تعزية

إلى الصديق الكريم جاد بك فهده، في وفاة شقيقِه الطبيب المرحوم داود فهده.

ماذا يفيد المرءَ مدمعُهُ
ينصبُّ والأَحشاءُ تستعرُ
هل تُرجع الماضِي الدموعُ وهَل
تُحيي الذين طوَتهم الحفرُ
لم تشفِ من يأس وكم نهِكتْ
جِسمًا فزال شبابُه النَّضرُ
والدمعُ إن جاشَت غوارِبهُ
لغةُ النُّفوس وسرُّها الحصرُ
تقذي وتحمرُّ العيونُ به
فكأنما بجفُونها شَررُ
هذِي المُنى تجري على قدَرٍ
يَروي الذي يَجري به القدَر
والنفسُ كالأفلاك إن أَفلَت
فيها النجومُ وغُيِّبَ القمرُ
ضلَّ السبيلَ السَّفْرُ وانقطعَت
آمالُه وحياتُنا سَفَر

•••

يا من ينوحُ على فراقِ أخٍ
الله يجزلُ أجرَ من صبَروا
المرءُ ليسَ مخلَّدًا أبدًا
ومماتُه لا بدَّ منتظَر
والراحةُ الكبرى إذا طُوِيَت
أيامُه والعينُ والأثَر
كم نائمٍ في القَبر يحسُده
عالِي السرير وليلُه سهَر
ومقطَّبٍ في اللَّحد يغبِطُه
متبسِّمٌ وفؤادُه ضَجِر
حيٌّ وكلُّ حياته حَذرٌ
والقبرُ لا أمنٌ ولا حذَر
والموتُ مَرحمةٌ وألينُ مِن
بسط الحرير التربُ والحجَر

•••

إن كان قد كبِر المصابُ به
فلأنَّه من معشر كبِروا
قصرُت لدنْ قُصفت شبيبَتُه
إن الشبيبةَ عيبها القِصَر
والزَّهر إن نضِرَت مباسِمُه
تأتي السَّمومُ فيذبُل الزَّهَرُ
كان الطبيبَ فلم يفدْه وقد
صالَ الحِمامُ وحارتِ الفِكَر
كان الذي يُسلي الضعافَ إذا
ذلُّوا وقامَ الدهرُ ينتَصِر
كان الذي يأسُو الجراحَ إذا
نَغِلت وأفسدَها الدمُ الكَدِر
يَجتَثُّ مِبضعهُ مفاسدَها
حتى تعودَ الرُّوح تنتشِر
اليومَ عُوفي من متاعبِه
وكأنما منه انقضَى الوطَر
إن الطبيبَ اللهُ خالقُنا
ودواؤه في الخَلق مشتهر
ما صحةُ الإنسان غير ضنًى
في تِيه كونٍ كله غِيَر
والعيش داءٌ لا دواءَ له
إلَّا الردَى وبه اشتفَى البشَر
لو لم نَمُت لم نَحيَ فيه فيَا
للنفع يجلِبُ ذلك الضرَر

•••

سلِّم إلى الرحمنِ فهو يرَى
ما لا تراه عُقولُنا الحُسُرُ
واذكرْ أخاك بكل محمِدةٍ
فهو الذي أَيامُه غُرَر
قد عاشَ فينا واسمُه رجلٌ
ومن الرِّجال كأنهم صُوَر
٢٠ مايو سنة ١٩١٤

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤