الفصل السابع

الحارث بن حلزة

مات سنة ٥٢ قبل الهجرة و٥٧٠ للميلاد

نسبه وخبر ولادته

هو الحارث بن حلزة بن مكروه بن يزيد بن عبد الله بن مالك بن عبيد بن سعد بن جشم بن عاصم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وحِلِّزَة بكسر الحاء المهملة وكسر اللام المشددة، وهو في اللغة اسم دويبة، واسم البومة، والذكر بدون هاء، ويقال: امرأة حلزة للقصيرة والبخيلة والحلز السيئ الخلق، وقال قطرب: حكي لنا أن الحلزة ضرب من النبات ولم نسمع فيه غير ذلك.

طبقته في الشعراء وحديثه مع عمرو بن هند

قال أبو عبيدة: أجود الشعراء قصيدة واحدة جيدة طويلة ثلاثة نفر: عمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزة، وطرفة بن العبد. وزعم الأصمعي أن الحارث قال قصيدته هذه وهو ابن مائة وخمس وثلاثين سنة. وكان من حديثه أن عمرو بن هند لما ملَك الحيرة، وكان جبَّارًا جمَع بكرًا وتغلب فأصلح بينهم، وأخذ من الحيين رهنًا من كل حي مائة غلام ليكف بعضهم عن بعض، وكان أولئك الرهن يسيرون ويغزون مع الملِك، فأصابتهم سَموم في بعض مسيرهم فهلك عامة التغلبيين وسلم البكريون، فقالت تغلب لبكر بن وائل: أعطونا ديات أبنائنا فإن ذلك لازم لكم فأنت بكر، فاجتمعت تغلب إلى عمرو بن كلثوم، فقال عمرو بن كلثوم: بمن ترون بكرًا تغصب أمرها اليوم؟ قالوا: بمن عسى إلا برجل من بني ثعلبة. قال عمرو: أرى الأمر واللهِ سينجلي عن أحمر أصلع أصم من بني يشكر، فجاءت بكر بالنعمان بن هرم أحد بني ثعلبة بن غنم بن يشكر، وجاءت تغلب بعمرو بن كلثوم، فلما اجتمعوا عند الملك، قال عمرو بن كلثوم للنعمان بن هرم: يا أصم، جاءت بك أولاد ثعلبة تناضل عنهم، وقد يفخرون عليك! فقال النعمان: وعلى من أظلت السماء يفخرون. قال عمرو بن كلثوم: واللهِ إني لو لطمتك لطمة ما أخذوا بها. قال: والله إن لو فعلت ما أفلت بها قيس أير أبيك. فغضب عمرو بن هند غضبًا شديدًا، وكان يؤثِر بني تغلب على بكر، فقال: يا حارثة أعطه لحنًا بلسان أنثى أي شبيه بلسانك. فقال: أيها الملك أعط ذلك لأحب أهلك إليك. فقال: يا نعمان أيسرك أني أبوك؟ قال: لا، ولكن وددت أنك أمي، فغضب عمرو بن هند غضبًا شديدًا حتى هم بالنعمان، وقام الحارث بن حلزة فارتجل معلقته هذه ارتجالًا، وتوكأ على قوسه، وأنشدها، واقتطم كفه وهو لا يشعر من الغضب حتى فرغ منها.

قال ابن الكلبي: أنشد الحارث عمرو بن هند هذه القصيدة، وكان به وضح، فقيل لعمرو بن هند: إن به وضحًا، فأمر أن يجعل بينه وبينه ستر، فلما تكلم أُعجِب بمنطقه، فلم يزل عمرو يقول: أدنوه أدنوه. حتى أمر بوضع الستر وأقعده معه، ثم أطعمه من جفنته، وأمر أن لا ينضح أثره بالماء، ثم جز نواصي السبعين رجلًا الذين كانوا رهنًا في يده من بكر، ودفعهم إلى الحارث، ثم أمره أن لا ينشد قصيدته إلا متوضئًا، ولم تزل تلك النواصي في بني بكر يفتخرون بها وبشاعرهم.

وضرب بالحارث المثل في الفخر، فقيل: أفخر من الحارث بن حلزة، وكان أبو عمرو الشيباني يعجب لارتجال هذه القصيدة في موقف واحد، ويقول: لو قالها في حول لم يُلَمْ، وقد جمع فيها ذكر عدة من أيام العرب عَيَّرَ ببعضها بني تغلب تصريحًا، وعرض بعضها لعمرو بن هند، وعاش بعد ذلك مدة، وهو معدود من المعمَّرين، ومات وله من السنين مائة وخمسون سنة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤