الفصل الثالث

بلاكي يَعْرِفُ صَاحِبَ الْبَيْضَتَيْنِ

بَيْضَتَانِ كَبِيرَتَانِ فِي عُشٍّ مُتَهَالِكٍ، وَالثَّلْجُ وَالْجَلِيدُ يُغَطِّيَانِ كُلَّ شَيْءٍ! هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْ قَبْلُ بِمِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ؟

تَمْتَمَ الْغُرَابُ بلاكي قَائِلًا: «لَمْ أَكُنْ لِأُصَدِّقَ ذَلِكَ لَوْلَا أَنَّنِي رَأَيْتُهُ بِعَيْنَيَّ. عَلَيَّ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا؛ فَإِذَا لَمْ أُصَدِّقْ عَيْنَيَّ، فَلَا جَدْوَى مِنْ أَنْ أُصَدِّقَ أَيَّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ. إِنَّنِي مُتَأَكِّدٌ مِنْ وُجُودِ بَيْضَتَيْنِ فِي هَذَا الْعُشِّ الْقَدِيمِ مِثْلَمَا أَنَا مُتَأَكِّدٌ مِنْ أَنَّنِي أَجْلِسُ هُنَا. فَأَيًّا كَانَتْ مَنْ بَاضَتْهُمَا، فَإِنَّهَا لَمَجْنُونَةٌ إِذْ تَضَعُ بَيْضًا فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنَ الْعَامِ. يَجِبُ أَنْ أَكْتَشِفَ مَنْ صَاحِبَةُ الْبَيْضَتَيْنِ ثُمَّ …»

لَمْ يُنْهِ بلاكي حَدِيثَهُ، وَلَكِنْ لَاحَتْ نَظْرَةُ جُوعٍ فِي عَيْنَيْهِ كَانَتْ تُخْبِرُ مَنْ يَرَاهَا — هَذَا إِنْ كَانَ ثَمَّةَ مَنْ يَرَاهَا — أَنَّ بلاكي يَعْرِفُ فَائِدَةً لِهَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَحَدٌ فِي الْجِوَارِ لِيَرَى هَذِهِ النَّظْرَةَ، وَقَدْ حَرَصَ أَشَدَّ الْحِرْصِ عَلَى أَلَّا يَرَاهُ أَحَدٌ عِنْدَمَا اتَّجَهَ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى ذَلِكَ الرُّكْنِ الْمَهْجُورِ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ.

فَكَّرَ بلاكي قَائِلًا: «سَوْفَ أَتَأَكَّدُ أَوَّلًا مِنْ وُجُودِ الْبَيْضَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمَا.» ثُمَّ حَلَّقَ عَالِيًا فَوْقَ قِمَمِ الْأَشْجَارِ؛ لِكَيَ يَنْظُرَ لِأَسْفَلَ نَحْوَ الشَّجَرَةِ الَّتِي تَحْمِلُ عُشَّ أحمر الذيل الْقَدِيمَ عِنْدَمَا يَمُرُّ فَوْقَهَا. لَوْ كَانَ أَحَدٌ رَآهُ، مَا كَانَ ظَنَّ قَطُّ أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ؛ فَقَدْ بَدَا كَمَا لَوْ كَانَ يُحَلِّقُ فِي طَرِيقِهِ إِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَإِذَا مَا كَانَتِ الْبَيْضَتَانِ فِي مَكَانِهِمَا، كَانَ يَنْوِي الْعَوْدَةَ وَالِاخْتِبَاءَ عَلَى قِمَّةِ شَجَرَةِ صَنَوْبَرٍ قَرِيبَةٍ لِكَيْ يُرَاقِبَهُمَا حَتَّى يَتَأَكَّدَ مِنْ إِمْكَانِيَّةِ سَرِقَتِهِمَا بِأَمَانٍ، أَوْ حَتَّى يَعْرِفَ لِمَنْ هُمَا.

خَفَقَ قَلْبُ بلاكي بِسُرْعَةٍ مِنْ فَرْطِ الْإِثَارَةِ إِذِ اقْتَرَبَ مِنْ ذَلِكَ الْعُشِّ الْقَدِيمِ. أَسَتَكُونُ هَاتَانِ الْبَيْضَتَانِ الْكَبِيرَتَانِ هُنَاكَ؟ رُبَّمَا يَجِدُ ثَلَاثَ بَيْضَاتٍ! وَهَذِهِ الْفِكْرَةُ جَعَلَتْهُ يُرَفْرِفُ بِجَنَاحَيْهِ أَسْرَعَ قَلِيلًا. لَمْ يَتَبَقَّ إِلَّا بِضْعُ خَفَقَاتٍ بِجَنَاحَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ فَوْقَ الشَّجَرَةِ. كَمْ كَانَ يَتَمَنَّى رُؤْيَةَ هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ! كَانَ يَكَادُ يَرَى مَا دَاخِلَ الْعُشِّ. خَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، خَفْقَتَانِ، ثَلَاثُ خَفَقَاتٍ! عَضَّ بلاكي لِسَانَهُ لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ إِطْلَاقِ نَعِيقٍ حَادٍّ مِنْ فَرْطِ الْإِحْبَاطِ وَالدَّهْشَةِ.

لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ بَيْضَاتٌ! أَجَلْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَثَرٌ لِبَيْضٍ فِي ذَلِكَ الْعُشِّ الْقَدِيمِ. لَمْ تَكُنِ الْبَيْضَتَانِ مَوْجُودَتَيْنِ؛ لِأَنَّ … مَاذَا تَعْتَقِدُ؟ لَمْ تَكُنِ الْبَيْضَتَانِ مَوْجُودَتَيْنِ؛ لِأَنَّ بلاكي رَأَى أَسْفَلَهُ مُبَاشَرَةً كُتْلَةً مِنَ الرِّيشِ أَخْفَتْهُمَا عَنِ الْأَنْظَارِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي حَاجَةٍ لِلنَّظَرِ مَرَّةً أُخْرَى لِيَعْلَمَ أَنَّ هَذِهِ الْكُتْلَةَ الْكَبِيرَةَ مِنَ الرِّيشِ مَا هِيَ إِلَّا طَائِرٌ ضَخْمٌ؛ الطَّائِرُ صَاحِبُ هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ.

لَمْ يَعُدْ بلاكي أَدْرَاجَهُ كَمَا خَطَّطَ سَابِقًا، وَإِنَّمَا وَاصَلَ طَيَرَانَهُ كَمَا لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَرَ شَيْئًا، وَارْتَجَفَ قَلِيلًا أَثْنَاءَ الطَّيَرَانِ. ارْتَجَفَ بلاكي؛ إِذْ تَخَيَّلَ مَا كَانَ سَيَحْدُثُ لَهُ لَوْ أَنَّهُ حَاوَلَ سَرِقَةَ هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ فِي الْيَوْمِ السَّابِقِ وَأُمْسِكَ بِهِ.

وَقَالَ لِنَفْسِهِ: «حَمْدًا لِلهِ أَنَّنِي كُنْتُ حَكِيمًا بِأَنْ تَرَكْتُهُمَا وَشَأْنَهُمَا. الْغَرِيبُ أَنَّنِي لَمْ أُخَمِّنْ قَطُّ مَنْ صَاحِبُهُمَا. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أَعْرِفَ أَنَّهُ لَنْ يُفَكِّرَ فِي وَضْعِ الْبَيْضِ فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنَ الْعَامِ إِلَّا ذَكَرُ الْبُومَةِ الْقَرْنَاءِ هوتي. وَقَدْ كَانَتِ السَّيِّدَةُ هوتي هِيَ مَنْ رَأَيْتُ فِي الْعُشِّ الْآنَ. وَيَا لَلْهَوْلِ! كَمْ هِيَ ضَخْمَةٌ! إِنَّهَا أَكْبَرُ مِنَ السَّيِّدِ هوتي نَفْسِهِ! مِنْ حُسْنِ الْحَظِّ أَنَّنِي لَمْ أُحَاوِلْ أَنْ أَحْصُلَ عَلَى هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ أَمْسِ. فَعَلَى الْأَرْجَحِ كَانَ السَّيِّدُ وَالسَّيِّدَةُ هوتي جَالِسَيْنِ قَرِيبًا مِنْهُمَا، وَلَكِنْ فِي سُكُونٍ بَالِغٍ حَتَّى إِنِّي ظَنَنْتُهُمَا جُزْءًا مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي يَجْلِسَانِ عَلَيْهَا. آهِ يَا بلاكي! كُلَّمَا أَسْرَعْتَ بِنِسْيَانِ هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ، كَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ.»

ثَمَّةَ أَشْيَاءُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَنْسَاهَا
بِمُجَرَّدِ أَنْ تَعْرِفَهَا.
فَمَنْ لَا يَلْعَبُ بِالنَّارِ
لَا يُحْرِقُهُ لَهِيبُهَا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤