العام

سنة ١٩١٧
ولَّى ولم يشعُر به أحَدُ
عامٌ كأمس مضَى به الأبدُ
اليومُ أَطولُ منكَ ضَائقةً
بالوَجد مثل الجَمر يتَّقِد
لما أَذنتَ بفُرقةٍ بقيَت
فينا المصائبُ عنك والكمَد
حتَّامَ يُغرينا الزَّمانُ ولا
سَلوى تجيءُ بما يجِيءُ غَدُ
تتعاقبُ السَّنواتُ تالِيةً
والعمرُ لا يألو به الجُهُد
والنفسُ ترغَب والمنى عِدَةٌ١
والدَّهرُ ليس يفِي بما يعِد
دنيا تبكِّينا وتضحِكنا
منا وجامِعةُ النُّهى بدَد٢

•••

يا عامُ ما نصِلَ الظلامُ ولا
غنَّى الصباحَ البلبلُ الغرِد٣
جلَّتْ حوادثُك الطِّوالُ كما
جلَّ الأسى والبؤسُ والنكَد
والدهرُ أجفل منك تذعَرُه
تلك الجيوشُ وهذه العُدَد
الأرضُ توقد للورى حِممًا٤
تُفني الرجالَ بكل ما وقدوا
طال القتالُ وتلك مجزَرةٌ
فيها يضل العقلُ والرَّشَد
يشكو الثَّرى شُربَ الدِّماء وقد
هُدِرت ولا ديَةٌ ولا قوَد٥
إن أبطأَ النصرُ الذي طلَبوا
وتباعدَ القصدُ الذي قصَدوا
لا بدَّ من يومٍ يحقُّ لهم
نصرُ الإله وعيشةٌ رغَد
ما في الحِجَى سِلمٌ تعود على
هذا الورَى حَربًا فتطَّردُ
ودفاعُهم فتحُ الإلهِ لهم
قاموا به للحَقِّ واجتهدوا
لا يُستباح حمًى له خفرٌ
ويموتُ دون عرينِه الأسَد

•••

رَحِّبْ بأعظَم دولةٍ٦ نهَضتْ
للعَدل تعدِله فلا أوَد٧
نَبْتِ الزمانِ جديدةٍ جمُلت
تِيهًا بها أثوابُها الجُدُد
للعِلم في ساحاتها عمَلٌ
يمشِي بها فهما بها أحَد
أخذوا القديم وجدَّدوه بما اخـْ
تَرعوا وزادوا فيه وانتقَدوا
بنشاط مضمون النَّجاح له
من علمه ونشاطه سنَد
ولسانه وفؤاده شَرَعٌ
فكأنما هذا لذا عضَد
أَغنى الأنامِ فكل ما ملَكوا
بذلوا انتصارَ الحق واعتمَدوا
قل للعدوِّ غدًا تصبِّحُكم
بنتُ البحار ببأسِها تفِد
جيشٌ يضيق البرُّ منه فما
لرجاله وخيوله عَدَد
ووراءَهم في البحر ماخرةٌ
هَضَباتُ عزٍّ سيرُها وخَد
وعليهمُ سِربُ النسور إذا
ما أبرَقت نيرانُهم رعدوا
هل عندكم مدَد وقد وصلوا
يُصلونكم سقَرًا وهم مدَد٨

•••

يا عام رَوَّعك الزمانُ وقد
أودَى بملك وهو منتضِد٩
عرشان في الدنيا بربِّهما
سقَطا وقد خانَتْهما العمُد
صَغُر الذي خان العُهودَ فلم
يخلعه إلَّا الأبيضُ الحرد١٠
في جنبِ أكرم هامةٍ رُفعَت
لله يرفعها فيقتصِد١١
ربُّ الديانة في رعيَّتِه
بعدَ الإله لذكره سجَدوا
يُولِيهمُ شرًّا إذا كفَروا
ويُنيلهم خيرًا إذا حمِدوا
رب الولاية والهدَى بهمُ
قد كاد يعبد في الذي عبدوا
رب الجيوش كأنَّ مربضها
موجُ البحار حديدُها الزبَد
رب المعالي لو يمدُّ يدًا
لَمَسَتْ سماءَ الله منه يَد
قد حُطَّ عنه التاجُ منعقِدًا
اليومَ لا تاجٌ فينعقِد
واليوم قد كفروا به وهمُ
في الدين قد نسَخوا الذي اعتقَدوا
واليوم قد دفعوا مواهبَه
عنهم وبعد الشكر قد جحَدوا
واليوم في الدَّركات أنزَله
صببُ القضاءِ فما له صعَد
والجيش يشهد هولَ سقطَته
والأرض جازعة لما شهِدوا
عظةُ الليالي أنها اتَّأَدَتْ
بالخلق لو في الخلق متَّئِد

•••

يا عامُ والأيامُ ذاهبةٌ
هلا توقَّف دونك الأمَد
تمضي وما برَدتْ لوعجُنا
صبرًا ولا شفيَت لنا كبِد
إنَّا وردنا العُمر فيك فما
في العمر فيك على البِلى نَرِد
أمَّا الحياة فبارقٌ وعلى
أكنافِها الظلماتُ ترتَعد
والناس فوضَى في الحياة ولا
يألو اجتهادًا فيهم الحسَد
يمشي الفَناءُ بهم وجاذبُه
رَغَباتُهم والروحُ والجسَد
حتى يُقرَّهمُ بخاويةٍ
فيها تساوَى الشيخ والولَد
ويجيءُ يومٌ لا السُّنون لها
معنًى ولا رقمٌ ولا عدَد
والكون يُمسي ليس تعمُره
إلَّا زعازعُ فيه تطَّرِد١٢
تفني الحياةُ وكل ذي نسمٍ
فيه ويبقى الواحِد الصمَد
٨ و١٠ يناير سنة ١٩١٧

هوامش

(١) وعد.
(٢) متبددة.
(٣) نصل الظلام: من قولهم نصِل الشعر؛ إذا زال عنه الخِضاب.
(٤) هي الرمادُ والفحم، وكل ما احترقَ من النار.
(٥) قصاص.
(٦) المراد بها أميركا.
(٧) اعوجاج.
(٨) سقر: جهنم.
(٩) منظم.
(١٠) المراد هنا بقسطنطين ملك اليونان، والأبيض الحرد: السيف.
(١١) كناية عن قيصر الرُّوس.
(١٢) زعازع: جمع زعزع، وهي الريح الشديدة التي تُزعزع الأشياء، وتطرد؛ أي تتبع بعضها بعضًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤