الهارب

لو كان لي صحَّةٌ أعيشُ بها
لم أشكُ يومًا كوارثَ الكُرَب
بل كنتُ أغدو حيثُ الجدود غدَت
موفورةً في الحياة للنُّهب
معتزلًا في الجبالِ مُعتصمًا
بغارِها مُشرفًا على الكُتُب
مُرتميًا في مفاوزٍ جَهِلت
غير الرَّزايا والويلِ والحَرَب
أهرُب ممن تقلَّى ودادي وما
لداءِ قَلبي أشفَى من الهرَب
أُطالع الفجر أينَ لاح ولا
عينٌ ترى غيرَ أعين الشُّهب
وألبسُ الليلَ أينَما اندفقَتْ
سيولُه كالغُيوم والسُّحُب
وأركبُ البحرَ مُنشِدًا ولَهي
هزَّتُه مثل هزَّة الطَّرَب
أهزأُ بالنَّاس أنهم خُلقُوا
شُعثَ النواصي للأَكل والشُّرُب
أحملُ قلبي على يدِي فإذا
جَدَّ بي الضَّعفُ متُّ من تعَبي
ماذا على المرءِ أَن يموتَ إذا
عاشَ بلا غايةٍ ولا أرَب
يا أرضُ أينَ القبور فاغرةً
فاهًا وأين الفَناءُ في التُّرُب
وأين دودُ البلى يُنازِعُني
جسمي ويُنهِي في الكون مُغترَبي
يا دهرُ قد طال تِيهُ نفسيَ في
هذا الزِّحام المضيِّق اللجَب
وطال تيهُ الشعور منزِعُه
إلى التي حبُّها أخو الكذَب
ألا شعاعٌ هادٍ عواطفَنا
هدايةَ العينِ في الدُّجَى العُصُبِ
الله يا عُمْرُ أنتَ أعظمُ ما
أَلقى ويا موتُ نِمتَ عن طلَبي
١٥ أكتوبر سنة ١٩١٥

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤