فلما كانت الليلة ٥٩٦

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجيران لما أرادوا أن يحملوا الحطب ويحرقوا الخزانة صاح عليهم القاضي وقال: لا تفعلوا ذلك. فقال الجيران لبعضهم: إن الجن يتصورون ويتكلمون بكلام الإنس. فلما سمعهم القاضي قرأ شيئًا من القرآن العظيم، ثم قال للجيران: ادنوا من الخزانة التي نحن فيها. فلما دنوا منها قال لهم: أنا فلان وأنتم فلان وفلان، ونحن هنا جماعة. فقال الجيران للقاضي: ومَن جاء بك هنا فأَعْلِمنا الخبر؟ فأعلمهم بالخبر من أوله إلى آخره، فأحضروا لهم نجَّارًا ففتح للقاضي خزانته، وكذلك الوالي والوزير والملك والنجار، وكلٌّ منهم بالملبوس الذي عليه، فلما طلعوا نظر بعضهم لبعض وصار كلٌّ منهم يضحك على الآخر، ثم إنهم خرجوا وطلبوا المرأة فلم يقفوا لها على خبر، وقد أخذت جميع ما كان عليهم، فأرسل كلٌّ منهم إلى جماعته يطلب ثيابًا، فأحضروا لهم ملبوسًا، ثم خرجوا مستورين به عند الناس. فانظر يا مولانا الملك هذه المكيدة التي فعلتها هذه المرأة مع هؤلاء القوم.

حكاية الدعوات الثلاث

وقد بلغني أيضًا أنه كان رجل يتمنَّى في عمره أن يرى ليلة القدر، فنظر ليلة من الليالي إلى السماء، فرأى الملائكة وأبواب السماء قد فُتِحت، ورأى كل شيء ساجدًا في محله، فلما رأى ذلك قال لزوجته: يا فلانة، إن الله قد أراني ليلة القدر، ونذرتُ إن رأيتُها أن أدعو ثلاث دعوات مستجابات، فأنا أشاورك فماذا أقول؟ فقالت المرأة: قل اللهم كبِّر لي أيري. فقال ذلك فصار ذَكَره مثل ضرف القرع، حتى صار ذلك الرجل لا يستطيع القيام به، وكانت زوجته إذا أراد أن يجامعها تهرب منه من موضع إلى موضع، فقال لها الرجل: كيف العمل؟ فهذه أمنيتكِ لأجل شهوتكِ؟ فقالت له: أنا ما أشتهي أن يبقى بهذا الطول. فرفع الرجل رأسه إلى السماء وقال: اللهم أنقذني من هذا الأمر وخلِّصني منه، فصار الرجل ممسوحًا ليس له ذَكَر، فلما رأته زوجته قالت له: ليس لي بك حاجة حيث صرت بلا ذَكَر. فقال لها: هذا كله من شؤم رأيك وسوء تدبيرك، كان لي عند الله ثلاث دعوات أنال بها خيري الدنيا والآخرة، فذهبت دعوتان وبقيت دعوة واحدة. فقالت: ادع الله تعالى أن يردَّكَ على ما كنتَ عليه أولًا. فدعا ربه فعاد كما كان. فهذا أيها الملك بسبب سوء تدبير المرأة، وإنما ذكرتُ لك ذلك لتتحقق غفلة النساء، وسخافة عقولهن، وسوء تدبيرهن، فلا تسمع قولها وتقتل ولدك مهجة قلبك، وتمحو ذِكْرك من بعدك. فانتهى الملك عن قتل ولده. فلما كان اليوم السابع، حضرت الجارية صارخة بين يدي الملك وأضرمت نارًا عظيمة، فأتوا بها قدام الملك ماسكين بأطرافها، فقال لها الملك: لماذا فعلتِ ذلك؟ قالت له: إن لم تنصفني من ولدك ألقيت نفسي في هذه النار، فقد كرهت الحياة، وقبل حضوري كتبت وصيتي وتصدَّقْتُ بمالي، وعزمت على الموت، فتندَّمْ كلَّ الندم كما ندم الملك على عذاب حارسة الحمام. فقال لها الملك: وكيف كان ذلك؟

حكاية العقد المسروق

فقالت له الجارية: بلغني أيها الملك أن امرأة كانت عابدة زاهدة ناسكة، وكانت تدخل قصر ملك من الملوك يتبركون بها، وكان لها عندهم حظ عظيم، فدخلت يومًا من الأيام ذلك القصر على جري عادتها، وجلست بجانب زوجة الملك فناولتها عقدًا قيمته ألف دينار، وقالت لها: يا جارية، خذي هذا العقد عندك، واحرسيه حتى أخرج من الحمام فآخذه منك. وكان الحمام في القصر، فأخذته الجارية وجلست في موضع في منزل الملكة حتى تدخل الحمام الذي عندها في المنزل وتخرج، ثم وضعت ذلك العقد تحت السجادة وقامت تصلي، فجاء طير وأخذ ذلك العقد وجعله في شق من زوايا القصر، وقد خرجت الحارسة لحاجةٍ تقضيها وترجع ولم تعلم بذلك، فلما خرجت زوجة الملك من الحمام طلبت العقد من تلك الحارسة فلم تجده، وجعلت تفتش عليه فلم تجد له خبرًا ولم تقع له على أثر، فصارت الحارسة تقول: والله يا بنتي ما جاءني أحد، وحين أخذتُه وضعتُه تحت السجادة، ولم أعلم هل أحد من الخدم عاينه واستغفلني وأنا في الصلاة وأخذه؟ والعلم في ذلك لله تعالى. فلما سمع الملك بذلك أمر زوجته أن تعذِّب الحارسة بالنار والضرب الشديد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤