المستجير

أجيري الذي بهواكِ استجَارا
محبٌّ عليه غرامُكِ جَارا
رأى زُرقةً بين عينيكِ قد
وَسعتِ السماءَ بها والبِحارا
فأعطاكِ قلبًا ونفسًا وعَقلًا
وفكرًا وهذا الشَّباب خِيارا
إذا انعكس النور من مُقلَتيـ
ـكِ أضرمَ بين الجَوانح نارا
وإن رفرفَ السِّحرُ في شفتيك ابْـ
تِسامًا فرفرفَ قلبي وطَارا
أرى أنَّ روحيَ قد عُلِّقت
بمثْل نثيرِ الهَباء مُثارا
وأَنَّ الزمان توقَّف عَن سَيـْ
ـره وتُرى قبْلها الدهرُ سارَا
وأَنَّ الحياةَ تجلَّت وأنَّ النعيم
بدا والشقاءَ توارَى
وأن لا صباحَ وأن لا مَسَاء
وأن لا ظلامَ وأن لا نَهارَا
تبارَى بنفسي مَعاني الوُجود
سِوى الحبِّ فهو الذي لا يُبارَى
وما الحبُّ في العُمر إلا مُحيطٌ
على قُطبه فلَكُ العُمر دارا

•••

ملكتُ بقلبي حسنَك وهو
كنوزٌ فما عُدت أخشَى افتِقارا
وعمري في البُعد عنك عِثارٌ
وعندكَ لستُ أخافُ العِثارا
فمن ناظِريك المُنى تستهلُّ
إلى النفس كالنَّجم حينَ أنارا
وكم عَبِثت بالنُّهى مُقلتاك
فهامَ الفؤادُ وضلَّ وحارا
وقبل الهوَى كان عَقلي صحيحًا
فلا تسألي بعده كيفَ صارا
خُذي من فؤادي عواطفَ صدري
فقد ضجَّ صدري بهنَّ وثارا
طمَت مثل ماءٍ طمَى في الحِياضِ
ولكنَّه لا يُصيبُ انحدَارا
عشقتُك حتى فقَدتُ القُوى
بحَرب الورَى لا أروم انتِصارا
أدافع ألسِنةَ الناسِ عنك
وعني وهْي تحاكي الشِّفارا
فتجرَح هذي الجُسومَ حِرارًا
وتجرَح تلكَ النفوسَ حِرارا
فديتُك هذا الورى ليسَ يفهـ
ـمُ إلَّا لجاجَ الضُّلوع أُوارا
وإضرامَ جسمٍ وإطفاءَه
بما فيه سرُّ البقاءِ توارَى
وهل في الورَى غيرُ أطماعِهم
يُدارُونها وهي ليسَتْ تُدارى
وحبٍّ بطانتُه الكبرياءُ
تبطَّنَ منهم نفوسًا صِغارا
وشرطُ المحبَّة في الكَون أن
تُعيدَ صغارَ النفوس كِبارا

•••

ألا إنَّني بينَهمْ عنهمُ
بعِيدٌ كأني سكَنتُ القِفارا
أُشاغِل قلبي فأَسقِي به
غِراسَ هواكِ وأرجو الثِّمارا
وما هيَ إلَّا رضاكِ وأَن
تُجيِري الذي بهواك استَجارا
مارس سنة ١٩١٦

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤