فلما كانت الليلة ٦٧٧

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن غريبًا لما حمل على الكفار قتل منهم خلقًا كثيرًا، وهجم الليل وهم يتكاثرون عليه وكلهم سعوا له وأرادوا أن يأخذوه، وإذا هو بألف مارد قد هجموا على الكفار بألف سيف ورئيسهم زلزال بن المزلزل، وهو في أولهم، فأعملوا فيهم السيف البتَّار، وأسقوهم كأس البوار، وعجَّلَ الله تعالى بأرواحهم إلى النار، ولم يبقوا من قوم جانشاه مَن يرد الأخبار، فصاح الأعوان: الأمان الأمان. وآمنوا بالملك الديَّان، الذي لا يشغله شأن عن شأن، مبيد الأكاسرة ومفني الجبابرة، ورب الدنيا والآخرة. ثم سلَّمَ زلزال على غريب وهنَّأه بالسلامة، فقال له غريب: مَن أعلمك بحالي؟ فقال: يا مولاي، لما حبسني أبي وأرسلك إلى وادي النار، أقمتُ في الحبس سنتين ثم أطلقني، فأقمت بعد ذلك ثم عدت إلى ما كنت عليه، فقتلتُ أبي وأطاعتني الجنود، ولي سنة وأنا أحكم عليهم، فنمت وأنت في خاطري فرأيتُك في المنام وأنت تقاتل قوم جانشاه، فأخذت هؤلاء الألف مارد وأتيت إليك.

fig12
ثم رجعَت «جانشاه» وجلسَت على سريرِ مُلْكها، وأمرَت قَوْمَها بالانصراف.

فتعجب غريب من هذا الاتفاق، ثم أخذ أموال جانشاه وأموال قومه ونُصِّب على المدينة حاكمًا، وحملت المَرَدة الأموال وغريبًا وما باتوا ليلتهم إلا في مدينة زلزال، واستُضِيف غريب عند زلزال ستة أشهر، ثم أراد الرواح، فأحضر زلزال الهدايا وبعث ثلاثة آلاف مارد، فجاءوا بالمال من مدينة الكرج ووضعوه على أموال جانشاه، ثم أمرهم أن يحملوا الهدايا والأموال، وحمل زلزال غريبًا وقصدوا مدينة إسبانير المدائن، فما جاء نصف الليل إلا وهم فيها، فنظر غريب فرأى المدينة محصورةً محيطًا بها عسكر جرار مثل البحر الزاخر، فقال غريب لزلزال: يا أخي، ما سبب هذه المحاصرة؟ ومن أين هذا العسكر؟ ثم نزل غريب على سطح القصر ونادى: يا كوكب الصباح، يا مهدية. فقامتا من نومهما مدهوشتين وقالتا: مَن ينادينا في هذا الوقت؟ قال: أنا مولاكما غريب صاحب الفعل العجيب. فلما سمع السيدتان كلام مولاهما فرحتا، وكذلك الجواري والخدم، ونزل غريب فترامَيْنَ عليه وزلغطن، فدوى لهن القصر، فأتى المقدمون من مراقدهم وقالوا: ما الخبر؟ وطلعوا القصر وقالوا للطواشية: هل ولدت واحدة من الجواري؟ قالوا: لا، ولكن أبشروا فقد وصل إليكم الملك غريب. ففرح الأمراء وسلَّمَ غريب على الحريم وخرج إلى أصحابه، فتراموا عليه وقبَّلوا يديه ورجليه، وحمدوا الله تعالى وأثنَوْا عليه، وقعد غريب على سريره ونادى أصحابه، فحضروا وجلسوا حوله، فسألهم عن العسكر النازلين عليهم، فقالوا: يا ملك، إن لهم ثلاثة أيام من حين نزلوا علينا ومعهم جن وإنس، وما ندري ما يريدون، وما وقع بيننا وبينهم قتال ولا كلام. فقال غريب: غدًا نبعث إليهم كتابًا وننظر ما يريدون. ثم قالوا: وملكهم اسمه مرادشاه، وتحت يده مائة ألف فارس، وثلاثة آلاف راجل، ومائتان من أرهاط الجان. وكان لمجيء هذا العسكر سبب عظيم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤