الفصل الثاني

(منظر كوخ في مدينة «موسكو» فيه «ميكائيل» وأمه.)

أم ميكائيل : ماذا يا ميكائيلُ؟ أَليسَ لكَ مَنْدُوحةٌ عن مغادرتِنا — مرةً أُخرى — بهذه السُّرعةِ؟
ميكائيل : لا سبيلَ إلى البقاءِ بِجِوارِكِ يا أُمي … لقد لبثتُ زمنًا طويلًا في هذا البلدِ عَلَى ما يكتنِفُني من أَهوالٍ ومَخاطِرَ … وإِني لأَشعُرُ أَنَّ حياتي مُهدَّدَةٌ في كلِّ لحظةٍ … ولا تنسَيْ أَنَّني — عَلَى فَرْضِ نَجاتي من الخَطرِ الْمُحْدِقِ بي هُنَا — سأَخسَرُ عملِيَ الذي أَقتاتُ منهُ في «سردامَ» إذا لم أُسرِعْ بالْعَوْدَةِ من فَورِي … ومتى طُرِدْتُ من العمل، فَقَدتُ آمالي كلَّها في الْمُستقبلِ، وَما أَظُنُّكِ تَجْهلينَ أَنَّني قد فرَرتُ من الجُندِيَّةِ التي لا أَصْلُحُ لَها — بعدَ أَن اضْطُرِرْتُ إِلى الِاندماجِ في سِلْكها اضْطِرارًا — والآنَ وقدِ احترفتُ النِّجارةَ، ووُفِّقتُ إلى هذا العمل الْحُرِّ، وشَعَرْتُ بنعمةِ الاستقلالِ، لا أَرَى أَنَّ سعادتي تَتِمُّ إِلَّا إذا رافقْتِني — أَنتِ — و«كَتْرِين» إلى مَحَلِّ عَمَلِي فِي «سردام» حيثُ تُدَبِّرانِ لي مُرتَّبي، ونعيشُ عيشةً رَغَدًا هنيئةً.
figure
أم ميكائيل تحدثه، وهما في البيت، وقد ظهر على وجهها الألم لفراقه.
أم ميكائيل : ليتَ هذا الأَملَ يتحقَّقُ، ولكِن كَيفَ السبيلُ إِلى ذلكَ؟ إِنهُ حُلْمٌ لا سبيلَ إلى تَحْقيقهِ، فقد بَلَغَ بِيَ الكِبَرُ كُلَّ مَبلغٍ، وأَقعَدَتْنِي الشَّيْخُوخَةُ عن السَّيرِ والْحَرَكةِ، وَليْسَ فِي قُدرَتِي أَنْ أُغادِرَ وَطَنِي بعدَ أَن بلغتُ هذِهِ السِّنَّ؛ أَمَّا مُرَتَّبُكَ، فما أَظنُّ أَنَّه يَفِي بنفقاتِ مَخْطُوبَتِكِ «كَتْرينَ» في بلادِ الغُربةِ.
ميكائيل : ذلِكِ حقٌّ لا ريبَ فيهِ — يا أُمي — وهذا هو ما يَضْطَرُّني إلى الإِسراعِ بالْعَودَةِ — من فَوْري — حتى لا أَفقِدَ وَظيفَتِي هناك، وَمهما يكنْ من أَمرٍ، فإِنِّي أَشعُرُ أَنَّ الْخَطَرَ يَكْتنِفُني في هذا البلدِ، وَأَنني أُعَرِّضُ حَياتِي لِلْمَوْت، إِذا بَقِيتُ هُنا بَعدَ الْيَوْمِ.

(يسمعان قرعًا بالباب.)

ميكائيل : آه! شَدَّ ما تَذْعَرُنِي كلُّ حَرَكةٍ، وَتُخِيفُني كلُّ دَقَّةٍ عَلَى الْبابِ … أَناةً يَا أُمِّي! وَتَرَيَّثي في فتحِ الْبابِ حتى أَخْتبئَ …

(يدخل «بطرس» الأكبر مسرعًا.)

بطرس : اُخرُجْ مِن مَكْمَنِكَ أَيُّها الرفيقُ القديمُ.
لا تُخْفِ نَفسَكَ عنِّي، فقدْ رأَيتُكَ من خِلال النَّافذَةِ! اُخرُج أَيُّها الصَّدِيقُ، فما أَجدَرَكَ أَلَّا تَخْشَانِي!
ميكائيل : مَرْحبًا بكَ يا بُطْرُسُ … ماذا أَرَى؟ أَتُراني مُتَثَبِّتًا مِمَّا أَرَى؟ … أَلستُ حالمًا؟ شَدَّ ما يَبْهَجُني، وَيَمْلأُ نفسِي غِبطةً وسُرُورًا أَنْ أَراكَ ثانيةً يا بُطْرُسُ … ولكنْ خبِّرني: كيفَ جِئتَ إلى «موسكو»، ذلكَ البلدِ القارِّيِّ وَليسَ فيهِ مصانعُ لبناءِ السفنِ؟ وأَيُّ عملٍ تزاوِلُهُ في هذا البلدِ؟
بطرس : صَدَقتَ، وَلكنْ أَلا تعلمُ أَنَ المَصانعَ قد أُنشِئَتْ في مدينةِ «بطرس»؟ لقدِ اعتزمَ القيصَرُ أَن يُنْشِئَ مدينةَ «بُطْرُسْبرجَ» هذهِ، وَهوَ جادٌّ في إِنْشائِها وتَعميرِها، أَلا تعلمُ ذلكَ؟
ميكائيل : يقولون إِنَّ القَيصَرَ في «مُوسكو» الآنَ!
بطرس : نعمْ، وَقَدْ مَرَّ — فِي هَذَا الصَّبَاحِ — مِنْ هَذا الشَّارعِ الذِي تَقْطُنُهُ.
ميكائيل : هَكذَاَ سَمِعتُ، وَلكِنِّي لم أَرَهُ … عَلى أَنَّ عَجَبِي لا يزالُ شَديدًا مِنَ اهْتِدائِكَ إِلَى مَسْكَني، فكَيفَ عَرَفْتَهُ يَا صَاحِ؟
بطرس : الأَمرُ غايةٌ في اليُسْرِ، فَقَدْ حَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ إلى اسْمِ أُمِّكَ الْمكتوبِ عَلَى البَابِ، فَقَرأْتُهُ عَرَضًا، ثمَّ خَطرَ بِبَالِي بَعدَ أن عُدتُ إِلَى القصْرِ …
ميكائيل : القَصْرُ! … أَيَّ قَصْرٍ تَعْني؟
بطرس : نَعَمْ! نَعَمْ! فإِنني أُسمِّي المكانَ الذي أَحُلُّ فيهِ قَصْرًا، وهي عادَةٌ أَلِفْتُها، واعْتَدْتُها دَائِمًا!
ميكائيل : ما أَغْرَبَ أَطْوارَك! وأَعْجَبَ عاداتِكَ يا بُطْرُسُ!
بطرس : لِنَعُدْ إِلى حَديثِنا الأَوَّل … قُلْتُ لكَ: إِنني — بَعد أَن عُدْتُ إِلى القَصْرِ — خَطَرَ ببالي أَن السَّيِّدةَ «ستنمتز» قَد تَكونُ أُمَّ رَفيقِي القديمِ «ميكائيل ستنمتز» أَو عَمَّتَهُ، أَوْ إِحْدَى قَرِيباتِه … ولمْ تكَدْ تَقَرُّ في نَفْسِي هذِهِ الفكْرَةُ، حتى خَرَجْتُ مُسْتُخْفِيًا فِي هَذَا الزِّيِّ.
figure
بطرس الأكبر بملابسه الفخمة، وهو في بيت ميكائيل يحدثه، وإلى جانبهما أم ميكائيل، مصغية إلى حوارهما.
ميكائيل : ها! ها! ها! تَسْتَخْفِي فِي زِيَّ الوُجَهاءِ والسَّادَةِ! خَبِّرْني: كَيْفَ ظَفِرْتَ بِهذِهِ الْحُلَلِ الْبَدِيعَةِ؟
بطرس (محتدًّا) : لا تُقاطِعْني يا أَخي!
ميكائيل : ما أَغْرَبَ هذِهِ اللَّهْجَةَ الحادَّةَ الَّتي تُخاطِبُ بها رَفيقَكَ الْقَديمَ! وَلَكِنْ لا إِثْمَ عَليْكَ وَلا تَثْرِيبَ، فإِنَّني عَلَى ثِقةٍ مِن حُسْنِ نِيَّتِكَ يا بُطْرُسُ، وَإنِّي لَأَشْكُرُ لَكَ — عَلَى كلِّ حالٍ — عِنايَتَكَ بِي، وَحِرْصَكَ عَلَى تَعَرُّفِ أَخْبارِي.
بطرس : آه يا ميكائيل! ما كانَ أَسْعَدَنا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ الْبَهيجَة التي قَضَيْناهَا فِي «سردامَ»، إذْ كنَّا نَشُقُّ الخَشَبَ مَعًا، لِنَبْنِيَ بِها السُّفُنَ في أَيَّامِ الصَّيْفِ الطَّوِيلَةِ، حَيْثُ نَقْضِي أَجْمَلَ السَّاعاتِ فِي سَاحةِ بِناءِ السُّفنِ الْفِسيحَةِ.
ميكائيل : ما أَيْسَرَ تحْقيقَ هذا الأَمَلِ — يا بُطرُسُ — إِذا رَضِيتَ أَن تَعودَ معِيَ إِلَى «سردام».
ماذا عَلَيكَ إِذا رافَقْتَني إِلَى هُناكَ؟
بطرس : كيف جَرُؤْتَ عَلَى الرُّجوعِ إِلى وَطَنِك يا ميكائيل؟
ميكائيل : لَمْ أُطِقْ صَبْرًا عَلَى بِعادِ أُمِّيَ الْعجُوزِ الوْاجِدَةِ إلى لُقْيايَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ مَخْطُوبَتِي «كَتْريِنَ» تنتَظرُ عَوْدتي بِفارغِ الصَّبْرِ … آه! ليتني لَمْ أَكُنْ فَقيرًا مُعْدِمًا … ولَكِنْ صَبْرًا، فإِنَّ الْحَظَّ — فِيما آمُلُ — مُبْتَسِمٌ لي، فِي نِهايَةِ العامِ الْقابِلِ … آه! ليتها تتَحَقَّقُ الآمالُ، ويَجْتَمِعُ شَمْلُنا في «سرْدامَ».
بطرس : إنَّ فِي قُدْرَتي أَنْ أَحْصُلَ الآنَ عَلَى مَبْلغٍ كبيرٍ من المَالِ إِذَا أَفْضَيْتُ إِلَى الحُكومَةِ بالسِّرِّ، وَأَرْشَدْتُها إلى صَدِيقِي الهارِبِ مِنَ الجُنْدِيَّةِ!
ميكائيل : بِرَبِّكَ لا تُزْعِجْنِي بِمِثْل هذا المُزاحِ المُفَزِّعِ، إنِّنِي لَعَلَى يَقينٍ مِنْ حُسْنِ نِيَّتِكَ، فَلَسْتَ تَقْصِدُ إِلى شَيءٍ — فِيما أَعْلَمُ — غِيرِ الدُّعابَةِ؛ ولكِنَّ ذَلكَ — عَلى كُلِّ حالٍ — يُزْعجُ أُمِّي وَيُخِيفُها … فَلْنَدَعِ الْمُزاحَ جَانِبًا، وَلْنأْخُذْ فِي حَدِيثِنا الأَولِ … لَقَدْ سَعِدْتُ بلُقياكَ أَيُّها الأَخُ العزيزُ، وَلكِنَّنِي مُضْطَرٌّ — عَلَى كُلِّ حالٍ — إلى مُغادَرَةِ «موسكو»، فَهَلْ منْ رِسالَةٍ تُريدُ أَنْ تُحَمِّلَنِيها إِلى أَحَدِ رِفاقِكَ القُدَماءِ؟

(يسمع الباب وهو يُقرع بشدة، فيوصوص ميكائيل من خلال النافذة.)

ميكائيل : آه! واه! يا لَلْهولِ! جُنودٌ يُحِيطُوَن بالبَيْتِ، وَضابطٌ يَتقدَّمُهُمْ! أَيُّ مَعنًى لِهَذا؟ وأَيُّ كارثَةٍ حلَّتْ بِنا يا بطرُس؟ ما أَجْدَرَنِي بالاخْتِباءِ! فَلا تَرْتَعْ لِذلكَ يا بُطْرُس، فإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَقَعَ أَبْصارُهُمْ عليَّ.
بطرس : اِلْبَثْ مَكانكَ يا صاحِ، ولا يَقْلَقَنَّ بالُكَ، فإِنِّي أُثْبتُ لكَ أَنَّهُمْ قادِمُونَ إليَّ وَحْدِي، ولن يَعْنِيَهُمْ مِنْ أَمْرِكَ شَيْءٌ، قَرَّ عَيْنًا — يا ميكائيل — فإِنَّهُمْ رِفاقِي، ولَنْ يَمَسَّكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بسُوءٍ.
ميكائيل : لكَ ما تُريدُ يا أَخِي … ولكنْ أَلا تَعلمُ أَنَّ أَحَدَ هؤُلاءِ الرِّفاقِ شَديدُ الشَّبهِ بِذلكَ الضَّابِط القديمِ، الَّذِي فَرَرْتُ مِنْ فِرْقَتِهِ؟

(يدخل الضابط.)

الضابط : لَقَدْ جِئْتُ بِرِسالةٍ خَطِيرةٍ مِنْ «بطرسبرج»؟ وَهِيَ جَديرةٌ بِعنايَةِ جَلالَتِكم.
ميكائيل : جَلالتُكُمْ! تُرَى ماذا يَعْنِيهِ، يا بُطْرُس، بهذِهِ الكلِمةِ الغَرِيبَةِ؟
الضابط : رُكُوعًا يَا هَذا، رُكُوعًا أَيُّها الرَّجُلُ … أَلا تَعلمُ حَقيقةَ مَنْ تُخاطِبُ؟ … ركوعًا على قَدَمَيْكَ إِجْلالًا لبطُرسَ الأَكْبرِ: قَيْصَرِ رُوسْيا العَظِيم.
أم ميكائيل (تخر راكعة على قدميها) : يَا صَاحبَ الْجَلالةِ!! اغْفِرْ لِوَلَدي، واصْفَحْ عَنْ وَحِيدِي، فإِنَّه لا يَعْرِفُ ما يَقُولُ!
ميكائيل : هذا سُخْفٌ وهُراءٌ، إِنَّها إِحْدَى أَضاحِيكِ بطرس يا أُمَّاه، ها! ها! ها! سَجِّل هذه الْفُكاهَةَ يا بطرُس؛ فَإنَّها غَايةٌ فِي الظَّرْفِ!
الضابط : تَنَبَّهْ أَيُّها الشِّرِّيرُ الْجَريءُ … دَعْني أَتَبَيَّنْ مَلامِحَكَ بِدِقَّةٍ، فَإِنَّي قَدْ رأَيْتُكَ — فِيما أَظُنُّ — قَبلَ هذِهِ المَرَّة، الآنَ عَرَفْتُك أَيُّها الهْارِبُ مِنَ الْجُنْدِيَّةِ، هَلُمُّوا فاقْبضُوا عَلَيْهِ أَيُّها الْجُنْدُ!
ميكائيل (تعلوه أمارات اليأس) : رَبَّاهُ! أَيُّ مُفاجأَةٍ هذِهِ! لَقَدْ قُضِيَ الأَمرُ فِيَّ، وتمَّ هَلاكِي، فارْحَمْني يا إِلهي! آه … بُطْرُس! النَّجْدةَ يَا بُطرُس! أَلا تُنْقِذُ رَفيقَكَ القديمَ؟ ما بالُكَ مَشغولًا بِالْقِراءَةِ عَن صَدِيقِك التاعِسِ المِسْكينِ!
أم ميكائيل (تلوح بيديها حزنًا) : آه! رُحْماكَ أَيُّها الضَّابِطُ الكريمُ! أَبْقِ لي حياةَ ولديَ المِسْكينِ!
الضابط : كلَّا، كلَّا، لا سَبيلَ إلى تَرْكِهِ، ولا بُدَّ من مُحاكَمَتِهِ أَمامَ المحكمةِ العَسْكريَّةِ، لتأْمُرَ بقتْلِهِ رَمْيًا بالرصاصِ!
بطرس (يحول عينه عن قراءة الرسالة، ويلتفت إلى الحاضرين فجأة) : أَطْلِقْ سَراحهَ أَيها الضَّابِطُ؛ فإِنِّي في حاجَةٍ إلى سَجِينِكَ هذا!
figure
بطرس الأكبر يقرأ كتابًا أعطاه إياه ضابط من حرسه قدم عليه به، وميكائيل يلوح بيده ليستعطف القيصر، والقيصر مشغول عن ضراعته بقراءة هذا الكتاب، وأم ميكائيل مرتمية على قدمي القيصر، تستعطفه ليرحم ولدها.
الضابط : إِنَّ إِرادَةَ جَلالَتِكُمْ مُطاعةٌ مُقدَّسةٌ، لا مَردَّ لَها!
ميكائيل (ينتحي جانبًا) : إِنَّهُ يقولُ لهُ: «جلالتكُمْ» مَرَّةً أُخْرَى، فأَيُّ معنًى لهذِهِ الأَحاجيِ والأَلغاز؟ آه! لَقَدْ بَدَأَتِ الحَقِيقةُ تَتجَلَّى أَمامَ عَيْنَيَّ … فقَدْ سَمِعتُ شائِعَةً مُسْتفيضةً في «هُولَنْدَا» — حينَ غادَرْتُها — تُثْبِتُ لَنَا أَنَّ قَيْصَرَ الرُّوسْيا كانَ يَشْتَغِلُ عَامِلًا مَعَنا لِيَتعَلَّمَ فَنَّ بناءِ السُّفُنِ! فَهلْ صَدَقَتْ هذِهِ الشَّائِعةُ؟ لَئِنْ صَحَّتْ ظُنُونِي لَيَكُونَنَّ رَفِيِقيَ القَديمُ هَوَ الإِمْبراطُورَ العَظِيمَ!
بطرس : الآنَ اهْتَدَيْتَ إِلى سِرِّي، وعَرَفْتَ حَقِيقَةَ أَمْرِي يا ميكائيلُ.
ميكائيل : إِذْنَ، أَعْتقِدُ أَنَّكَ اﻟ … (يرتمي ميكائيل على أقدام القيصر).
بطرس : لا عَلَيْكَ يا صَدِيقيَ الْحَمِيمَ! انْهضْ، وَلا تَخْشَ شيئًا … انْهَضي أَيَّتُها الأُمُّ العَجُوزُ، فَقَدْ أَصْبَحَ ولدُكِ البارون «ميكائيل» آمنًا ناجِيًا مِنْ كلِّ سُوءٍ!
ميكائيل (مدهوشًا ذاهلًا) : البارون «ميكائيل»!
بطرس : نَعمْ، فَإنِّي فِي حاجَةٍ إلَيكَ، وقَدْ أَمَرْتُ بتعْيِينكَ رَئيسًا لِمَصْنَعِ «بطرسبرج» الَّذِي أَنْشَأْتُه لِبناءِ السُّفُن، وإِني أَحْتِمُ عَليْكَ أَنْ تَتَأَهَّبَ للسَّفرِ — مِنْ فَوْرِكَ — إِلى هذِهِ الْمَدِينةِ الْجَديدَةِ، فَلْتَذْهَبْ غَدًا مَعَ أُمِّكَ العَجُوزِ وَخِطْبِكَ البارونة «كترين» … صَهْ! … لَسْتُ أُريدُ مِنْكَ شُكْرًا يَا صَديقِي … إِنَّ أَعْمالًا خطِيرةً تَسْتَدعِيني لإِنْجازِها عَلَى عَجَلٍ، ولَوْلاها لَحَضَرْتُ عُرْسَكَ بِنَفْسِي … هاكَ صُرَّةً من الْمالِ، وسَأَبْعَثُ إِلَيْكَ بِمَرْسُومِ التَّعْيين في وَظيفَتِك الجَدِيدَةِ في صَباحِ الغَدِ …
وَداعًا أيُّها الصَّدِيقُ …!
ميكائيل : آه … بُطْرُسُ! بُطْرُسُ! عَفْوًا! عَفْوًا! أُريدُ أَنْ أَقولَ: «جَلالتُكُمْ! جَلالتُكُمْ!» آه! ما أَشَدَّ حَيْرَتِي وذُهولِي! فما أَعْرِفُ كيف أَقولُ؟ وَلَا بِأَيِّ وَسِيلَةٍ أُعَبِّر عَن شُكْرِي لَهُ، وإِخْلاصي لِجَلالَتهِ؟ … آه! اغْفِرْ لِي جَهْلِي وغَبائي، وتَجاوَزْ عَنْ بَلاهَتي وعِيِّي، وتَفَضَّلْ بِقَبُولِ شُكْرِي لكَ يا صَاحِبَ الجَلالةِ! سامِحْني يا صَديقي بُطْرُس … آه! ما أُرَانِي إلَّا حالمًا بِلا شَكٍّ!
بطرس : ها! ها! إلى اللِّقاءِ القريبِ يا رَفِيقيَ القَدِيمَ … سَأَلْقاكَ بَعْدَ أَيامٍ معدُودَةٍ …
بَلِّغْ «كَتْرينَ» تَحِيَّاتِيَ الْخالصةَ!

(يخرج بطرس.)

ميكائيل (مخاطبًا الضابط في سخرية وابتهاج) : خَبِّرْنِي — بِرَبِّكَ أَيُّها الضَّابِطُ العَزيزُ: مَتَى تَجْتمِعُ الْمَحْكَمةُ العَسْكَرِيَّةُ لِمُحاكمَتي؟
الضابط : اغْفِرْ لي خَطَئِي، وَتَجاوَزْ عَنْ إِساءَتِي يا سَيِّدي البارونَ الجليل، ولا تَنْسَ أَنْ تَقُولَ عَنِّي كَلِمَةً طَيَّبَةً في حَضْرَةِ القَيْصَرِ، إذا أُتيحَتْ لكَ فُرْصَةٌ سانِحَةٌ!
ميكائيل : أَيْنَ أَنْتِ يا كَتْرِين! أَيُّ حُلْمٍ لذِيذٍ سَأَقُصُّهُ عَلَيْكِ! لَقَدْ تَمَّتْ سَعادَتِي، وتَحَقَّقَتْ أَحلامِي! وافَرْحَتاهُ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤