فلما كانت الليلة ٦٨٢

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان لما بلغه حُسْن الجارية وجمالها، أرسل إليها يخطبها، فأرسلت إليه كتابًا تقول فيه: بعد الثناء على الله، والصلاة على نبيه محمد ، أما بعدُ؛ فاعلم يا أمير المؤمنين أن الكلب ولغ في الإناء. فلما قرأ كتابها أمير المؤمنين ضحك من قولها، وكتب لها قوله : «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعًا إحداهن بالتراب.» وقال: اغسلي القذى عن محل الاستعمال. فلما رأت كتاب أمير المؤمنين لم يمكنها المخالفة، وكتبت إليه تقول: بعد الثناء على الله تعالى، اعلم يا أمير المؤمنين، إني لا أجري العقد إلا بشرط، فإن قلتَ: ما الشرط؟ أقول: أن يقود الحجاج محملي إلى بلدك التي أنت فيها، ويكون حافيًا بملبوسه الذي هو لابسه. فلما قرأ عبد الملك الكتاب ضحك ضحكًا عاليًا شديدًا، وأرسل إلى الحجاج يأمره بذلك، فلما قرأ الحجاج رسالة أمير المؤمنين أجاب، ولم يخالف وامتثل الأمر، ثم أرسل الحجاج إلى هند يأمرها بالتجهيز، فتجهَّزَتْ في محمل، وجاء الحجاج في موكبه حتى وصل إلى باب هند، فلما ركبت المحمل وركب حولها جواريها وخدمها، ترجَّلَ الحجاج وهو حافٍ، وأخذ بزمام البعير يقوده وسار بها، فصارت تسخر منه وتهزأ به وتضحك عليه مع بلانتها وجواريها، ثم إنها قالت لبلانتها: اكشفي لي ستارة المحمل. فكشفتها حتى قابَلَ وجهها وجهه؛ فضحكت عليه، فأنشد هذا البيت:

فَإِنْ تَضْحَكِي يَا هِنْدُ رُبَّةَ لَيْلَةٍ
تَرَكْتُكِ فِيهَا تَسْهَرِينَ نُوَاحَا

فأجابته بهذين البيتين:

وَمَا نُبَالِي إِذَا أَرْوَاحُنَا سَلِمَتْ
بِمَا فَقَدْنَاهُ مِنْ مَالٍ وَمِنْ نَشَبِ
فَالْمَالُ مُكْتَسَبٌ وَالْعِزُّ مُرْتَجَعٌ
إِذَا اشْتَفَى الْمَرْءُ مِنْ دَاءٍ وَمِنْ عَطَبِ

ولم تزل تضحك وتلعب إلى أن قربت من بلد الخليفة، فلما وصلت إلى البلد رمت من يدها دينارًا على الأرض، وقالت له: يا جمَّال، إنه قد سقط منَّا درهم فانظره، وناولنا إياه. فنظر الحجاج إلى الأرض، فلم يَرَ إلا دينارًا، فقال لها: هذا دينار. فقالت له: بل هو درهم. فقال لها: بل دينار. فقالت: الحمد لله الذي عوَّضَنا بالدرهم الساقط دينارًا، فناوِلْنا إياه. فخجل الحجاج من ذلك، ثم إنه أوصلها إلى قصر أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، ودخلت عليه وكانت محظية عنده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤