الفصل الثالث عشر

بلاكي يُغَيِّرُ رَأْيَهُ

لَمْ يَكُنْ قَلْبُ الْغُرَابِ بلاكي أَسْوَدَ بِالْكَامِلِ. نَعَمْ، بِالْفِعْلِ، إِنَّ رِيشَهُ أَسْوَدُ وَأَحْيَانًا يَبْدُو كَأَنَّ قَلْبَهُ أَسْوَدُ تَمَامًا، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. بَدَا قَلْبُهُ أَسْوَدَ تَمَامًا بِالتَّأْكِيدِ عِنْدَمَا حَاوَلَ جَاهِدًا إِيقَاعَ السَّيِّدِ هوتي فِي الْمَتَاعِبِ. رُبَّمَا يَبْدُو أَنَّ الْقَلْبَ الْأَسْوَدَ هُوَ وَحْدَهُ مَا قَدْ يَدْفَعُهُ إِلَى مُحَاوَلَةِ سَرِقَةِ بَيْضَتَيِ السَّيِّدِ وَالسَّيِّدَةِ هوتي جَاهِدًا، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ. إِنَّ مُحَاوَلَةَ الْحُصُولِ عَلَى هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ لَمْ تَبْدُ خَاطِئَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ فَبلاكي كَانَ جَائِعًا، وَكَانَتْ هَاتَانِ الْبَيْضَتَانِ تُمَثِّلَانِ وَجْبَةً شَهِيَّةً لَهُ. وَهُوَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ هوتي لَنْ يَتَرَدَّدَ فِي الْإِمْسَاكِ بِهِ وَأَكْلِهِ لَوْ أُتِيحَتْ لَهُ الْفُرْصَةُ؛ وَلِذَا بَدَتْ لَهُ سَرِقَةُ الْبَيْضَتَيْنِ أَمْرًا صَائِبًا وَمُنْصِفًا تَمَامًا إِنْ كَانَ ذَكِيًّا بِمَا يَكْفِي لِفِعْلِهِ. وَكَانَ مُعْظَمُ سُكَّانِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارِ سَيُشَارِكُونَهُ الشُّعُورَ. فَأَحَدُ قَوَانِينِ الطَّبِيعَةِ الْأُمِّ الْعَجُوزِ يَتَمَثَّلُ فِي ضَرُورَةِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمَرْءُ أَنْ يَرْعَى مَصَالِحَهُ.

وَلَكِنْ عِنْدَمَا دَلَّ بلاكي ابْنَ الْمُزَارِعِ براون عَلَى مَكَانِ عُشِّ هوتي آمِلًا فِي أَنْ يَسْرِقَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ، كَانَ قَلْبُهُ يَشُوبُهُ السَّوَادُ. حِينَهَا كَانَ تَصَرُّفُهُ دَنِيئًا بِكُلِّ مَا فِي الْكَلِمَةِ مِنْ مَعَانٍ. فَكُلُّ مَا كَانَ يُحَاوِلُهُ هُوَ أَنْ يُوقِعَ هوتي فِي الْمَتَاعِبِ لِكَيْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ هوتي كَانَ أَذْكَى مِنْهُ. وَقَدْ جَلَسَ أَعْلَى شَجَرَةِ صَنَوْبَرٍ يُشَاهِدُ كُلَّ مَا يَدُورُ، وَرَاحَ يَضْحَكُ بِمَكْرٍ عِنْدَمَا تَسَلَّقَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون الشَّجَرَةَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى عُشِّ هوتي وَأَخَذَ مِنْهُ الْبَيْضَةَ. كَانَ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّهُ سَيَأْخُذُ الْبَيْضَتَيْنِ. أَوْ أَنَّهُ كَانَ يَتَمَنَّى ذَلِكَ عَلَى أَيِّ حَالٍ.

وَعِنْدَمَا رَأَى ابْنَ الْمُزَارِعِ براون يُعِيدُ الْبَيْضَتَيْنِ وَيَنْزِلُ عَنِ الشَّجَرَةِ دُونَ أَنْ يَأْخُذَ أَيًّا مِنْهُمَا، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَطْرِفَ بِعَيْنَيْهِ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ صِحَّةِ مَا يَرَاهُ. فَهُوَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَدِّقَ مَا رَآهُ. فِي الْبِدَايَةِ شَعَرَ بِإِحْبَاطٍ وَغَضَبٍ شَدِيدَيْنِ؛ فَقَدْ بَدَا وَاضِحًا لِلْغَايَةِ أَنَّهُ لَنْ يَنْتَقِمَ مِنْ هوتي فِي نِهَايَةِ الْأَمْرِ. طَارَ بلاكي إِلَى شَجَرَتِهِ الْمُفَضَّلَةِ لِيُفَكِّرَ فِي الْأَمْرِ. وَأَحْيَانًا يَكُونُ مِنَ الْمُفِيدِ أَنْ يَجْلِسَ الْمَرْءُ بِمُفْرَدِهِ لِيَتَفَكَّرَ فِي أُمُورِهِ؛ فَذَلِكَ يَمْنَحُهُ فُرْصَةً لِسَمَاعِ الصَّوْتِ الْخَافِتِ بِدَاخِلِهِ. وَهَذَا هُوَ مَا حَدَثَ مَعَ بلاكي آنَذَاكَ.

وَكُلَّمَا طَالَ تَفْكِيرُهُ فِي الْأَمْرِ، بَدَا لَهُ اسْتِدْعَاؤُهُ لِابْنِ الْمُزَارِعِ براون أَكْثَرَ دَنَاءَةً؛ فَإِنَّ مُحَاوَلَةَ سَرِقَةِ هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ لِنَفْسِهِ أَمْرٌ، وَمُحَاوَلَةَ جَعْلِ شَخْصٍ آخَرَ — لَا يَمْلِكُ هوتي دِفَاعًا أَمَامَهُ — يَسْرِقُهُمَا أَمْرٌ آخَرُ.

قَالَ الصَّوْتُ الْخَافِتُ فِي دَاخِلِهِ: «لَوْ كَانَ أَيُّ طَائِرٍ آخَرَ غَيْرِ هوتي، لَكُنْتَ بَذَلْتَ قُصَارَى جُهْدِكَ مِنْ أَجْلِ إِبْقَاءِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون بَعِيدًا عَنْهُ.» نَكَّسَ بلاكي رَأْسَهُ؛ إِذْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ. فَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَرَّاتِ حَذَّرَ بلاكي الطُّيُورَ الْأُخْرَى عِنْدَمَا كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَبْحَثُ عَنْ أَعْشَاشِهَا، وَسَاعَدَ فِي إِبْعَادِهِ.

فِي النِّهَايَةِ، رَفَعَ بلاكي رَأْسَهُ وَضَحِكَ، وَهَذِهِ الْمَرَّةَ كَانَ لِضِحْكَتِهِ وَقْعٌ حَسَنٌ، وَقَالَ بِصَوْتٍ عَالٍ: «أَنَا سَعِيدٌ لِأَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون لَمْ يَأْخُذْ هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ. أَجَلْ، أَنَا سَعِيدٌ. لَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَرَّةً أُخْرَى. إِنَّنِي خَجِلٌ مِمَّا فَعَلْتُ، وَلَكِنَّنِي سَعِيدٌ بِفِعْلِهِ؛ سَعِيدٌ لِأَنِّي تَعَلَّمْتُ بَعْضَ الْأُمُورِ. تَعَلَّمْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون لَمْ يَعُدْ مُخِيفًا كَمَا كَانَ. وَتَعَلَّمْتُ أَنَّ هوتي لَيْسَ غَبِيًّا كَمَا اعْتَقَدْتُ. وَتَعَلَّمْتُ أَنَّهُ فِي حِينِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالنِّسْبَةِ لَنَا — نَحْنُ سُكَّانَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ — أَنْ يُحَاوِلَ كُلٌّ مِنَّا خِدَاعَ الْآخَرِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْمِيَ بَعْضُنَا بَعْضًا مِنَ الْأَخْطَارِ الْمُشْتَرَكَةِ. كَمَا أَنَّنِي تَعَلَّمْتُ شَيْئًا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ مِنْ قَبْلُ؛ وَهُوَ أَنَّ هوتي هُوَ أَوَّلُ مَنْ يَبْدَأُ فِي بِنَاءِ عُشِّهِ بَيْنَنَا. أَعْتَقِدُ أَنَّنِي سَأَذْهَبُ الْآنَ لِلْبَحْثِ عَنْ طَعَامِي بِشَرَفٍ.» وَقَدْ فَعَلَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤