العزم المتلاشي

إذا ضجَّ في صَدري الغرامُ وثارا
حسِبتُ ضلوعي قد علِقنَ شرارا
فعدتُ إلى الدمع المبرِّدِ لوعتي
أخفِّفُ آلامًا وأطفئُ نارا
وعاملتُ قلبي بالمُداراةِ مثلما
يُعامَلُ طفلٌ موجَعٌ ويُدراى

•••

أَهاجرتي قلبًا وعنديَ أُنسها
ألا ليتَ هذا الأنس كان نِفارا
وكان فؤادانا تصافَى هواهُما
فحلَّاهما الحبُّ الأكيدُ سِرارا
فما تنفعُ الدارُ القريبةُ بيننا
وروحُك عن روحي البعيدةُ دارا
فقدتُ المنى لما فقَدتُ صبابتي
لديك وراحَ العمر فيك خَسارا
أرى أملي السَّاجي بعيدًا كأنه
شعاعٌ ضئيلٌ في الغُيوم توارَى
وأيامَ عمري قد تناثرنَ مِثلما
تناثَرُ أوراقُ الغُصون أُوارا
ألا إنَّ أيامي الحِسان استمدَّها
فناءٌ على الماضِي يمد سِتارا
تمرُّ بي الساعاتُ سُودًا طويلةً
وفي إثرها تمضِي السُّنونُ قِصارا
يقلِّبني هذا الزمانُ فلا يرَى
مكانًا بجِسمي من أذاه مُدارى
وتبدو سماءُ الصَّيف صافيةً فلا
أرى قمَري بعد العشيِّ أنارا
تعذِّبُني الذكرى إذا هي حرَّكت
جوًى تتغذَّاه الضُّلوعُ حرارا
فأهتزُّ من يأس وبؤسٍ كأنني
شربتُ بكفِّ الثاكلات عُقارا

•••

إذا كان يُجدي الفخرُ في الحبِّ عاشقًا
فإنيَ سبَّاقُ اللِّدَات فَخارا
وإني لذو القَلبِ الكبير وصاحبُ الـ
ـمُروءَة طبعًا والكريمُ نِجارا١
ونفسِي هي النفسُ التي يَستمِيلُها
جمالُ الصِّفاتِ المنشئاتِ كِبارا

•••

أيُرضيكِ ذلي بين صَحبي وأنَّني
بلغتُ من الجُهد الجهيدِ قُصارى
وما كان قلبي بالقَليل اصطِبارُه
ولكنَّه بعد القطيعةِ صارا
وكان الذي يلقَى الحوادثَ باسمًا
إلى أن تعودَ الحادثاتُ حَيارَى
تَصبَّتُه في المهدِ العظائمُ فانبرى
لهنَّ مُثيرًا في الرِّهان غبارا
إذا كان بعضُ الناس يفعَل فعله
يسرُّ به خِلًّا ويعجِبُ جارا
فغايتُه القُصوى رِضاكِ وإنه
لذلك قد بَزَّ القلوبَ وبارَى
وأدركَ ما لا يدركُ الناسُ بعضَه
وصار إلى الغايات ليس يُجارى
ولكن هذا الهجرَ أضعَف عزمه
وصار له دون البلوغ عِثارا
فإن كان لا يُرضيكِ إلَّا شقاؤه
فها هو قد أَلوى عليه صَغارا

•••

أَلا إنني ساري الظَّلامِ بدَا له
محياكِ في جُنْح الظلام مَنارا
وما الليلُ إلَّا العمرُ والحبُّ نورُه
عليه مشَى ساري الظلامِ وسَارا
فإن تقطَعي فالعمرُ خابٍ منارُه
وإن تَصِلي صار الظلامُ نَهارا
٣ و٤ ديسمبر سنة ١٩١٤

هوامش

(١) النِّجار: الطَّبع والمنبِت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤