الفصل العاشر

ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَهوتي

كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَدْ قَرَّرَ زِيَارَةَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. جُزْءٌ مِنَ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ كَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ يَفْعَلُهُ، وَالْجُزْءُ الْآخَرُ كَانَ أَنَّ الشِّتَاءَ كَانَ قَدْ شَارَفَ عَلَى الِانْتِهَاءِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الْغَابَةِ، وَيَرَى مَا إِذَا كَانَ ثَمَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى اقْتِرَابِ قُدُومِ الرَّبِيعِ. رَآهُ الْغُرَابُ بلاكي قَادِمًا، وَضَحِكَ فِي نَفْسِهِ؛ فَقَدْ كَانَ يَتَرَقَّبُ حُدُوثَ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ طَوَالَ أُسْبُوعٍ. وَصَارَ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يُخْبِرَ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون بِشَأْنِ عُشِّ هوتي.

طَارَ بلاكي إِلَى الرُّكْنِ الْمَهْجُورِ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ؛ حَيْثُ بَنَى السَّيِّدُ وَالسَّيِّدَةُ هوتي عُشَّهُمَا، وَبَدَأَ يَنْعِقُ فَوْرًا بِأَعْلَى صَوْتِهِ مُتَظَاهِرًا بِأَنَّهُ مُتَحَمِّسٌ لِلْغَايَةِ لِاكْتِشَافِهِ شَيْئًا مَا.

صَاحَ بلاكي: «كَاوْ! كَاوْ! كَاوْ! كَاوْ!» وَفِي التَّوِّ أَسْرَعَ إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ. فَقَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ كَانَ يُزْعِجُ هوتي وَأَرَادُوا مُشَارَكَتَهُ اللَّهْوَ. وَسُرْعَانَ مَا ثَارَتْ ضَجَّةٌ كَبِيرَةٌ فِي ذَلِكَ الرُّكْنِ الْمَهْجُورِ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ.

بِالطَّبْعِ سَمِعَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون هَذِهِ الضَّجَّةَ، فَتَوَقَّفَ وَأَنْصَتَ، وَقَالَ: «يَا تُرَى مَاذَا وَجَدَ بلاكي وَأَصْدِقَاؤُهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ؟ عِنْدَمَا يُصْدِرُونَ ضَجِيجًا مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، عَادَةً مَا يَكُونُ ثَمَّةَ أَمْرٌ يَسْتَحِقُّ الْمُشَاهَدَةَ. أَعْتَقِدُ أَنَّنِي سَأَذْهَبُ وَأُلْقِي نَظْرَةً.»

فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الرُّكْنِ الْمَهْجُورِ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَإِذْ رَاحَ يَدْنُو، تَحَرَّكَ بِحَذَرٍ شَدِيدٍ لِكَيْ يَرَى أَكْثَرَ مَا يَسْتَطِيعُ رُؤْيَتَهُ دُونَ إِخَافَةِ الْغِرْبَانِ؛ فَقَدْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَرَوْهُ سَوْفَ يَطِيرُونَ بَعِيدًا، وَذَلِكَ رُبَّمَا يُنَبِّهُ الطَّائِرَ الَّذِي يُزْعِجُونَهُ، فَهُوَ يَعْلَمُ جَيِّدًا طَبْعَ الْغِرْبَانِ، حَتَّى إِنَّهُ صَارَ يَعْرِفُ أَنَّهُمْ حِينَمَا يُحْدِثُونَ مِثْلَ ذَلِكَ الضَّجِيجِ، فَإِنَّهُمْ يُزْعِجُونَ أَحَدَهُمْ.

كَانَ بلاكي أَوَّلَ مَنْ رَآهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرْتَقِبُ قُدُومَهُ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْبِسْ بِبِنْتِ شَفَةٍ حَتَّى دَنَا ابْنُ الْمُزَارِعِ براون كَثِيرًا إِلَى أَنْ لَمْ يَعُدْ ثَمَّةَ مَفَرٌّ مِنْ أَنْ يَرَى ذَلِكَ الْعُشَّ وَهوتي نَفْسَهُ، الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ مُنْتَصِبًا وَيُطَقْطِقُ بِمِنْقَارِهِ غَضَبًا مِنْ مُزْعِجِيهِ. بَعْدَ ذَلِكَ أَطْلَقَ بلاكي الْإِنْذَارَ، وَعَلَى الْفَوْرِ طَارَتْ كُلُّ الْغِرْبَانِ لِأَعْلَى وَتَوَجَّهَتْ نَحْوَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، مُطْلِقَةً عَقِيرَتَهَا بِالنَّعِيقِ. ذَهَبَ بلاكي مَعَهُمْ لِمَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ، وَفِي أَوَّلِ فُرْصَةٍ لَاحَتْ لَهُ انْفَصَلَ عَنِ السِّرْبِ وَطَارَ عَائِدًا فِي هُدُوءٍ إِلَى مَكَانٍ يَسْتَطِيعُ مِنْهُ أَنْ يَرَى كَلَّ مَا قَدْ يَحْدُثُ عِنْدَ عُشِّ هوتي.

عِنْدَمَا وَقَعَتْ عَيْنَا ابْنِ الْمُزَارِعِ براون عَلَى الْعُشِّ وَرَأَى الْغِرْبَانَ تَنْقَضُّ عَلَيْهِ وَقَدْ بَدَتْ عَلَيْهَا الْإِثَارَةُ، شَعَرَ بِالْحَيْرَةِ.

فَكَّرَ قَائِلًا: «هَذَا عُشٌّ قَدِيمٌ لِلصَّقْرِ أحمر الذيل. لَقَدْ وَجَدْتُهُ فِي الرَّبِيعِ الْمَاضِي، فَمَا الَّذِي قَدْ يُثِيرُ الْغِرْبَانَ فِيهِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ؟»

ثُمَّ رَأَى ذَكَرَ الْبُومَةِ هوتي، فَهَتَفَ قَائِلًا: «آهْ! هَكَذَا إِذَنْ. لَقَدْ عَثَرَ هَؤُلَاءِ الْأَوْغَادُ عَلَى هوتي وَمَا انْفَكُّوا يُضَايِقُونَهُ. تُرَى مَا الَّذِي يَفْعَلُهُ هُنَاكَ؟»

لَمْ يَعُدْ يُحَاوِلُ الِاخْتِبَاءَ، وَإِنَّمَا سَارَ إِلَى أَسْفَلِ الشَّجَرَةِ مُبَاشَرَةً، نَاظِرًا لِأَعْلَى طَوَالَ الْوَقْتِ. فَرَآهُ هوتي وَلَكِنَّهُ عِوَضًا عَنْ أَنْ يُحَلِّقَ بَعِيدًا، رَاحَ يُطَقْطِقُ بِمِنْقَارِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مَعَ الْغِرْبَانِ وَيُصْدِرُ فَحِيحًا.

فَكَّرَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَائِلًا: «هَذَا غَرِيبٌ. لَوْ أَنَّنِي لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْعُشَّ هُوَ الْعُشُّ الْقَدِيمُ لِلصَّقْرِ أحمر الذيل، وَلَوْ لَمْ نَكُنْ مَا زِلْنَا فِي نِهَايَةِ الشِّتَاءِ، لَكُنْتُ ظَنَنْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ عُشُّ هوتي.»

دَارَ الصَّبِيُّ حَوْلَ الشَّجَرَةِ وَهُوَ يَنْظُرُ لِأَعْلَى. وَفَجْأَةً انْتَفَضَ دَهْشَةً. هَلْ هَذَا ذَيْلٌ يَبْرُزُ مِنْ حَافَةِ الْعُشِّ؟ فَأَمْسَكَ بِعَصًا وَأَلْقَاهَا لِأَعْلَى، فَضَرَبَتْ قَاعِدَةَ الْعُشِّ، وَطَارَ مِنْهُ طَائِرٌ ضَخْمٌ. كَانَ هَذَا الطَّائِرُ هُوَ السَّيِّدَةَ هوتي! فَضَحِكَ الْغُرَابُ بلاكي فِي سِرِّهِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤