فلما كانت الليلة ٦٠٥

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الرجل التاجر لما باع صندله وقبض ثمنه سافر من تلك المدينة إلى مدينته، ثم قال ابن الملك: وأما ابن الثلاث سنين، فإنه كان رجلًا فاسقًا مغرمًا بالنساء، قد سمع بامرأة ذات حُسْن وجمال، وهي ساكنة في مدينة غير مدينته، فسافَرَ إلى المدينة التي هي فيها، وأخذ معه هدية، وكتب لها رقعة يصف لها شدة ما يقاسيه من الشوق والغرام، وقد حمله حبه إياها على المهاجرة إليها والقدوم عليها، فأذنت له في الذهاب إليها، فلما وصل إلى منزلها ودخل عليها قامت له على قدميها وقد تلقَّتْه بالإكرام والاحترام، وقبَّلَتْ يديه وضيَّفته ضيافة لا مزيد عليها من المأكول والمشروب. وقد كان لها ولد صغير له من العمر ثلاث سنين، فتركته واشتغلت بطهي الطبائخ، فقال لها الرجل: قومي بنا ننام. فقالت له: إن ولدي قاعد ينظرنا. فقال لها: هذا ولد صغير لا يفهم ولا يعرف أن يتكلَّم. فقالت له: لو علمت معرفته ما تكلمتَ. فلما علم الولد أن الأرز استوى بكى بكاءً شديدًا، فقالت له أمه: ما يبكيك يا ولدي؟ فقال لها: اغرفي لي من الأرز، واجعلي لي فيه سمنًا. فغرفت له وجعلت عليه السمن، فأكل الولد. ثم بكى ثانيًا، فقالت له أمه: ما يبكيك يا ولدي؟ فقال لها: يا أماه اجعلي لي عليه سكرًا. فقال له الرجل وقد اغتاظ منه: ما أنت إلا ولد مشئوم. فقال له الولد: والله ما مشئوم إلا أنت؛ حيث تعبت وسافرت من بلد إلى بلد في طلب الزنا، وأما أنا فبكائي من أجل شيء كان في عيني فأخرجته بالدموع، وأكلتُ بعد ذلك أرزًا وسمنًا وسكرًا، وقد اكتفيتُ؛ فمَن المشئوم منَّا؟ فلما سمعه الرجل خجل من كلام ذلك الولد الصغير، ثم أدركته الموعظة فتأدَّبَ من وقته وساعته ولم يتعرَّض لها بشيء وانصرف إلى بلده، ولم يزل تائبًا إلى أن مات.

ثم قال ابن الملك: وأما ابن الخمس سنين، فإنه بلغني أيها الملك أن أربعة من التجار اشتركوا في ألف دينار، وقد خلطوها بينهم وجعلوها في كيس واحد، فذهبوا بها ليشتروا بضاعةً، فلقوا في طريقهم بستانًا حسنًا فدخلوه وتركوا الكيس عند حارسة ذلك البستان، فلما دخلوا تفرجوا في ناحية البستان، فأكلوا وشربوا وانشرحوا، فقال واحد منهم: أنا معي طيب، تعالوا نغسل رءوسنا من هذا الماء الجاري ونتطيَّب. قال آخَر: نحتاج إلى مشط. قال آخَر: نسأل الحارسة لعل أن يكون عندها مشط. فقام واحد منهم إلى الحارسة وقال لها: ادفعي لي الكيس. فقالت له: حتى تحضروا كلكم أو يأمرني رفقاؤك أن أعطيك إياه. وكان رفقاؤه في مكان بحيث تراهم الحارسة وتسمع كلامهم، فقال الرجل لرفقائه: ما هي راضية أن تعطيني شيئًا. فقالوا لها: أَعْطيه. فلما سمعت كلامهم أعطته الكيس، فأخذه الرجل وخرج هاربًا منهم، فلما أبطأ عليهم جاءوا إلى الحارسة، وقالوا لها: ما لكِ لم تُعْطِه المشط؟ قالت لهم: ما طلب مني إلا الكيس، ولم أعطه إياه إلا بإذنكم، وخرج من هنا إلى حال سبيله. فلما سمعوا كلام الحارسة لطموا على وجوههم، وقبضوا عليها بأيديهم وقالوا لها: نحن ما أذنَّاكِ إلا بإعطاء المشط. فقالت لهم: ما ذكر لي مشطًا. فقبضوا عليها، ورفعوها إلى القاضي، فلما حضروا بين يديه قصُّوا عليه القصة، فألزم الحارسة بالكيس، وألزم بها جماعة من غرمائها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤