مُعتذِرًا مسلمًا فقبل منه، كذلك قبل النبي اعتذار حويطب بن عبد العزى، وهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان.٢٢
وممن صدر بحقهم حكم الموت كان شقيق عثمان بن عفان من الرضاعة، عبد الله بن أبي سرح؛ لأنه كان قد أسلم، واشتغل بكتابة الوحي للنبي، ثم ارتد إلى مكة مشركًا، وقد جاء به عثمان إلى النبي يستأمنه، وهو ما جاء عند ابن كثير راويًا: «فلما جاء ليستأمن له صمت عنه الرسول طويلًا، ثم قال: نعم. فلما انصرف مع عثمان قال الرسول لمن حوله: أما كان فيكم رجل رشيد، يقوم إلى هذا — حين رآني قد صمت — فيقتله؟! فقالوا: يا رسول الله، هلا أومأت إلينا؟ فقال: إن النبي لا يقتل بالإشارة.»٢٣
وتقول رواية أخرى بذات الخصوص إن واحدًا من الأنصار كان قد نذر أن يقتل ابن أبي سرح نقمةً عليه، فلما جاء به عثمان وكان الأنصاري حاضرًا، وبعدما خرج عثمان وأخوه قال النبي للأنصاري: «هلا وفَّيت بنذرك؟ فقال: يا رسول الله، وضعت يدي على قائم السيف أنتظر منك أن تُومئ لي فأقتله. فقال النبي: ليس لنبي أن يُومئ.»٢٤
ووسط زخم الأحداث، وبين الحشد المُتجمِّع حول قبة النبي جاء أبو بكر بشقيقته، التي كانت قد خرجت على باب بيتها حين دخول جيش الفتح إلى مكة مع النسوة اللائي خرجن يستقبلن جيش الفتح، فتلقَّاها رجل وخطف من رقبتها طوقها الذهبي، وأمسك أبو بكر بيد شقيقته يُنادي جند الله: «أنشُدكم الله والإسلام طوق أختي.» فلم يُجِبه أحد، فقال لأخته: «أي أُخَية، احتسبي طوقك، إن الأمانة في الناس اليوم لقليل.»٢٥
وتنتهز خزاعة الموقف فتعدو على هذيل، فتقتل رجلًا منها بثأر قديم، وهنا يغضب سيد الخلق ويقف يُنادي في الناس:

يا أيها الناس

إن الله حرَّم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يُؤمِن بالله واليوم الأخر أن يسفك فيها دماءً ولا يعضد فيها شجرًا، لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد يكون بعدي، ولم تحلل لي إلا هذه الساعة؛ غضبًا على أهلها، ثم رجعت كحرمتها بالأمس؛ فليُبلِّغ الشاهد منكم الغائب، فمن قال لكم إن رسول الله قاتل فيها فقولوا إن الله قد أحلها لرسول الله ولم يُحِلها لكم. يا معشر خزاعة، ارفعوا أيديكم عن القتل، لقد كثر القتل.٢٦
وهكذا، وقفت الأنصار دهِشة، كما وقفت قريش أيضًا مأخوذة؛ فالنبي يكف أيدي الأنصار عن مكة، ويكف أيدي الناس عن بعضهم البعض، ويُعلِن حرمة البيت إلى نهاية الدهور، ويُطلِق أهل مكة دون شروط، ويُمارِس طقوس قريش الدينية بتمامها، حتى تجديد الأنصاب، واحترام الحجر الأسود وتقديسه؛ لتتساءل الأنصار مُتوجِّسة بالهواجس عما سيئول إليه الأمر، وهل من الممكن للنبي بعد أن تحرَّك رحمةً لبلده أن يمكث فيها بين أهله؟ لكن ليأتيها الجواب من رسول الله : «مَعاذ الله، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمَحيا محياكم والممات مماتكم.» فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: «والله ما قلنا الذي قلنا، إلا للضن بالله ورسوله.»٢٧
وبعدها يصعد النبي إلى الصفا، لتقف مكة في طابور طويل، رجالها ونساءها، يمرون أمامه ليُلقي كل منهم صيغة الاعتراف والرضوخ ومُبايَعة الرسول عليهم سيدًا أو رسولًا، بينما يجلس عمر بن الخطاب أسفل مجلسه «يأخذ على الناس السمع والطاعة لله ولرسوله.»٢٨
١  أبكار السقاف: نحو آفاق، سبق ذكره، ج٢، ص١٥٥٥.
٢  ابن هشام: السيرة في كتاب السهيلي، سبق ذكره، ج٤، ص٨٤، ٨٥.
٣  البلاذري: أنساب الأشراف، سبق ذكره، ج١، ص٣٥٣.
٤  نفسه: ص٨٦.
٥  ابن سعد: الطبقات، سبق ذكره، مج٢، ج١، ص٩٧.
٦  ابن هشام: السيرة في كتاب السهيلي، سبق ذكره، ج٤، ص٨٦، ٨٧.
٧  نفسه: ج٤، ص٨٧–٩٠.
٨  نفسه: ج٤، ص٩٩.
٩  الموضع نفسه.
١٠  الموضع نفسه.
١١  نفسه: ص٩٠.
١٢  ابن كثير: البداية، سبق ذكره، ج٤، ص٣٠٥.
١٣  ابن هشام: السيرة في كتاب السهيلي، سبق ذكره، ج٤، ص١٠٧.
١٤  نفسه: ص١٠١.
١٥  ابن الأثير: الكامل، سبق ذكره، ج٢، ص٢٤٧.
١٦  ابن هشام: السيرة في كتاب السهيلي، سبق ذكره، ج٤، ص١٠٧.
١٧  ابن سعد: الطبقات، سبق ذكره، مج٢، ج٢، ص٩٨.
١٨  ابن سيد الناس: عيون، سبق ذكره، ج٢، ص٢٣١.
١٩  ابن سعد: الطبقات، سبق ذكره، مج٢، ج١، ص٩٩. انظر أيضًا السهيلي: الروض الأنف، سبق ذكره، ج٤، ص١١٤.
٢٠  ابن كثير: البداية، سبق ذكره، ج٤، ص٣٠٠.
٢١  ابن هشام: السيرة في كتاب السهيلي، سبق ذكره، ج٤، ص٩٢، ٩٣. انظر أيضًا السهيلي: الروض الأنف، ج٤، ص١٠٤.
٢٢  ابن الأثير: الكامل، سبق ذكره، ج٢، ص٢٥٠، ٢٥١.
٢٣  ابن كثير: البداية، سبق ذكره، ج٤، ص٢٩٦.
٢٤  ابن سعد: الطبقات، سبق ذكره، مج٢، ج١، ص١٠٢.
٢٥  ابن هشام: السيرة في كتاب السهيلي، سبق ذكره، ج٤، ص٩١.
٢٦  نفسه: ص٩٤، ٩٥.
٢٧  نفسه: ص٩٥، انظر أيضًا ابن كثير: البداية، سبق ذكره، ج٤، ص٣٠٦.
٢٨  ابن كثير: البداية، سبق ذكره، ج٤، ص٣١٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤