النور والحياة

أحب الضُّحى وأحب المساءَ
وأهوى الظلامَ وأهوَى الضياءَ
ووقتًا تُرفرفُ رُوحِيَ فيه
يُنازعني من بَقائي البَقاءَ
معاني الحياةِ كَأوقاتها
فما سُرَّ سَرَّ وما سِيءَ ساءَ

•••

إذا الشمسُ أرسلَتِ النورَ لاحت
كنبعِ عقيقٍ تَدفَّقَ ماءَ
وسالَ كتِبرٍ أُذيبَ وصُبَّ
على الكَونِ يسقِي الفَضا والهواءَ
تَرقرَقَ مثل دُموعِ العذارى
حسِبتَ الخدود لهن إناءَ
وما البدرُ في الليلِ إلَّا لجينٌ
يذوبُ سَنًى ويُنير السَّناءَ
كأَنَّ الحسانَ لَبِسن الحدادَ
وأسفرنَ عن كلِّ وجهٍ أضاءَ
وإن خيَّم الليلُ قامَ السوادُ
بهيمًا كعَقلٍ أضاعَ الذكاءَ
كأنَّ الغواني نشرنَ الشُّعورَ
وستَّرنَ أوجُهَهُنَّ حَياءَ
فشمسُ الصَّباح عقيقٌ يَسيلُ
ونحنُ دعَونا العقيقَ ذكاءَ
وبدرُ الظلامِ لجينٌ لذاك
يلألئُ نُور اللجينِ صفاءَ
وليس الدجُنَّةُ إلَّا فَناء
إذا ما تراءَت لنا يَتراءى
وما قولُنا الشمس والبدر والصبح
والليل في العُمر إلَّا امتراءَ

•••

وإن الحياة لَتُقضَى كذلِـ
ـكَ طورًا ظلامًا وطورًا ضياءَ
وما اختَلَفَتْ غيرُ عينٍ تراها
شقاءً وعينٍ ترَاها هَناءَ
وما النُّورُ إلَّا الحياةُ فهذا
رآهُ صباحًا وذاك مساءَ
١١ يوليو سنة ١٩١٢

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤