الصور المتحركة

عِظونا فبعضُ الوعظِ قد يُسمع الصُّمَّا
وداروا نفوسًا بيننا دنِفَتْ سُقما
وكونوا لنا عَونًا على الدَّهر إنه
ليَقتُلنا حربًا ويقتُلنا سِلما
فإن أحرجَ القولُ المداركَ فاضربوا
لنا مثلًا يبقَى لأَشهاده حُكما
نقيسُ عليه كلَّ أمرٍ لعلَّنا
نصيبُ حياةً بينكمْ أو نصيبُ اسما

•••

إذا ضاق صَدري واستشفَّتْ جَوانحي
لواعجَ في الأحشاءِ من دونها الحِمى
تفنَّنتُ في أسبابِ لهويَ نافيًا
بما شمِلتْ أنواعُها عنِّيَ الهَمَّا
وأحسنُها فيما ترى العينُ ملعبٌ
— ولا ملعبٌ — يبدو لنا ماثلًا رَسما
فيُعكَس فيه النورُ يحمل عالَمًا
يروحُ ويغدو ساريًا فيه مهتَمَّا
وتبدو حياةُ الناس ما بين ظلمةٍ
ونورٍ فنَستجلي وقائعَها وَهْما
وقد تظفر العينانِ منه بمَشهَدٍ
دعابته عمن يرى تدفع الغَمَّا
وتظفر منه في مآسٍ مثيرةٍ
شجونَ فؤادٍ تُثقل الروحَ والجِسما
وفي نزهاتٍ بالربيع حَفيلةٍ
تلاعبَ فيها الغصنُ والزَّهر فوق المَا
نؤمُّ به البلدانَ وهي بعَينها
نراها ولم نبرحْ مقاعِدَنا أَمَّا
ونشهَد فيها كلَّ أمر ونَجتَلي
سرائرَ للأحدَاث نقتلُها فَهْما
وكم بدعةٍ للعلم أحكم سردَها
وتفصيلَها حتى أحطْنا بها عِلما
ورائعةٍ للفَن تبدو شئُونها
نواصعَ يستهدي بها الناظرُ الأعمَى
وفاتنةٍ حوراءَ يفترُّ ثغرُها
بهاءً وبدرُ الحسن في وجهها تَمَّا
ومفتتنٍ صبٍّ يروح ويَغتدي
من الوجْد والتبريحِ قد ضيَّع الحَزْما
يداعبُها في خلوةٍ غير مُستحٍ
فيُوسعها لثمًا وتُوسعه لَثْما
حوادثُ هذا العيش مما بدا لنا
ومما اختفى تُجلى وقد أُحكمَتْ نَظْما
منوَّعةً تُغري بما شاءَت الفَتى
فيَغرى أديبًا كان أم جاهلًا فَدْما
ويبرُق كالدُّر النَّثير مكانَهم
صغارٌ إليه رافقُوا الأبَ والأمًّا
ويثلج صدرُ الغانيات تفكُّهًا
بمرأى خوافٍ لا يخفن لها وَصْما
فيفتر طرفٌ فاتنُ اللَّحظ ساحِر
ويبسِم ثغر طاهِر رتِل أَلمَى
ويسطعنَ طِيبًا في المكان كأنه
سماءٌ وروض أطلعا الزهرَ والنَّجما
… … … …
… … … …

•••

لعمرُكَ إني كلما انفضَّ مجلسي
رجعتُ ونفسي منه داميةٌ كلمَى
وعاوَدني بؤسُ الحياة ويأسُها
وفي مُهجتي قد أحدَثا أَلمًا جمًّا
أروِّي فؤادي بالمدامِعِ مثلَما
يُروِّي ندى فجرٍ على ظَمَأٍ كُمَّا
أفتِّش حولي لا أرَى غير معشرٍ
أَرقَّاءَ أسرى ذاك عيشُهمُ حَتما
كأَنهمُ ذاك الستارُ وما بدا
به من شُخوصٍ تُشبِه الدَّمَ واللَّحْما
فأضحكُ لكني أعودُ إلى الهُدى
فأبكِي وبعض العَدل قد يشبه الظُّلما
وما العمر إلَّا كُدرةٌ في غُضونها
ملاعبُ أشباح ترَى وجهَها جَهْما
فيحملهم منه شعاعٌ يديرهم
على صفَحات الدهر يُنطقهم بُكما
ويُضحك منهم عالَمُ الغيب راميًا
بهم في مهاوِيه ولا يخطئُ المَرمى
فإن طلع النور امَّحوا وكأَنما
تلاشَوا ولا روحٌ تحركهم ثَمَّا
إلَّا أنها الدنيا زخارفُ في دجًى
من الجهل تُمحى كلما مسَّتِ الحِلما١
١ و٢ فبراير سنة ١٩١٨

هوامش

(١) أي: العقل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤