ما الحب؟

إلى: د …

تسائلني ما الحبُّ قلت عواطفٌ
منوَّعة الأجناسِ مركزُها القلبُ
فقالت: ولكنْ كنههُ، قلتُ: ما له
لدى البَحث كنهٌ يُستفاد ولا حَسب
وكلٌّ له حُبٌّ لأن تضارُبَ الـ
ـعواطف لا قولٌ يفيد ولا كتب
سكتُّ. أجابت: قلْ. فقُلت: ألم أقُل
عواطفُ قلبٍ بعضُها شَبِمٌ عذْب
ومنها التي تَسري كنارٍ مُذيبةٍ
ومنها التي تُسلِي حياةَ الذي يصبُو
وما الحبُّ إلَّا رابطُ الكونِ كله
فلم يخلُ منه الفَدْم والجِهبَذ النَّدب١
كأن بني الدنيا بروج دوائِر
منظَّمةُ التَّرتيب وهو لها قُطب
فيحفَظ بين العالمين تَوازنًا
ليبقَى لها معنًى كما خلَق الربُّ
وأسرارُه في القوَّتين اللَّتين لا
تزيدانِنا علمًا هما الدَّفع والجَذبُ
ومن فهِم الحسنَ الصميمَ فإنما
دعاه إليه واستقلَّ له الحُب
على أنه لا غصبَ فيه لأنه
يجيءُ اختياريًّا يَعيب به الغَصبُ
فلم يُرضها هذا الكلامُ وأقبلَت
عليَّ بوجهٍ خدُّه ناعمٌ رطْب
وقالتْ أطِل عنه الحديثَ فإنَّني
أُحسُّ فؤادي قد تناوَله الرُّعب
فقلتُ سلِي الأطيارَ في وُكناتها
إذا لعبتْ ماذا أثار بها اللِّعْب
سلي زهَراتِ الروض عن نفَحاتها
إذا مال غصنُ الروض وهو شَجٍ صبُّ
سلي نسماتِ الصُّبح حين تنهَّدت
خوافتَ تُشجيها الأزاهرُ والقُضب
سلي جارياتِ الماءِ عما تُذيعُه
عن التُّرب أو ماذا يقول لها التُّرب
سلي الأثلاثِ النابتاتِ من الثَّرى
وقد كنَّ حَبًّا كيفَ قد نبتَ الحَب
سلي زاخراتِ الموجِ وهي نواصِتٌ
إلى نغَماتِ السُّحب إذ درَّت السُّحبُ
سلي ساطعاتِ النَّجمِ والبدرُ بينَها
بدا وهْي سِرب كيف يأتلِف السِّرب
سلي الصخرَ يَسقيه النَّدَى بدُموعه
فيجثُو سعيدًا زاهيًا فوقَه العُشب
سلي الشَّمسَ إذ تأوِي إلى البَحر زوجِها
مساءً لماذا دارَ بينهما العَتبُ
سلي اللَّيل مرتاعًا على البَدر آفِلًا
كأَنَّ له لُبًّا وقد خَفَتَ اللبُّ
سلي الصبحَ إذ يبكي سلي الأفقَ باسمًا
سلي النورَ فوق الكَون يجرِي وينصَبُّ
سلي قلبَك المُصغي إليَّ وروحكِ الَّـ
ـتي هي أختُ القلبِ تصبو كما يصبُو
سلي الدِّينَ والدنيا سلي الأرضَ والسَّما
سلي من له قلبٌ ومن ما له قَلب
يُخبِّرْكِ أن الحبَّ سرٌّ بدَت له
معانٍ ولكِن دون جوهرِه حُجب
… … … …
… … … …
فقالت وهمَّت بالبكاءِ وما اشتَفَتْ
ولكن، ولكن، بعد ذلك، ما الحبُّ
… … … …
… … … …
٢٢ أكتوبر سنة ١٩١٣

هوامش

(١) الفَدْم: الأحمق. الجِهبذ، معرب كهبذ بالفارسية، هو الناقد العارف. والنَّدب: النجيب الفاضل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤