الفصل الثالث

عروس من القاهرة

١

لم يكَدِ الناس في بغداد يفرغون مما كانوا فيه من لهو ولعب في يوم الفطر، ليستأنفوا حياتهم على ما تعودوا من الجد والنصب، حتى شغلهم هذا الأمر الجديد، فردهم إلى معنًى من معاني العيد، وخلى بينهم وبين ما كانوا يضطربون فيه من أسباب العيش، فليس في بغداد كلها شاب ولا شيخ إلا خرج ليجتلي هذا الموكب المصري العجيب في حاضرة الخلافة ويستطلع طلعه،١ وكان موكبًا لم تشهد بغداد مثله منذ كانت، يتقدمه فارس على سرج قد مال به، فيكاد يسقط من جانبيه، كأن لم يركب قبل اليوم فرسًا ولم يُشَدَّ له ركاب، ذلك رجل يعرفه أهل بغداد ويعرفون أهله، إنه الحسين بن الجصاص الجوهري.

وسخروا منه حين رأوه على رأس الموكب، ثم أمسكوا وأقبلوا ينظرون زرافة قد أقبلت تتهادى من ورائه مستعلية برأسها في زهو وخيلاء …

ووراءها بغل أشهب قد شد إلى ظهره صندوقان قد غُلِّفا برقائق الذهب، وأغلقا على ما فيهما من غيب لا يُدرَك سره …

يتبعه عشرون نجيبًا،٢ عليها سروج محلَّاة بالذهب والجوهر، وفوقها رجال قد لبسوا الديباج وانتطقوا مناطق مُحلَّاة، لو سِيمَت مِنطَقَةٌ منها٣ في سوق الجوهر لكانت غنًى من فقر، أو فقرًا من غنًى، وبأيدي هؤلاء الركب حراب من فضة قد سال عليها شعاع أصفر، كأنما خرجوا بها من معركة الشمس …
ووراءهم عشرون بغلًا موقَرَة بأحمالها، فيها من الغالية٤ والطِّيب، وفيها من حرير دمياط ودبيق تنِّيس،٥ وفيها ما لا يعرف ولا يوصف من طرائف مصر …

يتبع ذلك عشرة غلمان بيض الوجوه من مُوَلدة الروم، كأنما ولدتهم أمٌّ واحدة على مثال صوَّرَتْه فكانوا، ليس بينهم اختلاف في الخلقة ولا في الزي وليس يشبههم شبيه! …

ومن ورائهم خمس دوابَّ عليها لُجُم من ذهب، ثم اثنتا عشرة دابة في لجم من فضة، ثم سبع وثلاثون بجِلال مشهَّرة …

ووراء ذلك كله خمسة أبغل عليها السروج واللُّجُم ويتبعها سُوَّاسُها.

ومضى الركب بين زحام البغداديين كأنهم بعد العيد في عيد، حتى انتهى إلى قصر المعتضد …

وفتحت للموكب أبواب القصر وأُذِنَ به الخليفة …

ومَثَلَ أبو عبد الله الحسين بن الجصاص الجوهري رسول خمارويه صاحب مصر والشام بين يدي أمير المؤمنين أبي العباس المعتضد، ودفع إليه كتاب خمارويه، ورجا أن يأذن في قبول هديته …

وفضَّ أمير المؤمنين غِلاف الكتاب فقرأه حتى أتى على آخره، ثم أطرق يفكر في ذلك الأمر …

•••

واجتمع من الغداة في مجلس الخليفة المعتضد بضعة نفر من خاصته وأصحاب مشورته؛ فيهم مؤدبه أبو بكر القرشي، وقضاته: أبو خازم، وأبو إسحاق الأزدي، وأبو محمد البصري، ووزيره عبيد الله بن سليمان، وصاحب شرطته بدر المعتضدي، ولم يخلُ المجلس من بعض نُدمان الخليفة: يحيى بن علي المنجِّم، وعبد الله بن حمدون.

وبدأ أبو بكر القرشي المؤدب فقال: «الحمد لله على ما أولاك من نعمته يا أمير المؤمنين، وما أفاض عليك من بره، فإني لأذكر الساعة ما كان من أمرك في مثل هذا اليوم منذ سنوات أربع، وقد جبهتَ أباك بالعصيان إسرافًا في عداوة بني طولون، فصيرك إلى سجنه ووكَّل بك!»

قال المعتضد باسمًا: «فمن أجل بني طولون اجتمعنا الغداة يا أبا بكر.»

قال الوزير عبيد الله بن سليمان: «فهل بدا لمولاي في أمر الطولونية بَدَاء بالحرب أو بالسلام؟»

وضحك النديم يحيى بن عليٍّ، وقال: «هوِّن عليك يا أبا القاسم، أما الحرب فلا، وقد أنبأتني النجوم …»

وسُمِع من حيث جلس قضاة الخليفة همهمة وزجر،٦ وقطع بدر صاحب الشرطة على المتحدث وفي صوته وعيد: «حسبك يا يحيى، فليس الأمر على ما تعودت من الهزل والعبث!»

قال المعتضد: «خلِّ عنه يا بدر، فقد زعَمَتْ له نجومه أن الطولونية ستكون أدنى إلى بغداد مما بلغَتْ، وسيكون على يديَّ أقصى ما تبلغ من الدنو حتى يقع ظلها على عرش الخلافة …»

ثم أردف ضاحكًا: «وأحسب أن النجوم قد صدقته في هذه المرة.»

وجمجم القاضي أبو خازم، وحاول أن يقول شيئًا، ولكن الخليفة لم يَدَعْه واستمر في حديثه: «وقد سمعتم بما جاءني مع ابن الجصاص من هدية خمارويه وكتابه، أما الهدية فقد علمتم خبرها، وأما الكتاب …»

قال المنجم ضاحكًا: «وأما الكتاب، فإنه يسأل أمير المؤمنين أن يوليه بغداد وسامرَّا وشاطِئَيْ دجلة!»

قال الخليفة عابسًا: «بس! كفى مزحًا يا يحيى … أما الكتاب فيسألني القربى، ويخطب ابنته قطر الندى إلى ولدي وولي عهدي علي؛ لتكون آصرةً تربط بين الدولتين.»

وصمت الجميع وثبتوا في مجالسهم كأن على رءوسهم الطير، وهتف المنجم: «وقد طابت نفس مولاي أمير المؤمنين إلى هذا الرأي … ولم تكذبْني النجوم ما أنبأَتْني.»

قال المعتضد، وقد تجهم وجهه: «صه، أو يقذفَ بك الغلمان إلى حيث لا يعلم أحد أين مقرك من الأرض، أو من السماء!»

واصفر وجه المنجم واحتبست أنفاسه وغاص في مجلسه كأنما أهوت على رأسه مطرقة ثقيلة، وضحك ابن حمدون النديم تشفِّيًا.

وعاد أمير المؤمنين يقول: «وقلبت الأمر على جوانبه، وبدا لي فيه رأيٌ …»

قال أبو بكر القرشي: «فما أحسب إلا أن مولاي قد أجمع رأيه على الإباء، حتى لايمكن للطولونية في قصره مثل مكانتها في قصر عمه المعتمد على الله.»٧

قال أبو خازم القاضي: «بل الرأي عندي أن يجيبه مولاي الأمير إلى ما طلب، فيعقد بين الدولتين آصرة تُوَثِّق ما بينهما على التعاون فيما يعود على المسلمين بالخير والمنعة.»

قال المعتضد: «وماترى أنت يا أبا إسحاق؟»

قال: «يا مولاي، ما أرى خمارويه إلا قد أراد أن يشرُفَ بصهر أمير المؤمنين ويتقي عواديَ الزمن على دولته الناشئة، فهو بهذا الاقتراح على مولاي يفيء إلى الطاعة٨ بعد معصية، ويعتز بمكانته من دولة الخلافة، وما أرى مولاي أمير المؤمنين يريد من ولاته على الأطراف إلا هذين، فهو مشكور على ما قدر ودبر، وأمير المؤمنين أعلى عينًا وأنفذ بصيرة.»

قال المعتضد: ماذا قلت يا أبا إسحاق؟ يفيء إلى الطاعة بعد معصية، ويعتز بمكانته من دولة الخلافة؟ فأين منك قول أخيه العباس ابن طولون:

إن كنتِ سائلة عني وعن خبري
فها أنا الليث والصِّمْصامة الذَّكَرُ
من آل طولون أصلي إن سألتِ فما
فوقى لمُفْتَخِرٍ في الجود مفتخرُ٩
من آل طولون، لا يحسب وراء فوقِهِ فوقًا … لا يا أبا إسحاق، فما أظنه إلا قد نظر إلينا بالعين التي كان أبوه ينظر بها إلى بعض مواليه: ويرى كل همهم شهواتهم، فيؤثرهم بخير جواريه؛ ليقيدهم بإحسانه على الطاعة، ويغلبهم على أنفسهم بالمرأة، وإن في آل طولون تسلطًا وإمارة، وأحسبه قد قدَّر أن الخلافة ستصير يومًا إلى ولدي عليٍّ المكتفي، وهو على ما به من الضعف والعلة، فلعله قصد أن تصير ابنته إلينا؛ لتكون في قصر الخلافة يومئذ أميرة المؤمنين، وتصبح الخلافة طولونية في بغداد، وقد أبيناها لعهد أبيه أن تكون عبَّاسية في مصر.١٠

قال ابن حمدون النديم: «ويوصي بي مولاي يومئذ إلى أميرة المؤمنين، فتجعلني عينًا على جواري القصر في خلواتهن، وأمينًا على خزائن الثياب والطِّيب.»

ورفَّت ابتسامة على شفاه القوم، وعبس المعتضد ورفع يحيى بن علي رأسه يهم بكلمة، وابتدر أبو العباس المعتضد قائلًا: «والله لا يكون لخمارويه شيء مما أمَّل.»

وتنفس القوم نفسًا عميقًا، وبدت أمارات الارتياح والرضا في وجه أبي بكر القرشي مؤدب الخليفة، وصمت القاضي أبو محمد البصري فلم ينبِس بحرف.

ودخل غلام الخليفة يؤذنه بمقدم أبي عبد الله بن الجصاص رسول خمارويه فأذن له وظل القوم جلوسًا على مراتبهم، وقد تعلقت أنظارهم بالخليفة، ينتظرون ما يكون جوابه إلى الرسول الماثل بين يديه، وقال المعتضد لابن الجصاص بعد فترة: «قل لمولاك إننا قد قبلنا هديته وشكرنا له، وقد أراد أن يتشرف بنا فخطب ابنته إلى ولدنا أبي محمد المكتفي، وإن خمارويه لحقيق بهذا الشرف وزيادة … أنا أتزوجها.»

ووجم القوم وفَغَرَت أفواههم من الدهشة، واستمرت أنظارهم عالقة بالخليفة لا تكاد تطرف، وقال القاضي أبو محمد البصري، وقد شاعت في وجهه ابتسامة راضية: «بورك لمولاي أمير المؤمنين في صهره.»

وتحولت أنظار الجماعة إلى القاضي منكرين على أنفسهم ما سمعوا وما رأوا، واستأذن ابن الجصاص يهيِّئ رواحله لسفر بعيد …

وخرج القوم مما كانوا فيه من الصمت والدهشة حين قال يحيى بن علي: «كذلك أنبأتني النجوم.»

قال أبو بكر القرشي:١١ «اخسأ عليك اللعنة! ولا كانت هذه الساعة التي جلستُ فيها أسمع ما سمعت وأرى ما رأيت! ورحم الله أبا أحمد الموفق، لقد كان أسدَّ وأعفَّ وأضبطَ، والله لا يؤتى بنو العباس إلا من قِبَل نسائهم وبطونهم.»

قال المعتضد، وقد أوشك أن يخرج عن حلمه: «عفا الله عنك يا أبا بكر، فإني لأرجو أن تحمَد عاقبة هذا الأمر.»

قال أبو بكر، وهمَّ بالقيام: «وعفا عنك يا أمير المؤمنين.»

قال المعتضد باسمًا: «فأين تذهب، وإني لأريد أن أجلس إليك ساعة في خلوة؟»

قال أبو بكر، وقد استقر في موضعه، وعاد إليه بعض أمره: «قد جلسْتُ.»

وتفرق الجماعة، فلم يبقَ في مجلس الخليفة إلا شيخه ومؤدب ولده أبو بكر القرشيُّ ابنُ أبي الدنيا …

٢

قال الخليفة: «فقد أنكرتَ مني يا أبا بكر بعض ما رأيت، وأنت من أنت حكمة ودُربةً وأصالةَ رأي، فكيف باللهِ يظن بي ولدي عليٌّ، وقد رآني أسبقه إلى عروس لعلها كانت بعض أمنيته، وإنه لشاب حَدَثٌ لم تصقله تجارب الأيام!»

قال أبو بكر: «فكيف تراه يظن بك؟»

قال الخليفة: «فمن أجل ذلك دعوتك إلى الحديث؛ لتعرف عني فتديره على الرأي.»

قال أبو بكر ضجرًا: «هيه!»

قال الخليفة: «فوالله يا أبا بكر، مالي أَرَبٌ في هذا الزواج، ولا كان من همي، وما يخفى عنك ما بيني وبين خمارويه، ولكني قد أيقنت أنه لم يُرِدْ بهذا الزواج إلا أن يَنْصِبَ لنا شَرَكًا قد اجتمعت أطرافه في يده، فأجمعْتُ أمري على أن أصيده بِشَرَكِهِ.»

قال أبو بكر: «ثم ماذا؟»

قال الخليفة: «ثم يكون ما تحمده من العاقبة إن شاء الله.»

قال أبو بكر، وقد بدا في وجهه أنه لم يقتنع: «فلعل الله أن يكشف لي …»

قال الخليفة ضاحكًا: «فقد انكشف لك ما أريد أن تحمل عليه ولدي، حتى لا يجد في نفسه مما يُؤَوِّله بسوء ظنه.»

قال أبو بكر، وقد بلغ منه الضجر مبلغًا: «وتريدني — أيضًا — على أن أحمل ولدك على رأي لا أومن به، ولا أعرف وجهه؟»

قال الخليفة: «بل قد عرفتَ، فاذهب مكلوءًا فلعله ينتظرك الساعة لتردَّ إليه الطمأنينة وروح الرضا.»

ونهض الشيخ متثاقلًا، وهو يُحَوقِل ويسترجع،١٢ وكأنما يحمل على كتفيه المعروقتين هم الدولة جميعًا، واتخذ طريقه إلى حيث يعلم أنه سيجد الفتى فيتحدث إليه بما أراد أبوه …

•••

وكان الفتى وحيدًا في بيته، قد ألقى يديه مشتبكتين في حجره وتسرحت أفكاره في أوديتها، فلم ينتبه إلى مؤدبه حين دخل إلا وقد اتخذ مجلسه إلى جانبه، وقال الشيخ باسمًا: «فيم كانت تحدثك نفسك يا بنيَّ حين ألقت حجابًا بينك وبين الطارق المَشُوق إليك فلم تأذن له حتى أذن لنفسه؟»

قال الفتى، وقد اصطنع الهدوء وانفرجت شفتاه عن ابتسامة تشبه أن تكون عبوسًا: «لا إذن عليك يا عم، إنما كنت أفكر في الأمر الذي قعد بك حتى الساعة عن مجلسي، وإني لفي انتظار مقدمك.»

قال الشيخ، وقد وجد بابًا إلى الحديث: «فإني قادم الساعة من حضرة أمير المؤمنين، وقد شهدت من أمره أمرًا، آمل أن ينتهي قريبًا إلى عاقبته …»

قال الفتى: «ماذا؟»

قال أبو بكر: «إن أباك يا بني داهٍ لا يُسْبَرُ غَوْرُهُ،١٣ وإني لأرجو أن يقيم الله به عمود الدولة من مَيْل، وقد أجمع اليوم على خطة لعلها أن تكون سبيلًا إلى شد أزر الدولة وتوحيد كلمتها.»

قال الفتى: «وما ذاك ياعمِّ؟»

وكأنما أحس الشيخ أنه قد استنفد كل ما في طاقته من ذخر، حتى لا يكاد يجد جوابًا عن سؤال الشاب المِلحاح، وخشي أن يفلت من يده زمامه، فأسرع إلى الجواب مرتجلًا: «لقد تأذَّن ربك أن يديل للدولة١٤ من بني طولون، فألهم أباك أمرًا يسرع بهم إلى الخاتمة.»

قال الفتى، وقد عادت ابتسامته العابسة: «تعني زواجه قطر الندى؟»

قال الشيخ، وكاد يَغَصُّ بريقه: «نعم.»

وصمت برهة ثم استدرك كأنما أوحيَ إليه: «نعم، وسيكون هذا الزواج سببًا إلى فقر الطولونية فتدول دولتهم، فإنما يستند سلطانهم أول ما يستند إلى المال، فإذا أقفرت منه خزائنهم فقد انهار ذلك السلطان.»

وضحك الشيخ ضحكة عميقة كأنما سخر من نفسه إذ غابت عنه هذه الحقيقة فلم ينتبه إليها إلا وقد جرت على لسانه من غير تفكير ولا وعي، وثابَتْ نَفْسُه إلى الطمأنينة والرضا، فقال وفي صوته هدوء الإيمان: «الحمد لله، لقد آمنت أن دولة بني العباس لم تَعْقَم.»

قال عليٌّ بن المعتضد: «الحمد لله.»

٣

راح الوزير عبيد الله بن سليمان يجوس خلال حجرات القصر الحَسَنِيِّ على شاطئ دجلة، يصحبه محمد بن الشاه بن ميكال صاحب حرس الخليفة، وبدر المعتضدي صاحب الشرطة، وكان القصر قد هيئ وفُرِش وجددت آلته، فعاد خيرًا مما كان يوم ابتناه بانيه الأول جعفر بن يحيى البرمكي منذ قرن أو يزيد.١٥

وكان الخليفة قد اشتهى أن يجعله قصر الخلافة، فبعث إلى «بوران بنت الحسن» زوج المأمون يستنزلها عنه — وكان قد صار إليها عن أبيها الحسن بن سهل — فلما بعث إليها استنظرته أيامًا في تفريغ القصر وتسليمه، ثم رمَّته وعمَّرته وجصَّصته وبيضته، وفرشته بأجلِّ الفرش وأحسنه، وعلقت أصناف الستور على أبوابه، وملأت خزائنه بكل ما يُخدَم به الخلفاء، ورتبت فيه من الخدم والجواري ما تدعو الحاجة إليه، فلما فرغت من ذلك كله انتقلت منه، وكتبت إلى الخليفة تدعوه إليه.

ووقف الوزير وصاحباه يديرون النظر لحظة فيما تقع عليه أعينهم من آيات الترف والنعمة في هذا القصر العتيق، ويعتبرون عبرة الماضي الحافل فيما مر به وما شهده من أيام الدولة الباقية منذ كان لجعفر بن يحيى، ثم للمأمون، ثم لبوران بنت الحسن.

وكأنما اجتمع الثلاثة على خاطر واحد في لحظة واحدة حين اقترب منهم شيخ هم يدبُّ على عكازته، قد تقوس ظهره ومال رأسه ونحلت فروته وسقط حاجباه على عينيه، فحيا ووقف، وابتسم الوزير وقال وفى صوته نبرة عطف: «أراك بخير يا أبا يحيى.»

قال الشيخ: «لا زال خيرك ممدود الظلال يامولاي.»

قال الوزير باسمًا: «إن قصرك يا أبا يحيى يوشك أن يشهد جديدًا ينسيك ما تحرص عليه من ذكريات الماضي كله.»

فهز الشيخ رأسه أسفًا، وهو يقول: «هيهات ياسيدي، ذاك زمان قد مضى بأهله.»

وكان أبو يحيى هذا شيخًا قد حَطَمَ المائة وضرب في المائة الثانية، وكان له ولأبيه من قبله ماضٍ في خدمة البرامكة، ثم انحاز إلى المأمون فكان في حاشيته، ثم وهبت له بوران — وهي زوج المأمون — بعض جواريها فولدت له، فلما تقدمت به السن وانتقلت الدولة، اتخذ له بيتًا في دهليز القصر الحَسَنِيِّ لم يزل مقيمًا به منذ كان، فإنه ليرى نفسه أولى الناس بالانتساب إلى هذا القصر، أليس قد عاش فيه يومًا غلامًا لجعفر بن يحيى، ثم حاشية للمأمون، ثم صهرًا وجارًا لبوران؟ …

وكأنما كان هذا الشيخ من طول ملازمته للقصر جزءًا منه ودليلًا عليه، كالحجر المكتوب على البناء العتيق، يُعَرِّفُ به كلَّ من عَبَر، … وكأنما أراد الله أن يُعَمَّرَ هذا العمر المديد؛ ليكون رواية ناطقة لأعظم آيتين من آيات الجاه والغنى والنعيم في الدولة العباسية كلها: آية البرامكة وآية بوران!

قال الوزير أبو القاسم عبيد الله: «أراك مسرفًا فيما قدَّرت يا أبا يحيى، ولعلك أن تشهد عن قريب في هذا القصر آية ثالثة … يوم تُزَفُّ قطر الندى بنت طولون إلى أمير المؤمنين أبي العباس المعتضد.»

قال الشيخ: «ويحسب مولاي الوزير أنني أرى يومئذ بعض ما رأيت يوم بوران؟ فمن أين مثل ما أنفق الحسن بن سهل يوم ذاك؟ لقد رأيته وإنه لينثر على رءوس العامة الدنانير والدراهم ونوافج المسك وبَيض العنبر، ونَثَرَ على الهاشميين والقواد والكُتَّاب والوجوه بنادقَ المسك، في وسط كل بندقة ورقة فيها صكٌّ مكتوب، فمن سقطت عليه بندقة منها فله ما كُتِب في صكه، من ضيعة، أو دار، أو جارية، أو غلام، أو فرس، يذهب إلى وكيل الحسن بن سهل بورقته فيدفع إليه ما فيها، يملكه مِلك عين بلا ثمن، وإني لأراني يومئذ وكنت في حاشية الخليفة، فنالتني بندقة من هذه البنادق، فإذا أنا صاحب ضيعة عمرو بن مالك بما فيها من بستان ودار وآنية ورقيق، فلولا ما كان من سَفَهِ ابني يحيى — رحمه الله — لكنت اليوم من أغنياء بغداد، وقد كنت يومًا …»

«وقد أقام عسكر المأمون يومئذ في ضيافة الحسن بن سهل تسعة عشر يومًا، أنفق عليهم فيها خمسين ألف ألف درهم (خمسين مليون درهم)، فلما كان يوم الرحيل فرَّق على قواده وأصحابه وحشمه عشرة آلاف ألف درهم (عشرة ملايين)، وقد حدثتني أم ولدي عاتكة — وكانت من جواري بوران — أن المأمون قد فُرِش له يومئذ حُصر من ذهب، ونثر على قدميه ألف حبة جوهر، فلما رأى اللؤلؤ المنثور على حصر الذهب قال: قاتل الله أبا نواس، لكأنما شاهد ما نحن فيه حين قال يصف الخمر يعلوها الحباب.

كأن صغرى وكبرى من فقاقعها
حصباء درٍّ على أرض من الذهب!
وأُوقِد للمأمون في الليلة التي بنى فيها ببوران شمعة عنبر وزنها أربعون مَنًّا في تَوْرٍ مِنْ ذَهَبْ١٦ …»

ثم تنهد الشيخ وقال: «فمن أين لنا اليوم يامولاي؟»

قال الوزير ضاحكًا وهو يربِّت كتف الشيخ: «من خزائن صاحب مصر.»

ثم مضى الثلاثة إلى أمير المؤمنين في قصره وخلفوا الشيخ يسترجع ذكرياته.

٤

غار النيل في مصر سنة ٢٧٨، حتى لم يبقَ منه شيء، فأجدب الزرع، وشحت الغلة، وغَلَتِ الأسعار في مصر وقراها، وامتد الغلاء بعد ذلك في مصر حينًا، ولكن ذلك لم يحمل خمارويه على القصد١٧ في تجهيز ابنته قطر الندى، وفتح خزانته لصاحب أمره يغترف منها ما يغترف وينفق ما ينفق؛ ليهيئ جهازًا لم يُرَ مثله ولم يُسمع به، ولم يزل المصريون منذ الزمن الأول، يغالون في تجهيز بناتهم مغالاة تنهك اللحم وتعرق العظم وتهتك المروءة أحيانًا؛ إذ كان فيهم ما فيهم من الرقة والعطف على الحبيب المفارق، وبهم من طبيعة بلادهم حب المباهاة والفخر، فكيف ظنك بصاحب مصر وبرقة والشام والثغور؟ وإنه ليجهز ابنته المفضلة إلى أمير المؤمنين، وخليفة رسول رب العالمين؟ وما ظنك بجهاز عروس ينتقل من مصر إلى بغداد، ومصر وبغداد يومئذ تتنافسان في الترف وأسباب الحضارة وتزعم كلٌّ منهما أنها حاضرة الدنيا.

ووكل خمارويه إلى أبي عبد الله الحسين بن الجصاص تدبير الجهاز وإعداده حتى يضاهي نعمة الخلافة، وكان الحسين بن الجصاص رجلًا جوهريًّا وتاجرًا، وكان له نسب في بغداد ووطنٌ في مصر، فكان له بذلك كله فنٌّ وتدبير، وبفنه وتدبيره راح يعد الجهاز على ما يتخيله جوهريٌّ وما يشتهيه تاجر …

وكثر غُدُوُّه ورَوَاحُه إلى أبي صالح الطويل صاحب خزانة خمارويه، يغدو بيد مملوءة بعشرات الآلاف ويروح بها فارغة، وأبو صالح لا يبخل عليه بشيء مما يطلب، وطال مغداه ومراحه حتى قلق أبو صالح وخاف مغبة الأمر، فقال له يومًا: «حسبك يا أبا عبد الله، لقد بلغتَ مبلغًا بعيدًا …»

ونضا ابن الجصاص١٨ ثوب البَلَهِ والغفلة وما يتظاهر به من قلة الاكتراث، وقال غضبان: «ولك هذه الخزائن تمنح وتمنع، أم هي خزائن مولاك!»

وأغضى أبو صالح وغصَّ بِرِيقِهِ، وذهب إلى مولاه يؤذنه بما رأى، وكان لأبي صالح على الأمير دالَّة وله مكان؛ إذ كان مؤدبه في حداثته، ورائده في شبابه، وصاحب سره في خلوته، وكان من التحرج في الدِّين، ومن العفة في اليد، ومن الولاء والحب لسيده — فوق الظن والتهمة — وأقبل أبو صالح على خمارويه وسِرُّه على جبينه، وقال خمارويه حين رآه: «ما وراءك يا أبا صالح؟»

قال أبو صالح: «خزانتك يا مولاي، إن أبا عبد الله الجوهري يكاد يتركها فارغة ليس فيها أبيض ولا أصفر.»

واربدَّ وجه الأمير١٩ وقال: «ويحك يا أبا صالح! دعه وما يريد، أتريد أن تفضحنا في بغداد؟ إنها ستدخل قصر جعفر بن يحيى، وتنزل منزلة بوران بنت الحسن، وتتحلى بما آل إلى خلفاء بني العباس من جواهر الأكاسرة، وتُزَفُّ إلى سيد الأحياء من ولد العباس بن عبد المطلب، فأين أنت من كل ذلك؟»

قال أبو صالح: «يامولاي، فقد كان مما أوصاني به مولاي أحمد بن طولون رحمه الله …»

قال خمارويه: «اسكت، لا رحمة عليك! … وهل كان يقع في وهم أحمد بن طولون أن تقتعد بنت خمارويه عرش بغداد؟»

وطأطأ أبو صالح، فكأن لم يسمع ولم يرَ، واستدار على عقبيه ذاهبًا من حيث أتى، وإنه من الهم ليكاد يتعثر في ظله.

واستمر أبو عبد الله بن الجصاص فيما يدبر من أمره، ويده في مال الدولة ينفق منه ما ينفق، لا يحاسبه أحد فيما أخذ ولا فيما أعطى، وهو عند الأمير في منزلة المشير الناصح، وعند الناس في منزلة الأبله الغافل، وعند نفسه في منزلة بين المنزلتين، ولكنه لم ينسَ في أي أحواله أنه تاجر، وأنه لن تتاح له مثل هذه الفرصة ثانية فيجد أميرًا يطلق يده في ماله مثل خمارويه، وعروسًا يتولى جهازها على ما يشتهي مثل قطر الندى …

وأوشك أن يتم إعداد الجهاز الذي احتشد له في مصر فكر كل ذي فنٍّ في فنه، وحيلة كل تاجر في تجارته، وجهد كل عامل في عمله …

وخرج إلى بغداد «خزرج بن أحمد بن طولون» نائبًا عن أخيه خمارويه في موكب ينتظم طائفة من أمراء الطولونية وكثيرًا من ذوي الجاه والرياسة في مصر، وغير قليل من الخاصة والغلمان …

٥

قال القاضي أبو محمد البصري لأمير المؤمنين أبي العباس المعتضد: «لم يخفَ عني يا مولاي — منذ تلك الغداة — وجه الرأي فيما اخترت لنفسك يوم وافاك رسول خمارويه بهديته وكتابه، ولكني حَذِرْت أمرًا … فإن ولدك أبا محمد شابٌّ لم يزل في حداثة السن والرأي، وقد يعزُبُ عن فطنته٢٠ ما قصدت إليه، فيراك قد آثرت نفسك عليه بالعروس، فتأخذه الغيرة ويزين له إخوان السوء! …»

قال المعتضد: «رحم الله ابن أبي الدنيا، لقد كفاني مئونة ذلك الأمر، وأحسب ولدي أبا محمد قد استمع إليه يومئذ، وفهم عنه ما طابت به نفسه، وقد كبر اليوم ولدي أبو محمد، وصار عليه للدولة حق، وقد أجمعت الرأي على أن أوليه بعض الأطراف يشتغل بها عن إخوان السوء ويتمرس منذ اليوم بأساليب الحكم، فإنه لمرجو الغد إن شاء الله.»

قال الشيخ: «إن شاء الله … ولا زلتَ موفقًا يا مولاي فيما تقصد إليه.»

وخرج الخليفة من غده إلى الجبل في رجب سنة ٢٨١ يصحبه ولده أبو محمد علي بن المعتضد، فلما انتهى إلى حيث أراد حط رحاله وقال لولده: «الآن يا بني قد بلغت المبلغ الذي يؤهلك لبعض أعمال السلطان لتكون لي عونًا وعضدًا ولتأخذ في التجارب من يومك لغدك، فإن هذا الأمر سيصير إليك يومًا، وتتعلق بك مصالح أمة، وقد قلدتُك يا بني هذه الولاية: الريَّ، وقَزْوين، وزنجان، وأبهَر، وقُم، وهمذان، والدينور،٢١ وسأرى كيف تحكم فيها أمرك.»

قال أبو محمد: «لا يكون إلا ما تحمده إن شاء الله.»

ثم ودعه الخليفة، وقد قلد له الكَتَبة والحَسَبة، وأوصى به أهل المشورة، وانحدر إلى بغداد، وقد طابت نفسه بما بلغ.

ووافى بغداد، وقد وصل موكب خزرج بن أحمد بن طولون في رمضان سنة ٢٨١.

ومَثَلَ الركب بين يدي الخليفة، واتخذوا مجلسهم على بساطه، والتأم المجلس بمن حضر من أمراء الدولة وقادة الجند وأهل الرياسة وخاصة أمير المؤمنين، وجلس إلى يمين الخليفة قاضي بغداد أبو محمد البصري يوسف بن يعقوب، وزَوَّجَ خزرجُ بن طولون أميرَ المؤمنين المعتضدَ بنتَ أخيه قطرَ الندى، وأشهد من حضر وراح شعراء الحضرة ينشدون التهاني.

وقفل خزرج بأصحابه راجعًا إلى مصر يحمل إلى أخيه وإلى ابنه ما يحمل من البشريات ومن هدايا أمير المؤمنين.

•••

وكانت مصر يومئذ في مهرجان، قد ازَّيَّنت كل دار منها كأن بها عروسًا تزف إلى أمير المؤمنين، وعلى كل لسان في الوادي غنوة واحدة يتردد صداها على شطآن النيل من شماله إلى الجنوب:

قطر الندى …
قطر الندى٢٢

وقطر الندى في شرفتها من قصر الأمير تشهد ما تشهد من حركة المدينة وتسمع ما تسمع، وقد تسرَّحت بها الأحلام على أجنحة الصدى من وادٍ إلى وادٍ، فهي حينًا على ضفاف النيل حائمة، وهي حينًا على ضفاف دجلة.

ودخلت إليها حاضنتها «أم آسية» فاتخذت مجلسها إلى جانبها وقالت، وفي صوتها نبرة حنان وفي عينيها نظرة حب: «لمثل هذا اليوم يا مولاتي كنت أسأل الله أن يبقيني، حتى أنعم برؤيتك عروسًا قد اكتمل لها بعروسها الكريم حظ الدِّين والدنيا، أتذكرين يا مولاتي ما حدثتك عن الرؤيا التي أُرِيتُها منذ سنين … وأنا أمشي في طريق قد فُرِش حصرًا من ذهب، ونثرت عليه حبات الجوهر، ومضت بي الوصائف إلى حيث كنتِ جالسة في جلوة العرس على سرير في غرفة شارعة تطل من اليمين على نهر مثل النيل، ومن الشمال على نهر كأنه دجلة؟٢٣ … فهذا تعبير رؤياي.»

قالت قطر الندى ضاحكة: «نعم، وحملك أرَج البخور يومئذ، فطار بك في السماوات، ونمت في النوم … فهلا ظللت يقظَى يا أم آسية حتى نعرف ما كان آخر رؤياك!»

قالت أم آسية: «يا بنية، فسترين رأيَ العين ما فاتني رؤيته في المنام، وكأني أراكِ غدًا وعلى رأسك التاج، وفي يمينك الصولجان، وقد عَنَتِ الدولة كلها لسلطانك … وماذا يكون تمام الرؤيا إلا ذاك؟»

قالت قطر الندى: «وأبي يا أم آسية؟ وإخوتي وآلي؟ وهذا البلد الذي ازدهَرَتْ على شاطئيه آمالي؟ وأنتِ …؟»

قالت: «وأبوك يا مولاتي على العرش يَدِلُّ إدلاله على خَتَنِه،٢٤ ويحكم حكمه في وطنه، وآلك وإخوتك لهم من جاه أبيهم سبب، ومن صهرهم إلى أمير المؤمنين أسباب … وأنا ماشطة الأميرة كما أرتني الرؤيا.»

قالت قطر الندى ضاحكة: «ويحملك أرج البخور، فيطير بك في السماوات، ويأخذك النوم.»

قالت أم آسية: «أفتأبين عليَّ يا مولاتي ما أمَّلْت، ولا ترينَنِي أهلًا لذاك؟»

فاستضحكت قطر الندى، وقالت: «بل أنت أكرم عليَّ يا أم آسية.»

•••

وكانت مصر كلها في شغل شاغل وحركة دائبة، انتظارًا ليوم قريب، فلكل عامل عمل، في قصر الأمير وفي دور السادة من حاشيته وآله، وفي المدينة كلها، وعلى طول الطريق بين مصر وبغداد …

وأتم أبو عبد الله بن الجصاص ما وُكِلَ إليه من أمر الجهاز، فلم يُبْقِ خطيرة ولا طُرفة إلا ابتاعها، ولم يَدَعْ شيئًا من أسباب الترف مما تبلغه الأحلام أو تتعلق به المنى إلا حمله، واجتمع لقطر الندى من الجهاز ما لم يجتمع لعروس قط، وحسب الواصف أن يكون في الجهاز من أدوات المطبخ ألف هاوُنٍ من الذهب، ومن أدوات الثياب ألف تِكَّة سروال، ثمنها عشرة آلاف دينار.

وكان بين الجهاز سرير أربع قطع من ذهب، عليه قبة من ذهب مُشَبَّك، في كل عين من التشبيك قرط معلق فيه حبة جوهر لا يعرف لها قيمة …

ومَثَلَ ابن الجصاص بين يدي خمارويه يؤذنه بتمام أمره، فقال له خمارويه: «وهل بقي بيني وبينك حساب بعدُ؟»

قال ابن الجصاص: «لا.»

قال خمارويه: «انظر حسنًا.»

فأخرج ابن الجصاص صحيفة، ونظر فيها ثم قال: «كَسْرٌ من المال بَقِيَ معي من ثمن الجهاز يبلغ أربعمائة ألف دينار.»

فقال خمارويه: «فهي لك يا أبا عبد الله.»

وبلغت الدهشة بالوزير محمد بن علي الماذرائي مبلغًا، فقال يتحدث إلى نفسه همسًا: «كسرٌ بَقِيَ من الجهاز يبلغ أربعمائة ألف دينار! … فكم يبلغ الجهاز كله؟»

واستدار إليه خمارويه غاضبًا يقول: «ماذا سمعتُ من قول؟ … أظننْتَ بنت خمارويه يُحسَب ما يُنفَق في جهازها بالآلاف!»

ثم عاد إلى حديث ابن الجصاص قائلًا: «وقد أمرنا لك بألف ألف دينار (مليون دينار) تحملها معك إلى بغداد، لعلك تجد ثمة شيئًا من الطرائف ليس له نظير في مصر فتبتاعه إلى جهاز العروس.»

وقُطِع بالوزير أبي علي الماذرائي فلم ينطق كلمة، وتهيأ موكب العروس للرحلة، وتهيأ لها الطريق كله من مصر إلى بغداد …

٦

ومضى الموكب مشرِّقًا يطلب مطلع الشمس، وقد جلست العروس في هودجها بين النمارق والحشايا ناعمة، كأن لم تبرح مجلسها من قصر الأمير، وجلست بين يديها ماشطتها أم آسية تقص عليها من أنبائها كل طريفة تبهج القلب وتسر النفس، وكان في الموكب عمها خزرج بن أحمد بن طولون، وعمتها العباسة، وصفِيُّ أبيها وخاصته أبو عبد الله بن الجصاص، وجماعة من الأمراء والأعيان وقادة الجند على جيادهم المطهَمَة، وبين أيديهم غلمان ومن ورائهم غلمان، وعلى جانبي الطريق حراس من جند خمارويه قد لبسوا الديباج، وعقدوا المناطق المُحلَّاة، وشرعوا سيوفًا بارقة قد سال عليها شعاع الشمس، والنغمات الصادحة يتجاوب صداها بين الشرق والغرب، وعن يمين وشمال في غنوة واحدة:

قطر الندى …
قطر الندى …

واستمر الموكب على ترتيبه يسير بالعروس سير الطفل في المهد، ينظره من ينظر كأنه في موضعه لا يتحرك، فليس يحسب حاديه ولا رائده حساب الزمن ولا يفكر في عناء السفر ولا في بعد الشُّقَّة، فقد أعد خمارويه عدته لهذه الرحلة منذ بعيد، فبنى على رأس كل منزلة من منازل الطريق فيما بين مصر وبغداد قصرًا، حتى ليمكن أن تتراءى القصور متتابعة على الطريق كأنما هي مدينة قد استطال طرفاها فأولها على شاطئ النيل وآخرها عند شاطئ دجلة، وحتى لا تكاد العروس النازحة تحس أنها على سفر ساعة من نهار، وإنما هي على تتابع الأيام في قصر أبيها، تتنقل بين أبهائه من بيت إلى بيت، ولا تقع العين فيه بكل نُقلة إلا على جديد، فلا يكاد يمل الراكب أو يتعب الحادي حتى يوافي منزلة، فيجد ثمة قصرًا قد فُرِش ونُضِّد وفيه جميع ما يحتاج إليه المسافر والمقيم، فأعدت فيه المخادع وعُلِّقت الستور وهُيئت المائدة، وثَمَّ الخدم والحشم والجواري والولدان.

وتتابعت الأيام والركب يتنقل من منزلة إلى منزلة … ونامت أم آسية ذات ليلة في بعض منازل الطريق ثم أصبحت معتلة وليس بها علة، فقد رأت في تلك الليلة تمام الرؤيا التي بدأتها في منامها منذ سنين …

وكان البخور يفوح من مجامر المسك عطرًا مسكرًا، فكأنما حملها الأريج على جناحين من لهب، فطار بها في السماوات، فما تنبهت إلا على صائح يصيح …

وسمعت في تلك الليلة صيحة الصائح، وفهمت عنه وعرفت شخصه، إنه «إبراهيم بن أحمد الماذرائي المصري» يهتف بنبأ ودَّت لو لم تسمعه أذناها ولم يكن … يا له من حلم مروِّع، ليتها لم تنَمْ … لو لم يكن لهذا الحلم بداية تحققت لقالت أضغاث أحلام، وهل يصدُق بعض الحلم، ويكذب بعضه؟ … يا ليت! … ولكن أين منها الاطمئنان وهدوء النفس، وإنها لتترقب الساعة من الأحداث ما لم تكن تتوقع أو يخطر لها في بال، أعِنْدَ صفو الليالي يحدث مثل ذلك؟ …

وطوت صدرها على السر، فلم تكشف لأحد عن خبره، ولم تجد عندها قطر الندى في هذه الغداة ما يؤنسها ويسليها كشأنها معها في كل غداة، فقالت لها عاطفة: «ما بكِ اليوم يا أم آسية؟»

قالت: «لا شيء يا بنية، إنما هي وعكة خفيفة.»

وسكت لسانها، وراحت تحدث نفسها وتستمع إلى خواطرها، وطال صمتها وانقباضها عن مولاتها حتى نالتها العلة، واشتد بها الوجع ذات ليلة في بعض منازل الطريق وأصبحت ميتة، لم تكشف عن سرها ولم تتحدث إلى أحد برؤياها.

وكان على الطريق قبر مهيأ، فألقيت إليه …

واستأنف الموكب سيره، وكانت أصداء الأغاني ما تزال تتجاوب بين الشرق والغرب، وعن يمين وشمال، في غنوة واحدة:

قطر الندى!
قطر الندى!

ولكن قطر الندى منذ ذلك اليوم لم تطرب لشيء مما تتجاوب به الأصداء، فقد أحست منذ فقدت أم آسية بالوحدة الخانقة، وهي في الموكب الحاشد، وكأنما خُيِّل لها في اليقظة ما رأته أم آسية في المنام، فانقبضت منذ اليوم ولم تهنأ بسعادة عيش …

واستمر الموكب في سيره، وأصداء الأغاني تتجاوب بين الشرق والغرب، وعن يمين وشمال … وبلغ الموكب شاطئ بغداد، في أول المحرم سنة ٢٨٢.

٧

كان أمير المؤمنين المعتضد غائبًا بالموصل يوم بلغ الموكب بغداد، فنزلت العروس في دار صاعد بن مخلد على شاطئ دجلة، وأسرِيَ النبأ بمقدمها إلى الخليفة حيث كان …

وكان في مخيم الخليفة بالموصل وقتئذ بضعة نفر ليسوا من أهل الموصل ولا من أهل بغداد، فيهم لؤلؤ الطولوني، وكان قد أطلق من حبسه وخُلِع عليه وكرِّم، وفيهم محمد بن إسحاق بن كنداج، وكان قد مات أبوه وتولى الموصل من بعده، وفيهم محمد بن سليمان الأزرق،٢٥ وكان قد بلغ عند الخليفة منزلة رفعته من مرتبة الغلمان حتى صار «أمير الجيش»، وفيهم غير هؤلاء في زي القادة أو في زي التجار، وكان الحديث يدور بينهم وبين الخليفة همسًا لا يريدون أن يطَّلع على غيبه أحد، وفي وجوههم أمارات العزيمة والجد والاهتمام.

وقال الخليفة وقد فرغوا من مداولة الرأي فيما اجتمعوا له: «والآن سيمضي كل منكم لوجهه وسنرى ما سيكون من أمر.»

قال لؤلؤ: «إني لأعلم علم اليقين يا مولاي ما سيكون، فلن يثبت جند خمارويه على الولاء له ساعة إذا استيقنوا أن خزانته قد صَفِرَت من المال.»

قال الخليفة: «ثم يكون ماذا؟»

قال القائد محمد بن سليمان: «ثم يتأمر القادة ويقتسمون الدولة ويعملون سيوفهم في أقفية بني طولون فلا تبقى منهم باقية.»

قال محمد بن إسحاق منكرًا: «على رِسْلك يا محمد، إن بني طولون خَتَنُ أمير المؤمنين.»

قال ابن سليمان: «وهل خاتنهم مولاي أمير المؤمنين إلا ليغلبهم على أمرهم ويحوز دولتهم؟»

قال الخليفة: «بلى، ولكن لا يراق دم.»

ومضى المؤتمرون كل منهم لوجهه، وقصد الخليفة من فوره إلى بغداد، حيث كانت العروس وحاشيتها في دار صاعد بن مخلد على شاطئ دجلة ينتظرون مقدم أمير المؤمنين …

•••

وكان يوم الأحد الثالث من ربيع الآخر سنة ٢٨٢ وما يليه أيامًا مشهودة في بغداد، ونودي في جانبي المدينة ألا يعبر أحد في دجلة منذ يوم الأحد، وغلقت أبواب الدروب التي تلي الشط، ومُدَّ على الشوارع النافذة إلى دجلة شراع، ووُكِّل بجانبي دجلة من يمنع الناس أن يظهروا في دُورهم على الشط، أو يفتحوا النوافذ، فلما كان المساء وصُلِّيَتِ العَتَمَةُ،٢٦ وافت الشذوات على ظهر دجلة من قصر المعتضد وعليها الوصائف والخدم يحملن الشمع، حتى وقفن بإزاء دار صاعد، وكانت أعدت أربع حرَّاقات مُزَيَّنة،٢٧ وأرسيت في النهر مشدودة إلى دار صاعد، فلما جاءت الشذوات وأرست بإزاء الدار، أُحْدِرَت الحراقات وعليها العروس ووصائفها سابحة على الماء، وبين أيديهن الشذوات عليها الجواري في أيديهن الشمع …

ومضى موكب العروس في دجلة حتى بلغ القصر الحَسَنِيَّ …

وأقامت العروس يوم الاثنين في القصر، يسعى بين يديها المواشط والوصائف والولائد، وأخذت بغداد زخرفها وازَّيَّنت كلها لعرس أمير المؤمنين، وكان القصر الحسني من الرُّواء والزينة كأنه من قصور الجنة …

ونُضِّد سرير العروس وعليه قبته في غرفة شارعة تطل من جانب على النهر، وتطل من الجانب الآخر على البستان وما وراءه من الفضاء الممتد إلى البعيد البعيد، فلو كان ذو نظر حديد ينفذ إلى ما وراء الأبعاد لرأى النيل …

وكان البخور يفوح من مجامر المسك والعنبر عطرًا مسكرًا يجدد الأماني ويبعث الذكريات …

وذكرت قطر الندى ماشطتها أم آسية، فانحدرت على خدها قطرة دمع … وكانت أصوات القيان تتجاوب، فتُرَجِّعُها صوادح الطير في البستان ومزامير الملاحين في دجلة … ومضت ليلة شهد فيها القصر الحسني آية أخرى غير ما شهد في غابر الأيام من آيات جعفر بن يحيى البرمكي، وليالي بوران بنت الحسن.

فلما كان يوم الثلاثاء الخامس من ربيع الآخر جُلِيَتْ قطر الندى على عروسها، وبدأ تاريخ جديد بين أبي العباس المعتضد أمير المؤمنين، وأبي الجيش خمارويه بن طولون.

واجتمع على عرش الخليفة في بغداد مُلك المشرق ومُلك المغرب.

•••

ونظر المعتضد إلى العروس المجْلُوَّة لم تزدها زينتها جمالًا على ما حباها الله من نعمته، وتحدَّث إليها فسمع حديثًا لو كان ضربًا على وتر لما زاد على ما سمع سحرًا وفتنة، وسألها فأجابته عما سأل مستحيية، فلو أن حكيمًا أدبها فلقنها جواب كل سؤال تُسأَلُه لما علَّمَها خيرًا مما أجابت …

وورد على قلب أمير المؤمنين من الإعجاب بها ما لم يكن يتوقع أو يخطر له على بال … وكانت عيناها في عينيه شفاعة ضارعة فيها حنان ورحمة، وفيها نجوى خافتة تتحدث إلى ضميره بأبلغ بيان، واستشعر الخليفة من نظرتها روحًا من العطف والرقة لم يشعر بمثله فيما غبر من أيامه، وغلبته عاطفته على فكره وهتفت به نفسه: «أهذه بنت خمارويه التي أردت بزواجها ما أردت تدبيرًا لسياسة ملكك؟»

واصطرعت في نفسه شئون وشجون.

ومَثَلَتْ بين يديه جاريته «ساجي» تغنيه وعروسَهُ أحبَّ الأصوات إليه، وكان هو صانِعَ لَحْنِهِ:

كَلِّلاني تَوِّجَاني
وبِشِعْري غَنِّيَاني

فابتدرها الخليفة: ليس هذا يا ساجي، هلا غنيتِني بشعر المازني:

في وجهه شافع يمحو إساءته
من القلوب وجيه أينما شَفَعَا!

فاحتضنت القَينة عُودَها فجسته ومرت بأناملها على أوتاره، ثم اندفعت تغني وعيناها إلى العروس الفاتنة:

ويلي على من أطار النوم فامتنعا
وزاد قلبي على أوجاعه وجعا
كأنما الشمس من أعطافه لمعت
حُسنًا، أو البدر من أزراره طلعا
مُستقْبَل بالذي يهوى وإن كثرت
منه الذنوب ومعذور بما صنعا
في وجهه شافع يمحو إساءته
من القلوب وجيه أينما شفعا

وبلغت ساجي في لحنها غاية ما يبلغ عازف على وتر أو هاتف على فَنَن، ولكن الخليفة لم يطرب لغناء ساجي في ذلك اليوم طَرَبَهُ لغنائها في كل يوم، فقد أجد له هذا الصوت فكرًا وأنشأ شجنًا …

وتبعثرت خواطره كما يتبعثر الذر في شعاع نافذ، فليس له قرار على رأي ولا ثبات على عاطفة، وود لو كانت قطر الندى غير من كانت، وكان أبوها غير خمارويه بن طولون! …

وسخر الخليفة من نفسه حين وصل من الفكر في شأنه وشأن عروسه الفاتنة إلى هذه المرحلة، فابتسم ابتسامة ملك، ومدَّ يده إلى العروس فأنهضها، ومضى بها يجوسان خلال حجرات القصر، وأُسْدِلت دونهما الستور …

وتتابعت أيام المعتضد من بعدُ سعيدة هانئة، لولا لحظات من الفكر كانت تغشى سعادته كما يتنفس المقرور في مرآةٍ مصقولة ثم يلمسها شعاع الشمس فتعود صافية مَجْلُوَّة.

وخلا مجلس الخليفة يومًا إلا من عروسه، ونالت النشوة منه، فتوسد ركبتها ونام آمنًا، فاستغرق في نومته، وتلطفت العروس فأبعدت رأسه عن ركبتها في حذر وأسندته إلى وسادة، وقامت فاتخذت مجلسًا على مقربة، وكان المعتضد يحذر الوحدة خوف الغِيلَة،٢٨ فلما استيقظ بعد هُنيات فلم يجدها فزع واضطرب، وناداها غاضبًا فأجابته، فقال عاتبًا: «ماذا صنعتِ يا أُمَية! … أحللتُكِ مني هذا المحل وأسلمتُ إليكِ نفسي، فتركتيني وحيدًا، وأنا في النوم لا أدري ما يُفْعَل بي!»

قالت: «سلمْتَ ودمْتَ يا مولاي، والله ما جهلتُ قدر ما أنعمتَ به عليَّ، ولكن فيما أدبني به والدي خمارويه: ألَّا أجلس مع النيام، ولا أنام مع الجلوس، وأمير المؤمنين بعيني وعين الله.»

وأكبر المعتضد جوابها فهتف معجبًا: «للهِ أنتِ يا بنية! ولله ما أدبك أبوك!»

وتمكنت قطر الندى من قلب المعتضد، فليس لواحدة غيرها في قلبه مكان، ونسي ما كان من شأنه وشأن خمارويه في ماضيه، حين مَثَلَتْ قطر الندى بسحرها وفتنتها بينه وبين ماضيه، ولكن الحوادث لم تنسَ …

٨

ومضت أشهر، وكانت قطر الندى في شرفتها من قصر الخلافة تُسَرِّح النظر إلى البعيد البعيد، حين كان الفارس المجهود «إبراهيم بن أحمد الماذرائي المصري» يعدو على نجيبه ميمِّمًا شطر القصر، فلما بلغ الباب ترجَّل ودخل …

ومَثَلَ إبراهيم بين يدي الخليفة المعتضد، فقص عليه النبأ الذي جاء يعدو به بضعة عشر يومًا في طريق البادية …

وهتف الخليفة جزعًا: «ويحك! خمارويه؟»

قال إبراهيم: «نعم يا مولاي، وَثَبَ عليه غلمانه فقتلوه في قصره بأسفل دير مروان بالشام.»

فأطرق الخليفة وقد غشَّى عينيه الدمعُ، وذهب به الفكر مذاهب شتى، عن يمين مرة وعن شمال مرة، وتمثَّل عدُوَّه بالأمس وخَتَنَه اليوم مكبوبًا على وجهه مضرجًا بدمه، وتسلسلت خواطره حلقة وراء حلقة في خطوات سريعة، فكأنما شهد لساعته انهيار الدولة الطولونية بعينيه قبل أن تنهار، فابتسم ابتسامة ملك، ثم ارتدَّت خواطره إلى قطر الندى، فتمثَّلَها في ثياب الحداد كئيبةً دامعة العينين مما دهمها من مُصاب أبيها، فحزن وانكسر وانقبضت نفسه انقباضة عاشق، وتعاقبت على وجهه ألوان وصور، فلو كان ثمة ذو نظر نافذ لرثى له مما يكابد.

لقد كان انهيار الدولة الطولونية أملًا عزيزًا يسعى لتحقيقه منذ سنين بعيدة، فليس له غيره همٌّ بالليل وفكر بالنهار، فما همه اليوم وقد تحقق أمله أو كاد؟

بلى، لقد بلغ ما أراد، ولكن السهم الذي فوَّقَهُ٢٩ إلى صدر عَدُوِّهِ فأرداه، قد ارتدَّ إليه فجرحه جرحًا داميًا لا يبرأ ولا يُودِي.٣٠

بلى، وقد مات خمارويه وسكنت نأمته، ولكنه ثأر لنفسه وهو جسد هامد تحت التراب، فظل في عيني عدوه قذًى، وفي حلقه شجًى، وفي قلبه شجنًا.

وقام بين العاشق المفتون ومعشوقته حجاب كثيف من الذكريات والدموع والآلام، لا ينفذ من ورائه قلب إلى قلب، فلم ينظر على شفتيها منذ اليوم ابتسامة رضا، ولم يرَ في عينيها نظرة حنان، وكانت في عينيه امرأة ساحرة، فعادت دُمْيَة جميلة.

وعاش وعلى شفتيه ابتسامة ملك، ولكنَّ في عينيه أبدًا انكسار عاشق قد ودع أمله إلى غير معاد.

وأشفق القدر على قطر الندى فلم تَعِشْ حتى تشهد خاتمة المأساة التي ذهبت ببني أبيها فلم تُبْقِ منهم باقية وقوضت أركان دولتهم بمكنسة محمد بن سليمان الأزرق …

وماتت قطر الندى في السن التي يبدأ فيها لِدَاتُها يطرقن أبواب الحياة.

وحفر لها المعتضد قبرها في دار الرصافة إلى جانب قبر أبيه الموفق، ووقف بين يدي القبر لحظات لا يتكلم، وقد غابت عيناه وراء سحابة من الدمع، ثم هتف وقد حوَّل عينيه إلى قبر أبيه:

هذه رسالة بني طولون إليك يا أبت في مثواك، فهل جاءك النبأ؟ ليست هذه التي تجاورك أمَةً، ولكنها أُمَّة.

١  يعرف خبره.
٢  جملًا.
٣  لو قدر ثمن منطقة منها.
٤  نوع من العطر.
٥  نوع من أرق أنواع الحرير محلى بخيوط الذهب، ينسب إلى «تنيس» بالقرب من دمياط.
٦  يكره القضاة وأهل الفقه في الدين حديث المنجمين ولا يستمعون لهم.
٧  كان بين المعتمد وبين طولون صهر.
٨  يرجع إلى الطاعة.
٩  كان العباس ابن طولون يقول الشعر، وهو في شعره ذاك يضع نفسه فوق مقام الخليفة.
١٠  يشير إلى محاولة ابن طولون استضافة الخليفة المعتمد، لينتقل مقر الخلافة العباسية من بغداد إلى مصر.
١١  غضب أبو بكر وأنكر على المعتضد رأيه وما اعتزم من أمر، فلم يصمت.
١٢  يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله … إنا لله وإنا إليه راجعون.
١٣  الداهي، والداهية: صاحب التدبير، ولا يسبر غوره: لا يُعرَف سِرُّه.
١٤  يديل للدولة: ينتقم لها.
١٥  كان البرامكة وزراء الدولة العباسية في نشأتها الأولى، وكانوا يعيشون في ترف ونعمة لا يعيش في مثلهما الخليفة، ومن بنائهم ذلك القصر، ثم حلت بهم النكبة فأزيلوا عن مكانتهم، ونزلوا عن كل ما يملكونه، فصار القصر الحسني إلى الحسن بن سهل وزير الخليفة، وكانت تقيم فيه لذلك العهد ابنته «بوران» أرملة الخليفة المأمون، ولبوران بنت الحسن هذه شهرة وتاريخ، وكان لاحتفال المأمون بزواجها قصة لم تزل مذكورة في التواريخ، وستشير هذه القصة إلى شيء من ذلك في بعض ما يلي.
١٦  المن: رطلان. والتور: وعاء الشمع: الشمعدان.
١٧  القصد: الاقتصاد.
١٨  نضا: خلع، ولم يكن ابن الجصاص أبله ولا مغفلًا كما يبدو في كثير من أمره، وإنما كان يصطنع ذلك لغرض يرمي إليه …
١٩  تغيَّر وجه الأمير.
٢٠  يغيب عن فطنته.
٢١  كلها من بلاد المشرق التي تقع بين إيران والمستعمرات الروسية التي تسمى الآن بلاد الاتحاد السوفييتي.
٢٢  لم تزل أغنية قطر الندى على ألسنة المصريين حتى اليوم، ولكن عباراتها تطورت بقدر ما تطورت اللغة وأساليب الأغاني في الأمصار العربية خلال أحد عشر قرنًا …
٢٣  انظر الفصل الثاني.
٢٤  ختنه: صهره، تعني الخليفة.
٢٥  انظر الفصل الأول
٢٦  العشاء.
٢٧  الحراقات: مسابح كالذهبيات المصرية، وهي أنواع من الفلك مؤثثة مثل أثاث الدور، يسكنها بعض أهل الترف والنعمة، ويقام بينها وبين الشاطئ جسر.
٢٨  الغيلة: الاغتيال.
٢٩  صوَّبَهُ.
٣٠  لا يودي: لا يُمِيتُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤