الأربة الرمادية

أَهديتِ لي أُربةً لونُ الرَّماد بها
مثل الأزاهر في قدٍّ وفي ورَقِ١
ضمَّختِها بعَبيرٍ خِلتُ أَن به
للزَّهر روحًا سرَى في ذلك العبَق
هذا الحريرُ يُحاكي في تخطُّفه
سوانحَ الفِكر بين النَّوم والأرَق
كأن شمسَ خريفٍ غادرَتْ شفَقًا
وغُودرت قِطعةً في ذلك الشَّفَق
أو النسيم على نَول الغُروب بها
حاكَ الكُهولةَ غزَّالًا على الأفُق
أو روضة الحَزنِ يوم الدَّجْنِ جلَّلها
تراكبُ السُّحب في لونٍ وفي نسَق٢
أو ظل دوحٍ على ماءِ الغَدير غدا
من النَّواسم في وَجْد وفي قلَق
أهديتها لي لذكرى لا تزول وقد
أنزلتُها منزل الأنوارِ في الحدَق
حلَّيتُ صدري بها والنفسُ حاليةٌ
بما تضمنَها عيناكِ من عشَق
وإنما العمرُ إدلاجٌ إلى غرَضٍ
كأنما أنا أمشي منه في نفَق٣
وأنت كوكبُ هذا العمرِ هاديةٌ
في البرِّ والبحر دونَ التِّيه والغرَق
أَمددتِني بشعاعٍ جاءَ مُخترقًا
حُجْب الغُيوب فوافَى غير مُخترق
أحللتُه الصَّدر مرتاحًا فأسكَرني
حبًّا رضيتُ بأَنِّي منه لم أفِق
والحبُّ كلُّ شباب القلب مختصَرٌ
في نظرةٍ منك للثاوي على الحُرَق
عيناك كأسا شرابِ الخُلد نورُهما
سرُّ العَواطف من مَوت الغَرام يقِي
هما زمرُّدُتا فَجرٍ ولُؤْلؤتا
بحرٍ ونَجما سماءٍ جَاليَا الغسَق
وإنما أنا أهوَى مقلتيك على
حالاتِ قلبيَ من رُشدٍ ومن نزَقِ
والعهدُ ما بين قلبي واللحاظِ على
أن لا تخلِّي به شيئًا من الرَّمَق
واليوم أحكمتِ هذا العَهدَ جاعلةً
ميثاقَه أُربةً نِيطتْ إلى عنُقي
١٥ يناير سنة ١٩١٩

هوامش

(١) الأُربة العُقدة، وقد أطلقوا هذه اللَّفظة على «الكَرافَات».
(٢) الحَزن بفتح الحاء: السَّهل، والدَّجن: إظلال الغَيم والنَّدَى.
(٣) الإدلاج: السير من أول الليل، والنفق: حُفير في الأرض، له مخرج إلى مكان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤