فلما كانت الليلة ٧٠٧

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخليفة لما ألزم أحمد الدنف بإحضار العجوز قال له: ضمانها عليَّ يا أمير المؤمنين. ثم نزل هو وأتباعه إلى القاعة، فقالوا لبعضهم: كيف يكون قبضنا إياها؟ وكم عجائز في البلد؟ فقال واحد منهم يقال له علي كتف الجمل لأحمد الدنف: على أي شيء تشاورون حسن شومان؟ وهل حسن شومان أمر عظيم؟ فقال حسن: يا علي، كيف تستقلني؟ والاسمِ الأعظمِ لن أرافقكم في هذه المرة. وقام غضبان. فقال أحمد الدنف: يا شبان، كل قيِّم يأخذ عشرة ويتوجَّه بهم إلى حارة ليفتشوا على دليلة. فذهب علي كتف الجمل بعشرة، وكذلك كل قيِّم، وتوجَّه كل جماعة إلى حارة، وقالوا قبل توجُّههم وافتراقهم: يكون اجتماعنا في الحارة الفلانية في الزقاق الفلاني. فشاع في البلدان: أحمد الدنف التزَمَ بالقبض على دليلة المحتالة. فقالت زينب: يا أمي، إن كنتِ شاطرة تلعبي على أحمد الدنف وجماعته. فقالت: يا بنتي، أنا ما أخاف إلا من حسن شومان. فقالت البنت: وحياة مقصوصي لآخذن لك ثياب الواحد والأربعين. ثم قامت ولبست بدلة وتبرقعت، وأقبلت على واحد عطار له قاعة ببابين، فسلَّمت عليه وأعطته دينارًا، وقالت له: خذ هذا الدينار حلوان قاعتك، وأعطنيها إلى آخِر النهار. فأعطاها المفاتيح وراحت أخذت فرشًا على حمار الحمار، وفرشت القاعة، وحطت في كل ليوان سفرة طعام ومدام، ووقفت على الباب مكشوفة الوجه، وإذا بعلي كتف الجمل وجماعته مُقبِلون، فقبَّلَتْ يده، فرآها صبية مليحة فحبَّها، فقال لها: أي شيء تطلبين؟ فقالت: هل أنت المقدم أحمد الدنف؟ فقال: لا، بل أنا من جماعته، واسمي علي كتف الجمل. فقالت لهم: أين تذهبون؟ فقال: نحن دائرون نفتش على عجوز نصَّابة أخذت أرزاق الناس، ومرادنا أن نقبض عليها. ولكن مَن أنتِ؟ وما شأنك؟ فقالت: إن أبي كان خمَّارًا في الموصل، فمات وخلف لي مالًا كثيرًا، فجئت هذا البلد خوفًا من الحكام، وسألت الناس مَن يحميني؟ فقالوا لي: ما يحميك إلا أحمد الدنف. فقال لها جماعته: اليوم تحتمين به. فقالت لهم: اقصدوا جبر خاطري بلقيمة وشربة ماء. فلما أجابوها أدخلتهم، فأكلوا وسكروا وحطت لهم البنج فبنَّجتهم وقلعتهم حوائجهم، ومثل ما عملت فيهم عملت في الباقي.

فدار أحمد الدنف يفتش على دليلة فلم يجدها، ولم يَرَ من أتباعه أحدًا إلى أن أقبل على الصبية، فقبَّلت يده، فرآها فحبها، فقالت له: أنت المقدم أحمد الدنف؟ فقال لها: نعم، ومَن أنتِ؟ قالت: غريبة من الموصل، وأبي كان خمَّارًا، ومات وخلف لي مالًا كثيرًا، وجئت به إلى هنا خوفًا من الحكام، ففتحت هذه الخمارة فجعل الوالي عليَّ قانونًا، ومرادي أن أكون في حمايتك، والذي يأخذه الوالي أنت أولى به. فقال أحمد الدنف: لا تعطيه شيئًا ومرحبًا بك. فقالت له: اقصد جبر خاطري، وكُلْ طعامي. فدخل وأكل وشرب مدامًا فانقلب من السكر، فبنَّجته وأخذت ثيابه وحملت الجميع على فرس البدوي، وحمار الحمَّار، وأيقظتْ عليًّا كتف الجمل وراحت. فلما أفاق رأى نفسه عريانًا، ورأى أحمد الدنف والجماعة مُبنَّجين، فأيقظهم بضد البنج، فلما أفاقوا رأوا أنفسهم عرايا. فقال أحمد الدنف: ما هذا الحال يا شباب؟ نحن دائرون نفتِّش عليها لنصطادها، فاصطادتنا هذه العاهرة، يا فرحة حسن شومان فينا، ولكن نصبر حتى تدخل العتمة ونروح، وكان حسن شومان قال للنقيب: أين الجماعة؟ فبينما هو يسأله عنهم وإذا بهم قد أقبلوا وهم عرايا، فأنشد حسن شومان هذين البيتين:

وَالنَّاسُ مُشْتَبِهُونَ فِي إِيرَادِهِمْ
وَتَبَايُنِ الْأَقْوَامِ فِي الْإِصْدَارِ
وَمِنَ الرِّجَالِ مَعَالِمُ وَمَجَاهِلُ
وَمِنَ النُّجُومِ غَوَامِضُ وَدَرَارِي

فلما رآهم قال لهم: مَن لعب عليكم وعرَّاكم؟ فقالوا: تعهَّدنا بعجوز نفتش عليها، ولا عرَّانا إلا صبية مليحة. فقال حسن شومان: نِعْمَ ما فعلتْ بكم. فقالوا: هل أنت تعرفها يا حسن؟ فقال: أعرفها وأعرف العجوز. فقالوا له: أي شيء تقول عند الخليفة؟ فقال شومان: يا دنف، انفض طوقك قدامه، فيقول الخليفة: مَن يتعهَّد بها؟ فإن قال لك: لأي شيء ما قبضتَ عليها؟ فقل: أنا ما أعرفها وألزم بها حسن شومان. فإن ألزمني بها فأنا أقبضها. وباتوا، فلما أصبحوا طلعوا إلى ديوان الخليفة، فقبَّلوا الأرض، فقال الخليفة: أين العجوز يا مقدم أحمد؟ فنفض طوقه، فقال له: لأي شيء؟ فقال: أنا ما أعرفها، وألزِمْ بها شومان، فإنه يعرفها هي وبنتها. وقال: إنها ما عملت هذه الملاعب طمعًا في حوائج الناس، ولكن لبيان شطارتها وشطارة بنتها لأجل أن ترتِّب لها راتبَ زوجها، ولبنتها مثل راتب أبيها، فشفع فيها شومان من القتل وهو يأتي بها. فقال الخليفة: وحياة أجدادي إن أعادتْ حوائجَ الناس، عليها الأمان وهي في شفاعته. فقال شومان: أعطني الأمان يا أمير المؤمنين. فقال له: هي في شفاعتك. وأعطاه منديل الأمان، فنزل شومان وراح إلى بيت دليلة، فصاح عليها فجاوبته بنتها زينب، فقال لها: أين أمك؟ فقالت: فوق. فقال لها: قولي لها تجيء بحوائج الناس وتذهب معي لتقابل الخليفة، وقد جئتُ لها بمنديل الأمان، فإن كانت لا تجيء بالمعروف لا تلوم إلا نفسها. فنزلت دليلة وعلقت المحرمة في رقبتها، وأعطته حوائج الناس على حمار الحمَّار، وفرس البدوي، فقال لها شومان: بقي ثياب كبيري وثياب جماعته. فقالت: والاسمِ الأعظم إني ما عرَّيْتُهم. فقال: صدقتِ، ولكن هذا منصف بنتك زينب، وهذه جميلة عملتها معك. وسار وهي معه إلى ديوان الخليفة، فتقدَّمَ حسن وعرض حوائج الناس على الخليفة، وقدَّمَ دليلة بين يديه، فلما رآها أمر برَمْيها في بقعة الدم، فقالت: أنا في جيرتك يا شومان. فقام شومان وقبَّلَ أيادي الخليفة وقال له: العفو، أنت أعطيتَها الأمان. فقال الخليفة: وهي في كرامتك، تعالي يا عجوز، ما اسمك؟ فقالت: اسمي دليلة. فقال: ما أنت إلا حيالة ومحتالة، فلُقِّبْتِ بدليلة المحتالة. ثم قال لها: لأي شيء عملت هذه المناصف وأتعبتِ قلوبنا؟ فقالت: أنا ما فعلت هذه المناصف بقصد الطمع في متاع الناس، ولكن سمعت بمناصف أحمد الدنف التي لعبها في بغداد، ومناصف حسن شومان، فقلت: أنا الأخرى أعمل مثلهما، وقد رددتُ حوائجَ الناس إليهم. فقام الحمَّار وقال: شرع الله بيني وبينها؛ فإنها ما كفاها أخذ حماري حتى سلَّطَتْ عليَّ المزين المغربي، فقلع أضراسي وكواني في أصداغي كيتين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤