العينان

عيناكِ علَّمتاني الشعرَ والغزَلا
وحاكَ لحظاكِ أكفاني بما غزَلا
صددتِ عني فلم أملِك سِوى نفَسٍ
به أردُّ الأسَى والبُؤس والعِلَلا
اللهَ اللهَ في عينيك نورُهما
قد صارَ للقلبِ عن أَشغاله شُغُلا
إني دَعوني مُحبًّا في هواكِ وهَل
يُدعى محبًّا فؤادٌ في الهَوى قُتلا
ما كنتُ إلَّا شهيدَ المُقلتَين وما
عرفتُ في الحُبِّ من يَستَشْهِد المُقَلا
أرَى بعينيكِ نورَ الفجر مُنبَثقًا
والحبِّ منبعثًا والعُمر مقتَبِلا
وفي فؤاديَ ليلُ البؤسِ نازلةٌ
دُجاه في مُهجةٍ فيها الأسَى نزَلا
إني غدوتُ يرَاني الصُّبحُ مُنفردًا
حتى يراني ظلامُ الليل مُعتَزلا
فأَعشَق الفجرَ ورديًّا مباسمُه
وأعشَق الزَّهرَ منه ناضرًا خَضِلا
وأعشَق الشمسَ مرفوعًا لها علَمٌ
كأنه ناشرٌ فوق الورَى كللا
والبدرُ تُؤنسني أنوارُه وأرَى
في النَّجم لي راحةً إن ضَاءَ أو أفَلا
أُصغي إلى الماءِ يَجري في مسارِحه
على الحصَى وهو صَبٌّ يغنم القُبَلا
إني لتُطربني الأمواجُ مُنشدةً
لحنًا يُعيد فؤادَ الصخرِ مختَبِلا
والطيرُ شاربةً نور الفضاءِ إذا
جرى حياةً لها طارَت به جزَلا
والأفقُ مدَّ يدَ الحُسنى مباركةً
لا يستُر الليلُ منه المبسم الرَّتِلا١
تُحيطُ بي بَهَجاتُ الكَون حافلةً
تعيدُ قلبي لها بالصَّمت محتَفِلا
والصمتُ أفصَح ما يملي الوجودُ على
قلبٍ يكون بسرِّ الكون مُنفَعلا
يُفضي إليه بما تُخفي المنى أملٌ
تغدُو به روحُه مملوءةً أمَلا
عيناكِ والكونُ قد آلى الجمَال على
قلبي يُرى بهما في العُمر مُنشَغِلا
وكلما رمتُ إعمال الرويَّةِ في
سِرِّ الجَمال رأيتُ العقلَ معتَقَلا
وإنما الحسنُ نورُ الحبِّ مُنعكسًا
على الحبيبِ فيبدو الحُسن مكتَمِلا
ويكسب الحبُّ تمكينًا به وهُما
في العمر ما اختلفا يومًا ولا انفصَلا
عيناكِ تحتملان الأُفقَ مبتسمًا
وهاكَ قلبيَ نورَ الحب قد حمَلا
هما ألحَّا على نفسي فما ضَمِنتْ
لنفسها غيرَ جَمرٍ في الحشَا اشتَعلا
يا مُقلتاكِ وإني شاربٌ بهما
خمرَ الهوى وفؤادي في الهوى ثمِلا
بي من غرامِكما يأسٌ يلجُّ وقد
أعاد روضَ حياتي بالأسَى طلَلا
إبريل سنة ١٩١٧

هوامش

(١) المتسق الأسنان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤