الفصل الثامن

خرافات عن غير المؤمنين

  • (١)

    غير المؤمنين جاهلون بالدين.

  • (٢)

    لا يمتلك غير المؤمنين أساسًا للفضيلة.

  • (٣)

    الحياة الخالية من المعتقدات الدينية لا غاية لها.

  • (٤)

    الإلحاد هو مسألة إيمان مثلما هو الدين.

مقدمة

لماذا عسانا أن ندرج في كتاب عن الأديان فصلًا عن «غير» المتدينين، ولا سيما أولئك الذين يفتقرون إلى الإيمان بالله؟ الجواب هو أن «غير المؤمنين» يَبدون عادةً مصدر تهديد لبعض المؤمنين المتدينين، وخصوصًا المسيحيين والمسلمين. وكما هي الحال مع أي جماعة تُدرك أنها مهدَّدة، تنامت الخرافات عنهم، وكانت كلها خرافات معادية.

(١) غير المؤمنين جاهلون بالدين

الإلحاد كسمكة تُنكِر وجود الماء.

(تعليق أسفل صورة سمكة ذهبية في حوض سمك، في مقال بعنوان «الإلحاد أحمق» (ساسيردوتس، ٢٠١٣))

غالبًا ما يفترض المتدينون أنهم يعرفون الكثير عن الأديان، بينما لا يعرف غير المؤمنين. لكن دراسات كثيرة تدحض كلا الافتراضين؛ فكما رأينا في الفصل الرابع، وفقًا لستيفن بروذرو في كتابه «محو الأمية الدينية: ما يحتاج أن يعرفه كل أمريكي — ولا يعرفه» (٢٠٠٧)، ثمة أغلبية صادمة من المسيحيين لا تستطيع أن تذكر اسم أيٍّ من الأناجيل الأربعة. وفي اختبارات خضع لها طلبة السنة النهائية بالمدارس الثانوية الأمريكية، عرَّف نصفهم سدوم وعمورة على أنهما زوجان. أراد مقدم برنامج «تونايت شو» جاي لينو أن يختبر صحة مثل هذه الادعاءات، فسأل المئات من جمهوره في الاستوديو أن يذكروا اسم تلميذ واحد من تلاميذ المسيح الاثني عشر. لم يستطع أحد من الجمهور أن يجيب (هارديمان، ٢٠٠١).

الأمريكيون أكثر جهلًا بالديانات الأخرى غير ديانتهم. في واحدة من الدراسات التي أُجريت على طلبة المدارس الثانوية، عرَّف ٣٦ في المائة فقط رمضان بأنه الشهر المبارك الإسلامي؛ واختار ١٧ في المائة منهم الإجابة القائلة إنه «عيد الغفران اليهودي». يستنتج بروذرو أن «الأمريكيين يتصفون بالتدين العميق والجهل الشديد بالدين» (٢٠٠٧: ١).

أما في المملكة المتحدة، حيث يقل الانتماء الديني عما هو في الولايات المتحدة، فثمة مستوًى مماثل من «الأمية الدينية». في استطلاع موري لعام ٢٠٠٣، لم يتمكن سوى ٥٥ في المائة من البريطانيين من ذكر اسم إنجيل واحد من الأناجيل الأربعة. واستطاعت نسبة أكبر قليلًا ذكر اسم كتاب المسلمين المقدس، القرآن. وتوصلت إحدى الدراسات إلى أن «عامة الناس في بريطانيا، كبارًا وصغارًا، يكادون يجهلون تمامًا الحقائق الأساسية المحيطة بالمسيحيين والديانات العالمية الأخرى» (كرابتري، ٢٠٠٧). وسجَّل تقرير أوفستد لعام ٢٠٠٧ حول «التعليم الديني في المدارس البريطانية» مشكلات تتعلق بضآلة معرفة المدرِّسين بالدين في مستوى المدارس الابتدائية، وبتعيين المتخصصين في مستوى المدارس الثانوية.

ماذا عن غير المؤمنين؟ هل هم جاهلون بالحقائق الدينية مثل عامة السكان الذين استطلع بروذرو رأيهم؟ فيما يخص مقدار معرفة الناس عن الدين، ينبئ تقرير لمنتدى الدين والحياة العامة بمركز بيو للأبحاث (٢٠١٠) بالكثير. أورد التقرير أن «الملحدين واللاأدريين … من بين الجماعات المحرزة لأعلى الدرجات في استبيان جديد عن المعرفة الدينية، متفوقين بذلك على البروتستانت الإنجيليين، وعموم البروتستانت، والكاثوليك، في أسئلة حول التعاليم الأساسية لديانات العالم الرئيسة وتاريخها وشخصياتها البارزة.» أحرز اليهود والمورمون أيضًا درجات أعلى مما حققه المسيحيون الإنجيليون وعموم المسيحيين (مثل اللوثريين، وأتباع الكنيسة الميثودية، والكنيسة الأسقفية).

اعتمد تقرير بيو على امتحان مكون من ٣٢ سؤالًا عن الدين. وكان المشارك المتوسط يحرز ١٦ إجابة صحيحة. إلا أن الملحدين واللاأدريين حققوا في المتوسط ٢٠٫٩ إجابة صحيحة. وأحرز اليهود والمورمون النتائج نفسها تقريبًا بمتوسط قدره ٢٠٫٥ و٢٠٫٣ على التوالي. وكان متوسط الإجابات الصحيحة للبروتستانت ١٦ إجابة صحيحة، وللكاثوليك ١٤٫٧ إجابة صحيحة. وهكذا كان الملحدون واللاأدريون يحرزون نتائج أعلى بنسبة ٤٢ في المائة مما أحرزه الكاثوليك في اختبار للمعرفة الدينية.

من وجهة نظر جريجوري سميث، أحد كبار الباحثين بمنتدى الدين والحياة العامة بمركز بيو للأبحاث، يوجد ارتباط بين الإلحاد والمعرفة الكبرى بالدين التي أبداها الملحدون. تنشأ الأغلبية الساحقة من الناس على نوع ما من التعليم الديني؛ ولذا، يقتضي كون المرء ملحدًا اختيارًا واعيًا؛ فبينما لا يزال أعضاء الطوائف الدينية الذين لا يراعون الشعائر أو لا يمارسونها يَعتبرون أنفسهم باستمرار «مؤمنين» نوعًا ما، يجب على الأفراد أن يختاروا عن قصد أن يصيروا ملحدين. وكما يقول سميث: «يفترض ذلك القرار ضمنًا أن شيئًا من التفكير مُنِح لهذه الأمور.» وهو الأمر الذي يرتبط بقوة بالمعرفة الدينية («سي إن إن»، ٢٠١٠).

إن أردت اختبار معرفتك بالدين، فمنتدى بيو عن الدين والحياة العامة يقدم امتحانًا مكونًا من ١٥ سؤالًا على الرابط الآتي: http://features.pewforum.org/quiz/us-religious-knowledge/?q=16.

المراجع

(٢) لا يمتلك غير المؤمنين أساسًا للفضيلة

فكر في الأمر، في الإلحاد، لا يوجد صواب وخطأ أخلاقيان. ليس هناك «ينبغي ولا ينبغي» أخلاقيان. لماذا؟ لأنه عندما تحذف الله من حياتك؛ فإنك تحذف المعيار الذي تقام به الحقيقة الأخلاقية الموضوعية. من منظور الإلحاد، الفضيلة في متناول الجميع. («فشل الإلحاد في تعليل الأخلاقية» (سليك، ٢٠٠٩))

لا يمكن إنكار أن الإلحاد موصوم بوصمة اجتماعية؛ فالافتقار إلى الإيمان بالله يختلف عن الافتقار إلى اعتقاد وجود أشباح أو أطباق طائرة. من وجهة نظر الأغلبية الساحقة من الأمريكيين، الإلحاد نظرية غير مقبولة بالمرة. أظهر استطلاع رأي مشترَك بين صحيفة «يو إس إي توداي» ومؤسسة جالوب عام ٢٠٠٧ مدى السلبية التي ينظر بها الأمريكيون إلى الملحدين. كانت أسئلة الاستبيان العشرة كلها مطروحة بالصيغة التالية:

إذا رشح حزبك شخصًا ذا كفاءة عالية بصفة عامة لمنصب الرئيس، وحدث أن هذا الشخص ———، فهل ستصوت لذلك الشخص؟

عندما كانت في السؤال كلمة «كاثوليكي»، أجاب ٩٥ في المائة من الأمريكيين بنعم، وفيما يخص مرشحًا «يهوديًّا»، قال ٩٢ في المائة نعم. بل وحتى «المورمون» حصدوا ٧٢ في المائة من الإجابة بنعم. لكن عندما سأل الاستطلاع الناس عما إذا كان من الممكن أن ينتخبوا مرشحًا عالي الكفاءة اختاره حزبهم وتصادف أنه «ملحد»، أجاب ٤٥ في المائة فقط بنعم، وقال ٥٣ في المائة لا (جودناف، ٢٠١٢).

وإذا ما انتقلنا من الساسة إلى الجيران، نجد أن الأمريكيين يُلصقون وصمة أكبر بغير المؤمنين. في عام ٢٠١٠، لحظت جيسيكا آلكويست، الطالبة بالصف الأول بمدرسة كرانستون هاي سكول ويست بمدينة كرانستون بولاية رود آيلاند، وجود لافتة معلقة على جدار مسرح المدرسة بالقرب من المنصة، طولها ثمانية أقدام، عنوانها «صلاة المدرسة». كانت موجودة هناك منذ عام ١٩٦٣. تبدأ الصلاة بالكلمات: «أبانا الذي في السموات»، وتدعو الله أن «يمنحنا كل يوم» الرغبة في فعل كل ما بوسعنا، وأن نكون لطفاء، إلى آخره. لم تكن جيسيكا معترضة على المُثُل المُعبَّر عنها، وإنما كانت رافضة لصيغة الصلاة، لأنها ملحدة. علَّقت جيسيكا: «بدا الأمر وكأنها تقول كلما أراها: «أنتِ لا تنتمين إلى هنا.»» وعندما قدَّم أحد الآباء في المدرسة شكوى إلى الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية بشأن لافتة الصلاة، عقد مجلس المدرسة سلسلة من جلسات الاستماع العامة، وتحدثت جيسيكا فيها جميعها. كما أطلقت صفحة على فيسبوك تطالب فيها بإزالة اللافتة. وفي مارس ٢٠١١ صوَّت مجلس مدرسة كرانستون بأغلبية أربعة أصوات مقابل ثلاثة لإبقاء الصلاة على جدار المسرح. حينئذٍ، طلب الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، فرع رود آيلاند، من جيسيكا أن تكون المدَّعي في القضية المرفوعة من أجل إزالة الصلاة. وافقت جيسيكا. وفي أوائل يناير ٢٠١٢، حكم أحد القضاة الفيدراليين بأن وجود اللافتة في مدرسة عامة مخالف للدستور؛ لأنه انتهك مبدأ حيادية الحكومة في الدين. وخلال أيام، وجَّه قاطنو المدينة اجتماعات مجلس المدرسة للمطالبة باستئناف الحكم. وتلقَّت جيسيكا تهديدات هائلة على الإنترنت، حتى إن الشرطة كُلِّفت بمرافقتها إلى المدرسة. وفي برنامج إذاعي شهير، وصف نائب الولاية بيتر بالومبو من مدينة كرانستون جيسيكا بأنها «شيء صغير شرير.» ورفضت ثلاثة متاجر لبيع الزهور أن توصل إليها ورودًا مرسَلة إليها من الجماعة الإلحادية «مؤسسة التحرر من الدين». وقالت إحدى خريجات عام ٢٠٠٩ من المدرسة الثانوية عن جيسيكا إنها «حمقاء»، مشيرةً إلى أنه لا أحد مجبر على تلاوة الصلاة. قالت الفتاة: «إن كنت لا تؤمن بهذا [لافتة الصلاة]، فلتتخلص من جميع النقود بجيبك، لأن كل ورقة دولارية مكتوب عليها «بالله نثق»» (جودناف، ٢٠١٢).

يُرجَّح كثيرًا أن التحيز ضد غير المؤمنين ينبثق من الربط بين الفضيلة والدين؛ فمن الخصائص الأساسية للأديان أنها تقدِّم الإرشاد بشأن ما هو صواب وما هو خطأ. تقدِّم «بوصلة أخلاقية». تُعلِّم الديانات التوحيدية الغربية الثلاث — اليهودية والمسيحية والإسلام — أن الله قد أصدر أوامر وشرائع. وأشهر شرائع الله هي «الوصايا العشر» التي يتقاسمها كل الموحِّدين بأشكال متنوعة؛ فاليهود لديهم ٦١٣ «ميتسفوت»؛ أي قوانين أمر بها الله. أما المسلمون فليس لديهم عدد معين من القوانين، لكنهم يلتزمون بخمسة أركان أساسية: الشهادة بالله وبنبوة محمد، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاء، والصوم، والحج، هذا بالإضافة إلى تكاليف ومحظورات أخرى متضمنة في الشريعة. ومن الطبيعي إذًا استنتاج أن أولئك الذين لا يعترفون بأي سلطة إلهية، يعيشون بلا إرشادات أخلاقية. كتب جون كالفن، زعيم حركة الإصلاح الديني: «نعلم بوجود فساد في الطبيعة البشرية، حتى إن كل شخص يمكن أن يقتلع عينَي جاره ما لم يكن هناك رادع ينهاه» (كالفن، ١٨٨٥). وفي مطلع القرن الثامن عشر، كتب مؤلف المقالات جوزيف أديسون (١٩٦٥: ٤٦٠) عن الحاجة إلى حَمْل الناس على حضور الصلوات الجماعية بانتظام:

أكيد أن أهل الريف من شأنهم أن ينغمسوا في نوع من الأعمال الوحشية والهمجية، ما لم تكن هناك فترات عودة إلى الذات متكررة محددة الأوقات، يجتمع فيها كل أفراد القرية معًا وهم في أفضل حالاتهم، وبأنقى عاداتهم، لكي … تُشرَح لهم واجباتهم، ويشتركوا معًا في عبادة الكائن الأسمى.

وكما جاء على لسان ديمتري كارامازوف، إحدى شخصيات رواية «الإخوة كارامازوف» التي ألَّفها روائي القرن التاسع عشر الروسي فيودور دوستويفسكي، «لو لم يكن هناك الله ولا حياة بعد القبر، ألا يعني ذلك أنه سيكون مباحًا للإنسان أن يفعل ما يحلو له؟» (ديستويفسكي، ١٩٨٣).

على الرغم من انتشار فكرة أنه كي يكون المرء أخلاقيًّا فلا بد أن يكون متدينًا، فإن علماء كثيرين لا يتفقون مع هذا الرأي. يرى أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد ستيفن بينكر (٢٠٠٨) أن ثمة اتفاقًا عامًّا بشأن الفضيلة بين ثقافات العالم مستقلًّا عن الدين. ويقول إن ذلك الاتفاق يمكن تفسيره في ضوء التطور البشري. تتفق جميع الثقافات على أن الكذب والسرقة والقتل أمور سيئة، وأن الاعتناء بأفراد عائلتك أمر جيد. تعكس الثقافات جميعًا هذه القيم وتُدمجها في أنظمتها الأيديولوجية، سواء أكانت هذه الأيديولوجيات تُعرَّف بأنها دينية أم لا. يقول بينكر إن هذا يعود إلى أن الجماعات البشرية الأولى التي كانت لديها هذه القيم كانت لديها فرصة أكبر للبقاء والازدهار، وأنجبت لذلك نسلًا أكثر. بمرور الوقت هيمنوا على الكوكب. لو كانت هناك جماعات بشرية لم تحث الناس على الاعتناء بأفراد عائلاتهم، ولم تثنِهم عن الكذب والسرقة والقتل، لصارت مختلة وظيفيًّا بشدة لدرجة أن تفنى في تنافسها مع الجماعات التي لديها فضيلة. ويطرح بينكر، بالاستناد إلى أبحاث عالِم نفس آخر هو جوناثان هايدت، خمسة مبادئ أخلاقية موجودة في الثقافات في أنحاء العالم:
  • تجنَّب إيذاء الناس.

  • عزِّز النزاهة — رُدَّ الجميل، وكافئ المحسنين، وعاقِب الغشاشين.

  • كن مخلصًا للجماعة.

  • احترم القادة.

  • انشر النقاوة.

يشرح بينكر أن امتلاك مثل هذه القيم منَح ميزة تطورية للبشر الأوائل، وهكذا صارت جزءًا من طبيعتنا البشرية الموروثة.

علاوة على هذا، لو كان الملحدون لا أخلاقيين بطبيعتهم، فمن المفترض إذًا أن نجد أنهم ينتهكون القوانين الأخلاقية بنسب أعلى من المسيحيين والمؤمنين الآخرين. تشير الإحصائيات، خلافًا لذلك، إلى أن عدد الملحدين المُدانين بارتكاب جرائم هو أقل بكثير (لكل فرد) من المؤمنين المتدينين. ٠٫٢ في المائة فقط من مساجين الولايات المتحدة الأمريكية ملحدون. ويبلغ معدل جرائم القتل في الولاية الأمريكية التي تحظى بأعلى نسبة حضور في الكنائس، وهي لويزيانا، ضعف المعدل القومي لجرائم القتل، في حين أن الولايات ذات معدلات الحضور المنخفضة في الكنائس، مثل فيرمونت وأوريجون، تنخفض بها معدلات جرائم القتل. وتحظى اليابان — تلك الدولة التي يعلن أقل من ١٠ في المائة من سكانها عن يقينهم بوجود الله — بأقل معدل جرائم قتل بين البلدان الصناعية. تنخفض معدلات الجريمة في كلٍّ من النرويج وبريطانيا وألمانيا وهولندا بالمثل، على الرغم من أن أقل من ثلث سكانها يدَّعون الإيمان بوجود الله. في المقابل، تحظى الولايات المتحدة بأعلى معدلات الاعتقاد الديني بين البلدان الصناعية — وأعلى معدلات للجريمة (زوكرمان، ٢٠٠٩).

المراجع

  • Addison, J. (1965) The Spectator, 112, July 9, 1711 (ed, D. Bond), Clarendon Press, Oxford, 460.
  • Calvin, J. (1885) Sermons on Deuteronomy, Sermon 142, in Corpus Reformatorum, Vol. 56, C.A. Schwetschke & Sohn, Brunswick, CA, col. 211.
  • Dostoevsky, F. Brothers Karamazov, trans. Andrew R. MacAndrew (New York: Bantam Books, 1983), 788.
  • Goodnough, A. (2012) Student Faces Town’s Wrath in Protest Against a Prayer. New York Times, January 26.
  • Pinker, S. (2008) The Moral Instinct. New York Times, January 13.
  • Slick, M. (2009) The Failure of Atheism to Account for Morality, Christian Apologetics and Research Ministry (CARM), June 18, http://carm.org/failure-of-atheism-to-account-for-morality (accessed January 9, 2013).
  • Zuckerman, P. (2009) Atheism, secularity, and well-being: How the findings of social science counter negative stereotypes and assumptions. Sociology Compass, 3 (6), 94–971.

قراءات إضافية

  • Epstein, G. (2009) Good Without God: What a Billion Nonreligious People Do Believe, William Morrow, New York.
  • Harris, S. (2010) The Moral Landscape: How Science Can Determine Human Values, Simon & Schuster, New York.
  • Zuckerman, P. (2008) Society Without God: What the Least Religious Nations Can Tell Us About Contentment, New York University Press, New York.

(٣) الحياة الخالية من المعتقدات الدينية لا غاية لها

خُلقتَ بيد الله ومن أجل الله، وإلى أن تعي ذلك، ستظل الحياة بلا غاية. (ريك وارين (٢٠٠٢) واعظ إنجيلي أمريكي وصاحب الكتاب الأكثر مبيعًا «الحياة المنطلقة نحو الهدف: لماذا أنا موجود؟»)

حقق كتاب الدكتور ريك وارين «الحياة المنطلقة نحو الهدف: لماذا أنا موجود؟» مبيعات تجاوزت ٣٠ مليون نسخة. في عام ٢٠٠٣، ووفقًا لمجلة «بابليشرز ويكلي»، كان أفضل الكتب مبيعًا — ليس فقط أفضل الكتب الدينية مبيعًا، ولكن أفضل الكتب مبيعًا من أي نوع في العالم. وارين هو راعٍ مؤسِّس لكنيسة سادلباك بمدينة ليك فورست بولاية كاليفورنيا، رابعة كبرى كنائس الولايات المتحدة؛ إذ يجذب ٢٢ ألف فرد أسبوعيًّا لخدماته. يوضح الاقتباس المذكور أعلاه فكرة وارين المحورية. يقول إن الغاية الأساس من حياة الإنسان هي تمجيد الله. على كل فرد أن يجد طريقه لفعل ذلك، وسيشكل ذلك هدف حياته ومصدر سعادته.

تبرهن مبيعات كتاب وارين وأعداد الحضور إلى الكنيسة، الافتتان الهائل بفكرة أنك «خُلقتَ لتعبد الله». حتى حينما يتخيل الكثير من المسيحيين أنفسهم في السماء بعد الموت؛ فإنهم يتصورون أنفسهم وهم يُنشِدون التراتيل والتسبيح لله إلى أبد الآبدين.

إن كان أحد لا يؤمن بالله، فلن يؤمن بالطبع بأن الله حدَّد لحياته غاية؛ ولذا، إن كانت الطريقة الوحيدة لتكون لحياة الإنسان غاية هي أن يضع الله لها غاية، فلن يعتقد الملحدون إذًا أن لحياتهم غاية. لكن أهذه هي الطريقة الوحيدة لتكون لحياة الإنسان غاية؟

تخيَّل عازفة تشيلُّو عمرها ثماني سنوات تعزف مقطوعة لباخ عزفًا منفردًا، وتشعر بالرضا عن أدائها حتى إنها تعزم على تكريس حياتها لتصبح أشهر عازفة تشيلُّو في العالم، لتكون يو يو ما القادمة. تخيَّل طالبًا جامعيًّا يتوصل في معمل البيولوجيا إلى اكتشاف مذهل بشأن تثبيط الخلايا السرطانية، ويقرر أن يُمضي حياته في العمل على علاجات السرطان. ألا يمكننا القول إن لدى هذين اليافعين غايتين لحياتيهما؟ على ما يبدو يمكننا الإقرار بهذا.

الآن، هب أنهما ملحدان. ألا يزال بمقدورنا أن نقول إن كلًّا منهما لديه غاية لحياته؟ أليس امتلاك غاية لحياتك هو أن يكون لديك هدف عام ينظم وقتك وجهودك؟ إن كان كلٌّ من هذين اليافعين اختار هدفًا عامًّا، ونظَّم وقته وجهوده حول هذا الهدف، أفلا يكون لحياته غاية إذًا، سواء أكانا يؤمنان بالله أم لا؟

وفقًا لرأي ريك وارين، هذان اليافعان «لم» يجدا غاية لحياتيهما. يكتب:

لطالما حيَّر البحث عن الغاية من الحياة الناس لآلاف السنين. وذلك لأننا عادة ما ننطلق من نقطة البداية الخاطئة: أنفسنا. نحن نطرح أسئلة متمحورة حول ذواتنا، مثل: «ماذا أريد أن أكون؟ ماذا ينبغي أن أفعل بحياتي؟ ما هي أهدافي، وطموحاتي، وأحلامي من أجل مستقبلي؟» لكن التركيز على أنفسنا لن يكشف أبدًا غاية حياتنا. (٢٠٠٢: ١٧)

يبدو هنا أن وارين يقيد عبارة «غاية حياتنا» بالغاية المحدَّدة من الله، وليست المُعطاة من الشخص الذي هذه حياته. لكن لماذا يجدر بنا أن نسلِّم بهذا التقييد؟ عادة، حينما نتحدث عن الغاية من أفعال شخص ما، فإننا نأخذ في الاعتبار احتمالية أنه اختار هذه الغاية. إن ذهبنا أنا وأنت للمشي، ولَحِظتَ أنني مع كل خطوة أرفع ثقلين حديديين وأخفضهما، فقد تسألني: «ما الغاية من فعل هذا؟» إن قلت لك: «كي أقوِّي عضلات ذراعَيَّ»، فلن تقول لي: «لا يمكن أن تكون هذه هي الغاية، لأنها شيء اخترتَه «أنت».» بالطبع يمكن أن تكون الغاية من أحد أفعالي غاية أختارها أنا. وينطبق الشيء نفسه على الغاية من حياتي. هكذا، بينما يكون وارين محقًّا في أن «إحدى» الطرق التي تكون بها للحياة غاية هي أن تكون لها غاية حددها الله؛ فإن هذه ليست الطريقة «الوحيدة» لتكون للحياة غاية، على الأقل إذا استخدمنا كلمة «غاية» بالمعنى العادي. ليس لزامًا أن تكون غاية حياة المرء محدَّدة من خارجه؛ يمكن أن تكون من اختيار الشخص صاحب هذه الحياة.

إذا فكرنا في هاتين الطريقتين لتكون لحياة الإنسان غاية، تظهر مشكلة أخرى: هل من الجيد بالضرورة أن تكون لديك غاية حددها شخص آخر لحياتك — حتى لو كان هذا الشخص هو الله؟ الغاية هدف أو وظيفة. انظر إلى مطرقة النجار؟ ما الغاية منها؟ تثبيت المسامير في الخشب. انظر إلى غسالة الأطباق أو آلة جز العشب — الغاية منهما واضحة من اسميهما.

دعونا الآن ننتقل إلى الكائنات الحية. ما الغاية من بقرة؟ إدرار اللبن، وولادة العجول، وفي آخر المطاف أن تصير شرائح ولحمًا مشويًّا ولحمًا مفرومًا. هل من الجيد للبقرة أن تُحَدد لحياتها هذه الغايات من مالكيها البشر؟

يمكننا أن نرتقي درجة أخرى إلى البشر الذين حدَّد لهم شخصٌ آخر غاية. ماذا لو أنني اتجهت إليك في حفل وسألتك: «ما الغاية من وجودك هنا؟» يعني السؤال افتراض أنك لست في الحفل لأنك أردت ذلك، وإنما لنقل مثلًا لأنك فرد من فريق الطباخين أو طاقم النظافة. إن كنت في حقيقة الأمر ضيفًا في الحفل، فأغلب الظن أنك سترد ردًّا سلبيًّا على السؤال «ما الغاية من وجودك هنا؟» فهو يشير ضمنًا إلى أنك إنما تؤدي وظيفة؛ أي إنك — على غرار غسالة الأطباق أو آلة تلميع البلاط — أداة، أو جزء من آلة.

قد يبدو غريبًا تشبيه الغاية من الإنسان بالغاية من الآلة، لكن هذا هو ما يفعله ريك وارين تمامًا في كتابه:

أنت لم تخلق نفسك؛ ولذا يستحيل أن تستطيع أن تخبر نفسك بما خُلقتَ لأجله! لو أعطيتك اختراعًا لم تَره من قبلُ قطُّ، فلن تعرف الغاية منه، ولا الاختراع نفسه أيضًا يستطيع أن يخبرك. وحده الصانع أو دليل المالك هو من يستطيع أن يُفصح عن الغاية منه. (٢٠٠٢: ٢٢)

لنعد مرة أخرى إلى مَثَل الحفل. ربما لن تستاء وحسب من سؤالي: «ما الغاية من وجودك هنا الليلة؟» لكنك على الأرجح ستشعر بإهانة أكبر إذا سألتك ما الغاية التي حُدِّدت لحياتك كلها. ثمة كلمة تعبِّر عن الشخص الذي يحيا من أجل خدمة أهداف شخص آخر؛ هذه الكلمة هي «عبد». مثلما أمتلك جزازة عشبي، ومِن ثَم يمكنني استعمالها كيفما أشاء؛ فإن مُلاك الرقيق اعتبروا أنهم يمتلكون البشر، ويستطيعون مِن ثَمَّ استعمالهم كما يحلو لهم. في الولايات المتحدة الأمريكية قبل الحرب الأهلية، أجرى مُلاك الرقيق حسابات دقيقة عن المدة التي يمكن أن يعيشها العبيد في ظل ظروف متنوعة. في مناطق زراعة القطن مثل المسيسبي، حسب بعضهم أنه يمكنهم انتزاع عامين من العمل الشاق من العبيد قبل أن يموتوا إرهاقًا أو مرضًا. لو لم يكلفوهم بمثل هذا العمل الشاق، لعاشوا مدة أطول، لكنهم لم يكونوا ليحصدوا الكمية نفسها من القطن سنويًّا، وكان من شأنهم أن يستهلكوا المزيد من الطعام على مدار حياتهم. يبدو هذا النوع من تحليل الكلفة والمنفعة قاسيًا، لكنه كان جزءًا طبيعيًّا من العبودية التي كان قوامها امتلاك شخص واحد أشخاصًا آخرين وتحديد غايات حيواتهم.

قد يعترض هنا شخص مثل ريك وارين الذي يؤمن بأن الله يضع غاية لحيواتنا قائلًا إن الله ليس كمالك العبيد. لكن هناك أوجه تشابه؛ فعلى غرار مالك العبيد، يُقال إن الله يملك البشر؛ نحن مِلكه. هذا هو السبب التقليدي المسيحي لكون الانتحار خطأً: أن جسدك وحياتك ملكٌ لله، لا لك، ومِن ثَمَّ فموعد موتك متروك لله وليس لك. وإذا أنهيت حياتك بنفسك، فإنك بذا تنتهك حقوق ملكية الله، تمامًا مثلما تنتهك حقوق ملكية مالك العبيد إذا قتلت أحد عبيده.

لكن ألا يوجد اختلاف واحد كبير بين الله ومالك العبيد: بينما لم «يحب» العبيد أن يحدد مالكهم غاية حياتهم، «يحب» كثير من الناس فكرة أنهم يوجدون من أجل تسبيح الله؛ فهم يتطلعون إلى مراسم العبادة؛ وبالفعل، كما ذكرنا، هم يتصورون السماء مكانًا للتسبيح لله إلى أبد الآبدين. خليق بنا أن نشير ها هنا إلى أنه لم يكن كل العبيد يكرهون سادتهم. فعلى عكس «أقنان الحقول»، لم يكن «عبيد المنازل» مكلَّفين بعمل شاق يقصم الظهر في الشمس الحارقة. بعضهم قبلوا وضعهم بوصفهم ممتلكات، والوظائف الموكلة إليهم. بل وأحب بعضهم سادتهم، ولا سيما إذا لم يعامَلوا بقسوة.

لعلنا نتساءل عن أولئك العبيد الذين قبلوا الغايات التي أُسندت إليهم، وسلَّموا بفكرة أن شخصًا آخر يمتلكهم. هل كان سيئًا أن كانت لديهم غاية حددها لحياتهم شخص آخر؟ دأب مناوئو العبودية على توضيح أنه لأن أولئك الناس لم يعرفوا في حياتهم سوى هذا الوضع، ولأنهم حُرموا بشكل مُمنهَج من التفكير في قيمة الحرية الإنسانية، فقد غُسلت أدمغتهم للقبول بنظام غير مقبول أخلاقيًّا.

حتى لو برَّرنا نظامًا يحدِّد فيه غايةَ شخصٍ شخصٌ آخر، يبدو مع ذلك أن الشخص الذي حُدِّدت غايته — مثل العبد الراضي — يجب أن يرضى بهذه الغاية. ويصدق ذلك بالطبع على مسيحيين أمثال ريك وارين؛ فهم يختارون الغاية التي يعتقدون أن الله حددها لحياتهم. ومن وجهة نظرهم، أنها ليست فقط غاية الله لهم، ولكنها أيضًا غايتهم هم لأنفسهم.

أما إذا عدلوا عن رأيهم وقرروا أنهم يريدون أن يكرسوا حيواتهم من أجل غايات أخرى غير تمجيد الله — لنقُل، على سبيل المثال، علاج السرطان — ما الحال حينها؟ يقول اقتباسَا ريك وارين أعلاه إنه من الخطأ أن تحاول تحديد أهداف حياتك. غير أن كثيرًا من الناس يرون أن تحديد أهدافك هو جوهر الحرية البشرية. وهذا هو ما يقصده «إعلان الاستقلال العالمي» في جملته الشهيرة عن حقوقنا الطبيعية التي حبانا بها الله «في الحياة، والحرية والسعي وراء السعادة».

في جميع الأحوال، الطريقة الوحيدة التي يبدو بها من الجيد أن يكون لحياتك غاية هي أن تقبل هذه الغاية. يعتنق ريك وارين غاية تمجيد الله. وبالطبع، لا يعتنق الملحدون تلك الغاية، إلَّا أن حياتهم لا يزال ممكنًا أن تكون لها غاية إذا اختاروا غاية لأنفسهم.

لا تتوافر إحصائيات تقيس إلى أي مدًى يعتقد الملحدون أن لحياتهم معنًى أو غاية. بيد أنه واضح أن الملحدين عمومًا لا يعتقدون أن حياتهم بلا معنًى. فكِّر في بعضٍ من أشهر الملحدين: شارلز داروين، وماري كوري، وألبرت أينشتاين — قدم كلٌّ منهم إسهامات هائلة للعلوم. كأي شخصٍ قضى ساعات لا حصر لها في الكدِّ في الأبحاث يمكن أن يُشهَد، لا يمكن الاضطلاع بمثل هذا الجهد لمجرد العمل في حد ذاته. وإنما كان عملهم بلا شك من أجل خدمة إخوانهم من البشر. تكشف قوائم «مشاهير الملحدين» عن عدد هائل من العلماء والباحثين والفنانين والترفيهيين ورجال الأعمال. والمثير أن هذه القوائم تضم اثنين فقط من المجرمين المشهورين: جافريلو برينسيب، الرجل الذي اغتال الأرشيدوق النمساوي فرديناند، فأدى إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى، وجاريد لي لوفنر، الذي أطلق النيران على نائبة ولاية أريزونا، جابرييل جيفوردز، وقتل ستة أشخاص آخرين. أقرَّ لوفنر المُصاب باضطرابات انفصام الشخصية بجرمه، وهو يقضي الآن عقوبة السجن المؤبد. لنفترض أن أيًّا من هذين الشخصين سيئَي السمعة، المنحطَّين كأفعالهما، لم يَعتبر حياته بلا معنًى.

يرى بعض العلماء أن التركيز المفرِط على الغاية الإلهية، ولا سيما عندما يكون منصبًّا على الثواب المتوقع في الآخرة، يمكن أن يكون له تأثير ضار على الحياة الهادفة. يفترض أستاذ الفلسفة بجامعة نيويورك صامويل شيفلر في كتابه الحديث «الموت والحياة الآخرة» (٢٠١٣) أن علينا أن نستمد غايتنا في الحياة من الاعتراف بأن حياتنا محدودة، لكن الآخرين مستمرون في الحياة بعدنا. يعترف شيفلر بأن كثيرًا من الناس يزعمون أن الاعتقاد بالحياة الآخرة هو ما يجعل حيواتهم الأرضية ذات معنًى. لكنه يقترح العكس تمامًا. إذا أقررنا بأن موتنا نهائي، لكن عائلاتنا وأصدقاءنا سيواصلون العيش من بعدنا، مثلما ستواصل عائلاتهم وأصدقاؤهم العيش بعدهم، فسيمكننا أن نجد الغاية في العمل لضمان أن العالم الذي يرثونه هو عالم صحي.

المراجع

  • Scheffler, S. (2013) Death and the Afterlife, Oxford University Press, New York.
  • Warren, R. (2002) The Purpose-Driven Life: What on Earth Am I Here for? Zondervan, Grand Rapids, MI.

قراءات إضافية

  • Frankl, V., Winsslade, W. and Kushner, H. (2006) Man’s Search for Meaning, Beacon Press, Boston.

(٤) الإلحاد هو مسألة إيمان مثلما هو الدين

الإلحاد التزام ديني كامل كالمسيحية نفسها. هو يُمثل أحدث نسخة لتطاول الإنسان على الله، نتيجة السخط لأننا لا نحكم العالم في الواقع، وأن الله يدعونا لنسلم حيواتنا له. هو شكل من الوثنية نعبد فيه أنفسنا. (رئيس أساقفة سيدني بأستراليا، بيتر جنسن، في وعظة «الجمعة العظيمة»، ٢ أبريل ٢٠١٠)

في المناقشات التي تدور حول الإلحاد، يقول كثير من الناس إنه بينما قد يتعذر إثبات وجود الله؛ فإنه يتعذر أيضًا إثبات أن الله «لا» يوجد. يعكس الاقتباس المذكور أعلاه استنتاجًا شائعًا: أن أولئك الذين يؤمنون بالله هم على قدم المساواة مع أولئك الذين لا يؤمنون بالله. كلاهما يسلم بشيء لا دليل عليه، وهذا هو كُنه الإيمان.

ويمد بعض المؤمنين هذا النهج الاستدلالي ليزعموا أن الإيمان بالله هو في الواقع أفضل من الإلحاد؛ لأنه من السهل أن تجد دليلًا على وجود الله — انظر وحسب إلى التصميم الكامن في العالم الطبيعي — بينما يصعب إثبات عدم وجود شيء، ولا سيما إلهًا لا يُرى. على سبيل المثال، في كتاب بعنوان «ليس لديَّ إيمان كافٍ لأكون ملحدًا»، يقول نورمان جيسلر وفرانك توريك (٢٠٠٤: ٣٢):

استنتاجات من قبيل «وجود الله» وأن «الكتاب المقدس حقيقي» هي مؤكدة بما لا يدَع مجالًا للشك. ومِن ثَمَّ، يستلزم أن تكون غير مسيحي إيمانًا أكثر بكثير مما يستلزمه أن تكون مسيحيًّا.

على غلاف كتاب جيسلر وتوريك، يقول فيليب جونسون: «يقتضي الإلحاد قدرًا هائلًا من الإيمان الأعمى بينما يؤدي درب المنطق والعقل مباشرة إلى بشارة يسوع المسيح.» ويسوق موقع الويب «لت اس ريزون مينيستريسز» (على الإنترنت) الحجج ذاتها:

إن الإلحاد هو نظام اعتقاد، مهما اجتهد بعض الناس في محاولة نفي ذلك. يستلزم اعتناق فكرة أن الله غير موجود إيمانًا (اعتقادًا) يساوي، أو حتى يفوق، ما قد يحتاجه المسيحي للإيمان بوجود الله. صنع الإلحاد نظام اعتقاد علمانيًّا (دينًا/فلسفة) لئلا يكون لديهم إله، وعادة ما ينصبُّ تركيزهم على الطبيعة. حلَّ خلق الله محل مَن صَنَعه. وعلى الملحد افتراض أن الكائنات الحية المتمتعة بالشخصية، الفريدة، المعقدة انبثقت من فوضى ليست بذات شخصية، وبلا نظام. كان على شيء أن يخرج من لا شيء. ليس لديهم تفسير زمني أو كيفي لأي بداية. وما من غاية فيما نراه ونطلق عليه خليقة. يفترض الإلحاد أن المحتمَل يُنشئ الفعلي. وتبرهن الحقيقة على أن شيئًا ما جعل المحتمَل ذاته واقعيًّا. لكل المحتمَلات ما يجعلها واقعية. لا تتخذ الخردة الملقاة في مكب النفاية شكل طائرة أو مبنًى من تلقاء ذاتها دون شيء قادر على تصميمها. لكل التصميمات مُصَمِّم، وأثبت الكون أنه مصمَّم ببراعة. حتى أدق الكائنات هي أكثر تعقيدًا من مركبة فضائية … يتعين على المرء كي يكون ملحدًا أن يكون عليمًا، يعرف كل شيء، لديه معرفة متقنة بالكون، كي يصرح بأنه يعلم يقينًا بأن الله غير موجود. وسيتعين على المرء كي يفعل ذلك أن يكون فتَّش شخصيًّا كل بقاع العالم المعروف حاليًّا وفي كل الأوقات، مستكشفًا في كل مكان العناصر المرئية وغير المرئية للمادة، أو الأشياء غير المنظورة.

مشكلة هذا الرأي أنه يخلط ما بين اللاجزم والجزم. بعض الملحدين يجعلون لَااعتقادهم جزمًا، كقول: «أومن (أو أعرف) أنه لا يوجد إله.» لكن معظم الملحدين لا يجعلون من اللااعتقاد جزمًا. كل ما هنالك أنهم لا يؤمنون بالله. هذا شيء سلبي، وليس إيجابيًّا، وهذا هو كل ما يحتاجه المرء ليكون ملحدًا.

الفرق ما بين الادعاء بإيجابيةٍ أن الله لا يوجد، وعدم ادعاء الاعتقاد بالله مصوَّر بطريقة شائقة في رواية كارل ساجان (١٩٨٥: ١٦٨) «اتصال» حيث تقول الدكتورة إيلي أرُوِاي:

السؤال [هل تؤمن بالله؟] غريب البنية. فإن أجبتُ بالنفي، فهل أقصد أنني مقتنع بأن الله غير موجود، أم أقصد أنني لست مقتنعًا بأنه موجود؟ هذان سؤالان مختلفان تمامًا.

تخيَّل قبيلة تعيش على إحدى جزر المحيط الهادي لم يتناهَ إلى مسامعها قطُّ أي آلهة، ومنها الله المذكور في الكتاب المقدس. هم لن يؤمنوا بآلهة أو بالله، لأن التفكير في الآلهة لا يرد حتى على ذهنهم. ومِن ثَمَّ لا يمكن أبدًا أن يقول الواحد منهم: «أومن بعدم وجود الله.» لكنهم سيُعتبرون ملحدين.

بالطبع سمع معظم البالغين في ثقافتنا عن الله وعن آلهة أخرى. ويؤمن ملايين الناس بالله الوارد في الكتب المقدسة، ويؤمن أكثر من مليار شخص بآلهة مثل شيفا وفيشنو، وبالإلهات، وبإله الويكَّا ذي القرنين، إلى آخره. لكن كثيرين لا يؤمنون بأي آلهة. وجد أحد استطلاعات الرأي أجرته «بي بي سي نيوز» (٢٠٠٤) أن نسبة الأفراد في المملكة المتحدة «الذين لا يؤمنون بالله» كانت ٣٩ في المائة. كي يكون الأشخاص ملحدين، لا يتعين عليهم أن يتخذوا موقفًا ويقيموا جزمًا إيجابيًّا. كل ما عليهم هو أن يفتقروا إلى الاعتقاد بالله. تربى بعض هؤلاء في كنف والدين غير متدينين، وعندما تعلموا في المدرسة عن الله الوارد في الكتاب المقدس، وآلهة الهند وغيرهم، لم يحفزهم شيء على الإيمان بأن أيًّا من هؤلاء الآلهة حقيقي. مثل هذا الافتقار للاعتقاد لا يشترط الإيمان، لأن الإيمان هو اعتقاد شيءٍ ما، والافتقار للاعتقاد ليس اعتقادًا بأي شيء.

هكذا لا يتعيَّن على الملحدين قول: ««أعلم» أنه لا توجد آلهة.» أو حتى ««أعتقد» أنه لا توجد آلهة.» كل ما يحتاجه الأمر هو شيء سلبي — ألا يؤمنوا بوجود آلهة أو «الله» الواحد. هذا الافتقار للاعتقاد شيء نُكنُّه كلنا لملايين الآلهة حرفيًّا. لقد ظهر على مرِّ التاريخ عشرات الآلاف من الأديان. تحصي «الموسوعة المسيحية العالمية» عشرة آلاف دين في العالم اليوم. تحوي ديانة واحدة منها — الهندوسية — ٣٣٠ مليون إله، كل الناس، عدا الهندوس، ملحدون بها. في استخدام مبكر للفظة «ملحد»، عوقب مسيحيو القرن الثاني مثل بوليكاربوس من قِبل السلطات الرومانية لكونهم «ملحدين» لأنهم لم يؤمنوا بجوبيتر وجونو ومارس وغيرهم من آلهة الدولة. واليوم العالم بأكمله ملحد بآلهة روما.

لم يعُد أي أحد مؤمنًا بإله الميثولوجيا النوردية «ثور» أيضًا. كلنا «ملحدون بثور». لكن كم منا شعر من قبلُ قطُّ بأنه مضطر إلى تأكيد — فضلًا عن إثبات — أن ثور لا يوجد؟ من وجهة نظر شخص ملحد، قد يشبه انعدام الإيمان بوجود الله انعدام الإيمان الذي نتقاسمه جميعًا بوجود ثور — ليس هذا نوعًا من الإيمان، وإنما هو انعدام إيمان.

المراجع

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤