فلما كانت الليلة ٦٢٤

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سالمًا لما قال للعسكر: هل ترضون بي عليكم سلطانًا؟ وألا أدعك الخاتم فيقتلكم كبارًا وصغارًا. قالوا له: رضينا بك ملكًا وسلطانًا. ثم أمر بدفن أخويه ونصب الديوان وذهب ناس في تلك الجنازة وناس مشوا قدامه بالموكب، ولما وصلوا إلى الديوان، جلس على الكرسي، وبايعوه على الملك وبعد ذلك قال: أريد أن أكتب كتابي على زوجة أخي. فقالوا له: حتى تنقضي العدة. فقال لهم: أنا لا أعرف عدة ولا غيرها، وحياة رأسي لا بد أن أدخل عليها في هذه الليلة. فكتبوا له الكتاب وأرسلوا أعلموا زوجة جودر بنت الملك شمس الدولة، فقالت: دعوه ليدخل. فلما دخل عليها أظهرت له الفرح، وأخذته بالترحيب، وحطت له السم في الماء فأهلكته، ثم إنها أخذت الخاتم وكسرته حتى لا يملكه أحد وشقَّتِ الخرج، ثم أرسلت أخبرت شيخ الإسلام وأرسلت تقول لهم: اختاروا لكم ملكًا يكون عليكم سلطانًا. وهذا ما انتهى إلينا من حكاية جودر بالتمام والكمال.

fig10
كان في قديم الزمان ملِكًا شجاعًا وقَرْمًا مَنَّاعًا، ولكنه شيخٌ هَرِمٌ كبير.

حكاية عجيب وغريب

وبلغني أيضًا أنه كان في قديم الزمان ملك من الملوك العظام يقال له الملك كندمر، وكان ملكًا شجاعًا وقرمًا مناعًا، ولكنه شيخ هَرِم كبير، وقد رزقه الله تعالى في حال هرمه ولدًا ذكرًا، فسماه عجيبًا لحُسْنه وجماله، وسلَّمَه إلى القوابل والمرضعات والجواري والسراري حتى نشأ وكبر، حتى بلغ من العمر سبع سنين من الأعوام على التمام، فرتَّبَ له أبوه كاهنًا من أهل ملته ودينه، فعلَّمَه شريعتهم وكفرهم وما يحتاج إليه في مدة ثلاث سنين كوامل، إلى أن مهر وقويت عزيمته وصحت فكرته، وصار عارفًا فصيحًا فيلسوفًا موصوفًا، يناظر العلماء ويجالس الحكماء، فلما رأى أبوه ذلك منه أعجبه، ثم علَّمَه ركوب الخيل والطعن بالرمح والضرب بالسيف إلى أن صار فارسًا شجاعًا، فما تمَّ عمره عشر سنين حتى فاق أهل زمانه في جميع الأشياء، وعرف أبواب الحرب، فصار جبَّارًا عنيدًا وشيطانًا مريدًا، وكان إذا ركب للصيد والقنص يركب في ألف فارس، ويشنُّ الغارات على الفوارس، ويقطع الطرق ويسبي بنات الملوك والسادات، وكثرت فيه لأبيه الشكايات، فصاح الملك على خمسة من العبيد، فحضروا فقال لهم: امسكوا هذا الكلب. فهجم الغلمان على عجيب، وكتَّفوه وأمرهم بضربه فضربوه حتى غاب عن الوجود، وسجنه في قاعة لا يعرف فيها السماء من الأرض ولا الطول من العرض، فمكث ليلة محبوسًا، فتقدَّمَ الأمراء إلى الملك وقبَّلوا الأرض بين يديه، وشفعوا في عجيب فأطلقه، فصبر عجيب على أبيه عشرة أيام ودخل عليه في الليل وهو نائم وضربه فرمى عنقه، فلما طلع النهار ركب عجيب على كرسي مملكة أبيه، وأمر رجاله أن يقفوا بين يديه، ويلبسوا البولاد، ويسحبوا سيوفهم، وأوقفهم ميمنة وميسرة، فلما دخل الأمراء والمقدمون وجدوا ملكهم مقتولًا وابنه جالسًا على كرسي مملكته، فتحيَّرَتْ عقولهم، فقال لهم عجيب: يا قوم، لقد رأيتم ما حصل لملككم، فمَن أطاعني أكرمته، ومَن خالَفَني فعلتُ به مثله.

فلما سمعوا كلامه خافوا منه أن يبطش بهم، فقالوا له: أنت ملكنا وابن ملكنا. وقبَّلوا الأرض بين يديه، فشكرهم وفرح بهم وأمر بإخراج المال والقماش، ثم إنه خلع عليهم الخلع السنية وغمرهم بالمال، فحبوه كلهم وأطاعوه، وخلع على النواب ومشايخ العربان، العاصي والطائع، فدانت له البلاد وأطاعته العباد، وحكم وأمر ونهى مدة خمسة أشهر، ثم رأى في منامه رؤيا، فانتبه فزعًا مرعوبًا ولم يأخذه منام حتى أصبح الصباح، فجلس على الكرسي ووقفت الجنود بين يديه ميمنة وميسرة، ثم دعا بالمعبِّرين والمنجِّمين، فقال لهم: فسِّروا لي هذا المنام. فقالوا له: وما المنام الذي رأيته أيها الملك؟ فقال: رأيت كأن والدي قدامي وانكشف إحليله، وخرج منه شيء قدر النحلة، فكبر حتى صار كالسبع العظيم بمخالب مثل الخناجر وقد خفت منه، فبينما أنا باهت فيه إذ همَّ عليَّ وضربني بمخالبه، فشقَّ بطني، فانتبهتُ فَزِعًا مرعوبًا. فنظر المعبِّرون إلى بعضهم وتفكروا في رد الجواب ثم قالوا: أيها الملك العظيم، هذا المنام يدل على مولود لك من أبيك، وتقع العداوة بينك وبينه ويظهر عليك، فخُذْ حذرك منه بسبب هذا المنام.

فلما سمع عجيب كلام المعبرين قال: ليس لي أخ أخاف منه، فقولكم هذا كذب. فقالوا له: ما أخبرنا إلا بما علمنا. فنفر فيهم وضربهم وقام ودخل قصر أبيه واختبر سراري أبيه، فوجد فيهن جارية لها سبعة أشهر، فأمر عبدين من عبيده وقال لهما: خذا هذه الجارية وامضيا بها إلى البحر وغرِّقاها. فأخذاها من يدها وذهبا بها إلى البحر، وأرادا أن يغرِّقاها، فنظرا إليها فوجداها بديعة الحُسْن والجمال، فقالا: لأي شيء نغرق هذه الجارية؟ وإنما نأخذها إلى الغابة ونعيش بها في تعريص عجيب. فأخذاها وسارا أيامًا وليالي حتى بعدَا عن الديار، فتوجَّهَا بها إلى غابة كثيرة الأشجار والأثمار والأنهار، واتفق رأيهما على أن يقضوا غرضهما منها، وصار كل واحد منهما يقول: أنا أفعل قبلك. واختلفا مع بعضهما، فطلع عليهما ناس من السودان، فسلوا سيوفهم وحملوا على بعضهم، واشتدَّ بينهم القتال والحرب والطعان، ولم يزالوا يحاربون العبدين حتى قتلوهما في أسرع من طرفة العين، وصارت الجارية تدور وحدها في الغابة وتأكل من أثمارها وتشرب من أنهارها، ولم تزل على هذه الحالة حتى وضعت غلامًا أسمر نظيفًا ظريفًا، وسمته الغريب لغُرْبته، وقطعت سُرَّته ولفَّتْه في بعض ثيابها، وصارت تُرضِعه وهي حزينة القلب والفؤاد على ما كانت فيه من العز والدلال. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤