الفصل التاسع

بلاكي يُفَكِّرُ فِي ابْنِ الْمُزَارِعِ براون

قَالَ بلاكي مُتَذَمِّرًا: «يَا لَهُ مِنْ حَظٍّ سَيِّئٍ!» بَيْنَمَا طَارَ نَحْوَ شَجَرَتِهِ الْمُفَضَّلَةِ لِيُفَكِّرَ قَلِيلًا. وَأَرْدَفَ لِنَفْسِهِ: «حَظٌّ سَيِّئٌ بِالْفِعْلِ! كُلُّ جِيرَانِي يَعْرِفُونَ الْآنَ بِأَمْرِ عُشِّ السَّيِّدِ هوتي، وَعَاجِلًا أَوْ آجِلًا، سَوْفَ يَكْتَشِفُ أَحَدُهُمْ أَنَّ بِهِ بَيْضَتَيْنِ. لَكِنَّ عَزَائِيَ الْوَحِيدَ هُوَ أَنَّنِي إِذَا لَمْ أَسْتَطِعِ الْحُصُولَ عَلَيْهِمَا، فَلَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ. بِمَعْنًى آخَرَ، لَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدُ أَقَارِبِي الْحُصُولَ عَلَيْهِمَا؛ فَقَدْ حَاوَلْتُ بِكُلِّ مَا خَطَرَ عَلَى بَالِي مِنْ سُبُلٍ، وَمَا زَالَتْ هَاتَانِ الْبَيْضَتَانِ حَيْثُ هُمَا. يَا إِلَهِي! كَمْ أَوَدُّ الْحُصُولَ عَلَى إِحْدَاهُمَا الْآنَ!»

بَعْدَ ذَلِكَ، فَعَلَ بلاكي شَيْئًا كَثِيرًا مَا يَفْعَلُهُ الْأَشْرَارُ عِنْدَمَا تَخِيبُ آمَالُهُمْ؛ إِذْ بَدَأَ فِي إِلْقَاءِ اللَّوْمِ عَلَى الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ كَانَ يُحَاوِلُ الْإِضْرَارَ بِهِمْ لِفَشَلِ خُطَطِهِ. وَإِذَا كُنْتَ سَمِعْتَهُ بَيْنَمَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ، كُنْتَ ظَنَنْتَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ مِلْكُهُ حَقًّا وَأَنَّ السَّيِّدَ وَالسَّيِّدَةَ هوتي قَدْ سَرَقَاهُمَا مِنْهُ. أَجَلْ! هَذَا مَا كُنْتَ سَتُفَكِّرُ فِيهِ إِذَا اسْتَطَعْتَ سَمَاعَهُ بَيْنَمَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ عَلَى قِمَّةِ الشَّجَرَةِ. وَهُوَ فِي غَمْرَةِ إِحْبَاطِهِ لِعَدَمِ حُصُولِهِ عَلَى هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ، كَانَ يَرْثِي حَالَهُ، حَتَّى إِنَّهُ شَعَرَ حَقًّا بِأَنَّ الظُّلْمَ وَقَعَ عَلَيْهِ هُوَ؛ وَأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ وَالسَّيِّدَةِ هوتي أَنْ يَسْمَحَا لَهُ بِالْحُصُولِ عَلَى الْبَيْضَتَيْنِ.

بِالطَّبْعِ كَانَتْ تِلْكَ حَمَاقَةً خَالِصَةً، وَلَكِنَّهُ أَقْنَعَ نَفْسَهُ بِهَا، أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ، تَظَاهَرَ بِاقْتِنَاعِهِ بِهَا. وَكُلَّمَا ازْدَادَ تَظَاهُرُهُ بِذَلِكَ، ازْدَادَ غَضَبُهُ. وَهَذَا غَالِبًا مَا يَحْدُثُ لِلْأَشْخَاصِ الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ إِيذَاءَ الْآخَرِينَ. فُهُمْ يَغْضَبُونَ مِنَ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ إِيذَاءَهُمْ. وَعِنْدَمَا اضْطُرَّ بلاكي فِي النِّهَايَةِ إِلَى أَنْ يُقِرَّ لِنَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ التَّفْكِيرَ فِي طَرِيقَةٍ أُخْرَى لِلْحُصُولِ عَلَى هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ، بَدَأَ فِي التَّسَاؤُلِ عَمَّا إِذَا كَانَ ثَمَّةَ طَرِيقَةٌ لِإِيقَاعِ السَّيِّدِ وَالسَّيِّدَةِ هوتي فِي الْمَتَاعِبِ. وَحِينَهَا فَكَّرَ فِي ابْنِ الْمُزَارِعِ براون.

بَرَقَتْ عَيْنَا بلاكي؛ إِذْ تَذَكَّرَ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون كَانَ فِي الْمَاضِي يَسْعَدُ بِسَرِقَةِ أَعْشَاشِ الطُّيُورِ. فَقَدْ رَآهُ بلاكي يَأْخُذُ الْبَيْضَ مِنْ أَعْشَاشِ أَقَارِبِ بلاكي نَفْسِهِ وَمِنْ أَعْشَاشِ كَثِيرٍ مِنَ الطُّيُورِ الْأُخْرَى. لَمْ يَكُنْ لَدَى بلاكي أَيَّةُ فِكْرَةٍ عَمَّا كَانَ يَفْعَلُهُ بِالْبَيْضِ، وَلَمْ يَهْتَمَّ بِذَلِكَ آنَذَاكَ. فَإِذَا اكْتَشَفَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون عُشَّ هوتي مُصَادَفَةً، فَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّهُ سَيَأْخُذُ هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ، وَحِينَهَا يَرْتَاحُ بلاكي إِلَى حَدٍّ مَا. فَسَوْفَ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ نَالَ انْتِقَامَهُ مِنْ هوتي.

عَلَى الْفَوْرِ بَدَأَ بلاكي التَّفْكِيرَ فِي طَرِيقَةٍ يَسْتَدْرِجُ بِهَا ابْنَ الْمُزَارِعِ براون إِلَى ذَلِكَ الرُّكْنِ الْمَهْجُورِ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ حَيْثُ يَقَعُ عُشُّ هوتي. وَإِذَا اسْتَطَاعَ اجْتِذَابَهُ إِلَى هُنَاكَ، فَإِنَّهُ مُتَأَكِّدٌ مِنْ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون سَوْفَ يَرَى الْعُشَّ وَيَتَسَلَّقُ الشَّجَرَةَ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهِ، وَعِنْدَهَا سَيَأْخُذُ الْبَيْضَتَيْنِ بِلَا شَكٍّ. فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ بلاكي أَنْ يَأْخُذَ الْبَيْضَتَيْنِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ أَفْضَلَ شَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ أَنْ يَرَى أَحَدًا غَيْرَهُ يَأْخُذُهُمَا.

يَا إِلَهِي! يَا إِلَهِي! يَا لَهَا مِنْ أَفْكَارٍ بَغِيضَةٍ! أَخْشَى أَنَّ قَلْبَ بلاكي أَسْوَدُ كَلَوْنِ رِيشِهِ، وَالْأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَجِدُ مُتْعَةً كَبِيرَةً فِي تَنْفِيذِ خُطَطِهِ الشِّرِّيرَةِ. وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ يَعِي تَمَامًا فِي قَرَارَةِ نَفْسِهِ أَنَّهَا خُطَطٌ شِرِّيرَةٌ، فَقَدْ حَاوَلَ اخْتِلَاقَ الْأَعْذَارِ لِنَفْسِهِ.

فَقَالَ لِنَفْسِهِ: «إِنَّ هوتي لِصٌّ، وَالْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ؛ فَهُوَ يَقْتَاتُ عَلَى الْآخَرِينَ. وَعَلَى حَدِّ عِلْمِي، فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُ أَيَّ خَيْرٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ. وَهُوَ ضَخْمٌ وَشَرِسٌ وَلَا أَحَدَ يُحِبُّهُ. وَسَتَكُونُ الْغَابَةُ الْخَضْرَاءُ مَكَانًا أَفْضَلَ مِنْ دُونِهِ. وَإِذَا فُقِسَتْ هَاتَانِ الْبَيْضَتَانِ، فَسَتُخْرِجَانِ بُومَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ تَحْتَاجَانِ إِلَى الطَّعَامِ، وَسَوْفَ تَكْبُرَانِ لِتُصْبِحَا بُومَتَيْنِ ضَخْمَتَيْنِ، مِثْلَ أُمِّهِمَا وَأَبِيهِمَا. فَإِذَا أَرَيْتُ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون هَذَا الْعُشَّ وَأَخَذَ الْبَيْضَتَيْنِ، فَسَأَكُونُ قَدْ فَعَلْتُ خَيْرًا بِجِيرَانِي.»

هَكَذَا حَدَّثَ بلاكي نَفْسَهُ وَحَاوَلَ إِسْكَاتَ الصَّوْتِ الْخَافِتِ الصَّغِيرِ دَاخِلَهُ الَّذِي حَاوَلَ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّ مَا يُخَطِّطُ لَهُ أَمْرٌ بَغِيضٌ حَقًّا. وَظَلَّ طَوَالَ الْوَقْتِ يَرْتَقِبُ قُدُومَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤