الأمل العاثر

مُنًى لُحنَ لي ثم انثنينَ عجالا
وزايلنَ آمالَ الشَّبابِ فزالا
شموسٌ أضاءَت في سماءِ شَبيبتي
هوادٍ وإذ زالَت طلبنَ زوالا
مباسمُ سعدٍ في ثغورٍ غَضيضةٍ
محاهنَّ ليلٌ بالخُطوب توالَى
تركنَ بأَحشائي قُنوطًا على المَدى
تحوَّل داءً في الفُؤاد عُضالا
فمن كان تُغريه الحياةُ فإِنني
تحمَّلتُ أَعباءَ الحياةِ ثِقالا
إذا طمَحَت نفسِي إلى السَّعد إنها
لتَعلم أَن السعدَ عزَّ مَنالا
وكنتُ أظنُّ العُمرَ تُسعده النُّهَى
ولكنَّ هذا العَقلَ صار عِقالا
فيا لشقاءِ العلمِ ذلَّ تواضعًا
ويا لهَناءِ الجَهل حين تعالَى
إذا صحِب البؤسُ العُقولَ فإنما
على السَّعد يبقى الجاهِلون عِيالا

•••

عذرتُ أخا علمٍ يهاجِر علمُه
وينسَى مبادِيه لينعَمَ بالا
فما زالَ هذا الناسُ ضربةَ لازبٍ
يُعيدون مبسوطَ الأَديم جِبالا
ومن لم يسايرْ عيشَهُ في اعوِجاجه
فتقويمُه يُمسِي عليه وَبالا

•••

صحبتُ زماني لاهيًا متلقِّيًا
نعيمي وبُؤسي منه كيفَ أنالا
لياليَ أسلُو الدهرَ في وجهِ غادةٍ
هي الدَّهرُ تعطِي يمنةً وشِمالا
عشقتُك صِدقًا يا سعادُ ولم أكُن
أشُكَّ بأنَّ العشقَ يكذِب فالا
إلى أن تخطَّتْني إليك عواطفٌ
رمتْها بقلبي الحادِثاتُ نِبالا
من الناسِ مَن لا يدخل العشقُ قلبَه
فيُفني لياليه وَنًى ومَلالا
لأن غذاءَ النَّفسِ قربُ حبيبةٍ
تعينُ على نَهب الزَّمان حَلالا
هو الحبُّ نورُ العُمر إمَّا خَبا فقَد
خبا بعده نورُ الحياة وحَالا
فإن يكُ من تهواه غيرَ مسالمٍ
تُصِبْ في التصابي جنَّةً وخبالا
سَبا مهجتي قدٌّ رشيقٌ ومبسمٌ
عقيقٌ ووجهٌ يَستَهل جَمالا
وشَعرٌ كأَنَّ الشمسَ مَدَّت شعاعَها
شِباكًا على مَتن الضُّحى وحِبالا
وعينانِ زرقاوَان يجلُو سَناهما
سماءَ ربيعٍ فيهما تتَلالا
تعشَّقتُ خلقًا لم تزِنه خَليقةٌ
فتوجدَ في شخصِ الحبيبِ كَمالا
فلم تمتزجْ روحي وروحُكِ في الهَوى
فصار عليَّ الحبُّ فيك مُحالا
تُفاخِرني بالحسن أَنِّي أسيرُه
وأن لها عَرشًا به يتَعالى
إذا وجدتْ حسناءُ فخرًا بحُسنها
فمذ كنَّ تستَصبي النِّساءُ رِجالا
وأيُّ افتخارٍ للشَّراب بكاسِه
إذا لم يكن ذاك الشَّرابُ زُلالا
هويتكِ حتى لا نِهاية في الهَوى
وأَتعبتُ فيك النَّازلات نِزالا
وأعملتُ قلبي في غَرامك خالِصًا
فكان نصيبي فَجعةً ونَكالا
وأصبحتُ أضنَى ما أكون حُشاشةً
وأضيَعَ آمالًا وأسوأَ حَالا
وأَدمَى فؤادًا حيثُما جرَّني الهوى
جررتُ ذيولَ الحادثاتِ طِوالا

•••

زجرتُ فؤادي عن مُصانعةِ الورَى
فإنهمُ قد ضايقُوه مَجالا
وقلت لآمالي رِدِي العيشَ إنه
لأَظمأُ حيٍّ من تورَّد آلا
ومتَّعتُ جِسمي باللَّذاذات بُرهةً
أبدِّدُ أخلاقًا وأبذُل مالا
فعدتُ وقلبي كارهٌ متجنِّبٌ
وما نلتُ إلَّا حطةً وكَلالا

•••

أَلا بئسَ عيشُ الصَّابرين على الأذَى
يوالون دهرًا بالمصائبِ والَى
لقد ثكِلُوا الآمال هل عجَبٌ إذا
غدَوا ولهم حُزنًا وجوهُ ثكَالى
فلا تنتظرْ عَودَ السُّرورِ وإنما
خذِ العمر نهبًا والحياةَ قِتالا
تلقَّ المُنى كيف استهلَّت وإنْ تكُن
مناكَ على ما ترتجيه ضِئالا
فها أنا لاقيتُ الشَّقاءَ متمَّمًا
له في دَياجي النائباتِ وِصالا
أعيشُ لأن الموتَ عنيَ غافلٌ
وأضحَكُ حتى لا أنوحَ خَبَالا
حملتُ هُموم الحبِّ حتى تخرَّمَتْ
قُواي عَواديه فصرتُ خَيَالا
وأصبحتُ عُنوان الشَّقاءِ مجسَّمًا
وأصبحتُ للبُؤس الصَّميمِ مِثالا
ومن أنا أَهواه يظلُّ منعَّمًا
سعيدًا على الدنيا يتِيه دَلالا
إذا قمتُ أشكو لا أرَى لي مؤاسِيًا
به ويقولُ الناسُ زادَ وغالَى
فبُدِّلتُ شوكَ الحُبِّ من بعد زَهره
وبُدِّلتُ من نور الحَياة ظِلالا
وأصبح ذاك الصُّبحُ ليلًا مخيِّمًا
وصارتْ به تلك الرِّياضُ رِمالا
أأبقَى كذا حتى أموتَ وربَّما
إذا متُّ لم أُفجِع بموتيَ آلا
٥ و٦ ديسمبر سنة ١٩١٣

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤