الحِكَم والتأملات

مقدمة

تدل نتيجة البحوث التي قام بها علماء الآثار في تاريخ أدب العالم القديم أن مصر كان لها قصَب السبق في الإنتاج الأدبي في باب الحكم والتأملات، فإن «بابل» و«آشور» لم تتركَا شيئًا يستحق الذكر نسبيًّا في هذا المضمار.

أما فلسطين جارة مصر فقد أنتجت فيه إنتاجًا عظيمًا، وبخاصة في باب الأمثال والتعاليم الدينية وحِكَم سليمان و«المزامير» وكتاب «أيوب»، وغيرها مما نجده في التوراة من هذا النوع من الأدب.

والفكرة السائدة التي علقت بأذهان معظم المتعلمين أن الحِكَم المصرية والتعاليم التي وصلت إلينا عن المصريين، كان الغرض الذي يرمي إليه الكاتب من تدوينها هو أن يكون موظفًا كفئًا، وأن يؤدي عمله على الوجه الأكمل، ويكون في مقدوره أن يكتب عن عمله تقريرًا ليساعده على الظهور في مجال الحياة وحسب. ولكن مَن يمعن في النظر إلى كتب الحكمة المصرية يجد أن الكاتب المصري لم يكن غرضه الوظيفة أو جمع ثروة في الحياة فقط، بل كان يرمي إلى معانٍ أسمى من ذلك، ومقاصد أنبل تخلِّد ذكره، وترفع من شأن قومه؛ لأنه كان يرمي إلى أن يفتح أمامهم أبوابًا لدرس الحياة في نواحيها المختلفة، ويرشد المرء إلى الطريقة التي يمكنه بها أن يتحدَّث مع غيره، ويجيب عما يُسأَل عنه بأجوبة سديدة قولًا وكتابةً، مما يمهِّد له سُبَل الفلاح في الحياة الدنيا، ويجعله مقبولًا في الآخرة.

ولقد كان الكاتب يشعر بأنه إذا أجاد في نشر تعاليمه القيمة خُلِّد اسمه، وعاشت حكمته على مرِّ الأيام والدهور، من أجل ذلك جرَتِ العادة أن يختار المؤلف أعزَّ الناس إليه ليضع أمامه تعاليمه وحِكَمه حتى يحفظها ويعمل بها ويتوارثها نسله، ولكنه من جهة أخرى كان ينظر إلى مؤلفاته الأدبية نظرة مَن يريد لها البقاء، فكان يعطيها عين العناية، ويبذل في تأليفها جهد الطاقة؛ لأنها عنده أرفع مكانةً من كل أغراض الحياة، وأبقى من البروج المشيدة من «النحاس والحديد»؛ لأن كل صروح الحياة في نظره عرَضٌ زائل، أما كتاباته وتآليفه الأدبية فهي التي ستبقى بعد زوال كل شيء، وحتى بعد زوال نسله.

وقد طالعتنا الكشوف الحديثة بفقرة من كتاب على بردية من عهد الرعامسة، تضع أمامنا صورة ناطقة تغيِّر الاعتقاد القديم عن الكاتب المصري ومراميه، وفي الوقت نفسه تذكر لنا بعض أسماء الكتَّاب الذين خَلَّدت كتاباتُهم أسماءَهم؛ فمنهم مَن نعرفهم ومنهم مَن نجهلهم تمام الجهل، مما يدل على قلة ما وصل إلينا عن الأدب المصري.

وسنورد هذه الفقرة هنا بدون تعليق مفصَّل، ونترك الحكم فيها للقارئ ليرى كيف أن المصري يقدِّر الأدب للأدب، ولتكون بمثابة مقدمة لهذا الفصل، وهي:

ولكن إذا فعلتَ هذه الأشياء فإنك تصبح كاتبًا حاذقًا، والكتَّاب المثقفون الذين يرجع عهدهم إلى عهد ورثة الآلهة، وهم الذين تنبَّئوا بالمستقبل؛ قد بقيت أسماؤهم خالدة، رغم أنهم تواروا عنَّا لانتهاء أجلهم، ورغم أن كل ذريتهم قد أصبحت نَسْيًا منسيًّا، على أنهم في ذلك لم يقيموا أهرامًا من نحاس، ولا صفائح قبور من حديد، ولم يكن في مقدورهم أن يخلقوا وَرَثَة من الأولاد الذين ينبغي لهم أن يذكروا أسماءهم، بل جعلوا لأنفسهم خلفاء من بعدهم من الكتب والتعاليم التي ألَّفوها، فقد نصبوا إضمامات البردي التي كتبوها لتكون كاهنًا مرتلًا، وألواح الكتابة لتكون ابنًا بارًّا، وكتب التعاليم لتكون أهرامهم، والقلم ابنهم، ووجه الحجر (الذي يكتب عليه) زوجتهم (؟) وقد جعلوا الناس صغيرهم وكبيرهم أطفالًا لهم؛ لأن الكاتب رئيسهم، وقد أُقِيم لهم (بوابات) ومقابر (؟)، غير أن مصيرها كان إلى الدمار، وكذلك طُمِست صفائح قبورهم بالأقذار، ونُسِيت وانقرض كهنتها، ولكن أسماءهم كانت تذكر عن مؤلفاتهم التي وضعوها، وبقدر ما كانت عليه من الإتقان كان يكتب لذِكْر واضعها البقاء والخلود؛ فكُنْ كاتبًا، وضَعْ ذلك في قلبك، وبذلك يمكث اسمك، وإن مؤلَّفًا واحدًا لأعظم فائدةً من لوحة قبر منحوتة، ومن جدران قبر (؟) أُحكِم تأسيسها؛ لأن هذا يكون لك بمثابة مقاصير وأهرام في قلوب مَن ينطقون باسمه (الكتاب). حقًّا إنه من الخير أن يكون اسم الإنسان في فم الناس في الجبَّانة، فالرجل يموت وجثته تصير جيفة قَذِرة، وكذلك تصبح كل ذريته ترابًا، ولكن الكتب (التي يؤلِّفها) تجعله مذكورًا في فم مَن يُلقِيها. وإن كتابًا واحدًا لأكثر نفعًا من بيت مؤسس، ومن قبر في الغرب، وإنه لأجمل من قصر منيف، ومن نصب تذكاري (أقيم له) في معبد. فهل يوجد إنسان مثل «حردادف»؟ وهل يوجد آخَر مثل «أمحوتب»؟ على أنه ليس في عصرنا واحد مثل «نفري» و«خيتي»، وهو الرئيس بينهما، وإني أذكرك باسمين: «بتاح-أم-تحوتي» و«خعخبر-رع-سنب»، وهل يوجد مَن يماثِل «بتاح حتب» أو «كارس»؟ وهؤلاء هم الحكماء الذين تنبَّئوا بالمستقبل، وقد وقع فعلًا ما تفوَّهوا به، وقد وُجِد كلام مدوَّن في كتبهم، وقد منحوا أولاد غيرهم ورثة لهم، كأنهم أولادهم الحقيقيون، وقد اختفوا ولكن سحرهم قد امتد تأثيره إلى كل الناس (؟) الذين قرءوا تعالميهم، ولقد ذهبوا ونُسِي اسمهم، ولكن الكتابة جعلت المرء يذكرهم.

ولا بد أن أول ما يلاحظ القارئ في هذه الفقرة أن كاتبها يتمدَّح بفضل المؤلفين، وقد أسعدنا الحظ هنا أن يذكر لنا ثمانيةً من عظماء الكتَّاب نعرف بعضهم بأسمائهم، وبعضهم بتآليفهم، والبعض الآخَر نجهله تمامًا. على أن معظم مَن نعرفهم يرجع عهدهم إلى الدولة القديمة، مما يدل على أنها كانت ينبوع الأدب في ذلك العهد كما ذكرنا ذلك من قبلُ، فنعرف «حردادف» الذي ذكره الكاتب أولًا، وقد عاش في عهد الملك «خوفو»، وقد جاء ذكره في قصة «خوفو» والسَّحَرة، وكذلك جاء ذِكْره في قصيدة الضارب على العود، وكذلك نعرف «أمحوتب» الحكيم المشهور الذي عاصَرَ الملك «زوسر» أحد ملوك الأسرة الثالثة. أما «نفري» فمجهول لنا تمامًا، وأما «خيتي» فقد برهَنَ الأستاذ «جاردنر» على أنه مؤلِّف التعاليم التي نُسِبت إلى «دواوف» خطأً، وتعاليم الملك أمنمحات الأول. ومن المدهش أن يذكر لنا في هذه الفقرة اسم الشاعر الحكيم «خعخبر-رع-سنب» الذي حُفِظت لنا من تآليفه لوحة كتابة محفوظة الآن في المتحف البريطاني، وسنوردها في باب التأملات. أما «بتاح حتب» فهو الحكيم الذي سنورد حِكَمه في افتتاح هذا الفصل، والاسم الأخير الذي جاء في هذه الورقة وهو «كارس» لا نعرفه قطُّ، وربما تجود الأيام بشيء من كتاباته في كشف جديد. والواقع أن الأدب الحكيم في مصر كما وُصِف لنا في تلك الفقرة الفذَّة يمكن تقسيمه إلى فرعين: التعليمي والتأملي، ومعظم ما وصل إلينا منهما يُنسَب إلى الدولة القديمة والعهد الإقطاعي والدولة الوسطى، وقليل منه يُنسَب إلى الدولة الحديثة.

وسيرى القارئ فيما وصلنا من الحِكَم والأمثال والتعاليم أنه كان هناك نمو مطرد في أفق المؤلف من جهة مجال الموضوعات التي تحت حسه، تمشيًا مع المدنية واتساع رقعة البلاد، وما أحرزه المصريون من التقدُّم في العمران، وفي الأمور الدينية، وسيدرك ذلك القارئ عندما يوازن بين حِكَم «بتاح حتب» الذي يُنسَب إلى الدولة القديمة، وبين حِكَم «أمنموبي» وتعاليمه التي تُنسَب إلى أواخر الدولة الحديثة؛ فكلٌّ من هذه وتلك تبحث في المبادئ القويمة، ولكن شتَّان بين الدائرة الضيقة التي تنحصر فيها التعاليم الأولى، والدائرة الثانية الفسيحة الأرجاء التي تنتشر في نواحيها التعاليم الثانية، فالأولى تنحصر في البيت وما يحيط به، والوظيفة وما تتطلبها، والمعاملات مع الناس، أما الثانية فتشمل الحياةَ من كل نواحيها، وعالم الآخِرة وما يستدعيه، وما إلى ذلك مما ستراه. وسيرى القارئ أن الحكيم المصري كان يحدِّد أهدافه التي يرمي إليها في تعاليمه في بداية مؤلَّفه، ثم يذكِّر بها القارئ في نهايتها، وهو ما نشاهده في تعاليم «بتاح حتب» وتعاليم «خيتي»، وتراها واضحة جلية في تعاليم «أمنموبي»، وكذلك تحس بها في تعاليم «آني»، وإن كانت غامضة بعض الشيء لما في المتن من الأخطاء.

وسيتناول بحثنا هنا الحِكَم والتعاليم أولًا، مرجئين فحص موضوع التأملات إلى ما بعد ذلك.

(١) الحكم والتعاليم

أهم ما وصل إلينا من هذا اللون من الأدب ثماني وثائق، وهي حسب ترتيبها التاريخي: حِكَم وأمثال «بتاح حتب»، وتعاليم «كاجمني» وهما من الدولة القديمة؛ وتعاليم «مربكارع» من العهد الإقطاعي، ووصايا أمنمحات لابنه «سنوسرت»، وتعاليم «سحتب أب-رع»، وتعاليم «خيتي» من الدولة الوسطى، وتعاليم «آني» وتعاليم «أمنموبي» من الدولة الحديثة، ويرى القارئ من ذلك أن لدينا سلسلة متصلة الحلقات من هذا اللون من الأدب تمثِّل كل عصر من عصور التاريخ المصري.

غير أنه مما يؤسف له جد الأسف أن بعض هذه التعاليم، وإن كانت تُنسَب إلى الدولة القديمة، إلا أنها لم تصل إلينا من نُسَخ أصلية من هذه الدولة، بل وصلت إلينا من نُسَخ يرجع عهد أقدمها للدولة الوسطى؛ ولذلك نجد أن هناك فروقًا في الأساليب وفي المتن بين النُّسَخ القديمة وبين نُسَخ عصر الدولة الحديثة؛ وذلك لأن الكتَّاب كانوا يحورونها أحيانًا تحويرًا كبيرًا حسبما يتفق مع ذوق العصر ولغته، بل قد نرى أحيانًا أن بعض الجمل كانت تُشرَح لغموضها على التلاميذ، كما سنشاهد ذلك في بعض المتون حتى في الدولة الحديثة، يُضَاف إلى ذلك أن معظم هذه النُّسَخ التي ترجع إلى عهد الرعامسة كانت محشوَّةً بأخطاء التلاميذ الذين كانوا يُكلَّفون نقْلَها، ومما يُؤسَف له أنها هي التي وصلت إلى أيدينا؛ فإذا اتفق أنه وصلت إلينا نسخة واحدة من هذا النوع كان من الصعب بل من المستحيل فهمها، ولكن لحسن الحظ قد وقع في أيدينا أكثر من نسخة لبعض هذه التعاليم، ولا تزال الكشوف تُخرِج لنا من آنٍ لآخَر نُسَخًا أخرى من هذه المؤلَّفات القيِّمة، فتسهل علينا حل بعض ما استغلق علينا منها؛ من أجل ذلك سنضطر إلى استعمال النُّسَخ القديمة أو الحديثة مفضلين الأسهل منهما، وعندما نجد اختلافًا بيِّنًا في التعبير أو المعنى نعرض كليهما. ومما هو جدير بالذكر هنا أن هذه التعاليم — لكثرة استعمالها وشيوعها — كان التلاميذ يكتبونها على قِطَع من الخزف وشظيات من الحجر الجيري الملساء، والسبب في ذلك طبعًا غلاء ورق البردي، وعدم كفايته لعددٍ جمٍّ من التلاميذ، ومعظم هذا الخزف يرجع إلى عهد الرعامسة، وعُثِر منه حديثًا على كميات هائلة مكتوبة وعليها فقرات عدة من هذه الحِكَم والتعاليم.

(١-١) أمثال وحِكَم بتاح حتب١

كان المصري عندما يشعر بدنو أجله يكتب وصيته، فيقسِّم أملاكه، وغالبًا ما كان ينقش صورةً من هذه الوصية على جدران مقبرته. على أن الأمر لم يكن يقتصر على ذلك، بل كان أحيانًا يخلف لابنه الأكبر نصائح وتعاليم عن تجاربه في الحياة وفي وظيفته؛ لتكون عونًا له على أداء عمله الحكومي، وعلى الضرب في الحياة على أحسن حال، وسيدرك القارئ أن الحكيم كان دائمًا يشير إلى ما يرمي إليه في تعاليمه في افتتاحها وفي نهايتها.

وأقدَمُ مَن خلف لابنه نصائح من هذا النوع هو «بتاح حتب».

وقد ذكر لنا أنه كان وزيرًا للملك «إسيسي» (٢٦٧٠ق.م تقريبًا)، وتدل النقوش على أنه كان لهذا الملك وزير يحمل هذا الاسم، ولا يزال قبره معروفًا لنا في سقارة حتى الآن. وبالرغم مما يحوم من شكوك حول نسبة هذه الوثيقة إلى هذا الوزير، فإنه من المؤكد أنها قديمة جدًّا، قد وصلت إلينا منها ثلاث نُسَخ يرجع عهد اثنتين منها إلى الدولة الوسطى، والثالثة كُتِبت في الدولة الحديثة. ومن الجائز أن بعض هذه النصائح قد فَاهَ بها هذا الوزير العظيم، كما يحتمل أن بعض أمثال التوراة التي تُنسَب إلى سليمان قد فَاهَ بها حكيمنا فعلًا.

ومهما يكن من أمر هذه التعاليم، فإن الغرض منها إرشاد التلميذ وغيره إلى السير الحكيم والأخلاق الحسنة، ثم ليكون أسلوبها هدفًا مثاليًّا يحتذيه التلميذ في تعبيره؛ ليصبح ذا بصر بفنون الكلام، وليعبِّر عمَّا في نفسه بلغة مختارة جديرة بموظف محترم، وهذا هو السر في ذيوعها في عهد الدولة الوسطى، ثم في الدولة الحديثة.

ونجد في النسخة التي من عصر الدولة الحديثة السبب الذي من أجله ألَّفَ «بتاح حتب» تعاليمه هذه، فيقول لجلالة الملك «إسيسي»:

قد حلت الشيخوخة، وبدا خرفها، وامتلأت الأعضاء آلامًا، وظهر الكبر كأنه شيء جديد، وأضحت القوة أمام الهزال، وأصبح الفم صامتًا لا يتحدث، وغارت العينان، وصُمَّتِ الأُذُنان … وأضحى القلب كثير النسيان غير ذاكر أمسه، والعظام تتألم من تقدُّم السن، والأنف كتم فلا يتنفس، وأصبح القيام والقعود كلاهما مؤلمًا، والطيب أصبح خبيثًا، وكل ذوق قد ولَّى، فتقدُّم السن يجعل حال المرء سيئًا في كل شيء.

فمرني أصنع لي سندًا (عكازة)٢ لكبر سني، ودَعِ ابني يحتل مكاني، فأعلمه أحاديث مَن يسمعون، وأفكار مَن سلفوا، وهم الذين حرموا السلف في الأزمان الخالية، ولَيْتَهم يعملون لك بالمثل؛ حتى يُتَّقَى الشجار بين الناس، وتخدمك مصر.

فأجاب جلالته: «علِّمْه أولًا الحديث … وإني أرجو أن يكون مثالًا لأولاد العظماء، وليت الطاعة تكون رائِدَهُ، ويدرك كل فكرة صائبة ممَّن يتحدث إليه، فليس هناك ولد يحرز الفهم من تلقاء نفسه.

ولا أشك في أن القارئ يرى في هذا الوصف البديع للشيخوخة، وفيما يهدف الناصح إليه من وراء تعليم ابنه، صورةً مدهشةً من حيث الدقة في التعبير ونفاذ البصيرة وضعها كاتب منذ آلاف السنين.

أما النسخة القديمة فمقدمتها تختلف عن هذه؛ فقد جاء فيها:

الكلام الحسن التعبير الذي نطق به الأمير العظيم … الوزير «بتاح حتب» عندما كان يعلم الجاهل العلم وقواعد الكلام المنسجم، فيا فَلَاح مَن يصغي إليها، ويا شقاء مَن يحيد عنها.

ويبدو من هذا العنوان الذي كُتِب في نسخة الدولة الوسطى أن الاهتمام بصياغة الكلام والأسلوب الحَسَن من أهم ما يعنى به الكاتب في هذا العهد — كما نوَّهنا عن ذلك من قبلُ.
ولقد وافَقَ الملك وزيره «بتاح حتب» على تعليم ابنه (ابن الوزير)؛ ليعده للقيام بأعباء الواجبات الحكومية وللحياة، حتى يكون مساعدًا وخلفًا له، فأخذ الوزير المذكور يسدي النصح لابنه بألَّا يسيء استعمال الحكمة التي سيلقَّنُها، بل عليه أن ينهج سبيل التواضع، فنراه يقول:
لا تكونن متكبرًا بسبب معرفتك، ولا تكونن منتفخ الأوداج لأنك رجل عالم، فشاوِر الجاهل والعاقل؛ لأن نهاية العلم لا يمكن الوصول إليها، وليس هناك عالم مسيطر على فنه تمامًا، وإن الكلام الحَسَن أكثر اختفاءً من الحجر الأخضر الكريم، ومع ذلك فإنه يوجد مع الإماء اللائي يعملن في إدارة أحجار «الطواحين».٣

ثم يعقب ذلك اثنتان وأربعون فقرة تنتظم نصائح مختلفة، ولكن المؤلف لم يبذل أي جهد في ترتيبها أو تنظيمها، بل كتب كل فقرة منها عفو الخاطر حسبما كان يجول في ذهن رجل مُسِن قد حنكته تجارب الحياة ومسئولياتها، وأراد أن يطرحها عن كاهله إلى كاهل ابنه. ونرى في حِكَمه الاهتمام القوي وحسن الذوق واستعمال الذهن الذي اعتاد أن يطلق عليه القلب.

وقد كان أبرز الصفات القيمة التي يجدر بالشاب أن يتَّصِف بها عنده هي أن يكون قادرًا على الإصغاء والطاعة، فنجده يقول:

إن الاستماع مفيد للابن الذي يصغي (يطيع)، وإن المستمع يدخل مثل إنسان قد استمع، ومَن يستمع يصبح مستمعًا، فيكون حَسَنَ الإصغاء وحسَنَ الكلام، وإنَّ مَن يستمع يكون مالكًا للفائدة؛ لأن الإصغاء مفيد للسامع. والإصغاء أحسن من أي شيء؛ لأن من نتائجه الحب الجميل.

أجمل بالابن الذي يصغي عندما يتحدث إليه والده! فإنه سيصل إلى الشيخوخة بسبب٤ ذلك، وإن المستمع يحبه الله، ومَن لا يستمع تبغضه الآلهة، والعقل هو الذي يشكِّل صاحبه فيكون مستمعًا أو غير مستمع، وعقل الإنسان هو حياته وسعادته وصحته، أجمل بالولد الذي يرى الواجب في أن يصغي إلى والده! وما أعظم فرح الإنسان الذي يقول له الناس «إنه ابن فضيلة كفضيلة سيد يستمع!»

أما المستمع الذي يقال له ذلك، فإنه يكون فاضلًا منذ الولادة، ومحترمًا في نظر والده، وذكراه تكون في أفواه الأحياء الذين على الأرض ما داموا أحياءً. أما الغبي الذي لا يستمع فلن ينال نجاحًا؛ إذ إنه يعتبر العلم جهلًا والطيب خبيثًا، ويعرِّض نفسه كل يوم للوم؛ لما يأتيه من كل شيء مكروه، ويعيش على ما يموت الناس فيه، والقول الخبيث غذاء فمه، وأخلاقه إذن تكون معروفة للحكَّام، ويموت حيًّا كل يوم، ولن يعامله الناس مطلقًا بسبب السيئات الكثيرة التي يرتكبها كل يوم.

فمن ذلك يتضح أنه منذ القرن السابع والعشرين كان السلوك أمرًا يُقوَّم، وحكمة ذات معيار، يرثها الابن عن والده، وكان للنجاح في الحياة المكانة السامية، وكانت السُّبُل التي تحقِّق الوصول إليه عظيمةَ الأهمية، ولذلك استغرقت هذه الأمور نحو ثلث نصائح «بتاح حتب»، فبعض هذه النصائح يوحي بالتخلُّق بالحذر في حضرة العظماء، وبعضها يعرفنا آداب المائدة في حضرة الرئيس، فيقول:
إذا اتفق أنك كنتَ من بين الجالسين٥ على مائدة أكبر منك (مقامًا)، فخذ ما يقدم لك حينما يُوضَع أمامك، ولا تنظرنَّ إلَّا إلى ما وُضِع أمامك، ولا تصوبن لحظات كثيرة إليه؛ لأن ذلك مما تشمئز منه النفس (كا)٦ إذا أحفظها الإنسان. وانظر بمحياك إلى أسفل إلى أن يحييك، وتكلَّمْ فقط بعد أن يرحب بك، واضحك حينما يضحك، فإن ذلك سيكون سارًّا لقلبه، وما تفعله يكون مقبولًا؛ لأن الإنسان لا يعلم ما في القلب.٧ والرجل العظيم يتوقف عزمه على أوامر نفسه، حينما يجلس أمام الطعام، والرجل العظيم يعطي مَن بجواره.
وقد خصَّصَ الناصح جزءًا كبيرًا من حِكَمه لبيان الطرق السديدة الموصلة إلى حسن سير الأعمال الرسمية، فقال:

إذا كان رئيسك فيما مضى من أصل وضيع، فعليك أن تتجاهل وضاعته السابقة، واحترمه حسبما وصل إليه؛ لأن الثمرة لا تأتي عفوًا، ولا تعيدن قطُّ كلمات حمقاء خرجت من غيرك في ساعة غضب. التزم الصمت؛ فإن هذا أحسن من أزهار (تفتف)، وتكلَّمْ فقط إذا كنتَ تعلم بأنك ستحل المعضلات، وإن الذي يتكلم في المحفل لمفتن (يعني في الكلام)، وصناعة الكلام أصعب من أي حرفة أخرى.

وعليك أن تقدِّم للأمير نصيحة تساعده؛ لأن قوتك تتوقف على مزاجه، وبطن الرجل المحبوب يُملَأ، وظهره يُكسَى تبعًا لذلك …

كُنْ عميقَ القلب نزر الكلام … وكن ثبت الجنان طالما تتكلم، فعسى أن يقول الأمير الذي يسمع كلامك: ما أسد الكلام الذي يخرج من فمه!

ولا نزاع في أن الدافع لمثل تلك النصيحة هو اتباع سياسة دنيوية مبنية على اليقظة والتفطن.
ونرى أن ذلك السياسي المحنك كان ذا نظرة ثاقبة في انتهاز الفرصة لمصلحته، مع أنه لم يُحرَم في الوقت نفسه حاسة الإدراك لما هو أثمن من ذلك؛ إذ إن عِلْمَه بتقلبات الدهر قد علَّمَه التواضعَ، ولذلك قال ينصح ابنه:

إذا أصبحت عظيمًا بعد أن كنتَ صغيرَ القدر، وصرتَ صاحبَ ثروةٍ بعد أن كنتَ محتاجًا … فلا تنسينَّ كيف كانت حالك في الزمن الماضي، ولا تتغنَّ بثروتك التي أتت إليك منحةً من الإله (الملك)، فإنك لستَ بأحسن من أقرانك الذين حلَّ بهم ذلك (أي الفقر).

وفضلًا عما تقدَّمَ، فقد رأى أن حياة الموظف المدنية محفوفة بالمخاطر؛ ولذلك يقول ناصحًا:

احترس من الأيام التي يمكن أن يأتي بها المستقبل.

وإذن يكون من أصالة الرأي أن يمنح غيره أموالًا كثيرة بحسن نية لما يخبئه المستقبل، كما يقول:

أشبع أصدقاءك بما جدَّ لك بسبب نيلك الحظوة عند الإله (أي الملك)؛ إذ لا يوجد إنسان يعرف مصيره إذا فكَّرَ في الغد، وإذا اعترى حظوته لدى الملك شيء، فإن الأصدقاء هم الذين لا يفتئون يقولون مرحبًا … فعليك أن تستبقي ودَّهم لوقت السخط الذي يهدِّد الإنسان، ولكن سترى فيما بعدُ، أنه حينما تسوء حظوتك فإن فضيلتك ستكون فوق أصدقائك.

وتراه هنا ينصح الإنسان بأن يتحرَّى أخلاق أصدقائه، فيقول:

إذا كنتَ تبحث عن أخلاق مَن تريد مصاحبته فلا تسألنه، ولكن اقترب منه وكُنْ معه وامتحن قلبه بالمحادثة، فإذا أفشى شيئًا قد رآه، أو أتى أمرًا يجعلك تخجل له؛ فاحذر عندئذٍ حتى من أن تجيبه.

ولقد كانت مسئوليات الأسرة في نظره أهم من الأصدقاء، فتراه يتحدث عنها قائلًا:

إذا كنتَ رجلًا ناجحًا، فوطِّدْ حياتك المنزلية، وأحبب زوجتك في البيت كما يجب.

وفي نسخة حديثة يقول:

إذا كنتَ رجلًا ناجحًا فأسِّسْ لنفسك بيتًا، واتخذ لنفسك زوجةً تكون سيدة قلبك.

فنرى في المتن القديم أنه يجعل الحب أساسًا لبناء عش الزوجية، ولكنه الحب العملي الذي يجب على الزوج لزوجته، ولذلك يستمر قائلًا:

أشبع جوفها، واستر ظهرها.

ومطالب المرأة كثيرة لا تقف عند حد، ولكن ما تعتزُّ به المرأة الحديثة وتشاركها فيه أختها القديمة في مصرنا من التطور، ينحصر فيما غلا من الروائح والدهان. ولم يَنْسَ حكيمنا أن يذكِّر بها ابنه، إذ قال:

إن علاج أعضائها هو الدهان.

وبذلك يرى ذلك الوزير المحنك أن الزوج الكيس هو الذي يجعل زوجته سعيدة أولًا بالمحبة التي يلزمه أن يُفسِح لها في قلبه المكانَ الأولَ، ثم يتبع ذلك بقضاء حاجتها من غذاء وملابس، ثم الكماليات كالعطور، ونراه يقول:

اجعل قلبها فَرِحًا ما دمتَ حيًّا، فهي حقل مثمر لسيدها.

وهذا التشبيه الأخير جاء في القرآن بعد مضي خمسة وثلاثين قرنًا في قوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ (سورة البقرة آية ٢٢٢).
أما عن الأبوة فقد كان «لبتاح حتب» آراء خاصة فيها، إذ يقول:

إذا كنتَ رجلًا ناجحًا وكان لك بيت، ووُلِد لك ابن اكتسب رضاء الإله (الملك)، فإذا عمل صالحًا ومالَ إلى طبعك، وسمع نصائحك وكانت خططه ذات نتائج حسنة في بيتك، وكان معتنيًا بمالك كما يجب، فابحث له عن كل شيء حسَنٍ، فهو ابنك الذي ولدته لك نفسك (كا)، ولا ينفرنَّ قلبك منه. ولكن إذا عمل سوءًا وأعرض عن خططك (أي أوامرك) ولم يعمل حسب نصائحك، وصارت خططه لا قيمة لها، وتحدَّى كل ما تقوله … عندئذٍ أَقْصِهِ؛ لأنه ليس ابنك ولم يُولَد لك …

ومع أن ذلك الوزير كان يفقه جيدًا الرغبة في النجاح الدنيوي، وإحراز الثروة، إلا أنه كان يرى ألَّا تطغى المادة على الروابط الأسرية، فتراه يقول:

لا تكونن شَرِهًا في القسمة، ولا تكونن ملحًا في الحق، ولا تطمعن في مال أقاربك؛ فإن الالتماس باللين يجدي أكثر من القوة، فإن القليل الذي يُختلَس يُولد العداوة (حتى) عند صاحب الطبع اللين (يعني الحليم).

ولما كان الطمع من أهم الصفات الذميمة الداعية لتفكُّك روابط الأسرة المتماسكة، قال يحذر منه:

إذا أردت أن يكون خلقك محمودًا، وأن تحرِّر نفسك من كل قبيح، فاحذر الشراهة فإنها مرض عضال، والصداقة معها مستحيلة؛ لأنها تجعل الصديق العذب مرًّا، وتقصي ذا الثقة عن سيده، وتجعل كلا الأبوين قبيحًا، وكذلك الأخوان، وتفرِّق بين الزوج وزوجه، وهي حزمة فيها كل أنواع الشر، وعيبة بها كل شيء مرذول، وإن الرجل الذي يتبع طريقة حقة في سلوكه، ويسير على صراط سوي يعيش طويلًا، ويكسب الغنى بذلك، ولكن الشره لا قبر له.

وقد شفع «بتاح حتب» هذا البحث الذي يدل على ما للروابط الأسرية عنده من القيمة العظيمة في بيت الإنسان، بوجوب احترام أهل بيت غيره، ولو كان من غير ذوي قُرْبَاه، فنجده يحذر الزائر تحذيرًا شديدًا من محاولة الاقتراب من النساء، بل يحتم عليه أن يتباعَدَ عنهن بقدر المستطاع، فيقول:

إذا أردتَ أن تحافظ على الصداقة في بيت تدخله، سيدًا كنتَ أم خادمًا أم صاحبًا، فاحذر القرب من النساء، فإن المكان الذي يَكُنَّ فيه ليس بالحسن، ومن الحكمة إذن ألَّا تحشر نفسك معهن، ومن أجل ذلك يذهب ألف رجل إلى الهلاك بسبب متعة قصيرة تضيع كالحلم، ولا يجني الإنسان من معرفتهن غير الموت.

وقال في هذا المعنى أيضًا:

وعندما يفتتن الإنسان بأعضائهن البرَّاقة (حرفيًّا: أعضاء من الزجاج)، فإنها تصير بعد ذلك مثل حجر «هرست» (أي شيئًا تافهًا مثل الحلم)، والموت يأتي في النهاية.

وتسود حكمةَ «بتاح حتب» روحُ الشفقة الكريمة، ولم يجعلها تنحصر في أسرته، بل جعلها تمتد إلى مَن حوله؛ ولذلك يأمر ابنه بأن يسلك مسلكه في ذلك، إذ يقول له:

كُنْ طلق الوجه ما دمتَ حيًّا.

ثم يستمر في كلامه بحالة تُشعِر بأنها كانت أصلًا للمثل المشهور: لا فائدة من النحيب على لبن مهراق (وهذا يشبه المثل: العايط في الفايت نقصان من العقل).
وهذا المرح العظيم الذي نراه فيما يأتي من قول الوزير، يتفق وما ينشده من طلب الراحة والفراغ؛ إذ يقول:

اتبع لبك ما دمتَ حيًّا، ولا تفعلن أكثر مما قيل لك، ولا تنقصن من الوقت الذي تتبع فيه قلبك؛ لأنه مكروه عند النفس (كا) أن ينتقص من وقتها، ولا تشغلن نفسك يوميًّا بخلاف ما يتطلبه بيتك، وعندما يواتيك الثراء مَتِّعْ نفسَك؛ لأن الثراء لا تتم (فائدته) إذا كان معذبًا.

ولا شك في أن مَن كانت روحه مَرِحة بهذا الوصف، ينبغي أن تكون الشفقة عنده من الأمور المألوفة. واستمع إلى قوله في ذلك:
إذا كنتَ حاكمًا فكُنْ شفيقًا حينما تسمع كلام المتظلم، ولا تُسِئْ معاملته إلى أن يغسل٨ بطنه، وإلى أن يقول ما جاء من أجله … وإنها لفضيلة للقلب أن يستمع مشفقًا.
ولا نزاع في أن تكون هذه الشفقة ذات علاقة وطيدة بالمعامَلة الحسنة القائمة على الحق، ولا غرابة إذن إذا وجدنا أن الحق والعدالة قد اتَّخَذَا لهما مكانةً في حلمه تسمو على كل مكانة، فيقول:

إذا كنتَ حاكمًا تصدر الأوامر للشعب، فابحث لنفسك عن كل سابقة حسنة حتى تستمر أوامرك ثابتة لا غبار عليها. إن الصدق جميل وقيمته خالدة، ولم يتزحزح عن مكانه منذ خُلِق؛ لأن العقاب يحل بمَن يعبث بقوانينه … وقد تذهب المصائب بالثروة، ولكن الصدق لا يذهب بل يمكث ويبقى، والرجل المستقيم يقول عنه: (إنه متاع والدي قد ورثته عنه.)

لذلك كان لزامًا على الشاب أيضًا أن يبلغ رئيسه الحقائق، ولو كانت مرَّة على نفسه، ولا شك في أن هذه السبل كانت تتطلب قوة خلق عظيمة؛ وهذا ما كان يرجوه ذلك الحكيم من ابنه إذ يقول:

حصِّل الأخلاق … واعمل على نشر العدالة، وبذلك تحيا ذريتك.

وكذلك يذكِّر ابنه:

بأن الفضيلة التي يتحلَّى بها الابن لها قيمتها عند الأب، والخلق الحسن يبقى شيئًا مذكورًا.

ويقول أيضًا:

وإذا استمعتَ ووعيتَ ما ألقيتُه عليك، فإن كل صنيع لك سيكون على غرار عمل الأجداد، أما صحة هذه الأشياء فالفضل فيها يرجع إليهم (أي الأجداد)، وذكراها لن تُمحَى من أفواه الناس؛ لأن نصائحهم جديرة بالتقدير، وكل كلمة ستنقل ولن تُمحَى من هذه الأرض أبدًا، وسيكون للكلام قيمة حسبما ينطق به الأمراء … وعندما يصيب رئيسك شهرة جديرة بالتقدير فإنها ستبقى حسنة أبدًا، وستخلد كل مزاياها، أما الرجل الحكيم فإن روحه تنعم باستمرار بقاء فضيلته على الأرض، والرجل العاقل يُعرَف بعمله، وقلبه ميزان لسانه، وشفتاه تصيبان القول عندما يتكلم، وعيناه تبصران عندما ينظر، وأذناه تسمعان ما يفيد ابنه الذي يقيم العدل ويبرأ من الكذب.

وقد يجوز أن ذلك الوزير المسن قد عبَّرَ عن روحه الخلقية بأوجز عبارة حينما حذَّرَ من الطمع فيما سلف، وأننا نجده الآن في صورة الظافر المنتصر؛ إذ يقول في غير مناسبة تربط بين قوله هذا وبين ما تقدَّمَ:

إن الرجل الذي اتَّخَذَ العدالة معيارًا له، وسار وفقًا لجادتها يكون ثابت المكانة.

وختم «بتاح حتب» نصائحه لابنه بعبارة تحبِّب إلى نفسه العدالة، إذ يقول له في منتهاها:

تأمل! إن الولد النجيب الذي يهبه الإله، يقوم بأداء أكثر مما يأمره به والده، فهو يقيم الحق، وقلبه يسير على صراطه، وبقدر ما تصل إلى ما وصل إليه الناس، سيكون جسمك سليمًا وسيكون الملك مرتاحًا لك في كل ما يجري، وكذلك ستصل إلى السن التي وصلتُ إليها، والسنين التي عشتها على الأرض وليست بالقليلة؛ فقد بلغت العاشرة بعد المائة، وحباني الملك بمكافأة تفوق كل مكافآت الأجداد؛ لأني أقمتُ العدلَ للملك حتى ضمَّنِي القبر.

ومما سبق يتضح أن حِكَم «بتاح حتب» كانت ذات مكانة راجحة في الجهات العليا من وادي النيل، وبخاصة إذا علمنا أن أحد ألقاب الملك «وسركاف» الذي عاش في عهده هذا الوزير «مقيم العدل»، وقد أفاض وزيرنا في العدل وفضائله.

ويتناول أكثر من نصف حِكَم هذا الرجل العظيم أخلاق الإنسان وسلوكه، وما بقي يختص بالبحث في الإدارة وسلوك الإنسان الرسمي، ويلاحظ بوجه عام أن تلك الحِكَم ترشد إلى اللطف والاعتدال والحزم الذي يصحبه التثبُّت، فهي بذلك في الواقع تنمُّ عن منتهى ما كان عليه الوزير من حسن الذوق، وسلامته في تقدير الأمور ووزنها بالميزان الصحيح عندما وصَّى ابنه باتباعها والسير على نهجها، فيجب أن يعرف بأن الحياة العظيمة القيمة هي التي يحظى فيها الإنسان بقسط وافر من المتعة، وعليه أن يحافظ على ساعات الراحة والدعة حتى لا يتسرب منها شيء إلى أعباء الوظيفة أو غيرها، ذلك إلى أنه يجب على المرء أن يكون بادي البشاشة والطلاقة؛ لأنه لا فائدة من النحيب على ما فاته.

وبالجملة فإن النغمة التي تغلَّبَتْ على فلسفة نصائح ذلك الوزير السهلة التناول هي الوازع الخلقي الحقيقي، وأبرز الواجبات التي تظهر فيها ما عبَّرَ عنه بقوله:

أقِمَ العدل، وعامِلَ الجميعَ بالعدالة.

على أنه ليس من باب المصادفة أن تُذكَر مثل تلك الحقائق المقنعة في إضمامة من البردي القديم، تبعث فينا جوًّا مشبعًا بالرحمة والمحبة واحترام الوالدين والبر بهما، مما يوطد دعائم الأسرة ويوثق العلائق بين أعضائها، وتنأى بنا في الوقت نفسه عن الشره الذي يقضي على الوئام ويفكِّك الروابط، بل إن تلك العواطف دروس قصد إليها ذلك العالم الاجتماعي، فانتقلت إلى البيئة المحيطة به وانتشرت فيها، وسعادة الأسرة وسلامة العلاقات بين أفرادها هي الثمرة الظاهرة لهذه التعاليم.

وعلى ذلك نجد في حِكَم «بتاح حتب» برهانًا قاطعًا للحقائق التي وُجِدت في نقوش المقابر والمعابد التي رسمت فوق جدرانها، والتي تدل على أن حياة الأسرة هي التي هيَّأَتْ للإنسان في بادئ الأمر الشعور بالمسئوليات الخلقية.

من أجل كل ما ذكرنا بقيت أمثال «بتاح حتب» منارة يُستضَاء بها في معايير الأخلاق وفي الأسلوب الكتابي.

ولا أدل على ذلك من أن جُمَلًا مفردة من نصائحه كانت تعيش بعد مئات السنين من وضعها، مثال ذلك أن رجلًا اسمه «أمنمحات» عاش في عهد الأسرة الثامنة عشرة يقول متحدِّثًا عن نفسه وعن رئيسه:

لم أصوب إليه لحظات عدة، بل ألقيت بوجهي إلى الأرض عندما تحدَّثَ إليَّ.

وكذلك نقرأ على أثر يمجِّد فتح الملك «سنوسرت الثالث» لبلاد النوبة:

إنه ليس ابنك، إنه لم يُولَد لك.

(أ) المصادر

أهم مَن كتَبَ عن هذه التعاليم ما يأتي:
  • (1)
    Pieper “Die Agyptische Literatur” PP. 19 ff.
  • (2)
    Peet, “A comparative Study of the Literatures of Egypt, Palestine and Mesopotamia” P.P. 100 ff.
  • (3)
    Breasted, “The Dawn of Conscience” P.P. 129 ff.
  • (4)
    Erman, “The Literature of the Ancient Egyptians” P.P. 54–65.
  • (5)
    Griffith. “The World’s Best Literature”.
  • (6)
    Petrie, “Religion and Conscience in Ancient Egypt” (translation by Griffith).
  • (7)
    Dévaud, “Les Maximes de Ptahhotep”. (Fribourg, 1916)
  • (8)
    Mever, (“The Oldest Books in the World” New york, 1900).

(١-٢) تعاليم كاجمني

لم يصلنا من هذه التعاليم إلا جزء صغير محفوظ مع تعاليم «بتاح حتب» في «ورقة باريس»، فلا بد أنها مشابهة لها، ومن المحتمل أن الجزء المفقود قد جاء فيه أن الملك «حوني» الذي ينسب حِكَمه إلى أواخر الأسرة الثالثة، قد أمر وزيره بأن يفرغ تجاريب حياته في كتاب؛ لتكون بمثابة مواعظ لأبنائه، ومن بينهم وزير يُدعَى «كاجمني»، ونحن لا نعرف وزيرًا بهذا الاسم من ذلك العصر، والوزير الذي نعرفه بهذا الاسم عاش في الأسرة السادسة، أي بعد ذلك ببضع مئات من السنين. فنرى في الفقرة الأولى التي وصلت إلينا أن الوزير يتكلَّم عن الحزم والتبصُّر في الكلام فيقول:

… والمتواضع يبقى صحيحًا، ومَن يستقِمْ في معاملته يُمدَح، وتفتح الخيمة للمتواضع، والحَذِر في كلامه يُفسح له مكان رَحْب، ولكن السكين ترهف لمَن يحيد عن الصراط …

ثم ينتقل بعد ذلك إلى الكلام عن آداب المائدة، فيحض على التعفُّف وضبط جماح النفس عند تقديم ألوان الطعام الشهي، فيقول:

إذا جلستَ مع أناس كثيرين (للأكل) فانظر إلى الطعام بعدم مبالاة، وإنْ كنتَ تشتهيه، فإن ضبط النفس لا يكلِّف الإنسان أكثر من لحظة، وإنه لَمِن العار أن يكون الإنسان شرهًا، فقدح ماء يروي الغُلَّة، وإن كان الفم مفعمًا فإن ذلك مما يقوي القلب، والشيء الطيب يحل محل الطيب (إن لونًا بسيطًا جيدًا يغنيك عما هو أحسن منه)، كما أن القليل يحل محل الكثير، وإن الرجل الشره تعس لداعي جسمه … وإذا جلست مع إنسان شره فلا تأكلنَّ إلا بعد أن يفرغ من وجبته، وإذا جلست مع سكير فلا تأخذنَّ (من الشراب) إلا بعد أن يشبع شهوته، ولا تتكالبنَّ على اللحم في حضرة … فخُذْ حينما يقدم لك ولا ترفضنها، وفكِّر في أن ذلك يريحه.

وبعد ذلك ينتقل حكيمنا إلى حض الإنسان على عدم الفخر فيقول:

لا تكونن فخورًا بقوتك بين مَن هم في سنك، واحذر من أي فرد يغالبك (؟)؛ لأن الإنسان لا يعرف ماذا يكون حظه، وما يفعله الله عندما ينزل العقاب.

(أ) الخاتمة

ونادَى الوزير أولاده بعد أن أتَمَّ مقاله عن أحوال بني الإنسان وعن أخلاقهم كما عركها بنفسه، فقال لهم:

أصغوا إلى كلِّ ما في هذا الكتاب كأني قد تكلَّمْتُه … وعندئذٍ سجدوا على بطونهم وقرءوه كما هو مكتوب، وقد كان محبَّبًا إلى قلوبهم أكثر من أي شيء آخَر في الأرض قاطبةً، وقد قاموا وقعدوا حسبما جاء فيه (أي إنهم ساروا حسب تعاليمه)، وعلى أثر ذلك عُيِّنَ «كاجمني» مشرفًا على العاصمة ووزيرًا.

(ب) المصادر

  • (1)
    Prisse Papyrus (Paris).
  • (2)
    Erman, “The Literature of the Ancient Egyptians”, P.P.66 ff.
  • (3)
    Griffith, “Notes on Egyptian Texts of the Middle Kingdom”, Proceedings of the Society of Biblical Archaeology”, Vol. XIII, (1980).

(١-٣) التعاليم التي لُقِّنَتْ للملك «مريكارع»

هذه الوثيقة تُنسَب لملك من الأسرة العاشرة لم يُعرَف اسمه لنا بعدُ على وجه التحقيق، وقد كتبها لابنه المسمى «مريكارع»، والظاهر أن الملك مؤلِّفها قد وضعها في آخِر لحظة من حياته. على أن هذه الوثيقة العظيمة الشأن لم تصل إلينا إلا عن نسخة كُتِبت في عهد الأسرة الثامنة عشرة، ونحن نعلم أن «مريكارع» قد عاش في عصر الثورة الاجتماعية التي قلبت نظام البلاد رأسًا على عقب في النصف الثاني من الألف الثالثة قبل الميلاد. وتدل الأحوال على أن الملك والد «مريكارع» لم يكن يقبض على زمام الأمور في كل مصر، وكانت عاصمة ملكه هيراكليوبوليس (أهناس المدينة).

وقد تغلَّبَ هذا الملكُ المُسِنُّ على مدينة طينة في العرابة المدفونة، التي كانت ضمن أملاك «أنتف العظيم» أمير طيبة (انظر تاريخ مصر: جزء١، ص٤٢٠).

ومما يُؤسَف له جد الأسف أن ناقل الوثيقة قد ارتكب أغلاطًا كثيرة مما جعل كثيرًا من أجزائها غير مفهوم، فضلًا عما بها من فجوات كبيرة، ومع ذلك فإنها تُعَدُّ من أعظم الوثائق التي وصلت إلينا عن هذا العصر؛ لأن ذلك الرجل المُسِنَّ لم يقتصر فيها على النصائح الأدبية والاجتماعية، بل أضاف إلى ذلك تعاليم دينية منقطعة النظير، وتجارب سياسية كشفت لنا عن صفحة مجيدة في نوع الحِكَم الذي كانت تسير عليه البلاد في ذلك العهد في مدن الدلتا، ووصفت لنا الأقوام الذين كانوا يهدِّدون مصر على حدودها، والعلاج الناجع لكبح جماحهم (وقد تكلَّمْتُ عن هذا في كتاب أقسام مصر الجغرافية).

ولا نزاع في أن الصراع الهائل الذي قام بين الفوضى والنظام أيام العهد الإقطاعي في المدة التي تلت سقوط الدولة القديمة، لم يَجِدْ حتى الآن ما يُعبِّر عنه تعبيرًا تامًّا؛ إذ تنقصنا كل الوثائق التاريخية البحتة عن هذه الفترة، ولا بد أن الحياة المتحضرة في أمهات البلاد التي كانت مزدهرة في عصر الدولة القديمة مثل «منف» و«عين شمس» وغيرها من المدن التي كانت مركزًا للقوة والثقافات المدنية والخلقية، كانت لا تزال باقية على ما هي عليه، أما «أهناس المدينة» فلا نعلم عنها شيئًا إلا أنها كانت عاصمة ملكنا الحكيم الذي أهدى إلى العالم تلك التعاليم العظيمة التي كان يريد بها أن تكون نبراسًا يسير على هَدْيه ابنه «مريكارع».

وتلك الوثيقة كما قلنا مدوَّنة على بردية محفوظة الآن بمتحف «ليننجراد»، وهي تحمل بين سطورها أدلة قاطعة تثبت أنها كُتِبت في العصر الذي تُنسَب إليه، ويمكن أن نعدَّها صوتًا حقيقيًّا لملك «أهناس» والد «مريكارع»، وهذا الملك المحنك يرجع بنا بنظراته الصائبة إلى الوراء؛ لنستعيد ماضي تلك الدولة القديمة، مما يدل على عِظَم احترامه وشدة محبَّته للحكمة التي تمخَّضت عنها تلك الأزمان؛ إذ نرى ذلك السياسي المحنك يتحدث عن الرجل الحكيم فيقول:

إن الصدق «ماعت» يأتي إليه مختمرًا حسبما كان عليه الأجداد، فعليك إذن أن تقلِّد أجدادك. وتأمَّلْ! إن كلماتهم مدوَّنة في المخطوطات، فافتحها لتقرأها وقلِّدْ معرفتهم، وبتلك الطريقة يصير صاحب الصناعة على علم.

وإذا رجعنا إلى الوراء أمكننا أن نلحظ في تلك الكلمات تأثيرَ نصائح «بتاح حتب» الذي عرَّف في نصائحه الكلامَ بأنه صناعة، والمتكلم الماهر بأنه محترف، ولا بد أنه كان ضمن تلك المخطوطات إضمامة البردي التي تحتوي على نصائح «بتاح حتب»، ولا بد أن ملك «أهناس» قد أمر بفتحها وقراءتها على سمعه؛ حتى يمكنه التبصُّر فيما تحويه من الحِكَم التي كانت قد مضى عليها وقتئذٍ ما يقرب من أربعمائة سنة؛ ولذلك يقول الملك المسن:

كُنْ صانعًا للكلام لتكون قوي البأس؛ لأن قوة الإنسان هي اللسان، والكلام أعظم خطرًا من كل حرب، وهذا القول أشبه بقولنا «القلم أشدُّ بأسًا من السيف.»

وكذلك يتفق ذلك الملك الحكيم مع «بتاح حتب» في أن اللسان الذرب يحتاج إلى توجيه حكيم؛ إذ يضيف إلى ما سبق قوله:

إن الرجل الفطن لا يجد مَن يفحمه، والذين يعرفون أنه أوتي الحكمة لا يعارضونه؛ وبذلك لا تحدث له مصيبة في زمانه.

ولقد كان من المستحيل بداهة أن يتجاهل ذلك الملك الصعوبات التي كانت قائمة في موقف البلاد السياسي إذ ذاك؛ ولذلك أسدى النصيحة للأمير الصغير بالمحافظة على العلاقات السليمة التي كانت قائمة بينه وبين الوجه القبلي المستقل كما ذكرنا. وقد خصَّصَ جزءًا كبيرًا للعناية بحدود البلاد المصرية المكشوفة المعروفة من جهة آسيا شرقًا ولوبيا غربًا.٩
أما في سياسة البلاد الداخلية فقد تجلَّتْ لنا فطنة ذلك السياسي العظيم؛ إذ نجده يعترف اعترافًا صريحًا بقوة الأسر الشريفة العظيمة التي استقلت كل واحدة في مقاطعتها؛ ولذلك فإنه سار في معاملتها على تلك السياسة التي اتَّبَعها كثيرٌ من ملوك أوروبا فيما بعدُ، وهي سياسة المهادنة والمحالفة مع فطنة عظيمة في الوقت نفسه تُشعِر بضرورة البحث عن الكفايات المغمورة في الأوساط الدنيا، وتكوين رجال جُدُد يمكن استخدامهم ضد رجال الإقطاع القدامى، ولذلك يقول:

أَعْلِ من شأن الجيل الجديد ليحبك أهل الحاضرة … إن مدينتك مفعمة بالشباب المدرَّب الذين هم في سن العشرين، ضاعِفَ الأجيال الجديدة من أتباعك على أن يكونوا مزوَّدين بالأملاك، وعلى ألَّا ترفع من شأن ابن العظيم على ابن الوضيع، بل اتَّخِذْ لنفسك الرجل بحسب كفايته، ومع ذلك فإنه ليس من الفطنة أن تهمل الأسر الشريفة العريقة.

وكذلك يقول:

عظِّمْ من شأن أشرافك لينفذوا قوانينك؛ لأنهم إذا لم يكونوا أهل يسار فإنهم لا يقومون بالعدل في إداراتهم للأمور. إن الرجل الغني في بيته لا يتحيز (يعني في حكمه)؛ لأنه صاحب عقار، وليس محتاجًا، ولكن الرجل الفقير (يعني في وظيفته) لا يتكلم حسب العدالة (ماعت)؛ لأن الرجل الذي يقول: «ليت لي» لن يكون محايدًا، بل ينحاز إلى الشخص الذي يحمل في يده رشوة. فالعظيم مَن كان أصل شرفه عظيمًا، والملك الخطير مَن كانت له حاشية، والرفيع مَن كانت أشرافه أغنياء. وإذا تكلمتَ الصدقَ (ماعت) في بيتك فإن الأشراف المتسلِّطين على الأرض سيخافونك، والملك ذو العقل المحايد يفلح حاله؛ لأن داخل (القصر) هو الذي يبعث الاحترام في الخارج.

وفضلًا عن المسئولية فيما يختص بالعدالة الدنيوية، يعظ الملك ابنه بأن على الملك واجبات هامة في المعبد، وأنه محتوم عليه أن يصرف جميع عنايته لإقامة جميع الشعائر المقدسة مما يظهر بكل وضوح اعتماده التام على العطف الإلهي، وليست المظاهر هي كل شيء، بل يجب أن يكون لها سند من العمل والعقيدة القلبية، فليست الهيبة وحدها ضمانًا كافيًا لرضاء الله إذا لم تصحبها استقامة.

ولذلك نجد الوالد يحض ابنه في وصيته التي تُعَدُّ من أنبل ما جاد به التفكير الخلقي على أن يحفظ في ذهنه:

إن فضيلة الرجل المستقيم أحب (عند الله) من ثور (يُقدَّم قربانًا) من الرجل الظالم.

فلا بد لذلك الشاب عندما يتربَّع على العرش أن يحكم طبقًا للصفات الخلقية الباطنة، لذلك يقول:

أَقِم العدل؛ لتوطِّد مكانتك فوق الأرض، وواسِ الحزين، ولا تعذبنَّ الأرملة، ولا تحرمنَّ رجلًا ميراث والده، ولا تضرن الأشراف في مراكزهم، ولا تتولَّ العقاب (أي بنفسك)؛ فإن ذلك لا يرفعك، ولكن تولَّه بالجلَّادين من غير إسراف، وبذلك تستتب الأرض … والله عليم بالرجل الثائر، والله يجازي عسفه بالدم … ولا تقتلن رجلًا تعرف قدره، وتكون قد جوَّدت معه الكتابة (أي كنتَ معه تلميذًا في المدرسة).

أما التخلُّق بالوداعة التي طالما وصَّى بها «بتاح حتب»، فقد بالَغَ في الحض عليها ملكنا الحكيم؛ إذ يقول مستحلفًا ابنه:

لا تكونن فظًّا؛ لأن الشفقة محبوبة، وأسِّسْ آثارك على حب الناس، وسيحمد الناس الله على مكافأتك لهم، مقدِّمين الشكر على شفقتك، ومُصَلِّينَ لعافيتك.

وقد لاحظنا فيما سبق أن «بتاح حتب» كان كثير الاهتمام بالمستقبل في هذه الدنيا، بسبب تقلُّبات الحظ التي تغدر بالإنسان في هذا العالم وتطوح بمركزه، ولكن الملك في تلك الوثيقة ينصح ابنه «مريكارع» بأن يفكِّر في مستقبله في عالم الآخرة فيقول:

إنك تعلم أن محكمة القضاة الذين يحاسبون المذنب لا يرحمون الشقي عند مقاضاته، وتسوء العاقبة إذا كان المتهم هو الواحد العاقل (يعني «تحوت» الذي يدير المحكمة يوم القيامة). ولا تضعن ثقتك في طول العمر؛ لأنهم (يعني القضاة) ينظرون إلى مدة الحياة كأنها ساعة واحدة، ولكن الإنسان يُبعَث ثانيةً بعد الموت وتُوضَع أعماله بجانبه كالجبال؛ لأن الخلود مثواه هناك (أي الآخرة).

والغبي مَن لا يكترث لذلك، أما الإنسان الذي يصل إلى الآخرة دون أن يرتكب خطيئة، فإنه سيثوى هناك ويمشي مرحًا مثل الأرباب الخالدين (يعني الأبرار المتوفين).

ويرى هذا الملك الصالح أن الحياة الصالحة فوق الأرض هي العماد الأعظم الذي ترتكز عليه الحياة الأخروية، فيقول:

إن الروح تذهب إلى المكان الذي تعرفه ولا تحيد في مسيرها عن طريق أمسها.

ولا شك في أنه يقصد بذلك هنا طريقَها المعتاد للخلق القيِّم الكريم، وقد كان القبر في نظره في الوقت نفسه من الأشياء الهامة، حيث يقول:

زيِّنْ مثواك (أي قبرك) الذي في الغرب، وجَمِّلْ مكانك في الجبَّانة بصفتك رجلًا مستقيمًا مقيمًا للعدالة؛ لأن ذلك هو الشيء الذي تركن إليه قلوبهم (أي أهل الاستقامة).

ولما كان أهم أمر في حياة الإنسان هو علاقته بربه في الحياة الدنيا، أو الحياة الآخرة، فإنه يقول ناصحًا لابنه أيضًا:

يمر الجيل متنقلًا إلى جيل آخَر بين الناس، والله العليم بالأخلاق قد أخفى نفسه … وإنه الواحد الذي يبهر بما تراه الأعين، فاجعل الإله يخدم بالصورة التي سُوِّي فيها، سواء أكانت من الأحجار الكريمة أم من النحاس؛ لأنه كالماء الذي يحلُّ محله الماء؛ إذ لا يوجد مجرى يرضى لنفسه أن يبقى مختبئًا، بل يكتسح الذي (يخفيه).

وهذه الكلمات الهامة التي جاءت على لسان رجل من قادة الفكر في مصر منذ أكثر من أربعة آلاف سنة مضت، ليست إلا محاولة منه ليميِّز بين الإله وبين الصنم التقليدي الذي كان يوجد في المعبد، ويظهر في الاحتفالات الرسمية، ويهتف له الشعب، ولكن كينونة الإله كالماء يكتسح السد أمامه، ولا يمكن أن يبقى محبوسًا في الصورة المحسوسة (أي الصنم)، بل يُبهِر الناس بما تراه العيون، وهذا الإله العليم بالأخلاق قد أخفى نفسه فلا يمكن إدراكه، كجسم من الماء يمتزج في جسم آخَر مثله من الماء. ومن الجائز أن هذا الحكيم يريد بعبارته: «كالماء الذي يحل محله الماء … إلخ.» أن الإله الذي شُبِّهَ بالماء إذا دخل في أي جسم، سواء أكان من الأحجار الكريمة، أم من النحاس، أم من أية مادة أخرى، لا بد واجد لنفسه منفذًا يخرج منه أو يُظهِر قوته؛ ولذلك فإن تصوير الإله في أي شيء مادي ليس بالأمر الهام.

ولدينا في تلك الوثيقة سلسلة أفكار عن إله الشمس، نجد فيها الفكر المصري القديم يقترب من عقيدة التوحيد؛ إذ نرى الكاتب يعترف بوجود طائفة من الآلهة يقومون مقام القضاة في عالم الآخرة، وبذلك يبتعد بُعْدًا واضحًا عن الاعتراف بوحدانية الإله، على أنه من جهة أخرى يقترب جدًّا من الاعتراف بالتسلُّط الخلقي لإله واحد، لدرجة أن كلمة إله صارت تدل في مواضع — مع شيء من التناقض — على مدلولها الحقيقي. ويمكن أن نلاحظ صوغ هذه التأملات بصيغة التوحيد — زيادة على ما ذكرنا — في الصورة الآتية التي صوَّر فيها الحكيمُ الأهناسي الخالقَ والحاكمَ الرءوفَ في خاتمة تأملاته، إذ يقول:

إن الله قد عني عناية حسنة برعيته؛ فقد خلق السموات والأرض وفق رغبتهم، وخفَّفَ الظمأ بالماء، وخلق الهواء لتحيا به أنوفهم، وهم الصورة التي خرجت من أعضائه، وهو يرتفع إلى السماء حسب رغبتهم، وخلق النبات والماشية والطيور والسمك غذاء، وهو كذلك يعاقِب، فذبح أعداءه وعاقَبَ أطفاله بسبب ما دبَّروه حينما عصوا أمره، ويضع النور حسب رغبتهم، وكذلك يجعلهم ينامون، ويسمعهم عندما يبكون، وجعل لهم حكَّامًا في البيضة (أي وُهِبوا الحُكْم قبل الولادة) لتحمي ظهور الضعفاء منهم.

والإشارة هنا إلى أن الإله ذبح أعداءه توجيهٌ إلى أسطورة هلاك الإنسانية التي ذكرناها في باب القصص، ونجد في تلك الأسطورة ناحية خلقية تدل على حرمان الإنسان العطف الإلهي، وكذلك نتعرف فيها سيادة إله الشمس سيادة خلقية مطلقة، وقد كان واضحًا في ذهن الملك الأهناسي المُسِنِّ محاولة الموازنة بين تصوُّره السامي للزاد الخلقي، وبين التقاليد الموروثة الخاصة بقيمة العتاد المادي؛ ولذلك يقول لابنه:

أَقِمْ آثارًا باقية للإله؛ لأنها تجعل اسم صانعها يبقى، ودَعِ المرءَ يعمل ما فيه صلاح روحه بتأدية الطهور الشهري، وبلبس النعلين الأبيضين، وزيارة المعبد، وإماطة اللثام عن الرموز الدينية، والدخول في قدس الأقداس، وأكل الخبز في المعبد. وضاعِفَ القربان وأَكْثِرْ من عدد الرغفان، وزِدْ في القربان الدائم؛ لأن في ذلك خيرًا لفاعله، واجعَلْ آثارك ثابتة حسب ثروتك؛ لأن يومًا واحدًا (أي عمل يوم واحد) قد يبقى إلى الأبد، ورُبَّ ساعةٍ واحدة تنفع للمستقبل، والله عليم بالفرد الذي يقوم له بأية خدمة.

على أن محاولة الموازنة بين ما يحتاج إليه الإنسان من مادة، وما يحتاج إليه من أخلاق ظاهرة في الكلام القيم اقتبسناها فيما سبق عندما كان الملك المسن يقول:

إن فضيلة الرجل المستقيم أحب (عند الله) من ثور الظالم، ومع ذلك قرِّبْ للإله ليكافئك بالمثل بقربان تُزود بها مائدة القربان، وبالنقوش لأن ذلك هو ما يخلد اسمك، والله يعلم مَن يقرِّب له القربان.

فنجد هنا اعترافًا صريحًا عن قيمة الحياة الصالحة في نظر الإله، وهو الذي لا يقبل أن تقوم الهدايا عنده مقام الأخلاق.
وأهم المصادر التي اعتمدنا عليها ما يأتي:
  • (1)
    Pieper “Die Agyptische Literatur”, PP. 30. ff.
  • (2)
    Breasted, “The Dawn of Conscience”, pp. 154 ff.
  • (3)
    Erman, “The Literature of the Ancient Egyptians”, PP. 75 ff.
  • (4)
    Gardiner, “The Journal of Egyptian Archeology”, Vol. I, P. 20 ff.
  • (5)
    Golenischeff, “Les Papyri Hieratiques Nos. 1115, 1116 A et 1116 B de l’Ermatiige imperial á St. Petersbourg”. (1913).

(١-٤) التعاليم المنسوبة إلى «أمنمحات» الأول

كتبها «خيتي» بن «دواوف» عن أقدم نسخة عُرِفت حتى الآن.

تدل الشواهد على أن تعاليم الملك «أمنمحات» لابنه «سنوسرت الأول» كانت تحتل مكانة عظيمة بين الوثائق الأدبية التي خلَّفتها لنا الدولة الوسطى.

غير أن البحوث الحديثة تكاد تُثبِت أن هذه التعاليم لم يَفُهْ بها «أمنمحات الأول»، وأنها كُتِبت بعد وفاته؛ لتكون بمثابة دعاية سياسية لابنه «سنوسرت الأول» الذي تولَّى الحكم بعده مباشرةً، وقد دلَّلَ الأثري الكبير الأستاذ «دي بك» على ذلك بأدلة قوية مقتبَسَة من صلب متن التعاليم نفسها، وكذلك من وثيقة عثر عليها بين أوراق «شستر بيتي»، فقد جاء في هذه الورقة ما نصه وأنه: «هو (أي الكاتب خيتي) الذي كتب مؤلَّفًا يُسمَّى «تعاليم الملك سحتب-أب رع» عندما ذهب ليستريح منضمًّا إلى السماء، وداخلًا بين أرباب الجبانة.»١٠
وقد تشكَّكَ الأستاذ «جاردنر» في أن «خيتي» هذا هو مؤلِّف هذه التعاليم، قائلًا إنها قد تُنسَب إليه بسبب جهل أحد الكتَّاب في عهد الرعامسة. راجع: Gardiner melanges maspero l. P. 491 ff.

غير أنه من جهة أخرى يرى أن هذه التعاليم قد كُتِبت في عهد «أمنمحات» الأول، وإن كان لا يجزم بالطريقة التي دُوِّنت بها، وكل ما قاله في هذا الصدد لا يخرج عن كونه مجرد حدس وتخمين.

فقال: «إنه من المحتمل عندما أشرَكَ «أمنمحات» ابنه «سنوسرت» في حُكْم البلاد فَاهَ أمام رجال بلاطِهِ بنصائح غالية تحمل في طيَّاتها ما لاقاه من المصاعب والمصائب، وما قام به من عظيم الأعمال، وما جعله يُشرِك ابنه معه في حُكْم البلاد. ولا يبعد أن رجال الحاشية الذين أُعجِبوا بهذه النصائح وتلك الحكم الثمينة التمسوا من الملك أن يدوِّنها، فكلَّفَ بدوره كاتبًا ملكيًّا بذلك.»

ثم قال الأستاذ «جاردنر» إنه يمكن أن يقاس ذلك بالخطاب الذي ألقاه الملك عند تولية الوزير، كما نجد ذلك في مقبرة «زَخمرع» وغيرها من المقابر.

أما الأستاذ «دي بك»، فيرى أن الملك «أمنمحات» قد قُتِل في مؤامرة قامت ضده في القصر، ويدلِّل على ذلك بجمل في صلب متن التعاليم وببراهين أخرى؛ إذ يقول: إنه جاء في صلب المتن الجملة التالية:

ولو كنتُ استللتُ سلاحي بيدي، لَكنتُ جعلت هؤلاء المخنَّثين يولون الأدبار، ولكن لا شجاع في الليل، ولا أحد يحارب وحيدًا، ولا يُحرَز النصر بدون عضد.

فإذا اعترفنا أن «أمنمحات» يشير في هذه الفقرة إلى مؤامرة ناجحة ضده، وهذا على ما يظهر هو الرأي الصحيح، وأن ما جاء في ورقة «شستر بيتي» من أن «خيتي» هو مؤلِّفها، كان لا بد لنا من أن نأخذ بنظرية مَن يقول: «إن الملك كان يتكلم، أو كان مفروضًا أن يتكلم من قبره.» على أن ذكر الميت الذي يترجم حياة نفسه، خاصة لا تقتصر على المتن الذي نتحدث عنه، بل نجدها في متون جنازية أخرى، يضاف إلى ذلك أن هذه ليست هي الظاهرة الوحيدة في تعاليم هذا الملك التي تذكِّرنا بأسلوب الكاتب الذي يترجم حياة نفسه، وأكبر دليل على ذلك ما يأتي:

لقد أعطيت الفقير وعلَّمت اليتيم، وقد جعلت الرجل المغمور الذكر يصل إلى غرضه مثل صاحب المكانة.

وكذلك نجد في فقرة أخرى، وهي من الصنف الذي نعثر عليه في تراجم الأموات:

أنا الذي أنشأت الغلال والذي أحبه «نبر» (إله الحبوب)، والفيضان قد حيَّاني باحترام (أي كان معتدلًا في أيامي)، ولم يَجُعْ إنسان في سِنِي حكمي، ولم يعطش خلالها أحد، وكل ما أمرت به كان في موضعه الصحيح.

ولا شك في أن أي عالم أثري يقرأ هذه الفقرة دون أن يعلم أنها من تعاليم «أمنمحات»، لا يشك في أنها كانت على لوحة مأتمية.

ولدينا فقرة أخرى يمكن أن تُعتبَر تفسيرًا للظروف التي انفجرت فيها المؤامرة، وهي في الوقت نفسه تمدنا بسبب من الأسباب التي بها نجحت في بادئ الأمر، وهي الفقرة التي يقول فيها «أمنمحات»:

انظر إن المصيبة قد حلَّت بي عندما كنت بدونك.

والقول بأن الثورة قد بدأت و«سنوسرت» بعيد عن العاصمة، يتفق تمامًا مع بداية قصة «سنوهيت»؛ إذ تقرأ هناك أن «أمنمحات» قد مات عندما كان ابنه عائدًا من حملته إلى بلاد لوبيا، على أن السرعة التي عاد بها «سنوسرت» ليصل إلى مقر الملك مع كتمان الأمر عن جيشه، والرسالة التي بعث بها لإحضار أولاد الملك الذين كانوا يرافقون ذلك الجيش، وذعر «سنوهيت» الغريب وهربه، وسؤال الشيخ الفلسطيني «لسنوهيت» عما إذا كانت قد حدثت كارثة في العاصمة، ثم محاولة «سنوهيت» إقناعه بعدم حدوث أي شيء شاذ، (وأن كل ما حدث هو أن «أمنمحات» قد رحل إلى الأفق … وأن ابنه قد دخل القصر وتولَّى ميراث والده) واعترافه بأن موت «أمنمحات» لا تُعرَف نتائجه. كل هذه الحقائق توحي إلينا أن هذا الموت لم يكن طبيعيًّا مما يتفق وما جاء في سياق التعاليم.

ثم يأتي بعد ذلك في المتن (هذا إذا كان ما تُرجِم هو المتن الصحيح):

قبل أن يسمع رجال البلاط أني سأسلمك (الحكم)، وقبل أن أجلس معك.

وإني أفهم من هذه الكلمات أن «أمنمحات» قد حال بينه وبين إعلان ابنه ملكًا على البلاد بصفة رسمية موتُه المفاجئ.

وإذا كان هذا الرأي هو الصحيح عن محتويات هذه التعاليم، فما هو إذن الغرض منها، وما القصد الذي من أجله كُتِبت؟

والجواب عن ذلك أن هذه الوثيقة مقال سياسي في صورة قطعة أدبية صِيغَتْ دعاية لتعضيد حزب «سنوسرت» الأول؛ فقد رأينا أن «سنوسرت» بعد موت والده قد أسرع إلى مقر الملك، وقد وصل في الوقت المناسب ليمنع ما يخشى من الأحداث، وقد أفلح في تسلُّم مقود المملكة التي كان والده قد أعَدَّها له.

ولكن لا بد أن يكون تيار المعارضين قويًّا؛ إذ كان المنافسون له على وشك الوصول إلى مأربهم، وربما كان لديهم من الأسباب الحقة ما يبرر موقفهم ويقوِّي جبهتهم ويُضعِف من «سنوسرت» واستحقاقه العرش.

فمن المحتمل أن يكون «سنوسرت» قد لجأ إلى قوة السلاح الأدبي؛ لتهدأ النفوس عقب الضربات القاصمة التي أَوْدَتْ بحياة الملك الكبير.

فقد كتب أديب بإيعاز من «سنوسرت» أو بوازع من نفسه هذه التعاليمَ، يُظهِر فيها الملك المتوفى بسلطانه العظيم يعضد «سنوسرت» ويخاطبه من قبره بوصفه الملك الشرعي على البلاد، ومتهمًا أولئك الأوغاد الذين أَوْدُوا بحياته. ولما كان غرضه من هذه التعاليم أن يعضِّد ابنه جاء في مستهلها بما يؤكِّدها ويثبت صدقها، فذكر الجملة التالية: «يقول لابنه في رسالة صادقة.»١١

وقد كان من الأمور الطبيعية في التفكير المصري أن يأتي الوالد المتوفى من عالم الأموات لمساعدة ابنه على الأرض؛ وذلك لأن موتى المصريين كانوا دائمًا حاضرين، وكان لديهم من القوة ما يؤثر على حظوظ الأحياء، فكثيرًا ما نجد الحي يطلب مساعدة المتوفى وحمايته، وقد عُثِر على كثير من الخطابات التي أرسلها الأحياء إلى الأموات، مما يوضِّح لنا تأصُّل هذه الفكرة في معتقدات المصريين.

وإذا كان من الممكن الاتصال بالموتى بالرسائل، وإذا كان في مقدور المتوفى أن يقرأ ما يَرِدُ إليه من رسائل الأحياء، فمن المعقول المنطقي — وكان المصريون منطقيين في مثل هذه الأمور — أن يكتب الأموات بأنفسهم للأحياء؛ ولهذا عثرنا على عدد قليل من الخطابات أرسلها الأموات للأحياء مقابل ما يصل إليهم من أقاربهم، ومن بين هذه الوثائق ورقة «هاريس» التي وصفها «ستروف» الأثري الروسي بأنها تزييف ولكنه قديم، وقد ذكر فيها أن الملك رعمسيس الثالث المتوفى — وقد كان كذلك فريسة لمؤامرة نسوية — قد أفرد أحد أولاده بأن يكون الوارث الشرعي للعرش، ويرجو من الآلهة والشعب أن يعاضدوه، وبذلك أفسد الغرض الذي لاقى من أجله الملك حتفه. ولا شك في أن المتن الذي بين أيدينا الآن بمثابة مثال مبتكَر من نفس هذا النوع من المقالات السياسية التي كُتِبت للدعاية.

على أن الحرب بالأسلحة الكتابية أو الأدبية لم تكن من مبتكرات الملك «أمنمحات» الأول، وإذا كان من الممكن أن يصل إليه صدى من تعاليمه في العالم السفلي الذي غُيِّب فيه، فإنه لا بد أن يذكر بابتسامة نبوءات «نفرروهو» عنه بأنه هو المخلص المنتظر الذي سينشر في البلاد عهد سعادة ورخاء، فقد كانت تلك النبوءات دعاية له في أول عهده عندما كانت شوكة الحزب المنتمي للأسرة الحادية عشرة لا تزال قوية، وقد كان من نتائج هذه الدعاية أن ضمَّتْ إلى جانبه شعور القوم الديني، ومهَّدَتْ له السبيل إلى اعتلاء عرش البلاد.

وفي اعتقادي أن هذه التعاليم تُعَدُّ من نوع هذه الوثائق، ورغم أننا لا نرى أمامنا صورة ذلك الملك المُسِنِّ اليَقِظ الصارم الذي لم تخدعه الأوهام، فإن لدينا في مقابل ذلك مقالَ دعايةٍ سياسيةٍ ليس بأقل حيوية ولا إنسانية من شخصه.

(١-٥) التعاليم

التعاليم التي ألَّفها جلالة الملك «سحتب أب رع» ابن الإله «رع» «أمنمحات» الأول، متحدِّثًا عن رسالة صادقة لابنه رب العالمين يقول:

أنت يا مَن ظهرت إلهًا (أصبحت ملكًا) أصغِ لما سألقيه عليك حتى تصير ملكًا على البلاد وحاكمًا على شواطئ النهر، وحتى يمكنك أن تفعل الخير (أكثر مما ينتظر)، خذ الحذر من مرءوسيك؛ لأن الناس يصغون لمَن يُرهبهم، ولا تقتربنَّ منهم على انفراد، ولا تثقن بأخ، ولا تعرفنَّ لنفسك صديقًا، ولا تصطفينَّ لك خلَّانًا؛ لأن ذلك لا فائدة منه.

وبعد أن حذَّر ذلك الملك العظيم ابنه الثقة ببني الإنسان عامتهم حتى الأخ، حذَّره كذلك اتخاذ الخلَّان؛ لأن تجاربه الشخصية عرفته أن أقرب الناس إليه هم الذين اغتالوه.

وبعد ذلك ينتقل الملك إلى نصح ابنه بألَّا يتكل على أحد آخَر في أن يحافظ عليه، وذلك بعد أن رأى بعيني رأسه أن إحسانه وعطفه قد قوبلا بإنكار الجميل، قال:

وعندما تكون نائمًا كن الحارس لشخصك حرصًا على قلبك؛ لأن الرجل لا صديق له في يوم الشدة، فإني قد أعطيت الفقير وعلمت اليتيم، وجعلت مَن لا ثروة له مثل صاحب الثراء، وقد كان آكِل خبزي هو الذي جند الجنود ضدي، والرجل الذي مدَّدتُ له يد المساعدة هو الذي أحدث لي بها المتاعب، والذين يرتدون فاخر كتاني عاملوني كالذين في حاجة إليه، والناس الذين يتضمخون بعطوري قد لوَّثوا أنفسهم وهم يستعملونه (بخيانتي).

وانتقل «أمنمحات» بعد ذكر هذه الصورة التي تدل على الشك في الناس والتشاؤم منهم، إلى حث خلفه — وهم لا يزالون يذكرون تأملاته المحزنة وما آتاه من الأعمال الحربية العظيمة — أن يعوا هذه المعلومات في نفوسهم؛ وذلك لأن الخلف دائمًا ينسى ما قام به السلف، ومع ذلك فإن الإنسان لا يمكنه أن يصل إلى السعادة الحقيقية إلا بالمعرفة، اسمع إليه وهو يقول:

وأنتم يا نسلي من الأحياء ويا مَن سيخلفونني من الناس، اعملوا على أن تكون أحزاني كأنها أشياء لم يُسمَع بها، وكذلك اجعلوا ما قمت به من عظيم الأعمال الحربية لا يُرَى؛ وذلك لأن الإنسان يحارِب في ساحة الوغى وقد نسي (ما جرى) بالأمس، ومع ذلك فإن الإنسان الذي يتناسى العلم لا تتم له سعادة.

وينتقل الملك بعد ذلك إلى وصف الحالة التي كان عليها حينما هاجَمَه المتآمِرون، قال:

لقد كان ذلك بعد العشاء حينما دخل الليل، وكنت قد أخذت ساعة من الراحة واضطجعت على سريري، وكنت متعبًا، وأخذ قلبي يجد وراء النوم، ثم شعرت كأنَّ أسلحة تلوح، وكأنَّ إنسانًا يسأل عني، فانقلبت كأني ثعبان الصحراء (أي قمت منتصبًا).

وبعد هذه القطعة أخذ «أمنمحات» يصف موقفه الحرج عند الهجوم عليه، وهنا تختلف الآراء كما أوضحنا فيما مضى، فيقول «دي بك»: إن الملك اغتيل فعلًا، أما «جاردنر» فلا يعتقد ذلك؛ ولهذا نجد أن كلًّا منهما يترجم الجملة التي تشير إلى ذلك حسبما يظن:

وقد استيقظت (على صوت الحرب) وكنت وحيدًا، ووجدت أنها حرب جنود، ولو كنت أُسعِفت بالسلاح في يدي لَكنت قد شتَّتْتُ شمل المخنثين شذر مذر، ولكن لا شجاع في الليل، ولا يمكن أن يحارب الإنسان وحيدًا؛ إذ لا نصر بدون معين.

يرى بعد «أمنمحات» أنه قد أصبح طاعنًا في السن، وليس في مقدوره أن يحكم البلاد وحده، ولما لاحَظَ أنه قد أصبح غير قادر على أن يتنبَّأ ويعوق المؤامرة التي دُبِّرَتْ ضده، نزل عن الملك لابنه «سنوسرت»، وهو الذي أشركه معه في حكم البلاد، ولذلك يقول:

تأمَّلْ لقد أريق الدم وأنت بعيد عني، وقد سلَّمت لك (الملك) قبل أن يسمع بذلك رجال البلاط، وعلى ذلك دعني، أفعل ما تريد؛ وذلك لأني لم أحتط لنفسي ضد هذه (المؤامرة)، فإني لم أفطن لها من قبلُ، هذا فضلًا عن أن قلبي لم ينتبه إلى تراخي الخدم.

ينتقل بعد ذلك «أمنمحات» إلى التنويه بأن هذه المؤامرة قد دُبِّرَتْ في الخدور، وقد وضع المؤلف هذه الحادثة في ثلاثة أسئلة قد اختُلف كثيرًا في ترجمتها، ونظن أن الأستاذ «جاردنر» قد قارَبَ الحقيقة؛ إذ يقول:

هل حدث أن النساء اصطففن في ميدان المعركة؟ وهل مَن لا يرعى حرمة القانون قد شبَّ في القصر؟ أو هل الماء الذي كسر السد قد انطلق، وعلى ذلك خاب الفلاحون في عملهم؟

ويمكن فهم السؤالين الأولين تمامًا، أما الثالث فإنه استعارة تشبيهية من الطراز الأول؛ إذ من المحتمل أن نفهم منها أن الشعور بالولاء الذي نماه الملك قد تلاشى، فأصبح الوئام الذي كان يسود القصر مقضيًّا عليه جملة؛ ولذلك شبَّهَه بتوزيع مياه الفيضان في وقت الزرع بوساطة القنوات الصغيرة تشق الحقول وتقسمها إلى مربعات مثل رقعة الشطرنج، فإذا حدث خلل في هذه القنوات الصغيرة فإن كل المساحة تغمرها المياه، وبذلك يضيع تعب الفلاحين سدى.
على أن ما يأتي لا يثبت أن المؤامرة قد خابت، ويمكن فهم نتيجتها ضمنًا من قوله:

وسوء الحظ لم ينتبني منذ وُلِدت، هذا فضلًا عن أنه لم يتأتَّ لإنسان قطُّ أن يقوم بمثل ما قمتُ به من الأعمال العظيمة بوصفي رجلًا شجاعًا.

ثم ينتقل «أمنمحات» إلى تعداد ما أحرزه من النجاح في ميدان الأعمال المادية فيقول:

لقد اقتحمت طريقي إلى الفنتين (أسوان) ونفذت حتى مناقع الدلتا، ووقفت عند نهاية حدود الأرض وشاهدت وسطها، ووصلت إلى معاقل الحدود بقوة ساعدي وباهر أعمالي العظيمة.

ثم يأتي ذكر أعمال الخير التي قام بها الفرعون المسن مادحًا إياها قائلًا:

لقد كنت مؤسِّسًا للمحاصيل الزراعية، محبوبًا من الإله «نبر» رب الغلال، وقد حيَّاني النيل في كل رقعة من الأرض المكشوفة، ولم يَجُعْ إنسان في سني حكمي، ولم يسغب أحد خلالها (السنون)، ولكن القوم جلسوا في سلام بما عملت لهم، وتحدَّثوا عني، وكل ما أمرت به كان في موضعه الحق، ولقد أذللت الأسود واصطدت التماسيح، وقهرت أهل واوات، وأسرت قوم الماتو، وجعلت الآسيويين يمشون كالكلاب، وأقمت بيتًا مزيَّنًا بالذهب وسقفته من اللازورد، … ورقعته … وأبوابه من النحاس، وأقفاله من البرنز، وقد صنعتها لتبقى إلى زمن لا نهاية له، والأبدية تخشاها؛ لأنها لا يمكنها أن تقضي عليها.

ويأتي بعد ذلك عدة جمل لا يمكن فهمها؛ لأن المتن مشوَّه.

ولا نزاع في أن كاتب هذه التعاليم قد رسم لنا صورة التشاؤم والريبة التي بعثتها أحوال البلاد في ذلك العصر، رغم ما قام به «أمنمحات» من إعادة النظام القديم الذي كانت عليه البلاد بقدر ما استطاع؛ إذ كانت الأحوال قد حتمت عليه أن يتخيَّر عمَّاله وموظفيه لإدارة البلاد من بين أولئك الرجال الذين ترعرعوا وشبوا في عهد ذلك الانحطاط الذي عقب عصر الأهرام، وكانت قلوبهم قد أُشْرِبَتْ حب الفوضى والفساد اللذين هوى إلى حضيضهما الشعب المصري عدة قرون، ولم ينقذه منها في ذاك الوقت إلَّا «أمنمحات»، وإن كانت بقاياهما قد ظهرت ثانيةً في حادثة اغتياله على يد مَن أحسن إليهم؛ ولذلك بدا شعور النفوس في المجتمع المصري في ذلك العهد مملوءًا بالريبة والشكوك إلى حدِّ أن ذلك الشعور قد انعكست ظلاله على أعظم أنواع الفنون في ذلك العصر، وأعني بذلك فن نحت التماثيل البشرية، فظهر في هيئات التماثيل الخالدة التي تمثِّل لنا ملوك الدولة الوسطى سمة الرزانة والوجوم التي تُلمَح في أقوالهم ونصائحهم، والتي كانوا ينظرون بها في عصرهم إلى الحياة الدنيا. وعندما نُنْعِم النظر في تلك الوجوه التي تدل على الجرأة والبطولة أمثال «سنوسرت» الثالث و«أمنمحات» الأول والثالث، وقد ظللتها سحائب اليأس والقنوط، نرى أن نفس هذه الوجوه تعدُّ كشفًا جديدًا في ميدان الفن يميط لنا اللثام من غير شك عن روح ذلك العصر الذي يعتبر أقدم عصر معروف تخلَّصَ من الأوهام ولم ينخدع بها، وسنرى ذلك جليًّا في باب التأملات عند الكلام على موضوع شجار بين إنسان سئم الحياة وبين روحه.

(أ) المصادر

أهم المصادر التي يرجع إليها ما يأتي:
  • (1)
    Gardiner, “The Earliest Manuscripts of the Instruction of Amenemmes I”, “Melanges Maspero”, Vol. 1, PP. 479 ff.
  • (2)
    Peiper, “Die Agyptische Literatur”, PP. 37. ff.
  • (3)
    Peet, “A Comparative Study of the Literature of Egypt, Palestine and Mesopotamia”, PP. 107 ff.
  • (4)
    Breasted, “The Dawn of Conscience”, PP. 205 ff.
  • (5)
    Erman, “The Literature of the Ancient Egyptians”, PP. 12 ff.
  • (6)
    Maspero, “Les Ensignements d’Amenemhait 1er”.
  • (7)
    Griffith, “A. Z.”, Vol. XXXIV, PP. 35 ff.
  • (8)
    Battiscombe. Gunn Journal of Egyptian Archeology Vol. 27 P. 2. (Notes on Ammenemes I.)

(١-٦) تعاليم «خيتي بن دواوف» لابنه «بيبي»

لقد ظلت هذه التعاليم تُعرَف باسم تعاليم «دواوف» إلى أن برهن الأستاذ «جاردنر» على أن اسم كاتبها هو «خيتي بن دواوف»، وأن «خيتي» كتبها لابنه «بيبي».

وقد وصلت إلينا نسخ كثيرة من هذه التعاليم بعضها على أوراق بردية، وبعضها على لوحات خشبية، وفقرات على قطع الخزف، وشظيات من الحجر الجيري الأبيض الأملس، وأقدم فقرات وصلت إلينا منها هي التي اهتدى إلى حلها «بيانكوف»، ويرجع عهدها إلى أوائل الأسرة الثامنة عشرة، وقد كُتِبت على لوح من الخشب بقي لنا بعض أجزاء منه، وهي بلا شك ترجع إلى عهد العصر الإقطاعي كغيرها من قطع الأدب، ولا غرابة فإنه هو العصر الذي ازدهر فيه الأدب بدرجة عظيمة (راجع تعاليم أمنمحات).

وهذا النوع من التعاليم الذي سنسوقه للقارئ كان محبَّبًا بصفة خاصة عند مدارس الدولة الحديثة؛ ولذلك نال مكانةً ممتازة، غير أن الطريقة التي عبث بها التلاميذ في المتون كانت معيبة لدرجة يقصر أمامها كل وصف، فلا يكاد القارئ يتم قراءة فقرات منها حتى يتساءل بيأس عمَّا كان مكتوبًا في الأصل؛١٢ لأن ما كتبه التلاميذ كلمات لا معنى لها غالبًا، وقد يكون السبب في ذلك عدم فهمهم ما نقلوه، أو عدم إقبالهم على عملهم وإجبارهم عليه، ولكن من حسن الحظ أن القطع التي عثَرَ عليها «بيانكوف» وقرنها بما يقابلها في النسخ الأخرى قد حلَّتْ لنا بعض معضلات هذه التعاليم، وإن كان الجزء الأكبر منها لا يزال غامضًا بعض الشيء في نقط، ومغلقًا تمامًا في أخرى.

ويرجع السبب في حظوة هذه التعاليم وانتشارها في مدارس عهد الرعامسة إلى أنها كانت تتغنى بفضل المدارس والتربية المدرسية وبامتداحها لمهنة الكاتب، وهي بالضبط كالرسائل التي كانت تُتبادَل بين المدرسين في عهد الدولة الحديثة.

وعصر هذه التعاليم قد أصبح محققًا إذا كان «خيتي» هذا هو الذي كتب تعاليم الملك «أمنمحات» الأول، ويفتتح الحكيم «خيتي» هذه التعاليم كالعادة بذكر اسمه وابنه الذي من أجله كُتِبت هذه النصائح فيقول:

تعاليم ألَّفَها مسافر في حجرة سفينة اسمه «خيتي» بن «دواوف» لابنه «بيبي»، حينما سافر مصعدًا في النهر إلى عاصمة الملك ليلحق ابنه بالمدرسة بين أولاد الحكَّام.

وهذا العنوان وحده يكشف لنا عن حقائق خطيرة من الوجهة التعليمية والتاريخية؛ فمنه نعلم أنه كان يوجد مدرسة جامعة يتعلَّم فيها أولاد علية القوم في عاصمة الملك، وأن العاصمة كانت وقتئذٍ في الوجه القبلي؛ لأنه كان على «خيتي» أن يقلع بسفينته مصعدًا في النهر، ومن الجائز أنها كانت وقتئذٍ «أهناس المدينة» أو «طيبة»، هذا إلى أن هذه المدرسة كان يُعلَّم فيها أولاد حكام المقاطعات ومَن في طبقتهم، وسنرى أن «خيتي» يقول لابنه: وستكون رئيسًا لمجلس «قنبت»، وهو ذلك المجمع الذي كان يدير حكومة البلاد في العهد الإقطاعي (انظر قصة المخاصمة بين «حور» و«ست») وكان معظمه في ذلك الوقت من حكام المقاطعات.

ونجد أن أول ما يلقي «خيتي» على ابنه من النصائح هو أن يرسم له صورة قبيحة للجاهل، ثم يغريه بأن يحب العلم أكثر من حبه لأمه، ويقول له: إنه عاجز عن تصوير جماله له، ثم يشير إليه بأن صناعة الكتابة تفوق كل الحرف، وأنه لو تعلمها فإن القوم يهنئونه على ذلك فيقول:

لقد رأيتَ مَن ضُرِب، فعليك أن توجِّه قلبك لقراءة الكتب، ولقد شاهدت مَن أُعتِق من الأشغال الشاقة. تأمَّلْ! لا شيء يفوق الكتب.

اقرأ في نهاية «كمت» (لعله اسم كتاب قديم؟) تجد فيه هذه: إن الكاتب عمله في كل مكان في حاضرة الملك، ولن يكون فقيرًا،١٣ والرجل الذي يعمل على حسب عقل غيره لا ينجح. ليتني أجعلك تحب الكتب أكثر من والدتك، وليت في مقدوري أن أُظهِر جمالَها أمام وجهك، إنها أعظم من أي حرفة … وإذا أخذ (التلميذ) في سبيل النجاح وهو لم يزل طفلًا، فإن الناس تهنِّئه، ويُكلَّف تنفيذ الأوامر، ولا يعود إلى البيت ليرتدي ثوب العمل (مثل أرباب الحِرَف الأخرى).
بعد ذلك يصف الأب لابنه الفرق بين مهنة الكاتب وما ينال صاحبها من الشرف، وبين المهن الأخرى التي يكون من جرَّائها تعب الجسم واضمحلاله، وتعرُّض محترفها للأخطار، فيقول:

على أنني لم أرَ قطُّ قاطِعَ أحجار كُلِّفَ برسالة، ولا صانعًا أُرسِل في مهمة.

ثم يتناول بالشرح كل مهنة وما فيها من متاعب وحقارة بالنسبة لمهنة الكتابة، ويقدِّم لابنه درسًا في الحياة الاجتماعية، ويستعرض أمامه نواحي مصر الصناعية، ونصيب كل صانع من متاعبها، يذكر ذلك في شيء من المبالغة، ولكنه يكشف لنا في الوقت نفسه عن نوع الحِرَف التي يتخذها أبناء العصر المظلم الذي يتحدث عنه.

وإذا كان القارئ الأجنبي لا يحفل بهذا العرض كثيرًا فإن القارئ المصري يستهويه أن يراه؛ لأن فيه صفحة مضى عليها أربعة آلاف سنة، يستطيع أن يقرنها بصفحة مصر الحاضرة، فيرى أن الأخيرة تكاد تطابِق الأولى مع طول العهد بينهما، وأن هذه المطابقة تشتد وتقوى في الدساكر والقرى؛ حيث يضعف تأثير المدنية الحديثة.

فيتكلَّم أولًا عن صانع المعادن فيقول:

ولكني رأيت النحَّاس يقوم بعمله عند فوهة الأتون وأصابعه كجلد التمساح (أي إنها مجعَّدة وخشنة كجلد التمساح)، ورائحته أكثر كراهية من البيض والسمك.

ثم ينتقل إلى الخراط فيقول:
وكل صانع يقبض بمهارة على المخرطة،١٤ (؟) فإن الإعياء يناله أكثر ممَّن يفلح الأرض، وميدانه الخشب وفأسه المخرطة (حرفيًّا: المعدن)، وفي الليل حينما يطلق سراحه يعمل فوق طاقة ساعديه، وفي الليل يشعل النور (أي يستمر في عمله فلا راحة له).
ثم ينتقل إلى الكلام على البَنَّاء وما يناله من التعب الجثماني فيقول:

والبنَّاء يبحث عن عمل له (؟) في كل أنواع الأحجار الصلبة، وعندما ينتهي منه تكون ذراعاه قد تكسَّرَتَا، ويصبح مُضنى، وعندما يجلس امرؤ كهذا عند الغبش فإن فخذيه وظهره تكون قد حُطِّمت.

بعد ذلك يتناول حرفة الحلَّاق فيُظهِر لابنه أنها مضنية، صاحبها لا بد أن يجول في الشوارع ليبحث عن عمل يسد رمقه بما يكسبه منه، فنراه يقول:
والحلَّاق يحلق متأخرًا إلى الغروب … ويجول من شارع إلى شارع ليبحث عمَّن يحلق له، ويُنهِك ذراعيه لأجل ملء بطنه، كالنحلة التي تأكل وهي تكد.١٥
وكذلك يُظهِر له المتاعب التي يُلاقِيها التاجر (؟) الجوال ليحصل على ثمن سلعه، فيقول:

والتاجر (؟) يسيح إلى الدلتا ليحصل على ثمن سلعته، ويكد فوق طاقة ساعديه، والبعوض يقتله (لما يحمله من الجراثيم) …

ويتناول بعد ذلك أحقر الحِرَف وهي صناعة اللَّبِن فيقول:

وصانع اللبن (ضرب الطوب) الصغير الذي يصنعه من غرين النيل يقضي حياته بين الماشية (؟)، وهو على أية حال مختص بالكروم والخنازير (في المصرية تورية بين كلمة كروم وخنازير، وربما كان ذلك هو السبب في ذكرها هنا)، وملابسه تكون خشنة … وهو يشتغل بقدميه ويدق …

والظاهر أن حرفة البناء كانت شاقة عند المصريين؛ حتى إن حكيمنا هنا قد رصد لها فقرتين غير ما ذكر، ولكن الفقرة الثانية فيها بعض الغموض، فيقول:

دعني أحدثك فضلًا عن ذلك عن البنَّاء الذي يكون غالبًا مريضًا (؟) وملابسه قذرة، وما يأكله هو خبز أصابعه، ويغسل نفسه مرة واحدة … وهو أتعس مما يمكن أن يتحدَّث عنه الإنسان بحق (؟)، فهو كقطعة حجر (؟) في غرفة طولها عشرة أذرع في ستة … والخبز يقدِّمه إلى بيته، وأطفاله يضربون ضربًا … (وهذه القطعة غامضة في الأصل).

ثم يصف الحكيم لابنه حالة البستاني، ويظهر أنه يقصد به زارع الخضر والفاكهة على السواء فيقول:

أما البستاني فيحضر أثقالًا وذراعه ورقبته تتألمان من تحتها، وفي الصباح يروي الكراث، وفي المساء الكروم (لأن ذلك أحسن وقت لريها عندما تكون محملة بالفاكهة) … فحرفته أسوأ من أية حرفة.

ثم ينتقل إلى وصف حالة الفلاح، وهو ذلك الوصف الذي ينطبق على حالة فلاح مصرنا؛ فالأمراض تفتك به، وصاحب الأملاك يستنفد كلَّ محصوله، فهو كالحيوان الضعيف الذي يعيش بين الأسود، فهو لا بد مأكول، فيقول الحكيم:

أما الفلاح فحسابه مستمر (أي إن صاحب الأرض يطالبه دائمًا بتأدية ما عليه من الديون) إلى الأبد، وصوته أعلى من صوت الطائر «آبو» … (دائمًا يشكو)، وهو كذلك أكثر تعبًا ممَّن يمكن التحدُّث به، وحالته كحال الذي يعيش بين الأسود، وهو في غالب الأوقات مريض (؟)، وعندما يعود إلى بيته في الغروب، فإن المشي يكون قد مزَّقه إربًا إربًا (أي إن طول الطريق يجهده إجهادًا كبيرًا فوق ما لاقى من التعب خلال اليوم).

يتناول بعد ذلك «خيتي» حكيمنا الناسج الذي يعمل وهو جالس طول اليوم، فيشبِّهه بقعيدة البيت، فهو لا يتمتع بالهواء الطلق، وهو مراقَب دائمًا، فإذا تباطَأَ عن العمل يومًا ضُرِب بالسوط، وفي رواية أخرى انتُزِع من مكان راحته كما تُنتزَع زهرة السوسن من البركة، وإذا أراد أن يخرج من مصنعه ليستنشق الهواء، فلا يصل إلى ذلك إلا بالرشوة، فيقول:

وحال الناسج داخل مصنعه أتعس من حال المرأة، فركبتاه تكونان في بطنه، وهو لا يمكنه أن يستنشق الهواء، وإذا أمضى يومًا دون عمل انتُزِع (من مكان راحته) مثل ما تُنتزَع زهرة السوسن (في رواية أخرى فإنه يُضرَب بسوط ذي ٥٠ شعبة) أو (فإنه يُضرَب كسائمة الضحية ٥١ سوطًا)، وهو يقدِّم لحارس الباب خبزًا ليسمح له بالخروج في ضوء النهار.

بعد ذلك يصف هذا الحكيم المحنك لابنه «حرفة» من الحِرَف التي كانت شائعة في ذلك العصر، ولكنها قد اختفَتْ في عهدنا تدريجيًّا بانتشار المدنية، وأعني بذلك صناعة «السهام» التي لم يفتأ يستعملها المصري؛ لأنها كانت من أهم أسلحة الحرب، فيصف كيف يحتم على صاحبها أن يذهب إلى الصحاري والجبال حيث الظرَّان الذي تُصنَع منه السهام، وما في ذلك من بُعْد المسافة، وما يعانيه هو وحماره، وما يستلزمه من المال لمَن يرشده إلى الطريق في وسط تلك الفيافي والقفار، وما يتطلَّبه كل ذلك من وقت ونصب، فيقول:

وصانع السهام يكون تعسًا عندما يرحل إلى الصحراء، وإن ما يعطيه حماره لكثير، هذا فضلًا عن أنه عمل يستغرق وقتًا طويلًا، ويعطي كذلك الذين في الحقول والذين يرشدونه إلى الطريق كثيرًا أيضًا، وعندما يصل إلى بيته في المساء فإن السير يكون قد أنهكه.

ثم يتناول بعد ذلك حرفة أخرى من التي أخذت تتلاشى في مصر، وإن كانت لم تزل باقيةً في بعض الجهات المتطرفة التي لم تصلها المدنية الحديثة، وأعني بها نقل البريد برجال خصصوا بذلك، فيصف لنا كيف أن عامل البريد عند ذهابه إلى بلد أجنبي يترك وصيته خوفًا من عدم عودته؛ لما في رحلته من المخاطر، وحتى إذا عاد إلى مصر ثانيةً فإنه لا يعود مرتاح النفس؛ لأن التعب يكون قد أضناه، فيقول:
وحامل البريد عندما يسافر إلى بلد أجنبي يوصي بأملاكه لأولاده؛ خوفًا من الأسود والآسيويين، وهو يعلم ذلك وهو في مصر، وعندما يعود إلى بيته يكون تعسًا؛ لأن المشي قد كسره، وسواء أكان بيته من النسيج أو اللَّبِن (؟) فإنه لا يعود منشرح القلب١٦ (وفي رواية أخرى: وعندما يصل إلى بيته مساءً فإن قلبه يكون فَرِحًا).
ويعقب ذلك كلام على حرفة لم نصل إلى كُنْه معناها، والغرض من ذكرها هنا هو أن يُظهِر له بشاعة رائحة محترفها؛ ولذلك سنورد الكلمة هنا بأصلها المصري:

أما اﻟ «سثنوي» فإن رائحة إصبعه تكون نتنة، والرائحة التي تتصاعد منها هي رائحة جثة، وعيناه تكونان مثل … (؟) … بسبب المسوح … وهو لا يُقصى عنه «سثناوي» وهو يقضي وقته في تقطيع الخرق (؟) وما يمقته هو الملابس.

ثم يشفع ذلك بالتحدُّث عن حرفة يظهر أنها تشبه السابقة في قذارتها، وأعني بها حرفة الإسكاف، فيصف الحكيم لابنه كيف أن هذا التعس يحمل أوانيه التي فيها آلاته وجلده، وكيف أن صحته تسوء، وجسمه يهزل، وقد يُجبَر على قطع الجلد بأسنانه فيقول:

والإسكاف يحمل أوانيه إلى الأبد (وفي نسخة أخرى: يحمل آلاته إلى الأبد)، وصحته تكون كصحة الجيفة، وما يعض عليه هو الجلد.

ثم يأتي بعد ذلك الكلام على حرفة الغسَّال، ومجازفة صاحبها بنفسه أمام خطر التمساح، مما يدل على كثرة هذا الحيوان في ذلك العصر في النيل، وما يلاقيه بسببها من تعب جثماني، وما يشعر به من تعس عندما يضع مئزر سيده ليؤدي فيه عمله؛ فيقول:

والغسَّال يغسل على الموردة، وإذ ذاك يكون جارًا قريبًا للتمساح (في صورة إله) وعندما يخرج الوالد (الغسال) متجهًا نحو الماء المضطرب، فإن ابنه وابنته يكونان في عمل هادئ منعزل عن كل عمل آخَر، وعندئذٍ يقول ابنه وابنته: إن هذا ليس بعمل يجد فيه الإنسان راحة، وهو منفصل عن أي عمل آخَر، وغذاؤه يكون مختلطًا بمكان حساباته، وليس فيه عضو سليم، وإذا ارتدى مئزر المرأة فإنه وقتئذٍ يكون تعسًا، وهو يبكي حينما يمضي وقته حاملًا اﻟ «مكاتن» … ويقال له — «الغسيل» — أسرع إليَّ …

ويعقب هذا بحرفة أخرى ليست من نوع الحِرَف السابقة، بل هي حرفة لهو، ولذلك يقول عنها: إنها تجعل صاحبها يهمل أعماله، وأعني بها حرفة صيد العصافير، فيقول:
وصائد العصافير تراه في منتهى التعس عندما يشاهد ما في السماء ويهمل أعماله (وفي رواية أخرى: وعندما تطير الطيور المتنقِّلة١٧ في السماء، يقول: ليت عندي شبكة هنا، ولكن الله لا يهيئ له نجاحًا (؟).
بعد ذلك ينتقل إلى حرفة صيد السمك، ويصف الحكيم لابنه ما فيها من أخطار التمساح، فيقول:

إني مخبرك كيف أن حرفة صياد السمك أكثر تعسًا من أية حرفة أخرى، فإنه يشكو منها، أليس عمله على النهر حيث يختلط بالتماسيح (؟)، وإذا لم يقل له الإنسان يوجد تماسيح فإن خوفه يعميه.

وهنا ينتقل الكاتب الحكيم إلى إطراء حرفة الكتابة، فيقول:

إن صاحبها هو الذي يصدر الأوامر.

ثم يصفها بأنها أحسن من كل الحرف التي استعرضها أمامه فيقول:
تأمَّلْ! فإنه لا توجد حرفة من غير رئيس لها إلا صناعة الكاتب فهو رئيس نفسه،١٨ فإذا عرف الإنسان الكتب فإنه يقال عنه بحق: إنها مفيدة لك … وما أقوم به في سياحتي إلى الحاضرة، تأمَّلْ! إني أقوم به حبًّا فيك، ويوم في المدرسة مفيد لك، وما تعمله فيه يبقى مثل الجبال.
ويعقب هذه الكلمات الحكيمة بعض فقرات غير مفهومة وتدل مقدمتها هذه: «دعني ألقِ عليك فضلًا عمَّا سبق كلمات لأعلمك.» على أنها تبحث في موضوع جديد؛ ومن المحتمل أنها إضافات قد أُدخِلت على المتن الأصلي فيما بعدُ، فمنها فقرة تعلِّم الإنسان حُسْن السلوك في حضرة العظيم، فيقول حكيمنا:

إذا دخلت ورب البيت في داره مشغول بآخَر قبلك، فعليك أن تجلس ويدك في فمك، ولا تسألن عن أي شيء، وفضلًا عن ذلك لا تتكلمنَّ بكلمات غامضة، ولا تنطق بلفظة وقحة … ثم إذا حضرت من المدرسة وقد أعلن وقت الظهر لك وأنت سائر تصيح فرحًا في الطرقات، فحينئذٍ … وإذا أرسلك رجل عظيم برسالة فأدِّها كما أُلقِيَتْ عليك، ولا تُنقِص منها ولا تزد …

ويلي ذلك نصيحة غالية في القناعة في المأكل والمشرب من أحسن ما قيل في هذا الباب، إذ يقول:

كُنْ قنوعًا بطعامك، إذا كان يكفيك ثلاثة رغفان وشرب قدحين من الجعة، فإذا لم يكن بطنك قد اكتفى بعدُ فحارِبْه (؟).

ثم إن الحكيم يحض ابنه على أن يستمع لكلمات الرجل العظيم، ويتخذ لنفسه صديقًا من سنه، فيقول:

انظر، إنه لحسن أن تفض الجمهور، وتستمع منفردًا إلى كلمات العظيم … اتخذ لنفسك رجلًا صديقًا من جيلك.

وفي النهاية نرى «خيتي» يقول لابنه إنه قد وضعه على الطريق الإلهية، وإن ربة «حصاد الكتاب» على كتفه منذ يوم ولادته، أي إنه لن يقاسي آلام الحاجة، وإنه بفنه يصل إلى أعلى وظيفة في البلاط، بأن يصبح عضوًا في المجلس الأعلى للحكام (قنبت)، بل قد يكون الرئيس فيه بما أوتيه من علم وحكمة، ثم يخبره أن هذا الطريق ممهَّد أمامه وأمام أولاد أولاده، فيقول:
انظر، إني قد وضعتك على طريق الإله، وإن «رننوت»١٩ الكاتب (أي ربة الحصاد للكاتب) قد أصبحت على كتفه منذ يوم ولادته، وهو يصل إلى باب مجلس «القنبت» عندما يصل إلى سن الرجولة. تأمَّلْ! إنه لا يوجد كاتب قد حرم القوت الذي هو متاع بيت الملك عاش في صحة وفلاح، و«مسخنت» (إلهة الكتابة) هي سعادة الكاتب، وهي التي تضعه على رأس المجلس الأعلى (قنبت)، ويجب على الإنسان أن يشكر والده ووالدته اللذين وضعاه على طريق الأحياء، والآن تأمَّلْ، فإن هذا (أي ما نصحتك به) ما أضعه أمام وجهك ووجه أولادك. وقد انتهى هذا بسلام.

(أ) المصادر

أهم المصادر التي يمكن الرجوع إليها في دراسة هذه التعاليم ما يأتي:
  • (1)
    Papyrus Sallier II; and Papyrus Anastasi VII (British Museum, London).
  • (2)
    Pieper, “Die Agyptische Literatur”, P. 30.
  • (3)
    Peet, “A Comparative Study of the Literatures of Egypt, Palestine and Mesopotamia”, PP. 104 ff.
  • (4)
    Piankoff, “Quelques Passages des Instructions de Douaf sur une Tablette du Musee du Louvre”, “Revue d’Egyptologie”, Tome II. (1933) PP. 51–74.
  • (5)
    Erman, “The Literature of the Ancient Egyptians”, PP. 67 ff.
  • (6)
    Maspero, “Genre Epistolaire”, PP. 48 ff.

(١-٧) تعاليم «سحتب أبرع»

كان الفرعون «أمنمحات» الثالث (١٨٤٤–١٧٩٦ق.م) من أعظم ملوك الأسرة الثانية عشرة؛ فقد بلغت البلاد أوج مجدها في عهده بعد أن كانت في حالة فوضى واضطراب في عصر العهد الإقطاعي، وقد بدأ روح الوحدة يدب في جسم الدولة خلال حكمه بفضل جيل الموظفين الجديد الذي عمل ملوك هذه الأسرة على إنشائه؛ ليلتف حولهم، وليكون لهم نصيرًا وظهيرًا على تسيير أداة الحكم في البلاد، والقضاء على حكَّام المقاطعات الذين كانوا أكبر عقبة في سبيل توحيد نظام الحكومة والنهوض بها، فلا غرابة إذن أن نرى هؤلاء الموظفين حريصين على بثِّ روح الطاعة والمحبة لمليكهم في نفوس أولادهم، وقد بلغ بهم حب الفرعون درجة جعلت تعاليم بعضهم لأبنائه تدور حول حب الفرعون وخدمته والإخلاص له، لا أن ترشدهم إلى الحياة الصالحة السعيدة كما كانت التعاليم التي وصلت إلينا حتى الآن، بل إن الكاتب الذي فعل ذلك غالَى، فلم يشأ أن يكتب تعاليمه على ورق بردي، بل نقشها على صفحة حجرية، وجعلها شاهدًا لقبره حتى يضمن خلودها ويراها أولاده في كل وقت يزورون فيه قبره؛ لأن القبور كما نعلم كانت تُحَاط بكل عنايةٍ في كل أزمان التاريخ المصري، وكان بكر أولاد المتوفى يُنصَّب عادةً كاهنًا يزورها ويقدِّم لوالده القربان كل يوم.

ولا غرابة في أن تشيع هذه العادة في ذلك العهد، ولم يصلنا بكل أسف إلا هذه اللوحة الحجرية التي تحدَّثنا عنها، وقد يكون لكاتبها صلة خاصة وثيقة بالملك أكثر من غيره، فغالَى في حبه لمولاه ونقش هذه التعاليم؛ إظهارًا لولائه للفرعون، وليسير أولاده على نهجه في حبهم وولائهم له. والواقع أن كاتب هذه النصائح كان موظَّفًا كبيرًا في المالية، ويقول: إن الملك قد مدحه أمام (الملايين)، وإنه كان صديقًا حميمًا لسيده الذي كان يُطلِعه على أسراره الخفية. وقد صاغ الكاتب عقود المدح لهذا الفرعون وأظهر عظمته، ومثَّله أمام أولاده بأنه يفوق كل إله، وأنه هو الذي يعطي مَن يشاء ويحرم مَن يشاء. ويرى القارئ أن المؤلف ينصح أولاده أن يحاربوا في جانب الملك مما يتفق وروح العصر الذي كان عصر نضال وحروب؛ لتثبيت عرش الملكية بتوحيد البلاد تحت حكم ملك واحد.

وقصارى القول أن هذه اللوحة كانت نوعًا من الدعاية للملكية في ذلك العهد، ولكنها دعاية فريدة وحاذقة في بابها، ومن الجائز أنها كانت عادية منتشرة وقتها، غير أنه لم يصلنا نحن منها إلا هذه الوثيقة وصيغتها:

(أ) المتن

إني أتحدَّث عن أمر عظيم، وأجعلكم تصغون إليه، وإني أنقل إليكم فكرة للأبدية٢٠ وحكمة للحياة الصحيحة، ولأجل أن تمضوا مدة الحياة في نعيم، احترموا الملك «ني معات رع» بأجسامكم، وألفوا بين قلوبكم وجلالته، إنه هو الفهم الذي في القلوب، وعيناه تفحصان كل إنسان، وإنه «رع» الذي يرى الناس بأشعته، وإنه يضيء الأرضين أكثر من الشمس، ويجعل الأرضين أكثر نضارةً من نيل عالٍ، وإنه ملأ الأرضين قوةً وحياةً.
والأنوف تصير باردة حينما يجنح إلى الرعب،٢١ وعندما يكون طلقًا يتنسَّم الناس الهواء، وهو يعطي مَن يخدمونه القوة الحيوية، ويمد بالطعام مَن يسير على نهجه، والملك قوة حيوية، وفمه٢٢ الرخاء بعينه.
وإنه هو الذي يُطعِم مَن سيكون، وإنه الإله «خنوم»٢٣ لكل الأجسام، والمبدع الذي يخلق كل الناس، وهو «باستت»٢٤ التي تحمي الأرضين، ومَن يحترمه ينجُ مِن ساعِده، ولكنه الإلهة «سخمت» لمَن يتعدَّى أمره. حاربوا لاسمه، ودافعوا عن حياته حتى تنجوا من الكريهة (الغدر)، ومَن كان صاحبًا للملك فإنه سيكون محترمًا، ومَن كان عدوًّا للملك، فلا قبرَ له؛ وجسمه يُلقَى في الماء.

فافعلوا ذلك لتصحَّ أجسامكم. نعم، إن ذلك لمجد لكم إلى الأبد.

(ب) المصادر

  • (1)
    Stele, Cairo Museum, No. 20538.
  • (2)
    Erman, “The Literature of the Ancient Egyptians”, PP. 84-85.

(١-٨) نصائح «آني»

لقد كانت دراساتنا في باب الحِكَم والنصائح والتعاليم حتى الآن مستقاة مما وصل إلينا من الدولتين القديمة والوسطى على ما يظهر، وإن كان بعضها قد أُعِيد كتابته بلغة الدولة الحديثة تمشيًا مع التطورات الأدبية والاجتماعية؛ إذ قد لاحظنا في أثناء دراساتنا للوثائق الخاصة بذلك العصر أن الكتاب الواحد قد كُتِب في عصر الدولة الوسطى مثلًا، ثم أُعِيدت كتابته في الدولة الحديثة مع ظهور تغيير جوهري عن النسخة القديمة. ولا أدل على ذلك من أمثال «بتاح حتب» التي عثرنا على نسخ منها من الدولة الوسطى، وأخرى من الدولة الحديثة. وما يدرينا! لعل الأيام تسعدنا فجأةً بنسخة من الدولة القديمة التي تُنسَب إليها تلك الأمثال والحِكَم الغالية.

أما في الدولة الحديثة فقد وصلت إلينا حتى الآن وثيقتان، واحدة تمثِّل أدب هذا العصر أو على الأقل كُتِبت بلغة هذا العصر التي تُسمَّى باللغة الحديثة، وهذه الوثيقة هي نصائح «آني» لابنه «خنسحتب». وإذا أردنا أن نحدِّد تاريخ هذه الورقة من أسماء الأعلام التي وردت فيها، فهي بلا شك كانت أعلامًا مستعملة في عهد الدولة الحديثة؛ فاسم «آني» وابنه «خنسحتب» من الأسماء المتداولة منذ الأسرة الثامنة عشرة، غير أن الكاتب «آني» نسب نفسه إلى بيت الملك «نفر كارع تاري» الذي يُنسَب إلى الأسرة الثامنة، رغم أنه سمَّى نفسه وابنه باسمين من أعلام الدولة الحديثة، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى ما كان للأدب القديم وبخاصة أدب الأمثال والحكم من منزلة، فكل ما كان قديمًا له في نظر القوم روعته واحترامه، وهذا ما نشاهِده في الأدب العربي، فكم من قصيدة كُتِبت في العصر العباسي أو العصر الأموي ثم نُسِبت إلى شعراء الجاهلية لتكون أوقع في النفوس، وأبهج للعين، وأحلى للأذن، ومع ذلك فقد كان من السهل كشف الحقيقة في كلٍّ من الأدب العربي والأدب المصري، وذلك من التعابير والاصطلاحات اللغوية التي كان يتميَّز بها كل عصر من عصور الأدب.

واللغة التي كُتِبت بها هذه النصائح يرجع تاريخها إلى بداية العصر الذي استُعمِلَتْ فيه اللغة المصرية الجديدة، وهو نهاية عصر «الهكسوس»، ولا أدل على ذلك من أن النسخة التي وصلت إلينا قد نقلها تلميذ من تلاميذ الأسرة الثانية والعشرين حسب رأي الأستاذ «إرمان»، وقد وجدنا بها أغلاطًا كثيرة جدًّا لدرجة أصبح من المستحيل معها تقريبًا فهم فقرات بأكملها، ومن المحتمل جدًّا أن هذا التلميذ لم يفهم كثيرًا من محتويات الكتاب؛ لأن اللغة الحديثة التي كتب بها لم تكن لغة العصر الذي عاش فيه، بل كانت لغة القوم الذين عاشوا قبل زمنه بنحو ٣٠٠ أو ٤٠٠ سنة، ولدينا دليل مادي على ذلك؛ إذ وجدنا في متحف «برلين» أدوات كتابة لتلميذ عاش في خلال الأسرة الثانية والعشرين، ومن بينها لوحة كتابة مكتوب عليها الكلمات الافتتاحية لنصائح «آني»، غير أننا لاحظنا أن التلميذ لم يفهم هذه الجمل الافتتاحية، ولذلك وجدنا معها شرحها باللغة التي كانت مألوفة له، فنقرأ:

أول التعليم الوعظي (= فاتحة التعاليم الوعظية) لمؤلفه الكاتب «آني» (= التي ألَّفَها الكاتب آني) التابع لبيت «نفر كارع تاري».

وهذا طبعًا ما نجده بالضبط عندما نقرأ مؤلَّفًا قديمًا لم يكن في مقدور القارئ فهمه؛ فيسهل أمر فهمه بالشرح والتعليق عليه.

وهذه النصائح كما قلنا من قبلُ تقليدٌ حديث لكتب الحكمة القديمة، والواقع أنها تشبهها من ناحية أنها تعليم والد لابنه، إلا أن المجال هنا على ما يظهر أوسع أفقًا، ويشتمل على حيوية وتجارب أكثر مما نجده في تعاليم «بتاح حتب» وغيره ممَّنْ كتبوا في هذا الموضوع، غير أنه مما يُؤسَف له جد الأسف أنه قد وصل إلينا في نسخة واحدة — كما قلنا — مشوَّهة لحد بعيد؛ ولذلك فإن قيمة هذه الوثيقة الحقيقية لا يمكن أن نقدِّرها قدرها الذي يليق بها في الأدب المصري إلا إذا عُثِر على نسخ منها خالية من تلك الأغلاط الفاحشة. ومع كلٍّ فهي على حالتها تعدُّ من أحسن ما وصل إلينا من الأدب المصري في النصائح والحِكَم والتجارب والمعاملات الإنسانية، من حيث الأخلاق والدين والسلوك في الحياة الدنيا.

وسنتناول هنا الموضوعات التي عالَجَها «آني» بقدر ما يسمح به فهمنا للمتن، تاركين ما غمض منها للوقت الذي تجود به تربة مصر علينا بنسخة أخرى من هذا المؤلَّف العظيم، وعندئذٍ تلقي علينا ضوءًا جديدًا لفهمها.

يفتتح هذا الحكيم كتابه معدِّدًا لابنه ما تحمله نصائحه من فوائد، وما سيعود عليه منها لو اتبعها؛ فيقول:

إني مخبرك بكل فاضل، وبما يجب أن تعيه في لبك، فاعمل به، وبذلك تكون محمودًا، ويبتعد عنك كل شر … وسيقال عنك (إذا اتبعت ما أقول) إنه على خلق عظيم، ولن يقال: «إنه قد أتلف وإنه بليد.» وإذا تقبَّلْتَ كلماتي فإن كل شر سيبتعد عنك.

ثم يتلو هذه النصيحة الأولى عدة نصائح أخرى في الحذق في الكلام وقلته وعدم التفاخر بالقوة، غير أنها كلها قد استعصى علينا فهمها، إلى أن نصل إلى نصح حكيمنا لابنه في أن يتخذ لنفسه زوجة وهو لا يزال في ريعان الشباب؛ ليكون له خلف صالح يسعد بهم ويربيهم في حياته، فيقول:

اتَّخِذْ لنفسك زوجة وأنت لا تزال شابًّا؛ لتنجِب لك ولدًا، ويجب أن تنتجه لك وأنت لا تزال صغير السن، ويجب أن تعيش لتراه قد صار رجلًا (؟)، فما أسعد الرجل الكثير النسل! فهو يُحترَم بسبب أولاده.

وبعد أن تكلَّمَ لابنه عن تأسيس الأسرة، أراد أن يذكِّره بجانب ذلك بتقوى الله وأداء ما عليه من الواجبات نحوه فيقول:

احتفِلْ بعيد إلهك … وإن الله يغضب على مَن يستخفُّ به، واجعل شهودًا يقفون عند قربانك (التي تقربها لله) فإنه لأحسن شيء لمَن يؤديه (؟)، وإن الغناء والرقص والبخور لَمتعلقة بخدمته (؟)، أما تقبله الاحترام فمن حقوقه فقدمها للإله حتى تعظِّم اسمه.

(وجاء في القرآن الكريم: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ.)

ينتقل بنا بعد ذلك «آني» إلى تعليم ابنه المعاملات الاجتماعية، فيعلِّمه أولًا أدب الزيارة، فلا يدخل بيتًا إلا بعد الاستئذان، وعندما يدخل يغض طرفه عن كل عيب، ولا يتكلَّم عن شيء رآه معيبًا في زيارته، فيقول:
لا تدخلن بيت غيرك … ولا تمعنن في النظر إلى الشيء المنتقد في بيته؛ إذ يمكن لعينك أن تراه، ولكن الزم الصمت، ولا تتحدثنَّ عنه لآخَر في الخارج؛ حتى لا تصبح جريمة كبرى تستحق الإعدام عندما تُسمَع (؟).٢٥
وبهذه المناسبة يحذره الزنا ويذكره بأن المرأة لغز ملتوٍ؛ فلا ينخدع بإغرائها، وبأن ارتكاب الفاحشة يُعاقَب عليه بالقتل أمام القانون، فيقول:

خذ حذرك من المرأة الأجنبية تلك التي ليست معروفة في بلدتها، ولا تغمزنَّ لها بعينك … ولا تبغ معها (؟)، فهي ماء عميق لا يعرف الرجال التواءاته (تياراته)، والمرأة البعيدة عن زوجها تقول لك كل يوم: «إني جميلة.» ولذلك عندما تكون بعيدة عن أعين الرقباء، تقف أمامك لتوقعك في حبائلها … وإن ذلك (الزنا) لجرم عظيم يستحق الإعدام عندما يرتكبه الإنسان، ثم يعلم بذلك الملأ؛ لأن الإنسان يسهل عليه بعدَ ارتكابِ تلك الخطيئة أن يرتكب كل ذنب.

يتحدث بعد هذا «آني» في فقرة صغيرة عن سمعة الرجل أمام القضاء، بعد أن تكلَّمَ عن سمعته أمام الناس بالنسبة للمرأة؛ فيقول:

لا تدخلن وتخرجن في قاعة العدل (المحكمة) حتى لا يفوح اسمك (من كثرة القضايا)، ولا تتكلمنَّ كثيرًا، وكُنْ صامتًا لتكون سعيدًا، ولا تكن ثرثارًا.

ويطالعنا بعد ذلك بتعليم ابنه معنى التقوى الحقيقية نحو الله، ثم نحو أبويه فيقول:

إن بيت الله يمقت الهرج، فصلِّ بقلب محب ولا تجهر بصلاتك، وبذلك ستُقضَى كل حوائجك، وسيسمع (الله) ما تقول ويتقبَّل قربانك.

هذا عن الإله، أما عن الأبوين فيقول:

قرِّبِ الماءَ لأبيك وأمك اللذين يسكنان في وادي الصحراء (الجبَّانة) … ولا تنسَ أن تؤدي هذا حتى يعمل لك ابنك بالمثل.

ثم نرى «آني» يحض ابنه على الابتعاد عن المسكرات، شارحًا له في صورة حية ناطقة ما يبدو على السكير من سوء الحال فيقول:

لا تُلزِمنَّ نفسك (من باب الفخر) بأنك تستطيع أن تشرب إبريقًا من الجعة، فإنك (بعد ذلك) تتكلم ويخرج من فيك قول لا معنى له، وإذا سقطت وكُسِرت ساقك فلن تجد أحدًا يمد يده إليك (ليساعدك)، أما إخوانك في الشراب فيقفون قائلين: «أبعدوا هذا الأحمق»، وإذا حضر إنسان ليبحث عنك ليستجوبك فستكون طريح الثرى، ومثلك (في هذا) كالطفل الصغير.

ثم يذكِّره بعد هذا بألا يتردد على البيوتات المريبة فيقول:

لا تخرج من بيتك إلى بيت لا تعرفه (؟)، واجعل كل بيت تحبه معروفًا (حتى لا يرتاب أحد في سلوكك).

وبعد أن تكلَّمَ عن كل هذه الأشياء الفاضلة التي يجب على ابنه أن يرعاها في الحياة، انتقل إلى تذكيره بالموت وأنه يجب عليه أن يَعُدَّ لنفسه قبرًا ليُثوى فيه، وهذا أمر كان يهتم به كل مصري قديم طوال حياته؛ إذ كان إعداد القبر في المنزلة الأولى، فيقول:

أعِدَّ لنفسك مأوًى جميلًا في وادي الصحراء، وهي الحفرة التي ستواري جثمانك، فاصنعه أمام عينيك في مشاغلك … مثل السلف العِظَام الراقدين في مدافنهم (؟)، وإن الذي يبني القبر لنفسه لن يقابل باللوم (على ذلك)، وإنه لجميل أن تعدَّ لنفسك كذلك على هذا النحو (قبرًا)، وسيأتي إليك الرسول (الموت) وسينصب نفسه أمامك، فلا تقولن: «إني لا زلت صغيرًا جدًّا لتختطفني.» لأنك لا تعرف حتفك، والموت يأتي ويختطف الطفل الذي لا يزال يرضع ثدي أمه، كما يختطف الرجل عندما يصبح مُسِنًّا.

يأتي بعد هذه الفقرة فقرة طويلة بعض الشيء ينصح فيها «آني» ابنه بأن يكون يقظًا في المعاملات الاجتماعية، غير أن معظمها غير مفهوم لنا تمامًا:

تأمَّلْ! إني أقص عليك أشياء أخرى طريفة، يجب عليك أن تعيها في لبك، فأدِّها وستكون بذلك سعيدًا، وسيبتعد عنك كل سوء …

ثم يشير على ابنه بعد هذه المقدمة بأن يتخيَّرَ صديقه بعد التجربة، على ألَّا يتنزَّل إلى طبقة العبيد ويأخذ منهم صديقًا؛ فيقول:

ابتعد عن الرجل المعادي ولا تتخذنه خدنًا لك، بل اصطفِ لنفسك صديقًا مستقيمًا عادلًا، وعندما ترى ما فعله (؟) … ولا تتخذن لنفسك صديقًا كان عبدًا لآخَر سيئ السمعة … فإذا اقتفي أثره إنسان ليقبض عليه وليأخذ مَن كان في بيته (أي العبد)، فإنك ستكون تعسًا وتقول: «ما العمل؟» …

وينصح بعد ذلك «آني» ابنه بأن لا يغترَّ بالمال، وأنه ليس مصدر سعادة، وألا يعتمد على مال غيره، ولا يبني قصورًا على ما سيرثه من مال جده؛ فيقول:

يبني الإنسان بيتًا لنفسه، (وهَبْ) أن قطعة أرض صارت ملكًا لك وقد حُوَّطت بسياج من النبات المزهر أمام حقلك الخصب، وغرست فيها شجرة الجميز … وأنك قد ملأت يدك بكل الأزهار التي تتصورها العين، ولكن مع كل هذه (الأشياء) قد يكون الإنسان شقيًّا … لا تتكلنَّ على مال إنسان آخَر، واحذر أن تفعل هذا، ولا تعتمدنَّ على متاع الآخَر … ولا تقولن: «إن والد أمي له بيت.» … لأنه إذا جاءت القسمة مع إخوتك فإن نصيبك لا يكون (إلا) مخزنًا، وإذا أراد الله أن يولد لك طفل …

ثم يحض حكيمنا ابنه على احترام غيره فيقول:

لا تقعدن إذا كان غيرك أكبر سنًّا واقفًا، أو آخَر يشتغل في مهنة (معك) زمنًا أقدم منك.

وينتقل بنا «آني» إلى موضوع المعرفة ومكانتها في المجتمع، والكاتب وسمو حرفته؛ فيقول:

إذا كنتَ ماهرًا في الكتابة، فإن الناس أجمع يفعلون كل ما تقوله، إذن خصِّصْ نفسك للكتب وضَعْها في لبك، وبذلك يكون كل ما تقوله ممتازًا. كل وظيفة يعين فيها الكاتب فإنه (لا بد) يستشير فيها الكتب (وبذلك يلازمه النجاح)، فليس هناك ولد لملاحظ الخزانة ولا وارث لملاحظة الحصن … الوظائف لا أولاد لها … (وفي هذه الحالة يحصل عليها الأكفاء الذين تعلموا كثيرًا).

ثم يعود «آني» إلى تحذير ابنه ليكون محترسًا في كلامه؛ خوفًا من الخطل في القول، ويعلمه أن جوفه يتسع لحفظ كل ما يريد أن ينطلق به لسانه، فيقول:

لا تفضين بما في قلبك إلى … رجل … فإن كلمة خاطئة خرجت من فيك إذا أعادها مَن سَمِعَها تجعل لك أعداء، وإن الإنسان ينزل به الخراب من جرَّاء لسانه، وإن بطن الإنسان أوسع من مخزن الغلال، فهو مفعم بكل أنواع الأجوبة، وعليك أن تنتخب خير الكلام وتتحدث به، واجعل القبيح سجينًا في بطنك، وفي الحق ستكون دائمًا معي، وستجاوِب مَن يضرني بقول الكذب، ومع ذلك فإن الله يحكم في صالح المحق، وعندئذٍ سيأتي عقابه ويلحق به (يظهر أن المؤلف يشير إلى عدوٍّ قد ألحق به ضررًا قد ذُكِر في الجزء المفقود من نصائحه في أول الكتاب).

وبعد ذلك يعود مرة ثانية إلى العلاقة التي يجب أن تكون بينه وبين ربه، فيحثه على تقديم القربان، وعلى ألَّا يغتال حقوقه، ولا يسأل عن صورة ربه، ولا يمشي الخيلاء في موكبه مما يذكرنا بقوله عز وجل في القرآن: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا، وأن الله هو الذي يجعل مَن يشاء عظيمًا، ثم يشير من طرف خفي إلى أن الله واحد ممثل في الشمس، وأما الآلهة الذين على الأرض فهم صور مختلفة له، فيقول:

قدِّمْ قربانًا لآلهتك، واحفظ نفسك من التعدي (على حقوقه)، ولا تسأل عن صورته، ولا تمشِ الخيلاء حينما يخرج في موكبه (أي الإله)، ولا تتزاحم على حمله (في الموكب) … ودَعْ عينك تعرف قيمته، واحترم اسمه لأنه هو الذي يعطي القوة (ملايين) المخلوقات، وستقصر العظمة على مَن يجعله هو عظيمًا، إن إله هذه الأرض هو الشمس التي في الأفق، و(لكن) صورته على الأرض، فليقرب إليها البخور كل يوم.

وبعد أن عرَّفَ حكيمنا ابنه كيف يعامِل ربه، انتقل به إلى معاملة الوالدة وما لها من فضل عليه في حمله وتربيته، مما يذكرنا بقول الله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، فيقول:
ضاعِف مقدار الخبز الذي تعطيه والدتك، واحملها كما حملتك، ولقد كان عبؤها ثقيلًا في حملك ولم تتركه لي قطُّ أبدًا، وحينما ولدت حملتك كذلك ثانية بعد شهور حملك حول رقبتها، وقد أعطتك ثديها ثلاث سنوات، ولم تشمئز من برازك، ولم تكن متبرمة، ولم تقل: «ماذا أفعل أنا؟» ولقد ألحقتك بالمدرسة عندما تعلَّمْتَ الكتابة، وقد وقفت هناك يوميًّا (خارج المدرسة) … بالخبز والجعة من بيتها، وحينما تصبح شابًّا، وتتخذ لنفسك زوجة، وتستقر في بيتك، اجعل نصب عينيك كيف وضعتك أمك، وكيف ربَّتْك بكل الوسائل. فليتها لا تضرك بألا ترفع أكُفَّ الضراعة إلى الله، وليته لا يسمع عويلها.٢٦
ثم عرج بعد ذلك الحكيم ناصحًا لابنه أن يكون شفيقًا على الناس كذلك، وألا يثق بالثروة؛ لأنها كمجرى الماء لا يبقى على حال، فمَن يكون غنيًّا اليوم قد يصبح فقيرًا في الغد، فيقول:

لا تأكلن الخبز إذا كان هناك آخَر يتألم من عدمه دون أن تمد يدك إليه بالخبز، فواحد غني وواحد فقير … ومَن كان غنيًّا في السنين الخوالي قد أصبح هذا العام سائسًا، ولا تكن شَرِهًا فيما يختص بملء بطنك، وإن مجرى الماء الذي كان يجري فيه الماء في السنة الماضية قد يتحوَّل هذا العام إلى مكان آخَر، وقد أصبحت البحار العظيمة أماكن جافة وأصبحت الشواطئ هوات (أي بحارًا) …

ثم يعود ثانية «آني» إلى التحدث عن الزيارة وآدابها؛ فيقول لابنه:
لا تذهبن إلى بيت إنسان بحرية، بل ادخله فقط عندما يُؤْذَن٢٧ لك، وحينما يقول هو لك (أي رب البيت): «أهلًا بك.» بفمه … (وتأتي بعد ذلك جملة مبهمة) أعطه الإله وأعطه يومًا ثانيًا للإله والغد مثل اليوم، وسترى ما يفعله الإله إذا لُطِّخَ اسم الذي لطخك.
ويحتمل أن هذا الكلام يشير إلى إنسان قد ارتكب خطيئة، وسيتولى الله عقابه عليها.
وينصح بعد ذلك «آني» ابنه بأن يتجنَّبَ الشغب؛ فيقول:

لا تدخلن في زحام إذا رأيت أنهم مستعدون للضرب … حتى لا تُلَام في المحكمة أمام القضاة بعد تأدية الشهادة (؟) ابتعد عن أهل الشر …

ثم ينصح ابنه بعد أن أصبح رب بيت أن يكون حكيمًا في سلوكه مع زوجه، حتى يبتعد عن كل شجار أو خلاف، فيقول:

لا تمثِّل دور الرئيس مع زوجك في بيتها إذا كنتَ تعرف أنها ماهرة في عملها، ولا تقولن لها: أين هي؟ أحضريها لنا، إذا كانت قد وضعتها في مكانها الملائم، واجعل عينك تلاحظ في صمت حتى يمكنك أن تعرف أعمالها الحسنة، (وإنها) لسعيدة إذا كانت يدك معها … وبذلك يتجنَّب الرجل تحريك الشجار في بيته.

ثم يُذكِّر «آني» في الوقت نفسه ابنه بأن يحذر النساء الأجانب، فيقول:

لا تذهبن وراء امرأة؛ حتى لا تتمكَّن من سلب لبِّكَ.

ولم يَفُتْ «آني» أن يضع لابنه الخطط في معاملة الرئيس؛ حتى يكون سعيدًا معه فيقول:

لا تجيبن رئيسًا في حالة غضبه، بل ابتعد من أمامه، واذكر حلو الكلام حينما ينطق بمره لأي إنسان، واعمل على تهدئة قلبه، فإن الأجوبة الشديدة تحمل غضبًا (تؤدي إلى ضربك) وبذلك تنهار قواك، وإن الغضب يصوب نفسه نحو أعمالك فلا تنغصن نفسك، على أن الرئيس سيلتفت ويُثنِي عليك بسرعة بعد فوات ساعته المخيفة (ساعة غضبه)، وإذا كانت كلماتك مهدِّئة للقلب فإن القلب يميل لاستيعابها. وجدَّ في أن تكون صامتًا، واخضع لما يفعل.

وبعد أن رسم له الطريقة الرشيدة في معاملة رئيسه، لم يفته أن يلفت نظره إلى أن يكون على وفاق مع رجال الشرطة، فيقول:
اتَّخِذْ من شرطة شارعك صديقًا، ولا تجعلنه يثور عليك، وأعطه من طرائف بيتك حينما يكون منها في بيتك (في أيام العيد)، ولا تتغاضَ عنه وقت صلاته، بل قُلْ له: «المديح٢٨ لك».
يتلو ذلك قطعة غير مفهومة، ثم محادثة هي خاتمة الكتاب. وبعد أن فرغ «آني» من إلقاء نصائحه على ابنه، أجابه الأخير بأنه يتمنى أن يكون مثله، ولكن شتان ما بينه وبين والده الذي كان صاحب همة عالية ومطامح سامية، وإنه ربما يتعذَّر عليه أن يصل إلى ما وصل إليه «آني» فيقول:
آه يا ليتني مثلك … حتى أعمل حسب تعاليمك، وحتى يرقى الابن إلى مرتبة والده … إنك رجل صاحب مطامح عالية، فكل كلماتك مختارة، وإن الولد الذي يتصوَّر خبثًا في نفسه يقول … في الكتب. إن كلماتك مريحة لقلبي، ولبي يميل إلى استيعابها، وإن قلبي لفرح، ولكن لا تجعلن فواقك يتجاوز الحد في غزارته … إن الولد لا يعمل حسب التعاليم التي تثقف حتى لو كانت كل الكتب على لسانه.٢٩
غير أن الوالد لما سمع هذا الجواب من ابنه، أخذ القلق يساوره وأخذ يضرب له الأمثلة الطريفة في الطاعة ويحثه على اتباع ما ألقاه عليه من النصائح، فيقول «آني» مجاوبًا ابنه «خنسحتب»:

لا تثقن في هذه الأشياء (؟) الخطرة، وتجنَّب أن تعود إلى الشكوى، فإن قلبي لا يصغى إليها، فإن الثور المحارب الذي قتل ما في الحظيرة من ثيران، لا يمكنه أن يغادر الحلقة (إذ يجب عليه) أن يأخذ أوامره من سائقه، وكذلك الأسد المفترس يخفِّف من ثورته ويمر بكآبة على الحمار، والجواد يخضع لنيره … والكلب يصغي للكلام ويتبع سيده، والحيوان «كيري» يحمل … إناء الذي لم تتحمله والدته، والإوزة تحط على البركة الباردة حينما تصاد، وبذلك تنتفض في الشرك (حزنًا)، والعبيد قد تعلموا الكلام المصري، وكذلك السوريون وكل الأجانب، وقد تكلَّمت كذلك عن كل الحِرَف التي يمكن أن تسمع عنها وأعرف ما يجب أن يفعل.

أما الجواب الذي أجاب به «خنسحتب» أباه فمُبْهَم، ومن المحتمل أنه يشير إلى الحقيقة القائلة «بأن كل الناس لا قيمة لهم»، فيقول:

إن هناك جمًّا غفيرًا من الأدنياء، وليس هناك فرد يعرف تعليمه، وإذا وجدت إنسانًا حازمًا فإن الأكثرية أغبياء.

ومن المحتمل إذن أنه يعاهد والده على الطاعة، فيقول:

كل كلماتك ممتازة … وإني أعطيك المواثيق بأن أضعها على طريقتك (التي رسمتها).

وعلى ذلك يجيب الكاتب «آني» على ما قاله ابنه ببعض أمثال حكيمة لا تزال تأخذ بالألباب وتستهوي النفوس؛ لأنها تنفذ إلى الأعماق، فيقول:
وَلِّ ظهرك لتلك الكلمات الكثيرة التي ينبو عنها السمع، فإن العصا المعوجة الملقاة في الحقل والمعرضة للضِّح والفيء، يحضرها الصانع ويجعلها مستقيمة ويصنع منها سوطًا للشريف، ولكن قطعة الخشب المستقيمة هي التي يصنع منها لوحًا (للكتابة).٣٠

آه أيها القلب الذي لا يمكنه أن يتبصر في العواقب، هل كانت آراؤك في أن تعطي المواثيق أو أنك تفشل.

ومن الجائز أن «آني» يعبر في الجزء الباقي عن أمله في أن يكون ابنه الذي يعرف القوة التي في يده (أي يشعر بقوة نفسه)، عاقلًا كالطفل الذي في حضن أمه، فإنه عندما يبلغ سن التمييز لا يريد الاستمرار في الرضاعة، بل يجد فمه (أي يتكلم) ليقول: أعطني خبزًا.

(أ) المصادر

هذه التعاليم لا تزال غامضة، وتحتاج إلى درس جديد، وأهم المصادر التي يمكن الرجوع إليها حتى الآن هي:
  • (1)
    Breasted, “The Dawn of Conscience”, P.P. 319 f.f.
  • (2)
    Erman, “The Literature of the Ancient Egyptians”, P.P. 234 f.f.
  • (3)
    Speigel, “Die Praambel des Amenemope und die Ziellsetzung der Agyptischen Weisheitsliteratur”, P. 15.

(١-٩) تعاليم «أمنموبي»

مقدمة

لا بد أن القارئ قد لاحظ في نصائح «آني» نموًّا وتطورًا كبيرين في الوعي الإنساني يرجعان في أصلهما إلى المؤثرات الاجتماعية، ثم إلى التفكير العميق في هذا العصر؛ إذ نجد أن المتعبدين يعترفون بالوعي الإنساني ويذكرون من غير تحفُّظ أنه أمر الله نفسه. على أن تلك الفكرة كانت قد ظهرت قبل بداية عهد الإمبراطورية المصرية بنحو خمسمائة سنة، ولكن في العصر الذي نحن بصدده الآن، أي العصر الذي يُعَدُّ عصر الورع الشخصي، صار «الضمير» هو الإيحاء الإلهي الحق، وذلك ما لم يحدث من قبلُ أبدًا، وفي تلك الأحوال لم يكن هناك بالطبع إخفاء للخطيئة أو إنكار لها بعد وقوعها من المخطئ، إذ كان المتعبد في ذلك الوقت يشعر بأن أمره كان معلومًا عند ربه؛ لأنه كان يضع نفسه بدون تحفُّظ في يد الله المرشد والمهيمن على كل حياته وحظه، ومع أن إرضاء المجتمع كان لا يزال الأمر الهام، وأن الإحساس بضغط المؤثرات الاجتماعية كان لا يزال موجودًا، فإن المسئولية أمام الإله العليم بكل شيء كانت مع ذلك فوق كل شيء. وهذا الموقف الجديد الذي شاهدنا بوادره في التعاليم الماضية قد كُشِف لنا غطاؤه في مقال ممتع، وأعني به تعاليم «أمنموبي». وقبل أن نتكلم عن محتوياتها، والرسالة التي أدتها إلى العالم، يجدر بنا أن نتكلم ببعض الإيجاز عن تاريخها فنقول: وجدت هذه التعاليم مكتوبةً على ورقة بردية محفوظة الآن في المتحف البريطاني، وقد حصل عليها السير «ولس بدج» عام ١٨٨٨ ومعها ورقة أخرى تشتمل على جزء من كتاب الموتى، وقد بقيت تعاليم «أمنموبي» في زوايا النسيان إلى أن نشر الأستاذ «بدج» بعض قطع منها في عيد شمبليون:
  • (1)
    Recueil d’Etudes Egyptologiques dediees à la Memoire de Jean François Champollion, (Paris, 1922). PP. 341–346, (“The Precepts of Life by Amen-em-apt”, described by E. A. Wallis Budge).
وفي العام التالي طبع الأستاذ «بدج» متن كل التعاليم بالهيراطقية، ثم كتبه بالهيرغليفية، وترجمه وعلَّق عليه في:
  • (2)
    Wallis Budge, “Facsimiles of Egyptian Hieratic Papyri in the British Museum”, with Description and Summary of Content (Second Series, London, 1923) pls. 1–14.
وبعد ذلك قام بدرسها الأستاذ «لنجا» الأثري الدنماركي، وخطا خطوات واسعة في إعطاء معناها الحقيقي، وأعقب ذلك درس الأستاذ «إرمان» لهذه الوثيقة:
  • (3)
    “Das Weisheitbuch des Amen-em-Ope”, Orientalische Literatur–zeitung (1924), PP. 241–252.
وفي يناير سنة ١٩٢٤ طبع «بدج» هذه النصائح مرة ثانية، وأضاف على الترجمة بعض إصلاحات:
  • (4)
    “The Teaching of Amen-em-apt”, (London, 1924).
وبعد ذلك طالعنا الأستاذ «إرمان» بمقال عن هذه النصائح والتعاليم، برهن فيه على أن هذه الوثيقة كانت مصدرًا أُخِذت منه حِكَم سليمان — عليه السلام:
  • (5)
    Erman, “Eine Agyptische Quelle der Sprüche Salomos”, Sitzungsberichte der Preussischen Akademie der Wissenschaften, philosophisch–historische klasse (1924), PP. 86–93.
ثم تناوَلَ هذا الموضوع ثانيةً الأستاذُ «لنجا» في كتابه:
  • (6)
    “Das Weisheitbuch des Amen-em-ope”.

وقد طبعه في عام ١٩٢٥.

وقام بترجمة هذه الوثيقة الأستاذ «جرفث» في «مجلة الآثار المصرية»، ووازَنَ بينها وبين أمثال سليمان:
  • (7)
    Griffith, “The Journal of Egyptian Archaeology”, Vol. XII, PP. 191 ff.

ويجد القارئ في الترجمة الأخيرة بعض تحسينات جديدة في قراءة الأصل الهيراطيقي.

وأخيرًا نجد الأستاذ برستد قد تناوَلَ هذه الوثيقة ببحث ممتع في كتابه «فجر الضمير»:
  • (8)
    Breasted, “The Dawn of Conscience”, PP. 320–330, 331, 364–366, 371, 372–382.

(أ) العصر الذي كُتِبت فيه التعاليم

وقد اختلف علماء الآثار في تحديد تاريخ هذه الوثيقة، غير أن الرأي الأخير يجعل عصرها ينحصر ما بين الأسرة الحادية والعشرين والثانية والعشرين، وهذا هو رأى كلٍّ من الأستاذ «إرمان» والأستاذ «لنجا».

وقد كان رأى الأستاذ «إرمان» يرتكز على أن هذه التعاليم تشبه تعاليم «آني» السالفة من حيث المادة واللغة، ومن حيث الشيوع في الاستعمال؛ إذ الواقع أن تعاليم «أمنموبي» كان لها شهرة عظيمة لدرجة أنها كانت تُستعمَل بمثابة كتاب مطالعة٣١ وتمرين في المدارس في عهد الدولة الحديثة؛ فقد عُثِر على لوحة في متحف «تورين» من الخشب عليها طبقة من الجص، مكتوب على كلٍّ من وجهيها فقرات من هذه التعاليم، وهذا ما لاحظناه سابقًا في ورقة «آني».

(ب) المتن

المقدمة

  • ١ بداية درس الحياة

  • ٢ والإرشاد إلى الخير

  • ٣ وكل قواعد الاندماج بين كبار الموظفين

  • ٤ وعادات معاملة رجال القصر

  • ٥ ليعرف كيف يجيب (شفويًّا) عن سؤالٍ يُلقَى عليه٣٢
  • ٦ وأن يرد (كتابةً) على مسألة لمَن يستفسر عنها٣٣
  • ٧ ليرشده إلى سُبُل الحياة (أي مواقف الحياة المختلفة)

  • ٨ وليجعله يفلح على الأرض٣٤
  • ٩ ويجعل قلبه يدخل في محرابه٣٥
  • ١٠ وبذلك يبعده من الشر٣٦
  • ١١ ولينجيه من فم٣٧ الناس
  • ١٢ وبذلك يكون ممدوحًا في أفواه القوم.

المؤلف٣٨

  • ١٣ ألَّفه ملاحظ الأراضي الحاذق في عمله

  • ١٤ وهو نتاج٣٩ كاتب مصري.
  • ١٥ ملاحظ الغلال ومدير المكاييل٤٠
  • ١٦ وهو الذي يدير محصولات الغلال لسيده

  • ١٧ والذي يقيد الجُزر والأراضي الجديدة٤١
  • ١٨ بالاسم العظيم لصاحب الجلالة (أي باسم الملك)

  • ١٩ ويضع العلامات عند حدود الأرض المنزرعة

  • ٢: ١ وهو الذي حفظ ذكرى الملك بنقوشه٤٢
  • ٢ ومسح الأرض السوداء.

  • ٣ الكاتب الذي يقرِّر الأوقاف الإلهية الخاصة بالآلهة كلها

  • ٤ والذي يمنح الإيجار مَن يشاء

  • ٥ ملاحظ الغلال والقابض على زمام الأطعمة

  • ٦ والذي ينقل مخازن الغلال

  • ٧ الثاوي حقًّا في «تاور» بطينة

  • ٨ والمغفور له في «آبي»٤٣
  • ٩ وصاحب القبر الهرمي الشكل في غربي «سنوت»٤٤
  • ١٠ وصاحب الضريح في «العرابة»

  • ١١ «أمنموبي بن كانخت»

  • ١٢ المبرأ في «تاور».

الابن الموجهة إليه هذه التعاليم٤٥

  • ١٣ لابنه أصغر أولاده

  • ١٤ وهو صغير إذا قيس بأقاربه

  • ١٥ المشرف على أسرار «مين» ثور أمه

  • ١٦ صاحب سقاية الإله «وننفر»٤٦
  • ١٧ المنصب «حور» على عرش والده

  • ١٨ وحارسه في محرابه المعظم

  • ١٩ غاسل (؟) ملابس «إزيس» العظيمة

  • ٣: ١ وحارس (؟) أم الإله

  • ٢ ومفتش البقرات السود التابعة لمعبد الإله «مين»

  • ٣ والمحافظ على (صورة) «مين» في محرابه

  • ٤ واسمه الحقيقي «حار-مع-خر»٤٧
  • ٥ وهو ابن نبيل من «آبي»

  • ٦ وابن لاعبة الصنج للإلهين «شو» «وتفنوت»

  • ٧ ورئيس خدر «حور» المسمى «تَوسري» (أو رئيس ضارب الصنج للإله حور المسمى «توسري»).

الفصل الأول:٤٨ واجب التلميذ

  • ٨ يقول الفصل الأول:

  • ٩ أسلم أذنيك واستمع إلى (الكلمات) التي تقال

  • ١٠ واشحذ فكرك لتفسِّرها (أي تفهمها)

  • ١١ وإنه لمن الخير أن تضعها في لبك٤٩
  • ١٢ ولكن الويل لمَن يهملها.

  • ١٣ دعها (أي التعاليم) تستقر في صندوق بطنك٥٠
  • ١٤ حتى تُكوِّن بها قفلًا لقلبك

  • ١٥ فإذا جاءت عاصفة من الكلام

  • ١٦ فإنها (التعاليم) ستكون بمثابة (وتد) (رادع) للسانك

  • ١٧ وإذا أمضيت مدة حياتك، وهذه الأمور في قلبك

  • ١٨ فإنك ستلقى بها نجاحًا

  • ٤: ١ وستجد في كلماتي ذخيرة الحياة

  • ٢ وسيفلح جسمك على الأرض.٥١

٣ الفصل الثاني:٥٢ الإنسانية ونصائح منوعة

  • ٤ احذر أن تسلب فقيرًا بائسًا

  • ٥ وأن تكون شجاعًا أمام رجل مهيض الجناح

  • ٦ ولا تمدنَّ يدك لتمس رجلًا مسنًّا (بسوء)

  • ٧ ولا تسخرن من كلمة رجل هَرِم

  • ٨ ولا تجعلن نفسك رسولًا في مهمة ضارة (أي رسول سوء)

  • ٩ ولا ترغبن في مصاحبة مَن قد أداها

  • ١٠ ولا تصخبن مع مَن قد آذيت

  • ١١ ولا تردن عليه بجواب لتجعل الحق في جانبك.

  • ١٢ ومَن فعل فاحشة فإن المرفأ يفلت منه٥٣
  • ١٣ وأرضه المبللة تحمله بعيدًا٥٤
  • ١٤ وكذلك إعصار الشمال يهب ليقضي على حياته

  • ١٥ ويتحد مع العاصفة

  • ١٦ أما الرعد فقاصف، والتماسيح فخبيثة.

  • ١٧ وأنت أيها الرجل الأحمق، ما حالك؟

  • ١٨ إنه يصيح وصوته (يصل) إلى (عنان) السماء.

  • ١٩ وأنت أيها القمر (تحوت) الذي ثبَّت جريمته

  • ٥: ١ حرك الدفة حتى يمكن الرجل الخبيث أن يعبر إلينا (؟)

  • ٢ لأننا لا نرتكب ما ارتكبه.٥٥
  • ٣ ارفعه ومدَّ يدك إليه

  • ٤ وأسلمه إلى ذراعي الإله

  • ٥ واملأ جوفه بخبزك

  • ٦ حتى يشبع ويعي (؟).

  • ٧ وهناك شيء آخَر محبَّب إلى قلب الإله

  • ٨ هو التأني قبل الكلام.

٩ الفصل الثالث:٥٦ الحزم في المناقشة

  • ١٠ لا تشتبكن في جدال مع أحمق

  • ١١ ولا تخزَّنَّه بالألفاظ.٥٧
  • ١٢ تأنَّ أمام متطفل، وأعرض عمَّن يهاجم

  • ١٣ ونَمْ ليلة قبل التكلم٥٨
  • ١٤ لأن العاصفة تهب مثل النار في الهشيم.

  • ١٥ والرجل الأحمق في ساعة غضبه

  • ١٦ يجب أن تنسحب من أمامه واتركه لمكايده (أو سامحه فيها)

  • ١٧ والله يعلم كيف يجيبه (يجزيه).

  • ١٨ وإذا أمضيت حياتك واعيًا هذه الأشياء في قلبك

  • ١٩ فإن أولادك سيبصرونها.

٥: ٢٠ الفصل الرابع:٥٩ الرجل الأحمق والرجل الحليم

  • ٦: ١ أما الرجل الأحمق الذي يخدم في المعبد

  • ٢ فمثله كشجرة نبتت في الغابة (؟)

  • ٣ ففي لحظة تفقد خضرتها

  • ٤ ويكون مصيرها في مرفأ الأخشاب

  • ٥ أو (؟) تنقل بعيدًا عن مكانها

  • ٦ والنار كفنها (مثواها).

  • ٧ أما الرجل الحليم حقًّا، فهو الذي يضع نفسه جانبًا (حيث يجب)

  • ٨ فمثله كشجرة باسقة في حديقة

  • ٩ تنمو يانعة وتضاعف ثمرتها

  • ١٠ فتقف أمام سيدها

  • ١١ وثمرتها حلوة وظلها ظليل

  • ١٢ وينتهي مصيرها في الحديقة.٦٠

١٣ الفصل الخامس:٦١ الأمانة والرزانة في المعبد

  • ١٤ لا تسيئن استعمال أنصبة المعبد

  • ١٥ ولا تكونن جشعًا (حتى) تجد الخير العميم (أكثر مما كنت تنتظر)

  • ١٦ ولا تعزلن خادم إله

  • ١٧ لكي تؤدي خدمة لآخَر

  • ١٨ ولا تقولن: إن «اليوم مثل الغد»

  • ١٩ فكيف تكون نهاية هذه الأشياء؟

  • ٧: ١ فإن الغد يأتي واليوم رائح

  • ٢ وقد تصبح اللجة العظيمة حافة من الأمواج٦٢
  • ٣ وتنكشف التماسيح ويصير جاموس البحر على اليابس

  • ٤ والسمك يلقف الهواء

  • ٥ وبنات آوي تصير بطانًا، والطيور المفترسة تصبح في عيد

  • ٦ والشباك تصبح خاوية.

  • ٧ أما من حيث الحلماء كلهم في المعبد

  • ٨ فإنهم يقولون إن الشيء العظيم رضا رع رضًا طيبًا.٦٣
  • ٩ احرص تمامًا على الرجل الحليم، وبذلك تجد الحياة

  • ١٠ وسينعم جسمك على الأرض.

١١ الفصل السادس:٦٤ التعدي على أرض الغير

  • ١٢ لا تزحزحن الحد الفاصل (بين الحقول)

  • ١٣ ولا تحولن موقع خيط المقياس

  • ١٤ ولا تطمعن في ذراع أرض

  • ١٥ ولا تقذفَنَّ بحدود الأرملة (أي لا تتعدَّ عليها)

  • ١٦ وإن المسلك الذي عبَّده الزمن٦٥
  • ١٧ مَن يغتصبه ظلمًا في الحقل

  • ١٨ بأن يتصيَّدَه بالأيمان الكاذبة

  • ١٩ فإن بطش القمر يوقعه في حبائله.

  • ٨: ١ وراقِبْ جيدًا مَن ارتكَبَ ذلك على الأرض

  • ٢ لأنه يكون ظالمًا للضعيف

  • ٣ وهو عدو يعمل لخرابك (للإضرار بك)

  • ٤ والغدر بفقدان الحياة في عينه

  • ٥ وبيته عدو للمدينة

  • ٦ ولكن أجرانه تخرب

  • ٧ وأمتعته تُنتزَع من يد أطفاله

  • ٨ وأملاكه تُعطَى غيره.

  • ٩ احترس من أن ترمي (تغير) حدود الأرض المنزرعة

  • ١٠ خوف أن يحملك الفزع (يستولي عليك الفزع).

  • ١١ والإنسان يستعطف الإله بقوة ربه

  • ١٢ عندما يُعَيِّن حدود الحقل.

  • ١٣ ارغب حينئذٍ في أن تجعل نفسك سعيدًا

  • ١٤ واحذر رب العالمين

  • ١٥ ولا تتعدين على حرث آخَر

  • ١٦ وخير لك أن تكون مستقيمًا بالنسبة له (الحرث).

  • ١٧ ازرع الحقول حتى يمكنك أن تجد ما تحتاج إليه

  • ١٨ وتجني خبزك من حرثك

  • ٢٠،١٩ وإن المكيال الذي يعطيكه الله خير لك من خمسة آلاف تكسبها بالبغي

  • ٩: ١ فإنها لا تمكث يومًا واحدًا في المخزن ولا في الجرين

  • ٢ ولا يعمل منها طعام في وعاء الجعة

  • ٣ ولا تمكث إلا لحظة في المخزن

  • ٤ فعندما يأتي عليها الصباح تغيض.

  • ٥ والفقر على يد الله

  • ٦ خير من الغنى في المخازن

  • ٧ وأرغفة (تكسبها) بقلبٍ فَرِحٍ خير لك

  • ٨ من ثروة مع شقاء.

٩ الفصل السابع:٦٦ البحث وراء الثروة

  • ١٠ لا تندفعن بقلبك وراء الثروة

  • ١١ إذ لا يمكن تجاهُل «شاي» و«رننت» (إلهَيِ الحظ)

  • ١٢ ولا تضعن أفكارك في أمور في الخارج

  • ١٣ فكل إنسان مقدَّر له ساعته (ساعة الحظ).٦٧
  • ١٤ ولا تجهدن نفسك في طلب المزيد

  • ١٥ عندما تكون قد حصلت (بالفعل) على حاجتك

  • ١٦ لأن الثروة لو أتت لك من طريق السرقة

  • ١٧ فإنها لا تمكث معك (سواد) الليل

  • ١٨ إذ عند مطلع الفجر لا تكون في بيتك بعدُ

  • ١٩ وسترى مكانها، ولكنها لن تكون (هناك)

  • ٢٠ (فربما) قد فغرت الأرض فاها فتأخذها وتبتلعها

  • ١٠: ١ وتغوص بها في (تاي) في العالم السفلي

  • ٢ أو أنها تعمل لنفسها كهفًا كبيرًا بقدر حجمها

  • ٣ ثم تغيض بنفسها في مخزن الغلال

  • ٤ أو أنها تعمل لنفسها أجنحة مثل الإوز

  • ٥ وتصعد إلى السماء.

  • ٦ لا تفرحن من أجل ثروة أتت من طريق السرقة

  • ٧ ولا تئننَّ من الفقر

  • ٨ فإن مفوق السهام (النابل) الذي يكون في المقدمة ويندفع إلى الأمام

  • ٩ تهجره جنوده في الخطر

  • ١٠ وكذلك قارب الشره يترك ويعوقه الطين

  • ١١ وقارب الرجل الرزين يقلع (مع النسيم).

  • ١٢ ويجب عليك أن تتعبد إلى «آتون» حينما يشرق

  • ١٣ وقل: «امنحني السلامة والصحة.»

  • ١٤ وسيمنحك ما تحتاج إليه طول الحياة

  • ١٥ وتأمن الخوف.

١٦ الفصل الثامن:٦٨ لا تقل شرًّا

  • ١٧ ضع طيبتك في جوف الناس (في أعماق نفوسهم)

  • ١٨ حتى يحييك كل إنسان

  • ١٩ لأن الإنسان يرحب بالصل (الثعبان الذي على جبين الملك)

  • ٢٠ ويبصق على الثعبان «أبوبي».

  • ٢١ احفظ لسانك سليمًا من الألفاظ الشائنة

  • ١١: ١ وبذلك ستصبح المفضل عند الآخرين

  • ٢ وستجد مكانك في المعبد

  • ٣ وطعامك من خبز قربان ربك

  • ٤ وستُحترَم في شيخوختك وتُوارَى في كفنك

  • ٥ وستكون في مأمن من بطش الإله.

  • ٦ لا تصيحن: جريمة في وجه إنسان٦٩
  • ٧ عندما يكون سبب فراره خفيًّا (وأخف حالة هرب الهارب).

  • ٨ وإذا كنت مستمعًا لتحكم في شيء سواء أكان خيرًا أم شرًّا

  • ٩ فافعل ذلك في الخارج حيث لا تسمع٧٠
  • ١٠ وضع تقريرًا حسنًا على لسانك٧١
  • ١١ أما ما قبح فأخفِه في بطنك.

١٢ الفصل التاسع:٧٢ تجنب الرجل الأحمق وسبله

  • ١٣ لا تخالطن الرجل الأحمق

  • ١٤ ولا تَدْنُ منه لتحادثه.

  • ١٥ واحفظ لسانك سليمًا من مجاوبة رئيسك

  • ١٦ واحذر من أن تذمه

  • ١٧ ولا تجعله يرمي بكلامه ليحبلك (ليوقعك في أحبولة)

  • ١٨ ولا ترخِ العنان لجوابك.

  • ١٩ ويجب أن تناقش الجواب مع رجل على شاكلتك

  • ٢٠ واحذر الاندفاع في النطق به

  • ١٢: ١ فإن الكلام يكون سريعًا عندما يؤذي القلب

  • ٢ أكثر من الريح أمام الماء (؟) كالزوبعة التي تسبق المطر

  • ٣ فالإنسان يبني ويهدم بلسانه

  • ٤ ومع ذلك فإنه يقول قولًا مقذعًا

  • ٥ ويجيب بجواب يستحق الضرب

  • ٦ (لأن) حمولته الشر

  • ٧ ويقوم بسياحة مثل كل العالم (ويخلق الشجار بين الناس)

  • ٨ غير أنها مثقلة بالألفاظ الكاذبة

  • ٩ ومثله كمثل النوتي٧٣ في نسج (؟) الكلام
  • ١٠ يروح ويغدو بالمشاحنة

  • ١١ وعندما يأكل ويشرب في الداخل

  • ١٢ يسمع جوابه في الخارج

  • ١٣ والواقع أن يوم إظهار جريمته

  • ١٤ يكون بؤسًا على أطفاله.

  • ١٥ ليت الإله «خنوم» يحضر حقًّا حقًّا (؟)

  • ١٦ عجلة صانع الفخار لصاحب الفم الناري

  • ١٧ حتى يشكل ويصهر القلوب (مثل الأواني) (ويصلح من سبله) (وأنه مثل …)

  • ١٨ وهو كابن الذئب في ساحة المزرعة

  • ١٩ يحول إحدى عينيه معاكسة للأخرى

  • ١٣: ١ ويثير الشجار بين الإخوة

  • ٢ ويسير كالسحاب أمام كل نسيم

  • ٣ وينقص من لون الشمس

  • ٤ ويخضب (؟) ذيله مثل التمساح الصغير

  • ٥ وينكمش في نفسه جالسًا

  • ٦ وشفتاه حلوتان ولسانه بارد؟ (أي مر)

  • ٧ ولكن اللهيب يتقد في جوفه

  • ٨ فلا تقفزن لتنضم إلى هذا (الزميل)

  • ٩ وإلا يذهب بك الفزع.

١٠ الفصل العاشر: الإخلاص

  • ١١ لا تصافحن قرنك الأحمق على الرغم منك

  • ١٢ ولا تحزنن قلبك من أجل ذلك

  • ١٣ ولا تقولن له: «السلام عليكم» رياءً.

  • ١٤ عندما يكون في باطنك حقد (تدابير فظيعة)

  • ١٥ لا تتكلمن مع إنسان كذبًا

  • ١٦ فذلك ما يمقته الله

  • ١٧ ولا تفصلن قلبك عن لسانك

  • ١٨ حتى تكون كل طرقك ناجحة.

  • ١٩ وكن ثابتًا أمام غيرك من الناس

  • ١٤: ١ لأن الإنسان في مأمن في يد الله.

  • ٢ وإن الممقوت من الله مَن يزوِّر في كلام

  • ٣ لأن أكبر شيء يكرهه هو النفاق (؟).

٤ الفصل الحادي عشر:٧٤ التابع

  • ٥ لا تطمعن في متاع تابع

  • ٦ ولا تتطلعن (جوعًا) لخبزه

  • ٧ والواقع أن متاع التابع شجًّا للحلق

  • ٨ ومقيئ للزور

  • ٩ وعندما يحصل عليه بالأيمان الكاذبة

  • ١٠ تنعكس رغبته ببطنه.٧٥
  • ١١ والنجاح (؟) يخطئ (؟) الإنسان الخائن

  • ١٢ ويخيب كل من الحسن والقبيح

  • ١٣ وعندما تخيب أمام رئيسك

  • ١٤ وتكون ركيكًا في كلامك

  • ١٥ فإن تضرعاتك تجاب باللعنات

  • ١٦ وخضوعك بالضرب

  • ١٧ ولقمتك الضخمة من الخبز تلتهمها وتقيئها

  • ١٨ فأنت إذن قد جُرِّدْتَ من متاعك.

  • ١٩ دقِّق جيدًا في امتحان التابع

  • ١٥: ١ حينما تصله العِصي (أي يضرب)

  • ٢ وعندما يكون كل أهله في الأغلال

  • ٣ فأين المنفذ؟٧٦ (أو ومَن منهم يستحق القتل)؟
  • ٤ وحتى عندما يصفح عنك أمام رئيسك

  • ٥ فإنك تكون محقرًا أمام مرءوسيك

  • ٦ ويجب أن تتباعد عن التابع على الطريق

  • ٧ وستراه، وأبعد نفسك من متاعه.

٨ الفصل الثاني عشر: الدافع الشريف

  • ٩ لا تطمعن في متاع شريف

  • ١٠ ولا تعطين مقدارًا عظيمًا من غذاء الخبز تبذيرًا

  • ١١ وإذا نصبك على إدارة أعماله

  • ١٢ فابتعد عما يخصه حتى يثمر ما تمتلكه.

  • ١٣ ولا تشاركن رجلًا أحمق

  • ١٤ ولا تخالطن رجلًا خائنًا

  • ١٥ وإذا أرسلت لنقل التبن

  • ١٦ فابتعد عن مكيال الغلال (لأنك لم ترسل لتقوم بذلك).

  • ١٧ وهتك ستر الرجل في أمر حقير

  • ١٨ يعوق استخدامه كرة أخرى أيضًا.

١٩ الفصل الثالث عشر: كاتب الحسابات الطيب

  • ٢٠ لا تضرن رجلًا بجرة قلم على بردية٧٧
  • ٢١ لأن ذلك يمقته الله.

  • ١٦: ١ ولا تؤدِّين شهادة كذبًا

  • ٢ ولا تزحزحنَّ إنسانًا آخَر بلسانك

  • ٣ ولا تفرضن ضريبة على شخص لا يملك شيئًا

  • ٤ ولا تستعملن قلمك في الباطل

  • ٥ وإذا وجدت فقيرًا عليه دين كبير

  • ٦ فقسِّمه ثلاثة أقسام

  • ٧ وسامِحه في اثنين وأبقِ واحدًا

  • ٨ وستجد ذلك سبيلًا للحياة

  • ٩ وستضطجع بالليل وتنام نومًا عميقًا (وستهدأ)

  • ١٠ وفي اليوم التالي ستجد أنها (ما فعلَتْها) أخبار سارة (على الألسنة).

  • ١١ وخير للإنسان مدح الناس وحبهم له

  • ١٢ من الثراء في المخازن

  • ١٣ وخير للإنسان (أكل) الخبز مع قلب سعيد

  • ١٤ من الثراء مع الكدر.

١٥ الفصل الرابع عشر: الكرامة

  • ١٦ لا تحترمن شخصًا (لا تفرض على نفسك الذلة لشخص)

  • ١٧ ولا تجهدن نفسك لتبحث عن يده (أي مساعدته)

  • ١٨ إذا قال لك: «خذ رشوة.»

  • ١٩ إذ ليس بالرجل المعدم مَن يقبلها (؟) (أو أن ذلك ليس بالأمر الهين).

  • ٢٠ ولا تكن خجلًا (أمامه) وتحني نفسك (له)

  • ٢١ ولا تلقين بنظرك إلى أسفل

  • ٢٢ وسلِّم عليه بفمك وقُلْ له: «سلام عليك.»

  • ١٧: ١ وعندما يقلع عن ذلك فإن موهبتك ستظهر

  • ٢ ومع ذلك يجب ألا تقصيه عندما يقترب منك أول مرة

  • ٣ فإن أمرًا آخَر (فرصة أخرى) سيقصيه بعيدًا (عنك).

٤ الفصل الخامس عشر: الإله «تحوت» والكاتب

  • ٥ اعمل خيرًا حتى تعرف مَن (؟) أنا

  • ٦ ولا تغمسن قلمًا في المداد لتفعل ضررًا

  • ٧ فإن منقار «أيبيس» هو أصبع الكاتب

  • ٨ واحذر إزعاجه

  • ٩ فالقرد يسكن في بيت «الأشمونين»

  • ١٠ غير أن عينيه تطوفان حول الأرضين

  • ١١ فإذا رأى مَن يَضرُّ بأصبعه

  • ١٢ فإنه يرمي بطعامه إلى اللجة العميقة.

  • ١٣ أما الكاتب الذي يضر بأصبعه

  • ١٤ فإن ابنه لن يحفظ في السجل.

  • ١٥ فإذا أمضيت حياتك واعيًا هذه الأمور في قلبك

  • ١٦ فإن أطفالك سيرونها.

١٧ الفصل السادس عشر: الموازين المغشوشة والمزيفة

  • ١٨ لا تتلاعبن بكفتَيِ الميزان ولا تطفِّفن الموازين

  • ١٩ ولا تنقصنَّ من أجزاء مكاييل الغلال.

  • ٢٠ لا ترغبنَّ في مكاييل الحقول (أي الضريبة)

  • ٢١ ثم تهمل مكاييل الخزانة٧٨
  • ٢٢ فإن القرد يجلس بجوار الميزان (الإله تحوت)

  • ١٨: ١ وقلبه اللسان (الميزان)

  • ٢ وأين يوجد إله عظيم مثل «تحوت»

  • ٣ الكاشف لهذه الأشياء ليصنعها؟

  • ٤ لا تصنعنَّ لنفسك موازين منقوصة

  • ٥ فإنها تزخر بالجيوش (؟) بقوة الإله

  • ٦ وإذا رأيت إنسانًا يغش

  • ٧ وجب عليك أن تمر به مبتعدًا.

  • ٨ ولا تغتالن النحاس

  • ٩ واجتنب الكتان الجميل

  • ١٠ وما فائدة عباءة من نسيج «مك»٧٩
  • ١١ إذا كانت ضلالًا أمام الله

  • ١٢ وإذا كانت قشرة الذهب توضع فوق السبيكة لتظهرها ذهبًا خالصًا

  • ١٣ فإنها في الفجر تكون من قصدير.

١٤ الفصل السابع عشر: كيل الغلال

  • ١٥ احذر إساءة استعمال مكاييل عين حور (وازيت)

  • ١٦ أو الغش في أجزائها.

  • ١٧ ولا تكوننَّ ظالمًا مثل «وبن ناخت»٨٠
  • ١٨ ولا تجعلها خالية في بطنها (أي تجعل لها قعرًا مغشوشًا)

  • ١٩ وأوفِ مكيالها حسب حجمها بالدقة (؟)

  • ٢٠ ويدك تكيل بالحق.

  • ٢١ ولا تتخذن لنفسك مكيالًا ذا حجمين (سعتين)

  • ٢٢ لأنك إذن ستعمل فقط للجة العميقة

  • ٢٣ لأن المكيال هو عين رع

  • ١٩: ١ وما يمقته هو الرجل المدلس

  • ٢ وكيال الغلال الذي يضاعف الغش

  • ٣ تبث عينه التهمة ضده.

  • ٤ لا تتسلمن جزية الفلاح على حصاده

  • ٥ ثم تعقد وثيقة ضده ليُضار.

  • ٦ ولا تتآمرن مع كيال الغلال

  • ٧ ولا تلعبن لعبة «ترتيب الداخل».٨١ (؟)
  • ٨ وإن أرض درس الشعير لها قوة (قوة خارقة للعادة) إغراء أكبر

  • ٩ من الحلف بالعرش العظيم٨٢ (أو في المكان العظيم).

١٠ الفصل الثامن عشر: تفاقم الهم

  • ١١ لا ترقد في الليل متخوفًا من الغد

  • ١٢ وعندما يطلع النهار فما شكل الغد؟

  • ١٣ إذ لا يعلم الإنسان ما سيكون عليه الغد (إن حوادث الغد في يد الله).

  • ١٤ والله دائمًا في فلاحه (تدبيره المحكم)

  • ١٥ والإنسان دائمًا في خيبته (ظنونه الطائشة)

  • ١٦ والكلمات التي يقولها الناس شيء

  • ١٧ والأشياء التي يفعلها الله شيء آخَر (أنت تريد وأنا أريد، والله يفعل ما يريد).

  • ١٨ ولا تقولن: «ليس لي جريمة.» (ليس ذلك بخطأ مني).

  • ١٩ ولا تجهدن نفسك للبحث عن الشجار

  • ٢٠ فإن الجريمة من عند الله

  • ٢١ وهو الذي يختمه بأصبعه

  • ٢٢ وليس هناك فلاح مع الله

  • ٢٣ ولا خيبة أمامه

  • ٢٠: ١ فإذا وجهه إلى الحصول على الفلاح

  • ٢ فإن الإنسان يفسد ذلك في لحظة.

  • ٣ كن حازمًا في قلبك، وثابتًا في عقلك

  • ٤ ولا تتحرك (؟) مع لسانك

  • ٥ لأن لسان الإنسان كسكان القارب

  • ٦ ورب العالمين هو القائد.

٧ الفصل التاسع عشر: الكلام في المحكمة

  • ٨ لا تدخلن قاعة المحكمة قبل نبيل

  • ٩ ثم تزيف كلماتك

  • ١٠ ولا تتذبذبنَّ في جوابك

  • ١١ عندما يكون أشهادك قد وقفوا

  • ١٢ ولا تخترعن في إيمانك بربك

  • ١٣ بكلام في مكان التحقيق (عبارة عن احتجاج بالبراءة وبعد ذلك اعتراف بالجريمة).

  • ١٤ قل الصدق أمام الشريف (القاضي)

  • ١٥ وألا يكون له سلطان على جسمك

  • ١٦ فإذا حضرت أمامه في اليوم التالي

  • ١٧ فإنه يقبل كل ما تقوله

  • ١٨ وسيذكر قولك في الداخل٨٣ أمام مجلس الثلاثين
  • ١٩ وستكون مفيدة (؟) كرة أخرى أيضًا.

٢٠ الفصل العشرون: الأمانة في الوظيفة

  • ٢١ لا تفسدن رجلًا في قاعة المحكمة

  • ٢٢ ولا تزعجن الرجل المحق (؟)

  • ٢١: ١ ولا توجهن كل التفاتك إلى فرد قد لبس (؟) ملابس بيضاء ناصعة

  • ٢ بل اقبله في خرقه البالية.

  • ٣ ولا تقبلن هدية رجل قوي

  • ٤ ولا تظلمن الضعيف من أجله

  • ٥ لأن العدل هبة عظيمة من الله

  • ٦ وسيعطيها مَن يشاء.

  • ٧ وحقًّا فإن قوة مَن يماثله (أي الإله)

  • ٨ تنجي الفقير البائس من ضربه.

  • ٩ لا تؤلفن لنفسك وثائق مزيفة

  • ١٠ لأن ذلك خيانة عظمى (تستحق) الإعدام

  • ١١ لأنها أيمان عظيمة …

  • ١٢ وتكون موضع تحقيق من المبلغ (عنها).

  • ١٣ لا تزيفن في الدخل على دفاترك

  • ١٤ وبذلك تفسد تدبير الإله.

  • ١٥ لا تجلبن على نفسك غضب الإله

  • ١٦ بدون قرار «شاي» «ورننت»

  • ١٧ وسلم الأمتعة لأربابها

  • ١٨ وابغ الحياة لنفسك

  • ١٩ ولا تدع قلبك يبني في بيتهم (لا تغتصب متاعهم)

  • ٢٠ وإلا كانت عظامك لخشبة الإعدام.

٢١ الفصل الحادي والعشرون: الصمت

  • ٢٢: ١ لا تقولن: «أوجد لي رئيسًا قويًّا

  • ٢ لأن رجلًا في مدينتك قد أضر بي.»

  • ٣ ولا تقولن: «أوجد لي مخلصًا

  • ٤ لأن رجلًا يكرهني قد أضر بي.»

  • ٥ وفي الحق إنك لا تعرف تدابير الله

  • ٦ ولا يمكنك أن تعرف الغد

  • ٧ فاجلس بين يدي الله

  • ٨ وحلمك سيتغلب عليهم.

  • ٩ والواقع أن التمساح الصامت

  • ١٠ يكون الفزع منه شديدًا.

  • ١١ لا تفضين بقرارة نفسك لكل إنسان

  • ١٢ ولا تتلفن بذلك نفوذك

  • ١٣ ولا تنشرن أقوالك لآخرين

  • ١٤ ولا تصاحبن إنسانًا يكشف عما في قلبه.

  • ١٥ والرجل الذي يخفي أخباره في نفسه

  • ١٦ خير من الذي يفشي شيئًا لضرره.

  • ١٧ والإنسان لا يجري ليصل إلى الكمال

  • ١٨ ولا يرمي (؟) ليضر بنفسه (؟).

١٩ الفصل الثاني والعشرون: المحاورة

  • ٢٠ لا تتآمَر ضد قرنك في المحاورة

  • ٢١ ولا تجعلنه يخبر حديث القلوب

  • ٢٢ ولا تبرزن لتذهب لمقابلته

  • ٢٣: ١ وأنت لم تَرَ ماذا يفعل

  • ٢ وستفهم أولًا من جوابه.

  • ٣ وكن هادئًا وعندئذٍ تأتي معرفتك

  • ٤ ودعه لنفسه حتى يُفرغ ما في قرارة جوفه

  • ٥ واعرف كيف تنام وسيفهم.

  • ٦ اقبض على قدميه ولا تحقرنه (وفي الكلام العامي: جر رجله)

  • ٧ وخَفْه ولا تهمله

  • ٨ والواقع أنك لا تعرف تدابير الله

  • ٩ ولا يمكنك أن تحقق ما في الغد.

  • ١٠ اجلس بين يدي الله

  • ١١ فإن حلمك سيتغلب عليهم.٨٤

١٢ الفصل الثالث والعشرون: تجنب أكل السحت

  • ١٣ لا تأكلن الخبز في حضرة شريف

  • ١٤ ولا تكن أول مَن يلوك بفمه

  • ١٥ وإذا كنت مرتاحًا للمضع الكاذب (أي مضغ الخبز الذي أتى عن طريق الغبن)

  • ١٦ فإن ذلك يكون مجرد تسلية لريقك.٨٥
  • ١٧ انظر إلى الوعاء الذي أمامك

  • ١٨ واجعله يكفي حاجتك.

  • ١٩ وكما أن الشريف عظيم في مقر وظيفته

  • ٢٠ فإن مثله كمثل البئر تغزر بمتح (الماء) منها.

٢١ الفصل الرابع والعشرون: الأمين

  • ٢٢ لا تصغين إلى أجوبة شريف في بيت

  • ٢٤: ١ ثم تنشره إلى آخَر في الخارج

  • ٢ ولا تجعلن كلامك يذاع في الخارج

  • ٣ حتى لا يتألَّمَ قلبك.

  • ٤ وقلب الرجل (ضميره) هو منقار الإله «تحوت»

  • ٥ فاحذر أن تهمله.

  • ٦ والرجل الذي يقف بجوار الشريف

  • ٧ يجب ألا يعرف اسمه حقًّا.

٨ الفصل الخامس والعشرون: احترام العاهة

  • ٩ لا تسخرن٨٦ من أعمى ولا تهزأن من قزم
  • ١٠ ولا تفسدن قصد رجل أعرج

  • ١١ ولا تحفظن رجلًا في يد الله (ما يُعبَّر عنه الآن بالمجذوب)

  • ١٢ ولا تكونن عابس الوجه حينما يكون قد تعدَّى الحدود٨٧
  • ١٣ إذ الواقع أن الإنسان من طين وقش (وهما المادتان اللتان يُصنَع منهما اللبن)

  • ١٤ والله هو مسويه

  • ١٥ وهو يهدم ويبني كل يوم

  • ١٦ وهو يصنع ألف تابع حسب إرادته

  • ١٧ أو ينصب ألف رجل مشرفين (؟)

  • ١٨ عندما يكون في ساعة حياته (؟).

  • ١٩ ما أسعد الذي قد وصل إلى الغرب (مات)

  • ٢٠ وهو آمِن في يد الله.

٢١ الفصل السادس والعشرون: معاملة مَن هم أكبر مقامًا في المجتمع

  • ٢٢ لا تجلس في الحانة (بيت الجعة)

  • ٢٥: ١ وتخالِط مَن هو أكبر منك مقامًا (وظيفة)

  • ٢ مهما كان صغيرًا في السن فإنه عظيم في الرتبة

  • ٣ أو أكبر في السن.

  • ٤ واصطحب مَن في مرتبتك

  • ٥ فإن الإله «رع» مساعد من بعد.٨٨
  • ٦ ولكن إذا رأيت رجلًا أعظم منك في الخارج

  • ٧ وله أتباع وراءه فقدِّم له الاحترام.

  • ٨ مدَّ يد المساعدة لرجل مُسِنٍّ إذا كان قد ثمل بالجعة

  • ٩ واحترمه كما يحترمه أولاده

  • ١٠ لأن الذراع القوي لا يرتخي (؟) عندما يكشف

  • ١١ والظهر لا يكسر عندما ينحني

  • ١٢ والفقر لا يأتي للرجل عندما يقول الشيء السار

  • ١٣ ولا يأتي له الغنى عندما يكون قوله من القش.٨٩
  • ١٤ والنوتي الذي يرى من بُعْدٍ

  • ١٥ قاربه لا يغرق.

١٦ الفصل السابع والعشرون: الخضوع للمسن

  • ١٧ لا تلعنن أكبر منك سنًّا

  • ١٨ لأنه شاهد «رع» قبلك

  • ١٩ ولا تجعله يتهمك إلى قرص الشمس عند شروقه

  • ٢٠ قائلًا: «شاب آخَر قد سبَّ مُسِنًّا.»

  • ٢١ فإنه مؤلم جدًّا أمام «رع»

  • ٢٦: ١ أن يسب شاب رجلًا مسنًّا.

  • ٢ دعه يضربك بيده في صدرك

  • ٣ دعه يسبك وأنت ملازم السكون

  • ٤ فإذا حضرت أمامه في اليوم التالي

  • ٥ فإنه سيعطيك خبزًا لا حصر له.

  • ٦ وإن طعام كلب الصيد (من شأن) سيده

  • ٧ إذ إنه ينبح على مَن يقدِّمه له (الطعام).

٨ الفصل الثامن والعشرون: كرم الأخلاق

  • ٩ لا تسألن عن شخصية أرملة عندما تقبض عليها في الحقل

  • ١٠ ولا يفوتنك أن تتذرع بالصبر لإجابتها.

  • ١١ ولا تمُرَّنَّ على غريب بإناء زيتك

  • ١٢ بل اجعله يتضاعف أمام إخوانك

  • ١٣ وإن الله يحب سعادة المتواضع٩٠
  • ١٤ أكثر من احترام الشريف.

١٥ الفصل التاسع والعشرون: عبور النهر (التعدية)

  • ١٦ لا تمنعن أناسًا من عبور النهر

  • ١٧ عندما يكون في قاربك مكان.

  • ١٨ وإذا أحضر لك محرك سكان في وسط اللجة العميقة

  • ١٩ فإنك ستحني يديك لتأخذه

  • ٢٠ ولن ينالك غضب من الله

  • ٢٧: ١ إذا لم يرحب بك نوتي.

  • ٢ ولا تصنعن لنفسك معبرًا على النهر

  • ٣ ثم تجاهد بعد ذلك لتجمع أجره.

  • ٤ خِذ الأجر من الرجل صاحب الثروة

  • ٥ ورحِّبْ بمَن لا يملك شيئًا.

٦ الفصل الثلاثون: الختام

  • ٧ تأمل لنفسك هذه الفصول الثلاثين

  • ٨ فإنها تمتع وتعلم

  • ٩ وهي تفوق كل الكتب

  • ١٠ فهي تعلِّم الجاهل

  • ١١ فإذا قُرِئت أمام الجاهل

  • ١٢ أصبح طاهرًا بها (من الخبائث)

  • ١٣ فاملأ نفسك بها وضعها في قلبك

  • ١٤ لتكون رجلًا يعرف تفسيرها (عندما تعرفها تمامًا)

  • ١٥ وتكون مفسِّرًا لها كمعلم.

  • ١٦ أما من حيث الكاتب المدرب في وظيفته

  • ١٧ فإنه سيجد نفسه أهلًا لأن يكون من رجال البلاط

  • ١٨ وهذه نهايته.

  • ٢٨: ١ كتبه «سنو» ابن (الكاهن) «بمو».

(ﺟ) تعليق على تعاليم «أمنموبي»

من مقدمة هذه التعاليم نعلم أن «أمنموبي» هو ابن «كانخت»، وتزوج «أمنموبي» من «توزيري» وأعقب «حور ماخر»، وهو الذي كتب له أبوه هذه التعاليم كعادة مؤلفي التعاليم عند قدماء المصريين.

ويحمل «حور ماخر» ألقابًا دينية كثيرة تربطه بمعبد «بانو بوليس» (إخميم)، غير أن هذه الألقاب نادرة الوجود في الوثائق المصرية الأخرى.

أما ألقاب والدته فعادية شائعة، غير أنها لا تدلنا على المكان الذي أتت منه.

وكان الولد يحمل ألقابًا دينية من صغره، وقد كان المجال فسيحًا أمامه أن يتحلَّى بالصلاح والرزانة اللتين كانتا من صفات والده، ولا ندري أأثمرت تعاليم والده فخطا نحو مرتبة عُلْيَا في الحكومة — لأن الغرض من هذه التعاليم كما جاء فيها يرمي إلى العروج في مراقي الوظائف — أم لم تثمر فبقي حيث كان.

وتقسيم متن هذا الكتاب إلى أبيات من الشعر ليس بالأمر العادي، وعندنا مثل واحد معروف من هذا النوع من الأسرة الثانية عشرة، وأعني بذلك قصيدة «سنوسرت الثالث» المكتوبة في ورقة «اللاهون»، وكذلك عثرنا على مثلين في الديموطيقي: «الأول» حوالي القرن الثاني قبل الميلاد، وهي قصيدة هجائية. «والثاني» يرجع تاريخه إلى القرن الأول بعد الميلاد، وهو مكتوب في ورقة «ليدن» الخلقية.

(د) التعاليم كُتِبت شعرًا

وتقسيم التعاليم إلى فصول مرقومة شيء فريد في المتون الهيراطيقية، غير أنه كُرِّر في ورقة «ليدن» نفسها الآنفة الذكر، وتحتوي على خمسة وعشرين فصلًا في الحِكَم الخلقية، أما من ناحية صياغة الشعر فليس هناك قافية ولا وزن معين، والتأثير الشعري نلحظه فقط من المقابلة في الأبيات.

وسطور هذه التعاليم مركَّبة من مقطوعات، كل مقطوعة مركبة من سطرين، وما شذَّ عن ذلك أتى من حذف سطر، أو إدماج سطرين في سطر واحد، أو كتابة سطر واحد في سطرين، وكذلك نجد مقطوعات مكوَّنة من أربعة أسطر.

ولحسن الحظ وصلت إلينا كل هذه التعاليم كاملةً من أولها إلى آخِرها، فكان ذلك مساعدًا لنا على قدر المستطاع أن نصل إلى كنهها وغايتها.

(ﻫ) أمنموبي يحمل رسالة خاصة للعالم

الواقع أن «أمنموبي» كانت له رسالة يحملها إلى العالم؛ إذ إنه ترك النصائح العادية ظهريًّا، وأول ما يلفت نظر القارئ في تعاليمه التي تتألَّف من ثلاثين فصلًا شيئان: هما تديُّن هذا المؤلف الشاعر، واعتداله. والواقع أنه لم يصلنا إلى الآن من الكتب المعروفة في الأخلاق والتعليم عند المصريين القدامى ما يُظهِر لنا مثل هذه الروح؛ ولذلك يجب علينا أن نعتبر تعاليم «أمنموبي» من أمتع الكتب وأعظمها قيمة. ولقد كان مؤلِّفنا حريصًا على أن يضع في أول تعاليمه الغرض الأساسي من تأليفها في الفصل الأول من كتابه، وبخاصة في السطرين الخامس والسادس، وقد كان أول مَن لفت النظر إلى ذلك هو الأستاذ «سبيجل»؛ إذ إنه كان أول مَن فهم المعنى الحقيقي لهذين السطرين، فيقول: إن هذا الكتاب يحتوي على بداية درس الحياة والإرشاد للخير، وكل قواعد الانخراط بين كبار الموظفين وآداب معاملة رجال القصر، ثم يذكر لنا بعد ذلك في السطرين الخامس والسادس، وهما يعبران عن هدفه، وليعرف كيف يجيب (شفويًّا) عن سؤال يلقى عليه، وأن يرد (كتابة) على مسألة لمَن يستفسر عنها.

أما من الوجهة الدينية، فنجد المؤلف قد ذكر في تعاليمه عدة آلهة مختلفة، وبالرغم من ذلك يرى القارئ الذي ينظر بعين فاحصة، ويحس أن هناك قوة أخرى عظيمة خفية وراء تلك الأسماء الرمزية، وهي الله العلي العظيم الذي لا إله غيره؛ إذ الواقع أننا نجد — خلافًا لأسماء الآلهة التي جاء ذكرها في التعاليم من مثل «تحوت» و«خنوم» و«رننوت» وغيرها — أن «أمنموبي» يذكر لنا بصفة خاصة اسم الله أو الإله، وهذا يطابِق تمامًا ما جاء في الدين الإسلامي، مما يدل على أن «أمنموبي» كان لا يؤمن إلا بإله واحد، وعلى ذلك كان لكل فرد أن يصوِّر هذا الإله في أية صورة شاء (انظر فيما يلي الكلام على لفظة الإله). ولقد لاحظنا في التعاليم السابقة التي فاه بها مَن سبقه من الحكماء ورجال الفكر أن الصلاح كان فضيلة، وأن التفكير في الموت والأبدية كان حافزًا يدفع الإنسان إلى أن يسلك الصراط السوي في الحياة الدنيا مخافةَ الله؛ إذ إن الله هو الذي يسعد ويغني، ولكن كان التدين في نظر «أمنموبي» يقوم بدور أعظم من ذلك؛ إذ كانت فكرة وجود الله في نظره هي المستوى الذي وضعه أمامه لفهم الحياة، فالله هو الذي يجب أن يكون مديرًا لسكان سفينة الحياة، وهو رب الأرزاق؛ لذلك يجب على الإنسان ألا يخاف غيره، وأن الكمال لله وحده، وأن الإنسان هو المخطئ، والحساب ينتظر المخطئ، وأن محاولة الإنسان الوصول إلى الكمال ضرب من المحال. ومجمل القول أن الله هو القوي القهار، وأن الإنسان خُلِق ضعيفًا، ومع ذلك فإن الله كذلك عادل، فيمكن للإنسان أن يتكل عليه، والله يبارك العمل، ويحب الخير وكرم الضيافة، ولكنه يمقت الملق والغش، وبعد الموت يكون الإنسان في يدي الله (ما أسعد الذي قد وصل إلى الغرب (مات)، وهو آمن مطمئن في يدي الله).

ولقد كان المثل الأعلى بين الناس في نظر «أمنموبي» هو الرجل الرزين أي الرجل المتواضع المعتدل في حياته، ولعمري هل يستخلص الإنسان من هذا التواضع الذي أظهره لنا المؤلف — وهو على طرفي نقيض، من حكماء العصور الماضية إذا قسناه بهم — أنه يصوِّر لنا العقلية المصرية في العصر الذي أخذت فيه البلاد تنحدر؛ طبقًا للضرورات السياسية التي فُرِضت عليها في ذلك العهد؟

ونقيض الرجل الرزين أو الحليم في نظر «أمنموبي» هو الرجل الأحمق، أي الحاد الطبع، المندفع، المتوحش، الغضوب. ويجد القارئ أن المؤلف جعل مدح الرجل الرزين، وذم الرجل المندفع، من أهم النقط التي تناوَلَها في تعاليمه، فنرى هذا الحكيم الذي شاب في تأدية عمله يذكِّر ابنه دائمًا بأن المثل الأعلى في الحياة هو الرزانة (الصمت).

وقد كان «أمنموبي» يسير على نهج غيره من الحكماء الذين سبقوه مثل «بتاح حتب» و«آني»، من جهة أنه كان يحث على الناحية الإنسانية العملية في الحياة، فتراه يشير إلى واجبات الموظف؛ فلا بد أن يكون عادلًا مستقيمًا رحيمًا، ويطلب إليه أن يكون أمينًا، وأن يكون متسامحًا مع الفقير، ويحذره الغش في الدفاتر، وألَّا يسيء استعمال فن الكتابة السامي.

وكذلك نجد حكيمنا يضع قواعد لسلوك الإنسان مع أخيه الإنسان خارج أعماله الرسمية، ويحض على ألَّا يختلط الإنسان إلا بمَن هو على شاكلته، وأن يتجنَّب محادثة العظماء (فصل ٢٦)، وكذلك يجب على الإنسان ألَّا يتملق الأشراف، بل يجب أن يكون مستقلًّا بنفسه عنهم، ومع ذلك يكون مؤدبًا نحوهم (فصل ١٤)، وكذلك يجب عليه ألَّا يكون عالةً على الأشراف العظام (فصل ٢٣)، ولكن يجب عليه في الوقت نفسه أن يعامِلهم كما يعامِل الإنسان مَن هو أسن منه بالاحترام والأدب (فصل ٢، ٤، ٦، ٧)، ويجب على الإنسان أن يكون طلقًا، فإن البشاشة لا تكلفه شيئًا (فصل ٢٦). ويحض «أمنموبي» على أن يكون الإنسان لين الجانب مع المرأة الفقيرة التي تجمع الحبوب من حقول الغلال، وأن يكون حسن الضيافة للغريب، (فصل ٢٨)، وأن يكون رحيمًا بالأعمى والمقعد والأقزام (فصل ٢٧)، وأن يهيئ أسباب الراحة لمَن يريد أن يعبر النهر من ضفة إلى ضفة، وألا يأخذ الإنسان أجرًا من عابر فقير (فصل ٢٩).

وفضلًا عن ذلك يجب على المرء ألا يتطاول على شريف، وألا يعارض عظيمًا وإن أساء معاملته، وحتى إذا لطمه فليضع يده على صدره، فإن العظيم سيصبح فيما بعدُ مهادنًا له؛ لأن خضوعه سيسكن من حدته فيعطيه خبزًا (فصل ٢٧)، وليعمل على احترام الناس له باعتقال لسانه عن قول السوء (فصل ٨)، وليكن بصيرًا وحذرًا، وليكن حريصًا مع مَن يحبون المتاعب، وليرغب عن مخالطتهم (فصل ٢)، وهذا شيء يسير مما جاء في تعاليم «أمنموبي»، ومنها يرى القارئ الفرق الشاسع بين ما كتبه وبين ما كان يكتبه حكماء العصور التي سبقته، فلا غرابة إذن أن تُعَدَّ هذه التعاليم بحق مصدرًا عظيمًا للأمم المجاورة، وبخاصة فلسطين التي كانت تعتبر مصر الأم التي ترضعها لبان العلم والعرفان.

(و) الآلهة التي ذُكِرت في التعاليم

لقد جاء ذكر آلهة عدة من الآلهة المصريين في سياق هذه التعاليم، والإشارة إليها لها فائدتها للمشتغل بالديانة المصرية القديمة.

وبعض هذه الآلهة له علاقة بصناعة الكاتب، والبعض الآخَر له مساس بالموضوعات العامة.

  • (١)
    إله الشمس: «رع» أي الشمس، وهو الذي يتجه الناس إلى قرصه «أتون» بصلواتهم في الصباح، ويعتبر الإله المسيطر الذي يعمل كل الصالحين لكسب رضاه.

    المقطوعة ١٠: ١٢–١٥ (بدلًا من البحث وراء الثروة)

    يجب أن تصلي إلى «أتون» حينما يشرق
    قائلًا: «امنحني الفلاح والصحة.»
    وسيعطيك ما تحتاج إليه في الحياة
    وستكون آمنًا من الخوف.

    المقطوعة ٢٥: ١٧–٢١، ٢٦: ١

    لا تسبن مَن هو أكبر منك سنًّا
    لأنه شاهد «رع» قبلك
    ولا تجعله يتهمك إلى قرص الشمس عند شروقه
    قائلًا: «شاب آخَر قد سبَّ مُسِنًّا.
    فإنه مؤلم أمام «رع»
    أن يسب شابٌّ رجلًا مسنًّا.

    المقطوعة ٧: ٨ (الرزين)

    فإنهم يقولون: «إن أهم شيء هو رضاء «رع».»

    ومن المحتمل أن مثلًا حكيمًا يظهر فيه.

    المقطوعة ٢٥: ٥

    «إن «رع» يساعد من بعيد». ويقصد: ولكنه خطر لمَن يقترب منه.

    والصِّل المنتقم الذي يوضع على جبهة «رع»، وكذلك الثعبان «أبوبي» الضخم عدو «رع» كلاهما مخيف، قد ورد ذكرهما ليوضحا الفائدة التي تعود على الإنسان من اكتساب سمعة حسنة.

    مقطوعة ١٠: ١٩-٢٠

    فالإنسان يرحب بالصل
    ويبصق على الثعبان «أبوبي».

    ومكيال الغلال الذي لعب دورًا هامًّا في حياة الكاتب المصري هو عين إله الشمس، ويطلق عليه اسم «وزيت» أي عين «حور»، أو عين «رع».

    وهذا المبدأ القديم لتشجيع الأمانة كان شائعًا من قبل تعاليم «أمنموبي» هذا بزمن بعيد، وقد شرح أحد العلماء الألمان «جورج ملر» أن الإشارات الدالة على تقسيم مكيال الغلال إلى = ، = ، = ، = ، = ، = تتفق مع الأجزاء الستة التي تتركب منها صورة العين.
  • (٢)
    الحظ: كان «شاي» «المرتب»، و«رننت» «المربية» إله الحظ وإلهته، وكذلك إلهة الحصاد، وقد ظهرت «رننت» في مناظر الحصاد وعصير الخمر في قبور الدولة الحديثة على شكل ثعبان cobra. ونشاهد «شاي» «ورننت» يمثِّلان الحظ في منظر وزن الروح في كتاب الموتى فصل ١٢٥، في ورقة «آني» وورقة «أنهاي»: ففي الأولى نجد أنهما مثِّلَا بشكل آدمي، وفي الثانية في شكل قالبين من اللبن للولادة برأس آدمي؛ ليدلا على حظ الإنسان. ويقول «أمنموبي» في:

    مقطوعة ٩: ١٠–١٣

    لا تندفعن بقلبك وراء الثروة
    إذ لا يمكن تجاهُل «شاي» و«رننت»
    ولا توجهن أفكارك إلى أشياء في الخارج
    فكل إنسان مقدَّر له ساعته (خيره موكل بحظه).

    مقطوعة ٢١: ١٣–١٦

    لا تزيفن في الدخل على دفاترك
    وبذلك تفسد تدبير الإله
    لا تجلبن على نفسك غضب الإله
    بدون قرار «شاي» و«رننت» (إله وإلهة).
  • (٣)
    الإله خنوم: وظيفة هذا الإله تشكيل الإنسان على عجلة صانع الفخار، وهذه فكرة سائدة، ونجدها ممثلة في معبد «الدير البحري» وفي معابد العصر الإغريقي الروماني، وكان يُعَدُّ الإله الرئيس في بلدة «شطب»؛ حيث نجد أن «شاي» إله الحظ كان إلهًا ثانويًّا مرافقًا له، حسبما جاء في قطعة من النقوش يرجع عهدها إلى أواخر الدولة الحديثة.

    مقطوعة ١٢: ١٥–١٧ (أما من جهة الرجل الأحمق)

    ليت الإله «خنوم» يحضر حقًّا حقًّا
    عجلة صانع الفخار لصاحب الفم الناري
    حتى يشكل ويصهر القلوب مثل الأواني (ويصلح سبله)
    (وإنه مثل …)
  • (٤)
    الإله الكاتب: يعتبر «تحوت» إله الاختراع والعلم، وإله كل صناعات الكاتب، وكان القرد الذي يمثِّله يُرسَم في كل مصلحة حكومية؛ لينظم أعمال الكتَّاب؛ الكبير منهم والصغير. ونجد له مكانةً بارزة في تعاليم «أمنموبي»، وقد ظهر اسمه مرة في الفصل السادس عشر ١٨: ٢ والقرد ذُكِر في نفس المتن، وكذلك في مقطوعة ١٧: ٩ «تحوت» مخترعًا وحارسًا.

    مقطوعة ١٧: ٢٢، ١٨: ٣ (لا تغشن الموازين والمكاييل)

    فإن القرد يجلس بجوار الميزان
    وقلبه اللسان (الميزان)
    وأين يوجد إله عظيم مثل «تحوت»
    الكاشف لهذه الأشياء ليصنعها؟
    لا تصنعن لنفسك موازين منقوصة
    فإنها تصير جيوشًا عدة بقوة الإله
    ومن مظاهر «تحوت» الطائر «إيبيس» (أبو قردان)؟

    مقطوعة ١٧: ٧–١٢

    فإن منقار «إيبيس» هو أصبع الكاتب
    واحذر من إزعاجه
    فالقرد يسكن في بيت «الأشمونين»
    غير أن عينيه تطوفان حول الأرضين
    فإذا رأى مَن يضر بإصبعه
    فإنه يرمي بطعامه إلى اللجة العميقة.

    ويحتمل هنا أن عين القرد يقصد بها القمر، وعلى أية حال فإن «تحوت» يمثِّل إله القمر، ونجد في تعاليم «أمنموبي» أن القمر في الليل يكشف عن الخيانة، وعندما يكون الرجل الأحمق المرتكب للخطأ على شفا الموت، فإن «تحوت» ينادي (عند محاكمة «أوزير») بإدانته.

    مقطوعة ٤: ١٩

    وأنت أيها القمر (تحوت) أظهر جريمته.

    ومقطوعة ٧: ١٨-١٩

    (مَن يتعدَّ على أرض الآخَر)
    فإنه إذا تصيده بالأيمان الكاذبة
    فإن بطش القمر يوقعه في حبائله.
  • (٥)
    الله: قد جاء في التعاليم ذِكْر «الله» فقط بدون ذكر اسم إله معين، وكذلك جاء ذكر لفظة «الإله» وليس هناك فرق بينهما في الغرض.

    اليد: جاء ذكر يد الله دائمًا في مقطوعة ٩: ٥؛ ١٤: ١؛ ١٩: ٢٢؛ ٢٤: ١١، ٢٠؛ ٢٦: ٢٠.

    و«يدي الله» في مقطوعة ٢٢: ٧؛ ٣٣: ١٠.

    ولكننا نجد «أنف الإله» (منقار إيبيس) في مقطوعة ٢٤: ٤.

    و«قوة الإله» في مقطوعة ١١: ٥؛ ١٨: ٥؛ ٢١: ١٥.

    و«تدبير الإله» في مقطوعة ٢١: ١٤؛ ٢٢: ٥.

    و«لعنة الإله» في مقطوعة ١٣: ١٦؛ ١٥: ٢١.

    و«كره الإله» في مقطوعة ١٤: ٢.

    و«حب الإله» في مقطوعة ٢٦: ١٣.

وقد رأى حكماء مصر بثاقِب فكرهم ما وراء معتقدات العامة والمعبودات المحلية الخاصة ببلادهم من الأثر، ولم يُكشف من بين كتبهم إلى الآن كتاب أظهر أمامنا هذه الفكرة عن تلك المعتقدات وأبرزها بشيء كثير من الوضوح مثل كتاب «أمنموبي» هذا، فضلًا عن أن تعاليمه ملأى بالتقوى، ولا غرابة إذا قلنا إن ديانة «أمنموبي» في أصلها ديانة توحيد، وإن كان هذا الحكيم قد استعمل خرافات عامية ليؤكد أفكاره.

وقد يكون من العبث في كثير من الحالات أن نبحث عن آلهة فردية معينة، في حين أنه يسمي ربه بلفظة الله أو الإله فحسب.

(ز) سِفْر الأمثال: نقل عن ترجمة لا عن أصل مصري

ويرى شيخ علماء المصريات «إرمان» أنه في وقت ما قد تُرجِمت هذه التعاليم إلى العبرية أو إلى الآرامية، وأن الذي جمع «سِفْر الأمثال» في التوراة قد استعمل الترجمة، غير أنه أفسد المعنى عند الاستعارة. أما الدكتور «جرسمان» فله رأي آخَر؛ إذ يقول: إن الاستعارة لم تأتِ من طريق نقل الألفاظ مباشَرةً، بل نُقِلت الأفكار وظهرت في ثوب جديد حسبما تقتضيه الحاجة.

ويعزِّز رأي «إرمان» مثل ظاهر، وهو كلمة «ثلاثون»، فإنها تكون كلمة لا فائدة منها، ولا معنى لها في ثوبها الجديد، أي في سِفْر الأمثال، ولكنه فسَّرَها كما يأتي:

قُسِّمَتْ تعاليم «أمنموبي» إلى ثلاثين فصلًا، ومن ثَمَّ أخذها المؤلف العبري في القسم الثالث من سِفْر الأمثال قاعدة لمجموعته التي أخذ يؤلِّفها من ثلاثين حكمة، ولذلك أشار إليها بحق في جملة تشابِه الجملة التي أشار بها إلى هذا العدد «أمنموبي» في مؤلَّفه.

ويقول الأستاذ «جرسمان» إنه عندما أخذ العبرانيون بأسباب المدنية في حكم «سليمان» وخلفائه، كانوا يتطلعون بخاصة إلى مصر وبابل لتعلُّم فنون الحياة، ولا غرابة إذا كان الكاتب الملكي — مثل «حزقيا شبنا» — عبدًا أجنبيًّا ذا تربية عالية، وكان في قدرته أن ينصح الملك من كتبه وتجاربه فيما يتعلق بشئون العالم العظيم، وكان في وسعه كذلك أن يتكلم ويقرأ ويكتب لغة السياسة التي كانت في هذا العصر «اللغة الآرامية»، والواقع أنه كان وزير الخارجية.

على أن ذِكْر «رجال حزقيا» الذين نقلوا القسم الخامس من الأمثال (من فصل ٢٥-٢٦) يدلنا على العصر الذي كان فيه إنشاء محتويات «سِفْر الأمثال» قائمًا على قدم وساق.

ونشاهد أن الدول الراقية قد لحظت ضرورة التفاهم فيما بينها، ويدلنا على ذلك مراسلات «تل العمارنة»، ومراسلات «بوغاز كوي»، والألفاظ الأجنبية الكثيرة التي نجدها في اللغة المصرية في عهد الدولة الحديثة.

ويظن الدكتور «جرسمان» أن كلمة «ماهر» التي في ورقة «انسطاسي رقم ١»، وفي متون أخرى من متون الأسرة التاسعة عشرة، تدل على جندي، ترجمان، كاتب، كانت وظيفته أن يتعلَّم اللغات الأجنبية وعلم الجغرافيا، وهو يشبه في ذلك الضباط الحاليين.

(ح) كتاب «سِفْر الأمثال» وتعاليم «أمنموبي»

ظهر عدد عظيم من الأقوال المأثورة أمثالًا في «سِفْر الأمثال» العبري، وقد وُجِد ما يشابهها في تعاليم «أمنموبي» مشابَهَةً قوية في الأفكار وفي الأساليب، مما أثار موضوعًا طريفًا للبحث ذا أهمية عظمى لعلماء كتاب «العهد القديم»، ولا يخفى أن بعض المقابلات في هذه الأمثال مما يوجد في كتابات الحكماء في كل البلاد وكل العصور، على أن هناك أمثالًا أخرى ليست بالقليلة تلفت النظر بشبهها العظيم في كلا الكتابين، مما أوجد النظرية القائلة بأنها ترجع إلى أصل واحد، فتكون هذه الأمثال العبرانية قد نقلت عن تعاليم «أمنموبي»، أو أن كلًّا من «العهد القديم» و«أمنموبي» أخذها من كتابات قديمة.

وقد لفت ما وُجِد متشابهًا في كتاب «أمنموبي» وفي كتاب «سِفْر الأمثال» علماء الألمان من المشتغلين بدرس كتاب العهد القديم، وخلق لهم موضوعًا جديدًا، وهو البحث عن الصلة بين الآداب العبرية ومدنِيَّتِها، ومصر القديمة.

وأول مَن بحث في هذا هو «أدولف إرمان» و«زيته» و«هيوبرت جريم»، وقد ألقى كلٌّ منهم بعض الضوء على علاقة الكتابين بعضهما ببعض، ولكن البحث المستفيض في هذا الموضوع يرجع الفضل فيه إلى «هوجو جرسمان» في مقالته المشهورة: “Die neugefundene Lehre des Amen-emope und die vorexilische Spruchdichtung Israels in Zeitscher. f. d. Altest Wiss 1924, 272–296”.
وفي كتابه الصغير: “Israels Spruchweisheit im Zusammenhang der Weltliteratur”.

وفي هذين الكتابين شرح آراءه بالنسبة إلى العلاقة بين بعض أجزاء كتاب سِفْر الأمثال وتعاليم «أمنموبي».

وفيما يلي ما جاء في كتاب سِفْر الأمثال، رصدناه حذاء ما جاء في تعاليم «أمنموبي» جنبًا لجنب؛ حتى يرى القارئ القرابة بين الاثنين.

والواقع أن كتاب سِفْر الأمثال قد استعار أمثاله هذه من كتاب «أمنموبي». والرأي القائل بأن «أمنموبي» قد أخذ من غيره، ثم استعير منه سِفْر الأمثال لا يستند على حجة قوية إلى الآن، وهاك المقارنة:

«سفر الأمثال» تعاليم «أمنموبي»
فصل ٦: ٢١

اربطها على قلبك دائمًا، قلِّدْ بها عنقك.

مقطوعة ٣: ١١–١٣

وإنه لمن الخير أن تضعها في لبك

ولكن الويل لمن يهملها

ثم دعها تستقر في صندوق بطنك.

فصل ١٢: ٢٢

شفتا الزور رجس عند الرب والعاملون بالصدق مرضاته.

مقطوعة ١٣: ١٥-١٦

لا تتكلمن مع إنسان كذبًا

فذلك ما يمقته الله.

(ثم يقول تأكيدًا لهذا):

مقطوعة ١٤: ٢-٣

إنه لممقوت من الله مَن يزور في كلام

لأن أكبر شيء يكرهه هو النفاق.

فصل ١٢: ٢٣

الرجل الذكي يستر المعرفة

وقلب الجاهل ينادي بالحمق.

مقطوعة ٢٢: ١٥-١٦

والرجل الذي يخفي أخباره في نفسه

خير من الذي يفشي شيئًا لضرره.

فصل ١٥: ١٦، ١٧

القليل مع مخافة الرب خير من كنز عظيم مع الاضطراب.

أكلة من البقول مع المحبة خير من ثور معلوف مع البغضة.

مقطوعة ٩: ٥–٨

والفقر على يد الله

خير من الغنى في المخازن

وأرغفة (تكسبها) بقلب فرح خير لك من ثروة مع شقاء.

فصل ١٦: ٨

القليل مع العدل خير من الغلال الكثيرة بغير حق.

مقطوعة ١٦: ١١–١٤

وخير للإنسان مدح الناس وحبهم له من الثراء في المخازن

وخير للإنسان أكل الخبز مع قلب سعيد من الثراء مع الكدر.

فصل ١٦: ٩

قلب الإنسان يفكر في طريقه والرب يهدي خطواته.

مقطوعة ١٩: ١٦

والكلمات التي يقولها الناس شيء والأشياء التي يفعلها الله شيء آخَر.

فصل ١٦: ١١

للرب قبان القسط وميزانه. كل معايير الكيس عمله.

مقطوعة ١٧: ٢٢–١٨، ١–٥

فإن القرد يجلس بجوار الميزان

وقلبه اللسان (الميزان)

وأين يوجد إله عظيم مثل «تحوت»

الكاشف لهذه الأشياء ليصنعها؟

لا تصنعن لنفسك موازين منقوصة

فإنها تزخر بجيوش عدة بقوة الإله.

فصل ١٧: ٥

المستهزئ بالمعوز يعيِّر صانعه والشامت للعطب لا يتزكى.

مقطوعة ٢٤: ٩–١٢

لا تسخرن من أعمى ولا تهزأن من

قزم ولا تفسدن مقاصد رجل أعرج

ولا تحفظن رجلًا في يد الله

ولا تكونن عابس الوجه حينما

يكون قد تعدى الحدود.

فصل ١٨: ٦

شفتا الجاهل تدخلان في الخصام وفمه يدعو إلى التضارب.

مقطوعة ١٢: ٥

ويجيب بجواب يستحق الضرب.

فصل ١٩: ٢١

في قلب الإنسان أفكار كثيرة لكن مشورة الرب هي تثبت.

مقطوعة ١٩: ١٥-١٦

والله دائمًا في فلاحه

والإنسان دائمًا في خيبته.

فصل ٢٠: ٩

مَن يقول إني زكيت قلبي تطهَّرت من خطيئتي.

مقطوعة ١٩: ١٨

ولا تقولن: «ليس لي جريمة.»

فصل ٢٠: ١٩

الساعي بالنميمة يفشي الأسرار

فلا تخالط فاغر الشفتين.

مقطوعة ٢٢: ١٣-١٤

ولا تنشرن أقوالك لآخَر

ولا تصاحبن إنسانًا يكشف عما في قلبه.

فصل ٢٠: ٢٢

لا تقل أجزي على الشر

بل انتظر الرب فيخلصك.

مقطوعة ٢٢: ٣–٦، ٧-٨

ولا تقولن أوجد لي مخلصًا

لأن رجلًا يكرهني قد أضر بي.

وحقًّا إنك لا تعرف تدابير الله

ولا يمكنك أن تعرف الغد

فاجلس بين يدي الله

ورزانتك ستتغلب عليهم.

فصل ٢٠: ٢٣

معيار ومعيار رجس عند الرب، وميزان الغش ليس بصالح.

مقطوعة ١٧: ١٨-١٩

لا تتلاعبن في كفتي الميزان ولا

تغشنَّ الموازين ولا تنقصن من أجزاء مكاييل الغلال.

وإذا كنا لم نلاحظ تشابهًا دقيقًا في الأمثلة السابقة وما يقابلها في تعاليم «أمنموبي»، فإن الموازنة فيما سنذكره بعدُ ستسفر لنا عن شبه قوي دقيق يدعو إلى الدهشة، بل سنرى فصولًا بأكملها في كتاب سِفْر الأمثال قد أخذت عن تعاليم «أمنموبي» بنفس الترتيب الذي كُتِبت به.

«سفر الأمثال» تعاليم «أمنموبي»
فصل ٢٢

(١٧) أمل أذنك واسمع كلام الحكماء

ووجه قلبك إلى علمي.

(١٨) فإنه يلذ إذا حفظته في باطنك.

مقطوعة ٣

(٩) أسلم أذنيك واسمع (الكلمات)

التي تقال واشحذ فكرك لتفسرها.

(١١) وإنه لمن الخير أن تضعها في قلبك.

(١٢–١٥) (ليس لها ما يقابلها في سفر الأمثال.)
ويفيض أيضًا على شفتيك.* (١٦) فإنها ستكون بمثابة وخز للسانك
(١٩) إني ليكون اتكالك على الرب علمتك اليوم.
مقطوعة ١: ٧

ليرشده إلى سبيل الحياة.

(٢٠) ها إني كتبت لك حكمًا جليلة من المشورة والعلم.
مقطوعة ٢٧: ٧-٨

تأمل لنفسك هذه الفصول الثلاثين

فإنها تمتع وتعلم.

(٢١) لأعلمك حقيقة أقوال الحق لترد جواب الحق للذين أرسلوك.
مقطوعة ١: ٥-٦

ليعرف الإجابة (شفويًّا) عن سؤال يلقى عليه

والرد على مسألة لمن يستفسر عنها.

(٢٢) لا تسلب الفقير لكونه فقيرًا ولا تسحق البائس عند الباب.
مقطوعة ٤: ٤-٥

احذر أن تسلب فقيرًا معدمًا

وأن تكون شجاعًا أمام رجل

مهيض الجناح.

(٢٣) (لا يقابلها شيء في أمنموبي.)
(٢٤) لا تصاحب الرجل الغضوب ولا تساير الإنسان الحنق.
مقطوعة ١١: ١٣-١٤

لا تخالطن الرجل الأحمق

ولا تدنُ منه للمحادثة.

(٢٥) لئلا تتعلم سبله وتأخذ لنفسك وهنًا.
مقطوعة ١٣: ٨-٩

فلا تقفزن لتنضم إلى هذا الرجل وإلا يذهب بك الفزع.

(٢٦، ٢٧) (لا يقابلها شيء في التعاليم.)
(٢٨) لا تزح الحدود القديمة التي وضعها آباؤك.
مقطوعة ٧: ١٢-١٣

لا تزحزحنَّ الحد الفاصل بين الحقول ولا تحولن موقع خيط المقياس.

(سيأتي ذكر هذا مرة ثانية تحت الفصل ٢٣: ١٠.)
(٢٩) أرأيت الإنسان الذي يجدُّ في عمله! إنه يقف أمام الملوك ولا يقف أمام الخاملين.
مقطوعة ٢٧: ١٦-١٧

أما من جهة الكاتب المدرب في وظيفته

فإنه سيجد نفسه أهلًا لأن يكون من رجال البلاط.

فصل ٢٣

(١) إذا جلست تأكل مع ذي سلطة فتأمل أشد التأمل فيما أمامك.

(٢) وضع سكينًا لحنجرتك إن كنت ذا شره.

(٣) لاتشتهِ أطايبها فإنها طعام غرور.

مقطوعة ٢٣: ١٣–١٨

لا تأكلن الخبز في حضرة الشريف

ولا تكن أول مَن يلوك فمه

وإذا كنت مرتاحًا للمضغ الكاذب

فإن ذلك يكون مجرد تسلية.

انظر إلى الوعاء الذي أمامك

واجعله يكفي حاجتك.

(٤) لا تتعب لتستغني

عد عن فطنتك هذه.§
مقطوعة ٩: ١٤–٢٠

لا تجهدن نفسك في طلب المزيد

عندما تكون قد حصلت (بالفعل) على حاجتك لأن الثروة لو أتت لك عن طريق السرقة فإنها لا تمكث معك سواد الليل.

إذ عند مطلع الفجر لا تكون في

بيتك وسترى مكانها ولكنها تختفي

فربما فغرت الأرض فاها فتأخذها

وتبتلعها.

(٥-أ) أتطمح عيناك إلى ما لا يكون.||
مقطوعة ١٠: ١–٣

وتغوص بها في «تاي» العالم السفلي

أو أنها تعمل لنفسها كهفًا كبيرًا بقدر حجمها

ثم تغيض بنفسها في مخزن الغلال.

(٥-ب) إن الغني قد صنع لنفسه جناحين

وطار كالنسر إلى السماء.

مقطوعة ١٠: ٤–٥

أو أنها تعمل لنفسها أجنحة كالإوز

وتصعد في السماء.

(٦) لا تأكل خبز شرير العين

ولا تشتهِ أطايبه.

مقطوعة ١٤: ٥-٦

لا تقتنصنَّ متاع تابع

ولا تتطلعن لخبزه.

(٧–أ) فإنه كما نوى في نفسه كذلك يكون.
مقطوعة ١٤: ٧-٨

والواقع أن متاع التابع شجًّا للحلق ومقيئ للزور.

(٧–ب) يقول لك: كل واشرب وقلبه ليس معك.
مقطوعة ١٤: ٩-١٠

وعندما يحصل عليها بالأيمان الكاذبة

تنعكس رغبته ببطنه.

مقطوعة ١٤: ١١–١٦

(ليس لها ما يقابلها في كتاب سفر الأمثال.)

(٨) لقمتك التي أكلتها تقيئها وتضيع كلماتك العذبة.
مقطوعة ١٤: ١٧-١٨

ولقمتك الضخمة من الخبز تلتهمها وتقيئها

وأنت إذن قد جردت من متاعك.

(٩) لا تتكلم في مسمع الجاهل فإنه يستهين بما في أقوالك من التعقل.
مقطوعة ٢٢: ١١-١٢

لا تفضين بقرارة نفسك إلى كل إنسان ولا تتلفن بذلك نفوذك.

(١٠) لا تزح الحدود القديمة ولا تدخل حقول الأيتام.
مقطوعة ٧: ١٢–١٥، ٨: ٩

لا تزحزحن الحد الفاصل بين الحقول

ولا تحولن موقع خيط المقياس

ولا تطمعن في ذراع واحد من الأرض

ولا تقذفن بحدود الأرملة (أي لا تعتدِ عليها).

احترس من أن تغير حدود الأرض المنزرعة.

(١١) فإن وليهم مقتدر وهو يخاصم لخصومتهم معك.
مقطوعة ٨: ١٠

وإلا يذهب بك الفزع.

فصل ٢٤: ١١

أنقذ المسوقين إلى الموت

ولا تخذل المقودين إلى القتل.

مقطوعة ١١: ٦-٧

لا تصيحن «جريمة» في وجه إنسان

عندما يكون سبب فراره خفيًّا.

(٣٩) لا تقل كما صنع بي هكذا أصنع به.
مقطوعة ٥: ٢

لأننا لا نرتكب ما ارتكبه.

بحسب «جرسمان» و«سلن» هي — أي الكلمات — إذا وعيتها كانت بمثابة وتد لشفتيك.
†  ويرى «سلن» و«جرسمان» أن يضاف إلى هذا «سبيل الحياة».
‡  واستنادًا إلى «سمبسن» تقرأ هذه الحكمة: «ألم أكتب لك ثلاثين فصلًا من المشورة والعلم؟»
§  يدلنا الوزن على أن هناك كلمة محذوفة، إلا أننا نلاحظ أن «سمبسن» ذكر هذه الحكمة مختلفة اختلافًا تامًّا؛ إذ يقول: «قف عن الاستعداد للقوة.» وهو يرى أن الحكمة المشار إليها في وضعها الحالي تؤدي معنى الأسطر ١٦، ١٧، ١٨ من تعاليم أمنموبي على وجه موجز.
||  ذكرها «سمبسن» بالشكل الآتي: «ألم يعمل مجهودك لنفسه أجنحة ثم أصبح كأن لم يكن.»

قد تكون الموازنة فيما سنذكره بعدُ غير واضحة، لكنني أرى أن الأمثال وما يقابلها من تعاليم «أمنموبي» كانت نواة العهد الجديد، وهي التي نسج عليها الحكماء العبرانيون والمصريون مثلهم العليا.

«سفر الأمثال» تعاليم «أمنموبي»
فصل ٢٥: ٢١

إن جاع مبغضك فأطعمه خبزًا

وإن عطش فاسقه ماءً.

مقطوعة ٥: ١–٦

حرك الدفة حتى يمكن الرجل الخبيث

أن يعبر إلينا (؟)

لأننا لا نرتكب ما ارتكبه.

ارفعه ومد يدك له

وأسلمه إلى ذراعي الإله

واملأ جوفه بخبزك

حتى يشبع ويعي.

فصل ٢٧: ١

لا تفتخر بيوم الغد

فإنك لا تعلم ماذا يلد ذلك اليوم.

مقطوعة ٢٢: ٥-٦

وحقًّا إنك لا تعرف تدابير الله

ولا يمكنك أن تعرف الغد.

فصل ٢٧: ١٤

من بارك صديقه بصوت جهير في الصباح مبكرًا تحسب بركته لعنة.

مقطوعة ١٣: ١١–١٤

لا تصافحن قرنك الأحمق على

الرغم منك

ولا تحزنن قلبك من أجل ذلك

ولا تقولن له: «السلام عليكم» رياءً

عندما يكون في باطنك حقد.

وأما الفصول الباقية من كتاب سفر الأمثال فهي بعيدة عن موضوع بحثنا؛ إذ إن التشابه بينها وبين تعاليم «أمنموبي» معدوم، وقد عالجها العالم «جرسمان» تأييدًا لنظريته القائلة بأن المدنية والأدب القديم كانا إرثًا مشاعًا بين الدول المختلفة.

(٢) التأملات

إن هذه التسمية وإن كانت تشير إلى موضوعنا إلا أنها لا تنتظم كل نواحيه، فليس موضوع القطع التي سنعرضها قاصرًا على التأمل والتفكير، بل إنه يرمي فوق ذلك إلى غرض اجتماعي عظيم هو إصلاح الحال، وتدبير أمور الناس، وضبط ما اختلَّ من أصول المجتمع الذي يضم شتيتهم ويسير بسفينتهم.

وقد أخذ هذا النوع من الأدب يظهر في البلاد على إثر سقوط الدولة القديمة مباشَرةً؛ فقد كانت هذه الفترة مليئة بالاضطرابات، تتفزع فيها البلاد من وقت لآخَر بغزو الأجانب وشرور الثائرين، فلم يأمن الأحياء في بيوتهم أن يُسرقَوا أو يقتلوا، ولم يأمن الموتى في أهرامهم أن يُسلَبوا ويُنهَبوا؛ حتى عمَّت البلاد موجة من الذعر والهلع، وتطلع الناس إلى يد رحيمة تضمد جراحهم وتسكب عليهم فيضًا من الأمن والاطمئنان، بهذه الحال تأثرت القلوب فانطلقت الأقلام تصف الكارثة، وتلتمس في عماية الفوضى مسلكًا نيرًا يصل بالبلاد إلى مأمنها، ويغلب عليها الأمل حينًا فتتنبَّأ بمستقبلٍ باسمٍ، وتبشِّر نفسها بعهد سعيد مزهر دائم.

وإذا كانت العصور الحديثة قد علمتنا أن للأدب وحيًا، وأن هذا الوحي تتشربه النفوس ويصل إلى موضع الإحساس من القلوب، فيدفع بالإنسان إلى الغاية التي رسمها القلم وهدف إليها الكاتب أو الأديب، فإننا نجد كذلك أن رجال العهد القديم قد أدركوا أن للأدب أثرًا فعَّالًا، فاتخذوه وسيلتهم إلى التقويم والإصلاح.

وكما أن شارلز ريد في عصرنا هذا وصل إلى غايته من إصلاح السجون في إنجلترا بقصته Charles Rede, It is Never Too late To mend، وكما أن قصة كوخ العم «توم» للكاتبة الأمريكية (= Hariette Beecher, “Uncle Tom’s Cabin”.) حقَّقت هدفها في نصرة زنوج أمريكا، والسيد عبد الله النديم نجح في تنبيه المصريين إلى حقوقهم المسلوبة من طريق الكتابة والرواية وسحر القلم، فكذلك كان كتَّابنا القدامى يلجئون إلى الكتابة كعلاج يسكنون به ما حاق بالأمة من أمراض وأوجاع، ويلتمسون من نقيعها البرء والشفاء لجسم الأمة المريض المنكوب. ولقد وصل الكتَّاب المصريون القدامى إلى هدفهم أيضًا، فبدأ صلاح الحال على يد الملك العظيم «أمنمحات» مؤسس الأسرة الثانية عشرة.

وسنعرض هذه التأملات تباعًا، مراعين في سردها الترتيب الزمني لكلٍّ منها على قدر ما وصل إليه استنتاجنا.

(٢-١) تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد: شجار بين إنسان سئم الحياة وبين روحه

مقدمة

لقد كان من نتائج تدهور البلاد وتمزيق أوصالها في العهد الإقطاعي أن عمَّتِ الفوضى، وساءت الأخلاق، وفسدت العقائد الدينية إلى درجة يقصر عنها الوصف؛ حتى إن الجم الغفير من الناس وخاصةً المتعلمين منهم قد اعتنقوا مذهب التشكك، فألقوا بتعاليم آبائهم ظهريًّا، ورأوا الحياة مسرحًا لإشباع الشهوات النفسية، ودارًا لترك حسن الأحدوثة بعد الموت، وقد أعقبت هذه الأفكار عند بعض الناس حالة من سوء الظن لا يُرجَى معها خير، وساءت الأخلاق، ووقع الناس في الإثم إلى الأذقان، ولم يهتموا بحسن الأحدوثة التي كانوا من قبلُ شديدي الاحتفال بها، كما نشاهد ذلك في أغنية الضارب على العود التي سنوردها في فصل الغناء.

وهذا الموقف الغريب الغامض الذي نشاهده في حالة مصر قد مثل لنا في ورقة هامة محفوظة الآن في متحف برلين، وهي الوثيقة التي سميتها «شجار بين إنسان سئم الحياة وبين روحه»، ولا يفوتنا أن نذكِّر القارئ هنا بأن العنوان الأصلي قد فُقِد بسبب تهشُّم الورقة، وقد كان الاعتقاد عند المصريين أن الروح كائن حي مستقل عن جسد الإنسان، ويمكنه أن ينضم إليه عند الموت، ويمكنه كذلك أن يقف بجانبه موقف إخلاص.

وموضوع هذه المحاورة العام هو التشاؤم المخيِّم الذي نتج من الحالة السالفة الذكر، واليأس الذي أفضى إلى الموت، والموت هو المخلص الوحيد من حياة عابثة شقية، ولا يحفز المصري القديم إلى اختيار مثل هذا الموضوع في عهود التاريخ الأولى، إلا إذا كانت الحالة قد وصلت إلى حد الحرج والألم، فهذا الموضوع يدل على الحالة العقلية والتجارب الباطنة التي جرَّبَتْها شخصية معذَّبة كانت تتألم مما حاق بها من الظلم وسوء الطالع؛ وبذلك يعد هذا الموضوع أقدم قطعة أدبية لبابها تجربة روحية وشعور شخص نحو الحياة في تلك العصور البائدة، وهي في نظرنا تُعَدُّ أقدم كتاب يمثِّل لنا صورة من قصة نبي الله «أيوب» المبتلى — عليه السلام — وقد كتب هذا المقال طبعًا قبل أن تظهر قصته بنحو ألف وخمسمائة سنة.

ومما يؤسفنا أن المقدمة التي تقص علينا أسباب ذلك الاضطراب الروحي قد فُقِدت مع العنوان الذي سُمِّيَت به القصة، غير أن بعض الحقائق التي كان يجب أن تحتويها تلك المقدمة، والتي كانت تضع أمامنا أسباب تلك المحاورات، يمكن استنباطها من المحاورات ذاتها.

والمتشائم الذي نحن بصدده (لأننا لم نعرف له اسمًا) كان رجلًا لطيف الروح، ولكنه قد دهمه الحظ العاثر، ولازَمَه المرض فابتعد عنه أصدقاؤه؛ حتى إخوته الذين فُرِض عليهم مواساته في مرضه، ولم يجد في دنياه خِلًّا وفيًّا.

وفي وسط هذه الغمرة التي طوته بين لججها، سرق جيرانه متاعه ونسوا ما عمله معهم من صالح بالأمس.

وبالرغم من أنه عُرِف بالحكمة فقد حيل بينه وبين الدفاع عن حقه، وقد حُكِم عليه ظلمًا؛ فلُوِّثَ اسمه وهو الجدير بالاحترام، وبدت سيرته خبيثة الرائحة تزكم الأنوف، وإن كانت في حقيقتها نقية طاهرة.

وفي ذلك الوقت العصيب عندما كان يسبح في ظلمات اليأس، بدت له بارقة من الراحة في الانتحار، فنراه على حافة القبر وروحه تفر فزعة من الظلمة، وتأبى عليه أن تطاوعه في فعلته تلك، ثم ندرك من محاورة طويلة أن ذلك المنكود الطالع كان يتكلم مع نفسه، ويناجي شخصًا جرَّده من روحه كأنه يتحدَّث مع ذات أخرى.

وقد كان أول الأسباب التي جعلت روحه تعصيه وتمتنع عن متابعته إلى الحياة الآخرة، خوفها ألا تجد طعامًا في القبر بعد الموت.

وقد يظهر ذلك غريبًا جدًّا لأول وهلة من رجل يشك كثيرًا في مثل تلك المعدات التي كانت تُعمَل للمتوفى عند تشييعه إلى آخرته، ولكن غرابتنا تزول إذا أدركنا أن هذا التعليل الذي التمسته الروح ليس إلا حيلة أدبية، أراد الكاتب أن يتخذ منها فرصة للتنديد بتلك المعدات الجنازية التي كان يهتم بها كل مصري ما عاش في دنياه.

والظاهر أن روحه نفسها قد اقترحت عليه الانتحار حرقًا، ولكنها فرَّتْ بنفسها من تلك النهاية الفظيعة.

ولما لم يكن من بين الأحياء صديق أو قريب حميم لتلك النفس يقف بجانب نعش صاحبها ويحتفل بجنازته، أخذ يستحلف روحه أن تقوم له بكل ذلك، ولكن الروح أبت عليه الانتحار بأي شكل كان، ثم أخذت تصف له فظائع القبر: «ثم فتحَتْ روحي فمها وأجابت عما قلتُه: إذا تذكرت الدفن فإنه حزن، وذكراه تثير الدمع وتفعم القلب أسى، فهو ينتزع الرجل من بيته ويلقي به على الجبل (أي الجبَّانة)، ولن تخرج قط ثانية لترى الشمس. على أن هؤلاء الذين بنوا بالجرانيت الأحمر الجميل وصاروا مثل الآلهة، ترى هناك موائد قربانهم خاوية كموائد أولئك المتعبين الذين يموتون فوق الجسر من غير خلف لهم، فيبتلع الفيضان ناحية من أجسامهم، وتلفحهم حرارة الشمس أيضًا، ويلتهمهم سمك شاطئ النهر ويعيث بهم. أصغِ إليَّ، وإنه لجدير بالناس أن يصغوا، تمتع بيوم السرور وانس الهموم.»

كان ذلك جواب الروح عندما تمثَّلَ أمامها منظر الموت المألوف، وقد أكد ذلك قول المتشائم: «مَن كان في هرمه ومَن وقف أحد الأحياء بجوار سرير موته كان سعيدًا، وقد سعى أن تقوم روحه بدفنه وبتقديم القرابين له، وتقف عند القبر يوم الدفن لتجهز السرير في الجبانة.»

ولكن كان مثله مثل ضارب العود في أنشودته؛ إذ تذكَّرَتْ روحه قبور العظماء التي خربت، وموائد قربانهم التي خوت وصارت مثل موائد العبيد التعساء الذين ماتوا كالذباب في وسط الأعمال العامة على جسور الري، وقد صارت أجسامهم عرضة للحر اللافح والسمك الملتهم في انتظار الدفن، فلم يكن هنالك إلا حل واحد للتخلُّص من كل ذلك وهو: «أن يعيش الإنسان ناسيًا حزنه، منغمسًا إلى آذانه في السرور.» ويُلاحَظ أنه إلى هنا لم تختلف هذه المحاورة التي تنحصر كل فلسفتها في أن يأكل الإنسان ويشرب، وفي أن يكون مرحًا في يومه لأنه سيموت في غده، عمَّا جاء في أغنية الضارب على العود، ولكنَّا بعد ذلك نجدها تأخذ في الخروج والافتراق عن زميلتها بنتيجة خطيرة تمتاز بها عن تلك الأنشودة؛ إذ صارت تستدلُّ على أن الحياة فوق أنها لم تكن فرصة للسرور والملاذ الدائمة، فإنها عبء ثقيل أثقل من الموت لا يمكن احتمالها، وقد وضح ذلك في أربع مقطوعات شعرية خاطَبَ بها ذلك التعسُ روحَه؛ وتلك المقطوعات هي التي تؤلِّف الجزء الثاني من تلك الوثيقة، ولحسن الحظ نجدها مفهومة بدرجة عظيمة أكثر من الجزء الأول منها. والمقطوعة الأولى تصف لنا مقت العالم بغير حق لاسم ذلك التعس، وتكوِّن كل ثلاثة أبيات منها مقطوعة تبتدئ بالمقطع التالي: «إن اسمي ممقوت.» ثم يرى الكاتب بعد ذلك أن يقوي ذلك المقطع بذكر شيء ممقوت مما يوجد في حياة الشعب المصري اليومية، ويسمه بسمته المبغضة له، وخاصة رائحة السمك النتنة والقاذورات التي كثيرًا ما نشاهدها في حياة سكان وادي النيل. وهاك المقطوعة الأولى:

مقت اسمه ظلمًا

انظر، إن اسمي ممقوت أكثر من رائحة اللحم النتن في أيام الصيف، عندما تكون السماء حارة. انظر، إن اسمي ممقوت أكثر من مقت صيد السمك في يوم صيد تكون السماء فيه حارة.
انظر، إن اسمي ممقوت أكثر من رائحة الطيور، وأكثر من تل الصفصاف المملوء بالإوز.
انظر، إن اسمي ممقوت أكثر من رائحة السمك وأكثر من شواطئ المستنقعات عندما يصاد عليها.
انظر، إن اسمي ممقوت أكثر من رائحة التماسيح
وأكثر من الجلوس … حيث التماسيح.
انظر، إن اسمي ممقوت
أكثر من زوجة عندما يقال عنها الأكاذيب لزوجها.
انظر، إن اسمي ممقوت
أكثر من صبي شديد قد قيل عنه إنه … لمن يكرهه.٩١
انظر، إن اسمي ممقوت
أكثر من … مدينة
وأكثر من ثائر ولَّى الأدبار.

ومع أن ترديد ذلك الشعر يدل على أن اسم ذلك الرجل قد صار نتنًا في أنوف أصدقائه، إلا أننا نجده في الشعر الثاني يترك ذكر نفسه ليهتم بأولئك الذين كانوا سببًا في تعاسته، فنراه يلقي نظرة على مجتمع أهل عصره، فلا يجد فيه فاشيًا إلا الرشوة والخيانة والظلم وعدم الإخلاص، حتى بين أسرته هو.

وهذا الشعر أيضًا هو شكوى مرة كان يستهل كل مقطوعة منه دائمًا بجملة استفهامية خرج فيها الاستفهام عن معناه إلى التوبيخ أو التحقير، وهي: «لمَن أتكلم اليوم؟» وربما كان يقصد بذلك: أي صنف من الناس هؤلاء الذين أخاطبهم؟ وقد كان الجواب الذي يعقب كل استفهام برهانًا جديدًا لمقاصده. وهاك ما قال في ذلك:

الشعر الثاني

لمَن أتكلم اليوم؟ الإخوة شر، وأصدقاء اليوم ليسوا جديرين بالحب.
لمَن أتكلم اليوم؟ الناس شرهون، وكل إنسان يغتال متاع جاره.
لمَن أتكلم اليوم؟ فالرجل المهذب مات، والصفيق الوجه يذهب في كل مكان.٩٢
لمَن أتكلم اليوم؟ فإن مَن كان ذا وجه طلق أصبح خبيثًا، وأصبح الخير ممقوتًا في كل مكان.
لمَن أتكلم اليوم؟ فإن الذي يستفز غضب الرجل الطيب بأعماله الشريرة يجعل كل الناس يضحكون٩٣ حينما تكون خطيئته شنيعة.
لمَن أتكلم اليوم؟ الناس يسرقون وكل إنسان يغتصب متاع جاره.
لمَن أتكلم اليوم؟ فقد أصبح الرجل المريض هو الصاحب الذي يُوثَق به، أما الأخ الذي يعيش معه فقد صار العدو.٩٤
لمَن أتكلم اليوم؟ لا يذكر أحد الماضي، ولن يفعل أحد الخير لمَن يسديه إليه.
لمَن أتكلم اليوم؟ الإخوة شر، والإنسان صار يُعامَل كالعدو رغم صدق ميوله.
لمَن أتكلم اليوم؟ إذ لا ترى الوجوه، وأصبح كل إنسان يلقي بوجهه في الأرض إعراضًا عن إخوانه.٩٥
لمَن أتكلم اليوم؟ والقلوب شرهة، والرجل الذي يعتمد عليه القوم لا قلب له.
لمَن أتكلم اليوم؟ فالصديق الذي يُعتمَد عليه أمسى معدومًا، وأصبح يعامل الإنسان كأنه رجل مجهول، رغم أنه قد جعل نفسه معروفًا.
لمَن أتكلم اليوم؟ إذ لا يوجد إنسان في سلام، والذي ذهب معه لا وجود له (؟).
لمَن أتكلم اليوم؟ فإني مثقل بالشقاء وينقصني خِلٌّ وَفِيٌّ.
لمَن أتكلم اليوم؟ فالخطيئة التي تصيب الأرض لا حدَّ لها.

لقد تنحت روح ذلك المتألم عن الموت، ثم أخذت تقترح عليه أن يعيش عيشة اللهو والملاذ مثل الذي جاء في أنشودة الضارب على العود، ولما أحس من أعماق قلبه فظاعة الموت وأخذ يفهم عدم فائدة العناد المادي المحض لدفع غائلة الموت عنه، نكص على عقبيه مدة قصيرة، ثم عاد يتأمل في الحياة. والنظمان اللذان دونهما هنا يصوران لنا ماذا رأى عندما رجع لبحث الحياة، أما ما يلي فهو وثبة منطقية تدل على أنه ليس هناك أي بصيص من الأمل في الحياة، مع الاقتناع التام بأن الموت هو الخلاص الوحيد من ذلك البؤس الذي صار مغمورًا به.

والنظم الثالث أنشودة قصيرة في مدح الموت، غير أنها ليست بحثًا ساميًا في فوائد الموت مثل الذي نطق به أفلاطون بعد ألف وخمسمائة سنة من ذلك العهد في قصة موت سقراط، كما أنه لا يمكن قياسه بعقيدة التشاؤم الفلسفية التي جاء ذكرها في سِفْر ابتلاء «أيوب» النبي — صلوات الله عليه — ولكنها تُعَدُّ أقدم صيغة ذُكِرت عبَّرَ بها الإنسان الذي عُذِّبَ ظلمًا عن الموت، وأول صرخة من متألم بريء وصل إلينا صداها من عهود ذلك العالم القديم، وهي بحق تُعَدُّ ذات فائدة فريدة، قد لا تخلو من جمال بما احتوته من حرارة نفسية خلَّابة.

ومما يلفت النظر أنها لا تحتوي على أية فكرة عن الإله، بل هي تبحث عن التخلُّص السار من آلام الماضي التي لا تحتمل دون أن تتطلع إلى المستقبل، وقد كان من خصائص العصر والجو الذي نشأ فيه ذلك النظم، ظهورُ ذلك التخلص السار في شكل صور محسوسة مأخوذة من الحياة اليومية لسكان وادي النيل الأقدمين. وهاك ما قاله في ذلك:

الموت خلاص سار. «إن الموت أمامي اليوم كالمريض الذي يُقدِم على الشفاء، وكالذهاب إلى حديقة بعد المرض.
إن الموت أمامي اليوم كرائحة بخور المر، وكإنسان يقعد تحت الشراع في يوم شديد الريح.
إن الموت أمامي اليوم كرائحة زهرة السوسن، وكما يقعد الإنسان على شاطئ السكر.
إن الموت أمامي اليوم مثل مجرى النهر الصغير، ومثل عودة الرجل من سفينة حربية إلى داره.
إن الموت أمامي اليوم كسماء صافية، ومثل رجل يصطاد طيورًا لا يعرفها.
إن الموت أمامي كمثل رجل يتوق لرؤية منزله بعد أن مضى سنين عدة في الأسر.»

وبالرغم من أن تلك الصور مأخوذة من الحياة الدنيا المتوغلة في القِدَم، فإن معظمها غير مألوف لنا، إلا أنها لم تفقد كل تأثيرها في أنفسنا؛ إذ نجد فيها الحياة مُشبَّهَة بمرض طويل يشفى بالموت مثلما يدخل الناقه حديقة جميلة، والموت مثل عبير المر تحمله ريح النيل العذب، ومثل المسافر يجلس تحت الشراع الذي تزجيه الريح، وأوبة المحارب المنهوك القوى الذي كان يسير في المياه البعيدة ثم يقترب من وطنه، أو مثل السرور الذي يحدث في نفس الأسير العائد من المنفى النائي إلى الوطن السعيد؛ فتلك الصور لها تأثيرها الكبير في نفس كل إنسان في أي عصر وفي أي جو.

وموضوع النظم الرابع هو النظرة العاجلة إلى المستقبل النهائي الذي لم تتعرض لذكره الأنشودة السابقة، ونجد كلًّا من مقاطعه الثلاثة يبتدئ بقوله: «إن الذي هنالك» وهي جملة عادية، وبخاصة لأنها قد وردت بصيغة الجمع: «إن الذين هنالك» ويقصد بهم الأموات، وهم الذين رأيناهم مذكورين في النصيحة المُوجَّهَة إلى «مريكارع»، و«إن الذي هنالك» سيكون نفسه إلهًا، «ويوقع عقاب الشر على مرتكبه» لا على البريء كما هو الحال في حياة ذلك التعس الذي نحن الآن بصدده، «وإن الذي هنالك ينزل في السفينة السماوية مع إله الشمس، وسيرى أن أحسن القربان تقدم لمعابد الآلهة، ولا تُصرَف (عبثًا) في الرشوة أو يسلبها السارق من الموظفين.»

و«إن الذي هنالك» هو حكيم محترم لا يطرد عندما يشكو إلى الموظفين الفاسدين، بل يوجِّه شكايته إلى إله الشمس (رع) ويهيِّئ له تلك الفرصة بوجوده يوميًّا مع الإله.

وقد أعلن ذلك التعس في بداية شجاره مع روحه أنه مقتنع ببراءته في عالم الآخرة، ثم هو يعود مرة ثانية إلى ذكر ذلك الاقتناع في النظم الرابع الذي هو خاتمة تلك الوثيقة المهمة، وبذلك تكون مختتمة بحل يوافِق الحلول التي كان أدركها نبي الله «أيوب» — عليه السلام — وهي الالتجاء إلى العدالة في الحياة الأخروية — ولو أن «أيوب» عليه السلام لم يتخذ من مرضه مبررًا لطلب الموت — وهو بذلك قد جعل الموت طريقًا إلى الدخول في قاعة المحاكمة الإلهية، ولذلك كان سعيه إلى بلوغ تلك النهاية سعيًا سريعًا لا هوادة فيه، فيقول:

الميزات السامية للقاطنين هنالك (يعني في الآخرة)

إن الذي هنالك سيقبض على المجرم كأنه إله، ويوقع عقاب الإجرام على مَن اقترفه.
إن الذي هنالك سيقف في سفينة الشمس ويجعل أحسن القرابين هنالك تُقدَّم للمعابد.
إن الذي هنالك سيكون رجلًا عاقلًا غير منبوذ مصليًا (لرع) حينما يتكلم.

ولما كان هذا التعس يتوق للخلاص السار الذي يهيئه له الموت، وكان يظهر عليه أنه قد استعاد بعض الثقة بما كان سينعم به من الميزات السامية في عالم الآخِرة، فإن روحه تستسلم له في النهاية، فيدخل في ظلال الموت ويسير في طريقه ليكون مع أولئك الذين هنالك.

على أننا نحن بدورنا نرقب بشيء من الإحساس المرهف هذا الرجلَ المجهولَ الاسم الذي يُعَدُّ أقدم روح بشرية معروفة لنا تذهب إلى تلك الحجرات الداخلية في عالم الآخرة.

وقبل أن نختم كلامنا عن هذه الوثيقة نقول إن بعض مَن كتَبَ عنها يرى أن فيها ما يمثِّل رجلين: أحدهما يرى أن الموت هو الخلاص الوحيد للإنسان؛ إذ يعيش بعده في عالم سلام وأمان، والثاني رجل شهوة يرى أنه من الواجب على الإنسان أن ينسى كل أحزان الحياة وآلامها، وأن يجعل السرور وحده يسيطر على حياته.

(أ) المصادر

المصادر الهامة التي يُعتمَد عليها في درس هذا المقال ما يأتي:
  • (1)
    Pieper “Die Agyptische Literatur” PP. 26 ff.
  • (2)
    Peet, “A Comparative Study of the Literatures of Egypt, Palestine and Mesopotamia” PP. 114 ff.
  • (3)
    Breasted, “The Dawn of Conscience”, PP. 168 ff.
  • (4)
    Erman, “The Literature of the Ancient Egyptians”, PP. 86 ff.
  • (5)
    A. Mekhitarian, “Chants de Détresse et d’Amour”, PP. 4 ff.

وقد طبع الأصل المصري القديم الأستاذ إرمان في:

Erman, “Abh. der Berliner Akademie in 1896”.

(٢-٢) شكوى «خعخبر رع سنب»

هذه الوثيقة الأدبية واحدة من سلسلة المقالات التي كتَبَها مؤلفوها يشكون فيها الحالة التي وصلت إليها البلاد من التدهور الأخلاقي، والانحطاط الأدبي، والفوضى الشاملة في العهد الإقطاعي. والظاهر أن كاتِبها عاش في عهد الملك «سنوسرت» الثاني كما يُستدَل على ذلك من اسمه؛ لأن لفظة «خعخبر رع» هي اللقب الرسمي الذي كان يحمله «سنوسرت» الثاني، وكلمة «سنب» معناها الصحة، فيكون معنى اسم كاتبها «خعخبر رع في صحة»، وهذه طريقة في التسمية للأعلام نجدها منذ الدولة القديمة، فيقال مثلًا «خفرع عنخ» أي خفرع عائش، وهكذا.

وهذه الوثيقة رغم أنها تُنسَب إلى الدولة الوسطى، فإنها كغيرها وصلت إلينا مكتوبة على لوحة تلميذ من عهد الأسرة الثامنة عشرة، وكان أول مَن عني بحل رموزها الأستاذ «جاردنر»، والورقة محفوظة الآن بالمتحف البريطاني، على أن مجرد وجود هذه الوثيقة مكتوبة على لوحة تلميذ بعد تأليفها بعدة قرون؛ لَأَكْبَرُ دليلٍ على أنها كانت من القِطَع الأدبية المختارة التي كانت تُعتبَر نماذج للأسلوب الراقي وطلاوة العبارة، ولا غرابة في ذلك، فإن مؤلفها كان يبحث وراء الأسلوب الجميل والكلمات الحكيمة ليعبِّر عن مقصده؛ ولذلك جعل عنوان مقاله: «جمع الكلمات، وقطف الحكم، والبحث وراء التعابير، ومناجاة القلب التي ألفها كاهن عين شمس … «خعخبر رع سنب» الذي يُسمَّى «عنخو» أيضًا». ومن غريب الاتفاق أن اسم هذا المؤلف قد جاء ذكره بين أسماء أعلام الكتاب الذين كانت لهم شهرة عظيمة في الأدب المصري، وممَّن كان يُضرَب بهم المثل في عهد الرعامسة عند التحدث على المؤلفين الذين بقيت كتاباتهم خالدة.

على أن مقال هذا الكاتب العظيم له أهمية خاصة؛ إذ يدلُّنا ما جاء في أوله على أمثال أولئك المؤلفين الذين كانوا يعيشون في العهد الإقطاعي، شاعرين في قرارة أنفسهم بحاجتهم إلى الوثوب، مفكِّرين في توجيه جديد لحالتهم، وأنهم قد أقلعوا عن التلطف التقليدي الذي كانت تتميَّز به نصائح آبائهم. ويفتتح كاهن عين شمس هذا مقاله القصير بما يأتي:

ليتني كنت أعرف صيغًا للكلام لا يعلمها أحد، وأمثالًا غير معروفة أو أحاديث جديدة لم تُذكَر (يعني من قبلُ) خالية من التكرار، لا الكلام الذي تُحدِّث به من زمن بعيد مضى، وهو ما تكلَّمَ به الأجداد … لقد تحدَّثت بحسب ما رأيت، مبتدئًا بأقدم الناس إلى أولئك الذين سيأتون بعدُ …

إن العدالة قد نُبِذت في حين أن الظلم قد أخذ مكانه في وسط قاعة المجلس … وخُطَط الآلهة قد انتُهِكت حرمتها، وأُهمِلت نظمها، والبلاد صارت في همٍّ، والحزن عمَّ كل مكان، وصارت المدن والأقاليم في عويل، وكل الناس صاروا على السواء يرزحون تحت عبء الظلم …

أما الاحترام فإن أجله قد انتهى …

وعندما أريد أن أتحدَّث عن كل ذلك تنوء أعضاء جسمي بحمله، وإني من أجل قلبي لمحزون، وإنه لألم أن أُهدِّئ روعي من جهته؛ إذ لو كان قلب آخَر لانثنى (ولكن) القلب الشجاع في الملمات يكون رفيقًا لسيده، ليت لي قلبًا يتحمل الألم، فعندئذٍ كنت أطمئن إليه …

تعالَ إذن لأتكلم إليك يا قلبي؛ لتجيبني عن كلامي، ولتفسِّر لي ما هو كائن في الأرض … لأني أفكر فيما قد حدث.

إن المصائب تقع اليوم، ومصائب الغد لم تأتِ بعدُ، فكل الناس لاهون عن الغد مع أن كل البلاد في اضطراب عظيم، وليس إنسان خاليًا من الضر، فإنه يصيب جميع الناس على السواء، والقلوب بالحزن مفعمة، فالآمر والمأمور صارَا سواسيةً، وقلب كل منهما راضٍ، والناس عليه (يعني الضر) يستيقظون في صباح كل يوم، ولكن القلوب لا تنبذه، ولا تزال اليوم على ما فعلته بالأمس، ولا يوجد إنسان عاقل يدرك، ولا إنسان غاضب يتكلم، والناس تستيقظ في الصباح كل يوم لتتألم، وإن مرضي لثقيل وطويل، والرجل الفقير ليس له حول لنفسه ولا قوة؛ ليتخلَّص ممَّن هو أشد منه بأسًا.

وإنه لمؤلم أن يستمر الإنسان صامتًا عن الأشياء التي يسمعها، وإنه لمؤلم أيضًا أن يجيب الإنسانُ الرجلَ الجاهِلَ.

ففي ذلك المقال نجد إنسانًا قد تحرَّكت نفسه من أعماقها؛ لأنها أُثِيرت بما شاهدته من الفساد، فهو يتأمل في هذا المجتمع وينظر إليه نظرته إلى أسرة مرتبطة متساندة، ويؤلمه ما يراه من قيود تكبِّل هذا المجتمع، وتنحو به نحو الشقاء، كما يؤلمه قصور المجتمع عن إدراك شقائه، وعجزه عن إصلاح حاله إنْ أدرك شيئًا من هذا الشقاء.

ولقد تحدَّث عن نفسه في كل ما ذهب إليه، وإن كان يعنى بما قال مجتمعه الذي يعيش فيه.

على أن كثيرًا من تلك الأفكار يمكن أن نجد لها مكانتها الآن عند بعض الناقدين الاجتماعيين في عصرنا هذا، ممَّن امتازوا بحاستهم الخلقية المرهفة، وصدور مثلها في هذا الزمن القديم يدل على الوقت الذي استيقظ فيه القوم لأول مرة في تاريخ البشر، وشعروا فيه شعورًا عميقًا بما أصاب المجتمع البشري من الانحطاط الخلقي.

ويعود سبب هذه الحالة الجديدة التي وصل إليها أولئك المفكِّرون الاجتماعيون إلى وجود إدراك خلقي حسَّاس آخِذٍ في النمو، وإلى بعض العوامل التي ساعدت على عدم انخداعهم بالظواهر.

فهؤلاء المفكِّرون كانوا قد تأثَّروا تأثُّرًا عميقًا بتدبُّرهم الحياة البشرية الاجتماعية فوق الأرض، والمصير الإنساني فيما بعد الموت؛ فانكشفت لهم تلك الحقيقة المحزنة، وهي عدم فائدة العوامل المادية المحضة التي كانوا يعولون عليها لضمان سعادة الروح في الدار الآخرة، فهذه الأمور المادية التي كانت تُؤدَّى تقليدًا للأجداد، ويرجع تاريخها إلى أزمان غابرة، قد انهدمت، وبانهيارها ذهب معها كل ما كان مُعتبَرًا لضمان حياة الإنسان في عالم الآخرة فيما بعد الموت.

ومن المحتمل أن ثقتهم التقليدية المتينة في فطنة أجدادهم كانت قد انهارت من أساسها انهيارًا عنيفًا، وإذا كانت تلك حالهم في تجاربهم التقليدية الموروثة فيما يختص بالحياة في عالم الآخرة، فإن حالتهم في تجاربهم عن الحياة الدنيوية كانت أسوأ مآلًا، فقد قام في فترة ألف سنة (أي منذ عهد مينا) نظام قومي ثابت الأركان في البلاد المصرية القديمة، كان يمثِّله ويحافظ عليه الفرعون بصفته نائبًا عن الله في الأرض، وكان اسم ذلك النظام «ماعت» أي (الصدق – الحق – العدالة).

ولكن هذا النظام كذلك قد أخذ بدوره ينهار؛ فقد وُجِد في النصيحة الموجَّهَة إلى «مريكارع» بالفعل أن الأمة قد انقسمت قسمين: مملكة في الشمال، وأخرى في الجنوب، وأن الملك كان همه منصرفًا إلى تحصين مملكة الشمال من خطر الغزاة الأجانب؛ إذ قد انحَلَّتْ تدريجًا قوة الأمة النظامية التي دامت عليها موحدة مدة طويلة، حتى كشف الغزاة الأجانب عن مواطن الضعف في البلاد التي كانت في يومٍ ما مؤلفة من أمة عظيمة ذات نظام ثابت الأساس، فتدفَّقَ الغزاة الأجانب إلى الدلتا من جهة آسية شرقًا، ومن جهة لوبيا، وهكذا سادت الفوضى في البلاد تمامًا، ولا بد أن تلك النكبة هي التي وصفها لنا كاهن عين شمس «خعخبر رع سنب».

(أ) المصادر

أهم مصادر هذا المقال ما يأتي:
  • (1)
    Writing-board, British Museum, No. 5645.
  • (2)
    Pieper, “Die Agyptische Literatur”, P. 49.
  • (3)
    Peet, “A comparative study of the Literatiures of Egypt, Palestine and Mesopotamia”, P. 120.
  • (4)
    Gardiner, “The Admonitions of an Egyptian Sage”, P.P. 95. f.f.
  • (5)
    Breasted, “The Dawn of Conscience”, P.P. 178 f.f.
  • (6)
    Erman, “The Literature of the Ancient Egyptians”, P.P. 108 f.f.

(٢-٣) تحذيرات متنبئ يُدعَى «إبور»

هذه الوثيقة محفوظة الآن ضمن كنوز متحف «ليدن» الأثري بالقسم المصري، وتُعرَف باسم ورقة «ليدن» رقم ٣٤٤، وقد ضاع أولها، وهُشِّم آخِرها، وبها فجوات كثيرة في وسطها، ولذلك كان من الصعب الاهتداء في أول الأمر إلى موضوعها الحقيقي، وكان المفهوم منها جملةً أنها ورقة تعليمية، وقد بقيت الحال كذلك إلى أن طالع العالَمَ الأستاذُ «لنجة» الأثري الدانيماركي بمقال كشف فيه عن مضمونها الحقيقي؛ إذ قال إنها تنبؤات حكيم مصري، وذلك في عام سنة ١٩٠٣.

وقد سهَّلَ ذلك الحل الطريقَ إلى علماء الآثار لدرس هذه الوثيقة، ولم تمضِ بضع سنين حتى قام الأستاذ «جاردنر» بدرسها دراسة وافية، علَّق عليها بشروح علمية ولغوية بقدر ما سمحت به حالة الوثيقة المهلهلة، وما بها من الأخطاء التي لا بد قد ارتكبها ناسخها. ويدل ما جاء في هذه الوثيقة من الوصف والإشارات البعيدة التاريخية على أنها تصوِّر لنا عهدًا خاصًّا كانت فيه البلاد في حالة فوضى وارتباك، يقصر عنه كل وصف من الوجهتين السياسية والاجتماعية،٩٦ على أننا إذا طبَّقنا ما جاء فيها من وصف الحوادث والمحن على التاريخ المصري، فلا نجد لها شبيهًا إلا عهد العصر الإقطاعي؛ حينما تمزَّقَتْ أوصال البلاد شر ممزق. ولأجل أن يفهم القارئ مضمون هذه الوثيقة ويطبقها على هذا العصر، سنتبع في دراستها طريقة خاصة؛ وذلك بأن نصف له حالة البلاد بعد سقوط الدولة القديمة وهو العصر الإقطاعي، ثم نتناول بعد ذلك تحليل ما جاء في هذه الوثيقة مستشهدين بمقتطفات منها في وصف الحالة العامة للبلاد، وما أصابها من خراب ودمار في جميع مرافقها السياسية والاجتماعية، بحيث يمكن للقارئ أن يرى أمامه صورة واضحة منطقية لذلك العصر؛ وذلك لأن حكيمنا قد أفزعته الحالة التي وصلت إليها البلاد من الانحطاط، فكان ينتقل من وصف موضوع إلى آخَر دون أن يكون هناك أية رابطة بين ما وصفه أولًا، وما انتقل إليه ثانيًا، مما يدل على أن كل شيء أمامه في البلاد كان قد هوى إلى الحضيض، وبعد ذلك سنضع أمام القارئ نصَّ الوثيقة كما وُجِدت في الأصل؛ فيستطيع القارئ الأديب أن يفهم بنفسه نفسية هذا الفيلسوف عندما كان يضع تلك الصورة البشعة عن حالة مصر بعد سقوط الدولة القديمة.

(أ) سقوط الدولة القديمة والثورة الاجتماعية

لقد كانت سلطة الفراعنة في الأسرة السادسة آخِذة في التدهور شيئًا فشيئًا، وبخاصة في عهد «بيبي الثاني» الذي حكم البلاد أكثر من ثلاثة أجيال، وقد انتهى الأمر بعده بانحلال البلاد وتفشِّي الثورة فيها؛ مما قلَبَ الأمور رأسًا على عقب كما سيأتي شرحه. ويرجع السبب في ذلك إلى أمرين هامين، الأول: إغارة الأجانب من البدو على البلاد من جهة، والحروب الداخلية من جهة أخرى. وتفصيل ذلك أن البدو رغم الهزيمة المنكرة التي لحقت بهم في عهد «بيبي الأول»٩٧ لم يفقدوا الأمل في غزو البلاد المصرية، التي كانت في تلك الفترة تزخر بالثراء والغنى، وقد سنحت لهم الفرصة في عهد الملك بيبي الثاني٩٨ لنيل مأربهم؛ إذ كانت الأحوال مهيَّأة لهم؛ فقد كان كل حاكم من حكَّام المقاطعات الوراثيين منهمكًا في المحافظة على مقاطعته التي كانت تُعَدُّ بمثابة مملكة صغيرة مستقلة.
أما في الوجه البحري الذي كان فيه مقر الملك، فيحتمل أن القوم كانوا ملتفين حول الملك بعض الشيء، ودافعوا عن بلادهم، غير أنه ليس لدينا وثائق تاريخية تحدِّد لنا الموقف بالضبط. وعلى أية حال كان موقف الحكومة المصرية في هذا العهد يُرثَى له، حتى إن الشعب انتهز هذه الفرصة وقام بثورة اجتماعية طاحنة تشبه الثورة التي قام بها البلاشفة، امتدَّ لهيبها أكثر من قرنين من الزمان، كانت البلاد ترزح فيهما تحت عبء ثقيل من الفوضى والخراب؛ إذ كان سلطان «فرعون» قد زال وأملاكه قد اختفت، ولا أدل على ذلك مما ذكره لنا «مانيتون»٩٩ من أنه قد حكَمَ البلادَ في عهد الأسرة السابعةِ سبعون ملكًا في مدة سبعين يومًا. أما الحقوق المدنية والدينية، فقد تولَّاها كلُّ مَن كان في قدرته أن يبسط يده عليها، وأخذ كل شخص يُغِير على ما يستطيع أن يصل إليه، ضاربًا بكل نظام وقانون عرض الحائط، وقد كان من جرَّاء امتداد هذه الفوضى أن ساد البلاد الخوف، وانتشر القحط، وعمَّ الانحلال الخلقي وعدم المبالاة بالتقاليد الدينية والمعتقدات الموروثة. وليست لدينا وثائق تاريخية تنير لنا الطريق خلال هذا العصر المظلم، اللهم إلا معلومات ضئيلة جدًّا، ولكن من جهة أخرى قد أسعفتنا الوثائق الأدبية الشعبية بشيء مما نريد؛ إذ الواقع أن أزمة هذا العصر طال أمدها فأثَّرَتْ على أذهان القوم، وبخاصة على أفكار الحكماء وأهل الفكر، وعلى خيال القاصين؛ فنراهم يصوِّرون ما حاق بالبلاد من ضنك وشدة، وما قاست من ويلات وخراب، بعبارات مؤثِّرة جدًّا خارجة من الأعماق.

وقد كان هناك في ذلك العصر مفكِّرون اجتماعيون قد أحسوا الحاجة إلى وجود حاكم عادل، فكان من بين الحكماء الذين يتطَّلَعون إلى وجود مثل هذا الملك العادل الحكيم «إبور»، وهو أحد المتنبئين الاجتماعيين الذين كانوا يعيشون في ذلك العصر، وقد ألَّفَ مقالًا في شكل تمثيلي مؤثِّر، ولم يقتصر على اتهام أهل تلك الأزمان بحرارة فحسب، بل وصَّى في مقاله ذاك بالإصلاح وتطَّلَع من وراء القيام بذلك إلى إيجاد نهضة جديدة يقوم بها المجتمع، كما كان ينتظر أيضًا وجود عصر ذهبي يخلقه هذا الإصلاح المنشود. وتلك الوثيقة المذكورة تُعَدُّ من أهم الوثائق التي تُلفِت النظر من بين كل تلك المقالات الاجتماعية والخلقية التي كُتِبت في ذلك العهد الإقطاعي، ويصح لنا أن نسميها «تحذيرات المتنبئ إبور». ومما يدعو إلى الأسف أيضًا أن بداية هذه البردية قد فُقِدت، وهي الجانب الذي كان يحتوي على الأحوال التي دعت ذلك الحكيم على الإدلاء بتحذيراته المذكورة في هذه الوثيقة، وإن كانت تلك الأحوال في ظواهرها الرئيسية واضحة. ويمكن تلخيص تلك الوثيقة فيما يأتي: يقوم الحكيم «إبور» بإلقاء اتهام طويل مفعم بالغضب على حالة عصره أمام حضرة ملك (لم يُعرَف اسمه بالتحقيق للآن)، وشهده بعض الناس الذين يحتمل أنهم كانوا حاشية ذلك الملك مجتمعين عنده في ذاك الوقت، ثم ينتهي بإسداء النصح لقومه فيحذِّرهم الإهمال ويدعوهم إلى الإصلاح، ثم يلي ذلك رد قصير من جانب الملك، ثم ينتهي المقال بتعقيب للحكيم المذكور على الرد الملكي. وقد سلخ الخطاب الرئيسي الذي ألقاه ذلك الحكيم نحو ثلثي ذلك الاتهام الطويل.

فهذا الخطاب يتألَّف منه معظم المقال المذكور؛ لأنه يقع في نحو عشر صفحات من الأربع عشرة صفحة التي يحتويها المقال، على أنه لا يظهر في ذلك الاتهام أي ترتيب منطقي في عناصره بالرغم من ظهور الجهد في ترتيب أقوال ذلك الحكيم؛ لأنها موضوعة على هيئة مقاطع مُقفَّاة، وكل مقطوعة منها تبتدئ بنفس العبارة السابقة لها، وهذا يطابق شعر الرجل التعس وروحه.

وسنحاول في الفقرات التالية أن نلخِّص أهم محتويات ذلك الاتهام في شكل مواضيع مقتبَسَة باختصار، يبدو منها نوع الكلام الذي أفضى به ذلك الحكيم.

ولما كانت هذه البردية ممزَّقة كما أسلفنا، ولغتها عويصة صعبة، كانت ترجمتها ترجمة متصلة من الأمور المستحيلة، حتى ولو توفَّرَتِ الشروح التي تكفل إزالة هذه الصعوبة.

ونرى فيها ذلك الحكيم يحلق بنظرة ثاقبة مشرفًا على الحياة المنظمة لأهالي وادي النيل في ذلك الوقت، فيجد أن كل شيء قد آلَ إلى الفوضى؛ فالحكومة قد وقفت بالفعل حركتها، وقوانين قاعة العدل قد أُلقِي بها ظهريًّا، فصارت تدوسها الناس بالأقدام في المحال العامة، والفقراء يفضونها على قارعة الطريق.١٠٠

ويرجع السبب في سوء النظام هذا إلى حالة الهياج والحروب الدائرة في داخل البلاد.

فالرجل يذبح أخاه من أمه فما العمل في ذلك؟ …

انظر! إن الرجل يُذبَح بجوار أخيه فيتركه وحيدًا لينجِّي نفسه.

والرجل ينظر لابنه نظره لعدوه … يذهب الرجل إلى الحرث والزرع وهو مسلَّح بدرعه …

ويضاف إلى سوء النظام أيضًا، وإلى الثورة الداخلية، أهوالُ الغزوات الأجنبية المعتدية على البلاد؛ فإن أملاك مصر بعد أن صارت فريسة لسوء النظام، والفتنة الضاربة أطنابها بالبلاد، قد صار رجالها أيضًا غير قادرين على صد غزوات الآسيويين عن حدود شرق الدلتا للبلاد المصرية؛ وبذلك وقف سير الحركة الاقتصادية.

انظر! لا صانع يعمل والعدو يحرم البلاد حِرَفها …

انظر! إن مَن حصد المحصول لا يعرف عنه شيئًا، ومَن لا يحرث لنفسه يملأ مخزنه … وإن الحصاد يحدث، ولكن لم يُذكَر عنه شيء، والكاتب يجلس في مكتبه ولكنْ يداه لا تعملان شيئًا …!

انظر! إن الماشية قد تُرِكت ضالة سبيلها، ولا إنسان يجمعها ويلم شعثها، فكل إنسان يذهب ويأخذ لنفسه منها ويسمها باسمه (أي يعلمها) … والحروب الداخلية لا تدفع ضريبة … فما فائدة بيت مال بدون دخل؟!

والتجارة الخارجية تنحط وتختفي في مثل تلك الأحوال التي كانت عليها داخلية البلاد؛ فأصبح الناس لا يسيحون إلى «جبيل» اليوم، وإذن ماذا نصنع١٠١ للحصول على خشب الأرز اللازم لمومياتنا؟ فالكهنة يدفنون بمستخرجاتها، والأمراء حتى بلاد كفتيو (كريت) يحنطون بزيتها؛ فهي لا ترد بعدُ قط (الأخشاب)، ووقوع مثل تلك الأحوال كان محتملًا؛ لأن الأمن العام والتجارة قد اختفى أثرهما. وبالرغم من أن الطرق كانت محروسة فإن الناس كانوا يرصدون في الأحراج حتى يمر السائح الذي دهمه الليل، فيسلبوه ما يحمل ويجردوه مما معه، ويُضرَب بالعصي ويُذبَح ذبحًا شنيعًا. وفي الحق لقد أصبحت الأرض تدور كعجلة صانع الفخار، ونظام البلاد قد قُلِب رأسًا على عقب، فمَن كان لصًّا صار رب ثروة، والغني صار إذ ذاك إنسانًا منهوبًا.

وهكذا انقلبت أوضاع كل الأشياء طبقًا لما يدل عليه مفهوم تشبيهها بعجلة صانع الفخار، فالشئون الاجتماعية انقلبت انقلابًا تامًّا.

وإننا نجد في أطول مجموعة من فقرات تلك الوثيقة — التي أُنشِئت على وتيرة واحدة — أن ذلك الحكيم يضع أمامنا تغيُّر تلك الأحوال بالنسبة لأفراد طبقات الشعب، فهو في فقرة واحدة يضاهي بين ما كان عليه الماضي، وبين ما يجري في ذاك الوقت؛ إذ نراه يقول:

انظر! إن الذي لم يكن يملك زوجًا من الثيران أصبح يملك أزواجًا، ومَن لم يكن في مقدوره أن يحصل على ثيران للحرث أصبح يملك قطعانًا.

انظر! إن الذي لم يكن يملك حبة أصبح الآن يملك أجرانًا، ومَن كان يبحث لنفسه عن صدقات من القمح أصبح الآن يخرج من مخازنه ويجعلها تُوزَّع.

ونجد في ذلك الخراب الشامل الذي حاق بالبلاد، فالانحطاط الخلقي قد أخذ مأخذه، غير أنه لم يكن ظاهرًا ظهور ذلك البؤس العام الذي يصفه؛ فيقول:

والمتحلي بالفضائل يسير وهو محزون، ويقول الرجل الأحمق: إذا عرفت أين يوجد الإله فإني أقدِّم له قربانًا، وفي الحق كانت (العدالة موجودة في الأرض باسمها فقط، وما يعمله الناس حينما يلتجئون إليها هو العسف).

فلا عجب إذن من وجود ذلك البؤس الشامل:

وفي الحق قد مات السرور ولم يَعُدْ يُحتفَل به بعدُ، ولا يوجد في الأرض إلا الأنين الممزوج بالعويل.

حقًّا فقد أصبح كلٌّ من العظيم والحقير يقول:

ليتني كنت ميتًا؟ والأطفال الصغار يقولون كان يجب عليه ألا يجعلني على قيد الحياة.

حقًّا، فإن قلوب كل الماشية صارت تبكي، والقطعان تندب حالة البلاد.

على أنه لم يكن في مقدور ذلك الحكيم أن يشاهد كل ذلك دون أن تثور عواطفه؛ إذ كان بدوره متأثِّرًا تأثُّرًا عميقًا لتلك الكارثة العامة.
فنراه يطلب من الله أن يجعل لتلك الحالة نهاية! إذ يقول:

ليت آخِر الناس يكون قد حلَّ فلا حمل ولا ولادة، ليت العالم يتخلص من الغوغاء وتنفضُّ المشاحنات.

على أن ذلك الحكيم كان يقرِّع نفسه؛ لأنه لم يسعَ من جهته لإنقاذ ذلك الموقف من قبلُ، فيقول أيضًا:

ليتني رفعت صوتي في ذلك الوقت؛ حتى كنت أنقذ نفسي من الألم الذي أنا فيه الآن، فالويل لي؛ لأن البؤس عمَّ في هذا الزمان.

فتلك هي الصورة المظلمة التي رسم لنا ألوانها ذلك الحكيم المصري القديم، ويجب أن نعتبر تلك الشكاية التي سبق ذكرها، والتي تشغل نحو ثلثي الوثيقة كما حُفِظت لنا، أنها قد وصفت لنا الحالة عند قدماء المصريين في عهد معين، هذا إلى أن العلاقة المتينة بين ذلك المقال والمقالات الأخرى التي من ذلك العهد الإقطاعي من حيث اللغة والفكر ووجهة النظر، لا تدع للشك مجالًا في تحديد تاريخ عهدها بالضبط.

وحالة مصر السيئة التي صوَّرَها لنا ذلك الحكيم، هي ظواهر الحالة التي أعقبت انهيار نظام الحكومة، والاعتداء على البلاد الذي جاء على أثر سقوط الدولة القديمة، أي في نهاية عصر الأهرام وانحلال اتحاد البلاد كما ذكرنا، على أن «إبور» لم يشأ أن يترك أهل الجيل الذي عاش فيه في تلك الحال الموئسة التي صوَّرها لنا، بل رأى هناك أسبابًا تدعوه إلى أن يأمل ويطمئن إلى حسن المستقبل.

ثم بعد ذلك تصادفنا فجوة كبيرة في تلك البردية، يعقبها في النهاية أهم فقرة في مقال ذلك الحكيم، وهي تعتبر أروع ما دُوِّنَ في كل الأدب الفرعوني؛ إذ في هذه الفقرة العظيمة يتطَّلَع ذلك الحكيم إلى المستقبل متوقِّعًا إعادة الإصلاح في البلاد، على أن يكون ذلك بلا نزاع نتيجة طبيعية للنصائح الإصلاحية التي كان قد فرغ من غرسها في قلوب مواطنيه.

فهو يرى الحاكم الأمثل والملك الأمثل اللذين يتوق إلى ظهورهما، يجتمعان في الحكم الذي كانت عليه مصر في يوم من الأيام في صورة «إله الشمس».

ولما كان ذلك الحكيم يرى في عهد سلطان إله الشمس العصر الذهبي، فإنه يوازنه من جهة أخرى بالحكم الغاشم الذي ترزح تحت عبئه البلاد في عصره؛ إذ نراه يقول:

فهو يجلب البرودة إلى اللهيب (الحريق الاجتماعي) ويقال عنه إنه راعي الإنسانية، ولا يحمل في قلبه شرًّا، وحينما تكون قطعانه قليلة العدد فإنه يصرف يومه في جمع بعضها إلى بعض وقلوبها محمومة (من الحزن)، وليته عرف أخلاقها في الجيل الأول، فعندئذٍ كان في مقدوره أن يضرب الشر، وكان في قدرته أن يمد ذراعه ضده (يعني الشر)، وكان في مقدوره أن يقضي على بذرتهم هناك وعلى وراثتهم، فأين هو اليوم؟ هل هو بطريق المصادفة ينام؟ انظر! إن بأسه لا يُرَى.

فنجد في ذلك صورة الملك الأمثل، وهو الحاكم العادل الذي لا يحمل في قلبه شرًّا، وهو الذي يجول بين رعيته كالراعي يجمع شتات قطيعه المتناقص الظمآن، وذلك الحكم العادل الذي كان كحكم نبي الله «داود» — عليه السلام — قد حدث ويمكن أن يحدث ثانيةً.

على أن عنصر الأمل بظهور الملك الصالح المنتظر، كان أقرب إليه من حبل الوريد؛ إذ كان محققًا عنده كما تدل الكلمات الختامية التي وردت بالفقرة السابقة عند قوله:

أين هو اليوم؟ هل هو بطريق المصادفة ينام؟ انظر إن بأسه لا يُرَى.

على أن الأهمية الخاصة التي نستنتجها من تلك الصورة تنحصر في أن المُثُل العليا كانت على أقل تقدير في الاجتماعيات، إن لم تكن تحتوي بالفعل في المنهج الاجتماعي على الحاكم الأمثل الذي يتَّصِف بطهارة الأخلاق وبالمقاصد الخيرية، والذي يعز عشيرته ويحميها ويسحق الأشرار. وسواء نَبَّأ بظهور هذا الحاكم أم لا، فإن رؤية أخلاقه وأعماله قد كشف لنا النقاب عنها ذلك الحكيم القديم، وقد كشف النقاب عنها في حضرة الملك الموجود إذ ذاك، وفي حضرة أولئك الذين اجتمعوا حوله حتى يقتبسوا شيئًا من بهائه، وذلك بطبيعة الحال هو عين التبشير بالمسيحية قبل أن تظهر بين العبرانيين بما يقرب من ١٥٠٠ سنة.

وقد أدَّتْ تلك الموازنة المخيفة التي كانت تجول في ذهن ذلك الحكيم المصري القديم، بين الحاكم الذي يمثِّل الملك الأمثل وبين الفرعون الحاكم الذي يقف بحضرته ذلك الحكيم؛ إلى أن ينطق الحكيم بأقسى الاتهامات ضد مليكه، فكان مثله في ذلك مثل البلاشفة حينما قضوا على نير حكم الملكية الظالم، فلقد وضع الحكيم المسئولية فوق عاتق الملك؛ إذ يقول لمليكه:

إن الأمر الملكي والمعرفة والعدالة (يعني ماعت) في قبضة يدك، ولكن ما تصنعه في البلاد هو النزاع وصوت القلاقل … ولقد فعلت هكذا لتشتد علينا هذه الأمور، لقد نطقت زورًا وبهتانًا.

وعندما انتهى ذلك الحكيم من خطابه الطويل، أجابه الملك بنفسه على أقواله، غير أنه ليس في وسعنا أن نصل إلى ما قاله الملك في إجابته على الحكيم، مما بقي لنا من تلك النتف المفتتة من الصفحة الممزَّقة التي دُوِّنَتْ عليها تلك الإجابة، وسنظل كذلك في شوق إلى ذلك الجواب إلى أن يُكشَف لنا عن نسخة تامة من هذه الوثيقة.

وقد وصلت تقريعات ذلك الرجل الحكيم إلى قمتها في قوة التعبيرات اللفظية الموجَّهَة إلى أخلاق ذلك الفرعون التقليدية فهدمتها، وهي التي كانت تشمل الأمر الملكي والمعرفة والعدالة (يعني ماعت)، أي النظام الإداري والخلقي القديم الذي سار عليه ملوك الاتحاد الثاني مدة ألف سنة، وهو الذي قد حلت الآن محله الفوضى.

فواضح الآن تمامًا من ذلك أن حالة سوء النظام الشاملة التي وصفها في أقواله (إبور)، قد ظهرت في فترة من العهد الذي جاء بعد سقوط تلك الدولة القديمة، ويستحيل علينا الآن أن ندرك موقف ملوك «أهناس» الذين أنتجوا مثل تلك المقالات المثالية المدهشة، أو نحدِّد علاقتهم بالنسبة إلى انهيار نظام الحكم. فهل كان احتذاؤهم المثل الأعلى في مثل ذلك العصر، سببًا من أسباب ضعفهم السياسي؟ فقد لاحظنا أنه في وسط ذلك الخراب القومي الذي صُوِّرَ لنا بتلك الطريقة من غير تحفُّظٍ، أن الحكيم «إبور» كان ولا يزال يحمل في نفسه بعض الأمل؛ طمعًا في التخلُّص من ذلك الخراب.

فهل كان يبقى في ذهنه شيء عن بعض الرجال المعروفين بقوة الشكيمة ممَّنْ أبقى عليهم الدهر من أُسَر الأمراء القدامى؟ على أنه من الجائز أن آمالَه كانت موجَّهَة إلى قائد كان بأسه لا يُرَى، وسنرى ذلك في تنبؤات «نفر روهو».

(ب) نص المتن

يشمل فقرات نثرية وست قصائد شعرية، وهذه تكون نواته الحقيقية، ويبتدئ كما وصلَنا بأن نرى الحكيم قد أخذ فعلًا في تصوير مصيبة البلاد: فيقول حرَّاس الأبواب: «فلنذهب لننهب.» والغسال يتنحى عن حمل حمله، وصائدو الطيور قد جهَّزوا أنفسهم للواقعة، وآخَرون من الدلتا يحملون الدروع، وقد ثار القوم حتى أصحاب أهدأ الحِرَف كبائعي الحلوى وصانعي الجعة، وأصبح الرجل ينظر لابنه نظرته إلى عدو …

والرجل الفاضل يذهب بملابس الحزن بسبب ما حاق بالأرض …

وأصبح الأجانب مصريين١٠٢ في كل مكان.

الشعر الأول

يعنى بصفة خاصة بالبؤس العام؛ السرقة، والقتل، والتخريب، والقحط، وقد طُرِد الموظفون ودُمِّرت الإدارة، والتجارة الخارجية قد قُضِي عليها، وانتشر الأجانب في البلاد، واحتلَّ عامة القوم مراتب عليتهم.

وكل بيت من هذه القصيدة يبتدئ بكلمتين يمكن ترجمتهما إلى العربية هكذا: «حقًّا لقد» أو «وفي الحق» التي تدل على إثبات شيء لا يمكن تفنيده.

حقًّا لقد شحب الوجه … والأجداد قد تنبَّئُوا …

وبعد كسر طويل بعض الشيء نقرأ:

حقًّا فإن … (والبلاد) ملأى بالعصابات، ويذهب الرجل ليحرث ومعه درعه.
حقًّا فإن الخجول يقول: … (مهشم).
حقًّا فإن الوجه قد شحب، وحامل القوس أصبح مستعدًّا، والمجرمون في كل مكان، ولا يوجد رجل من رجال الأمس.١٠٣
حقًّا إن الناهبين في كل مكان …
حقًّا إن النيل في وقت الفيضان، ومع ذلك لا يحرث أحد من أجله، وكل إنسان يقول: «لا نعرف ما حدث في أنحاء البلاد.»١٠٤
حقًّا لقد صارت النساء عاقرات، وانقطع الحمل، وأصبح الإله «خنوم» لا يسوي الناس بعدُ، بسبب حالة الأرض١٠٥ المضطربة.
حقًّا لقد أصبح المعوزون الآن يمتلكون أشياء جميلة، ومَن كان يخصف نعليه فيما مضى أصبح صاحب ثروة.
حقًّا إن أرقاء الرجال أضحت قلوبهم في حزن١٠٦ وأصبح العظماء لا يشاطرون أهليهم أفراحهم (؟).
حقًّا إن القلب لثائر، والوباء قد انبثَّ في كل الأرض، والدم صار في كل مكان … ولفائف الموميات تتكلم، وإن لم يقترب الإنسان منها.
حقًّا لقد دُفِن رجال عديدون في النهر، فأصبح النهر قبرًا، وصار المكان الطاهر١٠٧ مجرى.
حقًّا لقد أصبح الحزن يملأ (قلوب) أصحاب الأصل الرفيع، أما الفقراء فقد امتلئوا سرورًا، وأضحت كل بلدة تقول: فَلْنُقْصِ القويَّ من بيننا.
حقًّا لقد أصبح منظر الناس كمنظر طير «جم»،١٠٨ والقاذورات منتشرة في كل البلاد، ولا يوجد امرؤ بملابس بيضاء في هذا الوقت.
حقًّا لقد أصبحت الأرض تدور كعجلة صانع الفخار، وصار اللص صاحب ثروة (ثم يأتي بيت ممزق).
حقًّا لقد تحوَّلَ النهر دمًا، فهل يشرب الإنسان منه؟ إنه يعافه بوصفه آدميًّا؛ (لأن) الإنسان يظمأ للماء.
حقًّا إن (البوابات) والعمد والجدران قد التهمتها النيران، (ومع ذلك) فإن حجرة (؟) قصر الملك لا تزال باقية، وواقفة ثابتة.
حقًّا لقد أصبحت سفينة الجنوب١٠٩ شاردة (؟)، ودُمِّرَتِ البلاد، وصار الوجه القبلي صحراء خاوية (؟).
حقًّا لقد أصبحت التماسيح في تخمة بما قد سلبت؛ إذ يذهب الناس إليها عن طيب خاطر، وحالة البلاد أصبحت سيئة … ويقول القوم: لا تدوسوا هنا، ولكنهم يدوسون هناك كأنما هناك سمك؛ لأن الرجل الجبان ينقلب غايةً في الغباوة من الرعب.
حقًّا لقد أصبح الناس قليلين، على أن مَن يدفن أخاه في الأرض يرى في كل مكان،١١٠ وبعد أن يتكلم المرتل يهرب على الفور.
حقًّا لقد أصبح ابن سلالة المجد لا يعرف (؟)، وأصبح ابن زوجته ابن خادمته١١١ (؟).
حقًّا لقد أصبحت الأرض الحمراء١١٢ منتشرة في كل البلاد، وخربت المنازل، ونزل قوم أغراب من الخارج إلى مصر.١١٣ «البيت التالي ينتهي»: «ولا رجال في أي مكان.»١١٤
حقًّا إن الذهب واللازورد والفضة والياقوت والكرنيليان والبرنز والمرمر و… تحلي جِيد الجواري، والسيدات النبيلات (؟) يمشين في طول البلاد، وربات الخدور يقلن: ليت عندنا بعض الشيء لنأكل.١١٥
حقًّا فإن … أعضاء السيدات في حالة يُرثَى لها؛ إذ يرتدين الخرق البالية، وقلوبهن تنفطر حينما يُحيِّين.١١٦
حقًّا فإن صناديق الأبانوس تُكسر، وخشب «سسنم» الثمين يُقطع قطعًا للأسرة (؟).
حقًّا لقد أصبح بنَّاءو الأهرام عمَّالًا في الحقول، والذين كانوا في سفينة الإله أصبحوا تحت نير واحد،١١٧ ولا يسيح الناس إلى «جبيل» اليوم،١١٨ وإذا ماذا نصنع للحصول على خشب الأرز اللازم للموميات؟
فالكهنة يدفنون بمستخرجاتها، والأمراء حتى بلاد كفتيو (كريت)١١٩ يُحنَّطون بزيها، فهي لا ترد بعد قط، والذهب قلَّ واﻟ … الذي كان يُستعمَل في كل الحِرَف قد انتهى … وكم يظهر للإنسان عظيمًا عندما يأتي إليه أهل الواحات حاملين محصولاتهم من نبات وطيور.١٢٠
حقًّا فإن «إلفنتين» و«طينة» (؟) وهما من ممتلكات الوجه القبلي، أصبحتا لا تؤديان الضرائب بسبب الحروب الداخلية، وهناك حاجة إلى الفاكهة والفحم وكل أنواع التجارة، وكل ما ينتجه الصنَّاع … فما فائدة وجود بيت مال بدون دخل؟
ولا شك في أن قلب الملك يسر عندما يقف على الحقيقة،١٢١ فقد دخلت (البلاد) كل مملكة أجنبية، وهذا ماؤنا، وهذه سعادتنا … ولكن ما العمل وكل شيء ينحدر إلى الدمار؟!
حقًّا لقد قُضِي على الفرح، ولم يَعُدْ يقام، بل الحزن هو الذي يتمشى في طول البلاد ممزوجًا بالأسى.
حقًّا فإن الأموات أصبحوا مثل الأحياء (؟) ومَن كانوا مصريين أصبحوا أجانب (؟).
حقًّا لقد سقط شعر كل إنسان؟ وأصبح لا يميز بين ابن الرفيع، وبين ابن مَن لا والد له … والجلبة لم تكن غير متوفرة في سني الجلبة، ولا نهاية للضوضاء.
حقًّا فقد أصبح كل من العظيم والحقير يقول: «ليتني كنتُ ميتًا!» والأطفال الصغار يقولون: «كان يجب عليه ألا يجعلنا على قيد الحياة.»
حقًّا فقد أصبح أولاد الأمراء يضرب الناس بهم عرض الحائط، وأطفال الشهوة يلقون على قارعة الطريق،١٢٢ وأصبح الإله «خنوم» يَئِنُّ تعبًا.
حقًّا فإن الذين كانوا في «المكان الطاهر» قد ألقوا على قارعة الطريق، وأصبح سر المحنطين جهرًا.١٢٣
حقًّا فإن ما كان لا يزال يرى حتى الأمس قد دُمِّر، وهُجِرت الأرض لآلامها كما يقتلع الإنسانُ الكتانَ١٢٤ (من أصوله).
حقًّا فإن الدلتا بأجمعها أصبحت غير محمية (كما كانت)، والاعتماد على أرض الشمال أصبح (الآن) طريقًا معبدًا.١٢٥ وماذا يفعل الإنسان؟ … وسيقول الناس حقًّا: لعن المكان الوعر! ولكن انظر فقد أصبح الآن ملكًا على السواء لمَن يجهلونه ومَن يعرفونه، وأصبح الأجانب مَهَرَة في صناعات الدلتا.
حقًّا فإن المواطنين قد أُلقِي بهم على أحجار الطواحين، وهؤلاء الذين كانوا يرتدون الكتان الجميل أصبحوا يضربون … واللائي لم يشاهدن نور النهار قد خرجن …١٢٦ واللائي كُنَّ على أسِرَّة أزواجهن، أصبحن ينمن على مضاجع مقضة … وأصبحت السيدات يتألمن مثل الإماء، ومغنيات الخدور أصبحت أغانيهن لإلهة الغناء أنشودة حزن، والقاصون … يجلسون على أحجار الطواحين.١٢٧
حقًّا فقد أصبحت الخادمات من الإماء يوجهن ألسنتهن حيث شئن،١٢٨ وعندما تتكلم سيداتهن فإن ذلك يكون مملًّا لإمائهن.
حقًّا … وسيقول الناس حينما يسمعونها: «لقد أتلف الفطير لمعظم (؟) الأطفال، وليس هناك طعام لأجل … فما طعم هذا اليوم؟»
حقًّا فقد أصبح الحكام جياعًا وفي بؤس …
حقًّا فإن الرجل الأحمق يقول: «إذا عرفت أين يوجد الإله، فإني أقدِّم له قربانًا.» (لقد أصبح الصدق كذبًا في الأرض، والحصاد قد اغتصب كل متاعه.)
حقًّا فإن كل قلوب الماشية تبكي، والقطعان تندب حالة البلاد.
حقًّا لقد أصبح أبناء الأمراء يضرب بهم القوم عرض الحائط، والأطفال الذين كانوا محبوبين قد ألقي بهم على قارعة الطريق، والإله «خنوم» يشكو بسبب إعيائه.١٢٩

بيت مبهم:

حقًّا لقد … عمت الوقاحة (في كل البلاد) عند كل الناس،١٣٠ والرجل يقتل أخاه من أمه، فما العمل في ذلك؟ …
حقًّا لقد أصبحت الطرق … والشوارع تحرس١٣١ والناس يختبئون في الأعشاب؛ حتى يأتي المسافر في ظلام الليل ليسلبوا منه حمله، وما عليه يُسرَق، ويُضرَب بالعصا حتى ينقطع نفسه، ثم يُذبَح ظلمًا.
وفي الحق لقد دُمِّر ما كان مرئيًّا بالأمس، وقد تُرِكت الأرض لمتاعبها، كما يقتلع الإنسان منها الكتان،١٣٢ والفقير … في شجى … ليت آخِر الناس يكون قد حلَّ، فلا حمل ولا ولادة! ليت العالم يتخلَّص من الغوغاء وتنفضُّ المشاحنات!
وفي الحق لقد أصبح القوم يعيشون على الحشائش ويشربون الماء، وقد أصبحت الطيور ولا فاكهة ولا أعشاب تأكل منها، وقد أصبحت القاذورات تُختطَف من أفواه الخنازير دون أن يقال (كما كان يقال في الزمن السالف): «هذا أحسن لك مما هو لي.» لأن القوم صاروا جياعًا.١٣٣
وفي الحق قد انعدمت الغلال في كل مكان، وجُرِّد القوم من الملابس والعطر والزيت، وصار كل إنسان يقول: «لم يبقَ شيء.» وصار المخزن خلوًّا، وحارسه قد أصبح ملقى على الأرض، وإن ذلك ليس بالأمر السار لقلبي، وليت في مقدوري أن أرفع صوتي في هذه الآونة؛ حتى كان يخلصني من الألم الذي أنا فيه الآن!١٣٤
وفي الحق لقد سُلِبت كتابات قاعة المحاكمة الفاخرة، وأصبح المكان السري مكشوفًا …
وفي الحق لقد أذيع سر التعاويذ السحرية، وصارت لا أثر لها (؟) لأن القوم قد حفظوها في أذهانهم.١٣٥
وفي الحق لقد فُتِحت الإدارات العامة، ونُهِبت قوائمها، وصار العبيد أصحاب عبيد.١٣٦
وفي الحق لقد ذُبِح الموظفون وسُلِبتْ قوائمهم، فتعسًا لي بسبب البؤس في مثل هذا الزمن!
وفي الحق لقد دُمِّرت دفاتر كتَّاب الحقيبة، وأصبحت غلال مصر ملكًا مشاعًا.١٣٧
وفي الحق لقد وُضِعت قوانين قاعة المحاكمة في البهو، وصار القوم يطئونها في الطرقات، ويمزِّقها الفقراء في الأزِقَّة.
وفي الحق لقد وصل الفقير إلى مرتبة الآلهة التسعة، وإجراءات بيت الثلاثين قد أُفشِيت.١٣٨
وفي الحق لقد أصبحت قاعة العدل العظمى مكتظة،١٣٩ والفقراء يروحون ويجيئون في البيوت العظيمة.١٤٠
وفي الحق لقد أصبح أولاد الحكَّام يلقون في الشوارع، ومَن كان صاحب معرفة يقول: نعم، والجاهل يقول: لا، فالذي لا علم له يظهر ذلك عنده حسنًا.١٤١
وفي الحق أصبح أولئك الذين كانوا في «المكان الطاهر» يلقون على قارعة الطريق، وصار سر المحنطين مكشوفًا.١٤٢

الشعر الثاني

إن المصائب التي يتحدَّث عنها هذا الشعر تفوَّق بمراحل، تلك التي كان يُشتكَى منها فيما سبق؛ إذ دُمِّرت الملكية، وأصبح الشعب هو القابض على زمام الأمور تمامًا، وقد نوَّهَ مرارًا بأن سَفَلَة القوم أصبحوا من أهل اليسار، على حين أن علية القوم قد انحطوا إلى حضيض البؤس.

وكما أن الشعر الأول يبتدئ كل بيت فيه ﺑ «حقًّا فقد»، أو «وفي الحق»؛ ليصور لنا حقيقة معلومة قد وقعت، فإن الشعر الثاني يبتدئ بتكرار كلمة «انظر»؛ ليضع أمامنا بجلاء حوادث قد حدثت في الحال، أو لا يزال جاريًا وقوعها.

انظر! إن النار قد اشتعل لهيبها عاليًا، ويندلع شررها ضد أعداء البلاد.
انظر! لقد حدثت أمور لم تحدث منذ زمن بعيد مضى؛ إذ اختطف الفقراء الملك.١٤٣
انظر! إن الذي دُفِن كصقر١٤٤ أصبح يرقد على نعش، وما خبَّأه الأهرام١٤٥ قد أصبح خلوًّا.
انظر! لقد تجاسر بعض الخوارج فحرموا البلاد الملكية.
انظر! لقد آلَ الأمر إلى أن يُظهِر الناس العداءَ للصل١٤٦ (حامي؟) رع الذي جعل الأرضين في سلام.
انظر! إن سر الأرض الذي لا يعرف أحد حدوده١٤٧ قد أفشي، وأصبح مقر الملك رأسًا على عقب في لحظة.
انظر! إن مصر قد أصبحت تصب الماء، ومَن كان يصب الماء على الأرض … وقد قبض على الرجل القوي، وهو في بؤس (صبُّ الماء كان يقوم به الفقراءُ من الناس).
انظر! إن الحية «كرحت»١٤٨ قد أخذت من وكرها، وبذلك أفشي سر ملوك الوجه القبلي والبحري.
انظر! إن مقر الملك خائف لاحتياجه، واﻟ … وسيحدث الاضطراب، وليست هناك مقاومة.
انظر! إن الأرض ملأى بالعصابات، والرجل القوي يغتصب التعساءُ متاعَه.١٤٩
انظر! إن الحية «كرحت» … المتعبين،١٥٠ ومَن لم يكن في مقدوره أن يصنع لنفسه تابوتًا أصبح يملك قبرًا.١٥١
انظر! إن أرباب المقابر١٥٢ (المكان الطاهر) قد أُلقِيَ بهم على قارعة الطريق، وذلك الذي لم يكن في مقدوره أن يصنع لنفسه كفنًا أصبح الآن صاحب ثروة (؟).
انظر! لقد حدث هذا بين الناس؛ فمَن لم يكن في قدرته أن يقيم حجرة أصبح الآن يملك فناءً مسوَّرًا.
انظر! إن قضاة البلاد قد طُرِدوا في طول الأرض … طُرِدوا من بيوت الملوك.
انظر! إن العقيلات الشريفات يرقدن على الفراش الخشن، والأمراء ينامون في المخزن، ومن لم يكن ميسورًا له أن ينام على الجدران أصبح صاحب سرير.
انظر! إن الرجل الغني أصبح يمضي الليل وهو ظمآن، ومَن كان يستجدي منه الحثالة أصبح يملك الجعة القوية.١٥٣
انظر! إن أولئك الذين كانوا يملكون الملابس أصبحوا في خرق بالية، ومَن كان لا ينسج لنفسه أصبح الآن يملك الكتان الجميل.
انظر! إن الذي لم يبنِ قطُّ لنفسه قاربًا أصبح الآن يملك سفنًا، وأصبح صاحبها ينظر إليها، ولكنها لم تَعُدْ ملكه بعدُ.
انظر! إن الذي لم يكن يملك ما يظله من حرارة الشمس أصبح يملك ظلًّا، وهؤلاء الذين كانوا يملكون ما يأويهم أصبحوا الآن عرضةً لزعازع العاصفة.١٥٤
انظر! إن مَن كان يجهل الضرب على العود أصبح يملك عودًا، ومَن كان لا يغني له أحد أصبح الآن يثني على إلهة الغناء.
انظر! إن الذين كانوا يملكون موائد شراب من النحاس أصبح لا يُحلَّى إناء١٥٥ واحد لفرد منهم (؟).
انظر! إن مَن قد نام أعزب بسبب الحاجة أصبح الآن يجد السيدات (؟) …
انظر! إن مَن كان لا يملك شيئًا أصبح ذا ثروة، وأصبح الرجل العظيم١٥٦ يمدحه.
انظر! إن فقراء الأرض أصبحوا أغنياء، ومَن كان يملك متاعًا أصبح لا شيء عنده.
انظر! إن الذين … أصبح لهم طائفة من الخدم، ومَن كان رسولًا أصبح يرسل غيره.
انظر! إن مَن كان لا يملك الخبز أصبح يملك جرينًا، وما يملأ به مخزنه هو متاع غيره.
انظر! إن الأصلع الذي كان لا يستعمل الزيت أصبح يملك أواني العطور الزكية.
انظر! إن مَن كانت لا تملك صندوقًا أصبحت تملك صوانًا، وتلك التي كانت تشاهد وجهها في الماء أصبحت تملك مرآة.

(بيت تُرِك ناقصًا.)

انظر! إن الرجل يصبح سعيدًا حينما يأكل طعامه. أنفِقْ مالك في سرور دون أن تغل يدك! فإنه خير للرجل أن يأكل طعامه، فإن الله يمنحه مَن يمدحه.١٥٧
انظر! إن مَن كان يجهل إلهه أصبح يُقدِّم له قربانًا من بخور آخَر …
انظر! إن السيدات النبيلات والسيدات العظيمات اللائي كُنَّ يملكن متاعًا حسنًا أصبحن يقدمن أولادهن إلى الأسِرَّة.١٥٨
انظر! إن مَن اتخذ سيدة زوجة أصبح والدها يحميه …
انظر! إن أولاد رجال البلاط أصبحوا في خرق بالية … وماشيتهم صارت متاع الناهبين.
انظر! إن القصابين يذبحون الماشية للفقراء …
انظر! إن مَن لم يذبح لنفسه قطُّ أصبح الآن يذبح ثيرانًا …
انظر! إن القصابين يذبحون الإوز الذي يُقدَّم للإله بدلًا من الثيران.١٥٩
انظر! إن الجواري … يقدِّمن الإوز … السيدات …
انظر! إن السيدات الشريفات يهربن … وأطفالهن، ويلقى بأطفالهن خوفًا من الموت.
انظر! إن رؤساء البلاد يهرولون دون أن يكون لهم أي عمل بسبب الحاجة …
انظر! إن الذين كانوا يملكون الأسِرَّة أصبحوا يرقدون على الأرض، وذلك الذي كان ينام في الأوساخ أصبح يملك الآن سريرًا.
انظر! إن السيدات الشريفات قد أصبحن جائعات؛ ولكن القصابين أصبحوا في كِظَّة متخمين من الشبع بما يعملونه.١٦٠
انظر! فإن الوظائف ليست في موضعها الصحيح مثل القطيع المذعور الذي لا راعي له.
انظر! إن الماشية قد تُرِكت تضل سبيلها، ولا إنسان يجمعها ويلم شعثها، فكل إنسان يذهب ويأخذ لنفسه منها ويسمها باسمه (أي يُعلِّمها).
انظر! إن الرجل يذبح بجوار أخيه فيتركه وحيدًا لينجِّي نفسه.
انظر! إن مَن كان يملك زوج ثيران أصبح يملك أزواجًا، ومَن لم يكن في مقدوره أن يحصل على ثيران للحرث أصبح يملك قطعانًا.
انظر! إن الذي لم يكن يملك حبة أصبح الآن يملك أجرانًا، ومَن كان يبحث لنفسه عن صدقات من القمح أصبح الآن يخرج من مخازنه ويجعلها تُوزَّع.
انظر! إن مَن كان لا يملك أتباعًا أصبح رب عبيد، ومَن كان من علية القوم أصبح الآن ينفذ أوامر غيره.
انظر! إن عظماء الأرض أصبحوا ولا أحد يخبرهم عن حالة عامة الشعب، وكل شيء آيل للخراب!
انظر! لا صانع يعمل، والعدو يحرم البلاد حِرَفها.
انظر! إن مَن حصد المحصول لا يعرف عنه شيئًا، ومَن لا يحرث لنفسه يملأ مخزنه … وإن الحصاد يحرث، ولكن لم يُذكر عنه شيء، والكاتب يجلس في مكتبه، ولكن يديه لا تعملان شيئًا! …

الشعر الثالث والرابع

(بعض أبيات ناقصة وممزَّقة، كل منها يبتدئ بكلمة «مدمر»، وفي الفقرة التي قبل الآخر يمكن أن تفهم ما يأتي)، الرجل الفقير يستيقظ عندما ينبثق نور النهار عليه دون أن يخافه، وإنها لخيام قد صنعوها مثل المتوحشين.

(والبيت الأخير): لقد أتلف تنفيذ ما أرسل من أجله الخدم بأمر من أسيادهم، فإنهم أصبحوا غير وجلين.

انظر! إنهم كانوا خمسة رجال،١٦١ وهم يقولون: اذهبوا أنتم على الطريق الذي تعرفونه، أما نحن فقد وصلنا (إلى موطننا).

(وتتبع ذلك فقرة منفردة.)

إن الدلتا تبكي ومخزن الملك أصبح ملكًا مشاعًا لكل فرد، ولا ضرائب تجبى للقصر كله، ومع ذلك فإن له قانونًا شعيرًا وقمحًا ودجاجًا وسمكًا، يملك المنسوج الأبيض، والتيل الجميل، والنحاس، والزيت، ويملك الحصير والبُسُط … ومحفة وكل المحاصيل الجميلة … فإذا لم يعلن ذلك إلى الآن في القصر فحينئذٍ …

أما الشعر الرابع الذي لم يبقَ منه إلا نتف فإن ستة الأبيات التي يحتويها يبتدئ كل منها ﺑ: دَمِّرْ أعداء المقر الملكي العظيم. (ومن ذلك يستنتج أنه يحتوي بلا شك على الأمر بمقاومتهم.)

وقد نعت هنا مقر الملك بصفات مثل صاحب الموظفين المتفوقين، وصاحب القوانين العدة، وصاحب الوظائف العدة، وفي البيت الأول يمكن قراءة الكلمات الآتية: المشرف على العاصمة، يخرج بدون شرطة.

الشعر الخامس

نجد فيه ثمانية أبيات أو أكثر تبتدئ بكلمة «تذكَّرْ»، وهي خاصة بعبادة الآلهة، وكيف كانت تُعبَد فيما مضى، وما سيئول إليه أمرها في المستقبل.

وكل ما يمكن أن يقال عن البيت الأول أنه يذكر فردًا في ألم، ويذكر كذلك إلهه.

تذكَّرْ … كيف يُضمَخ بالبخور، والماء يُقدَّم من إبريق في فلق الصبح.
تذكَّرْ كيف تُجلَب الإوز سمينة، ويُقَرَّبُ الإوز والبط والقرابين الإلهية إلى الآلهة.
تذكَّرْ كيف كان يُمضَغ النطرون١٦٢ ويُجهَّز الخبز الأبيض في اليوم الذي يبلل فيه الرأس.١٦٣
تذكَّرْ كيف كانت تُنصب الأعلام،١٦٤ وتُنقَش ألواح القربان، وكيف كان الكهنة يطهرون المعابد، ويبيض بيت الله كاللبن، وكيف كان يُعطر الأفق١٦٥ ويخلد القربان من الخبز.
تذكَّرْ كيف كانت تُرعَى الأنظمة، وتُوزَّع أيام الشهر، ويُعزَل الكهنة الأشرار (؟).
تذكَّرْ كيف كانت الثيران تُذبَح …

(وفي الأبيات الختامية الممزَّقة نقرأ من بين ما جاء فيها): وُضِعت الإوز على النار (طبعًا ضحية).

يتلو ذلك فقرة طويلة فيها يخاطب الحكيم نفسه أولًا ثم أشخاصًا كثيرين، ولم يُفهَم مما حُفِظ إلا:

انظر! أين يبحث هو ليسوي البشر؟ دون أن يُميز الرجل الخجول من الرجل الأحمق، وهو يجلب البرودة إلى اللهيب، ويقال عنه إنه راعي الإنسانية ولا يحمل في قلبه شرًّا، وحينما تكون قطعانه قليلة العدد فإنه يصرف يومه في جمع بعضها إلى بعض، وقلوبها محمومة (من الحزن).
وليته عرف أخلاقها في الجيل الأول، فعندئذٍ كان في مقدوره أن يضرب١٦٦ الشر، وكان في قدرته أن يمدَّ ذراعه (يعني الشر)، وكان في مقدوره أن يقضي على بذرتهم هناك وعلى وراثتهم، فأين هو اليوم؟ هل هو بطريق الصدفة ينام؟»١٦٧
انظر! إن بأسه لا يُرَى

إذ عندما نلقى في الحزن فإني لم أجدك، ولم أُنادِ …

(وبعد عدة فجوات طويلة يصير المتن ثانيًا مفهومًا.)
إن القيادة والفطنة والصدق معك،١٦٨ غير أن ما تبثه في طول البلاد هو الفوضى وغوغاء الذين يتخاصمون. انظر! إن الفرد يرمي الآخَر … وإذا سافر ثلاثة رجال على طريق واحد فلا يوجد منهم إلا اثنان؛ إذ إن العدد الأكبر يذبح العدد الأصغر، أيوجد راعٍ يحب الموت؟»١٦٩
ولكنك ستأمر أن تجاب … فالأكاذيب تُتلَى عليك، والبلاد قش ملتهب،١٧٠ والناس لا يعتمدون على الشجار، وكل هذه الأعوام ارتباك، فالرجل يُقتَل على سطح بيته حينما يكون مراقبًا في حدود منزله، ولكن إذا كان قويًّا فإنه ينجِّي نفسه ويبقى حيًّا، (والناس يرسلون خادمًا لرجل فقير فيمشي على الطريق إلى أن يرى الفيضان (؟)، (ثم يسرق هناك؟) فيقف مبتئسًا (؟) ويسرق ما عليه، ثم يضرب بالعصا إلى أن ينقطع منه النفس ويُذبَح ظلمًا.١٧١
ليتك تذوق بعض هذا البؤس بنفسك، وعندئذٍ يمكنك أن تقول …

الشعر السادس

(وصف للوقت السعيد الذي يحفظه المستقبل.)
على أنه من الخير عندما تسير المراكب جنوبًا …

(بيت مهشم.)

على أنه من الخير أن تنصب الشباك وتمسك الطيور …١٧٢

(بيت يحتمل أنه خاص بالطرق.)

على أنه من الخير أن تشيد أيدي الناس الأهرام، وتحفر البرك، وتنشئ للآلهة مزارع فيها أشجار.
على أنه من الخير أن يكون الناس سكارى، وأن يشربوا …١٧٣ فرحي القلب.
على أنه من الخير أن يكون السرور في أفواه القوم، وحكَّام المراكز يقفون وينظرون إلى الأفراح في بيوتهم (؟) وهم مرتدون جميل الملابس …
على أنه من الخير أن تكون الأسرة وثيرة، ووسادات١٧٤ العظماء محمية بالتعاويذ، ورغبة كل إنسان تُحقَّق بسرير مظلل خلف باب مغلق، (فلا يحتاج؟) إلى النوم في الأعشاب.
على أنه من الخير عندما ينشر الكتان الجميل في يوم رأس السنة (؟) …

(وبعد سلسلة فجوات في ورقة البردي تأتي فقرة لا بد أنها كانت تحتوي على جواب الملك الذي يجيب عليه الحكيم بعد ذلك، وفيما حُفِظ من هذه الفقرة يظهر أن ذكر «المقترعين» قد جاء، وأن الشباب قد ثار وهاجم مصر كالأجانب، ثم أراد أهل الجنوب أن يأخذوا بناصر مصر التي هي بمثابة الأخ والأخت.)

… ولا يوجد أحد يقف لحمايتها … وإذا كان أي إنسان يحارب من أجل أخته فإنه يحمي نفسه.١٧٥
والسود يقولون: «سنكون حامين لكم، دَعِ القتال يعظم لِيُقْهَرَ «شعب القوس»، وإذا كان فيهم «تمحو» فعندئذٍ نعيد الكرة.»
وقوم «المتاو» المصادقون لمصر (يقولون؟): كيف يمكن أن يكون هناك رجل يريد أن يقتل أخاه؟!
والجنود الذين نجندهم لنا أصبحوا من شعب القوس الذين أرادوا أن يدمِّروا المكان الذي نبعوا منه، وهم يظهرون للبدو حالة البلاد، غير أن كل البلاد الأجنبية خائفة منهم …

(وبعد فجوة طويلة):

يقول المقترعون …

(الباقي كله مهشم.)

وهذا ما قاله «إبور» عندما أجاب جلالة رب العالمين … على أن تكون جاهلًا به،١٧٦ فإن ذلك أمر يسرُّ القلب، ولقد عملت ما هو صالح في قلوبهم، وقد جعلت الشعب يحيا بينهم،١٧٧ غير أنهم لا يزالون يسترون وجوههم خوفًا من الغد.
واتفق أن وقف مرة رجل مسنٌّ أمام الموت، وكان ابنه لا يزال طفلًا لا إدراك له … ولم يفتح بعدُ فاه ليتكلم إليك، وقد اختطفته بموت محتوم …١٧٨

(وهناك كلمات مفردة لا تزال موجودة تدل على أن الموضوع الذي تحت البحث كان مستمرًّا في سرد حال البلاد: البكاء، واقتحام مقاصير القبور، وإحراق التماثيل.)

(ﺟ) المصادر

المصادر التي اعتمدنا عليها في درس هذا المقال ما يأتي:
  • (1)
    Leyden Papyrus, No. 344.
  • (2)
    Pieper, “Die Agyptische Literatur”, P.P. 23 f.f.
  • (3)
    Peet, “A Comparative study of the Literatures of Egypt, Palestine and Mesopotamia”, P.P. 118-119.
  • (4)
    Breasted, “The Dawn of Conscience”, P.P. 194 f.f.
  • (5)
    Erman, “The Literature of the Ancient Egyptians”, P.P. 92 f.f.
  • (6)
    Gardiner, “The Admonitions of an Egyptian Sage”.

(٢-٤) نبوءة «نفر روهو»

عثر الأستاذ «جولتيشف» على بردية موجودة الآن بمتحف «لننجراد»، وهي تحتوي على نبوءات كاهن مرتل اسمه (نفر روهو)، وهو يدَّعِي أنها أُلقِيت في حضرة الملك «سنفرو» الذي ينتسب إلى أوائل الأسرة الرابعة، أي قبل العصر الإقطاعي الذي نحن بصدده بما يقرب من ألف سنة.

والواقع أن ذلك هو مجرد وضع تمثيلي ليسبغ على كلمات «نفر روهو» الهامة قوة التأثير، ومن حسن الحظ أن كاتبًا آخَر من عهد الدولة الحديثة ممَّن عاشوا في القرن الخامس عشر قبل الميلاد قد ظهرت له أهمية ذلك المقال، حتى إنه لما لم يجد لديه برديًّا أبيض ينقله فيه، أخذ بعض أوراق أخرى مستعملة في تدوين حسابه هو، ونقل تلك النبوءات على ظهرها، وبذلك بقيت نبوءات «نفر روهو» في تلك الصورة التي وصلتنا عفوًا، بما تحتويه من غموض بسبب أغلاطها الكثيرة التي حدثت عند نقلها بطريق المصادفة كما ذكرنا.

والوثيقة تبتدئ بمنظر مألوف في كل عصور التاريخ المصري حتى في النقوش الرسمية، ويصوِّر مقدمة للموضوع، فيجلس الملك مع حاشيته يتشاور في أمر، أو تقص عليه الحاشية حكاية، أو كما نجد في غير هذا المكان أن الملك لحب استطلاعه إلى أمور الغيب تتوق نفسه لسماع شيء لم يكن يعرفه.

فيقول: «والآن اتفق في عهد جلالة الملك «سنفرو»، وهو الملك المحسن في كل هذه الأرض، أن موظفي الحاضرة دخلوا يومًا القصر ليقدموا للملك تحياتهم،١٧٩ ثم جاءوا ثانيةً ليقدِّموا تحياتهم كرة أخرى كما كانت عادتهم اليومية، وعندئذٍ قال الملك لمستشاره الذي كان بجانبه: «اذهب وأحضر إليَّ موظفي مقر الملك الذين خرجوا من هنا اليوم ليقدِّموا تحياتهم.» فدخلوا عليه وسجدوا وانبطحوا على بطونهم أمام جلالته كرة أخرى.

وقال لهم جلالته: «يا إخواني، لقد أمرت بطلبكم لتبحثوا لي عن ابنٍ من أبنائكم يجيد الفهم، أو أخ من إخوتكم بارع، أو صديق من أصدقائكم قد أنجز بعض عمل شريف، أي فرد يتحدث إليَّ بكلمات جميلة وألفاظ مختارة عندما تسمعها جلالتي تجد فيها تسلية.»

وعندئذٍ سجدوا منبطحين على بطونهم في حضرة جلالته مرة أخرى.

وقالوا في حضرة جلالته: «يوجد مرتل عظيم للإلهة «باست»١٨٠ يأيها الملك يا مولانا، واسمه «نفر روهو»، وهو شعبي قوي الساعد وكاتب حاذق الأنامل، وهو شخص مسود أغنى أقرانه، ليته يشاهد جلالتك!»
فقال جلالته: «اذهبوا وأتوني به.» وأُدخِل عليه في الحال١٨١ وسجد على بطنه في حضرة جلالته، وقال جلالته: تعالَ الآن يا «نفر روهو» يا صاحبي وحدثني ببعض كلمات جميلة، كلمات مختارة حينما أسمعها ربما أجد فيها تسلية. فقال المرتل «نفر روهو»: هل ستكون الكلمات من الأمور التي حدثت أو مما سيحدث يأيها الملك يا مولاي؟ فقال جلالته: لا، مما سيحدث؛ إذ إن الحاضر قد دخل في الوجود، ويمر الإنسان به.

ثم مدَّ يده إلى صندوق مواد الكتابة وأخذ قرطاسًا وقلمًا ومدادًا ودوَّن «كتابة ما تحدَّثَ به الكاهن المرتل» «نفر روهو» حكيم الشرق التابع للإلهة «باست» … ابن مقاطعة «عين شمس»، حينما كان يفكِّر فيما سيحدث في الأرض، ويفكِّر في حالة الشرق حينما يأتي الآسيويون بقوتهم، وحينما يعذبون قلوب الحاصدين ويغتصبون ماشيتهم وقت الحرث.»

إن الإشارة للملك «سنفرو» في هذه المقدمة لتنبؤات «نفر روهو» بعبارات تلفت نظر المؤرخ المحقِّق والأديب الفطن، قد أبرزت لنا شخصية هذا الملك وميزته عن فراعنة مصر؛ إذ الواقع أن الأوصاف المعاصرة التي خلفها لنا التاريخ عن هؤلاء الملوك لا تفيد المؤرخ الباحث أو الأديب الناقد في كشف النقاب عن شخصية أي «فرعون» في صورة واضحة جلية، وإنَّا لنرى في هذه الأوصاف والنعوت عقود مدح رسمية متشابهة متوارثة محفوظة عن ظهر قلب، وقد غالى في نظمها وتدبيجها الحاشية الملتفة حول الفرعون، وهي تلك التي نقرؤها في أول كل وثيقة ملكية منقوشة على الأحجار أو مدونة على البردي، وقد تدرجت تلك النعوت في الغلو والصعود بصفات الفرعون حتى جعلوه مؤلَّهًا، وجعلوا صفاته تخرج عن دائرة بني البشر عامةً. على أن هذه المغالاة في الأوصاف لم تقتصر في مصر على عهد الفراعنة، بل تجدها في كل عصور تاريخها، فالحاكم فيها ولو كان خصيًّا أو معتوهًا أو جاهلًا، كان يُوضَع في مرتبة أعلى من مرتبة البشر الذين حوله، وتلك حالة نلحظها متأصلة في كل بلاد الشرق عامةً؛ فلا غرابة إذًا إذا وجدنا في مصر أن اسم الملك كان يطغى على كلِّ مَن حوله من الشخصيات العظيمة فيجعلها مغمورة الذكر، وربما كان لبعضها الفضل في نهوض البلاد وإصلاحها اجتماعيًّا، أو كان لبعض قوَّادها الفضل الأكبر في إحراز النصر على الأعداء.

وقد بقيت الحال كذلك طوال عهد التاريخ المصري القديم من البداية إلى النهاية، على أن هذه الحال كانت نتيجتها في نظر المؤرخ عكسية بالنسبة للملوك؛ إذ ليس في مقدوره أن يصل إلى حقيقة ما قام به كلٌّ منهم فعلًا؛ وذلك لتشابه أعمالهم وصفاتهم التي كانت شبه وراثة.

من أجل ذلك استرعى نظرنا ما قرأناه في وثيقتنا عن «سنفرو» عندما يقول المتن إنه كان ملكًا محسنًا، ثم عندما يخاطب أحد رجال رعيته بقوله: «يا صاحبي»، وحينما يوجِّه الكلام إلى رجال حاشيته مخاطبًا إياهم بقوله: «يا إخواني»، وعندما نراه ينزل عن عليائه الإلهية ويقوم بعمل كاتب، فبدلًا من أن يأمر كاتبه بإحضار الدواة والقلم ليكتب ما يُملَى عليه، يقوم هو بنفسه ويأخذ القلم والقرطاس والدواة ويكتب هو ما يمليه عليه أحد صغار رعيته، كل هذه المشاهد لم نرها تحدث في بلاط فرعون من فراعنة مصر، وإن ملكًا يتصف بهذه الصفات ويتحدَّث إلى رجال شعبه بهذه الوداعة والألفة، لَخليقٌ بأن يُعَدَّ أول ملك شعبي في العالم، ولا غرابة إذًا في أن نرى الشعب المصري قد قابَلَ هذه الروح الديمقراطية بطاعة وإخلاص، فبادَلَ «سنفرو» الحب بالحب والاعتراف بالجميل، وأصبح هذا الحب لذلك الفرعون العظيم ينتقل من جيل إلى جيل طوال التاريخ المصري، ولا أدلَّ على ذلك من أننا لا نجد فرعونًا من فراعنة الدولة القديمة الذين ألَّهَهم الشعب وقدَّسهم، قد استمرت عبادته باقية منتشرة أكثر من الفرعون «سنفرو» الذي استمرت عبادته في أكثر من مدينة مصرية حتى عهد البطالسة؛ هذا إلى أننا نجد اسمه قد رُكِّبَ في اسم كثير من المدن المصرية تركيبًا مزجيًّا، وما ذلك إلا لعِظَم تقديسه واحترامه.

على أنه لا يمكننا أن نَعُدَّ الأحداث التي وصلت إلينا عن طريق التقاليد القومية الموروثة معيارًا صحيحًا نحكم به على أخلاق الفرعون «سنفرو»، ولكن من جهة أخرى قد يكون من الصعب علينا أن نعتبر تلك الميزات التي أبرزت لنا شخصية «سنفرو» — وهي في ذاتها خارجة عن حد المألوف في أخلاق فراعنة مصر — على غير أساس من الصحة. وعلى أية حال فإن التقاليد الشعبية الموروثة إذا لم تصل إلى منزلة الحقائق التاريخية، فإنها تحتل بغير شك المنزلة التي تليها، ولعمري هل كان يقصد حكيمنا «نفر روهو» هنا أن يصف لنا «سنفرو» بهذه الصورة المحببة لقلوب الشعب، ليضرب مثلًا للحاكم الذي كانت تتطلع إليه البلاد وقتئذٍ — كما سيجيء بعدُ في وثيقتنا — ليحذو الملك حذوه في معاملة الشعب بالرحمة والرأفة والحب، ويكون ديمقراطيًّا في معاملتهم بعد ما رأى من احتجاب الفرعون في قصره، في حين كان الخراب والدمار يعم أرجاء البلاد.١٨٢

ثم يصف لنا بعد هذه المقدمة التاريخية التي تنسب لذلك المقال كما أوضحنا، الخراب والفوضى اللذين كان يحيطان به، ومثله في ذلك خعخبر رع سنب.

إذ يتكلم مع قلبه فنراه يقول: «أنصت يا قلبي وانعَ تلك الأرض التي منها نشأتَ …

(أ) المتن

لقد أصبحت تلك البلاد خرابًا فلا مَن يهتم بها، ولا مَن يتكلم عنها، ولا مَن يذرف الدمع، فأية حال تلك التي عليها البلاد؟ لقد حُجِبت الشمس فلا تضيء حتى يبصر الناس.

وقد كان من نتيجة تعطيل أعمال الري العظيمة العامة أن أصبح نيل مصر جافًّا، فيمكن للإنسان أن يخوضه بالقدم، وصار الإنسان عندما يريد أن يبحث عن ماء (يعني النهر) لتجري عليه السفن، وجد طريقه قد صار شاطئًا، والشاطئ صار ماءً، وكل طيب قد اختفى، وصارت البلاد طريحة الشقاء بسبب طعام البدو والذين يغزون البلاد، وظهر الأعداء في مصر فانحدر الآسيويون إلى مصر … وسأريك البلاد وهي مغزوة تتألم. وقد حدث في البلاد ما لم يحدث قطُّ من قبلُ … فالرجل يجلس في عقر داره موليًا ظهره عندما يكون الآخَر يُذبَح بجواره … وسأريك الابن صار مثل العدو، والأخ صار خصمًا، والرجل يذبح والده، وكل فم ملؤه أحببنى (صياح المتكفف؟) وكل الأشياء الطيبة قد ذهبت، والبلاد تحتضر … وأملاك الرجل تُغتصَب منه وُتعطَى الأجنبي … وسأريك أن المالك صار في حاجة، والأجنبي في غنى … وأن الأرض قد نقصت، وقد تضاعف حكَّامها، وصارت الحياة شحيحة مع أن المكيال صار كبيرًا، وتكال الحبوب (أي بجابي الضرائب) حتى يطفح الكيل. سأريك البلاد، وقد صارت مغزوة تتألم، وإن منطقة «عين شمس» لن تصير بعدُ مكان ولادة كل إله.

وبعد ذلك يتحول «نفر روهو» من غير تردُّد أو شك عن تلك الصورة التي يصف فيها القحط الذي وقعت فيه البلاد، مناديًا بالكلمات التالية الهامة، داعيًا لظهور الملك الذي سيخلِّص مصر مما حاق بها؛ إذ يقول:

سيأتي ملك من الجنوب اسمه «أميني»، وهو ابن امرأة نوبية الأصل، وقد وُلِد في الوجه القبلي، وسيتسلَّم التاج الأبيض، وسيلبس التاج الأحمر، فيوحِّد البلاد بذلك التاج المزدوج، وسينشر السلام في الأرضين (يعني مصر) فيحبه أهلها … وسيفرح أهل زمانه، وسيجعل ابن الإنسان يبقى أبد الآبدين، أما الذين كانوا قد تآمروا على الشر ودبَّروا الفتنة، فقد أخرسوا أفواههم خوفًا منه، والآسيويون سيُقتَلون بسيفه، واللوبيون سيُحرَقون بلهيبه، والثوار سيستسلمون لنصائحه، والعصاة إلى بطشه، وسيخضع المتمردون للصلِّ الذي على جبينه … وسيقيمون (سور الحاكم) حتى لا يتمكَّن الآسيويون من أن يغزوا مصر، وسيستجدون الماء حسب طريقتهم التقليدية لأجل أن تردها أنعامهم، والعدالة ستعود إلى مكانها، والظلم يُنفَى من الأرض. فليبتهج مَن سيراها ومَن سيكون من نصيبه خدمة ذلك الملك.

فظهور الملك المخلص للبلاد بالفعل، ومجيئه كان هو الأمل الذي ينشده الحكيم «إبور»، ثم عرَّف ذلك الملك «نفر روهو» بالاسم ورسم كتابة الاسم «أميني» الذي استعمله «نفر روهو»، وهو اختصار مشهور للاسم الكامل «أمنمحات»، وهو بالبداهة المؤسس العظيم للأسرة الثانية عشرة، والمصلح الذي أعاد توطيد سلطان مصر في العهد الإقطاعي حوالي ٢٠٠٠ سنة ق.م، وقد ذكر عنه في نقش تاريخي بعد ذلك العصر بثلاثة أجيال بشكل بارز: «أنه قد محا الظلم؛ لأنه أحب العدل كثيرًا (يعني «ماعت»)،١٨٣ وقد كان عرافنا هنا واثقًا من أن بطله «أمنمحات» سيستولي على التاجين اللذين يرمزان لحكومة البلاد المتحدة مصر السفلى ومصر العليا، وأنه سيفتح عصرًا جديدًا، غير أنه يرجئ الإصلاح العظيم على وجه عام إلى المستقبل، وذلك يضع أمامنا سؤالًا جديدًا وهو: هل هذا التأكيد القوي مجرد نبوءة، عن حادثة قبل وقوعها؟ وهل كان ذلك إعلانًا ينمُّ عن الظفر يلقاه بطل منتصر قد نجح نجاحًا عظيمًا في إصلاح مصر العليا؛ حتى إن انتصاره النهائي وإصلاحه لكل مصر كان متوقَّعًا حدوثه؟ أو هل كان «نفر روهو» مرسلًا من قِبَل «أمنمحات» إلى مصر السفلى ليعلن قدومه إليها؟ أو هل كان كأي شخص من أنصار «أمنمحات» قد عظَّم إصلاحاته فصوَّره بصورة تبرزها إذا قاسها بما صارت إليه البلاد من الدمار والخراب قبل مجيئه؟
وإنه لمن المستحيل أن يعطى الإنسان جوابًا شافيًا عن تلك الأسئلة، ولكن يظهر أنه يوجد سبب قوي يدعونا إلى الاعتقاد بأن «نفر روهو» كان حقيقة محاطًا في زمنه بالخراب الذي صوَّره لنا بصورة حقيقية، وأن تاريخ حياة «أمنمحات» الذي كان رائده النجاح في مصر العليا قد جعل الأمل بنجاحه في إعادة وحدة البلاد إلى ما كانت عليه، وإرجاع مجدها القديم متوقَّعًا. ومن المدهش حقًّا أن «نفر روهو» يذكر لنا هنا صراحةً أن الفرعون الجديد ليس من سلالة البيت المالك القديم، ولا شك في أنه كان هناك مطالبون بالعرش في البلاد، أو مدَّعون له كثيرون، فظهور مُطالِب آخَر مثل «أمنمحات» ليس بالأمر الغريب. على أن تسمية «أمنمحات» (بابن الإنسان)١٨٤ كما ذكر ذلك فيما سلف على لسان ذلك المتنبئ، يلفت نظرنا، كما يوحي إلينا في الحال بوجود علاقات بين هذه التسمية، والتسمية التي تُطلَق على المسيح — عليه السلام — إذ إن ذلك التعبير قد استُعمِلَ في النصيحة الموجَّهَة إلى «مريكارع»؛ ليدل على «ابن رجل ذي أهمية»، وقد جرى في بلاد بابل القديمة استعمال تعبير مشابه لذلك التعبير. وذلك الإعلان الذي أعلنه ذلك المتنبئ يشمل القيام بعملين يتعهَّد بإنجازهما مليكه، وهما من الأهمية للشعب البائس في مصر الطريحة بمكان، وهذان العملان هما:
  • أولًا: القضاء على المغيرين، وأَخْذ العدة لدفع الغارات المقبلة.
  • ثانيًا: إصلاح النظام الداخلي.

(فسور الحاكم) الذي سبق ذكره كان قلعة قديمة لحماية الدلتا الشرقية، وكان واقعًا على التخوم الآسيوية، وقد بُنِي لحراسة الطريق من آسيا إلى مصر في عهد بناة الأهرام، وقد أعلن «نفر روهو» أن الملك سيُعِيده كما كان من قبلُ.

والصور التي رسمها لنا ذلك المتنبئ عن الحالة التي نتجت عن دخول الآسيويين، تذكِّرنا بما ورد في الرواية العبرانية الخاصة برحلة دخول أجدادهم إلى مصر.

أما إعلان الإصلاح الذي حدث في النظام الداخلي، فإنه يسترعي الأنظار لقصره وبساطته؛ إذ يقول: «إن العدالة ستعود إلى مكانها، والظلم سينبذ بعيدًا.» فكانت إذن «ماعت» القديمة هي التي سيعيدها الملك الجديد في شكل نظام ثابت يكون رقيبًا ومهيمنًا على حياة الشعب المصري الاجتماعية.

وقد رجع إلى «ماعت» — وهي ذلك النظام القديم الذي مكث ألف سنة مرشدًا ومهيمنًا على الحاكم وحكومته — سلطانها مرة أخرى من جديد.

ومن المحتمل أن الابتهاج الذي يُظهِره ذلك المتنبئ العتيق كان يعني المثُل العليا القديمة للأخلاق الفاضلة والسعادة القويمة، غير أن تلك الحالة كانت — مع الأسف — بعيدة عن الحقيقة الواقعة؛ فإن «أمنمحات» — وهو من كبار الإداريين في العالم القديم، وكان قد وهبه الله فطنة عظيمة حتى أعاد بلا نزاع ذلك النظام القديم بقدر ما سمحت له الأحوال — قد حتمت عليه الظروف أن يتخيَّر عمَّاله وموظَّفيه لإدارة شئون البلاد من بين أولئك الرجال الذين ترعرعوا ونشئوا في عهد ذلك الانحطاط الذي جاء عقب عصر الأهرام، وأُشرِبت قلوبهم حب الفوضى والفساد، مما أدى إلى قتله ونصحه لابنه بعد موته بألا يعتمد على أحد كما فصلنا من قبلُ.

(ب) المصادر

أهم المصادر التي يُرجَع إليها في دراسة هذا المقال ما يأتي:
  • (1)
    Papyrus Petersburg No. 1116 B (recto).
  • (2)
    Pieper, “Die Agyptische Literatur”, P. 15.
  • (3)
    Peet, “A Comparative Study of the Literatures of Egypt, Palestine and Mesoptamia”, P.P. 120 f.f.
  • (4)
    Breasted, “The Dawn of Conscience”, P.P. 200 f.f.
  • (5)
    Erman, “The Literature of the Ancient Egyptians”, P.P. 110 f.f.
  • (6)
    Gardiner, “The journal of Egyptain Archeology”, Vol. I P.P. 100 f.f.
  • (7)
    Gunn, “The Journal of Egyptian Archaeology”, Vol. XII (1926), P.P. 250 f.f.
١  وازَنَ العالم «ديفو» بين كل النسخ التي عثر عليها من هذه التعاليم في كتاب خاص E. Devaud Les maximes de Ptah-hotebs, Fseiburg 1916.
٢  يقصد ابنه.
٣  يعني أفقر الفقراء.
٤  يطول عمره؛ أي يُبارَك له فيه لكثرة ما أفاد.
٥  كان المصريون يجلسون عند الأكل على موائد منخفضة، ونظن أن المضيف الممجد كان يجلس على مائدة في الوسط، والضيوف حوله على موائدهم.
٦  (كا) هي تلك القوة الكامنة في الإنسان التي يتوقف عليها سلوكه كما تتبين ذلك هنا؛ ولذلك يجب على الإنسان أثناء المحادثات الاجتماعية أن يتلافَى كلَّ ما يضايق نفس (كا) الآخَر.
٧  يجب أن تكون متحفظًا في حضرة الرجل العظيم؛ لأنك لا تعرف طبائعه.
٨  يبوح بكل ما في صدره.
٩  لقد فصَّلتُ الكلامَ على هذا الموضوع في «مصر القديمة» جزء أول.
١٠  “Chester Beatty Papyrus IV”, Gardiner, “Hieratic Papyri in the British Museum”, Vol. 3, P, 43.
١١  جاء في بحث جديد للأستاذ «جن» (راجع J. E. A. Vol. 27 B. 4 etc أن «أمنمحات» ظهر لابنه في رؤيا صادقة (حلم) بعد موته، وهذا هو الرأي القديم.
١٢  وُجِدت هذه المتون إما على ألواح من الخشب، أو على ورق البردي، أو على شظيات من الحجر الجيري، ومعظم هذه الوثائق كان مدفونًا مع أصحابها.
١٣  قد يحتمل أن كل وظيفة يشغلها لها صلة بالبلاط، وعلى ذلك فللكاتب نصيب قبل غيره في الأرزاق التي تُوزَّع هناك.
١٤  لا شك أن حكيمنا يبالغ في هذه الصورة التي يضعها أمام ابنه؛ لأنه مما لا شك فيه أن بعض أصحاب هذه الحِرَف كان يحب مهنته لذاتها، وإلا لما وصلت إلينا تلك القطع الفنية النادرة في إتقانها من أيدى هؤلاء الصنَّاع.
١٥  أي إنه يأكل أثناء عمله، وهذا ما نشاهده الآن في القرى المصرية.
١٦  لأن أولاده يكونون قد قسموا ملكه؛ ظنًّا منهم أنه قد مات في طريقه.
١٧  تؤلِّف الطيور المتنقلة عنصرًا هامًّا في طعام المصريين.
١٨  هذه الفكرة هي الغرض الذي يرمي إليه الكاتب من كل أقواله.
١٩  يظهر أن «رننوت» ربة الحصاد كان لها علاقة بعادة نعرفها من التماثيل؛ وذلك أن يكتب الإنسان اسم سيده بطريقة «الوسم» أو الوشم على الجزء العلوى من الذراع، وبذلك يكون الكاتب ملكًا للآلهة التي تمده بالخير الوفير.
٢٠  أي تفكِّرون فيها دائمًا.
٢١  يعني أن نفس الحياة الذي يعطي الجسم حرارة يخرج من الأنف، فإذا انقطع أصبح الأنف باردًا وذهبت الحياة عنه.
٢٢  الذي ينطق بأوامره.
٢٣  كما أن خنوم يسوي الأجسام فهو كذلك ينشئ العظماء.
٢٤  باستت هي الإلهة الشفيقة لها رأس قطة، أما «سخمت» فهي الإلهة المرعبة ولها رأس أسد.
٢٥  راجع Hieratic Papyri in the British Museum Vol. 1 Text P. 50 حيث نجد أن أحد كتَّاب عصر الرعامسة قد اقتبس هذه الفقرة وغيرها ووضعها بحذق في صورة رسالة لابنه.
٢٦  في هذه النصيحة إشارة لما تلاقيه الأم من ألم الغيرة عندما يتزوج ابنها، وتلك سُنَّة طبيعية تجدها في كل زمان ومكان.
٢٧  قد جاء في القرآن الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا الآية.
٢٨  وهذا ما يقابل عند المسلمين قول الإنسان: «حَرَمًا».
٢٩  ومعنى هذه الفقرة: أن الولد يقول لوالده: لا تغالِ في طلباتك، وإلا فإنه رغم أني أفعل حكمتك في فمي، فلن يتسنى لي أن أعمل حسبما جاء فيها.
٣٠  ويقصد الكاتب أن الإنسان يمكنه أن يثقف كل إنسان وإن كانت النتيجة تختلف. وبقي أن نعرف هل هذا الحكيم يفضِّل السوط الجميل أو اللوح؟
٣١  Journal of Egyptian Archeology Vol. XII P. 193.
٣٢  معنى السطرين الخامس والسادس هو المقصود من كل هذه النصائح.
٣٣  معنى السطرين الخامس والسادس هو المقصود من كل هذه النصائح.
٣٤  يفلح على الأرض أي ينجح في حياته.
٣٥  يقصد بهذه الجملة أن قلبه يساعده على الاحتفاظ بسكينة وكرامة، وما يستحق الذكر هنا أنه منذ النصف الثاني من عهد الدولة الحديثة كان الجعران الجنازي، وهو الجعران الذي كان يُوضَع مكان قلب الميت ليمثِّله يُوضَع في حلية على شكل محراب ويتدلَّى على الصدر.
٣٦  يعود ضمير الغائب في «يبعده» على القلب الذي يقوده بعيدًا عن الشر.
٣٧  فم الناس أي ألسنة السوء.
٣٨  يبدو لنا من عنوان هذا الكتاب أنه يشتمل على مقطوعتين، كل منهما ستة سطور: فالأولى تبشر بالإرشاد إلى الفلاح الدنيوي، والثانية تبشر بالإصلاح الخلقي.
٣٩  هذه الكلمة قد تشير إلى أن المؤلِّف ابن كاتب مصري أي «كانخت»، أو إلى كتابه كأنه ثمرة كاتب مصري، وفي هذه الحالة الأخيرة يؤكد المعنى بمقابلته بالجملة السالفة.
٤٠  مدير مكاييل (واز) وهي عين حورس، وهذا هو الاسم المقدس لمكيال الغلال.
٤١  الجديدة أي المتخلفة عن فيضان النيل.
٤٢  يُلاحَظ في هذا السطر وما بعده أنه أظهر ولاءه للملك، ثم تناول خدماته للآلهة والناس باختصار.
٤٣  السطران السابع والثامن يشيران إلى الموت فقط، ومعناهما أنه صامت ساكت في القبر، وله مدفن حقيقي في «تاور»، وهو المكان المقدس في العرابة المدفونة، وله مدفن تذكاري في «أخميم».
٤٤  اسم بلدة بانوبوليس (إخميم)، وكانت هذه البلدة واقعة على الشاطئ الشرقي للنيل، ويشير المتن إلى موقع مقبرته الهرمية الشكل في غربي «سنوت»، والظاهر أن الضريح كان موضوعًا في مكان في الجهة الأخرى من النهر بعيدًا عن جبَّانات «بانوبوليس» التي كانت منحوتة في صخور الصحراء الشرقية.
٤٥  وصف المؤلف هذا الفصل وصفًا أدبيًّا تحاشى فيه أن يضع الألقاب الرسمية، وإنه لَمِن الصعب جدًّا أن نحدِّد بالدقة ألقابَ هذا المؤلف إلى أن تتسع معلوماتنا عن نظام الحكم في مصر بعد عصر الدولة الحديثة.
٤٦  «وننفر» معناه الكائن الطيب، وهو اسم من أسماء الإله «أوزير».
٤٧  أي حور المبرأ.
٤٨  هذا الفصل مقدمة يكلف فيه التلميذ الانتباه إلى التعاليم.
٤٩  وازِنْ ٢٧: ١٣-١٤ وسِفْر الأمثال فصل ٢٢: ١٧-١٨.
٥٠  يعني في قرارة نفسك.
٥١  أي وستنجح في حياتك. وازِنْ هذين السطرين بما جاء في تعاليم بتاح حتب.
٥٢  قد قُسِّم هذا الفصل أربعة أقسام: فالأول والثاني مقطوعات رباعية، والثالث مركب من ثمانية سطور تصف كيف يقع الرجل الشرير في الخطر المحدق، ويلي ذلك ستة سطور يتبيَّن منها كيف أن الرجل الرحيم ينجي الشرير مقابلًا الإساءة بالإحسان، والقسم الأخير يحتوي على سطرين موضوعهما يظهر في الفصل التالي.
والعلاقة بين هذه الأقسام الأربعة ليست واضحة، إلا أنها تبحث في السلوك وأحوال أخرى مختلفة:
(أ) كن متلطفًا مع الضعيف والمسن.
(ب) تباعد عن الشروع في عمل خاطئ، ولا تجتهدن في تبرير أعمالك الخاطئة.
(ﺟ) كُنْ رحيمًا مع المذنب عندما تنتابه المصائب.
(د) فكِّر قبل الكلام.
٥٣  «فإن المرفأ يفلت منه» أي «وليس جديرًا بإدراك غايته».
٥٤  أي «ونفسه الشريرة تمعن به في سبل الهلاك».
٥٥  أي لا نفعل، فإذا جاء إلينا صار مِنَّا ولا يعمل سوءًا.
٥٦  يتناول هذا الفصل البحث في الحزم عند إجابة الخصم، فهو بذلك تعقيب على السطرين الأخيرين من الفصل السابق.
٥٧  أي ولا تجرحه بالألفاظ.
٥٨  أَطِل التفكير قبل الكلام.
٥٩  ينقسم هذا الفصل إلى مقطوعتين كل منهما تحتوي على ستة سطور، فيهما يقابل بين حظ الرجل الأحمق والرجل الرزين، وكل منهما في خدمة المعبد، فالأول شبه بشجرة برية تُستعمَل لبناء السفن، أو تُحرَق ليصنع منها الفحم.
ويمكن الموازنة بين أوجه الشبه والخلاف في أشخاص يتوكَّلون على الإنسان وعلى الإله بما هو مذكور في نبوءة «أرميا» في الفصل السابع عشر: ٥. «هكذا قال الرب: ملعون الرجل الذي يتوكَّل على البشر، ويجعل اللحم ذراعًا له وقلبه ينصرف عن الرب.» ٦. «إنه يكون كالأثل في البادية، ولا يرى الخير إذا أقبل، بل يسكن الرمضاء في البرية الأرض السبخة التي لا ساكن فيها.» ٧. «مبارك الرجل الذي يتوكَّل على الرب ويكون الرب معتمده» ٨. «إنه يكون كالشجر المغروس على المياه الذي يلقى أصوله في الرطوبة ولا يرى الحر إذا أقبل، بل يبقى ورقه أخضر، وفي سنة القحط لا خوف عليه ولا يكف عن الثمار.»
٦٠  جاء في القرآن الكريم: ضَرَبَ الله مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا الآية.
٦١  ينقسم هذا الفصل إلى ثلاث مقطوعات:
فالمقطوعة الأولى: تحض على احترام أملاك المعبد.
والمقطوعة الثانية: تذكِّر الإنسان بأن الأمور تنقلب كالنيل.
والمقطوعة الثالثة: معناها كُنْ رزينًا وثِقْ بالله.
وقد تكون الفكرة مستمرة، وقد يحتمل أن يزيد دخل العبد أو عمله مما يتوفر منه، ولذلك فإن الرجل المتسرع الذي لا ضمير له لا يتأخر في اختلاسه، ولكن القدر قد يطوح به في الغد.
٦٢  أي يصير ماؤها ضحضاحًا.
٦٣  الفكرة المقصودة هي الخضوع لإرادة «رع».
٦٤  الجزء الأول من هذا الفصل الطويل يحتوي على مقطوعتين، وعلى مقطوعة مزدوجة تحض على عدم اغتصاب أرض الغير بدون حق، ويتلو ذلك مقطوعتان تناولتا البحث في الموضوع مرة أخرى، والجزء الثالث ينصح السامع بأن يرضى بزرع أرضه، وذلك في مقطوعتين يتبعهما مقطوعة على الفقر مع السعادة.
ووجه الشبه كبير بين أمثال هذا الفصل وسِفْر الأمثال. وازِنْ سِفْر الأمثال ٢٢–٢٨، ٢٣–١٠، ١١. والمقطوعة الأخيرة بسِفْر الأمثال ١٥-١٦، ١٧ وكذلك ١٦–١ (من سِفْر الأمثال).
٦٥  يقصد الطريق الذي يوجد بين حدود الحقول، وقد عبَّدته الأيام فأصبح ملكًا للجميع.
٦٦  هذا الفصل يتمِّم الفصل السابق ويقع في أربعة أقسام:
الأول: مقطوعة ثنائية تحث على ضرورة التعليم لما قدر على الإنسان.
الثاني: اثنا عشر سطرًا عن الثروة التي لا تدوم.
الثالث: ستة أسطر عن مزية القناعة.
الرابع: أربعة أسطر عن صلاة الرجل القنوع.
٦٧  «مقدر له ساعته» أي إن خيره موكل مجظه.
٦٨  يحتوي هذا الفصل على ثلاثة أجزاء:
(١) مقطوعة رباعية في أهمية الشهرة الحسنة، فإن «الصل» له خطورته كأي ثعبان آخَر، إلا أنه يحيا بالفرح، في حين أن الثعبان «أبوبي» عدو «رع» منبوذ.
(٢) يتلو ذلك مقطوعة سداسية تحض على التباعد عن الكلام الخبيث.
(٣) ومقطوعة أخرى سداسية تنصح بإخفاء التقرير الضار.
٦٩  أي لا تفضحن إنسانًا بهَتْك سرِّه.
٧٠  أي فكوِّن رأيك في نفسك.
٧١  أي وتلطَّفْ في تقريرك.
٧٢  على الرغم من طول هذا الفصل، فإن أجزاءه وحدة مرتبطة بعضها ببعض، وهو يحتوي على ستة وثلاثين سطرًا، ويظهر أن السطر التاسع عشر المكتوب بالمداد الأحمر بداية الجزء الثاني من الفصل من جهة العدد فقط، وليس للمعنى دخل.
ومعنى المتن كله أنه يجب على الإنسان ألا يصاحب الأحمق ولا يقلِّده.
والفصل يبتدئ وينتهي بمقطوعة ترمي إلى هذا الغرض، وبين هاتين المقطوعتين: أولًا ثمانية سطور تحض على عدم إجابة الرئيس بحمق، ويتلو ذلك أربعة وعشرون سطرًا قد يجوز تقسيمها إلى ثلاثة أقسام تصف الرجل الأحمق.
والمقطوعتان الأولى والأخيرة تشبهان في سِفْر الأمثال (الفصل ٢٢–٢٤، ٢٥).
٧٣  الذي يعبر في النهر جيئةً وذهابًا.
٧٤  المقطوعتان الأولى والأخيرة، تلخصان الموضوع الأساسي، وهو يوصي في الواقع بالقناعة بما ناله الإنسان من نصيب في هذه الدنيا.
٧٥  أي يلتوي عليه القصد، فما يريد أن يبتلعه في بطنه يلفظه ثانيةً.
٧٦  ربما يقصد من ذلك أن ينادي على الجلَّاد.
٧٧  أي لا تخطَّنَّ على رقعة ما يضر إنسانًا.
٧٨  أي كِلْ بدقة محصول الفلاح، ولا تهتم بما يدفع للخزانة، وعليك أن تلاحظ أن ما يدفعه الفلاح هو ما يجب عليه دفعه، وخذ من دَخْل الخزانة نصيبًا لك.
٧٩  نوع من الكتان المختار.
٨٠  يحتمل أن يكون «وبن ناخت» بطل قصة، أو لعل المعنى هو: لا تأتين قسوة في ضوء مجموعة النجوم المعروفة باسم «المارد»، وهذه المجموعة قد وُجِدت في جداول النجوم الموجودة في مقبرة رعمسيس السادس، ورعمسيس التاسع، ومن المحتمل أنها كانت تظهر في وقت الحصاد، أو غير ذلك.
٨١  هذه اللعبة ليست معروفة، ولكن ما يقصد منها مفهوم على وجه عام.
٨٢  يشير إلى محراب الإله أو عرشه.
٨٣  في قاعة المحكمة.
٨٤  هذا الجمع ليس مفهومًا هنا تمامًا.
٨٥  لا بد أن يكون هنا خطأ في المتن.
٨٦  من سطر ٩ إلى ١٢ انظر الكلام على «تحوت».
٨٧  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ.
٨٨  انظر (مقطوعة ٢٥: ٥).
٨٩  أي عندما يكون قوله هراء.
٩٠  انظر (مقطوعة ٢٦: ١٣).
٩١  لا شك يقصد أنه ولد من أم أخرى.
٩٢  تكرَّرَ هذا البيت في التحذيرات.
٩٣  يسخر الناس من الرجل الطيب عندما يستفزه الخبيث.
٩٤  قد يعني بما أن أقاربه قد هجروه، فإنه لم يَعُدْ له صديق الآن إلا مَن كان في حالة سيئة.
٩٥  أي إنه لا يوجد إنسان يواجه إنسانًا آخَر وجهًا لوجه.
٩٦  وتاريخ هذه التحذيرات يمكن تحديده تقريبًا من فقرتين وردَتَا فيها، وقد ورد ذكرهما أيضًا في مقالات أخرى قديمة، إحداهما جاءت في الشجار الذي قام بين إنسان سئم الحياة وروحه، وهي في موضعها المناسب في المناقشة أكثر من موضعها في مقالنا هنا. أما الفقرة الثانية فهي على العكس من ذلك؛ لأنها لأسباب خاصة تنتمي من غير شك إلى كتابنا على حين أنها قد وُجِدت في التعاليم المنسوبة لأمنمحات، ولقد حشرت فيها بشكل قلق مشوَّه، ومن ذلك يُستنتَج أن «تحذيرات إبور» قد جاءت بعد شجار بين إنسان سئم الحياة وبين روحه، وأنها أقدم من التعاليم المعزوة «لأمنمحات».
٩٧  انظر تاريخ مصر القديمة، جزء أول ص٤٠٧.
٩٨  انظر تاريخ مصر القديمة، ص٤٠٦.
٩٩  انظر تاريخ مصر القديمة، جزء أول ص٤٠٨.
١٠٠  لقد كانت هذه فعلة شنعاء في نظر النظام المصري؛ إذ كان سحب الكتابات والوثائق من المصالح العامة للاستشهاد بها أو للاطلاع عليها من الأمور المنظمة تنظيمًا دقيقًا، فالقواعد التي كانت تحدِّد وظيفة الوزير قد بقيت لنا (انظر Breasted Ancient Records Vol. II P. 276).
١٠١  وكانت بيلوس (جبيل) في ذلك العهد أعظم ثغر تجاري في فينيقية.
١٠٢  كل ما يقصد هنا هو أن الأجانب العديدين الذين سكنوا مصر في ذلك الوقت، قد تجرَّءوا على أن يضعوا أنفسهم موضع المصريين في هذا الانقلاب العام.
١٠٣  أي لا يوجد رجل كان محترمًا بالأمس.
١٠٤  أي إنه ليس لأحد ثقة كافية ليفلح الأرض في هذه الأوقات الحرجة.
١٠٥  أي إن أخنوم أعرَضَ الآن عن هذا العمل غير المجدي.
١٠٦  أرقاء الأغنياء الجدد.
١٠٧  مكان التحنيط. كانت الجثث من الكثرة بحيث أصبح دفنها متعذرًا؛ ولذا فإنها أُلقِيَتْ في الماء كالماشية الميتة.
١٠٨  نوع من الطير المائي له سيقان طويلة ورقبة طويلة كذلك، ويظهر أنه طير قذر.
١٠٩  يحتمل أنه يقصد بذلك مصر العليا.
١١٠  أي إن حفَّارِي القبور يرون في كل مكان.
١١١  لم يَعُدْ هناك أي تمييز بين ابن ربة البيت (الزوجة)، وبين ابن الخادمة.
١١٢  أي الأراضي الأجنبية يقرنها بالأرض السوداء (مصر)، وهذه التعبيرات مأخوذة من الأراضي الصفراء والسوداء، والمعنى المقصود هو أن الإنسان أصبح يلقى الأجانب في كل مكان.
١١٣  هذا التعبير يظهر أنه لا يدل على غزو معاد.
١١٤  أي إن المصريين لا يرون الآن (وذلك لأن كلمة «رمث» أي الرجال، كانت تُستعمَل للمصريين فقط، وما سواهم كانوا متوحشين).
١١٥  يستجدين.
١١٦  المعنى أنهن يخجلن حينما يشاهدن في حالة بؤسهن.
١١٧  أي إن مهندسي وربَّان السفن الملكية (وهي التي يقصد بها سفن الإله) يشتغلون عمَّالًا عاديين.
١١٨  ميناء لبنان الذي منه يُجلَب خشب الأرز وزيته.
١١٩  كريت التي كانت تحت السيطرة المصرية منذ عهد قديم.
١٢٠  أصبحت هذه التجارة الحقيرة مما ترتاح إليه النفوس، بعد أن قُضِي على كل أنواع التجارة الواسعة.
١٢١  قد يعني بذلك الحقيقة التي لم يخبر بها الملك.
١٢٢  الحاجة اضطرت القوم إلى إلقائهم.
١٢٣  موميات علية القوم قد انتُزِعَتْ من المقابر.
١٢٤  حينما يُقتلَع الكتان لا يُترَك منه شيء قط في الأرض.
١٢٥  أي إن مستنقعات الدلتا وبحيراتها التي كانت تُعَدُّ أداةَ دفاع طبيعية أصبحت قليلة الجدوى؛ إذ دخلها الأجانب في عصابات واشتغلوا بحرفها. ولا يخفى على الذهن أن الدلتا كانت في أواخر العصور القديمة وخلال القرون الوسطى مركزًا للصناعة والتصدير، ومن الجائز أن الحالة كانت كذلك في هذا العصر القديم.
١٢٦  ربما يريد الكاتب، كما في الجملة التالية، أن سيدات الطبقة الراقية اللائي كُنَّ يسكُنَّ في البيوت، أصبحن مُرغَمات على العمل الشاق في الخارج في حرارة الشمس.
١٢٧  يقصد بذلك المغنيات والقاصين الذين كانوا يسلُّون ربَّات الخدور.
١٢٨  أي يَقُلْنَ ما يرغبن.
١٢٩  وذلك لأن التعب الذي لاقاه بسبب تسويته بني الإنسان، قد ظهر له أنه تعب ضائع، وهذا البيت من الشعر قد ورد ذكره فيما سبق.
١٣٠  هذه الجملة مأخوذة عن الشجار بين إنسان سئم الحياة وبين روحه؛ مما يدل على أن هذا المقال قد كُتِب بعد مقال الشجار بين إنسان سئم الحياة وبين روحه.
١٣١  أي باللصوص.
١٣٢  قد ورد ذكر هذه الجملة آنفًا.
١٣٣  أي إن القوم أصبحوا يأكلون ما كانوا يطعمون به الدجاج والخنازير.
١٣٤  هل يقصد بذلك أن النبي يؤنِّب نفسه؛ لأنه لم يأتِ متقدمًا في الوقت المناسب؟
١٣٥  لقد أصبحت عديمة الجدوى؛ لأنها صارت معروفة، ويجب أن يُلاحَظ أن التعاويذ السحرية كانت تُعَدُّ ملكًا ثمينًا للحكومة.
١٣٦  كانت نتيجة ضياع القوائم أن أصبح الإنسان لا يعرف مَن كان عبدًا.
١٣٧  محصول الغلال الذي يعيش عليه كل الناس أصبح الآن تحت رحمة أي فرد؛ لأن الوثائق التي ينظم على أساسها توزيعه قد فُقِدت.
١٣٨  أي إنه لم يَعُدْ للثلاثين موظَّفًا الذين كانوا يتولون أعلى المناصب في البلاد أي تأثير على القوم الذين صاروا كالآلهة.
١٣٩  أي إن القاعة أصبحت مزدحمة.
١٤٠  أي إن الرعاع أصبحوا يدخلون الآن البيوت الستة العظمى (المحاكم العليا القديمة) بدون خوف ولا وَجَل.
١٤١  قد حُشِر هذا البيت بطريقة مشوَّهة في تعاليم «أمنمحات».
١٤٢  قد ورد ذكر هذا البيت آنفًا.
١٤٣  يقصد بذلك نهب القبر الملكي.
١٤٤  أي الملك.
١٤٥  التابوت.
١٤٦  صل الملك وإله الشمس (رع)، وهو الثعبان الذي يُوضَع في مقدمة التاج الملكي؛ لينفث السم في وجه كلِّ مَن يريد أن يقترب من الملك بسوء.
١٤٧  الأمور السرية التي لا يعرفها أحد غير الملك.
١٤٨  حية تسكن الأماكن المقدسة (القصر في هذه الحالة) ملاكًا حارسًا.
١٤٩  أي إن الفرد الذي كان لا يزال قويًّا حتى الآن، أصبح الرعاع ينهبونه وهم مجتمعون عصابات. والأبيات التالية توضِّح هذا.
١٥٠  الموتى.
١٥١  قد سرقه لنفسه.
١٥٢  يقصد بذلك الموتى.
١٥٣  أي الجعة التي تُسكِر.
١٥٤  أي إنهم أصبحوا بدون مأوى، معرَّضين لحرارة الشمس اللافحة والزعازع.
١٥٥  المتن هنا مشوَّه، وقد يكون هذا إشارة إلى عادة وضع أزهار حول أواني الخمر.
١٥٦  أو الموظف الكبير؛ وقد كان عليه أن يقدم الخضوع للمحدثين.
١٥٧  يظهر أن هذه الجملة مقتبَسَة من كتاب قديم، غير أن موضعها هنا ليس ملائمًا، أو أننا لا نفهم مناسبتها هنا.
١٥٨  هل معنى هذا أنهن أصبحن عاهرات؟
١٥٩  المعنى المحتمل هو أن الأغنياء المحدثين يفضِّلون أن يقدِّموا الإوز قربانًا للآلهة بدلًا من الثيران التي يأكلونها هم.
١٦٠  أي إنهم يأكلون لحوم الحيوانات التي يذبحونها (راجع Blackman. Journal of Egyptian Archeology XI P. 213 ff).
١٦١  كانت هناك عصابات مكوَّنة من خمسة رجال، ولم يعودوا يكلفون أنفسهم مشقةَ القيام بمهمات، بل انتظروا أن يقوم بها الرؤساء أنفسهم.
١٦٢  كان الكاهن يطهر فمه بماء النطرون.
١٦٣  المعنى غامض.
١٦٤  عند مدخل المعبد، والفقرة تشير إلى استعادة المعابد الخربة.
١٦٥  المعبد.
١٦٦  يحتمل أن هذا إيماء إلى الخرافة التي تقص أن «رع» حينما حكم العالم في الزمن الأول لم يدمر الإنسانية جملةً كما تستحق بجحودها، ويحتمل أن يكون المعنى أيضًا: ليت «رع» قد فطن في ذلك العهد إلى أن الناس لا يمكن رَدْعهم عن الخطايا، وأنه يجب محقهم.
١٦٧  من المؤكد أن الربَّان النائم هو الملك.
١٦٨  أي إنك تحرز الصفات اللازمة للملك، ولكنك لا تنتفع بها.
١٦٩  بين قطيعه.
١٧٠  حرفيًّا (كا كا) وهي نبات يحترق بسهولة.
١٧١  ورد ذكر هذا البيت آنفًا.
١٧٢  يقصد بذلك صيد الطيور بالشباك.
١٧٣  نوع خاص من الشراب.
١٧٤  الوسادات الخشبية التي يستند عليها الرأس عند النوم، وكان القوم يميلون إلى تزيينها بأشكال الأرواح الشهيرة التي يظن أنها تحمي النائمين.
١٧٥  هل هذا نداء مصر طلبًا للمعونة من الشعوب الجنوبية؟
١٧٦  قد يعني بذلك المستقبل.
١٧٧  أي بين المصريين.
١٧٨  ماذا تعني هذه القصة؟ هل هو يقصها لغرض الإيضاح، أو هل هي مقدمة لكل الكارثة؟
١٧٩  يقصد «بتقديم التحيات» الأنباء اليومية عن كبار الموظفين، وكانت تُقدَّم أولًا إلى الملك، ثم إلى الوزير وغيره من رؤساء الأقسام.
١٨٠  «باست» هي إلهة الفرح، رأسها رأس قطة، وتُعبَد في تل بسطة من أعمال الدلتا، وهي «الزقازيق الحالية».
١٨١  هذا الاصطلاح عادي في القصص التي من هذا النوع، ولا يجب الأخذ به حرفيًّا؛ لأن تل بسطة على بُعْد تسعين كيلومترًا على الأقل من حاضرة «سنفرو».
١٨٢  راجع تحذيرات «إبور».
١٨٣  إلهة العدل والصدق والحق.
١٨٤  «ابن الإنسان» اسم يُطلَق على المسيح — عليه السلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤