الخائن

إلى صديق خانه صديق له

عزاءَك إن خان الصَّفيُّ المنافقُ
فأكثَر من تَلقاه خِبٌّ مماذقُ
تناكرتِ الدُّنيا عليكَ وربما
تَساوى بها في العَين خابٍ وشارِق
فلا تبتئسْ إنَّ الحياةَ خيانَةٌ
لها طُرُقٌ معروفةٌ وطَرائقُ
فربَّتَما خانَ اللسانُ فؤادَه
وخان دمٌ بين الجوانِح دافِق
وخانَ الضياءُ العينَ والضَّوءُ واضحٌ
وخان اللسانَ النُّطقُ والفمُ ناطِق
تصاحب هذي الروحُ ذا الجسمَ خدعةً
ترافِقُه يومَين ثم تُفارِق
وتنبِذُه حتى كأنْ لم يعِشْ بها
فينكِرُه أولاده والشَّقائِق
عزاءَك بعض الناس أدنى مَكانةً
فَلِمْ أنتَ مما برَّح الوجدُ فارِق
جزعتَ على عَهدٍ مضى في إخائِه
ضَياعًا توالي ودَّه وتصادق
فأكثرُ هذا الخلقِ تفنى حياتُهم
ضَياعًا وكم راحتْ ضَياعًا خلائِق
أَطلْ وترفَّع عن عِتابٍ يَمَسُّهُ
كما يتَعالى الماءُ والصخرُ حانِق
إذا كان حرًّا فاعترافٌ بذَنبه
وإن كان عبدًا خَلِّه وهو آبق١
فماذا ترجِّي منه بعدَ فضيحةً
أراد بها فتقَ الذي أنت راتِق
ولم تكُ هذي منه أولَ مرةٍ
ولكنْ جرَت من قبل هذي سَوابِق
فداريتُه دهرًا فزادَ لَجاجةً
وما أنت منه أن يعاوِدَ واثِق
ففيمَ ولِمْ تلك المداراةُ إنما
يُدارِي أخٌ مثلي لمِثلك صادِق
ولِمْ أنتَ تأسَى والسماءُ مُنيرة
وهذا خريفٌ طيِّبٌ وحَدائق
وطير تُغنِّي في الغُصون سَعادةً
وزهرٌ وأثمار ودَوحٌ بواسِق
وأنتَ سليمٌ واسعُ الجاهِ منعمٌ
ومن أنت تهواه قريبٌ موافِق
توقَّع هُدى تلك القطيعةِ إنها
بَشيرٌ بأن الخير لا شكَّ غادِق
١ نوفمبر سنة ١٩٢٠

هوامش

(١) أبق العبد هرَب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤