الفصل الخامس

خرافات عن الإسلام، والمسلمين، والقرآن

  • (١)

    معظم المسلمين عرب وكل العرب مسلمون.

  • (٢)

    يعبد المسلمون إلهًا مختلفًا.

  • (٣)

    يُدين القرآن اليهودية والمسيحية.

  • (٤)

    يعني «الجهاد» الحرب المقدسة.

  • (٥)

    يُشجع القرآن العنف.

  • (٦)

    يُبيح القرآن إساءة معاملة النساء.

  • (٧)

    يَعِد القرآن الانتحاريين باثنتين وسبعين حورية في الجنة.

  • (٨)

    يرفض المسلمون الديمقراطية.

  • (٩)

    يخفق المسلمون في إعلان إدانتهم للإرهاب.

  • (١٠)

    يرغب المسلمون الأمريكيون في فرض الشريعة الإسلامية على الولايات المتحدة.

مقدمة

ذكرنا في الفصل الأول صفات بشرية عدة تؤدي إلى صنع الخرافات. إحداها أننا حيوانات اجتماعية نزَّاعة لرهاب الأجانب؛ الخوف من الغرباء يؤدي في كثير من الأحيان إلى الكراهية. ورأينا في الفصل الثالث أمثلة لهذه النزعة في خرافات معاداة الساميَّة. في هذا الفصل نرى مثالًا آخر: الخوف من المسلمين وكراهيتهم. اليوم يُطلق عليه «الإسلاموفوبيا»، وهو مصطلح استُخدم أول ما استُخدم في سيرة لحياة نبي الإسلام محمد، كُتبت باللغة الفرنسية عام ١٩١٨، خلال الاحتلال الفرنسي للجزائر — «حياة محمد، نبي الله» لألفونس إتيان دينيه وسليمان بن إبراهيم (١٩٣٧). للظاهرة جذور تمتد طويلًا حتى أول ظهور للإسلام بوصفه تهديدًا للسيطرة الرومانية على الشرق الأوسط. لكنها أصبحت ظاهرة بارزة في الولايات المتحدة وأوروبا منذ الأعمال الوحشية التي ارتكبها إرهابيون باسم الإسلام طوال السنوات العشرين الماضية.

المراجع

  • Dinet, A.É. and ben Ibrahim, S. (1937) La Vie de Mohammed, Prophète d’Allah, G.-P. Maisonneuve, Paris.

(١) معظم المسلمين عرب وكل العرب مسلمون

لا يا سيدتي، [باراك أوباما] رب عائلة مهذب، مواطن تصادف أن بيني وبينه اختلافات كبيرة حول المسائل الأساسية. (جون ماكين في أحد التجمعات الانتخابية في مدينة كولومبوس، بولاية أوهايو، في ١٠ أكتوبر، ٢٠٠٨، ردًّا على تعليق يقول إن السيد أوباما كان خطرًا لأنه كان عربيًّا. (شير، ٢٠٠٨))

تكشف الحادثة المُشار إليها أعلاه الخرافات السائدة حول المسلمين: أن كل المسلمين عرب، وأنهم يُخشَون. الواقع أن الأغلبية الساحقة من المسلمين ليسوا عربًا. الإسلام هو ثاني أكبر ديانة في العالم؛ حيث يبلغ عدد المسلمين حوالي ١٫٦ بليون شخص، أو ما نسبته ٢٣ في المائة من سكان الكرة الأرضية. وهناك ٢٢ دولة ذات أغلبية ناطقة باللغة العربية: الجزائر، والبحرين، وجزر القمر، وجيبوتي، ومصر، والعراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وليبيا، وفلسطين وموريتانيا، والمغرب، وعُمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والصومال، والسودان، وسوريا، وتونس، والإمارات العربية المتحدة، واليمن — لكنها تشكل أقل من ٢٠ في المائة من المسلمين بالعالم. الأغلبية الساحقة من المسلمين ليسوا عربًا.

الدولة التي تحتوي على أكبر عدد من المسلمين هي إندونيسيا، التي تبعد ٤٠٠٠ ميل عن أقرب دولة عربية. إندونيسيا موطن أكثر من ٢٠٠ مليون مسلم؛ أي أكثر من ضعف عدد المسلمين بمصر، التي تعد أشهر بلد عربي. والبلدان التي تلي إندونيسيا من حيث أكبر تجمع سكاني من المسلمين هي باكستان، بنسبة ١١ في المائة من إجمالي عدد المسلمين في العالم، الهند بنسبة ١٠٫٩ في المائة، بنجلاديش بنسبة ٩٫٢ في المائة. ليس أيٌّ منها بلدًا عربيًّا. من البلدان غير العربية الأخرى التي تضم أعدادًا كبيرة من السكان المسلمين نيجيريا التي يقطنها ٧٥٫٧ مليون مسلم، أوزبكستان التي بها ٢٦٫٨ مليون مسلم، الصين التي بها ٢٣٫٣ مليون مسلم، وروسيا التي بها ١٦٫٤ مليون مسلم. وعدد المسلمين بالصين أكبر من عددهم في سوريا، وتقريبًا مثل عددهم في المملكة العربية السعودية.

حتى في الشرق الأوسط، البلدان التي تحتوي على أكبر عدد من السكان المسلمين ليست عربية. ولا يوجد تعريف واحد لكلمة «عربي»، لكن الأغلب أن المصطلح يُشير إلى أولئك الناطقين الأصليين باللغة العربية. اللغة العربية هي لغة سامية مثل العبرية. والواقع أن اللغة العربية هي أوسع اللغات الساميَّة المنطوقة شيوعًا، تليها اللغة الأمهرية (يتحدث بها سكان إثيوبيا، وهي دولة أغلبيتها مسيحية في شرق أفريقيا)، تليهما العبرية (إحدى اللغتين الرسميتين بإسرائيل؛ العربية هي اللغة الأخرى). اللغة الآرامية — التي كان يتحدث بها يسوع — هي لغة سامية أيضًا، وما زال يتحدث بها بعض الناس في سوريا. يوجد أكبر تجمع سكاني من المسلمين في بلدان الشرق الأوسط في تركيا وإيران. تنتمي اللغة التركية إلى مجموعة لغوية مختلفة. التركية لها بنية ومفردات وكتابة مختلفة تمامًا عن العربية. لغة إيران هي الفارسية؛ الواقع أن إيران كانت تُسمى بلاد فارس حتى عام ١٩٣٥. الفارسية هي لغة هندية-أوروبية، ذات صلة بالإنجليزية والألمانية. وهي تستخدم كتابة عربية معدَّلة لكن مفرداتها وبنيتها مختلفتان أيضًا عما في العربية.

إضافة إلى هذا، ليس كل العرب مسلمين. فكل البلدان ذات الأغلبية العربية، باستثناء السعودية، تضم نسبة كبيرة من السكان غير المسلمين، المسيحيين في المقام الأول. عدد السكان المسيحيين بمصر هو الأكبر في الشرق الأوسط — تتراوح التقديرات ما بين ١٠ في المائة و١٨ في المائة من السكان — مع أن لبنان هي الكبرى من حيث نسبتهم التي تقترب من ٤٠ في المائة من سكانها. وعلى الرغم من أن معظم يهود الشرق الأوسط انتقلوا من البلدان العربية إلى إسرائيل عقب إنشائها عام ١٩٤٨، لا يزال هناك يهود فُرس، ويهود أتراك، ويهود عرب. سفيرة البحرين لدى الولايات المتحدة، هدى نونو، هي امرأة يهودية.

وفي الولايات المتحدة، أغلبية السكان الذين يُعرِّفون أنفسهم بأنهم «أمريكيون عرب» — نحو ثلثيهم — مسيحيون وليسوا مسلمين. من بين هؤلاء شخصيات سياسية مثل دارِل عيسى، وجون سنونو، وسبنسر أبراهام، ودونا شلالا، وجورج ميتشل، وكذلك شخصيات رياضية مثل دوج فلوتي، وبوبي رحال، ومصمم الأزياء جوزيف عبود، وجراح القلب مايكل دبيكي، ورائدة الفضاء كريستا مكوليف، والفنانون، مثل الموسيقار فرانك زابا، والفنانة الموسيقية باولا عبدول، والممثلة ويندي مالك، والممثل توني شلهوب، والممثلة سلمى حايك.

كان للخلط ما بين العرب والمسلمين عواقب مأساوية في ساحة جرائم الكراهية. لا شك في أن مرتكبي الهجمات الإرهابية في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ كانوا رجالًا عربًا. لا يعني هذا بالطبع أن كل الرجال العرب إرهابيون، لكن، كما هو متوقع، ارتفعت جرائم الكراهية ضد العرب بعد تلك الأحداث البشعة ارتفاعًا حادًّا. ومع ذلك، فقد سبق، مع الأسف، أن أعقبت جرائم الكراهية ضد الأمريكيين العرب والأمريكيين المسلمين أيضًا الهجوم الإرهابي عام ١٩٩٥ على المبنى الفيدرالي بمدينة أوكلاهوما سيتي بولاية أوكلاهوما، حيث أودت شاحنة محملة بالمتفجرات بحياة ١٦٨ شخصًا، وجرحت أكثر من ٥٠٠ شخص. أُدين في هذا التفجير تيموثي مك فاي وتيري نيكولاس، وكلاهما من المسيحيين البيض غير العرب. والأكثر من ذلك، أن أناسًا كثيرين ليسوا عربًا ولا مسلمين راحوا ضحية جرائم الكراهية الموجهة ضد العرب و/أو المسلمين. صار الرجال السيخ، وهم أتباع تقليد توحيدي من جنوب آسيا معروفون بارتداء عمامات مميزة، ضحايا مرارًا. فبعد أربعة أيام فقط من هجمات ١١ سبتمبر، اغتيل صاحب محطة بنزين بولاية أريزونا يُدعى بالبير سينغ سودهي، في عملية ثأر واضح من الهجمات. وفي نوفمبر ٢٠٠٩، حينما سأل كاهن من طائفة الروم الأرثوذكس رجلًا عن الاتجاهات، ضربه الرجل بقضيب الإطارات الحديدي، وثبَّته على الأرض، واتصل برقم ٩١١ (الطوارئ) مبلغًا أنه أمسك بإرهابي.

المراجع

  • Shear, M.D. (2008) McCain Moves to Soften the Tone at Rallies, if Not in Ads, Washington Post, October 11.

(٢) يعبد المسلمون إلهًا مختلفًا

العالم كله يمزقه الصراع الديني … سواء أكان هُبَل، إله القمر في مكة، المعروف باسم «الله» هو الأسمى، أم كان «يهوه» اليهودي-المسيحي، الله المذكور في الكتاب المقدس هو الأسمى. (بات روبرتسون، رئيس شبكة الإذاعة المسيحية، مؤسِّس جامعة ريجنت، وأحد المرشحين للرئاسة الأمريكية في عام ١٩٨٨، في خطاب بمدينة هرتسليا بإسرائيل، ديسمبر ٢٠٠٣ (روبرتسون، ٢٠٠٣))

كما يشير الاقتباس المذكور أعلاه، ثمة اعتقاد شائع بأن «الله»، الإله الذي يعبده المسلمون، يختلف عن «الله» الذي يعبده الموحِّدون الآخرون. ومن المبشرين المسيحيين الآخرين الذين يؤكدون أن المسلمين يعبدون إلهًا وثنيًّا، رود بارسلي، المبشر التليفزيوني، راعي كنيسة ورلد هارفست بمدينة كولومبوس، ولاية أوهايو. خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠٠٨، خاض الحملة الانتخابية مع حملة جون ماكين. في كتابه «كفانا صمتًا: جلب الوضوح الأخلاقي لأمريكا … بينما لا تزال الحرية تدق أجراسها» (٢٠٠٦)، يقدِّم بارسلي الإسلام على أنه «ديانة عدو المسيح» القائمة على «الخداع»؛ فالنبي محمد «تسلَّم النصوص المُوحَى بها من الشياطين لا من الله الحقيقي.» ويقول إن ««الله» هو في الحقيقة روح شريرة.»

وليس المبشرون المسيحيون الوحيدين الذين يقولون إن المسلمين يعبدون إلهًا مختلفًا. فالتدوينة المُعنونة ﺑ «لماذا «الله» Allah ليس الله God؟» على الموقع الإلكتروني الشهير «إسلام ووتش» تناقش أمرين؛ أولهما أن الله الإسلام لا يمكن أن يكون الله الكتاب المقدس؛ لأنه غير كامل أخلاقيًّا؛ إذ يحض على العنصرية، والشهوانية، والعبودية، وذبح غير المؤمنين. ثانيًا: أن محمدًا اخترع «الله» ليسوِّغ سلوكه الداعر.

ستكشف أي دراسة متأنية للقرآن وحياة محمد لأي شخص موضوعي الرأي أن محمدًا لم يتحدث قطُّ إلى إله خارق للطبيعة أو يتسلَّم الوحي من مثل هذا الكائن. اخترع محمد «الله» وحوَّله إلى إله مجرم ليمنح نفسه قوة سياسية، ويستغل تعاليمه الملفقة التي يزعم أنه تسلمها من «الله» مُتخيَّل، بوصفها تبريرًا دينيًّا وشرعيًّا لإجرامه. ولا يوجد «الله» إلَّا في خيال محمد. محمد و«الله» واحد — اثنان في واحد. بمباركة «الله»، مارَس محمد الخديعة والتعذيب والقتل والاغتيال والذبح والإبادة والسلب والاستعباد والاغتصاب بوصفها أفعالًا حلالًا (شرعية)، جزاؤها الجنة طالما أنها تُرتكب ضد كفار. وصارت هذه التعاليم الشريرة اللاأخلاقية شريعة «الله» الأبدية («إسلام ووتش»، على الإنترنت).

على الرغم من هذه الادعاءات؛ فإن لفظة «الله» ليست إلا الترجمة العربية لكلمة «الإله (الواحد)». وهي الكلمة التي يستخدمها المسيحيون واليهود العرب للإشارة إلى الله. استخدم المبشرون المسيحيون الذين ترجموا الكتاب المقدس إلى اللغة العربية لفظة «الله» للإشارة إلى الله، وهو شيء ما كانوا ليفعلوه لو أنهم اعتقدوا أن كلمة «الله» تعني إلهًا وثنيًّا. وفي وصف خلق العالم في الصفحة الأولى من سفر التكوين نجد لفظة «الله» أكثر من اثنتي عشرة مرة. وفي الترجمة العربية للأناجيل الأربعة، يُسمى يسوع «ابن الله».

توضح اللغات القريبة من العربية أيضًا تساوي كلمتَي God و«الله»؛ ففي اللغة الآرامية، التي كان يسوع ينطق بها، تشير كلمة «اللها» Allaha إلى الله. وفي اللغة المالطية، التي تقوم على العربية ويتحدث بها الكاثوليكيون في المقام الأول، تشير كلمة «أللا» إلى الله.
إذًا، يشبه قول إن المسلمين لا يعبدون «الله» God لأنهم يعبدون الله Allah، قول إن الألمان لا يعبدون «الله» God لأنهم يعبدون Gott (لفظ الله في الألمانية)، وإن المتحدثين بالإسبانية لا يعبدون God لأنهم يعبدون Dios (الله بالإسبانية). وفقًا لهذا المنطق الملتوي، لا يأكل الألمان والإسبان «الخبز» bread لأنهم يأكلون الخبز brot والخبز pan.

نجد زعم بات روبرتسون بأن «الله» هو الإله هُبل الذي كان يوجد قبل الإسلام في كتاب روبرت موري (٢٠١١) «الغزو الإسلامي: التصدي لأسرع أديان العالم نموًّا». يزعم موري أن الصابئة كانت الثقافة السائدة في شبه الجزيرة العربية قبل مجيء محمد، وقد كان معتنقوها يعبدون إلهًا للقمر كانوا يسمونه «الله». ويبدو أنه استمد استنتاجه بأن محمدًا كان يعبد إله القمر من استخدام القرآن كلمة «الله» للإشارة إلى الله.

في الواقع، للفظ «الله» تراث يرجع إلى ما قبل الإسلام، لكن لا يشار به إلى أي إله معين؛ فهو يرتبط، بوصفه مصطلحًا عامًّا، بالكلمة العبرية «إيل»، وكان من الممكن استخدامه للإشارة إلى أي إله. تشير الأدلة التاريخية إلى أن عرب ما قبل الإسلام أدركوا وجود إله خالق قوي، يُشار إليه بلفظة «الله»، كان يوجد إلى جانب آلهة أخرى أقل قوة. ويشير القرآن بالفعل إلى ثلاثة آلهة بالقرب من مكة — مسقط رأس محمد — كبنات لله. ذُكر المصطلح نفسه في «ملحمة أتراخسيس» البابلية (العراق الحالية) القديمة (عام ١٧٠٠ قبل الميلاد تقريبًا)، بالإضافة إلى نقوش تعود إلى مملكة الأنباط (القرن الثاني قبل الميلاد في الأردن الحالية وأجزاء من شبه الجزيرة العربية). قبل الإسلام مباشرة، كانت الكعبة، وهي مكان مقدس في مكة، موقعًا يحج إليه أتباع مئات الآلهة القَبَلية. ويعتقد العلماء أيضًا أنها كانت مرتبطة بهذا الإله الخالق الأكثر قوة.

يتفق هذا مع المعتقد الإسلامي. وفقًا للقرآن، بنى الكعبة في الأساس الأب الجليل إبراهيم وابنه إسماعيل، وكرَّساها للإله الواحد، الله، لكن على مرِّ القرون، ضل الناس طريقهم وانصرفوا إلى عبادة الآلهة القبلية. وكانت مهمة محمد أن يُذكِّر الناس بالإله الواحد الحقيقي، الله. وفي نهاية المطاف، طهَّر الكعبة من رفات الآلهة المزيفة وأعاد تكريسها لله.

يُعبر عن هذا التعهد في الشهادة الإسلامية «أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.» كما يُعبَّر عنه في القرآن أيضًا:

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. (سورة الأعراف: ٥٤)

يحرِّم الإسلام أيضًا عبادة القمر أو أي شيء إلا الله الواحد: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (سورة فُصِّلت: ٣٧).

ويقول القرآن لليهود والمسيحيين خصوصًا: آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (سورة العنكبوت: ٤٦). والشيء المثير أن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش قَبِل هذا الزعم؛ ففي مقابلة في ٤ أكتوبر ٢٠٠٧ مع قناة العربية (برنامج «بصراحة»، ٢٠٠٧)، قال: «أومن بالله القدير، وأومن بأن العالم بأسره، سواء المسلمون أو المسيحيون أو أتباع أي ديانة أخرى، يصلي للإله نفسه.» وكرر في المقابلة نفسها: «أومن أن هناك إلهًا واحدًا لكل الكون. أومن أن الله الذي يصلي له المسلمون هو نفسه الله الذي أصلي له. فأولًا وأخيرًا، كلنا أولاد إبراهيم. أومن بهذه الشمولية.» إلا أنه في غضون أيام، هاج الإنترنت ووسائل الإعلام بالغضب على تصريحات جورج دبليو بوش، الرئيس في وقتها. وفي استطلاع لآراء القادة المسيحيين الإنجيليين، عارض ٧٩ في المائة آراءه. واقترح قساوسة عدة طرده من الكنيسة التي يؤمها. وفي مقال بعنوان «الإله نفسه؟» كتب كاتب العمود الذي يكتب في صحف عديدة، كال توماس:

لا تتناقض مذاهب ما يُطلق عليه مسيحية تناقضًا صارخًا مع الإسلام فحسب، ولكنها تعلِّم شيئًا مخالفًا لما يقول الرئيس إنه يعتقده … إن كنا كلنا نعبد الإله نفسه، فحينئذٍ يجدر بالرئيس أن يلبي دعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وأسامة بن لادن، ويعتنق الإسلام ولا يعود هدفًا لحنقهما. ما الفرق الذي سيحدث إن عبدنا كلنا الإله نفسه؟ (توماس، ٢٠٠٧)

على خلاف الخرافات التي تقوم على المعلومات المغلوطة البسيطة، هذا مثال لتعنت الخرافات التي تعود جذورها إلى كره الأجانب. على الرغم من أقوال القرآن والمسلمين والعلماء؛ فإن كثيرين ممن يعانون رهاب المسلمين يرفضون ببساطة قبول أن المسلمين هم موحِّدون عاديون.

المراجع

(٣) يُدين القرآن اليهودية والمسيحية

الكتاب المقدس عند المسلمين … يزعم أن الله مسخ اليهود العصاة قِرَدَةً خَاسِئِينَ (سورة البقرة: ٦٥، سورة الأعراف: ١٦٦) والْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ (سورة المائدة: ٦٠). (سبنسر ٢٠١٣)

كثيرًا ما يستخدم المبشرون والأكاديميون والشخصيات الإعلامية الذين يهاجمون الإسلام مصطلحات مثل «الفاشية الإسلامية»، ويقرنونه ﺑ «صراع الحضارات» لإظهار الإسلام دينًا غريبًا أجنبيًّا معاديًّا لليهودية والمسيحية. وأحيانًا ما يُوصف محمد، نبي الإسلام، بأنه عدو «التقليد اليهودي-المسيحي». وفقًا لهذا الرأي، يكون القرآن، الكتاب المقدس الذي يعتقد المسلمون أنه موحًى به من الله من خلال محمد، بالنسبة إلى الكتاب المقدس بمنزلة عدو المسيح بالنسبة إلى المسيح.

في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠٠٨، كما ذكرنا في الخرافة السابقة، ظهر جون ماكين في لقاء تليفزيوني مع رود بارسلي، المبشر التليفزيوني وراعي كنيسة ورلد هارفست بمدينة كولومبوس، بولاية أوهايو. يفرد بارسلي في كتابه «كفانا صمتًا» (٢٠٠٦) فصلًا بعنوان «الإسلام: مخادعة الله»، يحذر من «الحرب بين الإسلام والحضارة المسيحية»:

لا أعتقد أن بلادنا يمكنها أن تنجز حقًّا غرضها الإلهي حتى نفهم صراعنا التاريخي مع الإسلام … الحقيقة هي أن أمريكا قد أُسِّست جزئيًّا بغرض رؤية هذا الدين الزائف مدمَّرًا، وأنا أعتقد أن ١١ سبتمبر ٢٠٠١ كان دعوة جيلية إلى الأسلحة لا يمكننا تجاهلها بعدُ. (٢٠٠٦: ٩٠)

وفي صيف ٢٠١٠، أعلن القس تيري جونز، راعي «دوف ورلد أوتريتش سنتر» بمدينة جينزفيل، ولاية فلوريدا، أن ١١ سبتمبر ٢٠١٠ سوف يكون «اليوم العالمي لحرق القرآن»؛ فقد ذكر أن إتلاف نسخ من القرآن على الملأ سوف يُظهر احتقار المسيحيين السليم ﻟ «دين الشيطان». وبعد مناشدات من الرئيس باراك أوباما وكثير من القادة الدينيين، ألغى القس جونز الحدث. لكن بعدها بستة أشهر، عقد جونز محاكمة أطلق عليها «القاضي الدولي ويوم القرآن»، منصِّبًا نفسه قاضيًا، مرتديًا رداء القضاة. وكانت التهمة الموجهة للقرآن هي «إثارة العنف»، وبعد ست ساعات، وجدت هيئة المحلَّفين القرآن مذنبًا. ونفذ العقوبة — وهي التدمير حرقًا — القس وين ساب.

تعود هجمات من هذا النوع على القرآن ومحمد إلى زمن سحيق في التاريخ المسيحي؛ فبعد قرن واحد من وفاة محمد عام ٦٣٢، ندد يوحنا الدمشقي، آخر آباء الكنيسة اليونانيين، بمحمد باعتباره نبيًّا زائفًا ومهرطقًا. نشأ يوحنا في دمشق، في سوريا، في ظل حكم المسلمين. ويتناول الجزء الثاني من عمله البارز «ينبوع المعرفة»، بعنوان «بشأن الهرطقة» (تشيس، ١٩٥٨: ١٥٣–١٥٩) معظم الهرطقات في عجالة، إلا أنه يتوقف عند الإسلام فيُفرد له صفحات عديدة. وإذ يُشير إلى المسلمين ﺑ «الإسماعيليين»، يُطلق يوحنا على الإسلام خرافة ونذيرًا بمَقْدِم أعداء المسيح. ويتتبع الجذور القديمة للمسلمين حتى إبراهيم وجاريته هاجر. لكن، بدلًا من أن ينظر إلى هذا النَّسب على أنه صلة تاريخية تؤكد أصالة التقليد، مثلما يفعل المسلمون، يقول يوحنا إنهم كانوا عبدة أصنام، وإن محمدًا كان نبيًّا زائفًا. وبعد وصفه القرآن بأنه مجموعة من «المؤلفات السخيفة»، يسخر يوحنا من إجازة القرآن تعدد الزوجات، والتسرِّي، والطلاق، إلى جانب بعض القصص الغريبة غير الموجودة فعليًّا في القرآن، كما يرفض السورة الثانية من القرآن بأكملها، مشيرًا إلى أنها تعج «بالأمور السخيفة والحمقاء» بقدر أكبر مما يستحق عناء سردها. ثم يُقدم يوحنا زعمًا زائفًا تمامًا بأن الشريعة الإسلامية تشترط ختان النساء، ثم يُعبر عن حنقه من أن المسلمين لا يتعمَّدون، أو يلتزمون بيوم راحة المسيحيين (تشيس، ١٩٥٨).

ومِن ثَمَّ يصف هذا المؤلَّف المسيحي الأصيل الأول عن الإسلام محمدًا بأنه مهرطق فاسق يقول «أمورًا سخيفة وحمقاء»، ورافض للمسيحية. تفاقمت المنافسة السياسية بين الإمبراطوريات المسيحية الأوروبية والإسلامية الشرق أوسطية، مفضية في آخر المطاف إلى سلسلة من الهجمات الأوروبية في الشرق الأوسط، بدءًا من عام ١٠٩٦ — الحروب الصليبية. في سياق هذه الحروب أظهر المسيحيون المسلمين بصورة شيطانية باعتبارهم وثنيين، وازدادت قصص رفض محمد للمسيحية شططًا. وفقًا لواحدة من القصص الشعبية، كان محمد كاردينالًا محبَطًا بشدة لأنه لم يُنتخَب بابا، حتى إنه بدأ حركة الإسلام الجديدة.

قد لا يكون هناك مثال للاقتناع بأن محمدًا كان عدوًّا للمسيحية أفضل على الإطلاق من مثال «الكوميديا الإلهية» لدانتي، التي يعتبرها بعض الناس واحدة من أعظم أعمال الأدب الغربي. يصف المجلد الأول، «الجحيم»، تسع دوائر من الجحيم للخطايا المتعاظمة. يجثم في الخندق التاسع من الدائرة الثامنة «زارعو الشقاق»؛ أي الأشخاص الذين يمزقون نسيج المجتمع. والمثل الرائد هنا هو محمد وابن عمه وصهره علي. ولما كان العقاب في «الجحيم» يناسب الجريمة، فعقوبة محمد وعلي هي أن يمزقهما شيطان بسيف مرارًا وتكرارًا إلى أبد الدهر.
لا حتى برميل مكسور الغطاء أو الحواف يظل فارغًا كالمخلوق الذي رأيته مبقورًا من عنقه إلى مخرجه.
بين ركبتيه تدلت أحشاؤه. وأيضًا رئته وكيس النتن الذي يحوي فضلات البشر.
وبينما أنا أمعن النظر مدَّ يديه فاتحًا بهما صدره وقال لي: انظر كيف أتمزق. انظر إلى مَآلِي أنا محمد! وهذا علي أمامي ينوح مفلوق الرأس من جبينه إلى ذقنه.
كل روح تلمحها هنا، عاشت ناشرة للرذيلة والتفرُّق لذا تراها هنا ممزقة الأجساد.
وخلفنا شيطان يزيننا بهذه الطريقة الوحشية، ويمررنا نحن وكل معذَّبي هذا الوادي تحت سيفه البتار إذا أكملنا دورتنا في درب هذه الآلام. ذاك لأن جراحنا كلما تندمل نعود ثانية نحوه.
(دانتي ٢٠٠٢، الأنشودة ٢٨، ٢٢–٤٢)
على مرِّ القرون، اتسعت الرقعة التي تضم أعداء محمد لتشمل إلى جانب المسيحيين اليهود أيضًا. ونتيجة لذلك انتشرت صور محمد وهو يتعذَّب في الجحيم. وأحد الأمثلة العشوائية المعاصرة لهذا:

ومَن أكبر زراع للشقاق في جحيم دانتي؟ ليس سوى محمد … الذي كان، كما لحظت مرارًا، أكبر كاره ومولِّد للكراهية في التاريخ، «هتلر الناجح» الذي ظل يعلِّم المسلمين على مدار الألف والأربعمائة سنة الماضية أن غير المسلمين جميعهم هم أعداء لله فاسدون يستحقون القتل بجريمة إنكارهم الله ونبيه؛ الرجل الذي شن حرب المسلمين ضد كل البشرية من غير المسلمين التي لا يمكن أن تنتهي ما دام ظل الإسلام موجودًا. («فيو فروم ذي رايت»، على الإنترنت)

ومع هذا، فالواقع أن محمدًا لم ترفضه تعاليم المسيحية ولا اليهودية. كان هناك في القرن السابع في شبه الجزيرة العربية، حيث عاش محمد، تنوع ديني كبير. كان بعض الناس متعددي الآلهة، والبعض يهودًا، والبعض مسيحيين، والبعض صابئين (ديانة توحيدية قديمة)، والبعض كانوا موحدين غير طائفيين. عبد هؤلاء «الأحناف» إلهًا واحدًا — إله إبراهيم — لكنهم لم يُعرِّفوا أنفسهم على أنهم يهود أو مسيحيون أو صابئون. يذكر القرآن كل هذه الجماعات وأنبياءها، ويقدم محمدًا على أنه نبي يدعو الناس إلى تذكُّر تعاليم التوراة والإنجيل واتِّباعها. تعني كلمة «إسلام» «الخضوع»؛ ولله يدعو القرآن كل شخص أن يخضع. وعلى عكس فكرة أن القرآن يرفض اليهود والمسيحيين؛ فإنه يحتضنهم باعتبارهم «أهل الكتاب» الذين تلقَّوا الوحي من الله الواحد الأحد.

يقدم القرآن محمدًا على أنه يواصل ويُنقِّي التقليد الذي بدأه الأب الجليل إبراهيم المذكور في الكتاب المقدس. وهذا هو السبب في تسمية اليهودية والمسيحية والإسلام تقاليد «إبراهيمية». ومثلما بدأ يسوع تبشيره بوصفه مصلحًا في نطاق التقليد الإبراهيمي الذي سُمِّي فيما بعدُ «اليهودية»، وبدأ دينًا إبراهيميًّا جديدًا سُمِّي فيما بعدُ «المسيحية»، هكذا لم يكن محمد يبدأ دينًا جديدًا منفصلًا عن التقاليد الإبراهيمية الأخرى. على النقيض، كان يسعى إلى جعل الناس يَحيَون وفقًا لهذه التقاليد. ما كان ينادي به هو الرسالة الأساسية للكتاب المقدس — لا إله إلا الله، وهو خلق البشر ليفعلوا مشيئته بإقامة مجتمعات عادلة. وفي القرآن، لم يؤمر المسلمون بحماية المساجد وحسب، ولكن أيضًا المعابد والكنائس لأنها يُذكر فيها اسم الله.

لمَّا بدأ محمد دعوته في مكة، موطنه، رأى اليهود والمسيحيين حلفاء طبيعيين. وبعد انتقاله إلى المدينة عام ٦٢٢، وضع «دستور المدينة»، اتفاقًا بين الجماعات الموجودة هناك، ومنها كثير من القبائل اليهودية. كفل هذا الدستور حقوقًا متساوية؛ منها الحرية الدينية، ما دام الجميع يحترمون الدستور. وكانت ضمانات دستور المدينة للحرية الدينية تُستَخدم نموذجًا للحرية الدينية أينما طُبقت الشريعة الإسلامية.

وبينما يُعيد القرآن تأكيد أن التوراة والإنجيل وحي الله، فلديه اختلافات مع بعض التأويلات اليهودية والمسيحية لهذين الكتابين. يرفض القرآن الزعم بأن لليهود علاقة حصرية مع الله، مؤكدًا أن جميع الناس لديهم فرص متساوية للوصول إلى الله. كما يرفض أيضًا الاعتقاد بأن يسوع هو الله وأن الله هو ثالوث من ثلاثة أقانيم. من وجهة نظر القرآن، هذه الادعاءات تخرق فكرة التوحيد. يؤكد القرآن صحة الكتابين المقدَّسَين السابقَين له وأصالتهما، ويدعو الناس ببساطة إلى فهمهما على نحو صحيح والعيش وفقًا لتعاليمهما.

كل الأنبياء مقدَّمون في القرآن باحترام كبير، وخصوصًا عيسى الذي يصفه القرآن بأنه واحد من أعظم الأنبياء، وصانع معجزات، والمسيح. يقول القرآن إن عيسى وُلِد من عذراء، وشفى العُمْي والمرضى، وأحيا الموتى. بل ويذكر أيضًا معجزة لم ترد في الأناجيل — خَلْق طائر من الطين ثم نفْخ الحياة فيه (سورة آل عمران: ٣٩؛ سورة المائدة: ١١٠). وتوجد سورة في القرآن على اسم مريم، أُم يسوع. وهي المرأة الوحيدة المذكورة باسمها في القرآن، ويرد اسمها في القرآن أكثر مما يرد في الأناجيل.

يدعو القرآن الناس كلهم إلى معرفة الله الأحد وتنفيذ إرادة الله إقامةَ مجتمع عادل، ليُنشِئوا في المجتمع المساواة التي يتقاسمها جميع الناس في أعين خالقهم. وهو يزعم أن جميع المؤمنين، سواء اليهود، أو النصارى، أو الصابئون مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (سورة البقرة: ٦٢؛ سورة المائدة: ٦٩). إذًا، المهم من وجهة نظر القرآن ليس هوية المرء الدينية، ولكن ما إذا كان المرء يعتقد الحق ويتصرف بالعدل. يقول القرآن بالتحديد إنه ليس كل اليهود ولا النصارى سواءً؛ فالبعض منهم يعتقد ويسلك على نحو صحيح، والبعض الآخر لا يفعل هذا (سورة آل عمران: ١٠٩-١١٠). من ثم فالمسلمون مأمورون بألَّا يجادلوهم. ويستطرد قائلًا: وقولوا لهم: إِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (سورة العنكبوت: ٤٦).

ينتشر على نطاق واسع الاعتقاد بأن القرآن يُدين المسيحية واليهودية لدرجة أن بعض المسلمين يصدقونه. ربما يرجع هذا إلى قراءة نصوص معينة من القرآن خارج السياق. على سبيل المثال، جاءت لحظة في الأيام الأولى للإسلام كان المسيحيون واليهود يسخرون فيها من الإسلام. وعلى الرغم من ذلك، أراد بعض أفراد المجتمع الإسلامي إقامة تحالفات معهم. في هذا السياق نصح القرآن المسلمين بألا يتخذوا هؤلاء اليهود والنصارى أولياء (سورة المائدة: ٥١). هناك أيضًا نص عن بعض أفراد المجتمعات الذين سبق أن تلقَّوا الوحي في الماضي ولكن ارتدُّوا عنه، و«كعقاب»، و«عبرة» للآخرين، حوَّلهم الله إلى قِرَدَة (أو قِرَدة وخنازير في إحدى الإشارات) (سورة المائدة: ٥٩-٦٠، سورة البقرة: ٦٣–٦٥، سورة الأعراف: ١٦٦).

لكن آيات أخرى تبيِّن أن القرآن لا يُدين اليهود والمسيحيين كافة. في حقيقة الأمر، يؤكد القرآن أن اليهود والنصارى لَيْسُوا سَوَاءً. بعضهم صالحون؛ ولذا فليس هناك ما يمنع مُوادَّتهم (سورة آل عمران: ١١٣-١١٤، سورة آل عمران ١٩٩). إن القرآن شديد الوضوح في قبوله التنوع الديني. بل يخلص في الواقع إلى أن التنوع الديني جزء من التدبير الإلهي:

لِكُلٍّ [المجتمعات الدينية] جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [للممارسة] وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الكتب المقدسة الثلاثة] فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. (سورة المائدة: ٤٨؛ قارن بسورة هود: ١١٨)

المراجع

قراءات إضافية

  • Reeves, M. (2003) Muhammad in Europe: A Thousand Years of Western Myth-Making, New York University Press, New York.
  • Sonn, T. (2010) Islam: A Brief History, second edition, John Wiley & Sons, Ltd, Chichester.
  • Tolan, J. (2002) The Saracens: Islam in the Medieval European Imagination, Columbia University Press, New York.

(٤) يعني «الجهاد» الحرب المقدسة

ماذا تعني اللفظة العربية «جهاد»؟ جاءت إحدى الإجابات الأسبوع المنصرم، حينما طلب صدام حسين من الزعماء الإسلاميين مناشدة المسلمين في كل أنحاء العالم للانضمام إلى جهاده كيما يتمكن من هزيمة «الأمريكيين الأشرار» إذا ما هاجموا العراق؛ ثم هدد هو نفسه الولايات المتحدة بالجهاد. كما يوحي هذا، الجهاد هو «حرب مقدسة». أو على نحو أدق: الجهاد هو المجهود الشرعي الإلزامي الجماعي لتوسيع الأقاليم التي يحكمها المسلمون على حساب الأقاليم التي يحكمها غير المسلمين. (دانييل بايبس (٢٠٠٢))

في ربيع ٢٠١٣، أطلقت باميلا جيلر — التي وصفتها صحيفة «ذي نيويورك تايمز» بأنها «المدير التنفيذي للجماعة المساندة لإسرائيل «المبادرة الأمريكية للدفاع عن الحرية»» (ياتشينو وتنج، ٢٠٠٧) ومدوِّنة نشطة (يمكن زيارة مدونتها «أطلس شرجز» على موقع http://atlasshrugs2000.typepad.com) — حملةً لتثقيف العامة حول المخاطر الحقيقية للجهاد. تضمنت الحملة نشر صور واقتباسات لإرهابيين يؤيدون قتل اليهود، وجاءت ردًّا على حملة كان يجريها مسلمون أمريكيون. شملت حملة المسلمين إعلانات في محاولة لمواجهة الصور النمطية السائدة عن المسلمين بأنهم إرهابيون (ياتشينو وتنج، ٢٠٠٧).

على الرغم من جهود غير المسلمين مثل جيلر، يظل المسلمون مقتنعين بأن فهمهم لمعنى كلمة جهاد صحيح. ومع ذلك، فالافتراض الواسع الانتشار هو أن لفظة «جهاد» تعني «الحرب» أو «الحرب المقدسة» أو «الحرب ضد الكفار»، لدرجة أن هذه هي التعريفات المنتشرة للمصطلح في القواميس الموجودة على الإنترنت.

في حقيقة الأمر، يُستخدَم مصطلح «الجهاد» من قِبَل المسلمين بالطريقة ذاتها التي يُستخدَم بها مصطلح «حملة صليبية» من قِبل المسيحيين. هو مصطلح عام، يُشير إلى الجهد أو الكفاح في مواجهة العقبات الكبيرة مثل الظلم، أو المرض، أو الفاقة. ومما يدعو إلى الأسف أن إساءة استخدامه من قِبَل الإرهابيين لتبرير أفعالهم أدَّت إلى حدوث تشويش حول معناه. لا تعني لفظة «جهاد» «حربًا مقدسة». معناها أوسع من هذا، ولا يمكن فهمه إلا في سياق التعاليم الإسلامية.

يعتبر الإسلام نفسه دينًا توحيديًّا تقليديًّا. وهو يتقاسم التاريخ والقيم مع اليهودية والمسيحية، شقيقتيه في التقليد الديني الذي بدأ بعهد بين الله وإبراهيم (لهذا سُمِّي التقليد الإبراهيمي). يُطلَق على اليهود والمسيحيين في الإسلام «أهل الكتاب»، لأنهم هم أيضًا تلقَّوا وحيًا حقيقيًّا من الأنبياء. وكثيرًا ما يشير القرآن في استحسان إلى التوراة والإنجيل، داعيًا الناس إلى تذكر تعاليمهما. وفقًا للتعاليم الإسلامية، كان الأنبياء كافة يدعون البشرية لفعل الشيء نفسه. لا بد من طاعة الأمر بأن يُحْيوا في المجتمع المساواة التي يتقاسمها الناس جميعًا في أعين الله. خلق الله جميع البشر متساوين — ليس في الثروة أو القوة أو الموهبة، ولكن في المسئولية الأخلاقية، والحقوق الأساسية، والاعتماد على الله. يقول القرآن إن الله خلق البشر بحيث يكونون خلفاءه، ليحموا المساواة بين الناس ويصونوها، ويهتموا اهتمامًا خاصًّا بأضعف أعضاء المجتمع: الفقراء، واليتامى، والعبيد. وهو يقر بأن هذه مهمة صعبة؛ فالبشر ينزعون إلى الضعف، والعبيد. وهو يقر بأن وأحيانًا ما يفقدون شجاعتهم في مواجهة النوازل. إلا أن القرآن يعد بالهداية والصفح عندما نضل الطريق. الشيء المهم هو أن نستمر في بذل الجهد. يعد الله بأجر عظيم لأولئك الذين يواصلون الجهاد بإخلاص، وبعقاب قاسٍ لأولئك الذين لا يجاهدون. أساس الحساب هو جهادنا. لن يحاسبنا الله على أساس إنجازاتنا الكبيرة وإنما على أساس نوايانا. كل أولئك الذين يجاهدون في سبيل الله، كما يقول القرآن، أولئك الذين يؤمنون ويعملون الصالحات — سواء أكانوا يهودًا أم مسيحيين أم مسلمين أم غيرهم — لا يخشون شيئًا. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ (سورة الحج: ٧٧-٧٨). هذا النضال هو «الجهاد» باللغة العربية، لغة القرآن.

هناك مستويان للجهاد. كل الجهود المبذولة لكبح الغرائز الدنيا عند المرء — الجشع والكسل والأنانية — هي جانب من جوانب «الجهاد الأكبر». لكن تأتي أوقات يستدعي فيها الكفاحُ من أجل العدالة القتالَ. يقول القرآن إن المعاناة بصبر محبَّذة في بعض الحالات. في سورة النحل يُقال للمسلمين: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (سورة النحل: ٤١-٤٢). لكن في حالات أخرى يُقال للذين عانوا من الاضطهاد ادْعُ [الظالمين] إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ … * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (سورة النحل ١٢٥-١٢٦). ويعلن القرآن: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (سورة الحج: ٤٠). بالمثل، كما أمر الله الإسرائيليين بمحاربة ظالميهم وقتلهم إذا لزم الأمر (سفر التثنية ٢٠: ١٠–١٤)، يقول القرآن: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (سورة البقرة: ١٩٠). وتسترسل السورة:

وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ. (سورة البقرة ١٩١–١٩٣)

حينما يستدعي النضال من أجل العدالة القتالَ، يُسمى هذا «الجهاد الأصغر».

بالطبع، لا تستطيع الشريعة الإسلامية التحكم في «الجهاد الأكبر»، لمَّا كان ينطوي على كل الجهود تقريبًا ﻟ «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، بكلمات القرآن. على أنها تنص على تشريع موسع لتنظيم الجهاد العسكري. لا يمكن إعلان الجهاد العسكري إلا من خلال حكومة مشكَّلة بحسب الأصول، ولا بد أن يسبقه إنذار وجهود مناسبة للوصول إلى تسوية سلمية (الدعوة إلى الإسلام)، ولا بد من حماية المدنيين — ولا سيما النساء والأطفال والعجزة ورجال الدين — ولا يجوز تخريب الممتلكات دون داعٍ، ويجب احترام مطالب وقف إطلاق النيران.

تستبعد هذه الشروط الشرعية للجهاد الإرهاب بوضوح. لهذا السبب، شجبت المرجعيات الإسلامية في أنحاء العالم أحداث ١١ سبتمبر، وأيضًا الهجمات الإرهابية الأخرى، باعتبارها انتهاكات للشريعة الإسلامية. في حقيقة الأمر، هناك بند في الشريعة الإسلامية الكلاسيكية يشمل موضوع الإرهاب: ألا وهو «الحرابة». «الحرابة» مصطلح يشمل قطع الطرق والقرصنة وكل الهجمات التي لم يسبقها استفزاز، والتي يفقد فيها أناس أبرياء حياتهم. وهي الجريمة الوحيدة في الشريعة الإسلامية التي عقوبتها حكم الإعدام الإلزامي. تنص الشريعة الإسلامية الكلاسيكية على عقوبات مختلفة للسرقة، والزنا، والاتهام بالزنا زورًا، والرِّدَّة، والسُّكر، وكلها تتطلب قواعد إثبات صارمة وتراعي أخذ الظروف المخفِّفة. غير أن الحرابة تُعتبر جريمة شنيعة لأنها تنتهك عين هدف الإسلام. ترتبط لفظة «إسلام»، التي تعني «الخضوع لمشيئة الله»، بلفظة «السلام». المجتمع الإسلامي هو ذلك المجتمع الذي تُصان فيه الحقوق الأساسية للإنسان (الحياة، والدين، والأسرة، والملكية، والعقل/الكرامة)، وبذلك يعيش أعضاؤه كافة في سلام. ترتبط لفظة «حرابة» بلفظة «الحرب». لكنها ليست الحرب التي تجيزها الشريعة الإسلامية، المعروفة باسم «الجهاد الأصغر». الحرب هي قتال غير شرعي، وعلى الأرجح ترتبط بالمناطق المُعادية للإسلام التي لا تُصان فيها حقوق الإنسان وكرامته. ومِن ثَمَّ فالحرابة والإرهاب هما نقيضا الإسلام. وكما هي الحال في الأديان التوحيدية السائدة الأخرى، مع أنه قد تكون الحرب مبرَّرة في بعض الأحيان بوصفها ملاذًا أخيرًا، فلا قداسة للحرب في تعاليم الإسلام.

المراجع

قراءات إضافية

  • Afsaruddin, A. (2013) Striving in the Path of God: Jihad and Martyrdom in Islamic Thought, Oxford University Press, New York.
  • Esposito, J. (2003) Unholy War: Terror in the Name of Islam, Oxford University Press, New York.
  • Lawrence, B. (1998) Shattering the Myth: Islam Beyond Violence, Princeton University Press, Princeton NJ.

(٥) يُشجع القرآن العنف

سؤال: «هل صحيح أن القرآن يحتوي على الكثير من الآيات التي تحض على العنف؟»

جواب موجز: يحتوي القرآن على ١٠٩ آيات تدعو المسلمين إلى محاربة الكفار من أجل الحكم الإسلامي. بعض هذه الآيات صريحة تمامًا، وبها أوامر بقطع الرءوس والأصابع وقتل الكفار أينما كانوا يختبئون. والمسلمون الذين لا يشتركون في القتال يُنعتون ﺑ «النفاق» ويُنذرون بأن الله سوف يرسلهم إلى الجحيم ما لم يشتركوا في الذبح. وعلى عكس كل الآيات تقريبًا التي تدعو إلى العنف في العهد القديم؛ فإن آيات العنف في القرآن مطلقة غالبًا، بمعنى أنها ليست مقيدة بالسياق التاريخي للنص المحيط. («ماذا يُعلِّم دين السلام عن العنف؟» [كما وردت] (TheReligionofPeace.com على الإنترنت))

بسبب الفظائع التي ارتكبها الإرهابيون باسم الإسلام، صار كثيرون مقتنعين بأن القرآن يعلِّم حقًّا أنه ينبغي على المسلمين المشاركة على الدوام في أعمال العنف لضمان أن يصبح جميع الناس مسلمين. ونظرًا لأن المسلمين يشكلون حاليًّا نحو ٢٣ في المائة من سكان العالم، فربما يكون هذا الادعاء كافيًا لإثارة خوف غير المسلمين. غير أنه من حسن الحظ أن قليلين جدًّا من المسلمين هم من يرون دينهم بالطريقة المصوَّر بها في الاقتباس المذكور أعلاه المأخوذ من موقع ويب مُسمًّى على نحوٍ ساخر باسم «دين السلام». الواقع أن الأغلبية الساحقة من المسلمين تحيا بموجب فهمها الإسلامَ على أنه دين السلام، وتؤمن بأن دعوات القرآن إلى العنف هي حقًّا مرتبطة بسياق تاريخي، تمامًا مثلما يأمر الكتاب المقدس العبري بقتل جميع الرجال والنساء والأطفال والحيوانات في أريحا وعاي (سفر يشوع ٦: ٢٠-٢١، ٨: ١–٢٩).

ذكرنا من قبلُ أن الإسلام يشجب الانتحار والإرهاب. ويفهم المسلمون الجهاد على أنه جهود قوية من أجل أن يصبحوا أناسًا صالحين ويفعلوا مشيئة الله. وعندما تنطوي تلك الجهود على صراع عسكري، فلا بدَّ من خوضه وفقًا لقواعد صارمة تستلزم إعلانه بوصفه ملاذًا أخيرًا وحسب، من قبل رئيس دولة مُعترف به على النحو الواجب، مع حماية غير المقاتلين. ولمَّا كانت الهجمات الإرهابية تنتهك كل هذه الشروط؛ فإنها مُستنكَرة؛ فبدلًا من اعتبار الإرهاب جهادًا؛ فإنه يُصنَّف وفقًا للشريعة الإسلامية على أنه «حرابة»؛ أي حرب غير مشروعة. كما يقول القرآن: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (سورة المائدة: ٣٢).

بيد أن ثمة آيات في القرآن تدعو إلى القتال. وهي تُعرَف منذ القدم باسم «آيات السيف» وتوجد في السورة التاسعة (سورة التوبة). تقول الآية الرئيسية:

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (سورة التوبة: ٥، «آية السيف»؛ قارن ذلك بالآية ٢٩ من السورة نفسها، يشير إليها بعض المفسرين على أنها آية سيف).

أولئك الذين لا يعلمون مجمل تعليم القرآن والتفسير السائد لهذه الآية قد يفهمون هذا على أنه أمر مطلق بقتل الناس الذين يعبدون أكثر من إله، شريطة ألا يحدث هذا إبان هدنة. فهكذا تبدأ الآية أولًا وأخيرًا. لكن هناك قضيتان ينبغي وضعهما في الحسبان لفهم الطريقة التي يفهم بها جمهور المسلمين هذه الآية.

أولًا: أن القرآن يُفهم في ضوء سياقه التاريخي، وهذا السياق تغير على مدار الفترة البالغة ٢٣ عامًا التي تلقَّاه خلالها مجتمع المؤمنين في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع. يصف القرآن نفسه بأنه هُدًى لِلنَّاسِ؛ فهو يشتمل على مبادئ أخلاقية عامة تُعتبر صالحة إلى الأبد، مثل أمر الناس بالتحلِّي بالأمانة والإخلاص والكرم مع المحتاجين، والصبر في أوقات المحن. كما يشتمل أيضًا على نصائح كانت مصمَّمة خصوصًا من أجل مواجهة التحديات المحدَّدة التي كان المجتمع يواجهها. وعندما كانت الظروف تتغير، كانت النصائح المحددة تتغير أحيانًا.

على سبيل المثال، حينما بدأ محمد دعوته عن العدالة الاجتماعية منتقدًا أولئك الذين كانوا يكدسون الثروات ويضطهدون الفقراء، انجذبت له قاعدة شعبية من الفقراء، وعاداه كثير من الأثرياء. بدأ أثرياء مكة في اضطهاد أتباع محمد، وأنزلوا بهم أشد المعاناة. شعر أتباع محمد بالضعف وقلة الحيلة، فطلبوا الإرشاد حول الطريقة التي يردون بها على هذا الاضطهاد. في هذا السياق نصحهم القرآن بتحمُّل معاناتهم بصبر، والبعد عن أعمال الثأر. يقول القرآن:

وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ … * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. (سورة الشورى: ٤٠–٤٣)

وفي موضع آخر يقول القرآن: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة النحل: ١١٠).

في آخر المطاف، انتقل محمد وأتباعه من موطنهم في مكة إلى المدينة، شمال مكة، حيث رحبت بهم القبائل المحلية، واستطاعوا أن يؤسسوا مجتمعًا قويًّا ومزدهرًا، غير أن أهل مكة استمروا في مهاجمتهم؛ فسعوا إلى طلب النصح من محمد. وحدث أن الصراع مع أهل مكة بلغ أوجَهُ خلال فترة في التقويم كانت مخصصة تقليديًّا لتكون هدنة. ولم يكن هذا سوى مجتمع قبَلي يعيش في الصحراء على موارد شديدة الندرة. وكانت هناك منافسة ضارية على تلك الموارد، وكثيرًا ما كانت القبائل تشن الغارات بعضها على بعض. خُصِّصت «الأشهر الحرم» التقليدية بوصفها نوعًا من الهدنة يمكن فيها للأشخاص إتمام مراسم الحج ومزاولة التجارة دون خوف من التعرض لتهديدات. مِن ثَمَّ كان المجتمع الإسلامي ممزقًا. وعلى عكس موقفهم في مكة، باتوا الآن يمتلكون القوة الكافية للدفاع عن أنفسهم، لكن النصيحة لم تكن هذه المرة مجرد إشادة بتحمل الشدة بصبر، فهم الآن يتعرضون للهجمات إبان الأشهر الحرم! ماذا عساهم أن يفعلوا؟

في هذا السياق المختلف، يجيز القرآن للمسلمين القتال:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ. (سورة البقرة: ٢١٧؛ قارن ذلك بالآيات المذكورة في سورة الحج: ٣٩-٤٠)

كان هذا هو السياق الذي نزلت فيه آيات السيف.

كان هناك تحدٍّ آخر أمام المجتمع المسلم المُحَاصَر: بعض الناس الذين كانوا يهاجمونهم كانوا في الحقيقة أعضاءً من قبائلهم نفسها. هذه معضلة قديمة عند شعوب القبائل، معضلة تشكل عنصرًا أساسيًّا في الكتاب المقدس الهندوسي «البهاجافاد جيتا». في تلك القصة الملحمية، كانت هناك حرب بين القبائل، ولم يشأ البطل مقاتلة أقاربه. غير أن الرب كريشنا يوعز إليه بالقتال في جميع الأحوال لأن هذا واجبه. بالمثل، يقول القرآن إن الناس مترددون في القتال. مِن ثَمَّ يخبرهم بأنه يجب ألَّا يؤثِروا القبيلة والممتلكات التي خلَّفوها وراءهم في مكة على نجاة المجتمع المسلم (سورة التوبة: ٢٤). وإنما يجب عليهم القتال إلى أن يتوقف الاضطهاد ويكون المهاجمون راغبين في الاعتراف بسيادة المجتمع المسلم.

ومع ذلك، حتى مع إجازة القتال دفاعًا عن النفس، والأمر بالاقتتال عند التعرض للهجوم، فإن القرآن يذكِّر المسلمين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وهذا هو النصف الآخر من آية السيف المقتبسة أعلاه (سورة التوبة: ٥). وتسترسل الآية التالية مباشرة: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ * … فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (سورة التوبة: ٦-٧). وفي نص شبيه يكرر القرآن دعوة المسلمين إلى مقاتلة أولئك الذين يهاجمونهم على ألا يكونوا هم المبادرين بها. وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ … * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة البقرة: ١٩١-١٩٢).

مِن ثَمَّ لا داعي لأن يخشى غير المسلمين من أن المسلمين سوف يتربصون بهم ويشنون حربًا مستمرة إلى أن يصيروا مسلمين؛ فمثلما لا يُؤخذ أمر الكتاب المقدس العبري بمقاتلة أولئك الذين «يرفضون مسالمتك»، و«اضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ» واغتنام النساء والأطفال والبهائم و«وَكُلُّ مَا فِي المَدِينَةِ كُلُّ غَنِيمَتِهَا فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ» (سفر التثنية ٢٠: ١٠–١٤، الترجمة الدولية الجديدة)، على أنه أمر أبدي مطلق؛ فإن آيات السيف القرآنية لا تؤخذ أيضًا خارج السياق التاريخي. وبينما تخاطب آيات السيف ظروف الاقتتال المحددة؛ فإن آيات أخرى تقدِّم خطوطًا إرشادية أشمل، من أهمها: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا (سورة البقرة: ١٩٠). علاوة على أنه، لدى انتهاء الأعمال العدائية، لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (سورة الممتحنة: ٨).

المراجع

قراءات إضافية

  • Afsaruddin, A. (2013) Striving in the Path of God: Jihad and Martyrdom in Islamic Thought, Oxford University Press, New York.
  • Esposito, J.L. (2003) Unholy War: Terror in the Name of Islam, Oxford University Press, New York.
  • Lawrence, B. (1998) Shattering the Myth: Islam Beyond Violence, Princeton University Press, Princeton NJ.

(٦) يبيح القرآن إساءة معاملة النساء

يقر القرآن هذه العقوبات. يمنح أساسًا شرعيًّا للانتهاك، فلا يشعر الجناة بأدنى خجل، ولا بتأنيب من ضميرهم أو مجتمعهم. (آيان حرسي علي (٢٠١٣: ٣٠٧)، كافرة تناقش سوء معاملة النساء بين المسلمين)

في العقود العديدة الأخيرة، برزت قضايا إساءة معاملة النساء والفتيات في أنباء العالم، من مئات الأخبار عن الاغتصاب، وإجهاض الأجنة من الإناث، وحرمان الفتيات من الرعاية الصحية أو التعليم، و«جرائم القتل باسم الشرف»، و«حالات الوفيات المتعلقة بالمهر»، وتشويه الأعضاء الجنسية للإناث. تأتي هذه الأخبار من بلدان مختلفة عبر العالم، لكن تلك التي تأتي من المجتمعات الإسلامية تحظى باهتمام خاص؛ فهي تلك الأخبار التي يزيد فيها احتمال ذكر دين الجناة وربط إساءة المعاملة بالدين. يُلقي بعضٌ من البرامج الإخبارية وكثير من مواقع الويب المعادية للإسلام بلائمة الإساءة إلى النساء على الإسلام نفسه، قائلين إن كتابه المقدس، القرآن، يجيز للرجال إساءة معاملة النساء.

يُعد الاقتباس المذكور أعلاه حالةً دالَّة. تروي آيان حرسي علي المعاملة الشنيعة التي تعرضت لها وهي طفلة في الصومال على أيدي أناس اعتقدوا أن الدين يبرر انتهاكاتهم. كانت تجاربها مريرة للغاية لدرجة أنها دفعتها إلى أن تلفظ الإسلام وتصير ملحدة.

في مثال آخر لخرافة أن الإسلام يبيح العنف ضد المرأة، تعلن الصفحة الرئيسية لموقع يُسمى «إنفيدل تاسك فورس» (www.infideltaskforce.com): «إننا ضد الإسلام المتشدد والإرهاب الذي ينتجه.» يستعرض «إنفيدل تاسك فورس» في جوهره أعمال وفاء سلطان، وهي طبيبة نفسانية سورية المولد هاجرت إلى الولايات المتحدة عام ١٩٨٩. كتابها «إله يكره: المرأة الشجاعة التي أججت العالم الإسلامي تفضح شرور الإسلام» (٢٠٠٩)، مؤسَّس على ذكرياتها المريرة لنشأتها في سوريا؛ حيث يطلق الإسلام، كما تقول، العِنان للرجال لمعاملة النساء معاملة أفضل قليلًا من الكلاب. وهي تصف أشكالًا متنوعة من الانتهاكات، منها قصة اغتصاب محارم قتل فيها الرجل المرأة حينما علم أنها حامل. بعد سنوات من التفكير في مثل هذه القضايا، تخلُص الدكتورة وفاء سلطان إلى أن الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في البلدان المسلمة، بالإضافة إلى أشكال العنف الأخرى التي يقترفها الرجال المسلمون، تنبع من مصدر واحد — الإسلام. وتقول إن إله القرآن هو إله كره.

وفاء سلطان وآيان حرسي علي مثالان لمسلمتين سابقتين، تعرَّضتا لإساءة معاملة مريعة، وعَزَتا مصدرها إلى الإسلام. لكن مسلمات أخريات يرين إساءة معاملة النساء انتهاكًا للإسلام. على سبيل المثال، صرحت الفتاة المراهقة الباكستانية (البشتونية) مالالا يوسفزاي — التي سبق وأن تلقَّت أعيرة نارية في وجهها أثناء ركوبها في الحافلة المتجهة إلى المدرسة — في خطاب أمام الأمم المتحدة: «يسيء الإرهابيون استخدام اسم الإسلام ومجتمع البشتون من أجل مصالحهم الشخصية … الإسلام دين السلام والإنسانية والأخوة» (يوسفزاي، ٢٠١٣).

وثمَّة كثير من العلماء المسلمين الذين يعترفون بأن إساءة معاملة النساء تحدث بالفعل في المجتمعات المسلمة، وبأن بعض المسلمين يعتقدون أن القرآن أباحه؛ مِن ثَمَّ يحشد هؤلاء العلماء طاقاتهم من أجل إثبات أن القرآن في واقع الأمر هو وثيقة، معاملة المرأة فيها ليست فقط أكثر شمولية مما في أي دين آخر، ولكنها مكرَّسة لحماية حقوق جميع الناس، ومنهم النساء.

ينفرد القرآن من بين الكتب المقدسة التوحيدية بمخاطبته صراحة كلًّا من الإناث والذكور؛ ففي آية فريدة يقول إن من يعمل عملًا صالحًا، من ذكر أو أنثى، سيدخل الجنة:

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا. (سورة الأحزاب: ٣٥)

كان في العالم الذي عاش فيه محمد تفاوت هائل بين الأغنياء والفقراء، وكان احتقار المرأة مستشريًا. وكان من الشائع بين الفقراء وأْد البنات الرضيعات، لأنهنَّ أقل إنتاجية اقتصاديًّا، ولأن العائلات لم تكن قادرة على إعالتهن. يُحرِّم القرآن هذه الممارسة بقوله إنه في يوم القيامة سوف تُسأل الموءودة بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (سورة التكوير: ٩). بل وينتقد القرآن أولئك الذين يبخسون من قيمة ولادة البنات. عندما يخجل مثل هذا الوالد لأن وليدته أنثى ويتساءل أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ، يقول القرآن إن هذا شر محض (سورة النحل: ٥٩)، ويؤكد وجوب إرث البنات شأنهنَّ شأن البنين من الآباء. وهو حق كانت النساء الأوروبيات محرومات منه حتى نهاية القرن السادس عشر (كوفسكي، ١٩٨٨: ٣١٧، ٣٤٢).

وبافتراض أن النساء سيتزوجن، وإلزام الأزواج بإعالة زوجاتهم وأولادهم؛ فإن القرآن ينص أن نصيبهن من الميراث نصف نصيب إخوتهن (إن كان لهن إخوة؛ سورة النساء: ٧–١٢). إلا أنه مسموح للنساء باكتساب ثروتهن والتحكم فيها. يقول القرآن: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ (سورة النساء: ٣٢). علاوة على ذلك، يُحرِّم القرآن «المهر» التقليدي، الذي بموجبه يقدم الزوج عطية إلى والِدَي العروس، مما يبدو ثمنًا لسلعة. يشترط القرآن أن المهر لا بد أن يُقدَّم إلى العروس نفسها لتفعل به ما يحلو لها (سورة النساء: ٤). بالمثل، يُحرم القرآن توريث النساء كما لو كنَّ مقتنيات، كما كان شائعًا قبل الإسلام (سورة النساء: ١٩).

يتدخل القرآن أيضًا في عدد من ممارسات الزواج التي كانت منتشرة قبيل الإسلام بطرق تحمي المرأة من إساءة المعاملة. في شبه الجزيرة العربية ما قبل الإسلام، كانت النساء يُعامَلن حقًّا على أنهنَّ من المقتنيات، وكان بمقدور الرجل التزوج من النساء عدد ما شاء بقدر ما يمكنه تحمُّل نفقاتهن، وتركهن متى شاء. يحد القرآن تعدد الزوجات. وعندما يتطرق إلى اليتيمات وحاجتهن إلى الحماية، يقول: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ (سورة النساء: ٣). بالمثل يصف القرآن الزواج بأنه علاقة مصونة مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (سورة الروم: ٢١). ويقول إن الأزواج ينبغي أن يكونوا مثل اللِّبَاس يقي بعضهم بعضًا (سورة البقرة: ١٨٧). كما يُحرم الطلاق المزاجي، مستلزمًا حدوث طلاقين مؤقتين، وتحكيم أعضاء موقرين من المجتمع. وإذا لم يستطع الزوجان بعد كل هذا التعايش معًا، يمكنهما الطلاق حينئذٍ (سورة الطلاق: ١-٢).

القرآن هو حقًّا وثيقة عصره. وكما لحظنا أعلاه، هو يقر بالعبودية؛ فكما الحال في تقاليد أخرى في هذا العصر، كانت العبودية جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاقتصادي الاجتماعي. وفي اليهودية، كان الطفل الذي يُولد لعبد رجل، يتمتع بالحقوق ذاتها التي يتمتع بها أطفال الرجل من زوجاته. على أن القرآن يدعو إلى كرامة الإنسان ويشجع الناس على تحرير العبيد. اليوم، العبودية مُجرَّمة في كل البلدان، ومنها البلدان المسلمة. تتمحور مناقشة أكثر آية قرآنية إثارة للجدل على الأرجح حول هذه القضية: السياق التاريخي للكثير من الآيات.

توجد الآية المثيرة للجدل في سورة النساء (الآية ٣٤):

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [غياب أزواجهن] بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ [بتعاليم الله] وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا.

ليست الآية مثيرة للجدل بسبب فكرة أن الرجل رأس العائلة. هذا شائع في التقاليد الدينية، ومنها المسيحية؛ إذ يقول بولس في رسالته إلى أهل أفسس: «أيَّتُهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ … وَلَكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذَلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ» (أفسس: ٥: ٢٢–٢٤). قد يتجادل المسلمون المتحررون، على غرار المتحررين في الديانات الأخرى، حول هذا الرأي التقليدي، غير أن الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء مثيرة للجدل على نحوٍ خاصٍّ لسببين آخرين؛ أولًا: يبدو أن المقصود بالآية أن الرجال مسئولون عن النساء — بل، وكما في بعض الترجمات، «مكلَّفون» بالنساء — لأنهم يعولونهن. لكننا نعلم على سبيل المثال أن زوجة محمد الأولى، خديجة، كانت ميسورة الحال، وكانت تكبُره بخمسة عشر عامًا تقريبًا، وكان يعمل لديها. ولمَّا كان محمد نموذجًا قياسيًّا يقتدي به المسلمون، فمن الصعب القول إن القرآن يقصد أنه يجب على الرجل دائمًا أن يكون العائل، ومِن ثَمَّ صانع القرارات في العائلة. ومع هذا، فالأكثر إثارة للجدل في الآية هو لفظة «اضْرِبُوهُنَّ» التي عادة ما تُترجم في الإنجليزية إلى hit أو strike، وما زالت ترجمات كثيرة اليوم تستخدم هاتين اللفظتين مع إضافة التنبيه التقليدي الذي يُشير إلى وجوب أن تكون الضربة خفيفة ولا تُسدَّد أبدًا إلى الوجه.
مقابل هذا، يترجم عدد من التفاسير المعاصرة هذا الفعل على أنه يعني «ابتعدوا» أو «ارحلوا» عنهن؛ فللفعل معانٍ عدةٌ في اللغة العربية، ويمكن العثور على أمثلة لذلك خارج القرآن لإثبات أن الفعل كان له عدد من المعاني، ومنها المعاني المذكورة في الترجمات المختلفة (ربما بالطريقة ذاتها التي تعني بها لفظة strike في الإنجليزية hit بمعنى «يضرب» وفي الوقت نفسه بمعنى «يبدأ» أو «يحدث» أو «يدرك»). لكن الأهم هو أن الترجمة التي بمعنى «اضْرِبُوهُنَّ» تنتهك كلًّا من رسالة القرآن والنموذج المعياري الذي رسخه محمد. يُقال للرجال في موضع آخر من القرآن إنه يُحظَر عليكم أن تُضَارُّوهُنَّ أو لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ حتى أولئك الزوجات اللاتي لا يستطيعون التعايش معهن (سورة الطلاق: ٦).

لا ننكر أن كثيرًا من المسلمين لا يزالون يعتقدون أنه من المقبول للأزواج أن يؤدِّبوا زوجاتهم بدنيًّا. تمخض هذا عن انتشار الحركات الإصلاحية في الإسلام على مدار القرن ونصف القرن المنصرمين. منذ أواخر القرن التاسع عشر وهذه الحركات تدعو المسلمين إلى فهم كتابهم المقدس فهمًا صحيحًا كيما يرتقوا بشأن أعضاء المجتمع كافة، مع إيلاء اهتمام خاص للنساء. وعلى الرغم من هذا، لا يستطيع أحد أن ينكر أيضًا أن الأعراف الدينية كثيرًا ما تختلط مع الأعراف الثقافية. وحالة طالبان في أفغانستان وباكستان هي الأكثر وضوحًا. تعني لفظة «طالبان» الطلاب باللغة البشتونية، وهؤلاء «الطلاب» هم في الأساس من الاتحاد القبَلي البشتوني الهائل. البشتونيون لديهم ولاء عميق للشرف القَبَلي القديم الذي يقوم تقليديًّا على الكرم والشجاعة وعفة المرأة. ومجرد فكرة أن امرأة انخرطت في نشاط جنسي غير مشروع قد تكون تحريضًا كافيًا كي يقتلها أقاربها، علامةً على أن شرفهم القَبَلي لم يُمس. لهذا تُفصَل النساء عن الرجال، ويُلْزَمن بالبقاء في المنزل. أغلب الظن أن هذا هو سبب إطلاق أحد أفراد القبيلة النار على الفتاة الباكستانية في عمر المراهقة مالالا يوسفزاي — وهي فتاة بشتونية — عندما أصرت على قيادة الفتيات الأخريات إلى المدرسة. على أن مالالا تعلم أن الإسلام لا يُبيح مثل هذا السلوك، وإن كان مهاجموها قد يعتقدون غير ذلك؛ لهذا أعلنت في خطابها أمام الأمم المتحدة عقب خروجها من المستشفى في يوليو ٢٠١٣: «الإرهابيون يسيئون استخدام اسم الإسلام والمجتمع البشتوني … فالبشتونيون لديهم الرغبة في تعليم بناتهم وأولادهم» (يوسفزاي، ٢٠١٣).

وعليه، مع أنه لا شك في أن هناك مسلمات عانَيْن معاناةً جسيمة على أيدي مسلمين يعتقدون أن إساءتهم إلى النساء مباحة دينيًّا؛ فإن مقولة إن الإسلام يبيح انتهاك المرأة هي مقولة مستحيلة في ضوء التعليم الكلي للقرآن والمثال الذي ضربه محمد.

المراجع

قراءات إضافية

  • Ahmed, Leila. (1993). Women and Gender in Islam: Historical Roots of a Modern Debate.: Yale University Press. New Haven, CT.
  • Wadud, Amina. (1999). Qur’an and Woman: Rereading the Sacred Text from a Woman’s Perspective.: Oxford University Press. New York.

(٧) يَعِد القرآن الانتحاريين باثنتين وسبعين حورية في الجنة

لا تموتي عذراء. الإرهابيون في انتظارك في السماء. (لافتة في محطة بنزين بملووكي (هوسمان، ٢٠١٣))

استحوذت فكرة أن المسلمين سوف تستقبلهم في الجنة اثنتان وسبعون حورية على مخيلة الرأي العام الغربي؛ فنراها مقتبسة في عشرات الكتب ومواقع الويب، وصارت مادة غنية للكُتاب والممثلين الهزليين وكارهي الإسلام على السواء. على سبيل المثال، في ديسمبر ٢٠١١، نشرت شركة الإنتاج التي يملكها الممثل الكاتب الكوميدي دينيس ليري على موقع «هو سيي» (www.whosay.com/DnisLeary) محاكاة ساخرة عمرها ست سنوات لشخصية كارتونية هي تشارلي براون الذي يعتنق الإسلام ويصبح إرهابيًّا على أمل الحصول على ٧٢ حورية.

ينتشر هذا الزعم بين المسلمين أيضًا، ولا شك أن بعضهم يفهمه فهمًا حرفيًّا. تكبد موقع ويب المفكرة المحافظة باميلا جيلر (٢٠٠٩) عناء تسجيل مزاعم كثير من المسلمين بأن هذا المعتقد مؤسَّس على القرآن. بيد أن زعم الاثنتين والسبعين حورية أكثر ارتباطًا بالإرهابيين الذين يزعمون أن معاناتهم الأرضية سوف تعوضها مُتع الجنة.

ومع هذا، فالواقع أن الإسلام لا يعد بأي أجر للمنتحرين أو أولئك الذين يشتركون في أعمال الإرهاب؛ فكما ناقشنا أعلاه، كلٌّ من الانتحار والإرهاب — القتل العشوائي للأبرياء — يُعدَّان من الكبائر في الإسلام.

يُدين القرآن الانتحار خصوصًا: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا (سورة النساء: ٢٩-٣٠). ويتكرر منع الانتحار في مختلف التعاليم الإسلامية؛ إذ يعبِّر عن اليأس أو فقدان الأمل في الله. وهو محظور في الشريعة الإسلامية.

الإرهاب مذموم أيضًا في الشريعة الإسلامية. يتوافر مئات الاستنكارات للأعمال الإرهابية، أصدرتها المرجعيات الإسلامية على الإنترنت على موقع http://kurzman.unc.edu/islamic-statements-againist-terrorism. ويوضح كثير من البيانات الاستنكارية أن الأعمال الإرهابية لا يمكن اعتبارها جهادًا. مرة أخرى، كما أوضحنا أعلاه، يشير الجهاد إلى الكفاح من أجل تنفيذ مشيئة الله. يمكن أن يشتمل هذا الجهاد على كبح الذات (يُسمى تقليديًّا «الجهاد الأكبر») وأي نوع من أنواع الجهد المبذول من أجل تعزيز هدف الإسلام في تحقيق العدالة الاجتماعية. وعندما يتعين أن يتخذ الجهاد من أجل العدالة شكلًا عسكريًّا؛ فإنه يخضع لتشريعٍ موسع، يتضمن اشتراط إعلانه بوصفه ملاذًا أخيرًا من قبل رئيس دولة معترف به بشكل صحيح، وأن يكون غير المقاتلين محميين. لا تلبي الهجمات الإرهابية أيًّا من هذين الشرطين، ومِن ثم فهي مذمومة. وبدلًا من اعتبار الإرهاب جهادًا؛ فإن الشريعة الإسلامية تصنفه على أنه «حرابة»؛ أي حرب غير شرعية.

الحرابة محرمة لسببين رئيسين؛ أولًا: بسبب قتل الأبرياء؛ فالقرآن يقول مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (سورة المائدة: ٣٢). ثانيًا: يبث العنف العشوائي الخوف في نفوس الجميع، ويؤدي ذلك إلى تنافر اجتماعي، أي «فَسَاد في الأرض». وهذا النوع من الخوف هو عكس الإحساس بالسلم والأمان الذي جاء الإسلام من أجله. لفظة «سلام» هي جزء من التحية الرسمية للإسلام: «السلام عليكم». ولفظتا «سلام» و«إسلام» مشتقتان من الجذر نفسه في اللغة العربية. ونتيجة لبشاعة الأضرار الناجمة من الإرهاب؛ فإن الشريعة الإسلامية تفرض عقوبة الإعدام على جريمة الإرهاب.

لكن ماذا عن الصالحين الذين لهم ثواب أبدي في الجنة؟ هل يقول القرآن إنه سيكون في استقبالهم عشرات الحوريات في الجنة؟

على غرار الكتاب المقدس، يصف القرآن الحياة الآخرة بتفصيل حسي، مشبِّهًا المعاناة في الجحيم بالاحتراق في النار، ومتع الجنة ببستان مليء بالمباهج المادية. إذ سيجلس الناس على مقاعد وثيرة مصنوعة من أقمشة جميلة، وحيث ستكون وفرة من المياه والفواكه واللحوم، بل وأيضًا خمر لا يثمل شاربها ولا يسكر. ولكل شخص رفيقات عذارى ودائمات الشباب. وهذه «الرفيقات العذارى» أو «الزوجات» هي التي فسرها بعض المفسرين التقليديين على أنها إناث لم يمارسن الجنس أبدًا من قبلُ.

ورد ذكر لفظة «حور» في أربعة نصوص، مرتان منها للإشارة إلى زوجات أولئك الذين في الجنة (سورة الدخان: ٥٤، وسورة الطور: ٢٠)، ومرة باعتبارها جزاءً (سورة الواقعة: ٢٢–٢٤). غير أن الإشارات مختصرة وموجزة، واللفظة «حور» ليست مشتقة من جذر عربي، ومِن ثَمَّ فمعناها مسألة متروكة للتخمين. يفترض علماء اللغة أنها كانت تشير إلى لون أبيض ناصع، وبالفعل تستخدم أيضًا كلمة «لؤلؤ» في السياق نفسه. وتعدِّل الإشارات القرآنية كلمة «عَيْن»، من ثم تأتي العبارة بصيغة «عِين» أي «ذوات أعين بيضاء» أو «ذوات أعين ناصعة كاللؤلؤ». لكن إلامَ يمكن أن تشير عبارة رفيقات «بيضاوات الأعين» أو «لُؤلُئيات الأعين»؟

يرى مؤرخو الدين تشابهًا بين الإشارات القرآنية الموجزة إلى رفيقات ناصعات البياض وبين تعاليم الزرادشتية القديمة عن الكائنات الملائكية التي تقود أرواح الأبرار إلى السماء. تقول الزرادشتية، الديانة القديمة لإيران، إن الناس سوف يُحاسَبون في آخر الزمان؛ فمن كانوا أمناء ونزيهين فسيُكافَئون؛ ومن لم يكونوا فالعقاب في انتظارهم. وفي بعض الأوصاف، سيكون الحساب على شكل تحدٍّ. سيتعين على الناس اجتياز جسر ضيق معلق عاليًا فوق برك مشتعلة بالصخور المنصهرة. وعلى الجانب الآخر من الجسر يوجد الفردوس؛ حيث ستتوهج أرواح الأنقياء بنور ينعكس على الجانب الآخر، في هيئة كائن نقي (أو «عذراوي»)، نوع من التوأم أو شريك الروح الذي سوف يقود البارَّ بأمان عبر الهاوية إلى الفردوس حيث سيتحدان.

يوجد الاعتقاد بمثل تلك الكائنات المرشدة للأرواح في بعض الديانات الأفريقية بالإضافة إلى التقاليد الشعبية في اليهودية والمسيحية، حيث تأخذ هذه الكائنات في الغالب شكل ملائكة. يطلق العلماء على مثل هذه الكائنات «قائدات الأرواح بعد الممات»، ويفسر كثيرون الحور العين المذكورة في القرآن على أنها هذه الكائنات. ولا شك أن المفسرين القدماء الذين فسروها في ضوء الجنس كانوا على دراية بظاهرة «قائدات الأرواح بعد الممات». الأرجح أنهم كانوا يعلمون أن الرقم ٧٢ لم يرد في أي موضع في القرآن، لكن في مصادفة مذهلة، الرقم ٧٢ هو رقم مميز في الزرادشتية، حيث يمثل الاثنين والسبعين فصلًا التي يتكوَّن منها الكتاب المقدس الزرادشتي. ويرتدي أتباع الديانة الزرادشتية حزامًا خاصًّا أثناء الصلوات مصنوعًا من ٧٢ خيطًا صوفيًّا ناصع البياض. ولعلها ليست مصادفة أن اسم هذا الحزام — الكوشتي (أو الكوستي) — يعني «الدليل» أو «مرشد الأرواح».

المراجع

(٨) يرفض المسلمون الديمقراطية

علينا الالتزام بالإسلام، والإسلام وحده، لا غير. لا تخدعنَّكم أو تغرَّنَّكم القصة المراوغة الناقصة التي تُنادي بأن الطريق الوحيد للانخراط في السياسة هو العملية الديمقراطية العلمانية. هذه العملية ممنوعة وحرام. (زعيم الجماعة الإسلامية المحافظة، حزب التحرير، في حشد بولاية نيوساوث ويلز، بأستراليا، في ٤ يوليو ٢٠١٠ (منظمة آر إيه إيه إل، ٢٠١٠))

في ضوء تعليقات على شاكلة تلك التصريحات المقتبسة أعلاه من جماعة حزب التحرير الصريحة، قد لا يكون مدهشًا اعتقاد كثير من الناس أن المسلمين يرفضون الديمقراطية. بالفعل، أثنى كثير من العلماء غير المسلمين على هذا الرأي. وكان أشهرهم أستاذ العلوم السياسية الأمريكي صمويل هنتنجتون؛ فقد أجال النظر في البلدان التي أغلبية سكانها من المسلمين، ووجد أنها «غير ديمقراطية بدرجة هائلة: حكومات مَلَكية، أو أنظمة تعتمد على حكم الحزب الواحد، أو أنظمة عسكرية، أو ديكتاتوريات فردية، أو مزيج من هذه، وعادة ما تستند إلى قاعدة عائلية أو عشيرية أو قَبَلية محدودة، ومعتمدة في بعض الحالات بدرجة كبيرة على الدعم الخارجي» (هنتنجتون ١٩٩٦: ١١٣). اكتسب هنتنجتون سوء السمعة بسبب تكهنه ﺑ «صراع حضارات» بين «الحضارة الإسلامية» والغرب الديمقراطي. وكان التصور بأن المسلمين كانوا راضين على الأقل في غياب الديمقراطية مستحكمًا حتى إن موجة الانتفاضات الديمقراطية التي بدأت في تونس عام ٢٠١٠ — «الربيع العربي» — صدمت كثيرًا من المراقبين. كما عبرت عن ذلك وزيرة الخارجية حينها، هيلاري كلينتون: «نحن بصدد انتفاضة عربية لم يمكن بوسع أحد أن يتخيلها، وقليلون هم من تنبئوا بها منذ بضع سنوات. وهي تمحو الكثير من المدركات السابقة السائدة القديمة» (مايرز، ٢٠١١). كان الإدراك السابق السائد الذي كانت تتحدث عنه هو أن المسلمين يرفضون الديمقراطية.

في الواقع، لا حزب التحرير ولا غيره ممن يرفضون الديمقراطية يتحدثون باسم أغلبية المسلمين؛ فقد أثبتت استطلاعات الرأي الحديثة أن المسلمين على مستوى العالم يؤثِرون الديمقراطية للغاية. نُشرت نتائج أول استطلاع رأي عالمي على الإطلاق لآراء المسلمين أجراه معهد جالوب في كتاب إسبوزيتو ومجاهد (٢٠٠٨). وجد استطلاع الرأي الذي غطى آراء ١٫٣ مليار شخص في حوالي ٤٠ دولة من الدول ذات الأغلبية المسلمة، أنه «حينما سُئل المسلمون عن أكثر ما يستهويهم في الغرب، ذكروا على نحو متكرر الحرية السياسية، والتحرر، والأنظمة القضائية النزيهة، وحرية التعبير.» وحينما استقصى مستطلعو الرأي بمزيد من التعمق عن المقومات المحدَّدة للحكم الديمقراطي، وجدوا أن «أغلبيات عظمى في معظم البلدان التي خضعت لاستطلاع الرأي (٩٥٪ في بوركينا فاسو، و٩٤٪ في مصر، و٩٣٪ في إيران، و٩٠٪ في إندونيسيا) قالت إنها لو أتيحت لها فرصة صياغة دستور لبلد جديد، لتكفلت بحرِّية التعبير للجميع، التي يُعرِّفونها على أنها «السماح لجميع المواطنين بالتعبير عن آرائهم في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة»» (إسبوزيتو ومجاهد ٢٠٠٨).

تبرهن البيانات المقدمة في استطلاعات جالوب بوضوح عن أن مسلمي القرن الحادي والعشرين هم في العموم مؤيدون للديمقراطية. وإجراء استطلاعات رأي ضخمة بين المجتمعات الإسلامية في أنحاء الكرة الأرضية هو ظاهرة حديثة، لكن لو كانت الأسئلة ذاتها طُرِحت في القرن العشرين، لربما جاءت الإجابات مختلفة. في حقيقة الأمر، كان هناك تردد واضح بين المصلحين السياسيين المسلمين في استخدام مصطلح «الديمقراطية». يرجع هذا إلى أن بعض المصلحين الأوائل رفضوا استخدامه، قائلين إنه غريب على الإسلام. وكان التبرير أن منح البشر حرية مطلقة من شأنه أن يتيح للناس منح مسوغ قانوني لأفعال فاجرة، مثل البغاء والسرقة. نبعت هذه المخاوف من خبرة المسلمين في الفترة التي سيطرت فيها البلدان الأوروبية على معظم البلدان الإسلامية. لم يحصل كلٌّ من سوريا والمغرب والجزائر وتونس، على سبيل المثال، على استقلالها عن فرنسا إلا في أربعينيات القرن العشرين وستينياته. ونالت مصر والعراق استقلالهما عن بريطانيا في خمسينيات القرن العشرين، ونالت ليبيا استقلالها عن إيطاليا في الفترة ذاتها. وكانت البلدان الأوروبية جميعها تنعم بأنظمة ديمقراطية، لكنها سلكت سلوكًا فاجرًا للغاية في أعين المُستعمَرين.

وعلى الرغم من رفض هؤلاء المصلحين الأوائل مصطلح «الديمقراطية»؛ فإنهم كانوا يدعون إلى إقامة حكومات تمثيلية تشاورية، تتسم بتوازن القوة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وحقوق الإنسان، ومنها الحرية الدينية. وفي أواخر القرن العشرين، تغلب جمهور المصلحين على نفورهم من كلمة «الديمقراطية» وبدءوا يستخدمونها على نطاقٍ واسع. على سبيل المثال، شرح زعيم حزب النهضة الإسلامي الذي فاز بأغلبية الأصوات في أول انتخابات ديمقراطية بتونس، راشد الغنوشي (١٩٩٤)، أن الحكم الإسلامي ديمقراطي في أساسه، وأنه لا منطق في رفض المصطلح إذا كان هذا لا يُسفِر إلا عن إرباك غير المسلمين. بالمثل، أكد محمد خاتمي، رئيس إيران المنتخب عام ١٩٩٧، أن أفضل أشكال الحكم للمسلمين في العالم الحديث هو الديمقراطية (١٩٩٧).

في عام ٢٠١٣، واجهت حكومتان من الحكومات التي اعتلت السلطة في الانتخابات التي طالبت بعقدها أنشطة الربيع العربي، معارضة؛ فقد جرى خلع الحكومة المصرية بقيادة الإخوان المسلمين في انقلاب عسكري بدعم شعبي، وما زالت الحكومة التونسية بقيادة حزب النهضة تواجه سخطًا شعبيًّا. لكن كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية الغربية، تختلف معارضة أشخاص جرى انتخابهم عبر الديمقراطية تمام الاختلاف عن معارضة الديمقراطية نفسها.

في أعقاب انتفاضات الربيع العربي، أجرى مركز بيو للأبحاث (٢٠١٢) استطلاع رأي في ستة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة عن موقفهم من الديمقراطية؛ فكانت النتائج: «بعد مضي أكثر من عام على أول حراك للربيع العربي، تستمر الرغبة العارمة في إرساء الديمقراطية في الأمة العربية وغيرها من الأمم ذات الأغلبية المسلمة. تؤمن أغلبيات قوية في لبنان وتركيا ومصر وتونس والأردن بأن الديمقراطية هي أفضل شكل للحكومة، كما يؤمن بذلك كثير من الباكستانيين.» أما بشأن الجوانب الأكثر تحديدًا من الحكم الديمقراطي؛ فإن الأغلبيات الساحقة تؤيد الحقوق المتساوية للنساء، وإن كانت النساء أكثر تعبيرًا عن هذه الرؤية من الرجال بالطبع. لا عجب أن بعض العرب عبَّروا عن خيبة أملهم في الديمقراطية بسبب الاضطرابات التي صاحبت التحول الديمقراطي؛ فقد انخفض تأييد المصريين للديمقراطية بنسبة ٤ نقاط في عام ٢٠١٢ من التأييد الذي بلغت نسبته ٧١ في المائة في عام ٢٠١١، على سبيل المثال. ومع ذلك، تكشف الأرقام عن التأييد المتواصل للديمقراطية والمبادئ الديمقراطية.

المراجع

  • Esposito J. and Mogahed, D. (2008). Who Speaks for Islam? What A Billion Muslims Really Think, Gallup Press, New York.
  • Ghannouchi, R. (1994) Islam and Civil Society in Tunisia. Presented at “Islam and Civil Society in South Africa: Prospects for Tolerance and Conflict Resolution” conference at University of South Africa, Johannesburg, August 6.
  • R.E.A.L. Organisation (2010) Hizb ut-Tahrir Attacks Democracy, Freedom in Australia, July 6, www.realcourage.org/2010/07/hizb-ut-tahrir-attacks-democracy-inaustralia (accessed January 10, 2014).
  • Huntington, S. (1996) Clash of Civilizations, Simon and Schuster, New York.
  • Khatami, M. (1997) Hope and Challenge: The Iranian President Speaks, Institute of Global Cultural Studies, Binghamton University, Binghamton, NY.
  • Myers, S.L. (2011) Tumult of Arab Spring Prompts Worries in Washington, New York Times, September 17.
  • Pew Research Center (2012) Most Muslims Want Democracy, Personal Freedoms and Islam in Political Life, July 10, www.pewglobal.org/2012/07/10/mostmuslims-want-democracy-personal-freedoms-and-islam-in-political-life (accessed January 9, 2014).
  • ut-Tahrir, H. (2010) Hizb ut-Tahrir Attacks Democracy, Freedom in Australia. http://www.realcourage.org/2010/07/hizb-ut-tahrir-attacks-democracy-in-australia/ (accessed January 10, 2014).

قراءات إضافية

  • Esposito J. and Voll, J. (2012) Islam and Democracy, Oxford University Press, New York.

(٩) يخفق المسلمون في إعلان إدانتهم للإرهاب

لماذا يخفق المسلمون في إعلان إدانتهم للإرهاب؟ (المذيع الدكتور ألفين أوجستوس جونز في حوار مع كامران باشا حول روايته «أم المؤمنين» (باشا، ٢٠٠٩))

أفاد المؤلف كامران باشا أنه سُئل السؤال المقتبس أعلاه بوصفه مثالًا لزعم دائم ولكنه زائف: «يُطرح عليَّ هذا السؤال كل يوم تقريبًا، ويتركني في ذهول شديد» (باشا، ٢٠٠٩). وله الحق؛ طالما كانت المرجعيات المسلمة تستنكر فعلًا وعلى نحو متكرر الإرهاب منذ أن ظهر الإرهاب أداةً سياسية بين المسلمين. أول بيان مشترك ضد الإرهاب، «الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب»، أصدرته جامعة الدول العربية عام ١٩٩٨.

اتساقًا مع المبادئ «الإنسانية» والشريعة الإسلامية، استبعدت الوثيقة أعمال الجماعات التي تكافح من أجل تحرير أراضيها من الاحتلال الأجنبي، وما خلا ذلك، استنكرت الهجمات على الأفراد، والتخريب، والتصنيع والبيع والحيازة ﻟ «الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات، أو غيرها من المواد التي قد تُستخدَم لارتكاب اعتداءات إرهابية.»

جاء بيان جامعة الدول العربية ردًّا على الإرهاب المرتكَب في البلدان العربية؛ ففي تسعينيات القرن العشرين، ارتكبت «الجماعة الإسلامية»، وهي جماعة راديكالية، كثيرًا من الهجمات الإرهابية في مساعيها لإسقاط الحكومة المصرية. وكانت أكثرها بشاعة هجمة نوفمبر ١٩٩٧ في مدينة الأقصر، التي أسفرت عن مقتل ٦٢ شخصًا، معظمهم من السائحين، لكن أغلب ضحايا الهجمات عمومًا كانوا مصريين. حينئذٍ، وكما هي الحال الآن، كان أغلب ضحايا الإرهاب المرتكب باسم الإسلام مسلمين بالفعل. في ديسمبر ٢٠٠٩، نشرت الأكاديمية العسكرية الأمريكية في وست بوينت تقريرًا حول ضحايا إرهاب تنظيم «القاعدة»، خلص إلى أن «الأغلبية الساحقة من ضحايا القاعدة مسلمون … فمنذ ٢٠٠٤ حتى ٢٠٠٨، كانت نسبة الغربيين من إجمالي الضحايا البالغ عددهم ٣٠١٠ ضحايا هي ١٥ في المائة فقط» (هلفستاين وآخرون، ٢٠٠٩: ١). يشتمل التقرير على ضحايا تفجيرات مدريد ولندن. ومنذ عام ٢٠٠٤، تُصدر وزارة الخارجية الأمريكية تقارير سنوية حول الإرهاب على مستوى العالم، سواء المرتكَب باسم الإسلام أو غيره. وخلُص تقريرها عن عام ٢٠١٢ (المركز القومي لمكافحة الإرهاب، ٢٠١٢) إلى أن: «المسلمين استمروا في تحمل أوزار الإرهاب. … ففي الحالات التي أمكن فيها تحديد الانتماء الديني لضحايا الإرهاب، عانى المسلمون بنسبة تتراوح بين ٨٢ و٩٧ في المائة من الوفيات المتصلة بالإرهاب على مدار السنوات الخمس الماضية.»

أيًّا ما كانت هوية الضحايا، تستنكر المرجعيات الإسلامية الإرهاب. وبينما لم يكن بمقدور كثير من المسلمين تصديق أن المسلمين يرتكبون مثل هذه الأعمال الوحشية حقًّا، أعلنت المرجعيات الإسلامية على مستوى العالم أنها تُدين هذه الأعمال إدانة قاطعة. بدأ هذا في يوم الهجمات؛ إذ قال رئيس تحالف المسلمين الأمريكيين، الدكتور أغا سعيد: «هذه الهجمات هي ضد كلٍّ من الشرائع الإلهية والبشرية، ونحن نُدينها بأشد اللهجات. ويضم المسلمون الأمريكيون صوتهم إلى صوت الأمة في المطالبة بالقبض السريع على الجناة وإنزال عقوبات مشددة بهم، ونحن نُعرب عن تعاطفنا مع الضحايا وعائلاتهم» (كورزمان، على الإنترنت). وفي ١٢ سبتمبر ٢٠٠١، أصدر الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الهيئة الوحيدة التي تمثل جميع البلدان ذات الأغلبية المسلمة، هذا البيان:

في أعقاب الهجمات الدموية على المباني والمنشآت الرئيسية في الولايات المتحدة بالأمس، الثلاثاء الموافق الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، أعرب الدكتور عبد الواحد بلقزيز أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي المكونة من ٥٧ دولة، عن فجيعته وبالغ أساه لدى سماعه بتلك الهجمات التي أسفرت عن مقتل وإصابة عدد كبير للغاية من المواطنين الأمريكيين الأبرياء. وقد أعرب الدكتور بلقزيز عن شجبه وإدانته لتلك الأعمال الإجرامية والوحشية التي تتنافى مع كل المواثيق والقيم الإنسانية والأديان السماوية التي أبرزها الإسلام. (بيان صحفي، جدة، المملكة العربية السعودية، ١٢ سبتمبر ٢٠٠١: كورزمان، على الإنترنت)

ربما يكون الشيخ يوسف القرضاوي أشهر علماء الدين السنة وأكثرهم احترامًا في العالم اليوم. يشاهد برنامجه التليفزيوني «الشريعة والحياة» الملايين أسبوعيًّا. ويذيع صيته بسبب دفاعه الحار عن حقوق الفلسطينيين، ومنها حقهم في استخدام تكتيكات حرب العصابات ضد الإسرائيليين. لكن ردًّا على هجمات ١١ سبتمبر، أصدر البيان التالي:

تدمى قلوبنا بسبب الهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي ومؤسسات أخرى في الولايات المتحدة، على الرغم من معارضتنا الشديدة للسياسة الأمريكية المتحيزة لإسرائيل على الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية. إن الإسلام، دين التسامح، يُقدِّس روح الإنسان، ويعتبر الهجوم على بشر أبرياء من الكبائر؛ فقد قال الله تعالى في الآية القرآنية: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا. (سورة المائدة: ٣٢) (بيان صحفي، جدة، المملكة العربية السعودية، ١٢ سبتمبر، ٢٠٠١: كورزمان، على الإنترنت)

أيضًا، كان من بين من اشتُهروا بتأييد الفلسطينيين وإدانة السياسة العسكرية الأمريكية، آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران. وقد أعلن في أعقاب ١١ سبتمبر:

إن قتل الناس في أي مكان وباستخدام أي نوع من أنواع الأسلحة، ومنها القنابل النووية، أو القذائف الطويلة المدى، أو الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية، أو باستخدام طائرات مسافرين أو طائرات حربية، وسواء أكان هذا بفعل منظمة أو بلد أو أفراد؛ هو عمل مرفوض … ولا يوجد فرق إن وقع مثل هذه المذابح في هيروشيما أو ناجازاكي أو قانا أو صبرا أو شاتيلا أو دير ياسين أو البوسنة أو كوسوفو أو العراق أو نيويورك وواشنطن. (خامنئي، ٢٠٠١)

بالمثل، وفي بيان مشترك صادر في ١٤ سبتمبر ٢٠٠١، أعلن قادة جماعة الإخوان المسلمين بمصر، والجماعة الإسلامية في باكستان، والجماعة الإسلامية في بنجلاديش، وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، وحزب النهضة الإسلامي التونسي، والحزب الإسلامي الماليزي، و٤٠ مرجعية إسلامية أخرى:

روَّعت أحداث الثلاثاء الموافق الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، التي وقعت في الولايات المتحدة وأسفرت عن وفيات هائلة ودمار واسع النطاق وهجوم على الأرواح البريئة، قادةَ الحركات الإسلامية الموقعين أدناه. ونحن إذ نشجب بأشد اللهجات الأحداث التي تتعارض مع كل الأعراف الإنسانية والإسلامية، نُعرب عن تعاطفنا العميق وبالغ أسانا. وهذه الإدانة متأصلة في الشرائع الإسلامية الشريفة التي تُحرِّم كل أشكال الهجوم على الأبرياء. (كورزمان، على الإنترنت)

وإذ أدرك قادة البيان أن إرهابيي ١١ سبتمبر زعموا أنهم فعلوا هذا عقابًا للأمريكيين على تأييد حكومتهم الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية، يسترسل البيان قائلًا: يقول الله تعالى في القرآن الكريم: «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» («إم إس إيه نيوز»، ٢٠٠١).

وفي أعقاب هجمات مدريد ولندن وبوسطن، صدرت بيانات شجب مماثلة. على سبيل المثال، أصدر المجلس الفقهي بأمريكا الشمالية فتوى صدَّق عليها كلٌّ من مجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية، والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، والجمعية الإسلامية الأمريكية، وجمعية علماء الاجتماعيات المسلمين، وجمعية العلماء والمهندسين المسلمين، والمجلس الإسلامي للشئون العامة، وكما جاء في الفتوى:

… وأكثر من ١٣٠ منظمة ومسجدًا وقيادة للمسلمين في الولايات المتحدة. لطالما شجبنا على الدوام الإرهاب والتطرف بكل أشكاله أيًّا ما كانت الظروف، ونحن نعيد تأكيد هذا الموقف الصريح. يُدين الإسلام بصرامة التطرف الديني واستخدام العنف ضد الأرواح البريئة. ليس هناك ما يبرر التطرف أو الإرهاب في الإسلام. إن استهداف حياة المدنيين وممتلكاتهم من خلال التفجيرات الانتحارية أو أي وسيلة هجوم أخرى هو حرام — ممنوع في الإسلام — وأولئك الذين يقترفون هذه الأعمال الوحشية هم مجرمون وليسوا «شهداء». (كورزمان، على الإنترنت)

لا تُدين المرجعيات الإسلامية الإرهاب وحسب، ولكنهم يُقرُّون أيضًا بأن المسلمين يتحملون مسئولية منع الإرهابيين من القيام بأعمالهم؛ فقد أصدرت المفوضية الإسلامية بإسبانيا فتوى في أعقاب تفجيرات مدريد، تقول: «لا يُحظَر على المسلمين فقط ارتكاب جرائم ضد الأبرياء، ولكنهم أيضًا مسئولون أمام الله عن منع أولئك الذين ينوون فعل ذلك» (١٠ مارس ٢٠٠٥؛ كورزمان، على الإنترنت). هذه التصريحات وعشرات البيانات المشابهة الصادرة عن مسلمين يشجبون الإرهاب جمعها البروفيسور تشارلز كورزمان بجامعة كارولينا الشمالية. ويمكن العثور عليها على الإنترنت على موقع «تصريحات إسلامية ضد الإرهاب» (http://kurzman.unc.edu/islamic-statements-against-terrorism). وبعد مرور شهر فقط على هجمات ١١ سبتمبر، أصدر المجلس الفقهي بأمريكا الشمالية فتوى أخرى تؤكد لأفراد المؤسسة العسكرية الأمريكية المسلمين أن مسئوليتهم عن الدفاع عن بلدهم تسمو على الحظر التقليدي لقتل المسلمين. تنص الفتوى أنه «يجب على جميع المسلمين الاتحاد ضد أولئك الذين يُرهبون الأبرياء، وأولئك الذين يبيحون قتل الأبرياء بغير سبب مبرَّر.» ومِن ثَمَّ، «من المقبول أن يشارك أفراد المؤسسة العسكرية الأمريكية المسلمون في القتال في المعارك القادمة ضد أي طرف تُقرِّر دولتهم أنه ارتكب إرهابًا ضدهم» (القرضاوي وآخرون، ٢٠٠١).

مِن ثَمَّ، يعلن المسلمون موقفهم ضد الإرهاب. وجد استطلاع أجراه معهد جالوب عام ٢٠١١ لآراء المسلمين الأمريكيين أنه «على الأقل ٧ أمريكيين بالغين من كل ١٠ من كل الجماعات الدينية الرئيسية يتَّفقون على أن الهجمات [الإرهابية] غير مبررة مطلقًا، لكن مرة أخرى كان الأمريكيون المسلمون هم الأكثر معارضة، حيث رفض ٨٩٪ منهم مثل هذه الهجمات» (نوراث، ٢٠١١). ومع ذلك، تستمر خرافة أن المسلمين لا يعلنون موقفهم ضد الإرهاب. ثار التساؤل مرة أخرى في أعقاب تفجيرات ماراثون بوسطن في أبريل ٢٠١٣. ردًّا على هذا، نشر أحد المسلمين الغاضبين، وهو المؤلف قاسم رشيد، تدوينة لصحيفة «هفينجتون بوست» بعنوان «هل تسمعون المسلمين حقًّا حينما نُدين العنف؟» (رشيد، ٢٠١٣).

المراجع

  • al-Qaradawi, Y (2001) Sheikh Yusuf Al-Qaradawi Condemns Attacks against Civilians: Forbidden in Islam, Press Release, Jeddah, Saudi Arabia, September, 12.
  • al-Qaradawi, Y., al-Bishri, T., al-Awa, M.S., al-Khayyat, H., Houaydi, F. and al-Alwani, T. (2001) Fatwa on Muslims in the Military, September 27. Arabic original and authorized English translation posted at http://www.unc.edu/~kurzman/terror.htm (accessed January 11, 2014).
  • Arab League (1998) The Arab Convention on the Suppression of Terrorism, www.unodc.org/tldb/pdf/conv_arab_terrorism.en.pdf (accessed January 9, 2014).
  • Belkeziz, A. (2001) Secretary-General of Organization of the Islamic Conference, Press Release, Jeddah, Saudi Arabia, September 12, 2001.
  • Fiqh Council of North America (2005) “Fatwa by U.S. Muslims against Religious Extremism.” Plainfield, Indiana, July 25.
  • Helfstein, S., Abdullah, N. and al-Obaidi, M. (2009) Deadly Vanguards: A Study of al-Qa’ida’s Violence against Muslims, Combating Terrorism Center at West Point Occasional Papers Series, West Point, NY.
  • Islamic Council of Spain (2005) “Fatwa against Osama bin Laden by the Islamic Council of Spain”, March 10.
  • Khamene’i, A. (2001) “Leader Condemns Massacre of Defenseless People”. Islamic Republic News Agency, Jeddah, Saudi Arabia, September 16.
  • Kurzman, C. (online) Islamic Statements against Terrorism, http://kurzman.unc.edu/islamic-statements-against-terrorism (accessed January 10, 2014).
  • MSANews (2001) “A Clear Criterion (Bayan) … Forty-six Leading Muslim Scholars and Intellectuals Condemn Attacks in New York and Washington”. September 14.
  • National Counterterrorism Center (2012) Country reports on terrorism 2011, Report July 31, 2012, Annex of Statistical Information, www.state.gov/j/ct/rls/crt/2011/195555.htm (accessed January 10, 2014).
  • Naurath, N. (2001) Most Muslim Americans See No Justification for Violence, August 2, www.gallup.com/poll/148763/muslim-americans-no-justification-violence. aspx (accessed January 10, 2014).
  • Pasha, K. (2009) The big lie about Muslim silence on terrorism, Huffington Post, April 20, www.huffingtonpost.com/kamran-pasha/the-big-lie-about-muslim_b_188991.html (accessed January 9, 2014).
  • Rashid, Q. (2013) Do You Even Hear Muslims When We Condemn Violence? April 22, www.huffingtonpost.com/qasim-rashid/do-you-even-hear-muslims-when-we-condemn-violence_b_3125564.html (accessed January 10, 2014).

(١٠) يرغب المسلمون الأمريكيون في فرض الشريعة الإسلامية على الولايات المتحدة

تتمسك الأغلبية العظمى من مسلمي العالم البالغ عددهم ١٫٤ مليار نسمة برؤيةٍ من دينهم تتفق على الحاجة إلى فرض الشريعة، أو القانون الإسلامي، على العالم. (مايكل موكاسي، النائب العام في حكومة الرئيس جورج دبليو بوش، ١٦ مارس ٢٠١٣ (سايتز-والد، ٢٠١٣))

طرح موقع ويب بعنوان «الشريعة الزاحفة» (http://creepingsharia.wordpress.com) سؤالًا: «متى يملك العالم الشجاعة لهزيمة هذه البلية؟» ردًّا على تفجير كنيسة في مدينة بيشاور بباكستان في ٢٢ سبتمبر ٢٠١٣ أسفر عن مقتل ٧٥ فردًا على الأقل وفقًا للتقارير الأولية. يشرح فيديو منشور على الموقع بعنوان «حرب الإسلام العالمية على المسيحية» أن الإسلام طالما اضطهد المسيحيين والأقليات الأخرى على مدار قرون «بالأساليب ذاتها بحذافيرها». ومن وجهة نظر الموقع، قدمت فظائع بيشاور المزيد من الأدلة على أن المسلمين يسعون إلى السيطرة على أمريكا وإحلال الشريعة الإسلامية محل قوانينها. وكما تزعم صفحة التعريف بالموقع؛ فإن «الشريعة الزاحفة هي كارثة تحدث في أنحاء العالم الحر. سنُعرِّفها على أنها «التقدم البطيء والمتعمَّد والمنهجي للشريعة الإسلامية في البلدان غير المسلمة» … ثمة مصطلح آخر مستخدم بكثرة هو «الجهاد المتسلل»» («الشريعة الزاحفة»، على الإنترنت).

يبدو أن كثيرًا من الأمريكيين يتشاطرون هذا الخوف من الشريعة الإسلامية؛ ففي يوليو ٢٠١٣، انضمت ولاية كارولينا الشمالية إلى ولايات أريزونا وكانساس ولويزيانا وأوكلاهوما وداكوتا الجنوبية وتينيسي، لتصبح سابع ولاية من الولايات المتحدة تحظر الشريعة الإسلامية. وقد أبطل قاضٍ فيدرالي حظرَ ولاية أوكلاهوما عام ٢٠١٠ للشريعة الإسلامية عندما وجد أنه أخلَّ بحظر التعديل الأول للدستور «تأسيسَ» أي ديانة رسمية. ولكي تتجنب الولايات الأخرى التي نجحت في حظر الشريعة انتهاك التعديل الأول، غيرت لغة قوانينها، مستبدلة بكلمة «الشريعة» كلمة قانون «أجنبي». واقترحت خمس عشرة ولاية أخرى قوانين مناهِضةً للشريعة في ٢٠١٢.

وفقًا لاستطلاع رأي أجراه معهد بحوث الدين العام ومؤسسة بروكينجز في أغسطس ٢٠١١، يؤمن ثلث الأمريكيين تقريبًا بأن المسلمين يسعون إلى إقامة الشريعة قانونًا للولايات المتحدة (مارابودي، ٢٠١١).

وخلال فترة الاستعدادات للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠١٢، عزَّز مرشحان من المرشحين الجمهوريين الثلاثة الخوف في نفوس الأمريكيين من سيطرة الشريعة الإسلامية على النظام القضائي الأمريكي. وصف ريك سانتورم الشريعة بأنها «تهديدٌ وجوديٌّ» لأمريكا (إليوت، ٢٠١١). قال سانتورم: «نحتاج إلى تعريفها وأن نقول ما هي»، مضيفًا: «وهي شرٌّ. قانون الشريعة متعارض مع الفقه القانوني الأمريكي ودستورنا» (بينين، ٢٠١١). ودعا المرشح نيوت جينجريتش إلى سَنِّ قانون فيدرالي يمنع الشريعة. وفي حوار له مع معهد أمريكان إنتربرايز في واشنطن عام ٢٠١٠، قال: «أعتقد أن الشريعة تهديد قاتل لبقاء الحرية في الولايات المتحدة وفي العالم كما نعرفه.» وحذر من أن هناك جهاديين وحشيين مثل القاعدة، لكن هناك أيضًا «جهاديين مستترين» يستخدمون «أدوات سياسية وثقافية ومجتمعية ودينية وفكرية … كلاهما منخرط في الجهاد، وكلاهما يسعى إلى فرض الوضع النهائي نفسه، وهو إحلال الفرض الراديكالي للشريعة محل الحضارة الغربية» (ماك موريس-سانتورو، ٢٠١٠).

تكشف المخاوف بشأن إحلال الشريعة الإسلامية محل القانون الأمريكي عن ثلاثة معتقدات خاطئة على الأقل عن الشريعة. تناول أول معتقدَين منها زعيم المركز الإسلامي بمدينة ناشفيل، الإمام محمد أحمد، خلال مناقشة مناهضة الشريعة بولاية تينيسي؛ أولًا: أوضح الإمام أن الإسلام يعلِّم بأن أتباعه يجب أن يطيعوا قوانين الأرض التي يعيشون فيها (سميتانا، ٢٠١١). هذا موقف راسخ في القانون الإسلامي. في الأيام الأولى للإسلام، حينما عاشت الأغلبية العظمى من المسلمين في ظل حكومات تحكمها الشريعة الإسلامية، كان حكم خضوع الأفراد لقانون الأرض أينما كانوا، يتعلق بالمسافرين في المقام الأول، مثل التجار والطلاب الذين كانوا في أرض أجنبية إلى حين فقط. لكن في العالم الحديث؛ إذ يعيش ربما ثلث مسلمي العالم بوصفهم أقليات دينية، مُدِّدت القاعدة لتشمل الجميع، المقيمين المؤقتين أو الدائمين في بلدان لا تحكمها الشريعة.

عززت الأحكامُ التي تنظم فكرة المواطنة الحديثة الحكمَ بوجوب التزام المسلمين بقانون الأرض التي يعيشون فيها. المواطنة بمنزلة عقد في الإسلام، يشمل الالتزام بقوانين الدولة التي يكون المرء أحد مواطنيها. في حقيقة الأمر، تطوَّر فرع كامل من الشريعة الإسلامية يُعرَف باسم «فقه الأقليات» في العالم الحديث. يتناول هذا الفرع الموقف التقليدي الذي يفترض رجوع المسلمين الذين يعيشون في بلدان أجنبية في أقرب وقت ممكن إلى مناطق تحكمها الشريعة الإسلامية. في الفقه الحديث، يعتبر هذا الحكم باليًا. تدعو الشريعة الإسلامية اليوم المسلمين إلى المشاركة الكاملة والبناءة في العملية السياسة الديمقراطية. يأتي هذا الحكم من المجلس الفقهي بأمريكا الشمالية الذي يُطمئن المسلمين بأن «الولايات المتحدة هي بلد الحرية التي ترعى في المقام الأول حقوق جميع مواطنيها من جميع الأديان والأعراق، على الرغم من مشكلات التطبيق التي تتجلى من حين إلى آخر» (فيرسكين، ٢٠١٣: ١٣٧).

ثانيًّا، يوضح الإمام أن الشريعة الإسلامية تقوم على قيم أخلاقية يتقاسمها معظم الأديان، مثل الحق والعدالة واحترام حقوق الملكية. يتساءل أحمد: «ماذا تقصد فعليًّا بقولك لا يمكنني الالتزام بالشريعة الإسلامية؟ يقول لي قانون الشريعة لا تسرق. أتريدني أن أسرق وأسطو على بنك؟» (سميتانا، ٢٠١١).

تشير القواسم المشتركة للقيم الإسلامية إلى المعتقد الخاطئ الثالث عن الشريعة: أنها تشمل مجموعة من القوانين الثابتة التي تتنافى تمامًا مع القيم التي تعتبرها المجتمعات الحديثة إنسانية. لا ريب أن هذا الإدراك ينبع جزئيًّا من مساواة الشريعة بممارسات الإرهابيين الذين يزعمون أن الإسلام يبررها. كما رأينا أعلاه، الإرهاب — ومنه الهجمات على مركز التجارة العالمي، والبنتاجون، وقطارات مدريد، ونظام النقل في لندن، وعدَّائي ماراثون بوسطن، وكنيسة بيشاور — هو انتهاك للشريعة الإسلامية. لا يمثل الإرهابيون الشريعة الإسلامية مهما كان عدد المرات التي صاحوا فيها «الله أكبر».

قد يعكس أيضًا سوء الفهم القائل إن الشريعة مضادة للقيم الغربية مساواة الشريعة ببعض العقوبات الجنائية التقليدية في الشريعة الإسلامية. من المهم أن نعرف أن مصطلح «شريعة» — الكلمة العربية لكلمة «درب» أو «مسار» — تشير على أوسع نطاق إلى مجمل قواعد السلوك الأخلاقية والدينية في الإسلام؛ فمن الناحية المثلى، تغطي الشريعة جميع أوجه الحياة، بدءًا من الأمور الخاصة مثل الصلاة والصوم، ووصولًا إلى الأمور العامة مثل الزواج والطلاق. ثمة تنوُّع هائل في الشريعة الإسلامية؛ حيث توجد أربع مدارس فقهية رئيسية، وجدل لا نهائي حول التفاصيل الدقيقة لتشريع معين، كما هي الحال في كل الأنظمة القانونية. لكن التشريع الإسلامي كله يسير في هدى أهداف الشريعة أو مقاصدها: حفظ النفس، والدين، والعقل، والمال، والنسل، والكرامة.

تحتوي الشريعة الإسلامية التقليدية على بعض العقوبات المعينة (يُطلق عليها عقوبات الحدود) التي تُعتبر مروِّعة مقارنة بالأعراف الحديثة، ومنها أعراف معظم البلدان ذات الأغلبية المسلمة. وبينما يؤيد بعض التقليديين الصرحاء إعادة تطبيق العقوبات التقليدية، فثمة جدل محتدم بين العلماء المسلمين حول وضعها. يقترح العالم الأوروبي المسلم البارز طارق رمضان «تعليقًا مؤقتًا» لتنفيذ عقوبات الحدود (رمضان، ٢٠٠٥). وعلى غرار التهديد بالعقوبات الجسدية في بعض مجتمعات ما قبل العصر الحديث الأخرى — قبل إنشاء أنظمة السجون الحديثة — فإن هذه القوانين قُصد بها أن تكون روادع للجريمة. لكن في مجتمع اليوم، كما صرح العالم الأمريكي المسلم البارز علي مزروعي، لدينا قوانين عقوبات أكثر فاعلية (مزروعي، ١٩٩٧). ومن بين القوانين التقليدية الأكثر إثارة للجدل تحريم الارتداد عن الدين (حد الرِّدَّة). يقول رئيس المحكمة الباكستانية العليا السابق دكتور إس عبد الرحمن إن حظر الرِّدَّة تحت تهديد بعقوبة الإعدام ينتهك التأكيد الأساسي من جانب الإسلام للحرية الدينية وحرية الضمير (عبد الرحمن، ١٩٧٢). يرفض أيضًا علي جمعة، أعلى قيادة دينية في مصر سابقًا، عقوبة الموت بسبب الارتداد عن الدين، قائلًا إنه إذا كان الأمر يستوجب العقاب، فسوف يأتي في الحياة الآخرة (مقابلة شخصية مع تمارا صون، ٢٠١٢). ويُفسر المؤرخ التونسي محمد الطالبي أن القانون الذي يفرض عقوبة الإعدام على الرِّدَّة ناتج من خلط ما بين الرِّدَّة والخيانة (الطالبي، ٢٠٠٦).

على أي حال، حينما يشير المسلمون إلى الشريعة عمومًا؛ فإنهم يقصدون اتِّباع المبادئ الأخلاقية العامة للإسلام المُلخصة في الآية القرآنية الشهيرة:

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. (سورة البقرة: ١٧٧)

لهذا ترى الأغلبية أنه لا تَعارُض ما بين الشريعة وقانون الولايات المتحدة. وكما يقول إمام نيويورك فيصل عبد الرءوف في مقاله «خمس خرافات عن المسلمين في أمريكا»:

اتفق معظم العلماء المسلمين في أنحاء العالم طيلة قرون على أنه يجب على المسلمين اتباع قوانين الأرض التي يعيشون فيها. وهو مبدأ رسَّخه النبي محمد عام ٦١٤-٦١٥ بعد الميلاد؛ إذ أرسل بعض أتباعه إلى ملك الحبشة المسيحي ليتولى حمايتهم، حيث تعايشوا مع أهلها في سلام. ليس الأمر فقط أن المسلمين الأمريكيين ليس لديهم أسانيد قرآنية أو تاريخية أو سياسية لمعارضة دستور الولايات المتحدة، ولكن دستور الولايات المتحدة يتناغم مع مقاصد الشريعة ومُثُلها أيضًا. يمارس المسلمون الشريعة بالفعل في الولايات المتحدة إذ يتعبَّدون بحرِّية ويلتزمون بقوانين الولايات المتحدة. (عبد الرءوف، ٢٠١١)

المراجع

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤