الفصل الأول

(منظر «بطرس» الأكبر: منشئ «روسيا» الحديثة، وهو في مصنع «هولندا»، بملابس النجارين.)

بطرس : لَقَدْ مَرَّ العَامُ، وَوَجَبَ عَلَيَّ الآنَ مُغادَرَةُ هَذَا الْمكانِ! شَدَّ ما أَصْبَحْتُ مُؤْتَنِسًا بهذِهِ الرُّفْقَةِ الْمُخْلِصَةِ، كلِفًا بهؤُلاءِ القَوْمِ السُّذَّج، لا سِيَّما صَدِيقِي «ميكائيل»، ذلِكَ الرَّفيقُ الأَمينُ، الَّذِي لا أُطيقُ فِراقَه!
ميكائيل (داخلًا) : مَرْحَبًا بكَ يا بُطرُس! آه! أَلا تَزالُ هُنا؟ ماذا تَقُولُ يا بطرس؟ خَبِّرْنِي: أَيُّ حِدِيثٍ كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ الآنَ؟ فَقَدْ سَمْعْتُكَ تَتَكلَّمُ وَأَنا أَقْتَربُ مِنْكَ! فأَيُّ مُهِمٍّ يَشْغَلُكَ؟
بطرس : خَيْرًا يا زَمِيلي! فَلَيْسَ يَشْغَلُني إِلَّا السَّفَرُ؛ أَلا تَعْلَمُ — يا أَخي — أَنَّني عَلَى أُهْبَةِ الرَّحِيلِ عَنْ هذِهِ الْبلادِ؟
ميكائيل : آه! أَجادٌّ أَنْتَ فِيما تُحَدِّثُني بِهِ؟! أَيُّ خَبَرٍ هذا؟ أَتَتْرُكُ «سرادمَ»؟ أصَحيحٌ أَنَّكَ تَعْتَزمُ فِراقَنا؟ ماذا تَقُولُ؟ إلَى أَيْنَ تَقْصِدُ يا بُطْرُسُ؟
بطرس : إلَى وَطَنِي، بَلْ وَطَنِنا مَعًا — إِنْ شِئْتَ — فَأَنْتَ تَعْرفُ — فِيما أَعْلَمُ — أَنَّنِي قَدِمْتُ من «رُوسْيا»، كما قَدِمْتَ أَنْتَ، لِأَتَعَلَّمَ صِناعةَ السُّفُنِ، وَالآنَ — يا صَاحِبي — قَدْ حانَ وَقْتُ العَوْدَةِ إلى الوَطَنِ بَعْدَ أَنِ اغْتَرَبْتُ عنْهُ سَنةً كامِلَةً!
ميكائيل : أَلَيْسَ لك بُدٌّ مِنَ الرَّحِيلِ؟ ألَا سَبيلَ إلى عُدُولِكَ عَنْ هذِهِ الفِكْرَةِ الْمُزْعِجَةِ؟ شَدَّ ما يَحْزُنُ مُعَلِّمَنا أَن تُفارِقَنا وَتَتْرُكَ جماعتَنا! فَهُوَ كثيرًا ما أَثْنَى عليكَ، وَنَوَّهَ بحُسْن خِلالِك، وَحَمِد لَكَ نَشاطَك وَمُثابَرَتَك عَلَى عَمَلِك، وآثَرَكَ عَلَى جميعِ الرِّفاقِ بِلُطْفِهِ وَمَوَدَّتِهِ.
وَقَدْ أَوْصَانَا — جَمِيعًا — أَن نَتَّخِذَ مِنكَ نَمُوذَجًا صالِحًا، وَمِثالًا طَيِّبًا للعامِلِ الْمُجِدِّ الْمُخْلِصِ فِي عَمَلهِ.
بطرس : ما أَسْعَدَني بهذا الثَّناءِ! وَما أَشَدَّ فَرَحي إذْ أَترُكُ بَعدي أَحْسنَ ذكْرَى وأَطْيَبَ أُحْدُوثَةٍ بَيْنَكُمْ! ولكِنْ خَبِّرْنِي في صَراحَةٍ وصِدْقٍ: أَليْسَ يَسُرُّكم — معشَرَ الرِّفاقِ — أَن يَرْحَلَ عنكُم مُنافِسٌ مِثلي، حتَّى لا يَحْظَى بالْفَوْقِ عَليْكُمْ، فَيَسْتأْثِرَ بالثَّناءِ دُونَكُمْ؟
ميكائيل : كلَّا يا بطرس، فإنَّنَا — جميعًا — شَديدُو الإِعْجابِ بكَ لِدَماثَةِ أَخْلاقِكَ، وبَراعَةِ حديثِكَ، وَجَمِيلِ شَمَائِلِكَ. وَلَسْتُ أَكتُمُكَ أَنَّ حُزْني لِفراقِكَ حُزْنٌ طويلٌ، وما أَشدَّ وَحْشتي حينَ أَتلفَّتُ — يَمْنةً وَيَسْرَةً — فلا أَراكَ بَيْننا … لقد مَرَّتْ بنا هذِهِ الأَيامُ كأَنَّها — لِقِصَرِها — ساعاتٌ، حتَّى حَسِبْتُها حُلْمًا جميلًا، ترَك في نُفوسِنا أَطَيبَ الأَثرِ، وَأَحْمدَ الذِّكرياتِ! ولَسْتُ أَكتُمُك — يا صاحبي — أَنَّني قد أَصبحْتُ لا أُطيقُ فِراقَكَ، ولا أَدْرِي كَيْفَ أَحْتَمِلُ هذا النَّبَأَ الأَليمَ؟
بطرس : أَنْتَ إنَّما تُعَبِّرُ عَنْ شُعُورِي أَصْدقَ تعْبِيرٍ، فَلَسْتُ أَدْري كَيْفَ أُفارِقُكَ يا عَزِيزي؟ ولكِنْ لِماذا نَفْتَرقُ أَيُّها الصَّدِيقُ الْوَفيُّ الأَمِينُ؟ خبِّرْني: لِماذا نَفْتَرقُ؟ ماذا يَدْعُوكَ إِلى الْبَقَاءِ فِي هَذَا البَلدِ؟ ومَا بالُك لا تَعُودُ مَعِي إلَى الوَطَنِ؟ أَلَيْسَ في وَطَنِكَ أَحَدٌ يَسُرُّكَ أَنْ تَراهُ؟ أَلا تَشْعُرُ بِحَنِينٍ إلَى بَلَدِكَ الَّذِي نَشَأْتَ فِيهِ، وَنَعِمْتَ بِجَمالِهِ، وامْتَلَأَتْ نَفْسُكَ بحُبِّهِ؟
figure
بطرس الأكبر وهو بملابس النجارين في ساحة بناء السفن على الساحل، وإلى جانبه صديقه ميكائيل ستنمتز النجار، وهما يتحدثان.
ميكائيل : حَبيبٌ إلى نَفْسِي أَنْ يَتَحَقَّقَ هذا الْأَمَلُ الْمَنْشُودُ، فَإِنِّي لَشَدِيدُ الْحَنِينِ إِلى ذَلِكَ البَلَدِ الكَرِيمِ، وَما أَسْعَدَنِي بِلِقاءِ أُمِّيَ العَجُوزِ الْمِسْكِينَةِ، الَّتي تَذُوبُ شَوْقًا إلى رُؤْيَتي، وَتَتَمَنَّى لُقْيايَ بِفارِغِ الصَّبْرِ! وَما زِلْتُ أَذْكُرُ حُزْنَ خِطْبِي عَلَى فِراقِي، وَأَلَمَها في غُرْبَتيَ الطَّويلةِ … ولكِنَّ قَضَاءَ اللهِ لا سَبيلَ إِلى مُدافَعَتِهِ، ولا بدَّ منَ الإِذعان له، والرِّضَى به، وما زِلتُ أكرِّرُ عليكَ السؤَالَ: لِماذا أَزْمَعْتَ فِراقَنا أَيُّها الصَّدِيقُ العزيزُ؟
بطرس : لأَنَّ عليَّ واجباتٍ وفُروضًا تَحْتِمُ عَلَيَّ الرُّجوعَ إِلى الوَطَنِ الآنَ، وَلَا سَبيلَ إلى التهاوُنِ في أَدائِها، ومثْلُكَ مَنْ يُقَدِّرُ نِداءَ الوطنِ، وَيَرَى أَنَّ الواجبَ الْوَطَنِيَّ هو الْمُهْيمِنُ على كلِّ رجلٍ حقيقٍ بِوَصْفِ الرُّجُولَةِ!
ميكائيل : نَعَمْ! هَكَذَا يَقُولُ الْمُصْلِحُونَ!
بطرس : بلْ هكذا يقول كلُّ رجلٍ شُجاعِ القلبِ، طاهرِ الضميرِ، يزِنُ الأُمورَ بِمِيزانِ الْمَنْطقِ والعقلِ، ومَا أُراك إلا كذلكَ، ويَلوحُ لي أَنكَ غيرُ مُضْطَرٍّ إلى الرُّجوعِ لوطَنِك، فليسَ عليك — فيما أَظنُّ — واجبٌ حَتْمٌ أَداؤُهُ الآنَ.
فَوَداعًا أَيُّها الصديقُ!
ميكائيل : تَمَهَّلْ يا بطرُسُ … أَناةً يا صاحبي! … فَإِنِّي أُريدُ أَنْ أَتَحَدَّثَ إِلَيْكَ قبلَ أَن نفترقَ.
بطرس : حدِّثني بِما تشاءُ.
ميكائيل : لستُ أَكتُمُك أَنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُني بالإِقدام عَلى مُجاهَرَتِكَ بسرِّي، والإِفضاءِ إِليك بدِخْلَةِ نَفْسي.
بطرس : لا تُحَدِّثْني بِسِرِّك إذا كَانَ فِي هَذَا السرِّ ما يَشِينُك!
ميكائيل : كَلَّا، كَلَّا يا بطرُسُ، ليسَ فِي حَدِيثِي ما يَشِينُ، وَلَكِنْ فِيهِ مَا يُظهِرُك عَلَى سرِّ خَوْفي مِنَ العَوْدةِ إلى وَطنِيَ الْحَبيبِ إِلى نَفْسِي؛ لقد وُلدتُ في «موسكو» …!
بطرس : حَسنًا، لَيْسَ في هذا ما يَشينُ، ولا إثْمَ عليك أَنْ وُلِدْتَ في «موسكو» … وهبْ في ذلك إِثْمًا تتحرَّجُ منه، فَلَيْسَ هذا خَطَأَك يا صَاحِبي!
ميكائيل : كَلَّا! ليس هَذا ما أَعنيهِ يا بطرس، فأَعِرْني سَمْعَك لتتعرَّفَ جَلِيَّةَ الْخَبرِ؛ لقد حلَّتْ فِرْقةٌ من الْجُندِ بالْقربِ من كوخِ أُمِّي، وَحَانَتْ مِنْ ضَابطِ الْفِرقَةِ الْتِفاتةٌ — لِسوءِ حَظِّي — فرآني قريبًا منه، وما إنْ أَبْصَرَنِي حتى أَمَرني بِالانْتِظامِ في سِلكِ الْجُنديَّةِ، وَفْقًا لإِرادَةِ القيْصَرِ، وتَحْقيقًا لِرغْبَتِه … ولستُ أُطِيلُ عليكَ، فما أَسرعَ مَا أَرغمَني ذَلك الضَّابطُ عَلَى تلبيةِ أَمرِهِ؛ فقد وضَعَ عَلَى كَتِفِي بُندقيةً، وأَمرني بالسَّيرِ مَعَهُمْ، وَكَانَ عَددُهم ثَمانِينَ.
بطرس : وموجَزُ القولِ أَنَّه قَيَّدَ اسمَك في دَفْتَرِ الجُنْديَّةِ …
ميكائيل : أَغلبُ الظنِّ أَنَّه قَدْ فَعَلَ ذَلك … ولكنَّني لم أَفطُنْ — حِينَئِذٍ — لِحَقيقةِ الأَمرِ.
بطرس : ما أَعجبَ ما تَقولُ! لقد حدَّثْتَني أَن الضَّابِطَ قد سَجَّلَ اسْمَكَ في عِدادِ جُنُودِ القَيْصَرِ، فكيفَ أُتيحَ لك أَنْ تجِيءَ إِلَى هَذا البلدِ؟
ميكائيل : لَقد أَدْرَكْتَ الآنَ حَقيقةَ أمرِي، وَعَرَفتَ سرِّي! عَلَى أَنني أُؤَكِّدُ لك أَن قَيْصَرنَا قدِ ارْتَكَبَ خَطَأً عَظِيمًا؛ إذْ أَرْغَمَنِي عَلى أَنْ أَكونَ مِنْ جُنودِه، ولَسْتُ أَكْذِبُكَ إِذا قُلْتُ لكَ: إِنني لَسْتُ بالرَّجلِ الذي يَنْجَحُ في هذا الْمِضمارِ، وَلقدْ حاوَلتُ أَن أُوَطِّنَ نَفْسِي عَلَى هذا الْعَمَلِ؛ فلمْ أُفْلِحْ فيهِ، ورأَيتُه لا يُلائِمُنِي بِحالٍ ما، وقد كان من نتائج هذا الخطأِ أَنني اضْطُرِرْتُ إِلَى مُفارقَةِ أُمِّيَ الْمِسْكينةِ، وخِطْبِي «كَتْرِينَ» الجميلةِ، وَوَطَّنْتُ نَفْسِي عَلَى احْتمالِ الآلام الشَّديدةِ، والصَّبْرِ عَلَى الضَّرَباتِ الْمُؤْلِمةِ، وسَماعِ الكلِماتِ الْمُغْضِبةِ … حتى جاءَ شهرُ «ديسمبر» … وفي ذاتِ ليلَةٍ من لَياليهِ القَرَّةِ دُعِيتُ للْحِراسَةِ في الساعةِ الثالثةِ صَباحًا، وكانَتِ الثُّلوجُ تُغَطِّي الأَرضَ بِغِطاءٍ غَلِيظٍ؛ فاضْطُرِرْتُ إِلَى الْمَشْي، حَتَّى لا يَجْمُدَ الدَّمُ في عُروقِي … فهلْ تُصَدِّقُ أَنَّنِي وَجَدْتُني — بعدَ ساعاتٍ — قد أَصْبَحْتُ عَلَى مسافةِ خمسةِ فَراسخَ، بَعيدًا عن مُقَدِّمَةِ الْجَيْشِ؟
بطرس : أَتَعْني أَنَّك قَدْ فَررْتَ مِنَ الْجُنْدِيَّةِ؟
ميكائيل : أَيُسَمَّى ذَلك فِرارًا من الْجُنْدِيَّةِ؟ شَدَّ ما يُزْعِجُني أَن أُفكِّرَ في هذِهِ الحقيقةِ! إِنَّهَا تستَثيرُ مَخاوفي، وتُزْعِجُني إِزْعاجًا لا قِبَلَ لي باحْتِمالهِ.
بطرس : أَلا تَعْلَمُ — أَيُّها الرَّفيقُ الكَريمُ — أَنك كنْتَ تُقْتَلُ رَمْيًا بالرَّصاصِ إِذا اهْتَدَى أَحَدٌ إِلى مَقرِّكَ؟
ميكائيل : لَقد امْتَلَأَتْ نَفْسي بهذِهِ الفكْرَةِ، وَعاوَدَتْني مَرَّاتٍ عدَّةً؛ ولكنَّني تَناسَيْتُها عامِدًا، وَرَأَيْتُ مِن الْحِكمةِ وأَصالةِ الرَّأْيِ أَنْ أُواصِلَ سَيْري مُبْتَعِدًا عن مقرِّ الجَيْشِ، وَثَمَّةَ ظَلِلْتُ أُتابعُ السَّيْرَ، حتى وَصَلْتُ إلى «سردامَ» … وهأَنَذَا — كما تَرانِي — آمِنًا مُطْمَئِنًّا فِي هَذَا البَلَدِ … والآن — وقد أَفْضَيْتُ إِليك بدِخْلَتي — يُخَيَّلُ إلَيَّ أَنَّني أَسْتطيعُ الوُثْوقَ بِك، والتَّعْويلَ عليك، وَمَنْ يَدْرِي؟ فَلَعَلَّكَ أنتَ نفسَكَ واقعٌ في مِثلِ هَذَا الْمَأْزِقِ الَّذي وَقَعْتُ أَنا فيه …
بطرس : أَتَعْنِينِي؟ … أَتَظُنُّنِي هَاربًا مِنَ الجُنْدِيَّةِ؟ … يا لَلْبلَاهَةِ والسُّخْف!
ميكائيل : لا عَليكَ يا أَخِي! وما أَظنُّكَ إلا مُتجاوِزًا عن هَفْوَتي، فما قصَدْتُ إِلى إِساءَتِكَ قَطُّ … عَلَى أَنَّني أَشْعُرُ دائِمًا أَنَّ أَسْرارًا غريبَةً تكْتنِفُك يا بُطْرُسُ، ومَهْما يكُن مِن أَمْرٍ، فإنَّكَ مُحْتَفِظٌ بِسِرِّي — بلا شَكٍّ — حِينَ نَعودُ إِلى بلدِك، فأَنْتَ أَعْرَفُ بخَطَرِ ما أَفْضَيْتُ به إِليك، ولَوْ عَلِمَ أَحدٌ من أَتْباعِ المَلِكِ أَوْ نُوَّابِهِ شيْئًا مِنْ أَمْرِي، لَما تَرَدَّدَ في إِهْلاكِي، والقَضاءِ عَليَّ.
بطرس : لَنْ يَعْرِفَ القَيْصَرُ — مِن قِصَّتكَ — أَكْثَرَ مِمَّا يَعْرِفُهُ الآنَ، وما أَظُنكَ قادِرًا على كِتْمان سِرِّكَ طويلًا؛ فإِنَّ لهُ — فيما أَعْلَمُ — أُسْلوبًا عَجِيبًا في تَعَرُّفِ الأَسرارِ الْخَفِيَّةِ مَهْما تُحْجَبْ عنهُ … وما أَظُنُّ شيْئًا — مَهْما يَدِقَّ — يَخْفَى عليْهِ … يا لهُ مِن رَجُلٍ شَديدٍ، قاسي القلْبِ! ولَيْسَ أَدَلَّ عَلَى ذَلك مِن هَذا القانونِ الْجائرِ الذي أَصْدَرَهُ فَحَتَمَ عَلى كلِّ هارِب من الْجُنْدِيَّةِ — مِن أَمْثالِك — أَنْ يُقْتَل رَمْيًا بالرَّصاصِ، من غيْرِ أَن يَجْنِيَ ذنْبًا أَوْ يَقْتَرِفَ إِثْمًا، فَليْسَ عليْك مِنْ حَرَجٍ — فيما أَرَى — إِذا كُنْتَ بِطبيعَتِكَ لا تَصْلُحُ للْجُنْدِيَّةِ، ولا تُؤَهِّلُكَ مَزاياكَ للانْدِماجِ في سِلْكِها …
ميكائيل : حَذارِ أَن تَذُمَّ القَيْصَرَ أَمامِي … فإِنَّ لَه فِي قَلْبي مكانةَ الإِكْبارِ والإِجلالِ، وَليسَ أَحَبَّ إلى قلبِي من الفتكِ بكلِّ مَن تُحَدِّثُهُ نفسُهُ باغْتِيابِهِ أَو نَقْدِه، وَلَئِنْ عَجَزْتُ عنْ خِدمتِه جُنديًّا مُحاربًا، لقدْ تَمَنَّيْتُ لو أُتيحَ لِيَ السبيلُ إِلى خدمتهِ صانعًا أَو عاملًا … وإِنِّي لأَنصُرُهُ وأُخْلِصُ لَه مِنْ كُلِّ قلْبِي، ولا أَدَّخِرُ في نُصْرتِهِ أَيَّ جَهدٍ من جُهودي … إنَّ قُوايَ ورُوحِي وَمَوَاهِبِي كلَّها طَوْعُ أَمْرِهِ، وَرهْنُ إِشارتهِ؛ فهو قِبْلَةُ الوطنِ وحاميهِ، ورافعُ لوائِهِ ورَمْزُ أَمانيهِ … لا تغضَبْ أَيُّها الرفيقُ القديمُ! فلستُ قادرًا عَلى كِتمانِ هذا الشعورِ النَّبيلِ، ولقد جاهَرْتُكَ بدِخْلَتي، وأَفضيتُ إليكَ — من دونِ الناسِ جميعًا — بسرِّيِ الدفينِ الذي لَمْ أُطْلعْ عَليه كائنًا كانَ.
بطرس : أَخْلِدْ إليَّ بكلِّ ثِقَتِكَ؛ فلنْ أَخونكَ قَطُّ … وَمَنْ يدري؟ — أَيُّها الصديقُ الكريمُ — فلعلَّ المُستقبَلَ يُحَقِّقُ لكَ صِدْقَ ما أَقولُ، وربما استَطْعتُ — إذا أُتيحتْ لي فرصةٌ في قابلِ أَيامي — أَن أُثْبتَ لك صدقَ وَلائي وإِخلاصي …!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤