فلما كانت الليلة ٦٣٦

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن غريبًا لما سمع كلام عمه الدامغ حين قال له: إن أمك قتلها عجيب أخوك. قال غريب: يا عم، وما سبب قتلها؟ فحكى له ما جرى لأمه، وكيف زوَّجَ مرداس بنته بعجيب وهو يريد أن يدخل عليها؛ فلما سمع غريب كلام عمه، طار عقله من رأسه وغشي عليه حتى كاد أن يهلك، فلما صحا من غشيته صاح في عسكره وقال: اركبوا. فقال الدامغ: يا ابن أخي، اصبر حتى أهيئ حالي وأركب في رجالي وأسير معك في ركابك. فقال: يا عم، ما بقي لي صبر، فجهِّزْ حالك والحقني في الكوفة. ثم إن غريبًا سار حتى وصل إلى مدينة بابل وقد ارتعب أهلها، وكان فيها ملك اسمه جمك، وكان تحت يده عشرون ألف فارس، واجتمع عنده من القرى خمسون ألف فارس، وضربوا الخيام قبال بابل، ثم كتب غريب كتابًا وأرسله لصاحب بابل، فسار الرسول فلما وصل إلى المدينة صاح وقال: إني رسول. فسار بوَّاب الباب متوجِّهًا إلى الملك جمك وأخبره بالرسول، فقال: ائتني به. فخرج وأتى بالرسول بين يديه، فقبَّلَ الأرض وأعطى جمكًا الكتاب، ففكَّه وقرأه فإذا فيه: «الحمد لله رب العالمين، رب كل شيء ورازق كل حي وهو على كل شيء قدير، من عند غريب ابن الملك كندمر صاحب العراق وأرض الكوفة إلى جمك، فساعة وصول الكتاب إليك لا يكون جوابك إلا أن تكسر الأصنام، وتوحِّد الملكَ العلَّام، خالق النور والظلام، وخالق كل شيء وهو على كل شيء قدير، وإنْ لم تفعل ما أمرتُكَ به جعلتُ اليومَ عليك أشأمَ الأيام، والسلامُ على مَن اتَّبَعَ الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملك الأعلى، رب الآخرة والأولى، الذي يقول للشيء كن فيكون.»

فلما قرأ الكتاب، ازرقَّتْ عيناه واصفرَّ وجهه وصاح على الرسول وقال له: امضِ إلى صاحبك وقل له: غدًا عند الصباح يكون الحرب والكفاح ويبان الجحجاح. فمضى الرسول وأعلم غريبًا بما كان، فأمر غريب قومَه بأخذ الأهبة للقتال، ثم أمر جمك بنصب الخيام قبال خيام غريب، وخرج عساكر مثل البحر الزاخر وباتوا على نية القتال، فلما أصبح الصباح ركبت الطائفتان واصطفتا صفوفًا، ودقوا الكاسات ورمحوا على الصافنات، فملئوا الأرضَ والفلوات، وتقدَّمَتِ الأبطال، وكان أول مَن برز إلى ميدان الحرب والنزال غول الجبل، وعلى كتفه شجرة هائلة، فصاح بين الفريقين وقال: أنا سعدان الغول. ونادى: هل من مبارز؟ هل من مناجز؟ لا يأتِني كسلان ولا عاجز؟ ثم صاح على أولاده: يا ويلكم، فائتوني بالحطب والنار لأنني جائع. فصاحوا على عبيدهم، فجمعوا الحطب وأشعلوا النار في وسط الميدان، فبرز له رجل من الكفار عملاق من العمالقة العتاة، وعلى كتفه عمود مثل صاري مركب، فحمل على سعدان وقال: يا ويلك يا سعدان. فلما سمع كلام العملاق، ساءت منه الأخلاق، ولف الشجرة فزمرت في الهواء وضرب بها العملاق، فلاقى الضربة بالعمود، فنزلت الشجرة بثقلها مع عمود العملاق على دماغه فهشَّمَتْه ووقع كالنخلة السحوق، فصاح سعدان على عبيده وقال: اسحبوا هذا العجل السمين واشووه سريعًا. فأسرعوا وسلخوا العملاق وشووه وقدَّموه لسعدان الغول، فأكله ومرمش عظامه، فلما نظر الكفَّار إلى فعل سعدان بصاحبهم، اقشعرَّتْ جلودهم وأبدانهم، وانعكست أحوالهم، وتغيَّرت ألوانهم، وقالوا لبعضهم: كلُّ مَن خرج لهذا الغول أكله ومرمش عظامه وأعدمه نسيم الدنيا. فتوقفوا عن القتال وقد فزعوا من الغول وأولاده، ثم ولَّوْا هاربين وإلى بلدهم قاصدين.

فعند ذلك صاح غريب على قومه وقال: عليكم بالمنهزمين. فحمل العجم والعرب على ملك بابل وقومه، وأوقعوا فيهم ضربَ السيف حتى قتلوا منهم عشرين ألفًا وأزيد، وازدحموا في الباب فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا ولم يقدروا على غلق الباب، فهجمت عليهم العرب والعجم، وأخذ سعدان عمودًا من بعض القتلى وهزَّه قدام القوم ونزل به في الميدان، ثم هجم على قصر الملك جمك فواجهه وضربه بالعمود فوقع على الأرض مغشيًّا عليه، وحمل سعدان على مَن في القصر فجعلهم هشيمًا، فعند ذلك صاحوا: الأمان الأمان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤