هند

عَواطف هذا القَلب مُختلفاتُ
ولكنَّها في الحُب مُؤتَلِفات
إذا برزَت شتى المَذاهب في الورَى
فليسَ لها يا هندُ فيك شَتات
يُوحِّدُها الوجهُ الوضيءُ كأنه
سنا الفَجر منه تهرُب الظُّلمات
تباين إلَّا في الهوى الخلقُ أنه
عليه نفوسُ الخَلق متَّفِقات
وما هو إلَّا الشَّمسُ والناسُ حولها
أَشعتها في الكَون مُنفَرعات

•••

ألا إن حبي روضةٌ مستقلَّة
معاني الهَوى أزهارُها النَّضِرات
وإنَّ شذاها ما أقولُ عَواطفي
وهنَّ المُنى تسري بها النَّفَحات
وتشرَب من دَمعي وتشَرب من دَمِي
فتُروَى بها الأغصانُ والأَثَلات
وفي كلِّ يومٍ زهرةٌ وخميلةٌ
فحتى متى لا تُعقدُ الثَّمَرات
أَشاديةٌ تلك الطُّيورُ سعادةً
فإنَّ الأماني تلكُم النَّغمات
بلى هتَفت حُزنًا أَثار شجونَه
جوًى لم تُبرِّد نارَه عبرات
وأَقتَلُ ما في الحُزن أن يَعصِيَ البُكا
وتزدِحمَ الأَشجانُ والزَّفَرات
بهندٍ وحُبِّيها إذا الذِّكر عادَني
تكادُ بقَلبي تذهَب الخفَقات
وكنا حفيلًا أنسُنا بتجاوُر
ولهوٍ به ساعاتُنا بركَات
إذا ما تواقَفْنا يُسارِق لحظُنا
أحاديثَ حُبٍّ كلُّها سرِقات
ونلبث مذعورَيْن نحسَب أنَّنا
ضَلَلنا وأنَّ العالَمين هُداة
وما الناسُ إلَّا مُفسِدون وكلَّما
تولُّوا بأن يُحيوا الصوابَ أماتُوا
وكم موعدٍ وَافيتُ يا هندُ وافيًا
تنمُّ على حُبي به الخُطُوات
تلاقِينني ملءَ الجَوانح لَهفةً
وتملأُ قلبَ الناظر اللَّهَفات
وتنَسين أن الناسَ ترقُبنا لذا
نمرُّ فتًى تمشِي إليه فَتاة
نسيرُ الهُوينا غافلَينِ وإنما
تحلِّي أمانيَّ الصِّبى الغفَلات
وكم شَهِدتْ تلك المسالكُ حبَّنا
وتلك القصورُ البيضُ والنُّزهات
وجارٍ من النيل المُبارك ضاحكٌ
تمدُّ عليه ظلَّها «العرَبات»
تخفُّ لديه راكِضاتٍ كأنه
سَرابٌ عليه تركُض الظَّبَيات
ونحن بإحداهنَّ طار فؤادُنا
غرامًا وقد طارَتْ بها العجَلات
جرتْ فكأَنَّا في الفَضاء وهذه
هي الأرضُ تجرِي والهواءُ فَلاة
وحبِّيَ دنيا أنتِ فيها سَعيدةٌ
وحبكِ لي دُنيا بها حُظُوات
شكوتُ إليكِ البثَّ وهو محبَّتي
فأشكَيتِني كيما تزولَ شَكاة
وأدنَيتِني حتى اتَّحدنا صَبابةً
وذابَ فؤادانا ولا شُبُهات
حديثٌ كنَشر الرَّوض غب سمائه
وألفاظُكِ الأنداءُ مُنتَثرات
إذا نظرتْ عيناكِ هِمتُ صبابةً
فللَّه مما تفعَل النَّظَرات
وأرشفُ من فيكِ الحياةَ وإنني
تطيلُ حَياتي هذه الرَّشَفات
ويُثنى على كِتْفي ذِراعُكِ ليِّنًا
هو العاجُ لو لم تجرِ فيه حَياة
يضرِّج خدَّيك الحَياءُ طَهارةً
وتسحَرُني من ثَغرك البَسَمات
تفوحين طِيبًا نادرَ العَرف مُنعِشًا
إذا عبثَتْ في شَعركِ النَّسَمات
فألثمُ ما استرخى عليَّ وأنثَني
وبي من غَوالي نشرِه سَكَرات
كذلك كنَّا ثم نَرجع والحشَا
به للتَّلاقي في غدٍ حَسَرات
… … … …
… … … …
… … … …
… … … …
طوى ذلك العهدَ الزمانُ وباغتَتْ
حوادثُ دنيا كلُّها نكَبات
كأَنْ لم يكُن شَيءٌ هناك وهكذا
تبدِّدُ أَحلامَ الدُّجى اليقَظات
أطاوِلُ أيامي لعلِّي أرَى التي
مضتْ وأُناديها وفيَّ خُفاتُ
أجيبي أحقًّا لا تعودِين وانظُري
ففينا تمادتْ بعدك العَثَرات
ألا أحسني بل لا تُسيئي وإنما
أنلتِ وإن قلتْ لكِ الحسَنات
أتمِّي صَنيعًا واغنَمي أجرَه فقد
مررتِ ولمَّا تنقَضِ الرَّغَبات
… … … …
… … … …
محالٌ رجوعُ العمر بعد زَواله
وما حَيِيَتْ بعد المَمات رُفات
إلامَ إلامَ العيشُ والحبُّ قد مضى
وفيمَ وفيمَ البؤسُ والحسَرات
أكتوبر سنة ١٩١٩

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤