النغمة

هي نغْمةٌ رَدَّدتُها دَهرا
وقضيتُ في ترديدها العُمرا
شَكوى من الحُبِّ الذي انفطَرت
رُوحي به لمَّا غَدا هَجْرا
ما أضيعَ الأيام مجفلةً
في قلبِ صبٍّ يألَف الذِّكرى
يبكِي على الماضِي وقد ضربت
نُوَبُ الليالي دونَه سِترا
نهوَى ولكن مرةً فإذا
من بعدها عاد الهوَى مُرَّا١
تبِع الفؤادُ شواردًا ومضَى
لا يَهتدي بَرًّا ولا بَحرا
فيكونُ ما قد جدَّ تسليةً
للنَّفس فيها قد جرَى مَجرى
ما آثَرَت نفسي الجديدَ ولا
خَلَّيتُ فيه من دمي أثرا
ودمِي تقاضَاه القديمُ ولا
منٌّ عليه أنه أحرَى
يا هندُ قلبي كان نابِتةً
شرِبَت جمالك شُرْبَها القَطرا
فتحتْ على الجنات مُقلَتها
فرأتكِ في آفاقِها بَدرا
فمَضَتْ عليك حياتُها فإذا
أُبعدتَ عنها عُوجِلت قَهرا
من لي بآمالي وأنتِ لها
تولين قلبي العسرَ واليُسرا
فأرى ببُعدكِ كل كارثةٍ
وإذا قربتِ الإنسَ والبشرا
الغابُ تُؤنسها الطيورُ فإن
صمتَتْ تُثير الهَولَ والذُّعرا
والليلُ هذا النجمُ زِينَتُهُ
إن غاب أرخَى للأسَى سِترا
أعطيت كل الحسن موهبةً
وهواي زادكِ حسنُهُ وَفرا
يا حسنَ ذاكَ الوجهِ مُندَفقًا
نورًا وذاك الثغر مُفْترَّا
حلَّاكِ فكري حين حامَ على
صفحاتِ حُسنك ينفُثُ السِّحرا
يا ربةً حارَ الفؤادُ بها
فوقَ المحاسن تلبس الفِكرا
هذا سناؤك لونُه وكذا
نورُ الصباح يموِّج الفَجرا
لا غضَّ فيه على جمالِك إذ
أخَذَ الذي أعطى وما أزرَى
فالفكر عندي ليس باعثُه
إلَّا جمالُكِ ساميًا قَدرا
هذا وذا سِرَّانِ قد خَفيا
لله سرٌّ باعثٌ سرَّا
وُقِفَت عليك مداركي فغدت
مثل النسيم يُلاعب الزهرا
وبذلتُ فيكِ عواطفي وأرى
هذي الأشعةَ تسكن القَفْرا
يا هندُ كم جاهدتُ فيك وما
أوليتِني إلَّا الأسى أَجْرا
أملتُ أعرافَ الهوى ولقد
خطَّأنَني وغدا الهوى نُكرا
من ذا يعاند رَبَّهُ وأرى
يا هند أجملَ ما أرى الصَّبرا
٢٣ يونيو سنة ١٩١٧

هوامش

(١) أي: مرارًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤