الفصل الحادي والثلاثون

بَيْضَةٌ سَيِّئَةُ السُّلُوكِ

إِذَا كَانَ لَدَيْكَ بَيْضَةٌ سَيِّئٌ سُلُوكُهَا،
فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ بِهَا؟
فَإِقْنَاعُ بَيْضَةٍ بِفِعْلِ مَا لَا تُرِيدُ
يَبْدُو لِي صَعْبًا بِالتَّأْكِيدْ.

كُلُّ ذَلِكَ مَحْضُ هُرَاءٍ بِالطَّبْعِ. فَمَنْ سَمِعَ مِنْ قَبْلُ عَنْ بَيْضَةٍ سُلُوكُهَا حَسَنٌ أَوْ سَيِّئٌ؟ لَا أَحَدَ. حَسَنًا، لَا أَحَدَ أَعْرِفُهُ إِلَّا بلاكي. وَمِنَ الْأَفْضَلِ أَلَّا تَذْكُرَ الْبَيْضَ فِي حُضُورِ بلاكي هَذِهِ الْأَيَّامَ. فَهُوَ مَوْضُوعٌ مُحَرَّمٌ فِي حُضُورِهِ؛ فَبلاكي عَادَةً مَا يَسْتَاءُ قَلِيلًا بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ الْبَيْضِ. لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَلُومَهُ. كَيْفَ كُنْتَ سَتَشْعُرُ لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ عَنْ أَمْرٍ مَا، ثُمَّ اكْتَشَفْتَ أَنَّكَ لَا تَعْرِفُ عَنْهُ شَيْئًا عَلَى الْإِطْلَاقِ؟ هَذَا هُوَ مَا حَدَثَ مَعَ الْغُرَابِ بلاكي.

فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ لِبلاكي إِنَّهُ لَا يَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ عَنِ الْبَيْضِ، لَضَحِكَ بلاكي مِنْهُ؛ أَلَمْ يَخْرُجْ بلاكي أَصْلًا مِنْ بَيْضَةٍ؟ أَوَلَمْ يَكُنْ — مُنْذُ أَنْ كَبِرَ — يَصْطَادُ الْبَيْضَ وَيَسْرِقُهُ وَيَأْكُلُهُ؟ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ شَيْئًا عَنِ الْبَيْضِ، فَمَنِ الَّذِي يَعْرِفُ؟ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ كَانَ سَيَرُدُّ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ حَظِيرَةَ دَجَاجِ الْمُزَارِعِ براون. وَمُنْذُ تِلْكَ الزِّيَارَةِ، أَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ الْحِكْمَةِ أَنْ يُذْكَرَ الْبَيْضُ أَمَامَهُ.

عِنْدَمَا رَأَى بلاكي الْبَيْضَتَيْنِ فِي الْعُشِّ الْمَوْجُودِ فِي حَظِيرَةِ دَجَاجِ الْمُزَارِعِ براون، لَكَمْ تَمَنَّى بلاكي لَوْ يَسْتَطِيعُ أَخْذَ كِلْتَيْهِمَا. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ. كَانَ كُلُّ مَا يَسْتَطِيعُ أَخْذَهُ هُوَ بَيْضَةً وَاحِدَةً. كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ وَيَذْهَبَ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ؛ أَيُّهُمَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ؟

كَثِيرًا مَا يَحْدُثُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَبْدُو غَيْرَ مُهِمَّةٍ — التَّافِهَةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا — يَثْبُتُ أَنَّهَا عَكْسُ ذَلِكَ تَمَامًا؛ فَفِي رَأْيِ بلاكي، لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ فَرْقٌ بَيْنَ الْبَيْضَتَيْنِ، مَا عَدَا أَنَّ إِحْدَاهُمَا كَانَتْ أَكْبَرَ مِنَ الْأُخْرَى قَلِيلًا. وَلَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ كَانَ الْفَرْقُ كَبِيرًا جِدًّا. فَإِحْدَاهُمَا كَانَتْ بُنِّيَّةَ اللَّوْنِ تَسُرُّ النَّاظِرِينَ، وَالْأُخْرَى — الْأَكْبَرُ حَجْمًا — كَانَتْ بَيْضَاءَ تَسُرُّ النَّاظِرِينَ أَيْضًا. فِي الْوَاقِعِ، ظَنَّ بلاكي أَنَّهَا أَجْمَلُ الْبَيْضَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ نَاعِمَةً وَلَامِعَةً لِلْغَايَةِ. فَلِهَذَا السَّبَبِ — وَكَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَكْبَرَ الْبَيْضَتَيْنِ — اخْتَارَ بلاكي الْبَيْضَاءَ، فَقَبَضَ عَلَيْهَا بَيْنَ مَخَالِبِهِ وَبَدَأَ يَطِيرُ بِهَا، وَلَكِنَّهُ لِسَبَبٍ مَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُحْكِمَ مَخَالِبَهَ عَلَيْهَا، فَرَفْرَفَ بِجَنَاحَيْهِ حَتَّى هَبَطَ عَلَى الْأَرْضِ مَا إِنْ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ، وَهُنَاكَ أَحْكَمَ عَلَيْهَا مَخَالِبَهُ. وَإِذِ انْقَضَّ عَلَيْهِ الدِّيكُ الرُّومِيُّ الْعَجُوزُ داندي كوك — خَافِضًا رَأْسَهُ وَنَافِشًا رِيشَ رَقَبَتِهِ كُلَّهُ فِي غَضَبٍ — ارْتَفَعَ بلاكي فِي الْهَوَاءِ وَحَلَّقَ فَوْقَ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ مُتَّجِهًا نَحْوَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ.

لَمْ يَكُنْ بلاكي قَدْ شَعَرَ مِنْ قَبْلُ بِمِثْلِ تِلْكَ الرَّغْبَةِ الْعَارِمَةِ فِي الصِّيَاحِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ؛ فَقَدْ شَعَرَ بِشِدَّةِ ذَكَائِهِ، وَأَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ يَشْعُرُ أَيْضًا بِشَجَاعَتِهِ الْبَالِغَةِ. لَكَمْ أَحَبَّ أَنْ يَتَفَاخَرَ قَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، فَبِكُلِّ حِكْمَةٍ أَمْسَكَ لِسَانَهُ، فَسَيُتَاحُ لَهُ الْوَقْتُ الْكَافِي لِلتَّفَاخُرِ بَعْدَ أَنْ يَصِلَ لِمَكَانٍ آمِنٍ وَيَأْكُلَ الْبَيْضَةَ.

كَانَ فِي مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ فَوْقَ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ عِنْدَمَا شَعَرَ بِأَنَّ الْبَيْضَةَ بَدَأَتْ فِي الِانْزِلَاقِ. وَفِي أَحْسَنِ الظُّرُوفِ لَيْسَ مِنَ السَّهْلِ حَمْلُ بَيْضَةٍ دُونَ أَنْ تَنْكَسِرَ. فَكَمَا تَعْلَمُونَ، عَلَيْكُمْ تَوَخِّي أَشَدِّ الْحَذَرِ. وَتَخَيَّلُوا شُعُورَ بلاكي عِنْدَمَا بَدَأَتِ الْبَيْضَةُ فِي الِانْزِلَاقِ. وَبِقَدْرِ مَا حَاوَلَ، لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهَا جَيِّدًا، فَانْزَلَقَتْ أَكْثَرَ قَلِيلًا. تَوَجَّهَ بلاكي نَحْوَ الْأَرْضِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَرِيعًا بِمَا يَكْفِي. رَأَى السِّنْجَابُ الْمُخَطَّطُ — الَّذِي وَقَفَ يُرَاقِبُ بلاكي مِنْ عَلَى الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ — شَيْئًا أَبْيَضَ يَقَعُ مِنْ بَيْنِ مَخَالِبِ بلاكي. وَرَأَى بلاكي يَنْدَفِعُ وَرَاءَهُ مُحَاوِلًا الْإِمْسَاكَ بِهِ دُونَ جَدْوَى. ثُمَّ ارْتَطَمَ الشَّيْءُ الْأَبْيَضُ بِفَرْعٍ مِنْ شَجَرَةِ تُفَّاحٍ قَدِيمَةٍ، وَارْتَدَّ عَنْهُ ثُمَّ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ، وَتَبِعَهُ بلاكي.

تَسَلَّلَ السِّنْجَابُ الْمُخَطَّطُ بِهُدُوءٍ بَالِغٍ عَبْرَ الْحَشَائِشِ لِيَرَى مَا يَفْعَلُهُ بلاكي. كَانَ بلاكي يَقِفُ بِجِوَارِ شَيْءٍ أَبْيَضَ يُشْبِهُ الْبَيْضَةَ كَثِيرًا. كَانَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَقَدِ ارْتَسَمَ عَلَى وَجْهِهِ تَعْبِيرٌ عَجِيبٌ.

مِنْ حِينٍ لِآخَرَ كَانَ يَمُدُّ رَأْسَهُ وَيَطْرُقُهُ بِمِنْقَارِهِ، ثُمَّ يَبْدُو كَمَا لَوْ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا يَفْعَلُ بِهِ. وَهُوَ فِعَلًا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ. لَمْ يَكُنْ سُلُوكُ الْبَيْضَةِ كَمَا يَنْبَغِي. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْكَسِرَ عِنْدَمَا ارْتَطَمَتْ بِفَرْعِ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ، وَبِالتَّأْكِيدِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْكَسِرَ عِنْدَمَا ضَرَبَهَا بِمِنْقَارِهِ هَكَذَا. فَكَيْفَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ تِلْكَ الْبَيْضَةَ، لَوْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى كَسْرِ قِشْرَتِهَا؟ لَمْ يَكُنْ بلاكي يَعْرِفُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤