الحب نور العمر

يا آيةَ النور فدتكِ النُّجوم
أنرتِ عمرًا كدَّرته الهُموم
نورك جالِي الصَّدر نافِي الأسى
ملطِّفُ الأوجاع شافي الكُلوم
إذا تبسَّمْتِ ولم تبرحي
باسمةً فرَّجتِ كلَّ الغُموم

•••

أنتِ بردٌ وسلامُ
أنت شوقٌ وهُيامُ
وسعادَه
لمحبٍّ قد تفانَى
فيك حُبًّا وافتِتانا
وعباده

•••

أنتِ تجرِّينَ خُطاه إلى
مرابعٍ فيها الشَّذا والنَّسِيم
أنتِ إذا استسقاكِ أَسقيتِه
من منهَل الرُّوح الطهورِ الكَريم
أنتِ إذا استعطَاك أعطيتِه
نظرةَ سَعدٍ هي كنزٌ عَظيم

•••

إنما أنت الأمَلْ
جلَّ قدرًا واكتمَل
وتحقَّقْ
وتجلَّى ناشرًا
منكِ نورًا عاطِرًا
يتألَّقْ

•••

قد حسدتْكِ النيراتُ التي
عليكِ في أفْق الهيولَى تحُوم
لما بك الجَدُّ غدا قائمًا
وكلُّ جدٍّ في الهوى لا يقُوم
ودام فيك الحُسن رغمَ الورَى
والحسنُ شيءٌ في الورى لا يدُوم

•••

قد بدا نورُ بهائِكْ
مثل أنوار الملائِكْ
أزليَّا
للهُدى يحوي فُنونا
فتعالَى أن يكُونا
بشريَّا

•••

لم يفهَم الناسُ سَناكِ الذي
أطلَّ وهو الصُّبحُ زاهٍ وسِيم
والناسُ في جهلهمُ أَغفلوا
مجاليَ الحُسن الصَّحيح الصَّميم
جازيتِهم أَنهمُ أبصَروا
ولم يروا وهو مصابٌ جَسيم

•••

يفهَمُ الحسنَ محبُّ
قلبُه في الحُسن صبُّ
يتعامَى
عن شئُون العُمر طرَّا
فهو في الحبِّ استقرَّا
وأقاما

•••

أكسبه الحسنُ معاني الهُدى
مغنيةً عن فانياتِ العُلوم
فانطلق العقلُ بها وهْو ما
بين الورَى قد قيَّدتْه الجُسوم
وصار منها شُعلةً نارها
كأنها في القُدس نارُ الكليم

•••

بك يَستهدِي السَّبيلا
وينالُ المُستحيلا
كلُّ هائمْ
إذ أَصابَ الرفدَ كَهلٌ
من عطاياكِ وطِفلٌ
في التمائمْ

•••

برزتِ في الفردوس لما به
أبرز حوَّاءَ القديرُ الحكيم
ما زلتِ تُوحين إليها الهُدى
حتى على ما جهلت لا تُقيم
فوسوسَتْ حوَّا إلى آدَم
واقتسَما تفاحةً في النَّعيم

•••

فُتِحَت عيناهما
وبدا عُرياهما
في الجِنانْ
فقدا الخلدَ فَراحا
منه طردًا واستَراحا
في الزَّمانْ

•••

أنتِ هي الحيَّةُ لكنَّما
نفثتِ سُمًّا لم يكن كالسُّموم
يدِب في الجِسم دبيبَ المنى
كخَمرةٍ ليستْ عصيرَ الكُروم
لكنَّها سرُّ الحياةِ الذي
باتَ غذاءً للنُّهى والحُلوم

•••

جاءَنا من أبوَينا
عمرنا زَينًا وشَينا
فَرضِينا
بكَ يا سرَّ القُلوب
لمناجاةِ الغُيوب
كي تَبينا

•••

ومرَّت الأجيالُ لا تأتلي
عدًّا وكلٌّ بك صَبٌّ يَهيم
لممتِ أشعاثهمُ فاغتَدوا
وليسَ فيهمْ بك نِكسٌ لَئيم١
كلٌّ تساوَى فيك لكنَّما
ذلك لم يحلُم وهذا حَليم

•••

وستبقين مَديدًا
وتوالين عَديدا
مُقبِلينا
عندما نبقَى تُرابا
بعدنا كُوني ثوابا
للبَنينا

•••

وباركيهمْ واذكري عهدَنا
فإنه يصبِح عهدًا قَديم
وإنما الماضي له لذَّةٌ
في الذِّكر تحلو للأَنيس النَّديم
يا آيةَ النور تجلِي لهم
فإنما العمرُ ظلامٌ بَهيم
١٩ و٢٠ فبراير سنة ١٩١٨

هوامش

(١) النِّكس: الرَّذل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤