الملك «تهرقا»

٦٩٠–٦٦٤ق.م
نفر-تم خو رع تهرقا

(١) مقدمة

لم تحدثنا النقوش بشيء من التفصيل عن موت الملك «شبتاكا» بل جاء ذكر موته عرضًا في إحدى الوثائق التي تركها لنا خلفه «تهرقا»، وتدل ظواهر الأحوال على أن «تهرقا» كان وقت أن طار الصقر إلى السماء في أرض الكنانة.

ومن الجائز جدًّا أن الاتفاق كان تامًّا على أن يخلفه «تهرقا» على عرش مصر وكوش إذا أخذنا بنظرية الأثري «مكأدم» وصدقنا ما رواه «تهرقا» لنا عن حب «شبتاكا» له أكثر من إخوته وأولاده، ولا نزاع في أن «تهرقا» من أعظم ملوك الأسرة الخامسة والعشرين الكوشية، وقد جاء ذكر اسمه في التوراة بلفظة «ترهاقة»، وقد سماه الإغريق تاركوس ταрκοs وجعلوا منه فاتحًا عظيمًا كما سنرى بعد.
وقد اختلفت الروايات التي نُقلت عن «مانيتون»١ حول مدة حكمه، فقد ذكر بعض المؤرخين أنه حكم ثماني عشرة سنة، وجاء في مصدر آخر أنه حكم عشرين سنة، أما الآثار الباقية لنا من عهده فترفع مدة حكمه على أقل تقدير إلى أكثر من ست وعشرين سنة.٢

ويعتقد بعض المؤرخين الأحداث أن «تهرقا» كان مشتركًا مع الملك «شبتاكا» في حكم بلاد وادي النيل، وأنه ظل يحكم معه مدة خمس سنين ثم انفرد بعد وفاته مباشرة بالحكم، غير أنه لم يأتِ ذكر ذلك في النقوش التي في متناولنا عن هذا العهد صراحة، ولذلك فإن البت في هذا الموضوع لا يزال يحتاج إلى ما يدعمه بصورة قاطعة، وسنفصل القول في ذلك فيما بعد.

والواقع أن كل ما نعرفه عن هذا الاشتراك في الحكم ينحصر في أن «تهرقا» قد ظل في مصر حوالي ستة أعوام بجوار «شبتاكا» وبعد ذلك أُعلن ملكًا على البلاد، وقد كان عند وفوده على مصر من «نباتا» مع إخوته في العشرين من عمره.

وعهد «تهرقا» كان مليئًا بالأحداث الجسام في داخل البلاد وخارجها، فإصلاحاته ومبانيه في مصر وبلاد «كوش» تشهد له بأنه كان من أمجد الملوك الذين خلدوا ذكراهم في وادي النيل، هذا؛ وقد ترك لنا وثائق عدة تشهد له بالفوقان في هذا المضمار، وأنه لا يقل عن أعاظم ملوك مصر في عز سطوتها وسلطانها.

أما عن سياسته الخارجية وما قامت بينه وبين ملوك دولة آشور المترامية الأطراف وقتئذٍ من حروب، فقد سكت عنها سكوتًا تامًّا، ولكن لحسن الحظ أسعفتنا الوثائق الآشورية ببعض الأخبار.

وعلى الرغم من أن الأخيرة لم تشفِ غُلَّة إلا أنها أوضحت الموقف بعض الشيء، ولا غرابة في ذلك؛ فإن فراعنة مصر طوال تاريخهم قاطبة قد أغفلوا الحوادث التي يشتم منها رائحة هزيمتهم، ولعمري تلك سليقة نعرفها ونلمحها في دول الشرق القديم عامة، فكلها تغفل الهزائم وتتحدث عن الانتصارات وحسب.

فنرى هنا أن ملوك آشور الأقوياء قد تحدثوا لنا عن الحروب التي شنوها على مصر بعد سيطرتهم على كل بلاد شاطئ البحر الأبيض المتوسط في سوريا وفلسطين وفينيقيا وما جاورها، وقد كانت نتيجة هذه الحروب أن خضعت مصر مدة من الزمان للحكم الآشوري، ومع كل ذلك فإن الغموض يحيط بأيام «تهرقا» الأخيرة لقلة المصادر المصرية.

وسنحاول هنا أولًا أن نستعرض آثار الملك «تهرقا» على ضوء الكشوف الحديثة التي ظهرت في شقي الوادي، ثم نستخلص منها بقدر المستطاع ما يمكن من حقائق تاريخية خاصة بهذه الأسرة الكوشية وعلاقتها بمصر من الوجهة السياسية والدينية والاجتماعية.

أما العلاقات الخارجية فسنفرد لها فصلًا خاصًّا نستعرض فيه بشيء من الاختصار تاريخ بلاد «آشور» وما كان لها من سلطان في عهد الأسرة الخامسة والعشرين، ثم نتناول علاقتها مع دويلات شرق البحر الأبيض المتوسط بشيء من التفصيل بقدر ما تسعفنا به الوثائق الأصلية الآشورية، وبخاصة منذ أن أخذت آشور تحول أنظارها للاستيلاء على هذه الأقاليم الواقعة غربي حدودها.

(٢) أعمال «تهرقا» في بلاد «كوش» ومصر

لا يزال جوف بلاد وادي النيل مليئًا بالآثار التي تطالعنا بها الكشوف كلما ضرب الحفار الأرض بمعوله، ولسنا مبالغين إذا قلنا إن ما كُشف عنه من آثار هو عشر معشار ما هو دفين في بطن الأرض، وبلاد «كوش» لا تزال فيها أماكن بِكر تنتظر الكشف عنها لتنير لنا الطريق المظلم الذي نتخبط في ديجوره عند التحدث عن تاريخ هذه البلاد، ومن أهم المواقع التي كُشف عنها حديثًا الموقع الذي تقوم على أنقاضه قرية «الكوة» الحديثة، والواقع أن ما عُثر عليه فيها من آثار يقدم لنا صفحة مجيدة عن تاريخ الملك «تهرقا» بما أصلحه فيها من معابد وما أقامه هو بنفسه من مبانٍ دينية فاخرة، وقد ظل الملوك الذين أتوا بعده يرعون هذه الآثار ويضيفون إليها مباني خاصة بهم، حتى أصبحت مباني تلك البقعة بمثابة سجل دون عليه كثير من ملوك السودان أسماءهم ومفاخرهم.

من ذلك لا نكون قد تجاوزنا موضوعنا إذا رسمنا هنا للقارئ صورة عن تاريخ هذه البلدة الغنية بآثارها من أول أمرها بقدر ما وصلت إليه معلوماتنا إلى أن دمرت، وبخاصة أن «تهرقا» كان يعد أكبر ملك قام فيها بإصلاحات وأنشأ بها معبدًا يعد من أفخر المعابد التي أقيمت على ضفاف وادي النيل في تلك الفترة من تاريخ الفراعنة.

(٢-١) موقع «الكوة»

لما كان موقع قرية «الكوة» الحالية في الأزمان القديمة يحتل مكانة هامة في التاريخ المصري الكوشي بسبب ما جدَّ فيه من بقايا آثار ضخمة؛ فقد آثرنا أن نورد هنا لمحة عن التقلبات والأحداث التي مرت بهذه البقعة، وبخاصة قبل عهد «تهرقا» وفي زمنه وزمن أخلافه من ملوك دولة «نباتا» الأولى وما بعدها، بقدر ما تسمح به معلوماتنا الحالية (انظر خريطة ٥).
ويدل ما لدينا من معلومات حتى الآن على أن أقدم إشارة جاء فيها ذكر «الكوة» في الأزمان الحديثة ما ورد في كتاب «السودان الإنجليزي المصري»٣ حيث يقول المؤلف: «على مسافه ستة أو سبعة أميال جنوبي «دنقلة» يوجد على الضفة اليمنى للنيل معبد مصري صغير عند مكان يدعى «الكوة»، وهو في حالة حفظ جيدة ولكن تاريخه مجهول، وقد عثر عليه وحفره جزئيًّا الكولونيل «كولبورن» سنة (١٨٨٥) ميلادية.»
وقرية «الكوة» تقع على الشاطئ الشرقي للنيل على مسافة ميل جنوبي «دنقلة» (الجديدة)، وهي تتألف من ثلاثة أو أربعة مبانٍ مقامة باللبنات، وهي الآن تعتبر جزئيًّا مهجورة وفي حالة خربة، وبها عدد قليل من النخيل، ويُلحظ هنا أن شاطئ النيل في هذه البقعة منحدر، ولكنه في العادة مدرج بدرجات ضيقة صالحة للزراعة، ويشاهد أن شجر السنط ينمو فيه على مسافات متقاربة، ولكن الصحراء الرملية تمتد من هذه البقعة على مسافة بضعة أميال شرقًا إلى المنخفض المعروف باسم حوض «كرمة» وهو الذي يُغمر بمياه النيل سنويًّا، ثم تمتد إلى النيل ثانية عند الجزء الشمالي للمنحنى العظيم الواقع بين الشلالين الخامس والرابع، ومن ثم إلى تلال البحر الأحمر النائية، وتوجد خلف «الكوة» لمسافة حوالي ميل جنوبًا قطع فخار ودمن مساكن، وفي النهاية الجنوبية توجد أكوام مرتفعة مؤلفة من جدران من اللبنات الساذجة، هذا بالإضافة إلى بوابتين من الحجر، ومما له أهمية هنا أنه توجد تحت طبقة الرمل طبقة غرين أسود تذهب إلى عمق كبير في جوف الأرض.
ولا نزاع في أن قرية «الكوة» هذه هي بقايا مدينة عظيمة كانت تقوم على الشاطئ الشرقي للنيل في الأزمان القديمة، وكانت تمدها بالخيرات المزارع التي كانت تحيط بها من جهاتها الثلاث، وتاريخ «الكوة» ومعابدها بعد الحفر الذي قام به الكولونيل كولبورن محزن؛ وذلك لأن السباخين قد استمروا في تخريب هذا الموقع ونهبه، هذا إلى أن بعض الضباط كانوا أحيانًا في أوقات فراغهم يبحثون فيه عن الكنوز الأثرية، والظاهر أن المعبد المعروف بحرف (أ) A كان يجذب إليه الأنظار لما فيه من آثار، فقد قام فيه الكولونيل «هوث جاكسون» بحفريات ضيقة النطاق أسفرت عن نتائج مغرية، لدرجة أنه لما قامت الحفائر العلمية فيه فيما بعد ثم زار الموقع دهش كثيرًا عندما رأى أن الجدران المقامة من اللبنات التي كشف عنها هو قد ذهبت عنها المناظر الملونة التي كانت مرسومة عليها عندما كشف عنها لأول مرة، وقد وصلت بعض التحف الصغيرة والكبيرة إلى مجموعة القائد «جاكسون» في «مروي» من بينها تمثال بدون رأس للإله «بتاح» على ظهره نقش: إهداء لبتاح٤ رب «جمأتون»، وقد قال عنه هذا القائد إنه جاء به من «الكوة»، أما التحف الصغيرة التي كشف عنها هناك فقد أخذها «كتشنر» سنة (١٩١٣)، وقد وُضعت التحف الكبيرة في متحف «مروي» الحكومي.

وعلى الرغم من صدور الأوامر المشددة بالمحافظة على جدران هذا المعبد فإن الأحجار المنحوتة فيه قد نُهبت على مر السنين لتُستعمل في المباني الحديثة، وقد ترك الأهالي أحجار العمد المستديرة؛ لأنها لم تكن ذات فائدة لهم في مبانيهم.

وفي أواخر عام (١٩٢٨) أمضى المستر «أديسون» أمين الآثار السودانية بضع ساعات في حفر معبد «تهرقا» بنجاح منقطع النظير، وقد رسم جزءًا من تصميمه وتعرف على اسم بانيه واسم الإله «آمون» واسم المدينة «جمأتون»، وهي التي قامت على أنقاضها «الكوة» الحالية.

وفي الشتاء التالي عُملت حفائر تمهيدية لمدة تسعة أيام أسفرت عن نتائج مشجعة، فقد كُشف أولًا عن عمود في المكان الذي سمي فيما بعد معبد (أ) = A ونُقش عليه طغراءات الملكين «رعمسيس الثاني» «ورعمسيس السادس» هذا بالإضافة إلى أشياء أخرى.
وبعد ذلك اتخذت الاستعدادات للعام التالي (١٩٣٠-١٩٣١)، وقد أسفرت أعمال الحفر في موسم هذا العام عن كشف معبد آخر أطلق عليه معبد (ب) = B محاذيًا لمعبد (أ) A، ولكنه من عصر متأخر عن سابقه.
وبعد ذلك عُمل مجس طويل كشف عن واجهتي المعبدين، وبعد الانتهاء من ذلك نظفت قاعة العمد وقدس الأقداس للمعبد (أ) A وما يحيط به من حجرات، وفي هذه الأماكن عُثر على آثار ثمينة محفوظة.

وبعد ذلك كُشف عن مبانٍ واقعة في الجهة الشرقية من معبد «تهرقا» غير أنها ترجع إلى العصرين المروي والروماني، وقد أُطلق عليها مؤقتًا القصر الشرقي، ومن ثم أخذت الكشوف تترى حتى انتهت أعمال الحفر في شهر مارس.

وقبل أن نتحدث عن تاريخ معبدي «الكوة» وما أقيم فيها من مبانٍ في عهود مختلفة يجدر بنا أن نذكر كلمة عن آخر نقطة وصلت إليها الفتوح المصرية في أعلى النيل في الأزمان الغابرة؛ لنربط حوادث التاريخ بعضها ببعض في تلك البقعة من وادي النيل.

والمعلوم الآن أن الشلال الرابع وما في اجتيازه من مخاطر قد وضع حدًّا لأطماع الفاتحين المصريين القدامى، على أن أي شك قد يحوم حول هذا الرأي قد يعضده ما فاجأ به الدكتور «ريزنر» علماء الآثار عندما كشف عن قلعة يرجع تاريخها إلى الأسرة السادسة عند «كرمة» الواقعة خلف الشلال الثالث، وعلى ذلك فإنه من المحتمل أن نفاجأ بشيء آخر من هذا النوع خلف الشلال الرابع، مما يدل على أن المصريين قد تخطوا في فتوحهم هذه النقطة، والواقع أنه في الأزمان القديمة كانت طريقة الارتياد العادية لأعالي النيل هي السياحة بالقوارب، ولكن قبل عمل السكة الحديدية في السودان كان المتبع منذ قرون مضت هو أن يترك الإنسان ركوب متن النيل عند «كرسكو» ويخترق الصحراء إلى أن يلتقي بالنيل ثانية عند بلدة «أبو حمد»، وبذلك كان المسافر يتفادى انحناء عظيمًا غربيًّا في النيل تعترضه شلالات صعبة وصخور وعرة ومنخفضات رملية وتيارات معاكسة ورياح شديدة، ولكن الصحراء كانت من جهة أخرى هنا قاحلة لا ماء فيها قط، وعلى ذلك فإن السير في طريق «كرسكو» كان يستغرق أسبوعين دون انقطاع، وعلى أية حال فإن هذه الطريق كانت تتخطى الشلال الثالث، وإذا كانت هذه الطريق تجتاز في الأزمان الحديثة بسهولة نسبيًّا فإنه من الجائز جدًّا أنها كانت مطروقة في عهد قدماء المصريين، ومن المحتمل جدًّا أنها كانت في عهدهم أقل جدبًا عما هي عليه الآن.

والظاهر أنه لدينا برهانان على أن طريق «كرسكو» كان مستعملًا في عهد قدماء المصريين، غير أنهما ليسا مؤكدين تمامًا، فقد ذكر مستر «أديسون» أنه رأى طغراء فرعون غير واضح المعالم منقوشًا على صخرة على مقربة من السكة الحديدية، وعلى مسافة قريبة من بلدة «أبو حمد»، غير أنه على الرغم من وجود هذه الطغراء فإنه من الجائز ألا تكون لملك مصري، بل من المحتمل أن تكون لملك «كوشي» أو «مروي»، هذا ونجد من هذا الصنف من الطغراءات أمثلة فيما وراء «أبو حمد».

والبرهان الثاني هو أنه يوجد في النهاية الشمالية للطريق نقش مصري قديم، وذلك أنه في عام (١٨٧٥) ميلادية نقل صديق للأثري العظيم «هنري بركش» نقشًا من صخرة تقع في البقعة التي يبدأ فيها الطريق الصحراوي عند «كرسكو»، وهذا النقش مؤرخ بالسنة التاسعة والعشرين من عهد الملك «أمنمحات الأول» مؤسس الأسرة الثانية عشرة، والظاهر أن هذا الملك كان قد نقشه وهو في طريقه إلى فتح بلاد كوش، ومما يؤسف له جد الأسف أن هذا النقش لم يعثر عليه ثانية لدرجة أن الإنسان أصبح يشك في وجوده فعلًا،٥ ولكن يمكن الإنسان أن يستخلص منه ومن تاريخ أمنمحات الذي جاء بعد ذلك أنه أخفق في فتح «كوش» لاختياره طريق الصحراء، ومن المحتمل أنه قد لقي حتفه في٦ هذه الصحراء القاحلة في حين أن ابنه «سنوسرت الأول» قد أصاب نجاحًا عظيمًا في حملة قام بها في أعالي النهر.

والرأي المتبع الآن أن الشلال الرابع يعتبر نهاية امتداد الإمبراطورية المصرية في الجنوب؛ إذ تقع قبل الشلال الرابع تقريبًا القلعة والمعبد والمدينة المعروفة باسم «نباتا».

وتدل الوثائق التي في متناولنا على أن وجود هذه المؤسسة يرجع إلى عهد «تحتمس الثالث» الذي وُجد له لوحة هناك كشف عنها الدكتور «ريزنر».٧

ولكن لا يوجد لدينا البراهين التي نستطيع بها إثبات عدم قيام هذه المؤسسة قبل عصر الأسرة الثامنة عشرة، والواقع أنه يوجد في إقليم «نباتا» بين الأحجار المنقوشة المبنية في الجدار الشمالي لسور القصر الخاص بمدينة «مروي» القديمة «وهي التي كان يسكنها الحكام الأتراك في خلال الحكم المصري قبل عهد المهدي» حجر مذكور عليه «مقر أمنمحات».

والظاهر أن هذا الاسم غير اسم الجدار الموجود في «كرمة»، وليس من المؤكد قط أن مقر «أمنمحات» هذا كان تابعًا للمكان المجاور له، ولكن على أية حال يوحي بفكرة قد تشجع الرواد في المستقبل على المضي في الكشف عن أشياء جديدة تنير السبيل في هذا الصدد، وعلى أية حال فإنه خلافًا لما ذكرنا بالإضافة إلى بعض جعارين فإنا لم نصادف نقوشًا للأسرة الثانية عشرة خلف بلدة «كرمة» وجزيرة «أرقو» حيث ترك «سنوسرت الأول» مائدة قربان محفوظة الآن بمتحف «مروي».

وعندما نلتفت إلى «الكوة» الواقعة على مسافة عشرين ميلًا جنوبي «أرقو» فإنا نتساءل هل كان يحتلها المصريون قبل عهد الدولة الحديثة الزاهر؟

والواقع أنه وجدت في الصحراء عند «صنم»٨ «ووادي أبو دوم» آلات خشنة من الحجر يرجع تاريخ بعضها إلى العصور الحجرية المتأخرة.

وكذلك عثر على عينات من الظِّرَّان في وادي التي ولاجيا أرمان وتؤرخ كذلك بهذا العصر، وهذه هي أقدم ما صنعه الإنسان وكشف عنه حتى الآن في مركز دنقلة، أما حوالي «الكوة» فلم يوجد شيء من هذا القبيل، ولكن وجدت في معبد الملك «تهرقا» بين الأشياء المهداة للإله «آمون» أنواع هامة من الآلات التي من عهد ما قبل التاريخ أو أوائل العصر التاريخي تشبه التي وجدت في المقابر المصرية، ومن الجائز أن هذه كانت خاصة بمؤسسة بدائية لمستعمرين مصريين في «الكوة».

وأقدم أثر منقوش كُشف عنه في «الكوة» هو تمثال صغير من الأردواز عثر عليه بين الأشياء التي تركها اللصوص في الحجرات المبنية من اللبنات الواقعة في الجانب الشرقي لمحراب «توت عنخ آمون» في المعبد (أ) A، ويمثل هذا التمثال رجلًا يدعى «سنو» ويلقب «المشرف على مائدة الملك» وهو لقب خاص بالدولة الوسطى. وقد يجسر الإنسان على الجهر بالقول إن هذا التمثال يحملنا على القول صراحة أن مؤسسة «الكوة» ترجع تاريخها بوصفها مؤسسة مصرية إلى ما قبل الدولة الحديثة.
أما النقش المؤرخ الذي وجد بعد السابق فهو قطعة من قاعدة من الجرانيت وربما كانت لكبش عُثر عليها أمام البرج الشمالي لبوابة المعبد T وعليها طغراء الملك «أمنحتب الثالث»، ومثل هذه الآثار نجد منها تسعة بين كل عشرة للملك «أمنحتب الثالث»، ويؤكد هذا الزعم إلى حد ما العثور على طغراء «أمنحتب الثالث» على جعران يُظن أنه كان ضمن ودائع أساس المعبد (ب) B.

ويخيل إليَّ أن مجرى التاريخ هنا كان كالآتي: بعد أن تقدم «تحتمس الثالث» بحدود الإمبراطورية إلى التخوم القديمة عند الشلال الرابع، وعندما جاء «أمنحتب الثالث» بعد ذلك بجيلين من الناس وجد مستعمرة مصرية قديمة مخربة ومهجورة، ومن ثم أخذ في تأسيسها من جديد فأقام معبدًا صغيرًا للإله آمون صاحب «جمأتون» ولإله الشمس «آتوم» صاحب عين شمس وهو الذي جاء ذكره على جعران الأساس السالف الذكر، ومن الغريب أنه لم يوجد أي أثر منسوب لخلفه «إخناتون» ولكن من الجائز أن معبد «أمنحتب الثالث» كان قد هدم بأمر منه، وقد وجد الفرعون «توت عنخ آمون» هذا المعبد مخربًا ومهملًا فأصلح جزءًا منه في صورة محراب صغير مع أربعة أعمدة في الردهة، ونقش كل الجزء الذي أصلحه، كما زينه بالمناظر، وأهداه ثانية للإله «آمون رع» صاحب «جمأتون» «ولآتوم» والإله «حور أختي».

هذا؛ ويُلحظ أن ابن الملك «حوي» الذي كان النائب العظيم لتوت عنخ آمون في بلاد النوبة «وهو صاحب القبر الفاخر المقام في جبانة طيبة، ونقوشه تعد وثيقة أصلية يُعتمد عليها في معرفة واجبات نائب «كوش» وإدارته» لم يأتِ اسمه في نقوش «الكوة». هذا إذا لم يكن هو أمنحتب «وهو اسم ثانٍ له» الذي جاء ذكره على عمود في المعبد (أ) A، ولكن على أية حال لدينا بعض المعلومات عن الإدارة نتعرف عليها من النقوش، فيوجد أمام ردهة الأعمدة لمعبد توت عنخ آمون قطعة من الحجر نقش عليها: «مملوك حجرة التنشئة الملكية، والمشرف على الأراضي الجنوبية» وحامل المروحة على يمين الملك والمريح لآتون؟ «خعي» وهو يقدم ثورًا سمينًا، هذا ويرتكز على عارضة باب الدخول في الردهة الثانية للمعبد (أ) A لوحة أهداها كاتب المعبد في «بر رع» المسمى «تانخت»، وفضلًا عن ذلك كان يوجد في معبد «تهرقا» مجموعة من تماثيل مصنوعة من الجرانيت تمثل حامل المروحة على يمين الملك … ورئيس الأحفال «خعمواي» وقد أهدتها سيدة وجد تمثالها مع تمثاله في نفس الأثر، وقد وصفت بأنها رئيسة الحريم للملك «نب خبرو رع» «واسمها» «تمواجسي» وهي معروفة لدينا من قبل؛ إذ قد ذكرت مع نائب الملك «حوي» وموظفين آخرين في نقوش «فرص» في بلاد النوبة السفلى، ويمكن أن نصل من لقبها وآثارها إلى أنها كانت أهم نساء عصرها في الحياة الاجتماعية والحكومية في بلاد النوبة المصرية.٩
وفي عهد الأسرة التاسعة عشرة نشاهد «رعمسيس الثاني» قد اغتصب طغراءات «توت عنخ آمون» التي على أعمدة في المعبد (أ)  A، وفي عهد الأسرة العشرين نلحظ أن موظفًا يدعى «نب ماعت رع نخت» وضع اسم «رعمسيس السادس» على نفس الأعمدة.

وكذلك وجدنا من عهد الأسرة العشرين طغراء مهشمة بعض الشيء على تمثال مجيب في مكان لم يكن منتظرًا أن يوجد فيه، وأعني في القصر الشرقي المروي، «للملك رعمسيس السابع»، على أن تفسير وجود مثل هذا التمثال المجيب لا يمكن البت فيه بصفة قاطعة، فمن الجائز مثلًا أنه نقل إلى هذا المكان كما يحدث ذلك كثيرًا في تاريخ الآثار المصرية.

(٢-٢) مختصر تاريخي لمعبد «الكوة» والمباني التي وُجدت فيها حتى الآن

إن من يطلع على تصميم المعبدين (أ) و(ب) A & B (انظر ٦) يجد أن الجزء القديم منهما وهو المعبد (أ) A يقع بالقرب من النهر بمحوره محاذيًا له، في حين أن الجزء المتأخر وهو المعبد (ب) B يقع على جانب الأخير، فنجد أن الجدار الغربي للمعبد (ب) B والجدار الشرقي للمعبد (أ) A يكادان يتماسان على الرغم من أن كلا منهما منفصل عن الآخر، ويوجد لكل من هذين المعبدين ردهتان مقامتان من اللبنات، وباباهما مكسوان بالحجر، ويؤديان إلى محراب مصنوع من الحجر.
ومما لا شك فيه أنه لا يمكن تحديد أقدم تاريخ لمعبدي «الكوة» الآن إلا بعد عمل حفائر تكميلية للتي عملت في عام (١٩٣٠-١٩٣١) ميلادية، وعلى أية حال فإنه قد أصبح من المؤكد أنه لم تكن توجد ودائع أساس لهما إلا في الجهة الشمالية الشرقية من ركن معبد (أ) A، وكل ما وجد هناك هو بعض قطع عظام.
على أن البحث لإمكان الوقوف على ودائع أساس من جهة أخرى قد أسفر عن وجود جعران كبير للملك «أمنحتب الثالث»، وقد وجد على عمق متر تحت مستوى رقعة المعبد (أ) A عند الركن الشمالي الغربي الخارجي لمحراب هذا المعبد المقام من الحجر، ويرجع تاريخه إلى العهد المروي القديم، والظاهر أنه وجدت هنا طبقتان من البلاط يفصلهما ردم، ومن ثم كان بدهيًّا وجود أساس قديم تحت المعبد (ب) B، غير أنه من المشكوك فيه أن يكون هذا الجعران حقًّا جزءًا من ودائع الأساس لهذا المعبد.

ومما لا يحتاج إلى دليل أن اسم «الكوة» (جم آتون = آتون مبصر) كان قد أطلق أولًا على المدينة في خلال العهد القصير الذي كانت قد بدأت فيه عبادة آتون فعلًا.

وتدل شواهد الأحوال على أن هذه العبادة قد بدأت في عهد «أمنحتب الثالث»١٠ ثم نشطت بما أظهره «إخناتون» من غيرة على تعاليمها، ولكنها لفظت في عهد خلفه «توت عنخ آمون» عندما ضغط عليه كهنة «آمون رع» إله الدولة ولم يكن في مقدور هذا الشاب مقاومتهم.

وعندما أعيدت عبادة آمون وجدنا أن كل أثر لعبادة «آتون» في مصر قد قُضي عليها بسرعة، وكان المنتظر بطبيعة الحال أن تتبع نفس الطريقة في خارج مصر، والواقع أنه لم توجد أية قطعة حجر أو لبنة يمكن نسبتها للملك «إخناتون» في «الكوة»، ومع ذلك نجد من المدهش أن اسم المدينة «جم آتون» قد بقي على مر الأيام.

وليس ببعيد أنه كانت توجد بلدة في موقع «الكوة» قبل الفرعون «أمنحتب الثالث» كما ذكرنا من قبل. هذا؛ وقد عثر في موسم حفائر (١٩٣٥-١٩٣٦) ميلادية على بعض جدران مقامة من الآجُرِّ الأحمر تحت معبد «تهرقا»، وقد عثر على منسوب أعلى من ذلك على أساس بوابة من الحجر تحت حدائق المعبد، وذلك على بعض مسافة تحت البقعة التي وجدت فيها قطعة الجرانيت (رقم ١٨) المنقوش عليها اسم «أمنحتب الثالث» عثر عليها «جرفث»، وإذا حكمنا بالعمق الكبير الذي وجدت فيه هذه المباني فإنه لا يبعد أن تكون من الدولة الوسطى والدولة الحديثة.

وأقدم جزء في مبنى المعبدين (أ) و(ب) A وB لا يزال قائمًا، وهو الجزء الداخلي المقام من الحجر الرملي للمعبد (أ) A ويحتوي على حجرتين صغيرتين «قاعة عمد ومحراب»، هذا بالإضافة إلى أربعة عمد ذات قنوات في الردهة الثانية من نفس المعبد، وهي من صنع الملك «توت عنخ آمون»، وعلى الرغم من أن المباني المقامة بالحجر تدل فعلًا على تغييرات ظاهرة فإنها في مجموعها يظهر عليها أنها من عمل نفس هذا الفرعون وحده، والواقع أننا لا نجد طغراءات من شكل طغراءات «توت عنخ آمون» في أي مكان، كما أننا لا نجد تغيرًا بإحلال اسم «آتون» بدلًا من «آمون». وتدل الظواهر على أن الجدار الشمالي لقاعة العمد الصغيرة التي قبل المحراب كان في الأصل جدارًا جانبيًّا، أما الباب الذي فيه فقد عمل فيما بعد كما تشير إلى ذلك اتجاهات الصور التي مثلت في النقوش (Pls. IIc, IIIa).

وقد كان المفروض أنه يوجد باب في الجدار الغربي غير أنه قد سُدَّ، وقد نقش كل الجدار بوساطة «توت عنخ آمون». والظاهر أن مثل هذه التغيرات التي عملت في ترتيب هذا المعبد لا بد أن سببها كان يرجع إلى تغير في تصميم المباني، ولا يتحتم أنها تنسب إلى إعادة «توت عنخ آمون» تشييد مبنى قام به أحد أسلافه، والأعمدة الأربعة المنسوبة «لتوت عنخ آمون» نقش على كل منها سطر عمودي على الجانب الأقرب لمحور المعبد الأوسط كما هو الآن، وعلى الرغم من عدم وجود براهين معمارية تدل على أن «توت عنخ آمون» قد أصلح معبدًا قديمًا فإنه لا يمكن أن نتغاضى بسهولة عن ادعائه لذلك، فقد نقش على أربعة أعمدة أنه أقام ما كان قد تداعى بعمل خالد من الحجر الرملي الجيد.

ومن جهة أخرى قد استنبط الأستاذ «جرفث» أن «أمنحتب الثالث» أسس أو أعاد تأسيس معبد هدمه فيما بعد «إخناتون»، وأن «توت عنخ آمون» قد أعاد بناء جزء منه وذلك ببناء المعبد (أ) A، ولكن كيف يفسر التغير الظاهر في تصميم المعبد (أ) A؟ فهل ابتدأ «توت عنخ آمون» بناء معبد «لآتون» ثم حوله إلى معبد «لآمون» قبل أن يتقدم كثيرًا في بنائه؟ فإذا كان الأمر كذلك فإنه من المحتمل أن «إخناتون» لم يكن له أية علاقة «بالكوة»، وأن هناك معبدًا أقامه «أمنحتب الثالث» قد خرب بعامل آخر، والواقع أن النتيجة التي يمكن استنباطها معقدة، على أنه قد يجوز أن يفصح عنها إذا عملت حفائر أخرى تحت المعبد (ب) B.
وخلاصة القول إن كل ما يمكن أن يقال الآن دون الوقوع في خطأ، هو أنه من المحتمل أن «أمنحتب الثالث» قد أقام مباني في «الكوة»، ولكن لا نعرف إذا كانت أسس معبده تقع تحت المعبد (ب) B أم لا، أما «توت عنخ آمون» الذي يحتمل أنه أصلح معبدًا قديمًا فقد غير تصميم بنائه في أثناء إقامته له، ولا يوجد لدينا برهان على عبادة «آتون» أو على ما يشعر بنشاط بنائي للملك «إخناتون» في هذه البقعة، وكل ما يدل على أثره هنا هو اسم «جمأتون»، ولكن من الجائز أن هذا كان قد وضعه أولًا «أمنحتب الثالث» أو «إخناتون» نفسه، ويدل بقاء هذا الاسم دون كشط على أنه في «كوش» البعيدة لم يكن يوجد إلا عدد ضئيل من الموظفين المصريين (إذا استثنينا «نباتا») يهتمون بالتقلبات التي كانت تحدث في البلاط المصري، ولذلك لم يكن هناك ضرورة لاتخاذ إجراءات للقضاء على عبادة «آتون»؛ وذلك لأن فكرة عبادته لم تستول قط على نفوس القوم هناك، على أن ذلك ليس إلا مجرد رأي قد يظهر يومًا ما ينقضه.
هذا، ونعلم أن طغراءات الملك «توت عنخ آمون» كانت منقوشة على أربعة عمد قد اغتصبها «رعمسيس الثاني» فيما بعد، وقد وضع «رعمسيس السادس» طغراءاته عليها بوساطة موظف من موظفي نائب «كوش» وهو المشرف على البلاد الأجنبية الجنوبية، وحامل المروحة على يمين الملك المسمى «نب ماعت رع نخت»، يضاف إلى ذلك أن قائد الحامية «رعمسيس نخت» أضاف طغراءات أخرى قد يجوز أنها «لرعمسيس السادس»، وأخيرًا وجد جزء من تمثال مجيب للملك «رعمسيس السابع» O302 في القصر الشرقي المروي، وبعد ذلك لا نجد شيئًا قط يدل على مجرى التاريخ في هذه البلدة، بل كان هناك صمت تام لمدة أربعة قرون حتى جاءت الأسرة الكوشية «أو ما تسمى الأسرة الأثيوبية خطأ» وتدل شواهد الأحوال على أنه في خلال تلك الفترة كان المعبد أ قد دفن تقريبًا تحت الرمال التي كانت تغزو هذه الجهة.
وأول دليل لدينا على إقامة مبانٍ في هذه البقعة مؤرخة ما نشاهده في الجهة الشرقية من موقع المعبدين «أ، ب» A-B حيث يوجد المعبد (ب) B «كما وجد عنده حفره» الذي لم يكن قد أقيم بعد، والظاهر أنه كان يوجد هنا معبد أو محراب في صورة ما أقامه الملك «شبكا» على شرف الإلهة «عنقت» (أنوكيس)، ويلحظ هنا أن أحد الأعمدة التي أقيمت فيما بعد في المعبد (ب) B كان مؤلفًا من قطع من مبنى الملك «شبكا»، وهذه القطع قد جيء بها من عمودين فقط، ومن المحتمل أن معبد الإلهة «عنقت» هذا كان قد أقيم في هذا المكان، وكذلك قد وجدت قطعة مشابهة من عمود على مسافة في أثناء حفر الموقع (١) في سنة (١٩٣٥-١٩٣٦)، وكذلك عُثر على اسم «شبكا» على خرزة في شكل برميل، ويحتمل أنها خاتم، أما اسم «شبتاكا» فلم يوجد إلا على تعويذة (٠٤٢٧).
وقد بدأت أعمال البناء الجدية عندما تولى «تهرقا» الملك؛ فقد كان له ميل خاص لمدينة «الكوة»، وأراد أن يسبغ عليها قوة شبابه وما في نفسه من طموح لإقامة المباني الفاخرة، وقد ذكر لنا «تهرقا» أنه عندما غادر بلاد النوبة وهو في العشرين من عمره ليلحق بالملك «شبتاكا» في مصر وقف موكبه عند «جمأتون» وقد استولى على قلبه الحزن١١ هناك عندما رأى حالة المعبد الذي وجده مخربًا هناك، ويقول إنه كان مقامًا من اللبنات وكان مدفونًا في الرمال حتى سقفه، هذا فضلًا عن أنه كان مغطى بالتراب على ما يظهر لأجل أن يُحفظ من الأمطار أو ماء الفيضان.

والمفهوم عادة أن المتون التي تتغنى بنشاط بنائي يُستعمل فيها تعابير مثل «أقيم من حجر جيد صلب بعمل خالد»، وذلك أنه عندما كان الملك المقيم للمبنى يريد أن يؤكد فخامة ما تم على يديه من إعادة مبانٍ دينية أقامها أسلافه يقول عنها: إن المبنى كان «مصنوعًا من اللبنات» وذلك للدلالة على أن المبنى كان عاديًّا.

وقد رأينا أن كل ما بقي من معبد (أ) A من تلك الأزمان الغابرة كان من الحجر، ولكن من المحتمل أن أية إضافات في مثل هذه المباني يجوز أنها عُملت في العصور المظلمة التي كانت تقام فيها المباني باللبنات، فكانت نسبيًّا من صنف رخيص.
وفضلًا عن ذلك يجوز أن الأجزاء التي أضيفت باللبنات للمعبد (أ) A كانت لا تزال ظاهرة عندما زار «تهرقا» جمأتون، ومن ثم لم يظهر عليها أنها قد أقيمت من الحجر، ومن جهة أخرى يجوز أن «تهرقا» لم يكن يشير وقتئذٍ إلى المعبد (أ) A قط، بل كان يشير إلى معبد أقدم منه كان قائمًا على مستوى أقل انخفاضًا بكثير عن الموقع الذي اختير للمعبد T الذي يقع غربًا بعض الشيء.
وعلى آية حال فإن «تهرقا» استأنف سيره ليلحق بأخيه «شبتاكا» في طيبة، ومن المحتمل أنه اشترك معه في الحكم على عرش البلاد على أثر وصوله، ولكن في هذا شك كبير، وعندما توفي «شبتاكا» بعد ذلك بخمس سنين تولى «تهرقا» عرش البلاد رسميًّا وأُعلن ملكًا في «منف»، حيث تصادف أنه كان فيها وقتئذٍ، ولا بد أن العمل كان قد بدئ في إصلاح المعبد (أ) A بعد إعلان «تهرقا» ملكًا بمدة قصيرة؛ وذلك لأن الأعطية التي منحها للمعبد بدأت في السنة الثانية كما جاء في النقش الثالث الذي وضعه لهذا الغرض (Inscr. III) وعلى أثر اعتلاء «تهرقا» عرش الملك مباشرة نجد أنه قد ابتدأ في بناء معبد جديد لنفسه وهو المعروف بمعبد T، وقد أرسل لهذا الغرض جماعات من أصحاب الحرف والصناعات من «منف» لإقامته ولتزيينه بالنقوش التي كانت تقليدًا لأكبر حد في تفاصيلها لنماذج آثار الدولة القديمة القائمة في «أبو صير» «وسقارة»، وقد صُفحت عُمُد المعبد الجديد بالذهب، وصُنعت الأبواب من خشب الأرز، ومزاليجها صيغت من البرنز، وزُرعت الحدائق في الأراضي المجاورة بالنباتات والأشجار، وسقيت بوساطة بحيرات أو برك، كما زُرعت الكروم التي كان يقوم على رعايتها رجال مختصون جُلبوا من قبيلة أجنبية يُعرف أهلها باسم «منتيو آسيا».

وقد قيل إن نبيذ هذه الكروم كان ألذ من نبيذ الواحة البحرية، وهي مكان مشهور بزراعة الكروم وعصرها، وحدائق المعبد بما في ذلك جزء من شارع الموكب المؤدي إلى مدخله يكنفه كباش من الجرانيت، كانت محاطة بسور مقدس ضخم مصنوع من اللبنات.

وفي الركن الشمالي الشرقي كان يوجد مصنع طوب له مخزن غلال خاص ومستودعات، كما وُضعت لوحات في الردهة الخارجية للمعبد T وقد دون عليها معظم هذه الحوادث، وأحدث هذه اللوحات تحمل تاريخ الانتهاء من العمل، وبعد ذلك سكن الإله «آمون» في بيته الجديد، وقد أُرخت اللوحة بالسنة العاشرة من حكم «تهرقا» حوالي عام ٦٨٠ق.م.
وتصميم المعبد T يطابق تمامًا تصميم معبد «صنم»، ويقع تقريبًا قبالة بلدة «نباتا» وهو الذي حفره بعث أكسفورد سنة (١٩١٣) ميلادية، ومعبد «صنم» المعروف في الأزمان القديمة بمعبد «آمون رع ثور أرض القوس «النوبة»» يبلغ طوله ٩٨٫٥ مترًا، وقد خرب حتى مستوى الصحراء المحيطة به، وهو يظهر على ذلك أنه شيء صغير «كما هو الواقع» إذا ما قرن ببعض المعابد المصرية الضخمة، ومعبد آمون صاحب «جمأتون» أقيم في نفس امتداد معبد «صنم»، ولكنه ينحرف في اتجاهه عن معبد «صنم» بعض درجات، وعلى أية حال فإنه لما كانت جدران معبد «الكوة» لا تزال قائمة في بعض أجزائه وتصل إلى ارتفاع حوالي أربعة أمتار فإن المعبد يظهر كبيرًا ومهيبًا.
وقد أضاف الملك «تهرقا» فيما بعد في قاعة عمد المعبد T محرابًا صغيرًا بهجًا من الحجر الرملي مثبتًا بين العمد الأربعة الواقعة في الشمال الشرقي من القاعة بنفس الطريقة التي نراها في معبد «صنم»، وعلى أية حال فإنه يلحظ في «الكوة» أن المحراب ليس محاطًا كلية بالعمد، ولكنه يبرز من جهة خارجًا عنها، والظاهر أن المحراب لم يكن جزءًا من المعبد عند التصميم الأصلي ولكنه فكر فيه فيما بعد، وعلى أية حال فإنه لم يُبْنَ متأخرًا قبل الانتهاء من سائر المعبد؛ وذلك لأن العمود الذي يحيط به جداره الشمالي لم ينقش قط كما نقشت العمد الأخرى التي في القاعة بأسماء وألقاب «تهرقا»، ولو كان قد نقش لكان الجزء العلوي من الكتابة قد أصبح ظاهرًا للعيان على العمود عندما انتزع المحراب في عام (١٩٣٥-١٩٣٦) من مكانه لينقل إلى متحف أشموليان بأكسفورد، ومحراب «صنم» الذي يعد من وجهة العمارة أكثر خشونة من محراب «تهرقا» في «الكوة» كان محاطًا بأربعة عمد، وعلى ذلك كان يعد جزءًا من التصميم الأصلي لهذا المعبد، وهذا يوحى بأن معبد «صنم» كان قد بُني بعد إتمام بناء معبد «الكوة» مباشرة؛ أي بعد السنة العاشرة من حكم «تهرقا».

والواقع أن الإنسان يميل إلى الظن أن مهندس العمارة الذي أشرف على إقامة المحرابين كان واحدًا وأنه أفاد في «صنم» بما كسبه من تجاربه في «الكوة».

ولا تزال ترى أوجه نشاط «تهرقا» في «جمأتون»؛ فقد وُجد فضلًا عن معبد T نفسه كبشان من الجرانيت في مكانهما الأصلي خارج مدخل المعبد، كما وُجد اثنان آخران عند مدخل قاعة العمد، وعثر في الطريق على مائدة قربان كبيرة كان قد أعيد بناؤها في الأزمان التالية، غير أنها على ما يظهر كانت في الأصل من عمل «تهرقا»؛ وذلك لأنها مقامة من نفس الحجر الرملي الذي أقيم منه المعبد T، هذا فضلًا عن أن القطعة السفلى من عقب الباب المصنوعة من البرنز مكتوب عليها اسم «تهرقا»، وقد عُثر عليها على مقربة منه.
هذا؛ ويلحظ أن أبواب المعبد أ المصنوعة من الحجر كانت بدورها تحمل اسم «تهرقا» وتُوحي أن جدران الردهات المقامة من اللبنات الملاصقة لهذه الأبواب كانت من صنع هذا الفرعون، أما عن الحدائق فقد وجدت سلسلة من الحفر التي كانت تزرع فيها الأشجار، وكانت في الأصل مبطنة بالحجر، ولكنها فيما بعد قد زيد في ارتفاعها تدريجًا باللبنات، كما وجدت بئر كانت في الأصل مبطنة بالحجر يحفها كتل من الخشب، ويدل الكشف عن معصرة للنبيذ في الموقع رقم ٢ يرجع تاريخها إلى القرن الثاني بعد الميلاد، على أن إنتاج النبيذ الذي وضع أساسه «تهرقا» كان لا يزال موضع عناية واهتمام بعد انقضاء ثمانية قرون مضت على تأسيس هذه الصناعة، ولا نزاع في أن بحيرات الري الخاصة بذلك لا تزال موجودة تحت التراب المتراكم في هذه الجهة، وتنتظر معول الحفار للكشف عنها.
والواقع أن قصة مدينة «جمأتون» هي قصة صراع طويل بينها وبين الرمال السافية التي كانت تهب عليها وقد انتهت بهزيمتها وطمرها، وذلك أنه بعد أن اختفى «تهرقا» أخذ البلد ينحط تدريجًا، ولم يصل قط في يوم من الأيام إلى مستوى الأبهة الذي وصل إليه في عهده، حقًّا إنه من الجائز أن «أمن-نتي يريك» قد أشعلت في قلبه نار الحماس الديني الذي كان يتأجج في صدر «تهرقا»؛ إذ قد جعل جيشه يعمل على إزاحة الرمال من طريق المعبد، وبعد ذلك انتحل لنفسه نعت «جميل الآثار في جمأتون». على أن تهدُّم المعبد يمكن أن يكون بسبب سقوط السقف على قاعة عمد المعبد T وذلك لأن أعمدته كانت صغيرة جدًّا لا تقدر على حمل كتل السقف الكبيرة نسبيًّا، ولا نزاع في أن المسافة اللازمة لحمل هذه الكتل كانت في الواقع قد قيست، ولكن من الواضح أن الكتل التي استعملت لم تكن ذات سُمك كافٍ، ولا بد أنها كانت قد سقطت بعد مضي بعض مئات السنين على إقامتها.

وقد زار الملك «أنلاماني» «الكوة» وخلف وراءه هناك لوحة جميلة (٠٤٩٩) لتضاف إلى سلسلة اللوحات التي تركها لنا «تهرقا»، أما الملك «أسبلتا» فقد أقام كما هي الحال في «صنم» محرابًا باستعمال جدار وعمود كانا هناك وثبت فيهما بابًا وجدارًا من أحجار رقيقة، والمحراب الذي في «الكوة» مقام من الحجر الرملي وقد وجد تقريبًا كاملًا، وقد سمحت الحكومة السودانية بنقل هذا الجدار وكذلك القشرة الخارجية التي كان منقوشًا عليها مناظر محراب «تهرقا» وقد نُصبت الآن في أماكنها متناسبة الوضع في متحف «أشموليان» بأكسفورد، وهذان الأثران لهما أهمية عظمى؛ وذلك لأن الآثار المنقوشة من هذا العهد قليلة في حين أن النقوش التي على محراب «تهرقا» قد مثل فيها شكلان من أشكال الإلهة «عنقت»، وهذا ما لا يوجد له نظير حتى الآن، ومن حسن الحظ أن هذه الآثار قد بقيت حتى الآن إذا علمنا أنه قد حدث حريق هائل في قاعة العمد هذه في الأيام الأخيرة من تاريخ «الكوة».

ومن المباني التي يظهر أنها قد أقيمت في «جمأتون» حوالي هذا العصر الكشك الشرقي، ويقع خلف الجانب الشرقي من تل البلد، وهو تقريبًا في مستوى الصحراء، ومحوره يقع تقريبًا من الشمال إلى الجنوب، وعلى ذلك فإنه كان على ما يظن يقع في الطريق الخاصة بالأحفال، وهي التي يعتقد أنها كانت تدور حول البلد أو جزء منه، ويحتوي هذا الكشك على بقايا مناظر وعلامات هيروغليفية جميلة الصنع، وهي بلا شك لا يبعد تاريخها عن العصر النباتي المبكر، ولا يمكن أن يكون قد وضع الكشك في هذا المكان المكشوف خارج سور المعبد إلا في وقت مزدهر؛ أي عندما كانت الهجمات التي كثرت في الأزمان المتأخرة غير منتظرة الوقوع.

وفي خلال العصر النباتي المتوسط كان نشاط العمارة في «الكوة» قليلًا، فمن المعتقد أنه قد حدثت إصلاحات وإضافات في مخازن «تهرقا» الواقعة في الشمال الشرقي لمنطقة حرم المعبد في تلك الفترة، وكذلك بدئ بإقامة مبانٍ على طول الجانب الواقع جنوبي المعبد T حيث أقيمت مخازن غلال ومستودعات وكانت مفصولة عن جدران المعبد بطريق ضيقة. ومن بين أسماء ملوك العصر النباتي المتوسط التي وجدت هنا اسم الملك «ماليناقن» فقد ذكر اسمه على عدة لوحات صغيرة من القاشاني في الحجرة الواقعة غربي محراب المعبد (أ) A وكذلك عُثر على لوحة باسم الملك «أسبلتا» وأخرى من نوع مختلف بأسماء «تهرقا» في نفس المكان، وإذا كانت هذه الألواح في الأصل من التي زين بها الجدار فإنه من المحتمل أن الحجرات المقامة من اللبنات في هذه المنطقة كانت تؤلف جزءًا من الإصلاحات التي قام بها «تهرقا» في المعبد (أ) A.
والملك الذي جاء ذكره في «الكوة» بعد «أمن-نتي يريك» الذي سبقت الإشارة إليه هو الملك «حرسيوتف» من العصر النباتي المتأخر «وكانت نباتا هي العاصمة الدينية وقتئذٍ في حين كانت العاصمة السياسية هي «مروي»»، وقد جاء اسمه على عمودين في الردهة الثانية للمعبد (ب) B هذا بالإضافة إلى صورة رسمت على صخر للملك في حجرة القربان E في المعبد T ويلحظ أن الأسماء التي على العمد باهتة وحفرت بصورة فجة كالتي نقشت في العصر النباتي المتأخر، ومن الجائز أن هناك عمودًا آخر كان قد نقش، وإذا كان الأمر كذلك فإن كل معالم نقوشه قد ذهبت واختفت، والعمود الرابع الموجود في هذه الردهة هو الذي أقيم من قطع عمود للملك «شبكا» كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ومن الجائز حينئذ أن يكون الملك «حرسيوتف» هو الذي أقام العمد، وكذلك الجدران المصنوعة من اللبنات التي في الردهات الخارجية للمعبد.
ونقوش «حرسيوتف» المشهورة التي عثر عليها في جبل «برقل» (Urk, III, 113ff) تدل على أنه كان ميالًا لإصلاح المعابد وزخرفتها بدرجة عظيمة، وقد لا يكون من الحكمة أن ينسب إليه نشاط كبير في «الكوة»، وذلك لأن النقش الذي تركه في «نباتا» وهو في معظمه خاص بقائمة من مثل هذه الأشياء لم تذكر لنا أي شيء من هذا القبيل في «الكوة».

وفي خلال حكم الملوك المتأخرين من عصر «نباتا» لا بد أن «جمأتون» كانت عرضة لهجوم من الخارج، والواقع أنه حتى فيما يخص الإقليم الواقع بين «نباتا» «ومروي» كانت غزوات أقوام البدو من الصحراء تقع باستمرار، فقد كان الملك «أمن-نتي يريك» في حاجة إلى إرسال جيش لإخلاء الطريق أمامه قبل أن يترك «مروي» وهو في رحلته إلى «نباتا» والجزء الشمالي من مملكته، وقد اشتبك في قتال مع قوم المجا في الإقليم الواقع جنوبي «الكوة»، وقد تصادم كل من «حرسيوتف» «ونستاسن» مرات عدة مع أقوام هذه الصحراء، وعلى الرغم من أن اسم «نستاسن» لم يوجد في آثار «جمأتون» فإن لوحته التي عثر عليها في جبل «برقل» تقص علينا أنه في وقته قد زحف قوم «المجا» في غزوهم حتى «الكوة» حيث نهبوا المعبد وأحدثوا ارتباكًا في أملاك الإله «آمون»، وقد قام هذا الملك بإعادة ما نهبوه.

ويعد بداية القرن الثالث قبل الميلاد على حسب رأي الدكتور «ريزنر» العصر الذي قسم فيه السودان مملكتين: المملكة الشمالية وعاصمتها «نباتا»، والمملكة الجنوبية ومقر حكمها «مروي»، وقد كانت هناك أحيانًا منافسات ومناوشات فيما بينهما، وأهرام ملوك «نباتا» كانت عارية من النقوش، ولكن أسلوبها كان على ما يقال يتفق مع أسلوب الأهرام المعاصرة لها في «مروي» الواقعة بعيدًا عنها في أعلى النيل، وهذا العصر قد أطلق عليه الدكتور «ريزنر» المملكة المروية الأولى لنباتا.

وقد عرفنا من «الكوة» أسماء جديدة لملوك أربعة منهم على الأقل لا بد من وضعهم بطريقة ملائمة في قائمة الملوك الكوشيين، والواقع أن «ريزنر» قد أفلح في الكشف عن كل أسماء ملوك «نباتا» من أول «تهرقا» حتى «نستاسن» وهؤلاء هم الذين دفنوا في جبانة «نوري» الملكية، وكل أهرام «نوري» قد عرف أصحابها، ولكن هرمًا واحدًا في جبانة «الكورو» التي تعد أقدم من جبانة «نوري» قد ترك دون أن يحقق اسم صاحبه، وهذا الهرم تدل الظواهر على أنه معاصر لسلسلة أهرام «نوري» المتأخرة، وقد نسب إليه اسم «بيعنخي آلارا» وهذا هو اسم ملك ذكره «نستاسن» بالقرب جدًّا من اسم «حرسيوتف» الذي يظن أن «بيعنخي آلارا» قد خلفه، وعلى أية حال فإن نقوش «الكوة» قد قدمت لنا ملكًا اسمه «آلارا» وهو جد للملك «تهرقا»، وقد ذكرنا في غير هذا المكان البراهين الدالة على أنه من الجائز أن يكون أخًا للملك «كشتا»؛ أي إنه جد مبكر للأسرة النباتية، وقد كان محترمًا، ويجوز أن الملوك الذين أتوا بعده قد ألهوه، كما يجوز أن «آلارا» هو نفس «بيعنخي آلارا» الذي جاء ذكره في نقوش الملك «نستاسن» وأن كلمة «بيعنخي» التي وضعت في أول الاسم هنا قد أُخذت من اسم الفاتح العظيم «بيعنخي» مستعملة كاستعمال كلمة قيصر عند الرومان، فإذا كان هذا الاستنباط صحيحًا فإن هذا الاسم لا يمكن أن يكون هو باني هرم «الكورو» الأول الذي بقي حتى الآن مجهول الاسم.

أما الأسماء الأخرى التي نقرؤها أحيانًا بشيء من الشك أو وجدت مهشمة فهي:

(١) بيعنخي-يريك-قا. (٢) أمان … سبراك (؟) «ومن الجائز أن يقرأ سبراكا» مري آمون. (٣) كشت … ير «ومن الجائز مع شك كبير أن يقرأ كشتا-يريك». (٤) «أرنخ-مري آمون» أو «أرنخ أماني». و(٥) «إري-مري آمون، أمانري» أو «أريأماني». والاسمان الأولان من هذه الأسماء يوجدان في النقش XIII وقد حكما على التوالي، وقد قيل مع الشك إنهما صاحبا الهرمين ١٨ و٧ في برقل (See Vol. I, P. 75) واسم التتويج الخاص بالثاني هو «خعمنابي»؛ أي المضيء في «نباتا»، ويُلحظ أن النقش الذي جاء فيه ذكر هذين الملكين يتبع الأسلوب والتعبير الخاص بالنقوش النباتية المتأخرة، ولا يكاد يكون هناك شك في أنهما جاءا بعد الملك «نستاسن» بسرعة.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن الملوك المتأخرين من سلسلة ملوك «نباتا»، على الرغم من أنهم قد أتوا إلى الشمال ليدفنوا بالقرب من «نباتا» عاصمة البلاد القديمة فإنهم بلا شك حكموا البلاد من «مروي»، وكذلك كانوا يأتون إلى «نباتا» ليتوجوا فيها، وعلى ذلك فإن الاسم «خعمنابي» لا يعني أنه ملك قد حكم فقط في «نباتا»، بل من الجائز أن أهرام «برقل» (نباتا) الخاصة بهذا العهد هي في الواقع لهؤلاء الملوك والملكات الذين أقاموا «كما كانت الحال في الماضي» في مروي ولكنهم في الوقت ذاته اجتهدوا أن يستمروا في اتباع التقاليد القديمة في بناء أهرامهم في «نباتا»؛ وذلك لأن الفكرة القائلة إن الحكام يجب أن يدفنوا في «مروي» كانت فكرة جديدة، وأن هذه العملية قد أتت شيئًا فشيئًا. ولكن هذا الرأي يمكن أن يثير عقبات من جهة التأريخ؛ وذلك لأنه يوجد عدد عظيم من مدد حكم ملوك يتطلب أن يوضع في الزمن المخصص له إذا قبل هذا الاقتراح، ولكن من جهة أخرى لا يوجد لدينا روابط محددة ما بين عهد الملك «تانوت آمون» عام ٦٦٣ق.م إلى عهد الملك «أرجامنيز» سنة ٢٢٥ق.م يمكن الارتكاز عليها، والظاهر أنه من الصواب أن نشك في وجود مملكة مروية لنباتا منفصلة بذاتها.

والاسم الثالث من هؤلاء الملوك قد ظهر على قطعة ورق من الذهب (O 211) انتزعها اللصوص من صندوق مذهب وجد في الحجرة المقامة من اللبنات، وتقع في شرقي محراب المعبد (أ) A ولكن قراءة الاسم يلعب فيها الحدس والتخمين دوره، وإذا كان اسم «بيعنخي-يريك-قا» مشتق من «بيعنخي» ويعني المولود من «بيعنخي» (المؤله)١٢ فإن هذا الاسم يمكن أن يكون مشتقًا من «كشتا». والواقع أن النعت «مري آمون» ووصف الاسم هما فقط اللذان يقدمان أي حل لتاريخ هذا الملك، ومن المحتمل أن لقب «مري آمون» هو خاصية لأسماء ملوك العصر الذي نناقشه كما سنرى بعد.
والاسم الرابع منقوش على رأس جميل من البرنز (OO 21/1) عثر عليه في الردهة التي قبل محراب المعبد (أ) A، ويحتمل أنها من قارب الأحفال، وهجاء الاسم مشكوك فيه على الرغم من أن الحروف ظاهرة، ولكن الصعوبة هي: ماذا تقابل هذه الحروف في الحروف الأبجدية الشائعة الاستعمال في هجاء الأسماء النباتية (Cf. Inscr XLIV) ولقب هذا الملك هو «خبر كارع» وهو اختيار محبب١٣ لأنه لقب الملك «سنوسرت الأول»، هذا على أن ظهور النعت «مري آمون» في هذا الاسم والأسماء السابقة واللاحقة يعد أمرًا هامًّا جدًّا، فنحن نعلم أن هذا النعت كان عاديًّا في عهد الرعامسة وفي الأسر اللوبية، ثم نجده يظهر بعد ذلك مع «بيعنخي»، ولكنه يختفي تمامًا من كل أسماء ملوك العصر النباتي المبكر، ثم يظهر مرة أخرى في اسم «أمانيسلو» الذي يأتي خلال العصر الأول للملكة المروية النباتية، وهذا العصر نجد فيه عددًا من الأهرام لا أسماء لها، وهذه الحقيقة بالإضافة إلى أسلوب رأسه البطلمي الطراز يعتبران البرهانين اللذين يمكن أن نقدمهما عن التأريخ الذي يجوز أن يرجع إليه عهد هذا الملك.
والاسم الخامس وهو «إري» أو «إريأماني» عُثر عليه على لوحة غريبة (Kawa XV) وجدت في رقعة الردهة الخارجية للمعبد (أ) A وهي تشبه كثيرًا النقوش التي على جدران البوابة الحجرية ومحراب معبد (ب) B، وعلى ذلك فإنه من الصعب ألا نستنبط أنه كان الباني لها؛ وذلك لأن كلا من البوابة والحجرة التي تؤدي إليها يمكن قرنهما من حيث الحجر والأسلوب بالبوابات والردهات الأمامية الخاصة بالأهرام المروية المقامة في «نباتا» «ومروي».
ويلحظ أن الترهل وضخامة الأعجاز البارزة التي نشاهدهما في صور العصرين المروي المتوسط والمتأخر قد اختفت هنا بوضوح، وعلى العكس نرى أن الأشكال هنا نحيفة بعض الشيء بالنسبة لارتفاعها، فهي تشبه في ذلك الأشكال التي نشاهدها في النقوش البطلمية المصرية، ويلحظ فيها نفس الأعجاز الضيقة المدببة، وعلى الرغم من أن الجزء الأعلى من ثوب الملك غريب في مظهره وليس له نظير فإن طرفه الأدنى المكدس من الأمام بهدابات ونطاق يذكرنا بالملابس الملكية الخاصة بالدولة الحديثة، وبخاصة أنه يشبه تمامًا الملبس الذي كان يلبسه «رعمسيس الثالث» في منظر من مناظر مدينة «هابو»،١٤ وشكل نفس هذا الملبس الخاص بالدولة الحديثة يشاهد كرة أخرى في لوحة أرياماني Aryamani١٥ وهذا الملك قد قرن فعلًا بعصر الرعامسة؛ وذلك لأنه كان يستعمل الاسم «وسر ماعت رع ستبن رع» والنعت «مري أمن» وهما من خواص نعوت ملوك أسرة الرعامسة، وعلى نفس هذه اللوحة نشاهد كذلك الشكل النحيف والأليتين المدببتين، وهذا بالإضافة إلى أشياء أخرى تحملنا على أن ننسب إقامة محراب وبوابة المعبد (ب) B إلى الملك «أرياماني» وعلى ذلك يكون هذا الملك منسوبًا إلى العصر المروي المبكر الذي يتبع أسلوب بنائه في العصر أيضًا.

هذا؛ ويمكن أن نلحظ بصورة عابرة الميل الضعيف إلى اتباع الذوق البطلمي والرعمسي في الوقت نفسه في عصر الانتقال هذا من العهد النباتي إلى العهد المروي من حيث الثقافة.

ونشاهد آثار كسوة من الحجر في خارج محراب معبد (ب) B ومن الجائز أن هذه الكسوة هي من بقايا محراب أقدم من هذا، وهذا المحراب نفسه قد هدم ونقل ليقام في الخرطوم، والواقع أن نقل هذا المحراب سيخلي الرقعة التي أقيم عليها، مما يسهل عمل حفائر فيها قد تلقي ضوءًا أكثر على تاريخ ملحقات المعبد المتأخرة، بل على تاريخ «الكوة» نفسها في عهد الدولة الحديثة.

هذا؛ ولا نعرف حتى أواخر القرن الأول أي ملك في مروي «حتى ولا الملك «أمانيسلو» أو الملك «إرجامنيز»» كان له علاقة بالجزء الشمالي من السودان قد ترك أي سجل في «الكوة»، ولا نزاع في أن المعابد كانت لا تزال معمورة، أما عن سير الحوادث في المنطقة المقدسة التي تحيط بالمعبد فقد رأينا أن المنازل التي في الموقع رقم واحد قد هجرت وغزتها الرمال، والظاهر أن معظم سور المنطقة المقدسة قد اختفى، أما في الموقع رقم ٣ فنجد أن المنازل كانت لا تزال مسكونة.

ننتقل الآن بعد ذلك إلى العهد الصعب الذي يبتدئ حوالي نهاية القرن الأول، وهو الذي ميز بغزو الإثيوبيين لمصر العليا وما تلاه من حملات تأديبية قام بها الحاكم الروماني جايوس بترونيوس Gaius Petronius عام ٢٣ق.م، وأطول قصة تسرد لنا هذه الحوادث التي وردت في جغرافية «سترابون»١٦ قد ترجمها الأستاذ «جرفث»١٧ حيث نجده يعزز الرأي الذي أدلى به الأستاذ «سايس»١٨ وهو القائل إن «كانداس» التي كانت موجودة في وقت الحملة الرومانية على بلاد مصر هي نفس الملكة «أمانيرتاسي» صاحبة اللوحة الموجودة الآن بالمتحف البريطاني، وهي التي عثر عليها في معبد صغير على مسافة صغيرة جنوبي «مروي».١٩
والواقع أن رأي الأستاذ «سايس» يظهر أنه على أساس مكين؛ وذلك لأنه لدينا في هذه اللوحة أثر عن «كانداس» التاريخية التي غزت جنودها معاقل حدود أغسطس الرومانية في عام ٢٣ق.م أو حوالي ذلك التاريخ، وقد دون لها «سترابون» بيانًا حقيقيًّا من الوجهة الرومانية عن هذه الغارة وما نتج عنها من عقاب حل بالسودانيين، وقد كان هذا الكاتب مع أليوس جالوس Aelius Gallus في السنة السابعة لغزوة مصر العليا٢٠ فيقول:

لقد شجع الإثيوبيين، أخذ جزء من الجنود الذين في مصر لمصاحبة «جالوس أليوس» في حروبه مع العرب، فهاجموا إقليم طيبة وحاسية سيني «أسوان» المؤلفة من ثلاث فرق، وقد استولوا بهجوم خاطف مفاجئ على «سيني» «والفنتين» «وفيلة»، وجعلوا كل الأهالي هناك عبيدًا لهم وهشموا تماثيل قيصر، وكان عندئذ «بترونيوس» قد وصل بجيش أقل من عشرة آلاف مقاتل وثمان مائة خيال لمنازلة ثلاثين ألفًا من الأعداء، وقد اضطرهم أن يتقهقروا حتى «بسلكيس» وهي مدينة إثيوبية «الدكة» وأرسل إليهم رسلًا طالبًا إعادة الغنائم كما طلب إليهم السبب الذي من أجله بدءوا الحرب، وقد أكدوا له أنهم قد عوملوا معاملة مجحفة على يد ملوكهم، وقد جاوبهم «بترونيوس» على ذلك بقوله: إن قيصر لا الملوك هو الذي يحكم البلاد، وبعد ذلك طلبوا إليه هدنة مدة ثلاثة أيام ليفكروا فيها، ولكن لما لم يفعلوا شيئًا مما تدعو إليه الحاجة هاجمهم «بترونيوس» مما اضطرهم للخروج في معركة ولم يلبثوا أن ولوا الأدبار؛ وذلك لأن نظامهم كان سيئًا، وكانت أسلحتهم رديئة «كانت دروعهم ذات حجم كبير وطويلة ومصنوعة من الجلود غير المدبوغة، وكانت أسلحتهم هي البلط أو العمد أو أحيانًا السيوف»، وقد احتمى بعضهم في المدينة وفر آخرون إلى الصحراء، وكما لجأ جزء منهم إلى جزيرة قريبة ملقين بأنفسهم في الماء وقطعوا البوغاز سبحًا «لأن التماسيح هنا لم تكن عديدة بسبب التيار»، ومن بين هؤلاء الأخيرين قواد «كانداس» التي كانت تحكم إثيوبيا في أيامنا، وهي امرأة مسترجلة فقدت بصر إحدى عينيها، وقد استولى «بترونيوس» على كل هؤلاء أسرى حرب، فقد وصل إلى الجزيرة على عوامات وقوارب، وساقهم في الحال إلى الإسكندرية، وبعد ذلك هاجم «بسلكيس» واستولى عليها، وإذا أضفنا عدد هؤلاء الذين سقطوا في الموقعة إلى أولئك الذين أسروا كانت البقية الباقية التي هربت ضئيلة جدًّا، وقد وصل «بترونيوس» من «الدكة» إلى مدينة برمنيس «إبريم» المحصنة مارًّا بتلك الكثبان الرملية التي غمر فيها جيش «قمبيز» في عاصفة ريح هوجاء، وقد هاجم «بترونيوس» القلعة واستولى عليها ومن ثم سار إلى «نباتا»، «ونباتا» هذه كانت عاصمة «كانداس» وكان ابنها هنا كما كانت هي نفسها في مكان قريب.

وقد أرسلت هذه الملكة رسلًا طالبة إعادة العلاقات الودية وإعادة الأسرى الذين أُخذوا في سيني والتماثيل، ولكن «بترونيوس» زحف على «نباتا» واستولى عليها «وقد هرب منها الصبي» وخربها، وبعد أن استعبد السكان قفل عائدًا إلى موطنه محملًا بالغنائم، وذلك بعد أن علم أن الأراضي التي خلف ذلك من الصعب اختراقها، وبعد أن قوى في طريقه تحصينات برمنيس «إبريم» ووضع فيها حامية ومئونة سنتين تكفي لأربع مائة رجل، غادرها إلى الإسكندرية، وقد باع بعض الأسرى وأرسل منهم ألفًا إلى قيصر «الذي كان قد وصل مؤخرًا من كانتاباريا Cantabaria» وقد مات بعضهم من المرض، وفي تلك الأثناء زحفت «كانداس» على القلعة بقوة يبلغ عددها عشرات الآلاف من الجنود، ولكن «بترونيوس» أرسل جيشًا لنجدتها، وكان هو أول من دخل القلعة بعد أن قواها تمامًا، وعندما أرسل الإثيوبيون للمفاوضة في الصلح أمرهم أن يوفدوا رسلهم إلى قيصر، وقد اعترفوا على أية حال أنهم لا يعرفون من هو قيصر ولا من أي طريق يصلون إليه، وعلى ذلك أعطاهم مرشدين وصلوا بوساطتهم إلى جزيرة «ساموس»، وهنا كان قيصر يجهز لإرسال «تيبريوس» إلى «أرمينيا» في حين أنه كان في طريقه إلى «فارس»، وقد منحهم قيصر كل ما طلبوه، بل أعفاهم من الضرائب التي فرضت عليهم.٢١
ومن جهة أخرى اعتقد «ريزنر» أن البلاد في هذا الوقت قسمت ثانية مملكتين، وأنه لما كانت مملكة «نباتا» هي التي وصل إليها «بترونيوس» وخربها، فإن ملكة «مروي» لا بد كانت «أمانيرناس» التي وجدت نقوشها منتشرة من «مروي» حتى «الدكة»، وعلى ذلك يمكن القول إنها حكمت كل المملكة من «مروي»، وقد قرر «ريزنر» أن الملكة القوراء التي وقفت في وجه الرومان لا بد كانت آخر حاكمة لهذه الأسرة النباتية، وهي التي أقامت الهرم الصغير العاشر٢٢ «ببرقل»، ولم يذكر على أية حال «أمانيرناس» التي أغفلها، وعلى أية حال فإن «ريزنر» ذكر نقطة هامة وهي أن الموازنة بين أشكال الطراز تظهر أن الملكة «أمانيشاختي» المروية والملكة النباتية المدفونة في هرم برقل رقم ١٠ لا بد كانتا متعاصرتين ولو لمدة قصيرة من حكميهما،٢٣ ولدينا برهان من «الكوة» يمكن ذكره هنا قد يجوز أن يوضح الموضوع.
وذلك أن أسماء حكام «مروي» قد وجدت غالبًا حوالي هذا الوقت في مجموعات، فمثلًا في معبد السبع في النجع نجد اسم الملك «ناتاكاماني» والملكة أمنيتير Aminetère مع اسم الأمير أريكاخاتاني Arikakhatani، في حين نجد في العمارة أن مكان الأخير قد أخذه شيراكارر Shérakarèr، وكذلك نجد اسم الملكة أمانيرناس Amanirenas في «الدكة» وعلى لوحة صغيرة من «مروي» مع اسم الملك تريتقاس Teriteqas والأمير «أكينيداد» «أو أكيداد أو أكيدد؛ لأن الهجاء يختلف» ونجد كذلك اسم «أكينيداد» يظهر مع اسم «أمانيرناس» على ما يسمى بلوحة «أكينيزاز» المذكورة فيما سبق وعلى محراب من البرنز من «الكوة».
هذا؛ وقد وجدت بجانب الباب الجنوبي للردهة الأولى لمعبد T قطع من الحجر الرملي عليها طغراءات الملكين «أكينيداد» «وأمانيشاختي»، وطرازهما واحد، ويمكن الفرض أنهما يؤلفان جزءًا من إضافة عُملت في المعبد، وأن «أكينيداد» الذي عاصر الملكة «أمانيرناس» مدة كان كذلك معاصرًا لعهد الملكة «أمانيشاختي»، ونحن نعلم أن «ريزنر» قد اعتبر الملكة «أمانيشاختي» معاصرة لملكة برقل رقم ١٠، هذا؛ ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن اسم «أمانيخبال» هو حاكم آخر مدفون في مروي قد وجد اسمه على قطعة من البرنز في «الكوة»، وقد وضعه «ريزنر» بعد اسم الملكة «أمانيشاختي» بقليل، ومن ثم يعتبر في نظره لم يحكم نباتا.

وعلى ذلك ليس لدينا إلا نتيجة واحدة من هذه الحقائق، وهي أن «الكوة» والبلاد التي في شماليها حتى الدكة على الأقل لم تكن ضمن حدود مملكة نباتا بل ضمن أملاك مروي.

وتدل شواهد الأحوال على أن مملكة نباتا «إذا كان هناك مملكة بهذا الاسم وقتئذٍ» كانت تشمل مساحة صغيرة لا تزيد رقعتها عن نباتا نفسها، وهذه النظرية لا تعارضها الحقائق، وعلى أية حال يمكن اعتبارها حلًّا مؤقتًا ليقابل وجود المملكة المروية الأولى النباتية؛ أي إن ملكًا مفروضًا فيه أنه يحكم في عاصمة واحدة فقط قد خلف اسمه في عاصمة أخرى، ولم تكن قوة السلاح وحدها هي التي حتمت حدوث ذلك، والملك المعني هنا هو الملك تانيداماني Tanyidamni، وقد ترك لنا ككل من الملكة «أمانيرناس» والملك «أكينيداد» نقشًا في مروي (Meroe, pl. 1 Insc. No. 5) على لوحة عُثر عليها في معبد السبع، وقد أقام في نباتا لوحة عظيمة من الجرانيت منقوشة من جهاتها الأربع في معبد آمون (Great Temple of Amon, B500) وقد وجد بالمقارنة أن لوحته تشبه لوحتي الملكين أمانيرناس وأكينيداد اللتين عُثر عليهما في مروي، ولم يكن في مقدور الدكتور «ريزنر» أن يضع هؤلاء الملوك الثلاثة في تصميمه التأريخي؛ وذلك بسبب أنه لم يتحقق من شخصية مقابرهم، ولكن قد ذكرنا من قبل الأسباب التي تدعو إلى وضع «أمانيرناس» «وأكينيداد» قبل الملكة «أمانيشاختي» مباشرة، وعلى الرغم من أنه ليس لدينا براهين قاطعة فإن «تانيداماني» على ما يظهر قد عاش على حسب رأي «ريزنر» عندما كانت «كوش» قد قسمت مملكتين، ولما كانت أهرام برقل صغيرة وعارية من النقوش فإنه من المحتمل أنه قد دفن في «مروي»، وعلى أية حال فإن ظهوره في كلا العاصمتين وقربه من حيث الزمن للملوك «أمانيرناس» «وأكينيداد» «وأمانيشاختي» مما يدعو إلى الشك الذي يحملنا على إعادة النظر في الترتيب التاريخي لهذا العصر.
والسؤال المحير في تاريخ «الكوة» هو الوقوف على ما حدث فيها عند زحف «بترونيوس» نحو «نباتا»، وقد أكد الأستاذ «جرفث» في عام (١٩٣٠-١٩٣١) أن هذه البلدة كانت قد دمرت على يد «بترونيوس» ثم هجرت، فقد وجدت في وسط قاعة العمد بمعبد T عدة أشياء من الحجر والقاشاني والفخار اللازمة للمعبد، هذا بالإضافة إلى مصابيح من الفخار وأشياء من البرنز قد أكلتها النار مما يدل على أنه قد أشعل حريق في هذا المكان عن قصد، غير أن البحوث التي أتت بعدُ قد دلت على أن هذا الاستنباط ليس مؤكدًا تمامًا، فقد وصل الأثري كروان إلى أن الحريق لم يقتصر على داخل المعبد T بل شمل كل مواقع الكوة القديمة الثلاثة، وهي التي يرمز لها بالمواقع ١ و٢ و٣ وهي التي تميز لنا عصور تاريخ هذه البلدة؛ إذ الواقع أنه وجدت آثار واسعة النطاق للنار في كل أنحاء المنطقة التي حفرت حتى الآن، وقد لوحظ في عدة نقط أن نفس الحريق الذي حدث في الحجرات المقامة باللبنات في المعبد T والجدران المجاورة له والأعمدة قد حدثت في أماكن أخرى، وتدل شواهد الأحوال إذًا على أن الحريق العظيم قد وقع آخر شيء في تاريخ هذه البلدة.

ولا شك في أن العهد المحدد الذي وقع فيه هذا الحريق لا يخرج عن دائرة الحدس والتخمين، فقد يكون قوم البلميين أو الأكسوميين هم الذين ارتكبوا هذه الفعلة غير أنه ليس لدينا برهان مباشر على أن قوم الأكسوميين قد زحفوا شمالًا إلى هذا الحد، ومن جهة أخرى قد وصل الأثري «كيروان» إلى أن من الجائز أن النوبيين السود البشرة الذين أخرجوا من بلادهم في الجنوب وقت أن هجم عليهم الأكسوميون هم الغزاة المتوحشون الذين قضوا القضاء المبرم على أرزاق الكوة ومجدها الذي يرجع إلى عهد بعيد.

هذه نظرة خاطفة عن تاريخ «جمأتون» أو قرية الكوة الحالية من أول نشأتها كما وصل إلينا حتى الآن إلى أن قُضي عليها نهائيًّا ومحيت من التاريخ بالحرق والنهب، وسنحاول بعد ذلك أن نتحدث عن المعبد الذي أقامه الفرعون «تهرقا» وخلف لنا فيه لوحات كشف لنا عن صفحة جديدة من تاريخه وتاريخ إمبراطوريته التي كانت تشمل مصر «وكوش»، كما كانت تبسط نفوذها على ما جاورها من البلاد الأفريقية والآسيوية مما سنشير إليه فيما بعد.

(٢-٣) الطريق إلى معبد «تهرقا» بالكوة

يصل الإنسان إلى معبد «جمأتون» الذي أقامه الملك «تهرقا» (وهو المعروف عند الأثريين باسم معبد T) بوساطة طريق احتفالي خاص، وقد أطلق عليه «طريق «ميت» هذا الإله «آمون رع صاحب جمأتون»»
ويحدثنا أحد الملوك الذين أتوا بعد «تهرقا» وهو الملك «أمن-نتي-يريك» أنه في عهده؛ أي منذ أكثر من قرنين من الزمان مضيا على تأسيس معبد «تهرقا» كانت الطريق قد دفنت تحت الرمل لمدة أربعين سنة «والإله لم يسر على طريقه التي … هذه المقاطعة، وقد حفر هذا الملك تلك الطريق حاملًا الرمال بيديه، وبعد ذلك احتفل بالكشف عنها من الصحراء، وذلك بحفل ليلي بوساطة المشاعل حُمل فيه الإله حول المدينة» وهذا يوحي بأن هذه الطريق الاحتفالي لم يوصل من المعبد T إلى النهر وحسب، بل كان يطوف حول محيط المدينة أو جزء منها على الأقل، ويؤكد هذا الظن موقع الكشك الشرقي الذي أقيم على مسافة حوالي أربعين مترًا خلف الجزء الشرقي لجدار الحرم المقدس الذي أقامه «تهرقا» وعلى ذلك كان خارج حدود المعبد، ولا بد أن هذا الكشك كان يعتبر محطًّا يقف عنده المارون بالموكب الإلهي، وعلى هذا الزعم سنأخذ في وصف المباني المختلفة القائمة على هذه الطريق على حسب ترتيبها مبتدئين بالكشك الشرقي وسائرين إلى الكشك الغربي، ثم إلى مائدة القربان فحديقة المعبد فالكباش، وأخيرًا المعبد T نفسه.

الكشك الشرقي

أقيم الكشك الشرقي من نفس الحجر الرملي الأصفر القاتم الذي بُني منه المعبد T، وهذا الكشك قد خرب الآن حتى رقعته ولم يبقَ منه إلا مدماكان، ولا بد أن هذا الكشك كما ذكرنا من قبل كان محطًّا يقف عنده تمثال الإله والسفينة المقدسة عندما كان الحفل يطوف حول المدينة، ولا بد أن هذا الكشك كان يقع في نهاية الحدود الشرقية للمدينة في العهد النباتي المبكر، ويلحظ هنا أن الجدارين الشرقي والغربي لهذا الكشك يعدان بمثابة ستائر للعمد التي أقيمت فيهما وعددها ثمانية، والكتابة التي كانت على الجدران أصبحت باهتة وتصعب قراءتها، وقد وجد في هذا الكشك بعض آثار قليلة.

الكشك الغربي

تدل شواهد الأحوال على أن هذا الكشك قد أقيم في عهد الملك المروي المسمى أمانيخبال Amanikhabale الذي وجد اسمه على مخروط من البرنز عُثر عليه في جنوبي الكشك، ويلحظ أن الجهة الشرقية من هذا الكشك كانت رقعة الطريق الاحتفالي مرصوفة بقطع من الحصا.

وقد وجدت في الطريق الاحتفالي بين الكشك الغربي ومائدة القربان ذراع من البرنز الجميل له يد.

مائدة القربان

وجدت مائدة قربان مقامة من الحجر الرملي كالذي أقيم منه معبد «تهرقا» T، وتقع في اتجاه منحرف بعض الشيء بين الكشك الغربي والكباش التي عند مدخل المعبد T، وهذه المائدة أو المذبح موضوع فوق مبنى يصل إليه الإنسان بسلم عدد درجاته ثلاث عشرة، ثم يصعد بعدها الإنسان درجة أخرى إلى قمة هذا المذبح، وقد عُثر في خزانة مقامة تحت هذا السلم على نقش جاء فيه اسم الملك «تهرقا»، وقد يكون هذا دليلًا على أنه هو الذي وضع أساسه، ومن الجائز أن هذا المبنى في الأصل كان سدة وضع فوقها عرش الملك، ولا غرابة في ذلك؛ فقد جاء في الأزمان النباتية المتأخرة ذكر عرش من الذهب أو سلم في الكوة، وقيل إن الملك «نستاسن» كان يعلوه (Kawa II, P. 51) ويقعد عليه في الأحفال الرسمية.
وإذا كان عرشه قد وُضع على الطوار الذي سمي هنا مذبحًا فإنه لا بد كان يشغل مكانًا أرقى وأفخم من السدة التي وجدت في القاعة E بالمعبد T كما سنرى بعد، وعلى ذلك يُحتمل أنه لهذا السبب قد أظهر الملك نفسه للعيان على المذبح، وعلى ذلك فإنه من الجائز جدًّا أن كلًّا من الطوارين كان يحمل تماثيل للإله آمون، وعلى أية حال فإن تاريخ هذا المذبح أو السدة لا يزال يحوم حوله الشك.

حدائق المعبد T

دلت أعمال الحفر الأخيرة في الكوة على أنه كانت توجد حدائق في حرم معبد «تهرقا» خاصة به، فقد جاء في لوحة الكوة رقم ٤ سطر ٢٤ إشارة لمعبد T ما يأتي: «وأشجاره العدة قد غرست في الأرض، وبحيراته قد حفرت» وكذلك جاء في لوحة الكوة رقم ٦ سطر ١٩ … إلخ إشارة لمعبد T: ومستودعه كان مفعمًا، وموائد قربانه ممونة، وقد ملأها «أي تهرقا» موائد قربان للشراب من الفضة والذهب، والبرنز الآسيوي، وكل نوع من الحجر الثمين الحقيقي الذي يخطئه العد، وملأه بخدم عديدين، وعين له خادمات من زوجات زعماء الوجه البحري، وكانت الخمر تعصر من كروم هذه المدينة وكانت أغزر من خمرة «جس جس» «الواحة البحرية» وعين لها بستانيين مهرة من «منتيو آسيا» «أي بدو آسيا»، وبدهي مما سبق أن المعبد كان له ضيعة من نوع ما يحصل منها على ما يمده ويحفظ كيانه، وعبارة «كروم هذه المدينة» التي ذكرت هنا تدل على أن المعبد كان له حدائقه الخاصة في «الكوة». هذا ولا نعلم إلى أي حد كانت تمتد هذه الحدائق، ولكن مما لا شك فيه أن أجزاء حرم المعبد التي كانت خالية من المباني كانت تزرع، هذا فضلًا عن أن مساحات صالحة للزرع كان يمكن أن تكون على الشاطئ الغربي، وهو الآن مزدهر بالنباتات إذا ما قرن بالشاطئ الشرقي القاحل الذي أقيم عليه المعبد، يضاف إلى ذلك أن الأراضي المنخفضة التي في شرقي «جمأتون»، وحوض كرمة كانت تزرع في الأزمان القديمة.
وفي داخل السور الذي يحيط بحرم المعبد كان المنتظر أن يجد الإنسان أشجار نخيل ولبخ؛ لأن كلًّا منها له صلة بالإله «آمون» وقد جاء ذكرها بمناسبة الأشكال المصنوعة من الذهب في قائمة أعطيات الملك «تهرقا» للمعبد (Kawa III, 12-13) ففي السنة الثانية من حكم هذا الفرعون منح المعبد ١٢٠٠ حبة سرو (؟) (= عونت) وشجرة بخور، في حين أنه في السنة الثامنة نجد إشارة لكل نوع من الخشب: السنط «شنز» والأرز «عش» واللبخ «شواب» (راجع Kawa III, 21) وفي السنة التاسعة أشير كذلك إلى منح ألف حبة من السرو (؟) (راجع Kawa VI, 10).
هذا؛ وقد وجد صف حفر أشجار مبطنة بالطوب، لا تزال جذورها باقية في مكانها الأصلي، وفي نهاية هذا الصف كانت توجد بئر للري، وفي الجهة الشرقية وجدت حفرة شجرة محفوفة بالحجر وفيها جذور محفوظة تدل على أنها من نفس فصيلة اللبخ، هذا؛ وتدل الأحوال على أن البئر وحفر الأشجار التي كشف عنها في منطقة الموقع الثاني يرجع عهدها إلى العصر النباتي، وعلى ذلك تكون بقايا من حديقة «تهرقا»، ومن ثم يمكن الإنسان أن يؤكد عن ثقة أن حدائق معبد الملك «تهرقا» قد امتدت على الجانب الجنوبي للمعبد T وغربًا حتى بوابته تقريبًا، ولما كان الملك «تهرقا» قد أصلح المعبد A وأضاف قوائم الباب باسمه، فإنه من المحتمل أن المدخل لهذا المعبد كذلك كان داخل حدود حرم المعبد الرئيسي.
هذا؛ ولم يعثر على أثر للبحيرات الأصلية للمعبد T ولا بد أنها تقع في الجزء الذي لم يكشف عنه بعد، أما عن مصانع المعبد فلم يوجد لمبانيها الأصلية أثر، ومن المحتمل أنها كانت في الركن الشمالي الشرقي للسور حيث نجد مبنى مستطيلًا يؤرخ بالعصر النباتي، وهو يوازي جدار حرم المعبد، هذا؛ ويوجد عبر دهليز على جانبه الجنوبي مخازن الغلال.
هذا؛ وقد وجدت قطعة من قاعدة تمثال من الجرانيت أمام البرج الشمالي لبوابة المعبد T والمظنون أنها كانت مقامة أمام بوابة المعبد القديم الذي أقيم على أنقاضه المعبد T.

الكباش

يوجد على مقربة من غربي بوابة المعبد أربع قواعد لكباش؛ اثنتان على كل جانب من البوابة، ولا يزال يوجد كبشان من الجرانيت الرمادي في حالة حفظ جيدة، ويوجد أحدهما الآن في متحف «مروي» بالسودان (No. 50)  (Khartoum No, 2682)، ويوجد الآخر في المتحف البريطاني (No. 1779).

ويلحظ أن كلًّا منهما يجثم على قاعدة من الجرانيت ويحيط بمخالبه الأمامية تمثال صغير واقف للملك «تهرقا»، ويشاهد في رأسه ثقب ليوضع فيه سبخ ليحمل لباس الرأس، ويحتمل أن ذلك كان قرص الشمس وقرنين ملويين.

وقد نقشت أسماء الملك «تهرقا» حول قاعدة كل منهما، وكذلك يوجد كبشان آخران من نفس الطراز (O473)، (O497) نصبا في الردهة الأولى للمعبد على جانبي مدخل قاعة العمد، ولا يختلف الواحد منهما عن الآخر إلا قليلًا.

(٢-٤) معبد «تهرقا» في جمأتون «الكوة»

إن معبد الفرعون «تهرقا» المعروف عند الأثريين بمعبد T ويطلق عليه بالمصرية القديمة «بر-أمن-جم-آتن» (= بيت آمون صاحب جمأتون) يبلغ طوله ٦٨٫٥ مترًا وعرضه ٣٨٫٧ مترًا أو ١٣٠ ذراعًا × ٧٤ ذراعًا، وقد أقيم من حجر رملي أصفر داكن وطوله هو نفس طول معبد «تهرقا» الذي أقام قواعده في «صنم» أبو دوم، وأطلق عليه اسم «آمون رع ثور أرض القوس»، والمعبدان بينهما وجه شبه كبير جدًّا من حيث التصميم، والفرق الرئيسي بينهما هو أن معبد «صنم» له بوابتان ومعبد «الكوة» له بوابة واحدة، كما أن سلالم المعبدين تختلف في موضعها، هذا إلى أنه في حين نشاهد محراب «تهرقا» في قاعة العمد في «صنم» قد أقيم بين أربعة عمد في الممر الشمالي وتسدها تمامًا، نجد أنها في معبد «الكوة» تبرز خلف العمد نحو الشرق ونحو الغرب، والظاهر أن معبد «صنم» قد بُني في زمن متأخر عن معبد «الكوة»؛ إذ إنه في الواقع صورة منه أدخل عليها تحسينات وتنسيقات.
وقد قرر «تهرقا» أن يقيم هذا المعبد في السنة السادسة من حكمه ٦٨٤ق.م وأرسل صناعًا مهرة مع مهندسي عمارة لهذا الغرض من «منف»، وكانت النتيجة أن أقيم معبد مصري خالص بنقوش حفرت بعناية بأسلوب نماذج مناظر الدولة القديمة دون أن يشوبها شائبة من شوائب جنون التقتيل والوحشة السودانية التي كانت قد نسبت إلى عمله في «نباتا».٢٤
ومما يطيب ذكره هنا أن ما لدينا من مناظر أثرية محفورة من عهد الأسرة الخامسة والعشرين قليل جدًّا، كما أن عدد ما نشر منها قلة أيضًا، ولذلك فإن سلسلة المناظر التي في هذا المعبد تعتبر ذات قيمة أثرية على الرغم مما أصابها من التهشيم والتدمير، وأهم هذه المناظر بلا نزاع تمثيل الملك في صورة بولهول يدوس بأقدامه اللوبيين، وهي كالتي عثر عليها في معبد الوادي للملك «سحو رع» وغيرها، وكذلك موكب خدام المعبد والمغنين الذين صوروا على الجدارين الجنوبي والغربي لقاعة العمد.٢٥

هذا؛ وقد بقيت لنا في هذا المعبد صورة كاملة أقل أهمية وأصغر حجمًا على عوارض مدخل الأبواب وفي نقوش محراب الملك «تهرقا».

ويلحظ أن بوابة المعبد مهشمة من كل جوانبها الأربعة ويوجد في واجهتها الغربية مكان أربع قنوات كان يوضع في كل جانب منها علمان، وكان النقش الذي على هذه الواجهة يتألف من خمسة صفوف من المناظر، غير أنه لم يبقَ منها إلا صف وبعض صف، فيشاهد على قائمة البوابة اليسرى الملك «تهرقا» يؤدي شعيرة قربان يقدمه الملك أمام الإله «آمون رع» صاحب «جمأتون»، والمناظر التي على الجهة اليمنى من البوابة تشبه السابقة التي على الواجهة اليسرى، فنشاهد في الصف الأسفل الملك «تهرقا» لابسًا تاج الوجه البحري ويؤدي شعيرة القربان إلى «آمون رع» صاحب «جمأتون» برأس كبش، وفي الصف الذي فوق ذلك يشاهد «تهرقا» يقدم صورة العدالة لوالده لأجل أن يمنح الحياة مثل رع أبديًّا، والإله هنا هو «آمون» صاحب «نباتا» لابسًا قرص الشمس والصِّلَّين وريشًا طويلًا، وفي الصف الثالث يشاهد «تهرقا» يقدم للإله «بتاح» المحنط القاطن جنوبي جداره ورب «عنخ تاوي» (منف) قربانًا وهو واقف على قاعدة.

وعندما يمر الإنسان من البوابة يدخل ردهة مكشوفة، وكان سقفها في الأصل حول حافتها مستندًا على ستة عمد على صورة جريد النخيل في الجهتين الشمالية والجنوبية، هذا بالإضافة إلى عمود في كل من النهايتين لترتكز عليهما الخارجة عبر بابي الردهة، وبذلك يكون في الردهة ١٦ عمودًا.

ويشاهد على كل من النصف الشمالي والجنوبي للجدار الغربي للردهة الأولى صورة هائلة للملك في هيئة بولهول يدوس الأعداء الأجانب بأرجله، ويلفت النظر في هذا المنظر وجه الشبه الكبير لما نجده من أمثاله منقوشًا في عهد الدولة القديمة في معابد الوادي للملوك «سحو رع» في «أبو صير» «وبيبي الثاني» في سقارة٢٦ وفي هذا دليل كافٍ يوحي بأن الصناع الذين كانوا يعملون في معبد «الكوة» قد أحضروا من «منف»، والواقع أنه توجد تفاصيل لا تزال يمكن رؤيتها في صور الدولة القديمة، ولكنها لا تُرى في معبد «الكوة» هنا، غير أنه توجد غالبًا آثار تدل على أنها كانت موجودة وقريبة الشبه، فمن تلك ما نشاهده في الصورة التي على الجانب الشمالي للبوابة (Pl. IX A) وفي مناظرالملك «نوسر رع»، وأقل من ذلك تقاربًا في الشبه ما نشاهده في المنظر الذي على الجانب الجنوبي (Pl. IX b) في نقوش «سحو رع»، فالنقوش التي على الجانب الجنوبي تمثل الملك بوصفه بولهول، وهو ضخم يرتدي شعرًا مستعارًا وَصِلًّا ولحية وطوقًا، أما في «سحو رع» فنلحظ أن جسم بولهول مزيج من أسد وصقر، ولما كان رأس الشكل مفقودًا فإنه ليس لدينا ما يؤكد إذا كان بولهول هنا برأس صقر أو برأس إنسان، ويلحظ هنا كذلك أن الجسم هو لأسد فقط والرأس لآدمي.
ويدوس بولهول تحت أرجله ثلاثة أجانب، وهؤلاء قد وضحوا من حروبهم في الدولة القديمة بأنهم لوبي وآسيوي وبنتي «من بلاد بنت»، وقد ميز اللوبي بكيس عضو التذكير والمتن الذي يفسر المنظر هو «دوس كل الممالك الأجنبية»، وأمام الأسير اللوبي قيل عن بولهول الملكي: إنه أخذ أسرى كل قطعانهم وماشيتهم، وفوق هذه الكلمات ثلاثة ثيران، وهي آخر صف من سلسلة صفوف من الحيوانات التي استولى عليها مرتبة في صفوف، ويمكن مشاهدة نفس ذلك في منظر معبد الملك «سحو رع» غير أنه في هذه الحالة يظهر أكثر اتقانًا، ومن المحتمل أنه كان هناك متسع لصورة الإلهة «سشات»٢٧ تدون عدد الأسرى كما هي الحال في مناظر الملك «سحو رع».
ويأتي بعد ذلك عمود من النقوش، قد «هشم» البلاد الأجنبية التي ثارت وجعلهم شبه الكلاب «أي إما أنهم كانوا يمشون مطيعين عند كعبي سيدهم أو أنهم كانوا يتسللون خوفًا»، ونجد نفس هذا المتن في صورة أتم على باب قاعة العمد (Pl. XI, a, b) وهاك ما بقي منه: «لقد ذبح التمحو، وصد الآسيويين وفتت الممالك الأجنبية التي ثارت، وجعلهم يمشون مشية الكلاب وسكان الرمال يأتون والإنسان لا يعرف مكانهم خائفين من وحشية الملك»، ومن ثم فإن هذه العبارة الأخيرة تذكرنا بأخرى جاءت في تعاليم «أمنمحات٢٨ الأول»: «لقد جعلت الآسيويين يمشون مشية الكلاب» وهي بلا شك اقتباس استعمل هنا لبلاغته، ومهما يكن من أمر فإن العثور على كلمات من هذا القبيل في متون «الكوة» يؤكد لنا احتمال أن هذه التعاليم كانت شائعة الاستعمال في العهد الكوشي، وبعبارة أخرى كان العهد الكوشي عهد نهضة جديدة ترمي إلى الرجوع لإحياء القديم، وهذا نلحظه في وجوه كثيرة من وجوه الحياة المصرية في العهد الكوشي.
ونجد فضلًا عن ذلك في الجهة اليمنى من هذا المنظر صفين من المناظر (Pl. IX. B) ففي الصف الأعلى تقف إلهة الغرب وعلى رأسها علامتها الخاصة بها، ونجد ذلك في «سحو رع» مع بعض الاختلاف البسيط، ويصحب إلهة الغرب صورة إله في هيئة تمساح، ويقابل ذلك في نقوش «سحو رع» الإله «عاش» سيد «تحنو» برأس إنسان، ويشاهد في الصف الأسفل ثلاثة من اللوبيين واقفين «شابان وامرأة» يحملون الأسماء الآتية بالتوالي «وسا»، «وني»، «وخوت-أتس» ومما يلفت النظر هنا بصورة خاصة أن هذه الأسماء نفسها قد ظهرت في نقوش «سحو رع» «وبيبي الثاني» وكذلك يلحظ في منظر الدولة القديمة كما هي الحال هنا (Pl. IX A) أن الذكرين قد رسما أصغر من الأنثى.

وهذا المنظر قد كرر ثانية على الواجهة الشرقية من الجناح الشمالي للبوابة، غير أنه مختلف بعض الشيء، وكذلك في معبد الملك «نوسر رع» كان ترتيب الأشخاص مماثلًا لذلك إلا في بعض التفاصيل.

ويشاهد الملك في مناظر النهاية الغربية للجدار الشمالي مغادرًا القصر يسبقه أربعة أعلام ويواجهه الكاهن «إيون مونف» (عمود أمه)، وعلى يمين هذا المنظر يشاهد الملك يطهره «حور» «وست» أو «حور» «وتحوت».

نصل بعد ذلك إلى الباب الشمالي للردهة، ويحيط به نقوش من الجانبين، فالنقوش التي على الجانب الأيمن (Pl. XII, A left) … «رب» الأرضين السيد الذي ينجز ابن رع «تهرقا»، لقد بنى معبد والده «آمون رع» (صاحب جمأتون) … لقد جعل الإله يأوي داخل بيته في مكانه الجميل الأبدي، لأجل أن يمنح «أي تهرقا» الحياة مثل «رع» سرمديًّا. وعلى الجاني الأيسر للباب نجد مثل هذا النقش مع اختلاف بسيط.
وعلى يمين الباب الشمالي يوجد جزء من منظر يشاهد فيه يد الملك في يد الإله (Pl. XII, A)، والنقوش التي على الأوجه الغربية للنصفين الشمالي والجنوبي من الجدار الشرقي للردهة الأولى (Pl. XI b, & XI A) موحدة تقريبًا وتمثل الملك يضرب أمام الإله جماعة من الأمراء الأجانب الذين أُخذوا أسرى.

والجدار الجنوبي للردهة فيه باب في الوسط، والنقوش والمناظر التي على جانبيه مهشمة، ولكننا نتحدث عن أعمال «تهرقا» في تأسيس المعبد في جمأتون، وعلى ذلك فإن «آمون رع» يعطيه مكافأة على عمله هذا بلاد الدلتا والوجه القبلي مثل «رع» أبديًّا.

وفي الجهة الغربية من الباب يشاهد الملك ماشيًا تسبقه صورة أنثى بذراعيها ممتدتين إلى الخلف وبيديها عصوان، ويواجه الملك إلهًا وإلهة، والظاهر أن هذا المنظر له علاقة بوضع أساس المعبد، ويشاهد خلف الملك صفان من الرموز الواقية التي تشاهد عادة في احتفال وضع أساس المعابد وأعياد «حب سد» (العيد الثلاثيني).

وفي الجهة الشمالية من الجانب الأيسر لمدخل البوابة توجد لوحة كبيرة من الجرانيت (Inse VII) للملك «تهرقا»، وتحتوي على قصة افتتاح «تهرقا» لمعبده في السنة العاشرة من حكمه، وقد عثر عليها مسندة على الجدار، وبجانبها من الشمال كانت توجد لوحة أخرى (Inser III) دون عليها هبات «تهرقا» لمعبد جمأتون من السنة الثانية من حكمه حتى السنة الثامنة، وكذلك يتحدث فيها عن تمكين المعبد، وكذلك وجدت لوحتان أخريان مسندتان على الجدار المقابل «الجدار الشرقي النصف الشمالي» فاللوحة التي كانت في الشمال (Insc. VIII) خاصة بالملك «أنلاماني» وهي من صناعة لا تكاد تقل عن صناعة لوحات «تهرقا» من حيث الجودة، ولكن كسر منها جزء كبير، وعلى يسارها لوحة أخرى من الجرانيت (Insc. V) يرجع تاريخها إلى السنة السادسة من حكم «تهرقا»، وقد دلت نقوشها على أنها صورة من لوحة «تانيس» ولوحتي «قفط» «والمطاعنة» الخاصتين بالفيضان العظيم الذي حدث في عهد «تهرقا»، وكذلك وجدت مسندة على النصف الجنوبي للجدار الشرقي للردهة لوحة فاخرة من الجرانيت (Insc. IV) عن نفس السنة السادسة من حكم «تهرقا»، وتقص علينا بناء المعبد، وهذا المتن قد ظهر كذلك أن له أهمية تاريخية؛ إذ أوضح لنا صلة «تهرقا» بأخيه «شبتاكا»، وقدم لنا اسم ملك لم يكن معروفًا من قبل وهو الزعيم «آلارا» الذي كان جدًّا للملك «تهرقا»، ويحتمل أنه كان أخًا للملك «كشتا» وزوجًا للعمة الثانية للملك «تهرقا».
وكان يرتكز على النصف الجنوبي من الجدار الغربي للردهة لوحة أخرى من الجرانيت (Insc. VI) دون عليها أعطية أخرى قدمها «تهرقا» في السنين الثامنة والتاسعة والعاشرة من حكمه، ولكنها وجدت ملقاة على الأرض، ولحسن الحظ لم يفقد من المتن إلا اليسير، هذا؛ وتدل قطع من الجرانيت (انظر ٠٤٧٦) وجدت في الركن الجنوبي الشرقي على أن سلسلة من النقوش الأثرية استمر وضعها هنا بوساطة الملك «أسبلتا».

وقد وجد زوج من الكباش مصنوع من الجرانيت على قاعدة عالية على جانبي مدخل قاعة العمد، ويوجد واحد منها الآن في متجف «أشموليان» وهو مهشم بعض الشيء، والآخر وهو سليم تقريبًا محفوظ في متحف «مروي» بالسودان.

ويلحظ أنه قد أقيم بين العمد في الردهة عدة حجرات من اللبنات، وكلها من عصر متأخر بطبيعة الحال.

وقد وجدت في أنحاء الردهة قطع عدة من جدران المعبد ملقاة على الأرض ومعظمها من مباني «تهرقا» الأصلية، ولكن وجدت قطع أخرى من العصر المروي وعليها طغراءات للملك أكنيداد Akinidad  (Insc. 105 Vol, I Pl. 58) والملك أمانيشاختي Amanishakhte  (Insc. 106 Vol, I Pl. 35) ومن القطع التي عليها نقوش من عهد «تهرقا» (٠٧٩٦) منظر يمثل خيالًا محفورًا حفرًا غائرًا (Pl. I) يقوده فردان واحد منهما يقود الجواد والآخر يحمل لفة حبال، ويلحظ أن الجواد يلبس قبعة تقيه حر الشمس، وفي هذا دليل آخر على عناية الكوشيين بالخيل والرفق بها، ويُشاهد الفرعون يؤدي شعيرة قربان يُقدمه الملك على الوجهين الغريبين لعارضتي باب مدخل قاعة العمد، ويلبس على الجانب الشمالي تاجًا يجمع بين تاج أتف والتاج الأحمر، وعلى الجانب الجنوبي يلبس التاج الأحمر فقط، وقد كتب بين ساقيه الكلمات التالية: «كل فرد يدخل المعبد يجب أن يكون مطهرًا.»
وعندما يدخل الزائر قاعة العمد يشاهد نقوشًا للملك أمان … سابراك على الوجه الجنوبي لعارضة الباب الشمالية، وأسفل من هذه نقشان للملك أمان-نتي-يريك، (Nos. X, XI) هذا بالإضافة إلى كبش آمون بنقوش غائرة.
وكذلك نجد على الوجه الشمالي للعارضة الجنوبية (Vol. I, Pl. 20) نقشًا للملك «أمان-نتي-يريك».

وفي الداخل على الجدار الغربي لقاعة العمد يشاهد أن باب الدخول قد حدد من الشمال والجنوب بشريط عليه سطران من النقوش جاء فيهما إطراء للآلهة آمون وتهرقا … الذي برأ الأرض وصنع الماء، والذي أوجد الفيضان وأنشأ المدن وفتح المقاطعات، والذي صنع … للآلهة، والذي صنع ما يرغبون فيه، والذي أنجز الأعمال لهم بدون «انقطاع» لأجل أن يمنح الحياة.

وقاعة العمد هذه كانت مسقوفة وتحتوي على ثمانية عمد تيجانها على هيئة جريد النخيل في الجهة الشمالية وثمانية عمد أخرى في الجهة الجنوبية (Pls. LI. LII)، وجدران هذه القاعة الشمالية والغربية والجنوبية قد مُثِّل عليها سير الاحتفال بسفينة الإله. وهذا الاحتفال قد قسم أربعة أقسام، ويبتدئ القسم الأول من الاحتفال عند الجدار الشمالي (Pl. XIV A) من نقطة تقع غربي جدار الملك «أسبلتا» وينتهي الجزء الرابع منه عند مدخل قاعة العمد في الجهة الجنوبية من الردهة الأولى، والصور في هذا الجزء تسير إلى اليسار، وعندما وجدت كانت سليمة تمامًا، وهذا الجدار يحتوي على المنظر الفريد الذي يمثل فرقة المعبد التي تحتوي على نفاخين في الأبواق وطبالين وضاربين على الأعواد ومغنين، وعندما كشف عنها أطلق عليها جدار الموسيقارين.
ولما كان الجزء الرابع من الموكب؛ أي الذي على الجدار الذي مثل عليه الموسيقارون هو أكمل جزء في هذا الاحتفال فإنه من المستطاب أن نَصِفَه أولًا؛ ويبتدئ بمنظر على الجدار الجنوبي للردهة مُثِّل فيه الملك بصورة ضخمة (Pl XV b) مرتديًا قميصًا طويلًا وشريطًا يتدلى منه خيطان ينتهيان بهدابات، وينتعل حذاء ملكيًّا وجلد فهد ويحمل في يده عصا طويلة، ويتبع الملك كاهن يتقلد عقد منات وقميصه يصل إلى ركبتيه، وهذا الكاهن هو رئيس المرتلين ويحمل في يده لوحته، وعند هذه النقطة يعترض المنظر الباب الجنوبي للقاعة الذي يكنفه عمود على كلا الجانبين وسطر من الكتابة جاء فيه: «الإله الطيب، رب الأرضين، السيد الذي ينجز، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، «خو رع نفر تم» بن رع ليته يعيش أبديًّا»، ويأتي بعد ذلك على يمين الباب (Pl. XV c) أربعة كهنة يحملون مواقد مشعلة، ويلبس كل واحد منهم قميصًا قصيرًا، ويلحظ أن الأول يحمل موقدًا واحدًا قصيرًا، أما الثلاثة الباقون فيحمل كل واحد موقدين طويلين.
ينتقل الموكب الآن إلى الجدار الذي مثل عليه الموسيقارون (Pl. XIVb) ونجد مصورًا عليه كاهنًا آخر مماثلًا للسابقين، ثم يأتي بعد ذلك اثنان من النافخين في الأبواق (٨، ٩) ويحمل كل منهما بوقين، والأول منهما وضع أحد البوقين على فيه، والثاني يحمل بوقا في فيه إلى أعلى وآخر إلى أسفل، ويأتي بعد ذلك طبال يطبل على شكل البرميل، وهو يشبه الطبول التي نشاهدها حاليًّا في ريف مصر وبلاد النوبة، وكثيرًا ما تشاهد في الرقص الزنجي، ويوجد في متحف «مروي» طبل من هذا الصنف.

ويعقب ذلك مُغَنٍّ حافي القدمين يضع يده على أذنه كما هي الحال الآن عند قُرَّاء القرآن والمغنين في الأرياف، ويلبس جلبابًا طويلًا ويقبض على وسط الطبال الذي أمامه بيده، ويحتمل أن ذلك لأنه أعمى ونقش معه العبارة التالية: «مغني العود»، ويأتي بعده طبال آخر، ثم نشاهد بعد ذلك الضارب الأول على العود وفي يده عود ذو سبعة أوتار يضرب عليه بأصابع اليدين، يتبع ذلك مُغَنٍّ ثانٍ، فضارب على العود يضرب عليه بيده اليمنى فقط، وفي خلف الموكب يأتي ثلاثة من خدم المعبد يلبسون أحذية، وبذلك يميزون عن الموسيقارين الحفاة الذين مثلوا أمامهم، وهؤلاء يحملون على ما يظن أبواقًا أو قرونًا للنفخ فيها.

والموكب الثالث حفظ لنا منه جزء يبتدئ على الجدار الجنوبي للردهة (Pl. XVa) ويشاهد في اللوحة بعد صورة ممحوة ستة أشخاص سائرين، أولهم يلبس زنارًا طويلًا له هدابات، والظاهر أن هؤلاء كانوا يحملون القارب المقدس، ويأتي خلف هؤلاء كاهن ذو رتبة عالية يلبس جلد الفهد، ثم يعقبه حامل مروحة أو علم يتبعه خمسة يحملون مؤخر القارب، ثم كاهن يلبس جلد فهد وآخر ينتهي به الموكب الثالث.

والموكب الأول يحتوي على موسيقارين يشبهون أولئك الذين شهدناهم في الموكب الرابع، هذا مع العلم أن معظم الصور هنا لم يبقَ منها إلا جزء بسيط من أسفل؛ أي إن الجزء الأعلى معظمه قد ضاع.

والموكب الثاني ويوجد في الركن الشمالي الشرقي للقاعة وهو يقابل الموكب الثالث، ولم يبقَ من صوره إلا أرجل المشتركين فيه.٢٩

هذا؛ ويلحظ أن أجزاء من هذه المناظر قد وجدت بحجم أصغر مع اختلاف بسيط في معبد «صنم أبو دوم» الذي يعد صورة من المعبد الذي نتحدث عنه هنا.

محراب الملك «تهرقا» Pl. 16, see. Pls. 41 A and LV c

أقيم هذا المحراب في النهاية الشرقية للنصف الشمالي من قاعة العمد بين العمد ٣، ٤، ٧، ٨ وكان سقفه عند الكشف عنه في داخل هذا المعبد لا يزال في مكانه، وأوجهه الأربعة كانت محلاة بالنقوش تمثل الملك «تهرقا» أمام آلهة مختلفين، وقد عثر في معبد «صنم أبو دوم» على محراب للملك «تهرقا» بنفس وضع هذا المحراب، ولكن المحراب في «صنم أبو دوم» لم يبقَ منه إلا المداميك السفلية، هذا بالإضافة إلى أنه قد وضع بصورة منتظمة داخل العمد الأربعة بخلاف محراب معبد «الكوة» فإنه يبرز منها، وتدل شواهد الأحوال على أن معبد «الكوة» قد أقيم أولًا؛ وذلك لأن أوقاف معبد «جمأتون» كانت قد بدأت بعد توليه الملك في مصر، ومن هناك أرسل الصناع من منف، ولا نزاع في أن معبد «الكوة» قد أقيم على ما يظهر في أوج سلطان «تهرقا» كما يظهر ذلك من مبانيه وما فيها من اتقان ونقوش خلابة من إنتاج أيدٍ مصرية مدربة، في حين أن معبد «صنم» لا بد قد أقيم في زمن كان فيه ضغط الآشوريين شديدًا على مصر، فكانت البلاد في حالة اضطراب، ومن أجل ذلك كان من المحتمل أن الأيدي التي أقامته غير الأيدي المصرية المدربة.

هذا؛ وتدل الظواهر على أن هذا المحراب كان قد أضيف بعد إقامة قاعة العمد في حين أنه في معبد «صنم» كان جزءًا من التصميم الأصلي للمعبد، وهذا دليل آخر على قِدَم معبد «الكوة» عن معبد «صنم أبو دوم»، وباب هذا المعبد ضيق ويقع في الجهة الجنوبية بين العمودين السابع والثامن من قاعة العمد.

وقد انتزعت نقوش محراب معبد «جمأتون» بالكوة، وأقيمت في متحف «أشموليان» بأكسفورد، وقد سهل ذلك على ما يقال درس كيفية بناء هذا المحراب، وداخل المحراب كان مكسوًّا بالأحجار، ولكنه عار من النقوش والمناظر.

وحول كرنيش المحراب إفريز من النقوش البارزة تبتدئ بعلامة الحياة فوق وسط الباب في الجنوب وتنتهي عند وسط الجدار الشمالي، وقد جاء فيها: يعيش حور المسمى «قا-خعو»، والسيدتان المسمى «قا-خعو»، وحور الذهبي المسمى «خو تاوي»، ملك الوجه القبلي والوجه البحري المسمى «خو رع نفر تم»، ابن رع «تهرقا» ليته يعيش أبديًّا ابن «آمون صاحب جمأتون» الذي أنجبه والذي ولدته «موت» سيدة السماء، إن والده «آمون رع» سيد عروش الأرضين قد اختاره من بين ملايين الرجال بوصفه إنسانًا رغبته هي بناء معبد وإصلاح المقاصير، والمكافأة التي عملها على هذه الأشياء هي منحه كل الحياة والثبات والسعادة لنفسه والصحة لنفسه والسرور لنفسه والظهورعلى عرش «حور» «مثل رع أبديًّا». هذا؛ ولدينا نقش آخر مماثل ولكنه أصغر منه على الجدار الجنوبي … إلخ، وتدل بعض المباني هنا على أن «أسبلتا» قد عمل إصلاحات في هذا الإفريز.

ويُشاهد «تهرقا» على الجانب الغربي من باب المحراب (Pl. XVIIa) يعانقه الإله «حور أختي» برأس صقر، وعلى الجانب الشرقي من الباب يشاهد الملك يعانقه الإله «آتوم» لابسًا التاج المزدوج، ويُرى على الجدار الغربي (Pl. XVIIe) الملك «تهرقا» يقدم صورة العدالة لوالده «آمون» لأجل أن يمنحه الحياة، وهذا الاحتفال كان رمزيًّا، ويقصد به الملك أنه سيحافظ على نشر العدالة، وقد كتب معه: ملك الوجه القبلي والوجه البحري سيد الأرضين والسيد الذي ينجز «تهرقا» ليته يعيش أبديًّا «وآمون رع صاحب جمأتون» أنه يمنح كل الحياة وكل السعادة.

هذا؛ ويوجد مع الإله آمون في هذا المنظر الإله «ساتيس» والإلهة «أنوكيس» (عنقت صاحبة جزيرة سهيل) وهذا يدل على توحيده مع الإله «خنوم» الذي يمثل في صورة كبش، ويعد الإله الحارس لإقليم الشلال الأول، وهاتان الإلهتان هما زوجتاه، وقد كان الإله «خنوم» منذ زمن بعيد الإله الحارس للمستعمرات المصرية التي في أقصى الجنوب.

وتدل النعوت الحربية التي وصف بها مثل «المقاوم للأقواس» «والضارب لسكان الرمال» (Temple of Samnah, Urk. IV, 194) على أنه كان الحامي للقوات الحربية المصرية في تقدمها جنوبًا لفتح بلاد النوبة، وتدل نقوش معبد «سمنة» على أنه في عهد «سنوسرت الثالث» كان الإله «خنوم» قد ذهب معهم إلى ما وراء الشلال الثاني، وأنه كان قد وضع هناك على قدم المساواة مع إله «واوات» المحلي «ددون»، ومن المحتمل أنه كان قد وصل فعلًا إلى الشلال الثالث مع المصريين الذين أسسوا المستودع التجاري في «كرمة» (L. D, III, 74a 56 b).

وعندما امتدت الفتوح المصرية حتى الشلال الرابع في أوائل الأسرة الثامنة عشرة كان الإله المسيطر على القوات المصرية وقتئذٍ الإله «آمون» الذي تقمص صورة كبش، كما كان قد اعترف به وقتئذٍ بأنه إله الدولة المصرية، ومن ثم فإنه عندما كانت تؤسس بلدة جديدة في بلاد النوبة ومعها معبدها من أول مدينة «نباتا» إلى أسفل كان «آمون» يصبح الإله المحلي لها والمسيطر عليها، وعلى ذلك نجد أن صفة الإله الذي في صورة كبش قد امتزجت بالإله «آمون»، غير أن كيانه الأصلي نلحظه في وجود زوجتيه «ساتيس وأنوكيس» كما هي الحال في المنظر الذي وصفناه هنا، ولكن يلحظ هنا أن الثالوث المعتاد في هذه الحالة قد زيد فيه، وذلك أن الإلهة أنوكيس «عنقت» قد قسمت شخصيتين إحداهما تسمى «أنوكيس نثي» والأخرى تسمى «أنوكيس با»، وهذه ظاهرة منقطعة القرين في الآثار المصرية على ما أعلم، ولذلك تحتاج إلى تفكير طويل وبحث عميق.

ويشاهد «تهرقا» مصورًا على النصف الغربي للجدار الشمالي (Pl XVII c) مرتديًا نفس الملابس التي يلبسها على الجدار الغربي، وهو ينفث في رموز الحياة والنبات والأبدية من صولجان الإله «نفر توم حور أخني» الذي أمامه بملابس الرأس الخاصة به، وهي زهرة البشنين والريشتان وشعره المستعار الطويل … إلخ، ويتبع هذا الإله الإلهة «سخمت» التي مُثِّلت برأس لبؤة، وتلقب «سخمت العظيمة (؟) محبوبة بتاح»، هذا إلى مواقف أخرى يظهر فيها «تهرقا» أمام الإله «آمون» وثالوثه.
محراب أسبلتا: ويلحظ خلف وشمالي محراب الملك «تهرقا» أن المساحة التي بينه وبين الجدار الشمالي للردهة قد حولت إلى محراب ثانٍ للملك «أسبلتا»، وذلك بإضافة جدار رفيع (PI. LVII) يحتوي على باب يمتد شمالًا من العمود الثالث حتى جدار الردهة وكرنيشه أقل ارتفاعًا من محراب «تهرقا»، وهذا الجدار الذي أقامه «أسبلتا» من الحجر الرملي الأحمر قد اتضح عند فكه لنقله إلى أكسفورد أنه هش، وقد أقام «أسبلتا» في «صنم» محرابًا مشابهًا لذلك، ويشاهد في «الكوة» منظر على الجدار الغربي في جنوب المدخل (PI. XVIII A) نقش بالحفر البارز مثل فيه الملك «أسبلتا» يقدم رمز العدالة لوالده «آمون» ليمنحه الحياة.

ويرتدي «أسبلتا» لباس الرأس النوبي برباط مسبل له ذيلان على الظهر ويعلوه صِلَّان ورأس كل منهما يرتدي تاجي الوجه القبلي والوجه البحري ويلبس في الأذن وحول الرقبة تعاويذ صغيرة في هيئة رأس كبش، وذراع الملك اليمنى تمتد إلى الأمام وتحيط بها أسورة، والذراع اليسرى خارجة من تحت جلد الفهد تقبض في اليد صورة الإلهة «ماعت» جالسة في إناء، وقد وُجد معها نقش مهشم، وقد مثل أمام الفرعون الإله «آمون رع» قاعدًا على عرشه وتقف خلفه الإلهة «أنوكيس نثي»، وقد خاطب آمون الملك في هذا المنظر بالكلمات التالية: كلام آمون رع الكبش على البلاد الجنوبية والذي في «جمأتون»: يا بني المحبوب «أسبلتا»، إني أمنحك القوة في يوم الموقعة، وإني أوحد لك الأرضين في سلام لك، وإني أمنحك الحياة حتى عنان السماء وعرض الأرض مثل «رع».

ونطقت «أنوكيس» (عنقت) بالكلمات الآتية: «إني أمنحك كل السرور».

وقد حدد باب محراب «أسبلتا» من اليمين ومن الشمال بأعمدة من الكتابة لم يبقَ منها إلا الجزء الأسفل الذي تمكن قراءته … «مر-كا-رع» (اسم العرش) «محبوب آمون» معطي الحياة مثل «رع أبديًّا». هذا؛ ويشاهد «أسبلتا» على يسار الباب يلبس ريشًا وَصِلًّا مزدوجًا، ويُحتمل أنه يقوم بشعيرة «قربان يقدمه الملك».

وعلى ظهر الجدار (PL. XVIIIb) مثل الملك «أسبلتا» لابسًا الملابس التي كان يلبسها في الوجه الآخر من الجدار، هذا بالإضافة إلى أنه يحمل «قرني كبش» رمزًا إلى أنه من نسل «آمون» ويقبض في يده اليمنى على علامة الحياة، ويتسلم بيده اليسرى علامتي الحياة والثبات مجتمعتين، كما يتسلم الصِّلَّين اللذين يرمزان للملكية، وهذه كانت تقدم له من على طرف صولجان الإله «آمون».

أما «آمون» فكان يرتدي قرص الشمس والريش الطويل. والمتن الذي يصحب ذلك هو: «ملك الوجه القبلي و«الوجه البحري» مر-كا-رع بن رع، «أسبلتا محبوب آمون» معطي الحياة. كلام «آمون رع» سيد عرش الأرضين: يا بني المحبوب «أسبلتا»، إني أمنحك أن تنفق (؟) ملايين السنين وإني أمكن (؟) رأسك أبديًّا.»

ويلحظ في هذا المنظر أن «آمون رع» كانت تتبعه الإلهة «موت»، وقد سميت «موت عين رع» معطية الحياة، وقد خاطبت الملك بقولها: «إني أمنحك عرش رع ووظيفة الإله خبري ومملكة أتوم والحياة … القوة … والصدق مثل رع أبديًّا.»

وتدل شواهد الأحوال على أنه قد حدث حريق في هذه البقعة من المعبد، وقد وجد الحفارون الأحداث كمية هائلة من البرنز في أنقاضها، والظاهر أن هذا الحريق حدث بعد عهد بترونيوس القائد الروماني حوالي عام ٢٣ق.م.

ننتقل بعد زيارة محراب «أسبلتا» إلى القاعة التي تسبق قدس الأقداس؛ أي قاعة العمد الثانية، والأوجه الغريبة لقوائم باب هذه القاعة «بروناوس أو قاعة العمد الثانية» (PI LIX) رسم عليها «تهرقا» يؤدي شعيرة تقديم القربان أمام «آمون رع» صاحب جمأتون برأس كبش (PI. XVI c, d) ويلبس الملك في هذا المنظر التاج الأحمر مع التاج أتف محلى بالصِّلِّ المزدوج في حين أن «آمون رع» يلبس قرص الشمس وَصِلًّا واحدًا، ونقش أمام الملك: «كل فرد يدخل المعبد يجب أن يكون مطهرًا.» وكان يكنف الباب من الداخل أعمدة من النقوش غير أن معظمها قد محي، وتحتوي هذه القاعة على أربعة عمد، وكل النقوش التي على الجدران باستثناء المناظر التي على الجدار الشرقي تمثل الملك يقدم لآلهة مختلفة.
وتحتوي هذه القاعة على حجرات صغيرة جانبية وهي الحجرة J والحجرة H، وتفتح على الحجرات T وF وG في الجهة الشمالية وعلى الحجرتين D وE التي تفتح على الحجرة A في الجهة الجنوبية، وجدران هذه الحجرات قد مثل عليها مناظر عادية للملك وهو يقدم القربان. ويلحظ أن الحجرة D تحتوي على أربعة عمد تيجانها على هيئة النخلة، والحجرة A الواقعة خلف المحراب ضيقة ومهدمة ولم يبقَ من نقوشها إلا القليل جدًّا.
قدس الأقداس: يشاهد على واجهتي قائمتي باب المحراب من جهة الغرب (Pls. XXVII b, d) منظر يمثل الملك «تهرقا» يؤدي شعيرة تقديم القربان الملكي للإله آمون، ويلحظ أن هذا المنظر قد مثل على أبواب المعبدين A وT المحورية، ويلفت النظر هنا أن معظم نقوش هذا المحراب قد محيت أو هدمت.
المناظر التي على جدران المعبد الخارجية: مما يؤسف له أن معظم ما بقي من الجدران الخارجية للمعبد مهدم، ويحتوي على مناظر ناقصة ومتون مشوهة، وهذه المناظر تمثل في جملتها الملك يقدم البخور للإله آمون، أو يقدم القربان لآلهة مختلفين الواحد تلو الآخر، كما يشاهد ذلك على الجدارين الشمالي والجنوبي.

هذا؛ وقد وجدت بعض قطع من ودائع الأساس في جوانب هذا المعبد غير أنها كما يظهر قد عُبث بها من قبل.

وقبل أن نتحدث عن اللوحات الدينية والتاريخية التي خلفها لنا الملك «تهرقا» في معبد «الكوة» (جمأتون) يجدر بنا أن نتحدث أولًا عن معبد «صنم» الذي أقامه هذا الفرعون في بلدة «صنم أبو دوم»؛ وذلك لأنه يكاد يكون صورة طبق الأصل من معبد «جمأتون» وإن كان قد أقيم بعده بمدة كما تدل على ذلك مبانيه ونقوشه.

(٢-٥) معبد «صنم»

مقدمة

قامت جامعة أكسفورد بحفائر في بلاد النوبة في أوائل القرن العشرين، وقد كان من أهم ما كُشف عنه معبد «صنم» الذي أقامه الملك «تهرقا»، وتقع بلدة «صنم» في مركز وسط على الشاطئ الأيسر للنيل على مسافة سبعة أميال ونصف من طرفي زوما وبلال، وقد أسفرت نتائج الحفر عن أن معبد «صنم» كان كبير الحجم نسبيًّا، ويحتوي على ردهة أمامية يحيط بها عُمُد يصل إليها الإنسان من بوابة ضخمة، كما يحتوي على قاعة عمد يصل إليها الإنسان من بوابه نائية، وخلف هذه القاعة قاعة عمد أخرى ومحراب يحيط به حجرات منوعة، وكل هذه المباني أقامها «تهرقا».

هذا؛ وقد أقام كذلك مقصورة صغيرة في النصف الشمالي من قاعة العمد الصغرى التي قبل المحراب مباشرة. وتدل شواهد الأحوال على أن المعبد قد احتله بعد فترة قصيرة صناع تماثيل مجيبين وتماثيل صغيرة أخرى وحليات من الخزف المطلي، يدل على ذلك ما وُجد من قوالب في هذا المكان، هذا إلى بعض الأشكال التي وُجدت مبعثرة فيه وحوله، ومن المحتمل أنه من أجل ذلك قد أقيمت جدران ساذجة من اللبنات عفو الخاطر في داخل المعبد لتسد المنافذ لتهيئ مكانًا لصناعة هذه التحف الصغيرة، وقد سدت المداخل الجانبية في الجهتين الشمالية والجنوبية بدقة بأحجار، ثم أضيف لها جدران من اللبنات، ويُحتمل أن ذلك قد حدث قبل وقوع الكارثة التي حلت بالمعبد. هذا؛ ولدينا آثار مباني جدران باللبنات أقيمت بعد التخريب الذي وقع، وقد وُجد فيه اسم ملك «كوش» من العصر المتأخر كما وُجدت نقوش من العصر المروي المتأخر.

ويقع هذا المعبد على الحافة الجنوبية الشرقية لخرائب بلدة «صنم»، هذا ويقع على الحافة الجنوبية الغربية من البلدة في منحدر النهر، وعلى مسافة نصف كيلو متر من جنوبي المعبد جبانة كبيرة نظف معظمها، وقد عثر فيها على ١٥٠٠ مقبرة كهفية الشكل ومقابر مبطنة باللبنات ومدافن في الرمل، وتدل محتوياتها على أنها بدأت منذ عهد «بيعنخي» واستمرت إلى زمن طويل بعد عهد «تهرقا» بوجه عام.

وقد كشفت البعثة عن موقع ثالث شمالي الجبانة السالفة الذكر وعلى نفس المسافة من النهر، وقد كشف هنا عن سلسلة حجرات غريبة ذات عمد تدل شواهد الأحوال على أنها كانت مستودعات ملكية أو خزانة من عهد الأسرة الكوشية.

ويدل ظاهر جدران هذه المباني على أنها قد حرقت وهدمت ولم يبقَ منها إلا جزء قائم صغير جدًّا من الجدران، وقد وجدت قبالة الطرف الغربي بقايا كثيرة من مبانٍ باللبنات وبعض آثار عمد من الأحجار يُحتمل أنها كانت تابعة للقصر الملكي، وهذه الآثار قد ربطت الخزانة بالمدينة.

وتدل بقايا سطح مواقع المدينة على أن معظمها من نفس عهد المعبد والجبانة. والعصر المزهر لكل هذه الآثار يمكن أن يمتد بوجه عام من أول عصر «بيعنخي» حتى عهد الملك «أسبلتا»، ويقدر بحوالي مائتي سنة، وهو يقابل في التاريخ المصري من الأسرة الثالثة والعشرين إلى الأسرة السادسة والعشرين.

وصف معبد «صنم»

يقع محور «صنم» (١١٠ درجة) في زاوية مستقيمة تقريبًا للنيل الذي يجري هنا جنوبًا بغرب على مسافة ٤٧٠ مترًا من البوابة الأولى للمعبد، وكان طول المعبد في الأصل مترًا، وعرض البوابة الأمامية كان مترًا.

ويتألف المعبد من مبنيين مستطيلين، فالبناء الخارجي يتألف من ردهة ذات عمد يصل الإنسان إليها بوساطة البوابة الأولى الضخمة. والبناء الثاني وهو الداخلي يصل إليه الإنسان من البوابة الثانية، ويتألف أولًا من قاعة عمد وخلفها المحراب، هذا إلى حجرات تابعة حوله، وقد دل الفحص على أن أساس المعبد كان مقامًا على رمل، وقد بُني حول المعبد جدار من اللبنات لحفظه من التداعي.

وقد كان أول ما بحث عنه الحفارون هو ودائع الأساس عند زوايا الجدار الحامي للمعبد، ففي الركن الجنوبي الشرقي عُثر على ستة ألواح من البرنز والقصدير (؟) والحجر البلوري والفلدسبار الأخضر واللازورد والخزف المطلي على التوالي باسم «تهرقا» وفي وسطها لوح رقيق من الفضة، يضاف إلى ذلك أشياء أخرى خشنة الصنع وكمية من الخز المثقوب فوق كومة من نماذج أوانٍ فخارية من خمسة طرز. وفوق كل هذه الأشياء وجدت قطع من جمجمة ومقدمة عجل، وكانت ودائع الركن الشمالي الشرقي مماثلة للسابقة غير أن الألواح كانت هنا من الذهب والبرنز والبلور الصخري واليشب الأحمر والفلدسبار الأخضر والخزف المطلي الأخضر، والنقوش التي على الألواح تسمي «تهرقا» محبوب «آمون رع» ثور أرض القوس «أي النوبة».

ويلحظ على أية حال أن الكتابة التي على اللوحين المصنوعين من الخزف المطلي هي «حو حامي والده» والإله الأول؛ أي «آمون رع» هو الإله الرئيسي للمعبد ومعه الإلهة «موت» وابنهما «خنسو»، ولكن «حور» لم يوجد في النقوش التي عثر عليها في المعبد.

وكان يبلغ عرض البوابة الأمامية عند القاعدة حوالي أربعين مترًا، ومما يؤسف له جد الأسف أنه لم تبقَ لنا عناصر معمارية من هذه البوابة.

والأبعاد الخارجية لقاعة العمد هي ٢٩ مترًا عرضًا عمقًا، وكانت تحتوي على عشرة أعمدة في الجهة اليسرى ومثلها في الجهة اليمنى، وكانت تحتوي على باب في الجدار الشمالي وآخر في الجدار الجنوبي، والأخير كان مسدودًا بقطع من الحجارة المربعة الشكل، وكانت الردهة معمورة بالسكان بعد مضي أجيال قليلة من بناء المعبد.

ويبلغ عرض البوابة الثانية للمعبد ثلاثين مترًا وسمكها أربعة أمتار بين الردهتين.

وكان يوجد في الركن الجنوبي الشرقي من قاعة العمد سلم يؤدي إلى أعلى البوابة، ولم يبقَ منه الآن إلا ست درجات.

والمبنى المسمى حصن كتشنر كان مقامًا معظمه على دمن قاعة العمد والبوابة الثانية.

وكان باقي المعبد يؤلف مستطيلًا عرضه ٢٥٫٧٥ مترًا و٣٧ مترًا من الخلف إلى الأمام، ويحتمل أنه كان كله مسقوفًا، وكانت قاعة العمد تشغل أكثر من ثلثه وكل عرضه، وتحتوي على ستة عشر عمودًا أسطواني الشكل موزعة في أربعة صفوف، وقد أقام «تهرقا» بين داخل أربعة الأعمدة التي في الجانب الشمالي للقاعة محرابًا صغيرًا أو مقصورة للإله «آمون»، وقد أحاط الملك «أسبلتا» الركن الجنوبي الشرقي من القاعة ببعض ألواح من الحجر ليكون بمثابة مقصورة أخرى له، وخلافًا لهاتين المقصورتين توجد الجدران العادية الدخيلة التي من العهد المتأخر.

والجزء الباقي من هذا المستطيل معقد التركيب فليس له مداخل جانبية، والمدخل المحوري فيه قد ضيق حتى أصبح ٣٦٠ سنتيمترًا، وهو يؤدي إلى قاعة عمد أخرى صغيرة كان يرتكز سقفها على أربعة عمد، وعلى اليسار توجد حجرة صغيرة «ي» J يصل إليها الإنسان بوساطة درجة سلم، وفي الأمام يوجد المحراب «ب» B وله باب كباب قاعة العمد الثانية في سعته، والحجرات التي حول المحراب يصل إليها الإنسان من حجرة «ج» C فقط.
وأهم هذه الحجرات الاثنتان اللتان على اليمين «د، ﻫ» D & E وهما على شكل حرف «ل» L وتصلان إلى جدار المعبد الشرقي بوساطة صف من العمد الأسطوانية عددها أربعة يستند عليها السقف في جزئه العريض.
ويشغل النهاية الغربية للحجرة «ﻫ» E طوار مرتفع حوالي خمسين سنتيمترًا عن رقعة المعبد.

وفي وسط هذا الطور كان يوجد بناء مرتفع تدل شواهد الأحوال على أنه إما عرش كانت توضع عليه مجموعة تماثيل للملك وآلهة أو في الأغلب كانت مائدة قربان.

ولم يحفظ بوجه عام من جدران هذا المعبد إلا مدماك أو أكثر فوق رقعة الحجرات، ولكن في مباني البوابة حفظت أحيانًا عدة مداميك، غير أن المحفوظ لنا منها عدد كافٍ يمكننا من معرفة ارتفاع الجدران الحقيقي.

والظاهر أن المؤسس والمنفذ لفكرة المعبد هو الملك «تهرقا» وهو الذي تُنسب إليه المقصورة الصغيرة التي في قاعة العمد، وقد أقام الملك «أسبلتا» مقصورته في الجنوب الشرقي من نفس القاعة، ولا بد أن الملك «سنكامنسكن» كان قد أقام بعض مبنى في هذا المعبد بقيت لنا فيه قطع باسمه عند مدخل البوابة، وكذلك ترك لنا ملكان اسميهما على قطع أحجار في الحجرة ج C، هذا؛ وقد وجد في المعبد تماثيل وآثار أخرى يدل واحد منها على أنه من المحتمل أقدم من عهد «تهرقا»، وعلى ذلك فإنه من الجائز تمامًا أنه كان يوجد معبد آخر بالقرب من هذا الموقع كما كانت الحال في «الكوة».

وتدل الأحوال على أن هذا المعبد قد خرب في الأزمان المتأخرة، ولكن من جهة أخرى تدل الدلائل على أن جزءًا منه كان يأوي إليه بعض الصالحين أو المشعوذين حتى نهاية الوثنية في القرن السادس.

الآثار التي عثر عليها في المعبد

عثر على بعض الآثار المنحوتة والنقوش التي كانت على الجدران ملقاة في داخل المعبد وحوله، هذا فضلًا عن الآثار التي وجدت في ودائع الأساس ونخص بالذكر من هذه ما يأتي:
  • (١)

    وجد في قاعة العمد قاعدة كانت توضع عليها السفينة القدسة وهي من الجرانيت الأسود (؟) كما وجد في نفس القاعة رأس أسد يحتمل أنه رأس الإلهة «سخمت» وتمثال بولهول صغير متآكل.

  • (٢)

    وجد في النصف الجنوبي لقاعة العمد الثانية قاعدة في صورة سلم كان على قمتها بلا شك صورة محنطة للإله «خنسو».

  • (٣)
    وفي القاعة «ح» H وجد رأس تمثال صغير للإله آمون جميل الصنع من حجر السربنتين الأصفر (Pl. XIII l,2) وعلى ظهره وجد اللقب الحوري لملك غير معروف.
  • (٤)
    وجدت قوالب تماثيل مجيبة وتعاويذ (Pl. XVII) تكشف عن إحدى الصناعات التي كانت قائمة في المعبد، ويلحظ أنه لم يوجد أي تمثال مجيب من التي وجدت في هذا المعبد، كالتي عثر عليها «ريزنر» في أهرام «نوري».

مناظر معبد «صنم» وما تبقى منها

دلت أعمال الحفر على أن جدران معبد «صنم» قد خربت إلى أدنى مداميكها، وحتى القطع المنحوتة التي بقيت في مكانها الأصلي قد شوهت بوجه عام، غير أن كثيرًا من الأحجار المنقوشة قد سقطت من الجدران وبقيت محفوظة في الرديم حتى كشف عنها معول الحفار حوالي جوانب المعبد وفي داخله وخارجه.

ويلفت النظر أن النقوش التي بقيت من جدران خارج المعبد كانت بحجم صغير إلا ما كان منها على البوابتين والمداخل فإنها كانت ضخمة، ولا نزاع في أن هذه النقوش كانت من صنع الملك «تهرقا» وهو الذي تنسب إليه المناظر المنحوتة الضخمة ومواكب المقاطعات التي مثلت على الجدار الخلفي للمعبد:
  • البوابة الأولى: أهم ما يلفت النظر فيما بقي من آثار البوابة الأولى طغراءات الأسرى التي تذكر لنا ممالك أو أماكن خاصة من التي استولى عليها الفرعون، ولكن بكل أسف قد وجدت مهشمة فلم يمكن تحقيقها، ومن بينها لفظة «واحة» كتبت بهجاء غريب وتلفظ بالمصرية القديمة «واحة».
  • قاعة العمد الأولى: وجد فيما بقي من مناظر جدران هذه القاعة بعض بقايا مناظر موكب وجد منه مقدمة سفينة وبغال وراكبوها وبقايا عربات.
النقش الطويل الذي في قاعة العمد٣٠ (راجع A.A.A, XI, P. 101 & XXXIII XL) ويبتدئ هذا النقش المهشم عند النهاية الشرقية للجدار الجنوبي عند بداية السلم الذي في البوابة الداخلية، ويستمر على كل امتداد هذا الجدار حتى نهايته الغربية وينتهي على ظهر البوابة.
وهذا النقش يفهم مما بقي منه بداهة أنه في مجموعه خاص ببناء المعبد وإهدائه والأوقاف التي حبست عليه، وقد وجد فيه طغراء الملك (؟) Methosuphis «موتسوفيس مرنرع» على قطعة حجر، وهذا يشير بلا شك للملك الرابع من ملوك الأسرة السادسة «هذا لقب للملك مرنرع-محتي-إم-ساف = Methosuphis»، وهذا الملك كما هو معلوم قد جاء إليه أمراء بلاد النوبة السفلى عند الفنتين في أثناء رحلته إلى الحدود المصرية مظهرين ولاءهم وخضوعهم، وهو الذي في عهده قام «حرخوف» برحلته المليئة بالأحداث الهامة، ومما يؤسف له أن طغراء هذا الملك قد وجد على قطعة صغيرة جدًّا من الحجر والمتن الذي معه قد فقد كلية، ولم يسبقه أي لقب ملكي. ويجوز أن الحرفين اللذين قبل الطغراء كانا خاصين باسم جغرافي، وعلى ذلك يمكن أن يكون اسمًا في بلاد النوبة نفسها مثل «مقر أمنمحات» الذي وجد منقوشًا على قطعة فنرى هنا أن ملوك آشور الأقوياءحجر من صنع «كوش» في قلعة مروي القديمة الواقعة على الضفة اليمنى للنيل، ونحن نعلم من جانبنا أن ملوك الأسرة الخامسة والعشرين كانوا معجبين بمفاخر الدولة القديمة فكانوا يفخرون بحفظ أو إحياء مثل هذه الأماكن النوبية، وهذه القطعة محفوظة الآن بمتحف «أشموليان».
وقد جاء ذكر مكان يدعى شايس Shais مرتين في الأسطر الأولى من هذا المتن غير أنه مجهول لنا، هذا؛ وقد أشير إلى «منف» في هذا المتن، وتدل النقوش التي وجدت باسم هذا الملك في معبد «الكوة» على أن العمال الذين رفعوا بنيانه كانوا من «منف»، فمن الجائز أن صناعًا من «منف» قد أقاموا معبد «صنم»، ولا سيما أنه صورة مطابقة لمعبد «الكوة» الذي أنجز بأيدي صناع مصريين.

وعلى أية حال تدل شواهد الأحوال على أن هذا المعبد لم يُقَمْ في عز سلطان الملك «تهرقا»، بل من المحتمل أنه قد أقيم بعد أن أوقع به الآشوريون الهزيمة والعار، وقد يعزز هذا الرأي العبارة التي جاءت في المتن وهي «فلتلعن أسماؤهم» في السطر ١٥٥.

وعلى ذلك فإن هذا النقش كان له أهمية تاريخية على ما يظهر غير أنه فقد معظمه، هذا؛ وقد وجد حجر في النصف الجنوبي من الردهة نقش عليه «… ومعابدهم على ضياعهم (؟)، مملوءة بالعبيد من الرجال والنساء … التحنو … إلخ»، وفي هذا دليل آخر على أنه بُني على غرار معبد «الكوة» وأنه جُهِّز مثله بكل ما يلزم من خدم وحشم وقربان.

الخزانة: إن بقايا هذا المبنى الغريب تشغل مساحة كبيرة بقيت أكثر من ألفي سنة على ما يظن موردًا لقنص الآثار، فقد كان يرتاده الأهالي والزوار للحصول على الخرز والتعاويذ وقطع الحلي الصغيرة، وهذا المكان بعينه كان المصدر الذي استخرج منه معظم الآثار الصغيرة التي أهديت لكتشنر عام (١٩١٢)، وقد برهنت الحفائر التي قامت بها جامعة أكسفورد على أن مساحته تبلغ ٢٥٦ مترًا طولًا وعرضه ٤٥ مترًا، وهو يقف منفردًا في الصحراء إلا في نهاية الجهة الغربية، وربما كان يجاوره قصر ملكي، والأشياء التي وجدت في هذا المبنى نقش على بعضها أسماء الملوك «بيعنخي» «وشبكا» «وأتلانرسا» «وسنكامانسكن» «وأسبلتا».
فقد وجد خاتم جميل مهشم كثيرًا ونقش عليه «ليت آمون رب عروش الأرضين في الجبل المقدس «يمنح» سنة طيبة لابن الشمس بيعنخي.» A.A.A, 9. P. 123 NO. 11، وقد ذكر كذلك اسم «سنكامانسكن» في ص١٢٣ «وأتلانرسا» في ص١٢٣ أيضًا.

(٢-٦) الوثائق التي خلفها الملك «تهرقا» في المعبد الذي أقامه في «الكوة»

لقد كان من حسن حظ التاريخ الكوشي أن يترك لنا الملك «تهرقا» مجموعة من اللوحات الأثرية في معبده الذي أقامه في جمأتون «الكوة» الحالية، وقد بقيت هذه اللوحات سليمة إلى أن كشف عنها معول الحفار، وعلى الرغم من أن معظمها خاص بالمعبد وتأسيسه والقيام على خدمته فإنها مع ذلك تكشف لنا عن نواحي عدة من تاريخ البلاد النوبية وما كانت عليه في تلك الفترة من رخاء وسؤدد وعزة، وسنتناول كل لوحة بالشرح والترجمة ثم التعليق، وفي النهاية نستخلص نتيجة عامة عما جاء فيها.

اللوحة رقم ٣: لوحة الملك «تهرقا» الخاصة بالقربان من السنة الثانية من حكمه حتى الثامنة٣١

وجدت هذه اللوحة في المعبد T مرتكزة على النصف الشمالي من الجدار الغربي للردهة الأولى من المعبد، وهذه اللوحة محفوظة الآن بمتحف مدينة كوبنهاجن.٣٢

وتبلغ مساحة هذه اللوحة ١٫٣٠ × ٠٫٧١ × ٠٫٢٩ مترًا، وهي مصنوعة من الجرانيت الرمادي ونقشت من وجه واحد، وتحتوي على خمسة عشر سطرًا، وعلى الرغم من بعض التهشيم الذي أصابها فإنها في مجموعها تعد سليمة بالنسبة لغيرها، والجزء الأعلى من هذه اللوحة مستدير ومحدد بالعلامة التي يرمز بها للسماء، وأسفل من ذلك تشاهد صورة الشمس المجنحة التي ينتهي كل من طرفيها بسطر معناه «صاحب بحدت» (أي حور رب إدفو) وقد مثلت في أسفل قرص الشمس من الجهة اليسرى الإلهة «عنقت» (أنوكيس) صاحبة سهيل «أي جزيرة سهيل بأسوان» وبإحدى يديها علامة الحياة، وتقدم بالأخرى علامة حياة أخرى للصقر الملكي الذي يلبس التاج المزدوج ويجثم على رموز الاسم الحوري للفرعون «تهرقا» وهو: «قا-خعو»، ونشاهد في نفس الاتجاه الإلهة «وازيت» سيدة الوجه البحري تقدم الدائرة الدالة على الأبدية لاسم ملك الوجه البحري «خو رع نفر تم» محبوب التاسوع ورب الأرضين «تهرقا» معطي الحياة والثبات والسلطان مثل رع أبديًّا، وتقرأ أسفل صورة الإلهة «وازيت» العبارة التالية: «إنها تعطي الحياة والسلطان».

وعلى الجهة اليمنى من أعلى اللوحة نشاهد نفس الترتيب الذي على الجهة اليسرى في اتجاه مضاد، ولكن نجد هنا بدلًا من الإلهة «عنقت» الإله آمون رع صاحب جمأتون ممثلًا برأس كبش، وبدلًا من الإلهة وازيت تشاهد الإلهة نخبيت سيدة الوجه القبلي.

وأسفل هذا المنظر يأتي المتن الرئيسي ويتألف من خمسة وعشرين سطرًا، وهو سجل الهدايا التي قدمها الملك «تهرقا» لمعبد «جمأتون» الذي أقامه هو، ويشمل ما وهبه هذا الفرعون لهذا المعبد من السنة الثانية من حكمه حتى السنة الثامنة، ومما يلفت النظر هنا بصفة خاصة أن كل عمود في كل قسم لسنة قد ميز بالعلامة المصرية القديمة الدالة على لفظ سنة، وهي ممتدة إلى أسفل وتشير إلى عدد السنين، ومن ثم كانت الأعمدة من واحد إلى أربعة تشير إلى ما تم في السنة الثانية، والعمودان الخامس والسادس يشيران إلى ما تم في السنة الثالثة، والعمودان السابع والثامن يشيران إلى ما تم في السنة الرابعة، والعمود التاسع يشير إلى ما تم في السنة الخامسة، والعمود العاشر يشير إلى ما تم في السنة السادسة، والأعمدة من أحد عشر إلى أربعة عشر تشير إلى ما تم في السنة السابعة، والأعمدة من خمسة عشر إلى واحد وعشرين تشير إلى ما تم في السنة الثامنة، أما بقية الأعمدة فيمكن أن تشير إلى أي سنين أو إلى السنين كلها.

وهاك ترجمة النص حرفيًّا:

السنة «الثانية» حور المسمى «قا-خعو»، السيدتان المسمى «قا-خعو»، حور الذهبي المسمى «خو-تاوي»، ملك الوجه القبلي والوجه البحري المسمى «خو-رع-نفر-تم» (رع حافظ نفر-تم) ابن «رع» (المسمى «تهرقا») ليته يعيش سرمديًّا، لقد عمله بمثابة أثره لوالده «آمون رع» رب «جمأتون»:

العدد الوزن بالدبن القدت
١ مائدة قربان من الفضة وزنها (٢) ٢٢
١ مبخرة من الذهب وزنها ١٠
١ آنية نمست من الذهب وزنها ١٠ ٥
١ آنية «ونح» من الذهب وزنها ١ ٢
٧ أواني «شام» من البرنز
٥٠ لفة كتان باقت
٣٨ (لفة) كتان شنزت
(٣) ١٢ لفة من نسيج روز
٢٠ لفة نسيج منخت
١٢٠ المجموع
١ صورة الإلهة ماعت من اللازورد
١٢٠٠ حبة من السرو «عونت»
١ شجرة بخو «كندر»
١ طبلة
(٤) ١ عود

لأجل أن يمنح كل الحياة وكل الصحة وكل الثبات وكل السعادة وأحفال ملايين السنين للأعياد الثلاثينية العديدة جدًّا، فقد ظهر بوصفه ملك الوجه القبلي والوجه البحري على عرش حور مثل رع أبديًّا.

(٥) السنة الثالثة: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» ليته يعيش أبديًّا لقد عمل بمثابة أثره لوالده «آمون رع» سيد «جمأتون» ما يأتي:

العدد
١ إناء خاوت واحد من الفضة*
١ غطاء إناء خاوت
٥٠ آنية نمست بوجه كبش
٢٠ آنية شو من البرنز
٢٠ آنية خاوت
(٦) ٣٠ آنية دنيت من البرنز
١٤ آنية «بشني» من البرنز «نوع من الأواني لم يعرف بعد»
٣ قواعد من البرنز
١ آنية دنيت من البرنز … (؟)
١ برنز … (؟)
١ «آنية» عات من البرنز … (؟)
٥٠ دبنا من الشمع
٢٠ دبنا من القطران
٧ أرغفة من البخور
٥ أرغفة من اللادن «بالمصرية لدنو»
٤ كهنة الساعة «منجمون»
٢ آلتان للرصد
يلحظ هنا أن نوع من الأواني في هذا المتن وغيره من هذا العصر لم يعرف بعد بوجه الدقة، وبعضها جديد لم يذكر في قاموس اللغة، ولذلك فقد كتبت أسماؤها بالمصرية وحسب، وكذلك كتبت أسماء الأشياء الأخرى التي لم يعرف معناها بالمصرية وحسب.

(٧) السنة الرابعة: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» ليته يعيش سرمديًّا، لقد عمل بمثاية أثره لوالده آمون رع سيد «جمأتون»:

العدد دبن قدت
١٠٠ مائة دبن من الذهب
٥ خمس أوانٍ نمست من الفضة بوجه كبش قيمته ٨
١ إناء نمست من الفضة ١٥
١ إناء حست من الذهب بوجه كبس قيمته ٧
١ إناء نمست بوجه كبش قيمته ٣ ٥
٧ قاعدة من البرنز
٣ ثلاث زهرات بشنين من البرنز لأجل أواني خاوت
٣ حلقات «قواعد» من البرنز قيمتها ٩ دبنات ٥ قدات
٣ مصابيح

وذلك لأجل أن يمنح «الملك» كل الحياة والثبات والسلطان وكل الصحة وكل السعادة أبديًّا.

(٩) السنة الخامسة: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» ليته يعيش أبديًّا، عمل بمثابة أثره لوالده آمون رع سيد جمأتون:

العدد
٤٠ المجموع «أربعون»
١ قلادة ببت قيمتها ٢١ دبنا ٦ قدات
١٥ دبنات من اللازورد وقدت واحد*
٥٦ دبنا من الصفيح الأصلي
٦١ دبنا من الفيروز
١٠ لفات من الكتان
٥ «لفات» من كتان شنزت
٥ «لفات» من نسيج روز
٢٠ «لفة» من نسيج هرت (؟)
راجع عن تصحيح بعض الأخطاء التي جاءت في هذا الكشف والتي في اللوحة رقم ٦ I, clere, Bibliotheca Orientalis Jaargang VIII No. 5 P. 1951 P. 174ff.

(١٠) السنة السادسة: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» ليته يعيش سرمديًّا، لقد عمل بمثابة أثره لوالده آمون رع رب جمأتون.

١ غطاء من الذهب بصورة الملك مرسومة عليه قيمته ٥ دبنات وقدت واحد.
١ خاتم من الفضة والذهب للختم به «أو ليلبس في الأصبع».

وذلك لأجل أن يمنح كل الحياة والثبات والفلاح وكل الصحة وكل السعادة مثل رع أبديًّا.

(١١) السنة السابعة: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» ليته يعيش أبديًّا لقد عمل بمثابة أثره لوالده آمون رع سيد جمأتون.

١ مبخرة من الذهب في هيئة مقدمة سبع.
١ صقر من الذهب مع صورة ملك أمامه وهما معًا على جريدة نخل.
١ تمثال بولهول بوجه كبش ومعه صورة نسر وهما يقفان على (١٢) علامة السنة.
١ تمثال صغير من الذهب يمثل الإله خنسو محمولًا على علامة السنة.
١ صورة من الذهب لآمون رع رب جمأتون ومعه شجرتا لبخ على نهايتها وصورة الملك أمامها.
(١٣) ١ طبق «مسوت» من الذهب «سوت نوع من القمح ومن الجائز أن هذا الطبق كان يوضع فيه هذا النوع من القمح».
٣ رءوس كباش من الذهب على نخلة «أي كل واحد منها على نخلة».
١  تمثال صغير من الذهب لآمون رع سيد جمأتون على شجرة نخيل.
١ صورة «إزيس» من الذهب قيمتها (١٤) ١١ دبنا و قدات.
٢ شريطان من الكتان (؟)
وهي «أي الأشياء السابقة» التي أهداها ابن رع «تهرقا» لوالده «آمون رع» سيد جمأتون ليمنح كل الحياة وكل الفلاح وكل السعادة مثل رع سرمديًّا.

(١٥) السنة الثامنة: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا»، ليته يعيش سرمديًّا لقد عمل بمثابة أثره لوالده آمون رع سيد «جمأتون»:

١ تمثال من البرنز للملك وهو يضرب ممالك أجنبية وملابسها الستة.
(١٦) ٨ ثماني جرار من الذهب والفضة للعطور.
معدات المعبد الجديد الذي بناه جلالته.*
١ مكنسة من الذهب.
١ إناء حست من الذهب.
١ إناء نمست من الذهب.
٢ آنيتان عبش من الذهب «عبش = إبريق للنبيذ».
١ بوق (١٧) من الذهب «هذا البوق غريب في شكله».
١ مكيال بخور من الذهب.
١ إناء؟ شفد من الذهب = ملعقة من الذهب للبخور.
١ مائدة مستديرة من الفضة.
١ تمثال الملك بوجه من الذهب «تمثال من الذهب للملك «الذي» عليها؛ أي على المائدة السالفة الذكر».
١ تمثال من الذهب لإله الفيضان الذي عليها «أي المائدة».
(١٨) ١٠ المجموع ١٠ أدوات من الذهب يبلغ وزنها ٥١ دبنا و٤ قدات.
١ مائدة قربان من الفضة.
١٥ آنية خاوت من الفضة.
١ آنية خاوت مستديرة من الفضة.
١ مبخرة من الفضة.
١ آنية حست من الفضة.
١ مكيال بخور من الفضة.
١ إناء شفد (١٩) من الفضة (= ملعقة).
١ بوق من الفضة.
١ إناء مسوت من الفضة.
١ إناء عبش من الفضة.
١ إناء قبي من الفضة.
٢ إناءان همت من الفضة «كلمة جديدة».
٤ أوانٍ «وشم» من الفضة.
١ قدح من الفضة (؟).
١ إناء بشني من الفضة (؟).
١ إناء ودح من الفضة «أو مائدة قربان».
١ صندوق من الفضة خاص بشعيرة فتح الفم ومحتوياته هي:
٤ أواني دشرت «حمراء» من الفضة.
٢ مشعلان من الفضة.
٢ إناءان «عرف» من الفضة «لا بد أن يكون هذان الإناءان من الأكياس التي كان يوضع فيها الكحل ولكنها حُولت هنا إلى أوانٍ من الفضة».
٤ أوعية ررم من الفضة «أوانٍ يوضع فيها بخور المر».
٤ صولجانات «أمس» «يحملها الملك غالبًا في يده».
(٢٠) ١٧ أداة (وهذا المجموع يحتوي الصندوق نفسه).
 ١ مقصورة حز يبلغ وزنها ١٨٩١ دبنا ١ قدت.
٣٥ ورقة من الذهب الرفيع للحفر (؟).
وكل نوع من خشب السنط والأرز واللبخ.
الإشارة هنا بطبيعة الحال للمعبد الذي يرمز له بحرف T.

وقد ثبت دخل الإله (٢٢) ومدت موائده ومون مستودعه بالرجال والخادمات وحتى أولاد زعماء «الأسرى» من التحنو «أي اللوبيين» (٢٣)، وقد أمد هذا المعبد الذي بناه له من جديد وحشد بمغنيات عديدات وبأيديهن صناجات ليلعبن بها أمام وجهه الجميل «أي آمون» (٢٤) وذلك ليعوضه عن ذلك بمكافأته بكل الحياة من نفسه، وكل الثبات من نفسه، وكل الفلاح من نفسه، وكل الصحة من نفسه، وكل (٢٥) السعادة من نفسه، وليحتفل آلاف آلاف المرات بالأعياد الثلاثينية كثيرًا جدًّا، وهو مشرف على عرش حور الأحياء، وليكون سعيدًا مع روحه مثل رع أبد الآبدين.

التعليق: تعدد لنا هذه اللوحة الهدايا التي قدمها الملك «تهرقا» من السنة الثانية حتى السنة الثامنة لتجهيز المعبد الجديد الذي أقامه خصيصًا لوالده «آمون رع» في مدينة جمأتون، فقد جهزه بأدوات إقامة الشعائر والمواد اللازمة لتزيين هذا الأثر وتنظيم الموظفين وما يحتاج إليه القربان من خدمات.
ونستخلص من المتون التي وجدت في هذا المعبد أنه في السنة الأولى من حكم «تهرقا» قبل تتويجه ملكًا على البلاد قد لاحظ أن المعبد كان خربًا؛ ولذلك أرسل العمال فيما بعد من منف إلى «الكوة» ليبدءوا أعمال الإصلاح وإقامة المعبد الجديد، وبحلول السنة السادسة من حكمه كان قد فرغ من إتمام المعبد الجديد والحدائق التابعة له، ثم حمل الإله إلى مقره الجديد، ويلحظ أن هذه الهدايا والمعدات التي ذكرت في هذه اللوحة وهي الخاصة بالمعبد الجديد كانت على أية حال حتى المتن الذي نحن بصدده في السنة الثامنة، في حين أن الافتتاح الرسمي لهذا المبنى لم يحدث حتى السنة العاشرة، وهذا دليل على أن البيانات التي ذكرت هنا كانت سابقة لأوانها أو أنها كانت استعدادات لافتتاح المعبد، وسنرى بعد أنه بعد هذا العهد بمدة طويلة وجد أحد الملوك الذين أتوا بعد «تهرقا» وهو الملك «أمان-نتي-يريكي» أنه من الضروري تنظيف مدخل هذا المعبد من الرمال (Kawa IX P. 70). هذا؛ ولما كان السجل الحالي الخاص بالهبات التي قدمها «تهرقا» يقف عند السنة الثامنة حيث يبتدئ السجل الثاني (Kawa VI) فإن السنة الثامنة تكون هي السنة التي أقيمت فيها هذه اللوحة، ويدل ذلك دلالة واضحة على أن الملك «تهرقا» كان يقوم بأعمال البناء والتأثيث في آن واحد.
وإذا نظرنا نظرة عامة في قائمة الهدايا هذه التي قدمها الفرعون «تهرقا» لهذا المعبد، وكذلك في القائمة الأخرى التي أهداها بعد ذلك كما سنرى بعد نجد أن ما وهبه لهذا المعبد قد زاد في معلوماتنا الفنية في الصناعات المصرية في ذلك العهد، فهي تؤكد بصورة واضحة وجود نماذج معدنية ذات أشكال نباتية كالقطع الزخرفية أو المنذورة مثل أزهار البشنين المصنوعة من البرنز، وأزهار البشنين من الذهب أو الفضة (Kawa VI, 933) ومكنسة من الذهب، وآلات الرصد المصنوعة من الفضة على هيئة جريد النخل K. VI, 9 وكذلك يلفت النظر الأكياس والأواني الحمراء المصنوعة من المعدن الثمين، يضاف إلى ذلك أن مجموعة الأوعية قد أصبحت غنية بزيادة أسماء جديدة لم تكن شائعة بعد، ويلفت النظر من بين هذه الأواني تلك التي لها رأس كبش وذلك يتفق مع متاع الإله آمون، وهي أشياء قد عرفت من قبل في آثار أكثر قدمًا من هذه.
ولا يفوتنا كذلك التماثيل الإلهية أو الملكية وبخاصة تمثالًا من البرنز للملك يضرب الممالك الهمجية بملابسها الستة، وكذلك الآلات الموسيقية العديدة مثل الطبول والأبواق والصناجات، وكل هذه كانت تستخدم في الأحفال التي كانت تقام في هذا المعبد، وقد رأيناها على جدرانه كما نشاهدها كذلك في معبد «صنم» (راجع A.A.A, 9 Pl. 29) الذي أقامه بعد هذا المعبد بمدة قصيرة.

ولسنا في حاجة إلى القول بأن متن هذه اللوحة يكاد يكون من المتون الفريدة في بابها؛ فهو فضلًا عن أنه يعدد لنا أولًا الهدايا والأدوات التي قدمها الفرعون «تهرقا» العظيم إلى معبده الجديد الذي أقامه خصيصًا في «جمأتون» لعبادة «آمون» معبود الدولة الأعظم فإنه يدل على ما كانت تتمتع به البلاد من ثروة طائلة، فالأواني التي قدمت للمعبد كان معظمها من الذهب، وهذا برهان على استغلال مناجم الذهب في تلك الفترة من تاريخ البلاد، هذا فضلًا عن أن الأدوات الكثيرة المصنوعة من الفضة وكذلك من الصفيح قد دل على ارتباطها تجاريًّا مع جاراتها، وكذلك مع بلاد آشور نفسها وبخاصة في جلب الصفيح منها، هذا ويدل تعدد أنواع الأنسجة والكتان على تقدم صناعة الغزل في البلاد، ولكن أهم من كل ذلك من الوجهة الدينية أنه فضلًا عما نشاهده في هذا المتن من ذكر الأدوات والآلات المختلفة التي كانت تستعمل في إقامة الشعائر الدينية فإنه يضع أمامنا فضلًا عن أسماء الأشياء الجديدة التي وردت فيه، صورة جديدة عملية عن هذه الأدوات، فقد شاهدنا معظم بل كل ما جاء من معدات في هذه القائمة مصورًا أمامنا في أحفال المعبد وأعياده ومتعلقاته، ولا نزاع في أن هذه المعدات والتماثيل والتعاويذ الفنية الدقيقة توحي إلينا بأنها لم تخرج إلا من أيدي مفتنين على جانب عظيم من المهارة وحسن الذوق، وهذا برهان آخر على ازدهار الفنون في تلك الفترة من تاريخ وادي النيل.

وقد ذكر لنا «تهرقا» نفسه أنه كان يستعين على إنجاز بناء المعبد بمهندسين مصريين، وكذلك بمفتنين وأصحاب حرف من «منف»، وفي هذا دليل قاطع على ما كان بين القطرين من ارتباطات فنية عظيمة، وأن مصر كان لها قصب السبق في ذلك والمكانة الأولى.

ويحدثنا «تهرقا» فوق ذلك أنه بعد إتمام بناء المعبد وتجهيزه بكل ما يلزم من معدات أمده كذلك بخدام وخادمات، وكان من بين هؤلاء نفر من أبناء الرؤساء اللوبيين، كما خصص له مغنيات وكاهنات يقمن بأداء الشعائر اليومية وشعائر الأعياد التي كانت تؤدى للإله والملك، ويلحظ أن العنصر النسوي كان سائدًا في هذه الأحفال.

ولا غرابة في ذلك؛ فإن الكاهنات كن يعملن في معبد «آمون» في كل عصور مجده، وقد بلغ العنصر النسائي في معابده أن انتهت إليه السيادة العظمى وأصبحت الكهانة العظمى في يد الجنس اللطيف لفترة طويلة من الزمن بدلًا من الكاهن الأكبر كما لاحظنا ذلك من قبل.

وخلاصة القول إنه على الرغم من أن هذه اللوحة في ظاهرها لم تقدم لنا إلا قائمة جافة من أسماء الأدوات والمواد والموظفين اللازمين لشعائر المعبد وخدمته؛ فإنها في الواقع تحتوي بين سطورها على مقدار ما كان للملك «تهرقا» في هذه الفترة من تاريخ وادي النيل وبخاصة من الوجهة السياسية من نفوذ وسلطان؛ إذ نفهم من بين ثنايا هذا المتن أن تجارة مصر كانت متصلة مع البلاد المجاورة، كما أن حالة البلاد الاقتصادية كانت على جانب عظيم من الرخاء والفلاح، وأنه كان هو المسيطر على الموقف في شطري الوادي في أول حكمه، ويرجع السبب في ذلك إلى اتخاذه سياسة حازمة في جمع شمل البلاد تحت لواء الإله «آمون رع» الذي كان يعد المعبود المحبب في القطرين، هذا بالإضافة إلى أنه راعى شعور الكوشيين بتمجيد الإلهة «عنقت» (أنوكيس) بصفة خاصة، وصورها جنبًا لجنب مع الإله «آمون»، وقدم لها القربان. وسياسة «تهرقا» هذه في أول حكمه تذكرنا بسياسة الفاتح العظيم «تحتمس الثالث» مؤسس أول إمبراطورية مصرية.

اللوحة رقم ٤: لوحة الملك «تهرقا» التي نقشها في السنة السادسة من حكمه في معبد «الكوة»٣٣

وجدت هذه اللوحة في المعبد الجديد الذي أسسه «تهرقا» في «جمأتون» «الكوة» في الردهة الأولى، وكانت مرتكزة على النصف الجنوبي من الجدار الشرقي، وهي الآن محفوظة بمتحف «مروي»٣٤ وهذه اللوحة لم تكن في مكانها الأصلي عند الكشف عنها.

وأبعاد هذه اللوحة هي ٢٫٠٨ × ٠٫٨٠ × ١٫٣٥ مترًا، وهي لوحة جميلة من الجرانيت الرمادي، وجزؤها العلوي مستدير، وهي في حالة حفظ تام، ويلحظ أن ظهرها محدودب بعض الشيء ونقشت من الوجه فقط بنقوش جميلة، والمتن الرئيسي فيها يتألف من سبعة وعشرين سطرًا محفورة.

ويشاهد في الجزء الأعلى المستدير منها العلامة التي يرمز بها للسماء مرتكزة على العلامة الدالة على الصولجان من الجانبين، وفي أسفل من ذلك قرص الشمس المجنح، ونقش في أسفل الجناحين المتن التالي: «بحدتي الإله العظيم رب السماء»، وفي أسفل هذا نشاهد المنظرين التاليين اللذين يفصل أحدهما عن الآخر عمودان من النقوش، فعلى الجانب الأيسر نقش المتن التالي: الإله الطيب رب الأرضين والسيد الذي ينجز «تهرقا» معطي الحياة مثل رع، وفي أسفل هذه الكتابة مُثِّل «تهرقا» لابسًا التاج الأبيض ومقدمًا رغيفًا أبيض لوالده «آمون» لأجل أن يمنحه الحياة، وخلف الملك نقشت رواية أخرى من الصيغة العادية: «ليت كل الحماية والحياة تكون حوله كما «هي حول» رع أبديًّا.» وقد مثل أمام الملك الإله «آمون رع» برأس كبش وقد نقش فوقه: «آمون رع» صاحب «جمأتون» الإله العظيم رب السماء، وبيد «آمون» علامتا السلطة والحياة ويقول للملك: إني أمنحك كل الحياة والثبات، ويشاهد خلف الإله «آمون رع» الإلهة «عنقت» (أنوكيس) لابسة لباس رأسها الخاص الطويل وتُرَبِّت بيدها اليمنى على كتف «آمون رع»، وفي يدها اليسرى علامة الحياة، ونقش خلفها المتن التالي: «إني أمنحك كل الحياة والسلطان وكل الصحة وكل السعادة مثل رع أبديًّا»، وعلى الجانب الأيمن من أعلى اللوحة يشاهد «تهرقا» مرتديًا كوفية وقد وُصف بنفس الأوصاف التي ذكرت على الجانب الأيسر مع إضافة الجملة التالية: «معطي الحياة والثبات والسلطان مثل رع أبد الآبدين»، وفي هذا المنظر نجد الملك يقدم إناءين من النبيذ لوالده آمون لأجل أن يمنحه الحياة، ويلفت النظر هنا أن الإلهة «عنقت» تلبس تاج مصر المزدوج.

وهاك ترجمة المتن حرفيًّا:
السنة السادسة في عهد جلالة حور المسمى «قاخعو»، السيدتان المسمى «قا-خعو»، وحور الذهبي المسمى «خوتاوى»، ملك الوجه القبلي والوجه البحري المسمى «خو رع نفر تم» (= رع حامي «نفر تم») ابن رع المسمى «تهرقا»، ليته يعيش أبديًّا، المحبوب حقًّا من ماعت «= العدالة»، ومن منحه «آمون» العدالة، ليته يعيش سرمديًّا، والآن فإن جلالته سيد الشباب والبطل الشجاع المنقطع القرين والمغوار والملك المقوى الذي لا مثيل له، وهو يحكم مثل «آتوم»، وحبه (٣) يسود العالم مثل حب رع عندما يضيء في السماء، وابن رع مثل «أونوريس» (أنحور) وملكه آلاف آلاف السنين مثل (ملك) «تاتنن» «صورة من صور الإله «بتاح» الذي خلق الكون في البداية» والسريع الخطا و(٤) العريض النعلين ليدوس بهما الأعداء والمفوق سهمه ليهزم القوى، والذي يطأ التلال في طلب (٥) أعدائه ليحاربهم بسيفه البتار، ذابحًا مئات الآلاف، ومن عند مشاهدته ينبهر كل وجه، ومن عندما يظهر (٦) والحرب في قلبه يوميًّا يفرح كل الناس، وهو لا يتوانى؛ لأن صناعته هي الاستعداد للقيام بالحرب واسمه يسود الأرض المنخفضة وكل (٧) الهضاب بقوة سيفه البتار، والآن كان جلالته في بلاد النوبة وهو شاب فتي «أي محارب فتي» بوصفه أخا الملك،٣٥ حلو الحب، وقد سار شمالًا (٨) إلى طيبة في صحبة الشباب الطيبين الذين كان قد أرسل في طلبهم جلالة الملك «شبتاكا»٣٦ من بلاد النوبة وعندما وجدوا (٩) هناك معه فضله على كل إخوته، وعندما مر بمقاطعة آمون صاحب «جمأتون» ليقدم الطاعة عند باب المعبد مع (١٠) جيش جلالته الذي سار معه شمالًا، وجد أن هذا المعبد كان قد أقيم باللبنات، ولكن (١١) تلال رماله «التي تغمره» قد وصلت إلى سقفه، وكان قد غُطِّيَ بالتراب في وقت من السنة عندما كان يخاف الإنسان هطول الأمطار، وقد أخذ الحزن يستولي (١٢) على قلب جلالته من أجله «أي من أجل المعبد» إلى أن طلع جلالته ملكًا متوجًا للوجه القبلي والوجه البحري، وعندما ثبت التاج المزدوج على رأسه وأصبح اسمه «خو رع» سامي التاجين تذكر (١٣) هذا المعبد الذي كان قد شاهده وهو شاب في السنة الأولى من حكمه، وعندئذ قال جلالته لرجال حاشيته: تأملوا، إني أرغب في أن أعيد بناء معبد (١٤) والدي «آمون رع» صاحب «جمأتون»؛ لأنه كان قد بُني باللبنات فقط وغُطي بالتراب، وهذا ليس بالشيء المستطاب (١٥) في رأي الناس، وكان الإله في هذا المكان، ومع ذلك لم يعرف ما فعله المطر «لأن المعبد كان غير مستعمل وكان مهجورًا» ولكنه هو الذي حفظ هذا المعبد إلى أن حدث أني توجت ملكًا (١٦) ولأنه «أي الإله» عرف أن ابنه «أي الملك» الذي أنجبه كان قد أقام أثرًا٣٧ له، ولأن أمهات والدتي قد وكل (١٧) أمرهن إليه بوساطة أخيهن الزعيم ابن رع المسمى «آلارا» المرحوم بالكلمات التالية: أنت يا أيها الإله الذي يعرف من هو مُوالٍ لك، يا سريع الخطا، ويا من تأتي لمن يدعوك (١٨) ارعهن في فرج … (؟) ثبت أولادهن على الأرض، واعمل لهم كما عملت لي، واجعلهم يصلون إلى الفلاح، فأصغى لما قاله بالنسبة لنا «أي إن آمون أصغى لما قاله «آلارا» بالنسبة لنسل أخت «آلارا» أو أخواته» ونصبني ملكًا كما قال له، فما أجمله من شيء أن يعمل الإنسان لمن يعمل؛ (٢٠) لأن قلب من يعمل لمن يعمل يكون راضيًا، وقالوا لجلالته:٣٨ إن كل كلماتك هي الصدق نفسه؛ لأنك ابنه المصلح لآثاره، وجعل جلالته جيشه (٢١) يذهب إلى «جمأتون» ومعه طوائف عدة من العمال ومهرة الصناع الذين لا يحصى عددهم، وكان هناك مهندس عمارة معهم (٢٢) ليدير العمل في هذا المعبد في حين كان جلالته في «منف»، وبعد ذلك أقيم المعبد من الحجر الرملي الأبيض الممتاز (٢٣) الصلب الذي نحت بصناعة متينة ووجهه «أوجه المعبد» نحو الغرب، وهو من الذهب «أي عليه قشرة من الذهب» وعمده من الذهب، والترصيع الذي فيه من الفضة، وبُرجاه رُفعا، وأبوابه أقيمت، ونُقش عليه الاسم العظيم لجلالته، وغُرست أشجاره العدة (٢٥) في التربة، وحُفرت بحيراته، وكذلك بيت نطرونه «للتطهير»، وملئ بالأدوات من الفضة والذهب (٢٦) والبرنز التي لا يحصى عددها، وقد جعل هذا الإله يأوي فيه «المعبد» لامعًا فخمًا أبديًّا، وقد كانت المكافأة على ذلك «للملك» هي الحياة والفلاح والظهور على عرش حور أبديًّا.
تعليق: هذا المتن المؤرخ بالسنة السادسة من حكم الملك «تهرقا» يبتدئ بذكر ألقاب هذا الفرعون كما جرت العادة في اللوحات التاريخية، وهذه ألقاب موحدة بالألقاب التي وردت في اللوحة الخامسة، ويتلو ذلك عقود مدح يعقبها مقدمة للدخول في الموضوع الذي من أجله أقيمت اللوحة، فذكر كيف أن «تهرقا» الشاب الذي ذهب إلى مصر مع الجيش قد لحظ تخريبًا شاملًا في معبد «جمأتون»، وعندما أصبح ملكًا على البلاد أعلن «تهرقا» إرادته لبناء معبد ليظهر اعترافه بالجميل للإله آمون صاحب «جمأتون»، وعندما جعله الإله آمون على عرش الملك، فإنه كان يوفي أمنية كان قد طلبها الملك «آلارا» فيما سبق، وهو الذي كان قد نذر أخواته للإله، وكان قد تضرع إليه أن يجعل نسلهن على عرش الملك، ويقص علينا الجزء النهائي من المتن الأعمال الخاصة بإقامة المعبد مثل البناء والزخرفة وغرس الأشجار وحفر بركة، وقد تم ذلك بأيدي رجال الجيش والصناع الذين أرسلوا من «منف»، وبعد تقديم الهبات له لأجل إقامة الشعائر وتقديم القربان كان مستعدًا لإيواء الإله.
غير أن الأثري مكأدم قد فهم الفقرة التي جاءت في السطرين الثاني عشر والثالث عشر بصورة غير التي أوردناها هنا مما قلب الحقائق التاريخية رأسًا على عقب، وسنورد هنا ترجمته لهذه الفقرة وتعليقه عليها استعدادًا لنقدها في مكانها:
  • (١)

    وعندما ثبت التاج المزدوج على رأسه … تذكر هذا المعبد الذي كان قد رآه وهو شاب في السنة الأولى من حكمه.

  • (٢)

    وعندما ثبت التاج المزدوج على رأسه … تذكر هذا المعبد «الذي كان قد شاهده وهو شاب» في السنة الأولى من حكمه.

ثم يقول «مكأدم» وإذا قبلنا الترجمة الأولى فعلى ذلك يكون «تهرقا» قد حسب سني حكمه من الوقت الذي اشترك فيه مع شبتاكا وهو في العشرين من عمره (راجع Kawa IV, 17) وعلى ذلك تكون بداية أعماله البنائية في «الكوة» لم تكن قد بدأت قبل السنة السادسة من حكمه؛ لأنه لا بد أن نلحظ أنه لا يوجد سجل لبناء المعبد قبل هذه السنة، وزيارة أم «تهرقا» التي دُونت في لوحة «تانيس» قد دُونت في لوحة «الكوة» رقم ٥، وتؤرخ كذلك بالسنة السادسة، فهل كانت هذه السنة هي تاريخ موت «شبتاكا»، وسنة تتويج «تهرقا» وزيارة الملكة الوالدة أبار، وتأسيس معبد T بالكوة وكذلك سنة الفيضان العالي المدهش؟ ولدينا فقرة في اللوحة الخامسة حذفت في كل من رواية متن «قفط» ورواية متن «المطاعنة» جاء فيها (سطر ١٠): «وقال جلالته: إن والدي آمون رب عروش الأرضين قد أنجز لي هذه المعجزات الطيبة الأربع في مدى سنة واحدة، وهي السنة السادسة من حكمي.» ولكن حتى هذه الفقرة من المتن لم تصف إلا معجزتين وهما الفيضان العظيم والسيل الذي حدث في النوبة، والوصف بعد العودة إلى النيل الحسن وتأثيره الطيب، يأخذ في التحدث عن تتويج «تهرقا» وزيارة الملكة الوالدة «أبار»، ولا يسع الإنسان إلا أن يفرض أن هذه الأشياء هي المعجزتان الأخريان، وقد أكدت واحدة منهما في اللوحة السادسة في السطرين ٢٣-٢٤، حيث نجد جد «تهرقا» المسمى «آلارا» يشير إلى تتويجه هو بمثابة معجزة لم تكن في الحسبان، وفي اللوحة السادسة سطر ٢٢ نجد أن وضع «أبار» للملك «تهرقا» قد وُصف بأنه معجزة؛ لأنه كان مقدرًا له أن يصبح ملكًا. وعلى ذلك فإن اعتلاء «تهرقا» العرش قد فكر فيه بأنه أعجوبة واضحة، على أن كون السيل الذي حدث في النوبة كان من الأسباب التي ساعدت على فيضان عالٍ لم تعق الكاتب عن وصف كلا الحادثين بأن كلًّا منهما أعجوبة قائمة بذاتها، وعلى ذلك ليس هناك من سبب يمنع أن تسمى زيارة «أبار» التي سببها تتويج «تهرقا» أعجوبة أيضًا.
وليس لدينا نتيجة أخرى يؤدي إليها التفسير الأول، فقد رأينا أن «تهرقا» قد لاحظ فعلًا الحالة الخربة التي كان عليها معبد «جمأتون» وهو الذي تراكمت عليه الرمال وغطته الأتربة لمنع اختراق المطر لسقفه، ولن يتصور الإنسان أن سكان «الكوة» كان لديهم من بعد النظر بحيث يقدمون على هذا العمل قبل أن يكون قد حدث ضرر للمعبد من المطر، وبدهي أن المطر كان قد دخل قبل أن تتخذ هذه الخطوات لدرئه، ولنفكر الآن فيما عساه أن قد يحدث بعد مضي خمس سنوات على ذلك عندما كان المطر ينهمر انهمارًا عظيمًا في النوبة لدرجة أن «جعل كل التلال تلمع (V, a)»، وبدهي أن هذه التحصينات الواهية كانت قد اكتسحت وأن الخشب والجص قد سقطا، والجدران المقامة من اللبنات قد تداعت، وكان «تهرقا» في هذا الوقت في مصر ولكنه كان قد وقف في طريقه سابقًا في «الكوة» ليظهر تقاه عند المعبد، ولا نزاع في أن ذلك كانت قد عملته الملكة الوالدة «أبار» عندما ذهبت لمصر، ويحس الإنسان أنها لا بد هي التي كانت قد قوت عزيمة «تهرقا» ليرى هذا المعبد مرة أخرى وهو في حالة نظام حسنة.

ولنلخص الآن المواد التاريخية التي يمكن أن نحصل عليها من هذا التفسير.

لقد كان المتفق عليه حتى الآن أن نضع السنة الأولى لحكم «تهرقا» في عام ٦٨٨ق.م (السنة الفلكية ٦٨٧ق.م) وذلك ارتكازًا على لوحة عجل من عجول أبيس (Br, A. R. § 909) ونفهم مما جاء عليها أن أبيسًا كان قد وُلد في السنة السادسة والعشرين من عهد «تهرقا» ونصب في نفس السنة «في السنة الأولى» من حكم «بسمتيك الأول» وهي السنة ٦٦٣ق.م وقد أفضت بحوث الأثري «بورخارت» الأخيرة به في هذا الموضوع أن يضع السنة الأولى من حكم «تهرقا» في عام ٦٨٩ق.م (Mittel. P. 65) وإذا كان «تهرقا» كان قد أصبح حاكمًا منفردًا في السنة السادسة من حكمه فإن ذلك يجعل موت «شبتاكا» في عام ٦٨٣ق.م، ولدينا مقياس نيل في مرسى الكرنك نعلم منه أن «شبتاكا» كان قد توج في السنة الثالثة، وهذا لا يعني إلا أنه كان مشتركًا مع شبكا منذ سنتين مضتا، وهذا يحبذ نظريتنا القائلة أن «شبتاكا» كذلك أشرك معه «تهرقا» على عرش البلاد، وهذا التأريخ قد وضعه بورخارت في عام ٦٩٦ق.م، ومن ثم يكون التاريخ ٦٩٨ق.م هو تاريخ الاشتراك، وأعلى سنة مسجلة لحكم «شبكا» هي الثانية عشرة، وعلى ذلك فإن أول سنة لحكمه لا بد أن تكون حوالي عام ٧٠٧ق.م، وأخيرًا لما كان «تهرقا» في العشرين من عمره عند اشتراكه في الحكم في عام ٦٨٨ فإنه يكون قد ولد في عام ٧٠٨ق.م، وهذه الاستنباطات يمكن وضعها في القائمة التالية:
ولادة «تهرقا» ٧٠٨، ٧٠٩ق.م
قولي أو اشتراك «شبكا» ٧٠٧، ٧٠٨ق.م
اشتراك «شبتاكا» ٦٩٨، ٦٩٩ق.م
موت «شبكا» «وشبتاكا» يصبح ملكًا منفردًا ٦٩٦، ٦٩٧ق.م
اشتراك «تهرقا» في الملك ٦٨٨، ٦٨٩ق.م
موت «شبتاكا» وتولي «تهرقا» ملكًا منفردًا، زيارة «آبار»، نيل عال خلاف العادة وإقامة معبد T «بالكوة» ٦٨٣، ٦٨٤ق.م
الافتتاح الرسمي لمعبد T ٦٧٩، ٦٨٠ق.م
وعلى هذا الزعم نجد أن البيان الذي ورد في كتاب الملوك الثاني الإصحاح ١٩ السطر ٩ وهو القائل إن عدو سنخرب في «التاقا» في عام ٧٠١ق.م كان «تهرقا» هو بلا نزاع غلطة؛ إذ كان في ذلك الوقت في الثامنة فقط من عمره، وتحدثنا اللوحة رقم ٥ بأنه لم يترك والدته في بلاد النوبة إلى أن بلغ العشرين من عمره (Kawa I, V, 16-17).
والتفسير الأخير للجملة التي نبحثها ليس فيه ما يحبذه، غير أنه من الوجهة النحوية مقبول، وعلى حسب هذا التفسير نجد أن السنة الأولى من حكم «تهرقا» تتفق مع سنة تتويجه، غير أنه لا بد من وجود بعض السبب لتفسير تأخر مدة خمس سنوات قبل تسجيل بناء معبد «الكوة»، ومرور مدة سنتين (K.I, V, 17-18) قبل وصول الوالدة الملكة لتأخذ مكانتها الشرعية بجانب «تهرقا» في مصر، وعلى أية حال فإن شك «بورخارت» في مقياس النيل وارتفاعه في عهد الملك «شبتاكا» يقلل كثيرًا من قيمة هذا التفسير، وعلى ذلك فإن التفسير الأول هو الذي اتبع.
والأرقام التي ذكرت أعلاه هنا تخصص خمس عشرة سنة لحكم «شبتاكا» ولكن من جهة أخرى نرى أن كلًّا من سينسلس Syncillus ويوزي(ب)  Eusebius يخصص له اثنتي عشرة سنة ويعطيه «أفريكانوس» أربع عشرة سنة، وهي أرقام تقرب من الرقم الصح أكثر من التي خصصت لحكم «تهرقا»، هذا؛ ولا يمكننا أن نصدق البيان الذي أدلى به «مانيتون» وهو القائل إن «تهرقا» قد قاد جيشًا من «كوش» وذبح «شبتاكا» واستولى على التاج، وذلك لأن أمر اشتراكه مع «شبتاكا» على عرش الملك يظهر أنه أمر قد تقرر، ولأن «شبتاكا» كما يقال قد أحب «تهرقا» أكثر من كل إخوته ومن كل أولاده (IV, 9, V, 14) (راجع Kawa I, Inscriptions Text IV. P.18 note 30).

اللوحة رقم ٥: لوحة الفيضان «المؤرخة بالسنة السادسة من حكم الملك تهرقا»

عثر على هذه اللوحة بجوار اللوحات السابقة في الردهة الأولى بالمعبد المعروف باسم T في «الكوة» (جمأتون) وكانت مرتكزة على النصف الشمالي للجدار الشرقي على الجانب الجنوبي، وهي موجودة الآن بمتحف «ني كالرزبرج جلبتوتيك» بمدينة كوبنهاجن.٣٩

وتبلغ مساحة هذه اللوحة ١٫٠٢ × ١٫٢٢ × ٠٫٣٣ مترًا، وهي مصنوعة من الجرانيت الرمادي ونقشت من الوجه فقط، ويتألف المتن الذي عليها من اثنين وعشرين سطرًا، والمناظر التي في الجزء الأعلى منها المستدير محفورة حفرًا غائرًا، وعندما عثر على هذه اللوحة كانت في حالة سليمة إلا النهاية اليسرى من منظر الجزء الأعلى، وكذلك نهايات الثلاثة العشر سطرًا الأولى من المتن، ومما يؤسف له أنها عندما شُحنت هُشمت قطعًا، ويُحد أعلاها وجانباها بعلامة السماء وصولجانين على التوالي، ويشاهد أسفل علامة السماء قرص الشمس المجنح مُحلًّى بِصِلَّيْن وفي أسفل الجناحين نقش: «صاحب بحدتي الإله العظيم سيد السماء.» ونقش على اليمين وعلى الشمال وفي الوسط: «رب السماء.»

وفي أسفل هذا يشاهد المنظران التاليان يفصلهما سطران من النقوش.

فالمنظر الذي على الجانب الأيسر نقرأ فيه: «الإله الطيب رب الأرضين «خو-رع نفر تم» بن رع من جسده «تهرقا»، معطي الحياة مثل رع أبديًّا.» وأسفل هذا يشاهد «تهرقا» يقدم رغيفًا أبيض هرمي الشكل لوالده «آمون» لأجل أن يمنحه الحياة، وأمامه آمون رع رب جمأتون يقبض على صولجان «واس» وعلى رمز الحياة «عنخ» وخلفه الكلمات التي فاه بها وهي: «إني أمنحك كل الحياة والفلاح وكل الصحة وكل السعادة مثل رع أبديًّا.» وتقف خلف «تهرقا» أمه التي تدعى «أبار» مرتدية جلبابًا طويلًا شفيفًا مسبلًا على الكتف حتى الكعب ويتدلى منه قطعة من الخلف تشبه الذيل، ويلحظ أنها تلعب بالصناجة لوالدها آمون لأجل أن تمنح الحياة، وهي كذلك ترفع يدها اليسرى في هيئة تعبد.

وعلى الجانب الأيمن نشاهد «تهرقا» كما وصف على الجهة اليسرى واقفًا يقدم إناءين من النبيذ لآمون رع الممثل برأس إنسان ونقش معه: «آمون رع رب عروش الأرضين ورب السماء.» ويقبض بأحدى يديه على الصولجان وفي الأخرى رمز الحياة، ونقش معه المتن التالي: «تقديم النبيذ لوالده آمون ليمنح الحياة.» وأمامه آمون رع برأس إنسان ونقش معه: «آمون رع رب عروش الأرضين ورب السماء.» وبيده علامتا الصولجان والحياة وخلفه المتن التالي: «ما قيل إني أمنحك كل الحياة والفلاح وكل الثبات وكل السعادة مثل رع أبديًّا.» وتظهر «أبار» والدة «تهرقا» واقفة خلفه ونقش معها اللقب والصيغة على الجانب الأيسر، ويلحظ هنا أن ثوبها يحتوي على ثنية مدلاة من كتفها اليسرى.

المتن الرئيسي لهذه اللوحة: هذا المتن يختلف عن المتون الأخرى التي عثر عليها في هذا المعبد، وقد نشره من قبل الأستاذ جرفث٤٠ فهو لا يتحدث عن التاريخ المحلي، وقد عثر معه عدة روايات أخرى واحدة في «قفط» وأخرى في «المطاعنة»٤١ وثالثة في «تانيس»٤٢ ومتن الفيضان الذي عثر عليه في «الكوة»، وهو المعروف بالمتن الخامس على حسب ترتيب وجود المتون في المعبد يتألف بعد التأريخ والألقاب الملكية من: (أ) سرد قصة طويلة خاصة بسعادة البلاد وفيضان عالٍ للنيل حدث معه مطر غزير جارف. (ب) ويتلو ذلك في المتن خطاب يشير فيه الفرعون «تهرقا» إلى حدوث أربع عجائب حدثت في السنة السادسة، وتذكر بسوابقها والأحوال التي توج فيها في مصر «وهذه القصة نجد شبيهها في المتن السابق». كما يحدثنا الفرعون عن وصول والدته «أبار» التي كانت حتى هذا الوقت في بلاد النوبة. (ج) وأخيرًا يحدثنا عن وصف العواطف والأحاسيس التي أظهرتها هذه الأميرة. (د) وكذلك شعور القوم بعد مقابلة الملك بأمه.

وإذا قرنا الروايات التي وصلت إلينا من هذا المتن نلحظ أن كلًّا من متن «قفط» «والمطاعنة» لا يحتوي إلا على القصة (ب)، ولكن يشتملان في الألقاب الملكية على سلسلة نعوت لا نجدها في متن «الكوة» (أ)، أما متن تانيس فيحتوي على العناصر (أ، ب، ج، د) وبعبارة أخرى يقدم لنا هذا المتن أتم رواية معروفة عن هذا المتن حتى الآن، وقبل أن نتحدث عن كنه هذا المتن وما ينطوي عليه من معلومات هامة سنورد ترجمته الحرفية على حسب ما جاء في روايات لوحات «الكوة» وقفط والمطاعنة وتانيس.

السنة السادسة في عهد جلالة حور المسمى «قا-خعو»، السيدتان المسمى «قا-خعو»، حور الذهبي المسمى «خو-تاوي»، ملك الوجه القبلي والوجه البحري المسمى «خو-رع-نفر-تم» «الإله الطيب ابن آمون رع، والرمز الفاخر لآتوم، والبذرة الطاهرة التي خرجت منه، ومن خلق جماله في جنوبي جداره، ومَن حمَلته «موت» سيدة السماء، والفرد الوحيد المقدس الذي خرج من جسد الإله، وهو ملك للوجه القبلي والوجه البحري، لم يأتِ للوجود مثيله «سابقًا»، ومَن لأجل أن ينشأ ويُرفع ويُسَرَّ اجتمع تاسوع الآلهة معًا، وإنه هو الذي قبض على الممالك وأخضع الأقواس التسعة، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، «حور» القوي الساعد، رب الأرضين وسيد العمل العظيم»٤٣ ابن رع «تهرقا»٤٤ ليته يعيش أبديًّا، المحبوب حقًّا من «ماعت» وممن أعطاه «آمون» الحق، ليته يعيش أبديًّا.

والآن فإن جلالته محب للإله (٢) وإنه يصرف النهار ويمضي الليل باحثًا عن مصلحة الآلهة مقيمًا معابدهم «التي كانت قد آلت» للخراب، وناقشًا صورهم كما كانت في البداية، ومقيمًا مستودعاتهم وممونًا (٣) موائد قربانهم، ومخصصًا لهم دخلًا من كل نوع، وصائغًا موائد قربانهم من الذهب الجميل والبرنز، وفضلًا عن ذلك فإن قلب جلالته فرح بعمل خيرات لهم كل يوم، وهذه الأرض كانت في فيض (٤) في زمنه كما كانت معتادة أن تكون في أيام سيد الكون، فكل إنسان ينام حتى نور النهار دون أية رغبة لم تُجَبْ؛ لأن العدالة قد أُدخلت في كل البلدان، والظلم سُمِّرَ في الأرض «أي أصبح مشلولًا».

(٥) وحدثت معجزات في زمن جلالته في السنة السادسة من حكمه ولم ترَ مثلها منذ زمن أولئك الذين غبروا؛ لأن والده «آمون رع» قد أحبه كثيرًا، وقد كان جلالته (٦) يصلي من أجل فيضان من والده «آمون رع» رب تيجان الأرضين ليمنع حدوث قحط في زمنه، والواقع أن كل شيء كان يخرج من شفتي جلالته كان والده «آمون» يجعله يظهر للوجود، وعندما أتى الفصل الخاص بارتفاع (٧) الفيضان، فإنه استمر يفيض على الأرض بكثرة كل يوم، ومضت أيام كثيرة يعلو بنسبة ذراع يوميًّا، وقد اخترق تلال الوجه القبلي وغمر تلال الوجه البحري، وأصبحت الأرض محيطًا أزليًّا؛ أي رقعة راكدة، ولم يكن هناك مميز (٨) للأرض من النهر، وقد فاض إلى ارتفاع إحدى وعشرين ذراعًا وشبرًا وأصبعين ونصف أصبع عند مرسى طيبة،٤٥ وجعل جلالته تحضر له تواريخ الأجداد ليرى نوع الفيضان الذي حدث في أزمانهم، ولكن لم يوجد مثيله هناك، (٩) وفضلًا عن ذلك أمطرت السماء في بلاد النوبة وجعلت كل التلال تلمع «بالماء»، وكل إنسان في النوبة كان لديه رخاء في كل شيء، وكانت مصر في عيد سعيد، وحمدوا جلالته، وكان قلب جلالته سعيدًا للغاية من عمل والده (١٠) «آمون» لفائدته، وأمره بعمل قربان لكل الآلهة، وكان قلبه منشرحًا مما عمله والده لمنفعته لأجل أن يعطي كل الحياة والثبات والفلاح والظهور على عرش «حور» مثل «رع» سرمديًّا. وقال جلالته: إن والدي «آمون رع» رب عروش الأرضين قد عمل لي أربع معجزات٤٦ حسنة في مدة سنة واحدة، وهي السنة السادسة من حكمي، (١١) ومثل ذلك لم يرَ منذ عهد أولئك الذين كانوا في الأزمان الغابرة، فإن الفيضان قد أتى كلصِّ الماشية ففاض على هذه الأرض، ولم يوجد مثله مكتوبًا في زمن الأجداد، ولم يقل أحد: لقد سمعت من والدي «مثل ذلك»، فقد جعل الزراعة (١٢) كلها حسنة من أجلي، وقتل الفيران والأفاعي التي كانت في وسطها، وأقصى عنها نهم الجراد، ومنع رياح الجنوب من حصدها، (١٣) ولكني حصدت المحصول في مخازن لا حصر لها؛ أي شعير الوجه القبلي وشعير الوجه البحري، وكل غلة تنمو على سطح الأرض، وقد أتيت من النوبة في صحبة إخوة الملك الذين طلبهم، ولما كنت موجودًا مع جلالته فإنه فضلني على كل إخوته، وعلى كل أولاده حتى إنني ميزت عليهم من جلالته، وقد كسبت قلب الناس وبعثت الحب عند كل الناس، (١٥) وقد تُوجت في «منف» بعد أن طار الصقر إلى السماء «أي مات الملك»، وأمرني والدي آمون أن أضع أرض كل إقليم تحت قدمي جنوبًا حتى «رتحو-قابت» وشمالًا حتى (١٦) «قبح حور» (الحدود الشمالية للدولة المصرية) وشرقًا حتى شروق الشمس وغربًا حتى غروبها.
والحالة هذه كانت «أمي» في بلاد النوبة، أعني أخت الملك، حلوة الحب، والأم الملكية المسماة «أبار» ليتها تعيش، وكنت (١٧) قد افترقت عنها وأنا شاب في العشرين من عمري عندما أتيت مع جلالته إلى مصر السفلى، وعلى ذلك حضرت شمالًا لتراني بعد فترة (١٨) من السنين، وقد وجدتني متوجًا على عرش حور، وتسلمت تيجان رع، والصِّلَّان وُضعا على رأسي، وكانت كل الآلهة تحمي جسمي، وقد فرحت للغاية (١٩) بعد أن شاهدت جمال جلالته كما شاهدت «إزيس» ابنها «حور» متوجًا على عرش والده بعد أن كان شابًّا في عش خميس٤٧ (= المكان الذي نشأ فيه حور في الدلتا) وقد انحنى حتى الأرض الوجه القبلي (٢٠) والوجه البحري وكل مملكة أجنبية أمام هذه الأم الملكية، وفرح جدًّا مُسنُّوهم ومعهم شبانهم وهللوا لهذه الأم الملكية (٢١) قائلين: إن «إزيس» عندما استقبلها «حور» كانت مثل الأم الملكية الآن عندما انضمت ثانية إلى ابنها، أنت يا ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» (ليتك تعيش أبديًّا) محبوب الآلهة إنك ستعيش مخلدًا بأمر والدك آمون (٢٢) الإله الممتاز الذي يحب من يحبه ويعترف بمن هو موالٍ له، والذي جعل والدتك تنضم لك ثانية في سلام حتى يمكن أن تشاهد جمالك الذي أوجده لك، يا أيها الملك القوي ليتك تعيش، وليتك تكون في صحة كما عاش «حور» لوالدته «إزيس»، وإنك ستظهر على عرش «حور» أبد الآبدين.
تعليق: إن من ينظر في هذا المتن بعين فاحصة لا يتردد في أنه خطاب رسمي يمكن أن يطلق عليه اسم المتن الكبير للسنة السادسة من حكم «تهرقا»، فهو إذن بهذا الوصف موجه لكل أنحاء الإمبراطورية المصرية، ولا سيما أنه قد وُجد منشورًا في كل أرجائها، وتدل شواهد الأحوال على أنه متعدد النواحي، فهو يحدثنا عن فيضان معجز كما يتحدث عن وفود الملكة «أبار» أم الملك «تهرقا» وقد أحدث مجيئها هذا من بلاد النوبة إلى أرض الكنانة هزة فرح وابتهاج.
والواقع أن تحليل هذا المتن بهذه الكيفية يقف حجر عثرة في سبيل فهم هذا المتن كما فهمه مكأدم، عندما أخطأ على ما أظن في إضافة كلمة «هذه» لعبارة معجزات أربع في السطر العاشر من أسطر هذه اللوحة،٤٨ وعلى أية حال فإننا إذا سلمنا بذلك لا نجد إلا معجزتين في الجزء (ب) من المتن الكبير.
هذا؛ ونجد من جهة أخرى أن الأثري مكأدم قد طلع علينا في شرحه للوحتين الرابعة والخامسة بنظرية جديدة اقترح فيها أن «تهرقا» كان مشتركًا مع «شبتاكا» في الحكم مدة ست سنوات قبل موت الأخير، ويترتب على الأخذ بهذه النظرية مجموعة أمور خاصة بمصائر الشاب «تهرقا» (١) وتاريخ إعادة بناء معابد «الكوة» (٢) وتفسير للمعجزات التي حدثت في السنة السادسة (٣)، وهذه الأمور تُظهر على الأقل أنه يمكن مناقشتها! فلا نجد أولًا في المتن الأصلي ما يوحي بتقديم تاريخ بداية حكم «تهرقا» الأصلي بأية حال من الأحوال، هذا فضلًا عن أن ذلك لا يتفق مع بعض الحقائق التاريخية الكوشية، وإذا فحصنا ما جاء في اللوحتين الرابعة والخامسة بخصوص مجيء «تهرقا» واعتلائه عرش الملك فإنا لا نجد فيهما ما يوحي بتتويج «تهرقا» مرتين قط، وعلى ذلك فإنه لا محل هناك لاشتراك «تهرقا» مع «شبتاكا» على عرش الملك، وبهذه الأوضاع يكون تاريخ نشاط «تهرقا» في «الكوة» كما يأتي على حسب المتون التي تناولناها أو سنتناولها فيما بعد:
  • (١)

    في السنة الأولى من حكمه اهتم الملك «تهرقا» بالمعبد الذي شاهده في حالة خربة كما جاء في الأسطر ١٢-١٣ من اللوحة الرابعة.

  • (٢)

    في السنين من ٢–٥ عمل الملك «تهرقا» هبات (المتن ٣ من سطر ١–٩).

  • (٣)

    في السنة السادسة اتخذ الملك قرارًا لإقامة معبد جديد (اللوحة ٤ سطر ١٤ … إلخ.)

  • (٤)

    في السنتين من ٦-٧ منح هبات منوعة (اللوحة ٣ الأسطر ١٠–١٣).

  • (٥)

    في السنين من ٦–١٠ انتهى العمل في المعبد بوجه عام؛ إذ في السنين من السادسة إلى الثامنة تمت الأعمال الكبيرة، وفي السنة الثامنة ابتدأ استعمال المعبد: فقد أُهدي المعبد أدوات شعائر هامة (٣ سطر ١٦–٢١) وكميات هائلة من الغلال (٤ سطر ١–١٦)، وفي نفس هذه السنة ألف المتن رقم ٣ وهو الخاص بقوائم السنين من ٢–٨، وتم في السنين من الثامنة إلى العاشرة عمل الزخرفة (المتن ٤ سطر ٢٣ والمتن ٦ سطر ١٧-١٨.)

وفي السنة العاشرة كان الافتتاح الرسمي للمعبد كما جاء في المتن السابع.

أما من حيث المتن الكبير والمعجزات الأربع الخاصة بالسنة السادسة من عهد «تهرقا» فإن المتن بعد أن قص علينا قصة فيضان هائل حدث بسبب الأمطار الجارفة يقول: «إن والدي «آمون رع» رب عروش الأرضين قد صنع لي أربع معجزات حسنة في سنة واحدة وهي السنة السادسة من تتويجي ملكًا … وعندما أتى بفيضان ليحمل المواشي وليعرف كل البلاد قاطبة … فإنه منحني حصادًا حسنًا في كل امتداده، وقد أهلك الفيران والزواحف التي كانت توجد فيه وقد صد تخريب الجراد، ولم يسمح لرياح الجنوب بحصده «أي المحصول» وقد كان في مقدوري إذن أن أحصد لمخزن الغلال المزدوج كمية لا تحصى …»

ويرى الأثري «مكأدم» أن هذه المعجزات الأربع الحسنة التي حدثت في سنة واحدة؛ وهي السنة السادسة من حكمه هي: (١) فيضان النيل. (٢) الأمطار الغزيرة. (٣) تتويج «تهرقا» عند موت سلفه. (٤) ومجيء الملكة الوالدة لمصر. وينتج عن هذا التفسير أن موت «شبتاكا» وتتويج آخر للملك «تهرقا» قد وقعا في السنة السادسة من حكم الأخير.

وهذا يعني أنه كان هناك اشتراك في الملك بين هذين الملكين لمدة ست سنوات. وهذا الوضع على ما يظهر فيه عقبات خطيرة؛ إذ يظهر من جهة أنه من الصعب البحث عن معجزتين من المعجزات الأربع في المتن الأصلي الخاص بالفيضان، كما يجد القارئ في الترجمة التي أوردناها هنا، بل الواقع أنه إذا طبقنا كلمة معجزات على تقويم الحياة الزراعية فإن ذلك يفسر بصورة أحسن أن السنة السادسة من حكم هذا الفرعون قد ميزت بمحصول وفير سببه فيضان ومطر هائلان «وهما نفسهما قد عُدَّا معجزتين» أتيا كما يظن بعد عدة سنين كان النيل فيها منخفضًا، وإذا كان ذلك الفيضان الهائل لم يسبب أية أضرار كان منتظرًا حدوثها كما هي العادة عند حدوث فيضان عال جدًّا فإنه يمكننا مع كل تحفظ أن نورد هنا التفسير التالي لما قاله الفرعون عن السنة السادسة من حكمه بخصوص المعجزات الأربع: علم «تهرقا» أنه بفضل حماية رباعية على يد «آمون» كانت مقومات الحياة العامة مضمونة بكرم، يضاف إلى ذلك الخبر السار وهو زيارة أمه، وعلى ذلك فإنه بهذه الكيفية يكون موضوع اعتلائه العرش ليس إلا مقدمة لهذا الحادث الأخير، ولا يشير هنا بأية حال من الأحوال إلى تتويج ثانٍ للفرعون، وعلى ذلك فإن نظرية مكأدم على ما أعتقد لا ترتكز على برهان قاطع، ومن ثم فإنه ليس من الحكمة الأخذ بها بصفة قاطعة.

وعلى حسب نظرية مكأدم يكون تواريخ الأسرة الخامسة والعشرين كما يأتي «شبكا» ٧٠٨–٦٩٧ق.م، «شبتاكا» من ٦٩٩–٦٨٤ق.م «وتهرقا» ٦٨٩–٦٦٤ق.م.

ولأجل أن يحفظ تاريخ مكأدم تماسكه الداخلي لا بد أن نعترف بجانب اشتراك «شبكا» «وشبتاكا» في الحكم واشتراك «شبتاكا» «وتهرقا»، واشتراك «بيعنخي» «وشبكا»، وهذه نظرية لا يمكن الإنسان أن يرفضها بصفة قاطعة، وبخاصة عندما نعلم أن «بيعنخي» قد جاء ذكره على تمثال في المتحف البريطاني (Brit. Mus. 2442 and C.A.H. III, 277 Note 1) بوصفه عائش أبديًّا. وقد تساءل الأثري «هول»: هل ذلك يعني أن «بيعنخي» كان لا يزال على قيد الحياة في السنة الخامسة عشرة من حكم «شبكا»، وإذا تذكر الإنسان أن تانوت آمون نفسه كان على ما يظهر قد توج في حياة «تهرقا» (راجع H. V Zeissl. Athiopen and Assyrer, P. 48) فإنه يلوح في الواقع أنه من المحتمل جدًّا أن ملوك «كوش» كان من مبادئهم أن يشركوا خلفهم معهم على عرش الملك، ولكن إذا أخذنا مع ذلك كل ملك منهم على حدة من حيث هذا الاشتراك على عرش الملك المزعوم فإننا لا نجد ما يدعمه من البراهين القاطعة، وهذا ما يجعل نظرية الأثري مكأدم فيما يخص اشتراك «تهرقا» مع «شبتاكا» في عرش الملك واهية الأساس.

هذا؛ ويلحظ أن إعادة نظر مكأدم في تاريخ ملوك «كوش» قد حدا به إلى جعل «شبتاكا» يحكم مدة خمس عشرة سنة، على أن آخر تأريخ معروف له هو السنة الثالثة، والواقع أنه حتى لو قبلنا أنه في عهده عاق النشاط الفني عقبات سياسية واقتصادية فإن العدد المحدود نسبيًّا للآثار الملكية الضخمة والصغيرة منها إذا ما قرنت بسلسلة الآثار الهامة التي أنجزها كل من «شبكا» «وتهرقا» تجعل حكمه أقصر مما فرضه مكأدم، والواقع أن جهلنا الفعلي بمدة حكم هذا الملك تجعل موضوع التأريخ المطلق للعهد الكوشي أمرًا مبهمًا.

والواقع أن العناصر التي في متناولنا من جهة أخرى لأجل تقرير هذا التأريخ هي بلا نزاع غير كافية أبدًا:

فنجد أولًا أن المدد التي حصلنا عليها مما نقله إلينا «مانيتون» (راجع Manethon ed. Waddel 167–169) خاطئة جدًّا فيما يخص «شبكا» فقد ذكر اثنتي عشرة سنة بدلًا من خمس عشرة سنة على الأقل، وذكرت أن «تهرقا» حكم عشر سنين بدلًا من ست وعشرين سنة، وكذلك نجد ما لا يُعقل فيما يخص «شبتاكا»؛ فقد ذكر كل من «سنسيلس» «ويوزيب» أنه حكم اثنتي عشرة سنة، وذكر إفريكانوس أنه حكم أربع عشرة سنة.
وإذا رجعنا إلى التأريخ الذي جاء في التوراة فإنه قد حاد عن الصواب؛ فنجد أنه من المتفق عليه غالبًا أن نأخذ بما جاء في كتاب (الملوك الثاني الإصحاح ١٩ سطر ٩) وعلى حسبه نجد أن «تهرقا» ملك «كوش» قد صعد على «سنخرب» في السنة الرابعة عشرة من عهد حزقيا Ezechias ٧٠١ق.م وذلك على فرض أن «تهرقا» قبل أن يكون ملكًا بطبيعة الحال كان يقود جيوش «شبكا» وهو الذي تحت حكمه قد اعترف أنه قد نزل إلى مصر، وذلك على حسب متن «تانيس» المهشم الذي كان وقتئذٍ المتن الوحيد المعروف، ونحن نعلم الآن من رواية متن «الكوة» الخاص بالفيضان، وكذلك من اللوحة رقم ٤ سطر ٨ وهما اللتان نعرف منهما أن «تهرقا» قد أتى إلى مصر في عهد «شبتاكا»، أن مثل هذا التفسير الذي نجده في التوراة يقرر الآن أن خلف «شبكا» قد حكم فعلًا في عام ٧٠١ق.م، غير أنه من الأمور المضللة أن نبني تأريخ الأسرة الخامسة والعشرين على تفسير معادٍ لمتن لا يعكس علينا إلا ضوء رواية محرفة.
ولدينا لوحة هبة عثر عليها في هربيط ومؤرخة بالسنة الثانية من عهد الملك «شبكا» (Louvre E. 10571, of. G.L.R, 1,13, II) يظهر أنها تبرهن على أنه في هذه السنة كان خلف «بيعنخي» قد فتح الدلتا فعلًا بانتصاره على «بوكاريس»، ولما كانت متون سرجون تسمح بوضع هذا الفتح بعد السنة ٧١٥ق.م، أو على أكثر تقدير عام ٧١١ق.م (راجع Meyer, Gesch due Altert. III, (ed. 1938), 41) فإنه يمكننا أن نعترف أن السنة الثانية من عهد «شبكا» تقع بين تاريخين محددين، وهما السنة (٧١٤) «ويكون الفتح قد حدث في خلال السنة الثانية من حكمه» والسنة (٧١١) «ويكون في هذه الحالة قد حدث في السنة الأولى من حكمه».
هذا؛ وقد جاء في رواية عن «هردوت» (Herod. II, 137) على حسب رأي «كافنياك» أن سيادة الكوشيين على مصر قد حُددت بنحو خمسين سنة، أو بعبارة أدق على أرض الدلتا. هذا ولما كنا نعلم أن تسلط «بسمتيك الأول» على «منف» قد حُدد بعام ٦٦٤ق.م فإنه من المستطاع تحديد مجيء «شبكا» إلى مصر حوالي ٧١٤ق.م، وهي حادثة على حسب ما جاء في لوحة الهبة كان يمكن أن توضع في سنة من السنتين الأوليين لحكم هذا الملك.
وعلى أية حال سواء أكان هناك اشتراك في الحكم أم لا فإنه يمكن أن نضع مع التحفظ القائمة التالية عن تواريخ ملوك «كوش» وهي قريبة جدًّا من القوائم الأخرى: حكم «شبكا» من ٧١٥–٧٠١ق.م، «شبتاكا» من ٧٠١–٦٨٩ق.م، «وتهرقا» من ٦٨٩–٦٦٤ق.م (راجع Bull. Inst. F. Tom LI, p. 27)، وهذا لا يختلف كثيرًا عما أوردناه في الجزء الأول من تاريخ السودان (راجع مصر القديمة الجزء العاشر).

اللوحة رقم ٦٤٩ الخاصة بالملك تهرقا من السنة الثامنة إلى العاشرة من حكمه

وجدت هذه اللوحة في المعبد T بالردهة الأولى ملقاة على الأرض بوجهها إلى أعلى في الجنوب الغربي للعمود التاسع وبرأسها في الشمال الشرقي، وهي الآن بمتحف «مروي» وتحمل رقم ٥٣.

وأبعاد هذه اللوحة هي ١٫٢٨ × ٠٫٨٥ × ٠٫٣٠ مترًا، وهي منحوتة في الجرانيت الرمادي وحجمها ضخم، وقد كسر جزؤها الأعلى المستدير كما كسر جزء من أسفلها، ويشمل المتن الرئيسي خمسة وعشرين سطرًا، مثل في الجزء الأعلى منها منظران، ففي الجهة اليسرى منظر يمثل الملك «تهرقا» ولم يبقَ منه إلا القدمان وذيل الحيوان الذي كان يلبسه، والظاهر أنه كان يقدم بعض قربان للإله آمون رع رب جمأتون، وخلف آمون رع نقش: إني أمنحك كل الحياة والفلاح والثبات وكل السعادة أبديًّا.

وفي الجهة اليمنى نشاهد صورة «تهرقا» مكسورًا رأسها، وكذلك كسر الجزء الذي كان فيه الوصف الذي كان معها إلا كلمة واحدة من عبارة «مثل رع أبديًّا»، وقد مثل يقدم رغيفًا أبيض لوالده آمون ليمنحه الحياة، وأمامه آمون رع صاحب الجبل المقدس٥٠ برأس كبش وأمامه خط أعلاه معوج ثم ينحني إلى الخلف فوق صورة آمون رع وجزؤه الأسفل عمودي، وهذا الخط يمثل جزءًا من الجبل المقدس؛ أي جبل «برقل» والإله القاطن في داخله، ولم يبقَ من لقبه «آمون رع القاطن في جبله المقدس» إلا كلمة «مقدس» أما الباقي فقد هشم، وخلفه نقش: «إني أمنحك كل الحياة والفلاح والصحة مثل رع أبديًّا.»
  • المتن الرئيسي: يعد متن هذه اللوحة تكملة لسجل الهدايا التي بدئ بذكرها على لوحة «الكوة» الثالثة السالفة الذكر، وقد اتُّبعت فيها نفس طريقة التأريخ؛ فالسنون فيها معلمة بعلامات السنة، وهذه العلامات يوجد على سيقانها عدد من الشُّرَط يقابل عدد السنين، فالأعمدة من ١–٧ تشير إلى السنة العاشرة، وهي السنة التي أقيمت فيها هذه اللوحة، ومن السطر العاشر حتى نهاية النقش يكرر فقط التفاصيل الدالة على قدرة «تهرقا» على تموين المعبد بالخدم والبلدة بالنبيذ … إلخ، كما هي الحال في الجزء الختامي من اللوحة الثالثة السالفة الذكر.
  • ترجمة المتن: السنة الثامنة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «خو-رع-نفر-تم» ابن رع «تهرقا» ليته يعيش أبديًّا، لقد عمل بمثابة أثره لوالده «آمون رع» سيد «جمأتون»:
١ مائدة قربان من البرنز.
١١ (؟) إحدى عشرة آنية كا-حر-كا (؟) كل منهما تحمل قردين.
١٠
(٢) ٥٤
٥٠ خمسون آنية «ألف سنة» من البرنز «اسم جديد لم يعرف بعد».
١٥ خمس عشرة آنية دنيت من البرنز.
٥٠ خمسون سكينة من البرنز.
٥ خمس أواني عش من البرنز «عش = إناء جعة».
١ آنية عش طويلة من البرنز.
٤ أربع أواني «قبى» كبيرة من البرنز.
١٠ عشر أواني «إرس» من البرنز «هذا النوع من الأواني لم يذكر في قاموس اللغة».
١ صناجة واحدة من البرنز.
١ آنية … (٣) من البرنز.
٣ ثلاث أواني «شفد» من البرنز.
٣ ثلاث أزواج مناقيش من البرنز.
٧ سبع أواني «حست» من البرنز.
١ آنية واحدة «زازات» من البرنز.
٥ خمس أواني «جاش» من البرنز.
(٤) ١ عمود قاعدة موقد.
١ موقد لصهر البرنز.
٥ خمسة مصابيح من البرنز.
٣ ثلاث أواني «خاوت» من البرنز.
١ آنية واحدة (؟) «نحمت» من البرنز.
١ حلقة قاعدة من البرنز.
١ آنية «عا» من البرنز.
١ حلقة قاعدة لمائدة من البرنز.
(٥) ١ آلة من النحاس للقطع.
١ فأس من البرنز يبلغ زنتها ٢٨١ دبنا من البرنز.
٧٨١٥ دبنا «المجموع»
٨ ثمانية حزم «خرد» من النسيج.
٥٧ سبع وخمسون حزمة من نسيج «زات».
٢ حزمتان من نسيج «ثتف» «هذه الكلمة لم تذكر في القاموس».
١٥ (٦) خمس عشرة سارية من خشب النخيل.
٤ أربع حزم من نسيج «إفد» (كتان فتلته مؤلفة من أربعة خطوط).
١٠٤ مائة وأربعة خيوط غزل.
٥٦ خمسون وستة قضبان من خشب الزيزفون «عناب؟»
١٥ خمسة عشر … رتنج مجفف.
١ ذراع واحد من الفضة لأجل أداء شعيرة رش الماء.
٢ آنيتان «ست-منت» من البرنز، فيكون المجموع (٧) هو: ١٥١٥ دبنا.
٥٥٠ دبنا من مادة حمراء «سم الفأر» وهي التي أهداها ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» ليته يعيش أبديًّا لوالده «آمون رع» سيد «جمأتون»؛ لأجل أن يمنح كل الحياة وكل الثبات والفلاح وكل الصحة وكل السعادة مثل «رع» أبد الآبدين.

(١٨) السنة التاسعة: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» ليته يعيش أبديًّا، لقد عمل بمثابة أثره لوالده آمون رع رب «جمأتون»:

٦٥١ واحد وخمسون وست مائة دبن من الذهب.
١ مروحة (؟) من الذهب تبلغ زنتها ٩ دبنات من الذهب.
٣٢٠٠ مئتان وثلاثة آلاف دبن من الفضة.
١ مقبض مروحة (؟) من الفضة (؟).
٢ آنيتان «شو» بحافات من الذهب «مكيال جعة؟»
١ حلية «تف» مشغولة بالذهب.
٢ مصباحان من الفضة.
١ منظار نجوم من الذهب من خشب النخيل «لأجل رصد النجوم».
١ (١٠) مروحة من الفضة والذهب.
١ آنية «شو» من البرنز.
١ آنية «قبي» من البرنز.
١٠ عشرة موائد قربان من البرنز.
١ آنية ماء.
١٠٠٠ ألف حبة من السرو.
١٣٤٥٦ ستة وخمسون وأربع مائة وثلاثة عشر ألف دبن (١١) من البرنز.
٢ إوزتان من الفضة يبلغ ثمنهما مائتي دبن من الفضة و قدات.
١٠ عشر أواني خاوت من البرنز.
١ آنية لوتيس «أي محلاة بزهرة اللوتيس».
١٤٧ سبع وأربعون ومائة آنية «هنو» لأجل أن يمنح الحياة والثبات والفلاح مثل رع أبديًّا.

(١٢) السنة العاشرة: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» ليته يعيش سرمديًّا، لقد عمل بمثابة أثره لوالده آمون رع رب «جمأتون»:

١٥ خمسة عشر دبنا من الذهب.
٥٠٠ خمسمائة دبن من وشب «= خرز».
١٠٦ ست ومائة دبن من «قمنيت» «معدن يستعمل لصنع لون أصفر».
٢٠٠٠ ألفا دبن من حجر أزرق للتلوين.
٥٠٠ خمس مائة (١٣) دبن من الشمع.
١٠٠ مائة دبن «سثخ».
١٠ عشر أوانٍ من القاشاني.
١٠٠ مائة رداء من نسيج «أنسي».
٢٠٠ مئتا رداء من نسيج «إدمي».
٣٥ خمسة وثلاثون رداء مجدولًا بحواف مزركشة (؟)
٥ (١٤) خمسة أرغفة من اللادن.
٦٠ ستون ورقة من الذهب للحفر «أي لتغطية المسطحات المحفورة».
٣٠٠ ثلاث مائة دبن من الذهب من بلاده؛ أي من بلاد الذهب «هذا التعبير يشبه ما يقال الآن: وارد بلاده»، وكل خشب كثير لا يحصى من الأرز والعرعر والسنط.

وقد أصبحت كل مدينة تلمع (١٥) بكل أنواع الشجر، وقد عين له «أي للمعبد» بستانيون من أحسن من في الواحة البحرية ومثلهم من أهالي الوجه البحري، ولما كان معبده قد تداعى إلى الخراب فقد أقيم (١٦) بأحجار صلبة جميلة، وذلك بعد أن وجد جلالته أنه كان مقامًا باللبنات، وأن الرمال السافية قد وصلت إلى سقفه، فأقامه بالحجر بصناعة ممتازة (١٧) لم ير مثلها منذ زمن الآلهة حتى هذا اليوم.

وقد أقامه من حجر ممتاز جميل صلب، وقد رفعت العمد وغشيت بالذهب الجميل وطعمت بالفضة، وبوابته أقيمت (١٨) بصنعة جميلة، وركبت أبوابه من خشب أرز حقيقي، وعملت المزاليج من نحاس آسيوي، وحفر اسم جلالته العظيم بكل الكتَّاب أصحاب الأصابع الماهرة، ونقشت بصناع (١٩) حاذقين فاقوا ما صنعه الأقدمون، ومون مستودعه، وزودت موائد قربانه وملئت بموائد للشراب من الفضة والذهب والنحاس الآسيوي، وكل أنواع الأحجار الثمينة الحقيقية التي لا تحصى، وملأه بخدم عديدين وعين له خادمات٥١ «كاهنات» من أزواج زعماء الوجه البحري،٥٢ وعصر نبيذ كروم هذه المدينة (يقصد مدينة جمأتون = الكوة الحالية) وأنه أغزر من نبيذ «جس جس»،٥٣ وعين بستانيين له ماهرين (٢١) من «منتيو» آسيا،٥٤ وملأ هذا المعبد بالكهنة، وهم رجال كانوا يعرفون تعاويذهم، وهم أبناء العظماء من كل بلد، وحشد بيته بمغنيات ليغنوا أمام وجهه الجميل.

(٢٢) وقد عمل جلالته هذا؛ لأنه كان يحب والده آمون رع سيد جمأتون حبًّا جمًّا، ولأنه قد عرف أنه كان ممتازًا في رأيه سريع الخطا، فهو الذي قد أتى لمن دعاه بسبب المعجزة التي عملها لوالدته وهو في الفرج قبل أن تضعه؛ وذلك لأن أم أمه كانت قد وكلت إليه بوساطة أخيها الزعيم «آلارا» (٢٣) المرحوم بالكلمات التالية: «يا أيها الإله الممتاز السريع الخطا، يا من تأتي لمن يدعوك، ارْعَ من أجلى أختي؛ فإنها امرأة وُلدت معي من فرج واحد، اعمل لها كما عملت لمن عمل لك بمثابة معجزة لم تكن في الحسبان ولم يدبرها مدبر؛ لأنك جعلت من يدبر لي السوء يبوء بالفشل (٢٤) ونصبتني ملكًا، فافعل لأختي مثل ذلك، أشهر أولادها في هذه الأرض وامنحهم الوصول إلى الفلاح والظهور ملوكًا كما فعلت لي.»

وقد أصغى لكل ما قلت ولم يُدِرْ أذنه بعيدًا عن أية كلمة من كلماتي، فنصب ابن رع «تهرقا» (ليته يعيش سرمديًّا) ملكًا (٢٥) … وليخلد اسمه ويصلح آثاره ويحفظ تماثيله سليمة، ولينقش اسمه على المعبد ولينطق اسماء جداته، وليؤسس قرابين جنازية لهن، وليمنحهن كهنة أرواح كثيرين أغنياء في كل شيء، ليته يمنح الحياة مثل «رع» سرمديًّا.

تعليق: لا نزاع في أن محتويات هذه اللوحة تقدم لنا صورة واضحة عن ثراء مصر وبلاد النوبة في هذه الفترة من تاريخ وادي النيل، كما تضع أمامنا صورة عن الأدوات والمعدات التي كانت تقدم للمعابد العظيمة في ذلك العهد لإقامة الشعائر.

وتدل الأحوال على أن الملوك وقتئذٍ كانوا يجهزون المعابد بكل ما تحتاج إليه من مواد أولية كانت تزرع في حقول خاصة وحدائق غنية بجوار المعبد نفسه، ولذلك كانت الملوك على ما يظهر ينتخبون مواقع هذه المعابد بجوار الأرض الخصبة، ولا أدل على ذلك أكثر مما نحن بصدده الآن؛ فإن معبد الكوة قد أقيم في بقعة خصبة بجوار النيل العظيم.

ولكن أهم ما يلفت النظر في هذه اللوحة ما تحدث به «تهرقا» عن الأسباب التي أدت إلى اعتلائه عرش الملك بعد «شبتاكا» فالأساطير التي وردت لنا نقلًا عن كتاب الإغريق هو أنه قتل «شبتاكا» وتولى بعده الملك، ولكن «تهرقا» يحدثنا في لوحاته أنه كان محببًا لقلب أخيه «شبتاكا» أكثر من كل إخوته الذين وفدوا معه من بلاد النوبة بدعوة منه، وربما كانت هذه الدعوة للاشتراك في إخماد نار ثورة قامت في بلاد الدلتا التي كانت مصدر قلاقل لملوك «كوش» منذ أن استولوا عليها، فالأحوال إذن كانت مضطربة في مصر عندما وفد إليها «تهرقا» وهو في العشرين من عمره، وقد غالى «تهرقا» في وصف محبة «شبتاكا»، فقال إنه كان يحبه كذلك أكثر من أولاده، وكأنه كان بذلك يهيئ نفسه لتولي عرش الملك بعد وفاة «شبتاكا» في أعين الشعب وفي عين التاريخ.

كل هذا يُشعر بأنه كان هناك شيء خفي جعل «تهرقا» يحدثنا عن نفسه بهذه الصورة المريبة، ثم إنه لم يكتفِ بذلك، بل حدثنا بحديث آخر عن العرش ووراثته، فيقص علينا أن الزعيم «آلارا» «وهو شخصية لم تكن قد كشفت عنها النقوش بعد» كان على ما يظهر أول من تولى عرش ملك بلاد «كوش» وقد أراد أن يستمر الملك في نسل أولاد أخته فطلب إلى الإله آمون أن يستمع إلى ندائه ويجيب رغبته، وقد أصغى إليه آمون وأجاب دعاءه فولى «تهرقا» عرش الملك وهو من نسل هذه الملكة، وقد كان ذلك حافزًا لتهرقا على بناء معبد له وتجهيزه بكل أثاث فاخر، فماذا يا ترى سبب كل هذه البراهين والبينات التي قدمها لنا «تهرقا» عن توليه عرش الملك؟

لا نزاع في أن في الأمر شيئًا جد خطير، فنحن نعلم أنه كان على ما يظهر أصغر إخوته عندما ذهب إلى مصر ليكون مع أخيه «شبتاكا»، ونحن نعلم كذلك فيما بعد أن تولي عرش الملك لم يكن من الأب للابن، بل كان ينتقل من الأخ لأخيه، وإذا كان الأمر بالسن في هذه الحالة فإن «تهرقا» لم يكن هو الوارث الشرعي، بل كان هناك من هو أحق منه بالخلافة، وإذا كان هذا التقليد لم يكن شائعًا بعد فإن الملك كان لا بد أن يكون لأحد أبناء «شبتاكا»، وقد أخبرنا «تهرقا» في نقوشه أن «شبتاكا» كان له أولاد، ولكن كان يحب «تهرقا» أكثر منهم أيضًا.

ومن كل ذلك نرى أن «تهرقا» قد أحكم تدبيره للظهور أمام الشعب بأنه هو الوارث الشرعي المفضل من كل الوجوه كما شرحنا، ولكن هل هذه هي الحقيقة الناصعة؟

في الواقع تدل شواهد الأحوال على أن «تهرقا» لم يتسلم مقاليد الأمور في سهولة ويسر، بل إنه بعد تولي عرش الملك أخذ يبرر موقفه، وليست هذه هي المرة الأولى في تاريخ وادي النيل، بل نجد أن كل ملك اغتصب الملك كان يعمل جاهدًا بعد توليه العرش واستتباب الأحوال له على أن ينشر على الناس ما طاب له من البيانات، وليس هناك من يعارضه ما دام ينشرها على لسان الإله الذي آزره وعززه، وقد نوه «تهرقا» بذلك عندما خاطب في اللوحة السابعة الإله «آمون» قائلًا له: «لأنك جعلت من يدبر لي السوء يبوء بالفشل ونصبتني ملكًا»، هذا؛ وقصة تولي ملوك الأسرة الخامسة عرش الملك وهم من الكهنة قصة مختلقة،٥٥ وقصة تولي «حتشبسوت» عرش الملك قصة موضوعة؛ لأنها كانت امرأة، وأرادت أن تبرر اعتلاءها العرش،٥٦ وكذلك قصة تولي «تحتمس الثالث» الملك قد ألفها هو بعد تولي عرش الملك بسنين،٥٧ وأخيرًا قصة اعتلاء «تحتمس الرابع»٥٨ ملك أرض الكنانة والحلم الذي رآه في منامه ومساعدة «بولهول» له على تولي العرش قد ألفها هو بعد توليه العرش، وبعد أن قضى على إخوته الذين كانوا حجر عثرة في سبيل توليه الملك. ونحن لا نشك في أن «تهرقا» قد لعب دورًا هامًّا مثل الدور الذي لعبه «تحتمس الرابع» ولا يبعد إذا أن موضوع قتله «شبتاكا» الذي كان يحبه كما ذكرنا أكثر من كل إخوته وأولاده فيه شيء من الصحة، غير أن هذا موضوع غامض، وعلى أية حال يعزز نظريتنا في هذا الاغتيال ما جاء في قصة «تحتمس الرابع» عندما كان في صيده بجوار «بولهول» مع رفقائه، والحلم الذي رآه وهو لا يزال أميرًا بعيدًا عن الملك وما جاء في قصة «تهرقا» عندما كان في طريقه إلى مصر مارًّا بمعبد «جمأتون» وشاهد ما كان عليه المعبد من سوء حال فقد طغت عليه الرمال وغُطي بالطين، وهكذا كانت الحالة مع «بولهول» فقد كانت الرمال غطت معظمه، ومن ثم كان على «تهرقا» أن يختلق حيلة لتبرير اعتلائه العرش كالتي اختلقها «تحتمس الرابع» ونحن نرجح كما ذكرنا في غير هذا المكان أن «تحتمس الرابع» قضى على إخوته الذين كانوا يحولون بينه وبين الملك.

اللوحة رقم ٧: الخاصة بافتتاح المعبد الذي أقامه «تهرقا» في «جمأتون» في السنة العاشرة من حكمه

وجدت هذه اللوحة في المعبد T في الردهة الأولى، وقد وجدت مرتكزة على النصف الشمالي من الجدار الغربي على الجانب الجنوبي، وهي الآن بمتحف «ني كارلسبرج جليبتوتك» بمدينة كوبنهاجن.٥٩

وأبعاد هذه اللوحة هي ١٫٩٢٥ × ٠٫٨٣٩ × ٠٫٢٦٣ مترًا، وقد نحتت من الجرانيت الرمادي ونقشت من وجه واحد فقط، وتحتوي على سطر واحد أفقي وأربعة عشر سطرًا عموديًّا، وكتبت بحروف كبيرة منحوتة نحتًا جميلًا، ولكن مما يؤسف له جد الأسف أن جزءها الأعلى المستدير قد أصبح أسود بفعل النار كما محي جزء كبير منها، والواقع أن المحفوظ من هذه اللوحة هو الجزء الأعلى المستدير والمنظر والمتن من الجهة اليمنى.

يحد الجزء الأعلى من اللوحة بعلامة السماء، وفي أسفل هذه العلامة يشاهد قرص الشمس المجنح والصِّلُّ، ونقش تحت قرص الشمس: «صاحب بحدت «أي حور» الإله الطيب» ويشاهد أسفل هذا منظران يفصلهما عمود من النقوش جاء فيه: «الذي يعطي الحياة والثبات والفلاح والسعادة مثل رع.»

وعلى الجانب الأيسر يشاهد الإله الطيب والسيد المنجز «تهرقا» معطي الحياة واقفًا يقدم رغيفًا أبيض لوالده «آمون رع» صاحب جمأتون ممثلًا برأس كبش واقفًا وممسكًا بيده علامتي السلطة والحياة ومرتديًا قرص الشمس والصِّلَّ.

ويشاهد على الجانب الأيمن الملك «تهرقا» واقفًا يقدم رغيف شعت لوالده «أي الإله آمون برأس إنسان» رب تيجان الأرضين، وبإحدى يديه علامة الحياة «عنخ» وبالأخرى علامة السلطة «واس»، ويرتدي على رأسه الريشتين، ونقش خلف الملك: حمايتي والحياة تكونان حوله مثلما هي حول رع، ثم يشاهد خلف ذلك السطر عمود من الرموز الهيروغليفية الخاصة بتأسيس المعبد عادة.

والمتن الرئيسي الذي يأتي بعد ذلك يتلخص في أنه سجل رسمي للاحتفال بافتتاح معبد «تهرقا» الذي أقامه في جمأتون في السنة العاشرة من حكمه حوالي عام ٦٧٩ق.م في يوم عيد رأس السنة المصرية، وتدل شواهد الأحوال على أن ما جاء ذكره في النقوش السابقة الخاصة بهذا الفرعون «أي ما جاء في اللوحات التي تحمل هنا الأرقام ٣، ٤، ٦ من نقوش الكوة» توحي على ما يظهر بأن المعبد كان قد تم في خلال السنين التي أقيمت فيها هذه اللوحات، غير أن ذلك لا يعني في الحقيقة أكثر من أن الأعمال كانت سائرة في مجراها في التقدم في إنجاز المعبد، وقد بدئ العمل في هذا المعبد في السنة السادسة، وعلى ذلك كان لا بد لإتمامه من أربعة أعوام.

ترجمة ما تبقى من متن هذه اللوحة: السنة العاشرة الشهر الأول من فصل الفيضان اليوم الأول من٦٠ عهد جلالة حور المسمى «قا-خعو» والسيدتان المسمى «قا-خعو»، وحور الذهبي المسمى «خو-تاوي»، ملك الوجه القبلي والوجه البحري المسمى «خو-رع-نفر تم»، ابن «رع» المسمى «تهرقا» معطي الحياة، مثل رع أبديًّا.
(٢) إقامة ورش وتقديم بيت لصاحبه٦١ ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» ليته يعيش سرمديًّا، لقد عمل بمثابة أثره معبد والده آمون العظيم الذي في جمأتون، وقد أقيم من (٣) الحجر بوصفه أثرًا باقيًا، وقد أقيمت الجدران ورفعت العمد ممكنة ومستمرة أبديًّا، وفضلًا عن ذلك أمر (٤) جلالته بإحضار خشب الأرز اللبناني الحقيقي جنوبًا لأجل أن تنصب أشجاره «يقصد هنا عمد الأعلام» في هذا المعبد الذي أقامه جلالته لوالده «آمون»، وقد أضيفت إلى بوابات المعبد «أي الأشجار التي تعني بها عمد الأعلام» التي عملها جلالته (٥) وإنه هو الذي حفر «الأرض» لأجل الماء البارد الخاص بموائد القربان التي ترضي قلب «آمون» العظيم، وعمل مخزنًا لدخل المعبد الذي أهداه جلالته لوالده.

(٦) والآن فإن جلالته ملك شجاع نصائحه طيبة وأعماله سعيدة، وقد أنجبه والده آمون … وعندما (٧) عرف أن رغبته في بناء بيت للإله، وفي إصلاح المعبد، وآنذاك كان جلالته في البلد (؟) … رجال بلاطه، أما من جهة (٨) ما يعرفه جلالته عن معبد والدي «آمون رع» صاحب «جمأتون» … أن جلالته قد أقام (٩) ثانية بيت والدي آمون العظيم المكانة من حجر صلب باقٍ طيب (؟) … في عهد جلالته سيبقى (١٠) ويستمر المحبوب من «بتاح» سوف (؟) … هم ليعملوا مثل (١١) كما بدأ جلالته … ذهب … وقد جعل الإله يثوي فيه (١٢) … أبديًّا من اللبنات (١٣) … وهو بجانب ما كان باللبنات … (١٤) … ابن يحمي والده، وقد عمل لأجل من عمل له (١٥) … وقد ظهر ملكًا على الوجه القبلي والوجه البحري على عرش حور سرمديًّا.

وبهذه اللوحة تختم المتون التي عثر عليها في الكوة «جمأتون» للملك «تهرقا».

والظاهر أن معبد «الكوة» هذا، مما جاء من تلميحات في هذا المتن، أنه كان قد أقيم على أنقاض معبد آخر لم يتبقَ لنا منه شيء.

هذا؛ وليس لدينا من اللوحات التاريخية التي لها اتصال مباشر بعصر الملك «تهرقا» إلا لوحة واحدة وهي اللوحة التي عثر عليها مريت في مدفن السربيوم «بمنف»، وسنتكلم عنها هنا قبل أن نتكلم عن آثاره الأخرى في بلاد النوبة ثم في أرض الكنانة نفسها.

لوحات الكوة وما تلقيه من ضوء على تاريخ «تهرقا» العام وعصره

لا نزاع في أن متون لوحات معبد «جمأتون» التي من عهد الملك «تهرقا» تلقي أضواء هامة على تاريخ وادي النيل وما جاوره من البلدان، من ذلك ما يلحظ من نقل سكان إلى «الكوة» كما جاء في اللوحة السادسة (السطر ١٥) وكذلك نقل أميرات من الوجه البحري كما جاء في نفس اللوحة في السطر العشرين، وهذا يجعلنا نظن أنه في خلال السنين الأولى من القرن السابع قبل الميلاد قد وقعت حروب بين ملك «كوش» وولايات الدلتا المستقلة، ويتساءل الإنسان هل كان سبب ذلك التدخل في شئون الدلتا واستعباد أهلها راجعًا في الأصل إلى هجوم قام به «شبتاكا» على هذه البلاد؟ هذا ما جاء ذكره في المتن الكبير الخاص بالفيضان في السنة السادسة (سطر ١٧)، وعلى ذلك يمكن أن نتساءل مرة أخرى أليست تهدئة الأحوال بإخماد نار الفتن في الدلتا وإعادة الرخاء في السنة السادسة من حكم «تهرقا» تضع أمامنا صفحة جديدة في تاريخ التسلط الكوشي على مصر؟

ومن أجل ذلك كان قد قرر «تهرقا» مجيء والدته إلى الديار المصرية كما كان قد أمر ببناء المعبد T بعد أن أصبح الجو صافيًا له، ويلفت النظر كذلك هنا أهمية مدينة «منف» في عهد الملك «تهرقا» فقد توج فيها، وعلى ذلك لا يبعد أنه قد اتخذها بعد ذلك مقرًّا لحكمه.

وليس ذلك بغريب؛ فإن لقب «تهرقا» «رع-حافظ نفر تم» يجوز أن يكون له اتصال بمنف، والإله «نفر تم» كما هو معلوم هو أحد أفراد ثالوث «منف» وهم «بتاح» والإلهة «سخمت» زوجه ثم «نفر تم» ابنه، يضاف إلى ذلك أن اسم «تهرقا» «محبوب بتاح» كان شائعًا في نقوشه.

ولا يفوتنا أنه كان يقلد في ذلك الملك «شبكا» الذي قيل عنه إنه هو الذي عثر على المتن الأصلي الخاص باللاهوت المنفي الذي تحدثنا عنه فيما سبق، فقد كان يدعى كذلك «محبوب بتاح» (Bull, Inst, LI, P. 28 No.3).
هذا؛ وتشير كذلك متون هذه اللوحات إلى امتداد مملكة «كوش» نحو الغرب، فقد جاء ذكر نقل أمراء التحنو إلى بلاد النوبة في اللوحة رقم ٣ سطر ٢٢، هذا بالإضافة إلى متن مماثل عثر عليه في «صنم أبو دوم» (راجع A.A.A, 9. Pl 26, 8) وأخيرًا وجد اسم «التحنو» في قائمة أصلها في الواقع قديمة خاصة بالبلاد المقهورة (Ibid Pl. 41,1).
وليس من شك في أن الإشارة هنا إلى لوبيي مرمريقا «برقة» الذين كان قد استخدمهم «تفنخت» لمحاربة «بيعنخي» (Urk, III, 8, 1. 11)، يضاف إلى ذلك وجود إشارة إلى أهالي الواحة البحرية كما جاء في متن اللوحة رقم ٦ سطر ٢٠ عن نبيذ الواحة البحرية.
ولدينا قائمة أسماء جغرافية عن البلاد التي غزاها «تهرقا» وقد جاء فيها ذكر الواحة (راجع A.A.A, 9. Pl 23, A)، وهذا يسمح لنا أن نظن أن الكوشيين منذ الأسرة الأولى كانوا قد مدوا سلطانهم على الواحات، وقد يؤكد ذلك الكشف حديثًا عن قطعة حجر عليها اسم «شبكا» في الواحة البحرية (راجع له Fakhry, A. S, 39, P. 64, & Bahria Oasis, II P. 730).
ولدينا حقائق كثيرة، بغض النظر عما شاهده «هردوت» (راجع Herodot, II, 42) عن وجود مستعمرة كوشية أقامها الآمونيون، قد تكون إلى حد ما محبذة للفكرة التي اعتنقها علماء مختلفون، وهم الذين ظنوا أن وحي سيوة يرجع إلى أصل كوشي: منها على رأي «ستيندورف» احتلال هذه الواحة بالملك «تهرقا» (راجع Steindorff, Durch die Libysche Wuste zur Amonoasis, P. 69-70) هذا وقد ذكر مكأدم أن «آمون» صاحب واحة «جس جس» (أي الواحة البحرية) قد مُثل في عهد الأسرة السادسة والعشرين برأس كبش مثل «آمون» بلاد النوبة (Macadam, Texts, P. 39 No. 53).

أما نشاط ملوك «كوش» الحربي على حدود فلسطين فله علاقة بعمال «منتيو آسيا» الذين كانوا يعملون في كروم «جمأتون» كما جاء ذكر ذلك في لوحة الفيضان الكبرى، هذا بالإضافة إلى أن استعمال اللازورد (اللوحة ٣ سطر ٩) والفيروز (اللوحة ٣ سطر ٩) والبرنز (اللوحة ٦ الأسطر ١٨، ١٩) وخشب عشى وخشب مرو (اللوحة ٣ سطر ٢١، واللوحة ٦ سطر ١٤، ١٨، واللوحة ٧ الأسطر ٣، ٤) يدل على وجود علاقات اقتصادية بين وادي النيل وآسيا في تلك الفترة.

لوحة السربيوم٦٢ ونهاية عصر «تهرقا»

يوجد الآن بمتحف «اللوفر» لوحة نشرها الأثري «مريت»٦٣ وغيره، وقد سجل على هذه اللوحة دفن عجل أبيس في «منف» في السنة الرابعة والعشرين من حكم الملك «تهرقا» وهي مهمة؛ لأنه من نقوشها نعرف أنه في عام ٦٦٤ق.م، قد عد كهنة «منف» أن الملك «تهرقا» لا يزال يحكم هناك على الرغم من أنه كان قد طرده «آشور بانيبال» على ما يظهر في عام ٦٦٧ أو ٦٦٦ق.م.
وسنورد هنا الترجمة أولًا ثم نعلق عليها:

السنة الرابعة والعشرون الشهر الرابع من الفصل الثاني اليوم الثالث، لقد اقتيد الإله في سلام إلى الغرب الجميل «أي إلى مكان الدفن» بوساطة الأمير الوراثي، والكاهن سم «أي كاهن الإله بتاح»، رئيس كل الملابس «الملكية»، وكاهن بتاح ووالده، الإله المسمى «سنبف» ابن والد الإله، المنسوب إلى «سخت رع»، «عنخ وننفر»، الذي وضعته «ناعا-تايس نهتت»، وأخوه والد الإله المنسوب إلى «سخت رع» «بتاح حتب».

التعليق: ولا نزاع في أنه لدينا في نقوش هذه اللوحة مثال بدهي، إذا كان تسلسل تاريخ نهاية حكم الملك «تهرقا» أكثر تأكدًا مما نعرفه، والواقع أنه في السنة الرابعة والعشرين من حكم «تهرقا» دفن عجل أبيس في السربيوم بمنف. والتأريخ المصري يظهر وطيدًا لحد ما ليؤكد لنا أن هذا التاريخ يقابل السنة ٦٦٦ق.م تقريبًا، وقد اعتقد الأستاذ٦٤ «برستد» أن «تهرقا» في هذه اللحظة لم يكن يحكم بعد في «منف» بل كان قد طرده «آشور بانيبال» منها، هذا ويرى في طريقة تأريخ هذه اللوحة التي كانت قد أخفيت في جوف دهليز تحت الأرض إثباتًا خفيًّا لولاء الكهنة للملك «تهرقا» على الرغم من أنه لم يكن يحكم البلاد فعلًا، وقد يكون لدينا هنا مثل مؤكد عن جهل المؤرخين المتأخرين بالوثائق الخاصة بالفتح الآشوري لمصر، وقد زاد الطين بلة أن تاريخ حملة «آشور بانيبال» على مصر غير مؤكد حتى الآن فيضعه بعض المؤخين على حسب الوثائق المسمارية في عام ٦٦٧ق.م،٦٥ ويضعه بعضهم الآخر، على ما يظن على حسب لوحة السربيوم في عام (٦٦٦)،٦٦ ومما يؤسف له جد الأسف أن «آشور بانيبال» لم يترك لنا حوليات بالمعنى الصحيح، ولكن ترك لنا متونًا خاصة بمبانيه مسبوقة بمقدمة طويلة واصفة حملاته، ولكن لم تكن بالترتيب التاريخي، هذا ونجد في الطبعة الأخيرة لهذه المتون أنه قد عدد على التوالي حملتين على مصر وحملة على صور، وحملة على بلاد «ميديا»، وحملة على «عيلام»، وحملة على بلاد «بابل»، وحملتين أخريين على «عيلام»، وحملة على بلاد العرب،٦٧ فإذا كانت هذه الحملات قد وقعت متتابعة سنة فسنة فإن الحملتين الأولى والثانية على مصر تقعان في السنتين ٦٦٨ و٦٦٧ق.م، والرابعة تقع في السنة ٦٦٥ق.م، والسادسة في السنة ٦٦٣ق.م، والتاسعة في السنة ٦٦٠ق.م.
والواقع أننا نعلم أن الحملة الرابعة على أكثر تقدير قد وقعت في عام ٦٦٩ق.م، إذا لم تكن قد وقعت في عام ٦٦٨ق.م،٦٨ وإن الحملة السادسة وقعت في سنة ٦٤٨ق.م،٦٩ والحملة التاسعة معاصرة للحملة السادسة أو قبلها،٧٠ وعلى ذلك فليس لدينا ما يبرهن على أن الحملتين الأولى والثانية قد وقعتا في العامين ٦٦٨ق.م، و٦٦٧ق.م، بل على العكس نعلم أن «آشور بانيبال» كان يحارب في الحملة الثانية الملك «تانوت آمون» خلف «تهرقا» وقد امتطى عرش الملك عام ٦٦٤ق.م، فالحملة الثانية كانت تؤرخ إذن بهذه السنة، والحملة الثالثة قد وقعت بعدها على أكثر تقدير في السنة ٦٦٣ق.م؛ وذلك لأن «آشور بانيبال» يتحدث فيها عن الثورة التي قام بها عليه الملك «بسمتيك الأول»٧١ الذي أرخ أول حكمه بهذه السنة.٧٢

بعد كل ذلك نعود إلى الحملة التي قادها «آشور بانيبال» على «تهرقا»، فإذا علمنا أنه في عام ٦٦٨ق.م لم يقم الآشوريون بأية حملة إلا التي قاموا بها على بلاد «ميديا»، وأنه في عام ٦٦٤ق.م قد تولى «تانوت آمون» عرش ملك مصر خلفًا لتهرقا فإنه يكون لدينا الخيار بين السنين ٦٦٧، ٦٦٦، و٦٦٥ق.م ليكون تاريخًا لهذه الحملة.

وعلى أية حال فإن الحل لهذه المسألة سيكون بالكشف عن متن لحوليات بابلية لهذا العصر؛ وذلك لأنه يوجد الآن في التاريخ البابلي ثغرة من ٦٦٨ إلى ٦٥٢ق.م، وكذلك نلحظ أن ما لدينا من تأريخ من ٦٥٢ إلى ٦٤٨ق.م مختصر لدرجة أن هذه الثغرة تمتد حتى ٦١٦ق.م.٧٣
ومن الجائز أنه بتاريخ دفن العجل أبيس الذي مات في السنة الرابعة والعشرين من حكم «تهرقا» قد أكد كهنة السربيوم ولاءهم للملك الذي طرده الغزاة الفاتحون الأجانب، غير أن هذا شيء ليس مؤكدًا، ولكنه من البدهي أن الآشوريين لم يعترف بهم ملوكًا على مصر، وعلى أية حال فإن ملوك آشور لم يفرضوا أنفسهم على المصريين بوصفهم فراعنة على وادي النيل، هذا؛ ولدينا لوحة بمتحف اللوفر نعلم من نقوشها أن عجلًا من عجول أبيس قد مات وعمره إحدى وعشرون سنة في عام ٦٤٣ق.م، وهذه السنة تقابل العشرين من حكم الملك «بسمتيك الأول»، وهذا العجل كان قد ولد في السنة السادسة والعشرين من حكم الملك «تهرقا»؛ أي في السنة ٦٦٤ق.م،٧٤ ويستنبط من عرض هذه التواريخ أنه من وجهة ترتيب التواريخ ترتيبًا متتابعًا على حسب الحوادث المصرية لا يوجد للفتح الآشوري؛ أي مكان في القوائم التي خلفها لنا الأقدمون، والواقع أن ما استنبطه كل من «فنديه» «ودريوتون» (Ibid, P. 529) من أن «تهرقا» كان لا يزال معترفًا به في منف عام ٦٦٤ق.م، ليس بالأمر الواضح تمامًا، هذا وقد ذهبا كذلك إلى أن «تهرقا» كان معترفًا به في طيبة، هذا إذا كانت صورة «تهرقا» التي نراها مشرفة على النقش الكبير الذي تركه لنا «متنومحات» تعد معاصرة لهذا المتن، غير أن التاريخ الذي نسب إلى متن «متنومحات» لا يرتكز إلا على بعض تلميحات في المتن مهشمة تشير إلى عصر مضطرب أراد بعض المؤرخين أن يستنبط منه تخريب مدينة طيبة على يد الآشوريين كما سنرى بعد.

(٢-٧) آثار «تهرقا» الأخرى ومخلفاته في بلاد النوبة

خلف الفرعون «تهرقا» آثارًا كثيرة أخرى غير التي ذكرناها فيما سبق في بلاد النوبة عامة، ولا نزاع في أنه يعد حتى الآن في طليعة الملوك الذين تركوا لنا آثارًا عدة في هذا الشق من وادي النيل، وهاك أهم ما عثر عليه حتى الآن.

  • (١)
    خور حنوشية: عُثر للملك «تهرقا» على متن مكتوب على الصخر في خور حنوشية التي تقع بين كلابشة وبيت الوالي، وقد أرخ بالسنة التاسعة عشرة، ويلحظ أن هذا المتن قد هشم من اليسار وذكر عليه السنة التاسعة عشرة٧٥ الشهر الثالث من فصل الفيضان، ثم ذكر بعد ذلك اسم الفرعون وألقابه الفرعونية المعروفة، ويقول «ويجول»: إنه على ما يظهر قد دون هذا النقش وهو في طريقه إلى عاصمة ملكه في الجنوب بعد أن هزمه «إسرحدون» ملك آشور، هذا ولدينا نقش آخر على صخر كذلك على مسافة كيلو متر من غربي طيفة مؤرخ بنفس السنة والفصل.
    ويقول «ويجول» كذلك إنه كتب تخليدًا لسير «تهرقا» متقهقرًا إلى السودان حوالي عام ٦٦٩-٦٦٨ق.م، وذلك عندما دخل «إسرحدون» مصر من الشمال، والواقع أن هذا النقش يدل على محاولة «تهرقا» أن يظهر ما كان عليه من شجاعة وإقدام ودخوله بلاده دخول الملك المظفر، على الرغم من أن النقش يعد سجلًّا دون فيه لحظة سيطر فيها «تهرقا» على جيشه وقاده بنظام في ساعة عصيبة من جراء هزيمته المنكرة التي هزم فيها على يد «إسرحدون»٧٦ ولا غرابة في ذلك؛ فإن «تهرقا» لم يذكر لنا شيئًا قط عن حروبه مع «آشور».
  • (٢)
    ووجد كذلك للملك «تهرقا» جزء من لوحة مصنوعة من الطين عليها طغراؤه،٧٧ ويحتمل أنه وجد بالقرب من الكنيسة القبطية الواقعة قبالة «أبريم».
  • (٣)
    قصر أبريم:٧٨ وكذلك وجد في معبد قصر أبريم قطعة حجر عليها اسم «تهرقا» مثبتة بالجدار.
  • (٤)
    بهين: وجد في معبد بهين الجنوبي صورة للملك «تهرقا» (؟) على سمك باب المحراب وقد مثل وهو داخل، كما وجدت كذلك صورته على قطعة من مقصورة راكعًا وفي يده إناء نبيذ وهو يتقبل علامة الحياة من الإله.٧٩
  • (٥)
    سمنة – معبد تهرقا: كشف الأثري «بدج» عن معبد للملك «تهرقا» في أوائل القرن العشرين في سمنة، ويقع هذا المعبد جنوبي معبد الفرعون «تحتمس الثالث» الذي أقامه في هذه الجهة، ومعبد «تهرقا» مقامة جدرانه من اللبنات، وقد أقيم تكريمًا للملك «سنوسرت الثالث» فاتح السودان والذي كان يعد ضمن آلهة هذه البلاد، ولا نزاع في أن «تهرقا» كان يؤله «سنوسرت» تشبهًا بالفاتح العظيم «تحتمس الثالث» الذي أله «سنوسرت» من قبله ومثل وهو يقدم له القربان، ومن ثم كان «تهرقا» يعد نفسه من عظماء الفاتحين ويتشبه بهم، ولا غرابة إذن أن نجد سترابون قد وضعه في مصاف الفاتحين في العالم (راجع Strabon XV, l, 16 & Ibid l, 3:21).

    وتدل شواهد الأحوال على ما يظن على أن هذا المعبد كان موجودًا من قبل، وأن «تهرقا» قد جدده، فقد وجد في داخله تمثال لأحد ملوك الأسرة الثالثة عشرة يدعى «خوتاوى رع».

    وقد وجد معبد «تهرقا» عند الكشف عنه سليمًا، ويبلغ طوله حوالي ثلاثة وعشرين مترًا وعرضه حوالي عشرين مترًا ونصف متر، وكان يحتوي على ردهة أمامية مقام فيها ستة عمد وعلى حجرة في داخلها محراب مستطيل طوله خمسة أمتار وثمانية وأربعون سنتيمترًا، والمسافة بينها وبين المحراب ١٫٩٥ من الأمتار، وتوجد في المحراب مائدة قربان نقش عليها طغراء «تهرقا» وكذلك طغراء «سنوسرت الثالث»، والنقش بأكمله هو: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» العائش سرمديًّا عمله بمثابة أثره لوالده الإله الطيب «خع-كاو-رع» محبوبه، من هذا نفهم أن «تهرقا» قد أقام هذا المعبد ووهبه للملك المؤله «سنوسرت الثالث» وقد اعتبره بمثابة والده، وهذا النقش له أهمية ملحوظة لا تقتصر على أن «تهرقا» قد أقام معبدًا في سمنة وحسب بل لأنه قد عد «سنوسرت الثالث» وهو أول ملك استولى على السودان فعلًا بمثابة جد إلهي، وفي هذا ما يدل على أن ملوك الأسرة الخامسة والعشرين يعدون أنفسهم من أصل مصري، ومما يلفت النظر هنا أن «تهرقا» قد مر على ملوك مصر العظام أمثال «تحتمس الثالث» الذين أقاموا معابد في بلاد «كوش» واختار أول فاتح مصري لوطنه وإلهه.٨٠
  • (٦)

    جبل برقل: نحت الفرعون «تهرقا» معبدًا للإله «آمون» في الصخر في جبل برقل إلى عمق حوالي خمسين قدمًا، ويرى في خرائبه بقايا نقوش على جدران حجراته التي كانت فيما سبق في الجبل.

    وعلى رأي كايو Caillaud كان هذا المعبد يحتوي على قاعة صغيرة تشمل أربعة أعمدة وحجرة صغيرة تشمل عمودين ومحرابًا، وتدل الظواهر على أنه كان لهذا المعبد ردهة أمامية مقامه على ستة أعمدة لا تزال بقاياه مبعثرة حتى الآن.
    هذا؛ ولا تزال بقايا بوابته ظاهرة، وهذا المعبد يعرف عند الأثريين بالمعبد رقم B 200.٨١
  • (٧)
    معبد جبل برقل الكبير رقم B 300:٨٢ وعلى مسافة قريبة من المعبد السابق معبد كبير سماه ريزنر المعبد رقم B 300 أقامه الملك «تهرقا» أو «ترهاقا» كما جاء ذكره في التوراة، وهذا المعبد كان في الأصل قد أقيم للإله «آمون» ولكن سماه كل من الرحالين «كايو» «وهسكنز» خطأ معبد «تيفون»؛ وذلك لأنهما وحدا صورة الإله «بس» التي حفرت على بعض أعمدة المعبد بالإله «تيفون»؛ أي الإله ست «إله الشر والخبث» وعلى أية حال فإن كلًّا من الإلهين «تيفون» «وبس» كان له صفات خاصة به تختلف عن صفات الإله الآخر.
    ويواجه باب معبد «تهرقا» هذا نقطة البوصلة ١٤٣ للشمال الحقيقي، ويبلغ طول المعبد حوالي ١١٥ قدمًا وعرضه حوالي خمسين قدمًا، وكان عمق بوابته حوالي إحدى عشرة قدمًا وعرضها حوالي قدمين ونصف القدم، ومن المحتمل أنه كان يوجد أمام البوابة بعض مبانٍ خارجة عن البناء الأصلي ترتكز على أربعة أعمدة، وتوجد خلف البوابة ردهة نقش على إفريزها هذا المتن بمثابة اهداء المعبد: «تهرقا» العائش سرمديًّا، لقد عمله «أي المعبد» أثرًا له لأمه «موت» صاحبة «نباتا»، فقد أقام لها معبدًا من جديد من الحجر الرملي الأبيض الجميل، وكان جلالته قد وجد أن هذا المعبد قد أقامه الأجداد من الحجر بصورة رخيصة، فأمر جلالته بأن يقام هذا المعبد بمبانٍ ممتازة سرمديًّا٨٣ ونقش في نفس الردهة متن كالسابق وهو: لقد عمله بمثابة أثره لوالدته «موت» سيدة السماء وملكة النوبة، وقد أقام بيتها وزاد في معبدها من جديد بالحجر الرملي الأبيض،٨٤ وتحتوي هذه الردهة على ستة عشر عمودًا منظمة في صفوف مزدوجة، ويقع كل صف مزدوج على جانب الممر.

    وخلف الردهة السابقة ردهة أخرى تحتوي على ثمانية عمد في صفين مزدوجين، ويرى الأثري «هسكنر» أن هاتين تؤلفان خارجة طولها ٥٩ قدمًا وعرضها ٥٠ قدمًا، وقد عثر كل من «كايو» «ولبسيوس» على آثار للجدار الذي يفصل الردهتين، وهذه الآثار لا تزال ظاهرة، والعمد التي أقيمت على كل من جانبي الممر كانت مستطيلة الشكل كما كانت مزينة بصورة الإله «بس» (إله الفرح والسرور) الذي يلبس ريشًا عاليًا، ويبلغ طول كل عمود سبع عشرة قدمًا وثلاث بوصات، والعمد التي نصبت بين عمد الإله «بس» كانت أعلى قليلًا، ولكن محيط العمود كان ثلاث أقدام وست بوصات فقط، وقد أقيمت على قواعد مستديرة بدلًا من مربعة، وكل عمود محلى بتاج على هيئة رأس البقرة حتحور، ومما تجدر بنا ملاحظته هنا أن أوجه البقرة حتحور كانت تتجه نحو جدران المعبد، فإذا كانت أوجه حتحور قد اتجهت إلى الشمال والجنوب من جوانب العمد فإن صورها كان يغطي عليها العمد التي رسمت عليها صور إله بس، وهي العمد التي كانت مقامة أمامها.

    نصل بعد الردهة الثانية إلى حجرة صغيرة منحوتة في الصخر الأصم، وعلى جانبي الممر أقيم عمود مستطيل محلى بصورة الإله «بس» نقش عليه اسم الملك «تهرقا» وألقابه، ويرى حتى يومنا هذا على أجزاء الكرنيش الباقية نقش ذكر فيه تقديس الملك للإله آمون الممثل برأس كبش والإلهة «موت» سيدة «تاستي» وألقاب كثيرة للملك، كما يشاهد على جدران المعبد بقايا نقوش وصور مثل فيها الملك يتعبد ويقدم القربان لآلهة الجبل المقدس؛ أي جبل «برقل» وبخاصة يقدم البخور للإله أنحور «أونوريس إله الحرب والنصر»، ونشاهد في إحدى هذه المناظر الملكة «تكاها تاماني» زوج «تهرقا» ترتل بالصناجات أمام الإله آمون، هذا ونجد في نقوش هذا المعبد ما يشير إلى أن الملك يقوم بتجديد المعبد؛ أي إنه لم يكن المؤسس الحقيقي له، ومن البدهي أن بقايا الألوان التي لا تزال ثابتة على الأحجار فيه تدل على أن هذا الجزء من المعبد الذي فيه الألوان كان ملونًا، وعلى الرغم من أنها تكشف عن سذاجة بالنسبة للذوق الحديث إلا أنها كانت من غير شك تروق في أعين أهل العصر الذي عملت فيه، والممر الأخير يوصل إلى المحراب الذي يبلغ طوله حوالي ثلاث وعشرين قدمًا وعرضه ثلاث عشرة قدمًا، وجدران هذا المحراب مزينة بسلسلة من المناظر يشاهد فيها الملك «تهرقا» يقدم قربانًا إلى عدة آلهة وإلهات، وبعض الآلهة يتبع مجموعة «آمون رع» وهو الإله الذي أهدت له الآلهة هذا المعبد كما ذكرنا آنفًا، ويوجد على اليسار حجرة في حجم المحراب غير أنها أقل منه بقليل جدًّا، ويشاهد على جدرانها الملك «تهرقا» يقدم قربانًا للآلهة ومن بينهم الإله «ددون» إله بلاد النوبة، ويوجد على يمين المحراب حجرتان إحداهما خلف الأخرى والأولى طولها سبع عشرة قدمًا وعرضها سبع أقدام وسبع بوصات، والأخرى طولها خمس أقدام وعرضها سبع أقدام، ويلحظ في الحجرة الكبيرة أن المناظر فيها تمثل الملك يقدم قربانًا لآلهة آخرين، أما الحجرة الصغيرة فليس فيها نقوش، والظاهر أنها لم تكن قد تمت بعد.

    والواقع أن أهم منظر يلفت الأبصار في هذا المعبد هو المنظر الذي ظهر فيه الإله «ددون» إله بلاد النوبة الأصلي، وتدل الأحوال على أن هذا الإله قد بقي خامل الذكر في النقوش المصرية القديمة منذ عهد الملك «سيتي الأول» في بلاد النوبة حتى عهد الملك «تهرقا» فقد وجدناه مذكورًا بين آلهة معبد جبل «برقل» الذي نحن بصدده الآن، ففي الحجرة الغربية التابعة للمحراب؛ أي التي على يسار المحراب نرى «تهرقا» يقدم رغيفًا من الخبز للإله «ددون» سيد بلاد النوبة، ومما يؤسف له أنه لم يبقَ من صورة الإله نفسه إلا تاجه، وهو يتألف من قرني «كبش» في وسطهما قرص الشمس تكنفه ريشتان عاليتان من ريش النعام، وهذه أول مرة نرى فيها الإله «ددون» يمثل بلباس رأس غير الكوفية التي كان يرى بها عادة، وعلى ذلك لا يجوز لنا أن نستنبط من هذا التجديد في تصويره أنه في خلال هذه المدة الطويلة التي اختفى فيها من الآثار قد وحد مع إله آخر مصري المنبت كان يلبس التاج الخاص به، غير أن هذا الموضوع يستلزم البحث والتدقيق، وإن كان في الواقع لا غرابة فيه؛ لأن بلاد السودان ومصر كادت تكون موحدة في كثير من مظاهر الحياة وبخاصة في الدين والعادات والنظم الاجتماعية، فنجد مثلًا أن «تهرقا» الكوشي الأصل قد أقام في الكرنك بالقرب من معبد «آمون» بالكرنك «ولكن خارج أسواره» معبدًا صغيرًا تخليدًا لتتويجه في طيبة، وهذا المعبد كان مهدى للإله «أوزير بتاح»،٨٥ ويوجد في أحد مناظره أربعة آلهة محمولين في موكب يقف كل واحد منهم على حامل خاص، ويمسك كل واحد منهم بذراعيه المرفوعتين كاهنًا وأميرة، ويلقب الكاهن هنا بلقب «فاتح مصراعي باب السماء» وهو من أهم الشخصيات مقامًا في وظائف الكهنة في الكرنك واسمه «حور محب»، وتقوم الأميرة هنا بوظيفة الزوجة الإلهية والمتعبدة الإلهية لآمون، وتدعى «أبارا» أما أربعة الآلهة المحمولين باحتفال فهم على حسب ما يمكن استخلاصه من المتون المهشمة ما يأتي: الإله «ددون» والإله «سبد» (إله الشرق؛ أي آسيا) والإله «سبك» في صورة تمساح «وهو إله الغرب؛ أي «التحنو»؛ أي الليبيين» والإله «حور» محبوب والدته وقد مثل في صورة صقر، والإله «ددون» قد مثل هنا بلباس رأس بسيط وهو كوفية وله لحية طويلة مستعارة، ويزين رقبته قلادة كبيرة، ويغطي جسمه قميص ضيق يفصِّل أجزاء جسمه له حمالتان، ويتدلى من حزامه ذيل الحيوان المعروف الذي يلبسه الملوك والآلهة. والمتن الذي يتبع هذا الإله مهشم، ولكن يمكن أن نقرأ منه اسم هذا الإله ولقبه وهو «ددون» الذي على رأس بلاد النوبة، هذا وقد نقش تحت كل من هؤلاء الآلهة سطر عمودي جاء فيه: نطق: أن «ددون» قد نصب فوق حامله لأجل أن يعمل.

    ومعنى هذا المتن أن إلهًا من هؤلاء الآلهة الأربعة كان يمثل الملك نفسه، وإذا كان «تهرقا» قد ظهر في صورة كل من الإله «ددون» والإلهة «سبد» والإله «سبك» والإله «حور محبوب والدته» فإن ذلك يرجع إلى أن هؤلاء الإلهة يمثلون الجهات الأربع الأصلية؛ أي الجنوب والشرق والغرب والشمال، وكان الملك يقصد من ذلك أنه سيحكم أركان العالم الأربعة.

    وهذا الحفل يرجع تاريخه إلى عهد ذكريات تتويج «حور» بعد موت والده «أوزير»، ومن ثم نفهم أن «ددون» كان يمثل الجنوب؛ أي أعالي النيل في حين أن «سبد» كان يمثل الشرق؛ أي الصحراء الغربية وسيناء وسواحل البحر الأحمر ويمثل «سبك» الغرب؛ أي الصحراء اللوبية والواحات ولوبيا، ويمثل «حور محبوب والدته» الشمال؛ أي مصر نفسها، ومن ذلك نفهم أن الآلهة الأربعة كانوا يقدمون بكل تقديس للملك «تهرقا» في مناسبة عيد تتويجه في طيبة سيادتهم على الأقاليم التي يسيطرون عليها، هذا إلى أن أهل طيبة كانوا يعبرون في حضرة إلهم «آمون رع» عن قبولهم الأمير الذي يقدمه لهم آلهة أركان العالم الأربعة ملكًا عليهم.

    ولا نزاع في أن معنى هذا المنظر مفهوم من تلقاء نفسه، ومع ذلك فقد أكده لنا منظر آخر في نفس المعبد حيث نجد الملكة «أبار» تشد قوسها وتُفَوِّق سهامها إلى الجنوب والشمال والغرب والشرق على الأعداء الذين سلمهم لها الإله «آمون»، ويلحظ هنا أن كلًّا من الأقاليم الأربعة قد خصص بالعلامة الهيروغليفية الدالة على البلد، وأن كلًّا منها قد أصيب بسهم، والواقع أننا هنا أمام الشعيرة التي كانت تصحب منظر إطلاق طيور في الجهات الأربعة للأفق في يوم تتويج الفرعون أو يوم الاحتفال بعيد تتويجه، ولدينا مثلان غير ما ذكرنا؛ واحد بالكرنك ويرجع لعهد الملك «تحتمس الثالث»،٨٦ والآخر في نقوش إدفو من عهد أحد ملوك البطالمة.٨٧

    نعود الآن بعد هذا الشرح المفصل إلى معبد جبل «برقل» فنقول: إن المناظر والمتون التي على جدران المعبد لا تحدثنا بشيء عن تاريخ «تهرقا» وحكمه، ولكن نفهم أن المبنى من أوله إلى آخره يكاد يكون نسخة «طبق الأصل» من المعابد الجنازية في مصر، ومن المدهش أن «تهرقا» لم يقلد عظماء ملوك مصر في نقش جدران معبديه الخارجية بتدوين انتصاراته عليها كما فعل «رعمسيس الثاني» مثلًا، ومن المحتمل أنه لم يجد لنفسه انتصارات يدونها على هذه الجدران، على الرغم من أنه كان يعد في نظر الإغريق قائمًا كما سنتحدث عن ذلك فيما بعد.

    ويقول الأثري بدج:٨٨ ومن الخاصيات التي تلفت النظر في هذا المعبد العمد المرسوم عليها صور الإله «بس»، ونجد نظائرها في «نجع» وفي أماكن أخرى في السودان، وهذا يحدو بنا إلى الاعتقاد بأن الإله «بس» كان إلهًا محليًّا، والمعتقد أنه هو إله مصري، ومن الجائز أن اسم «بس» قد أطلق على هذا الإله؛ لأنه يرتدي جلد الحيوان «بس» الذي وحد بالحيوان Filis Cyrailurus، وتمثيل هذا الإله لابسًا لباس رأس بريش يدل على أنه حيوان بري أو شبه بري، وأن خواصه أفريقية الأصل أكثر منها آسيوية، وصورة «بس» توحي بأن موطنه هو موطن الأقزام، هذا إلى أن علاقة اسم هذا الإله ببلاد «بنت» وأرض الأرواح تشير إلى وجود اعتقاد بأن عبادته كانت من إنتاج أقوام الجزء الشرقي من وسط أفريقيا، يضاف إلى ذلك أن الإله «بس» كان يعد إله الفرح والسرور والمرح، وهذه كلها سجايا يتصف بها أهل أواسط أفريقيا وبلاد السودان.

(٢-٨) آثار «تهرقا» في القطر المصري

  • (١)
    في معبد الفيلة: عثر في معبد الفيلة على قاعدة يجوز أنها كانت للسفينة المقدسة، وقد وجدت في نهاية قاعة العمد في الركن الجنوبي الشرقي من الردهة بين البوابة الأولى٨٩ والثانية، وكرنيش هذه القاعدة بسيط، ولكن وجد في مربع أحد أوجه هذه القاعدة نقش للملك «تهرقا» جاء فيه: «محبوب آمون» صاحب «تاكمبس» ابن رع «تهرقا» معطي الحياة مثل رع، ملك الوجه القبلي والبحري «خو رع نفر تم» «محبوب آمون تاكمبس» معطي الحياة، ومن البدهي أن «آمون» كان هو الإله الرئيسي الذي يعبده «تهرقا»، غير أنه على ما يظهر لم يوجد أي أثر في «فيلة» يدل على عبادة هذا الإله أو على تقى «تهرقا» وورعه، وإذا كانت هذه القاعدة تابعة لمعبد «فيلة» حقًّا فلا بد أنها كانت قد أهديت لآمون قبل بناء معبد «إزيس»، ومما تجدر ملاحظته هنا وجود اسم «تاكمبس» الذي يُحيي نظرية الأستاذ «زيتة» القائلة بأن جزيرة «تاكمبس» التي جاء ذكرها في هردوت٩٠ هي فيلة، ومن المحتمل إذن أن فيلة في عهد «تهرقا» كانت تسمى «تاكمبس».
  • (٢)
    معبد الكرنك: مقياس النيل: كان الملك «تهرقا» ضمن الملوك الذين دونوا مقاييس النيل على مرسى الكرنك.٩١
    وهاك النص على حسب ما جاء في برستد:٩٢

    (٣٤) السنة السادسة من عهد الملك «تهرقا» محبوب آمون العظيم.

    (٣٥) النيل: السنة السادسة في عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «خو رع-نفر تم» ابن رع «تهرقا» العائش أبديًّا «نون» العظيم آمون العظيم، النيل والد الآلهة، والتاسوع «المقدس» على الفيضان «يحتمل أن كل هذه الأسماء اسم إله مركب النيل» الذي أعطاه إياه والد «آمون» لأجل أن يصير زمنه سعيدًا.

    (٣٦) النيل: السنة السابعة في عهد جلالة الملك «تهرقا» العائش أبديًّا، محبوب «نون» العظيم، آمون العظيم، النيل والد الآلهة، والتاسوع المقدس فوق الفيضان «النيل» الذي أعطاه إياه والده آمون لأجل أن يصير زمنه سعيدًا.

    (٣٧) النيل: السنة السابعة «هكذا»٩٣ في عهد جلالة الملك «تهرقا» … «مثل رقم سبعة عدا الارتفاع فإنه يختلف، والسنة بلا شك هي خطأ، يجب أن تكون الثامنة؛ وذلك لأنها سبقت بالسنة السابعة وتبعت بالسنة التاسعة».

    (٣٨) النيل: السنة التاسعة «وجاء بعدها السنة العاشرة» من عهد الملك «تهرقا» العائش أبديًّا محبوب «نون» العظيم، وآمون العظيم.

  • (٣)
    قاعات العمد التي أقامها «تهرقا» في «الكرنك»: دلت الكشوف الحديثة على أن الفرعون «تهرقا» قد أقام قاعات عمد في جهات معبد الكرنك العظيم الأربع، فإذا اخترق الإنسان السور العظيم لمعبد الكرنك من البوابة الضخمة الواقعة في الشرق «وهي المسماة بوابة نختنيف «نقطانب»» ثم اتجه في سيره من هذه البوابة مقتفيًا المحور الرئيسي٩٤ نحو المحراب الشرقي٩٥ فإنه يصادف قاعة عمد الملك «تهرقا»، وذلك قبل أن يصل إلى معبد «رعمسيس الثاني»، والمكان الذي كانت قد أقيمت فيه مسلة اللتران٩٦ الوحيدة الموجودة الآن بمدينة روما، وهذا الجزء الشرقي من السور الشرقي لمعبد الكرنك كان مجهولًا إلى أن كشفت عنه الحفائر الحديثة، وقد كان أول من كشف النقاب بعض الشيء عن قاعة عمد «تهرقا» هذه هو الأثري العظيم «شمبليون»٩٧ ثم «لبسيوس»،٩٨ وأخيرًا قام بالكشف عنها جزئيًّا وبسرعة الأثري لجران عام ١٩٠٦-١٩٠٧، ومع كل ذلك فقد كانت كل الزاوية الشمالية القريبة من قاعة العمد هذه مطمورة تحت الأرض إلى أن كشف عنها المهندس شفرييه ونصب بعض عمدها ثانية.

    وقاعة العمد هذه تحتوي على أربعة صفوف من العمد منحوتة في الحجر الرملي الرديء وقد زينت بصور بارزة بعض الشيء، ويلحظ أن بعض تفاصيل هذه الصور قد أهمل صنعها، وأسلوب رسمها ثقيل الظل، ومع ذلك فإننا نجد أن رسم عضلات الأشخاص فيها وهي المصورة على العمد قد أبرزت على حسب الأسلوب الشائع في هذا العهد بقوة وبخاصة في السيقان، يضاف إلى ذلك أن ملامح وجه الفرعون قد مثلت بصورة واضحة تدل على أنه قد أتى من بلاد الجنوب.

    هذا؛ وقد كشفت أعمال الحفر التي قام بها المعهد الفرنسي في الجزء الشمالي من معبد الكرنك؛ أي بين خرائب معبد «آمون رع منتو» وبوابة البطالمة الشمالية عن بقايا قاعة عمد أخرى تشبه في شكلها القاعة السالفة، وتشغل المساحة التي بين بوابة «أمنحتب الثالث» وواجهة المعبد الأصلية، وهذا المبني يعد من مميزات العهد الإثيوبي.

    هذا؛ ولدينا بقايا قاعة عمد ثالثة تقع بين معبد الإله «خنسو» وبوابة بطليموس «إفرجت» في الجهة الجنوبية من معبد الكرنك.٩٩
    وأخيرًا أقام «تهرقا» قاعة عمده الضخمة الذائعة الصيت في الردهة الأولى لمعبد الكرنك في الغرب من الكرنك، وعمدها تشبه عمد القاعات الأخرى التي أقامها هذا الفرعون، ولكنها تمتاز بضخامة عمدها، ولم يبقَ من عمد هذه القاعة إلا عمود واحد، وقد عثر بجوار هذا العمود حديثًا على قائمة مدن استولى عليها «تهرقا»، وهذه القائمة كانت منقوشة على بوابة له، وهذه الأسماء يحتمل أنها نقلت عن قوائم قديمة، وبهذه المناسبة نذكر أنه يوجد على واجهة البوابة الثانية لمعبد قبالة «نباتا» نقشان١٠٠ منحوتان في الصخر مُثِّل فيهما «تهرقا» يذبح الأسرى أمام الإله، وعلى البرج الجنوبي للبوابة لا يزال هذا المنظر محفوظًا، ويحتوي على قائمة طوبرغرافية تشمل اثني عشر اسمًا «وهم من الأفريقيين والأقواس التسعة» ولكن المنظر الذي على البرج الشمالي، وهو الذي كان من المحتمل أن يحتوي على قائمة أسماء آسيوية لم يبقَ منه إلا قطعة واحدة عليها اسم واحد.١٠١
    والواقع أن القائمة الطوبوغرافية الوحيدة للملك «تهرقا» التي وجدت سليمة عن غربي «آسيا» هي التي عثر عليها في معبد الإلهة «موت» بالكرنك على قاعدة تمثال صغير كان ارتفاعه الأصلي حوالي خمسين سنتيمترًا، ولم يبقَ من هذا التمثال إلا قاعدته كما ذكرت من قبل وهي محفوظة بالمتحف المصري،١٠٢ وقد كتبت هذه القائمة بالشكل العادي في حلقات، ولكن بدون صور أسرى أو كتابة فوقها، وقد نقش اسم «تهرقا» على قمة القاعدة، ويلحظ أن القائمة منقوشة حول جوانب القاعدة الأربعة، ولكن لم يكن من بينهم آسيويون إلا الذين على الجانب الأيمن؛ أي إنه وُجد اسمان على واجهة القاعدة وتسعة على الجهة اليمنى وثلاثة على الظهر، وقد نقل «مريت» القائمة الآسيوية.١٠٣

    والقائمة كلها لا تخرج عن أنها نسخة لأربعة عشر اسمًا من قائمة الملك «حور محب» التي على الجانب الشرقي لتمثاله الضخم المنصوب أمام البوابة العاشرة بالكرنك، غير أنها أكثر حفظًا وبواسطتها يمكن أن تملأ بعض الفجوات في الأصل، وإن كانت كتابة بعض الأسماء قد غيرت أحيانًا في قائمة «تهرقا» عن قصد، وهاك القائمة:

    (١) سنجار. (٢-٣) الأقواس التسعة. (٤) نهرين. (٥) الأقواس التسعة. (٦) شاس. (٧) خينا. (٨) إرث. (٩) أسسور (= آشور). (١٠) قادش. (١١) قدن. (١٢) إكريت = أوجاريت. (١٣) تونب. (١٤) قادش.

    والواقع أن هذه القائمة إذا صدقنا حوادث التاريخ التي في متناولنا حتى الآن تكشف لنا عن مقدار ما فيها من مبالغة، وبخاصة عندما نعلم أن «تهرقا» لم يغز هذه البلاد، وبخاصة آشور التي نعلم أن ملوكها هزموه شر هزيمة واستولوا على بلاده، وتحتوي القائمة الخاصة بأهل الشمال على بلاد أفريقية مثل التمحو وأكيتا وإبهت.١٠٤

    ومما تجدر ملاحظته هنا أن التماثيل التي عثر عليها في قصر نينوة للملك «تهرقا» قد جاء عليها ذكر بلدة آسيوية تدعى «دجل»، مما يدل على اتصال هذا الفرعون ببلاد سوريا، وأنه كان بينه وبين أمرائها ود ومصافاة، وسنتحدث عن نقوش هذه التماثيل فيما بعد.

  • (٤)
    ويوجد مبنى يقع في الشمال الغربي من البحيرة المقدسة أقامه «تهرقا» بأحجار من مبني للملك «شبكا»، وهذا المبني قد اغتصبه «بسمتيك الثاني» بدوره ونسبه لنفسه١٠٥ فيما بعد.
  • (٥)
    مقصورة أوزير رب الجبانة: كشف الأثري لجران عن هذه المقصورة عام ١٩٠٠١٠٦ وكانت مغطاة بالأتربة في قاعة العمد الكبرى بالكرنك، وهي تتألف من حجرتين صغيرتين: ارتفاع الحجرة الأولى منهما ٢٫٢٦ مترًا وعرضها ٢٫١١ مترًا، وباب هذه الحجرة يؤدي إلى الحجرة الأخرى التي يبلغ ارتفاعها ١٫٢٤ من المتر، وأغلب الظن أن هذه المقصورة تعد أصغر أثر ديني في مصر، ولا شك في أن صغر حجمه قد جعله يضيع وسط معبد الكرنك الهائل، وتقع هذه المقصورة في شمالي قاعة العمد المذكورة على مسافة اثني عشر مترًا شمالي مقصورة «أحمس»، وتدل شواهد الأحوال على أن أحجار هذه المقصورة قد انتزعت من المباني المحيطة بها شأن معظم ملوك مصر في إقامة مبانيهم الموجودة في وسط مبانٍ ضخمة عفى عليها الدهر:
    • الواجهة: نقش في وسط عتب باب الحجرة الأولى طغراء الإله أوزير، وهو «أوزير رب الجبانة» يعلوه تاج مؤلف من ريشتين في وسطهما قرص الشمس، وفي الجهة اليسرى نشاهد أولًا «تهرقا بن رع معطي الحياة مثل رع» يقدم النبيذ للإله أوزير ورفيقته: «إعطاء النبيذ لوالده الذي أنجبه، معطي الحياة»، ونقش أمام أوزير نطق: «إني أعطيك الحياة والسلطان.» ويلحظ أن الملك يلبس التاج المزدوج.

      والمنظر الثاني نشاهد الإله الطيب «تهرقا» معطي الحياة يعانقه «حور» بن «إزيس» العظيمة ويقول له: «إني أعطيك كل الحياة والسلطان وكل انشراح القلب مثل رع سرمديًّا»، ويشاهد هنا أن «حور» بن «إزيس» قد مثل بجسم إنسان ورأس صقر كما مثل «تهرقا» مرتديًا ملابس الرأس الكوشية وبيده مقمعة والعصا الخاصة بوضع الأساس.

      الجزء الأيمن من المنظر الأول وجد في أوله تهشيم … «بيعنخي» … «شبنوبت» العائشة تقدم اللبن للإله «بتاح» رب طيبة وإلى «حتحور» اللذين منحاه الحياة والسلطة، ثم يلي ذلك متن قربان: إعطاء اللبن لوالدها ليعطيها الحياة، وترتدي «شبنوبت» على رأسها تاج حتحور بريشتين وقرنين في وسطها قرص الشمس:
      • المنظر الثاني: نشاهد في هذا المنظر الإلهة حتحور سيدة دندرة تعانق المتعبدة الإلهة «أمنردس» وبيدها عقد منات «وهو عقد ذو تأثير سحري» وتقول: إني أعطيك كل الحياة والسلطان والصحة وكل انشراح القلب مثل رع أبديًّا.

        هذا؛ ونقرأ خلف «أمنردس» … المتعبدة الإلهية «أمنردس» المرحومة المهيمنة على كل الأرواح العائشة عندما تظهر على عرش «وازيت» (= إلهة الوجه البحري).

      • على عارضة الباب اليسري: المنظر السفلي: يشاهد في هذه الصورة إله النيل يحمل فوق رأسه نبات بردي ومعه المتن التالي: «إني أمنحك كل قرابين الغذاء»، ومع هذا منظر الخبز والماء والجعة.
      • المنظر العلوي: نقرأ أولًا في نقوشه ما يأتي: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» بن «رع» محبوبه من جده «خو-رع-نفر تم» يعانقه أوزير … ويلبس «تهرقا» هنا التاج المزدوج ويقبض بيده على مقمعة ومعه كذلك عصا وضع الأساس.

        ونشاهد في هذا المنظر كذلك الإلهة «نخبيت» تحلق فوق الملك قابضة على خاتم الأبدية.

      • عارضة الباب اليسري: المنظر الأسفل: يشاهد في هذا المنظر إله النيل يحمل الهدايا، وفي المنظر العلوي نرى المتعبدة الإلهية وزوج الإله ومحبوبة الإله المسماة «شبنوبت» ومعها أمها التي تبنتها يد الإلهة «أمنردس» المرحومة تعانقها «إزيس» العظيمة محبوبة الأم المقدسة، وترتدي هنا «شبنوبت» تاج «حتحور» وتقدم رمز الحياة إلى المتعبدة الإلهية «أمنردس».
      • الحجرة الأولى: نشاهد فوق الباب في الوسط صورتين لإلهي النيل راكعين يربطان علامة الضم «أو بعبارة أخرى توحيد الوجه القبلي والوجه البحري» تحت طغراءي الملك «بينوزم الأول»، مما يدل على أن هذه المقصورة كانت أقدم من عهد الملك «تهرقا».

        وتحتوي سائر مناظر هذه الحجرة على صور تمثل «شبنوبت» «وتهرقا» يقدمان القربان للإله «أوزير» ومناظر أخرى تمثل شعائر دينية خاصة بالإله «أوزير» رب هذه المقصورة.

      • الحجرة الثانية: هذه الحجرة صغيرة جدًّا وكذلك الباب الذي يؤدي إلى داخلها؛ إذ يبلغ طوله ١٫٣٢ مترًا وعرضه ٠٫٧٥ مترًا، ويشاهد على أحد جدرانها المتعبدة الإلهية «شبنوبت» تقدم البخور والماء للإله «أوزير».
  • (٦)

    معبد أوزير «نب زت» (= رب الأبدية): كشف عن هذا المعبد الأثري «لجران» عام ١٩٠٢، وقد عثر عليه عن طريق السباخين الذين وجدوا فيه آثارًا باعوها لمحمد محسب شيخ تجار الآثار آنئذٍ في الأقصر، ويقع هذا المعبد على مسافة خمسة وعشرين مترًا غربي بوابة «تحتمس الثالث» ويلاصق كذلك السور الواقع غربي بوابة الإله «منتو» بالكرنك، ويصل الإنسان إلى هذا المعبد بسلم يتألف من ست درجات، وصدغا بابه مصنوعان من الحجر الرملي، والمعبد صغير الحجم جدًّا ومقام باللبنات، وسقف الحجرة الأولى يستند على عمودين، هذا؛ وكان أمام مصراعي الباب قاعدتان لتمثالين صغيرين، وتدل شواهد الأحوال على أنه كان يوجد لهذا المعبد محراب، والمعبد أقيم «لأوزير» معطي الحياة أو «أوزير رب الأبدية».

    ويرجع عهد إقامة هذا المعبد إلى الحكم المشترك لكل من الإله الطيب «خو رع نفر تم» رب الأرضين «تهرقا»، والزوجة الإلهية بنت الملك رب الأرضين «بيعنخي» المرحوم والمتعبدة الإلهية «شبنوبت»، وأمها المتعبدة الإلهية «أمنردس»، وتدل الظواهر على أن المعبد كما وجده لجران كان قديمًا، ولكنه أصلح في عهد الملك «تهرقا» كما يدل على ذلك النقوش التي فيه،١٠٧ وقد وجد في هذا المعبد تمثال صغير محروق جدًّا يبلغ طوله حوالي أربعين سنتيمترًا، ويلحظ هنا أن جسمه كان موشى في كل أجزائه بصورة الإله أوزير، وكذلك نقش عليه متون تحدثنا عن وظائفه، فنعلم منها أنه كان يحمل لقب المدير العظيم للبيت، ورئيس التحنيط لأنوب في بيت التحنيط لسيدته الزوجة المقدسة «شبنوبت» المرحومة المسمى «حور».

    وكذلك وجدت بعض قطع من تمثال من الجرانيت سرقت أجزاؤه الأخرى، وهو يمثل رجلًا يدعى «بس-شو-بر» راكعًا وممسكًا بيده لوحة، ويشاهد في اللوحة ما يأتي: رجلان راكعان، فالذي على اليمين يتعبد لأوزير «بدي عنخ» (= أوزير معطي الحياة) والذي على اليسار هو القاضي للمتعبدة الإلهية المسمى «بس-شو-بر»، وقد مثل راكعًا يقدم صورة المعبد لآمون المسمى «آمون باعشوت-نفر»، وتقص علينا اللوحة بناء معبد من الحجر الأبيض، ولكن ليس لدينا من المتن إلا نهاية أربعة أسطر، والظاهر من النقوش التي على التمثالين أنفسهما أنهما كانا على القاعدتين السالفتي الذكر أمام مصراعي الباب، وقد أهدى «بس-شو-بر» المعبد لأوزير معطي الحياة، ونقش اسم كل من «تهرقا» «وشبنوبت» عليه، وذلك على غرار ما فعل المدير العظيم للبيت المسمى «بدى نيت» عندما أهدى مقصورة أخرى في الكرنك لكل من الملك «بستميك الثالث» وللأميرة «عنخ-نس-نفر أب رع» المتعبدة الإلهية، وكما أهدى «شيشنق» بن «بدي نيت» مقصورة أخرى لنفس الأميرة كما سيأتي بعد.

    و «بس-شو-بر» هذا معروف لدينا من نقوش علبة فاخرة ذات لويحات فاخرة محفوظة بمتحف اللوفر كان قد اشتراها الأثري «بنديت» ونشر محتوياتها منذ بضع سنين، ومن المحتمل أنها كانت ضمن أثاث معبد «أوزير عنخ» (= معطي الحياة) هذا ويضاف إلى ذلك أنه أقام بناء كبيرًا ملاصقًا للجدار الجنوبي لمعبد «آمون» بالقرب من البحيرة المقدسة، وقد نقش عليه مناظر طريفة للعيد الثلاثيني، وهو كما ذكرنا من قبل عيد تتويج الملك «تهرقا»، وقد مثل فيه موكب الأعلام كما هي الحال في كل الأعياد الثلاثينية، وكذلك مثل أربعة الآلهة بهذا الحفل أو حكام أركان العالم الأربعة وهم «ددون» رب الجنوب، «وسبد» رب الشرق «وسبك» رب الغرب، «وحور» رب مصر، وهؤلاء الآلهة قد حملهم عاليًا كاهن كل إله وكاهنته، وهذا يدل على أن الجنوب كان مركز التفكير، وقد ظهر «تهرقا» بوصفه الزعيم الوراثي للملكة: الواحد العظيم وشيخ الجنوب، وبعد ذلك يظهر «تهرقا» وهو يرمي بأقواس من حديد في جهات العالم الأربع في حين أن زوجه المقدسة كانت تُفَوِّق سهامها إلى أهداف تمثل أقسام العالم الأربعة … إلخ، وقد تحدثنا عن هذا المنظر باسهاب فيما مضى.

  • (٧)
    معبد أوزير بتاح: يقع هذا المعبد في الجنوب الشرقي من البوابة العاشرة، وهو في الواقع عبارة عن مقصورة صغيرة «لأوزير بتاح»، ولا بد أنها كانت قد أقيمت في نهاية عهد الفرعون «تهرقا»؛ لأن جزءًا صغيرًا منها من صنعه، أما الجزء الأكبر فمن صنع الملك «تانوت آمون» خلفه، وقد مثل «تهرقا» في الحجرة الغربية منه في منظرين وهو يتعبد للإله «بتاح»، ولا غرابة في ذلك عندما نعلم أن «تهرقا» كان قد توج في «منف» وكانت له صِلات وثيقة بثالوثها وهو: «بتاح وسخمت ونفر تم».١٠٨
  • (٨)
    مدينة «هابو»: عثر في مدينة «هابو» على لوحة باسم الملك «تهرقا» عام ١٩٠٢ وهي من الحجر الجيري١٠٩ باسم الملك «تهرقا»، ويبلغ ارتفاعها ستين سنتيمترًا وعرضها ٣٦ سنتيمترًا، وجزؤها الأعلى مستدير صور عليه منظر يمثل الملك يقدم قربانًا للإله «آمون رع» قاعدًا على عرشه، والإلهة «موت» واقفة خلفه، وفوق هذا المنظر صورة السماء المقببة ترتكز على صولجانين، ويتدلى من قرص الشمس الذي أسفل السماء الصِّلَّان الملكيان، وفي أسفل هذا المنظر ستة أسطر أفقية.

ومتن هذه اللوحة يعد وثيقة هامة عن مباني مدينة «هابو» الدينية؛ إذ تحدثنا أنه في السنة الثالثة من حكم «تهرقا» أقام أثرًا لآبائه وهم الآلهة الستة أسياد «آت ثموت» (= مدينة هابو) فجدد الجدار الذي كان مقامًا باللبنات ببناء من الحجر الصلب الرمادي؛ وذلك لأن جلالته كان قد وجد هذا الجدار آيلًا إلى الدمار لدرجة أن الإنسان كان يخرج ويدخل هذا المكان المقدس من جهته الشمالية، فقد أعاد قداسة المكان المقدس لسيده لأجل أن يمنحه الحياة أبديًّا.

والواقع أن الجهة الشمالية للسور المقام من اللبنات كانت قد خربت في خلال الحروب الكوشية فأمر «تهرقا» بإقامتها، ولا يزال جزء منها باقيًا حتى الآن، ولدينا منظر في مدينة «هابو» نشاهد فيه هذا الملك يضرب طائفة من القبائل من بينها «تبا» «ودشرت» وكوش الخاسئة، وهذا المنظر قد انتحله الملك «نقطانب» أحد ملوك الأسرة الثلاثين، وعلى أية حال فإن هذا المنظر كان منقولًا عن قائمة قديمة؛ إذ لا يعقل أن يصف «تهرقا» «كوش» بالخاسئة وهو نفسه كوشي الأصل.١١٠
هذا؛ وقد وجد اسم «تهرقا» في مدينة «هابو» على الجانب الداخلي للبوابة بجانب اسم «تحتمس الثالث» في واجهة المبنى.١١١
وكذلك نجد اسم هذا الفرعون على عتب بوابة الملك «شبكا» بمدينة «هابو» ونقشًا جاء فيه: يحيا ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تهرقا» محبوب «آمون رع» رب تيجان الأرضين معطي الحياة.١١٢
وفي الدير البحري وجدت له بعض إصلاحات.١١٣
وفي طيبة وجد مخروط «لرعمسيس» عليه اسم الفرعون «تهرقا».١١٤
ويوجد في شرقي معبد الإلهة «موت» بالكرنك١١٥ حجرة صغيرة يفتح بابها غربًا، وقد أقامها «تهرقا» لنفسه، وسنتحدث عن المتون التي على جدرانها، وهي خاصة بحياة الأمير «منتومحات» الذي يعد أعظم شخصية ظهرت في العهد الكوشي بعد ملوكها:
  • قفط: ووجدت في قفط لوحة من الجرانيت مثل عليها «تهرقا» واقفًا أمام الإله «مين» والإله «إزيس»، وتحتوي على متن خاص بالفيضان في السنة السادسة من حكم «تهرقا» وقد تحدثنا عنه فيما سبق.
  • المطاعنة: وفي المطاعنة عُثر كذلك على لوحة خاصة بالفيضان، وهي من الجرانيت الأحمر وعليها منظر مزدوج يشاهد فيه «تهرقا» يقدم رمز الحقل للإله «همن» إله الصحراء١١٦ وتحتوي على متن مؤرخ بالسنة السادسة من حكم «تهرقا» خاص بالفيضان كذلك، وهي صورة طبق الأصل من لوحة «قفط»، وقد تحدثنا عنها فيما سبق.
  • الحمامات: وجد اسم الملك «تهرقا» على صخور محاجر الحمامات مما يدل على نشاط جديد في هذه المحاجر.١١٧
  • السربيوم: عُثر على لوحتين خاصتين بدفن عجلين من عجول أبيس في منطقة منف الأولى مؤرخة بالسنة العاشرة من عهد «تهرقا» وهي مكتوبة بالمداد الأسود، دوَّنها رجل يدعى «حتب حو آمن». أما الثانية فقد دُوِّن عليها: دُفن عجل أبيس في السنة الرابعة والعشرين من حكم «تهرقا». وقد تحدثنا عنها فيما سبق.
  • منف: وجد لهذا الفرعون موازين من الجرانيت عليها طغراؤه، وهي محفوظة الآن بالمتحف المصري.١١٨
  • تانيس: أقام الملك «تهرقا» لوحة في «تانيس» تخليدًا لذكرى مجيء والدته من نباتا لزيارته وعن فيضان النيل، وقد تحدثنا عنها فيما سبق.

(٢-٩) آثار أخرى للفرعون «تهرقا» في متاحف العالم والمتحف المصري

  • (١)
    المتحف البريطاني:١١٩ يوجد في المتحف البريطاني لوحتان من البرنز نقش عليهما متن يحتوي على ألقاب الفرعون «تهرقا» بوصفه ملك الوجهين القبلي والبحري «خو رع نفر تم» بن رع محبوب الإلهة «مسخنت» نزيلة العرابة (= جبانة العرابة المدفونة) معطي الحياة مثل رع، وهاتان اللوحتان تدلان على أن «تهرقا» كان صاحب هبات في معبد العرابة، ومن المحتمل أنه قد عثر عليهما في هذا المكان.
  • (٢)
    وأشار الأثري «روزاليني» إلى وجود تابوت سيدة كانت مرضعة ابنة الملك «تهرقا»، وهذا التابوت محفوظ بمتحف فلورنسا.١٢٠
  • (٣)
    متحف اللوفر: توجد عدة وثائق ديموطيقية مكتوبة على البردي من عهد الملك «تهرقا» محفوظة بمتحف اللوفر ومتحف القاهرة وبعضها مؤرخ بالسنة الثالثة وبعضها مؤرخ بالسنين الخامسة والسادسة والسادسة عشرة.١٢١

وقبل أن نضع أمام القارئ ترجمة بعض هذه النصوص الديموطيقية يطيب لنا أن نضع أمام القارئ فكرة عن أصل نشأة هذه الكتابة وتطورها، وبخاصة في العهد الكوشي الذي ظهرت فيه.

(٣) بداية ظهور الكتابة الديموطيقية في عهد الأسرة الخامسة والعشرين

أشرنا في الجزء الأول من هذه الموسوعة إلى وجود نوع من الكتابة يدعى الكتابة الديموطيقية؛ أي لغة الناس، (راجع مصر القديمة الجزء الأول) غير أننا لم نبحث في أصل نشأتها وزمن انتشارها، والواقع أن هذا النوع من الكتابة ليس إلا تطورًا طبعيًّا من الكتابة المصرية القديمة ظهرت بوادره في أوائل الأسرة الخامسة والعشرين؛ أي في عهد قيام الأسرة الكوشية في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد، ولم تكن هذه الكتابة بالديموطيقية البحتة، بل كانت مزيجًا من الخط الهيراطيقي والخط الديموطيقي كما سنبين ذلك هنا.

ويرجع أول ذكر للخط الديموطيقي إلى المؤرخ «هردوت» الذي عاش في منتصف القرن الخامس ق.م، فقد قال: إن المصريين استعملوا نوعين من الكتابة أحدهما؛ يدعى الكتابة المقدسة، والثاني يدعى الكتابة العامية.١٢٢
وقد استعمل نفس التعبير الكاتب «هليودوروس»١٢٣ الذي عاش في القرن الرابع، ومن ثم أخذ التعبير «ديموطيقي» للدلالة على الكتابة العامية المتداولة بين أفراد الشعب، وتدل الأحوال على حسب معلوماتنا أن الوثائق الديموطيقية قد أخذت تظهر بصورة واضحة حوالي عام ٦٥٠ق.م، ولا بد أنها قد سقطت من الاستعمال بسقوط الوثنية في خلال القرن الرابع بعد الميلاد، وذلك على الرغم من أن الأثري «بركش» واضع أصول اللغة الديموطيقية قد صادف بعض كتابات على الصخور في معبد الفيلة بالخط الديموطيقي.

وأقدم نقوش نعرفها في مصر هي الإشارات الهيروغليفية وهي التي توضح بالصور، وهذه الإشارات منذ ظهورها في الأسرة الأولى المصرية كانت قد بدأت تكتب باختصار، وعندما كانت تكتب بقلم من البوص مبري على الحجر كانت تأخذ الشكل المبسط الذي يعرف في عرفنا بالخط الهيراطيقي أو كتابة الكهنة، وكانت الكتابة منتشرة تمامًا منذ الأسرة السادسة، أما في عهد الدولة الوسطى فلدينا كل أنواع الخطوط المصرية؛ فلدينا الخط الهيروغليفي الفاخر المنمق الذي نقش على الآثار الضخمة، كما لدينا في الوقت ذاته الخط الهيراطيقي المختصر الذي اختفت منه كل آثار الصور الأصلية التي تمثلها في الأصل؛ أي المأخوذ عنها، وهذه الكتابات المتنوعة قد بقيت مستعملة في خلال الدولتين الوسطى والحديثة، غير أن الكتابة الخطية لكل عصر كانت تميز عن الأخرى بخواص ظاهرة يمكن بها معرفتها بسرعة، وقد كانت الكتابة الخطية العادية في هاتين الدولتين هي التي تعرف باسم الهيراطيقية، ولكن هذا الاسم لم يطلق عليها إلا فيما بعد، على أن الكتابة الهيراطيقية التي كتبت باختصار بسيط قد خصصت لنسخ الكتب المقدسة وما شابهها، وعُدَّت أنها صورة من الكتابة الهيروغليفية، في حين أن صورها المختصرة جدًّا قد تطورت إلى كتابة أخرى مميزة؛ أي الكتابة الديموطيقية، واستعملت للأغراض العادية اليومية، وبخاصة في كتابات العقود، على أن ذلك لا يعني أن المصري لم يستعمل الكتابة المختصرة في كتابة عقوده؛ إذ الواقع أننا نجد أنها قد كتبت كذلك منذ الدولة الوسطى حوالي ٢٠٠٠ق.م، بل ونجد أمثله قليلة كتبت في عهد الدولة القديمة، ولكن لم يكشف حتى الآن عن مجموعة وثائق قانونية ترجع إلى هذه العهود المصرية القديمة إلا ما تحدثنا عنه في تاريخ الأسرة العشرين وأسهبنا فيه القول حتى العهد الكوشي الذي نحن بصدده الآن؛ فقد بدأت تظهر فيه الأوراق البردية القانونية في مجاميع مُحَسَّة تخللتها فترات كانت تختفي فيها هذه الوثائق، غير أنها مع ذلك قد ألفت سلسلة متصلة الحلقات من الوثائق الديموطيقية والآرامية «من العصر الفارسي» والإغريقية والقبطية والعربية، وقد ظلت الحال كذلك حتى بطل استعمال الورق البردي في القرن التاسع بعد الميلاد.

على أن هذا التضاد البين لا بد أن يدل على بعض تغير قانوني أو تجاري في هذا الوقت الذي نحن بصدده، وعلى أية حال يمكننا أن نعترف بأن كل قرن في حياة بردية ما يسبب خطرًا في تلفها، حتى عندما تنجو من الأخطار الطبيعية التي ربما تلحق بها كالرطوبة والعثة والنار، وهذه عوامل قد سببت القضاء على ملايين من البرديات في كل ورقة نجت منها، غير أن عِظَم قدم هذه البرديات وحده لا يمكن أن يفسر قلة وجود الوثائق القانونية من العصور الأولى؛ وذلك لأنه يوجد لدينا عدد عظيم من البرديات التي تبحث في مواد أخرى غير القانونية.

ومن المحتمل أنه توجد عدة أسباب يمكن أن ندلل بها على كثرة الوثائق القانونية فجاءة في الأسرة الخامسة والعشرين؛ من ذلك أن ازدياد التجارة البحرية والبرية في الألف الأولى قبل الميلاد قد أوجدت حتمًا طائفة جديدة من التجار الأثرياء، مما سبب تبادل الملكية من كل نوع بين أيدٍ عديدة، في حين أن الاتصال بالفينيقيين المهرة أصحاب الأعمال وغيرهم من الساميين قد فتح أعين المصريين إلى ضرورة الدقة في معاملاتهم.

وهذه المؤثرات يمكن أن تُحَسَّ على أغلب الظن في بلاد دلتا النيل، أما في الوجه القبلي فإن تأثير ذلك كان ثانويًّا، ومن المحتمل أن ديدور الصقلي لم يكن بعيدًا عن الصواب عندما يحدثنا عن «بوكوريس»، وهو الضحية التسعة التي وقعت في يدي «شبكا» كما يقال، وهو الذي تذكره لنا التقاليد على الرغم من حكمه القصير بأنه كان مشرعًا وقاضيًا وصاحب فطنة منقطعة بما أدخله من دقة في موضوع العقود، فاستمع لما يقوله ديدور:١٢٤ «ويقولون: إن الملك «بوكوريس» كان مشرعًا رائعًا، وهو رجل حكيم وبارز بسبب مهارته، وقد وضع كل القواعد التي حكمت الملوك بها، وأضفى دقة على القوانين الخاصة بالعقود، وقد بلغ من الحكمة في قراراته القانونية شأنًا عظيمًا لدرجة أن كثيرًا من أحكامه تُذكر لامتيازها حتى يومنا.»
وفي موضع آخر يقول ديدور:١٢٥ «إنهم يقولون: إن القوانين الخاصة بالعقود هي «لبوكوريس»، وهذه تأمر بأن الأشخاص الذين اقترضوا دينًا دون اتفاق مكتوب، وينكرون أنهم استدانوه بعد حلف اليمين يصبحون معفين من هذا الدين.»

ونحن نعلم أن الملك «بوكوريس» كان من بلدة «سايس»، وسواء أكان حكمه قاصرًا على الوجه البحري أم لا، فإنه قد كسب تجاربه هناك، ومن المحتمل أن أقدم هذه العقود المتأخرة الباقية لنا يرجع تاريخها إلى عهد الملك «شبكا» وقد عثر عليه في طيبة، والواقع أن الأوراق التي من الوجه البحري نادرة جدًّا؛ وذلك لعدم ملاءمة الجو لحفظها، وإلا لكان من الطبعي أن نرى الوجه البحري هو المصدر الغزير لهذه الوثائق، وتدل الأحوال على أن المشروع الأصلي لهذه القوانين لم يكن كوشيًّا، ولكن على الرغم من ذلك لا بد أن نعترف أن نظامًا جديدًا للكتابة قد اخترع في «كوش» أو لأجلها بعد بضعة قرون فيما بعد.

وإذا رفضنا جدلًا بيان «ديدور» عن هذه القوانين واعتبرناه لا قيمة له، فإنه يمكن أن نقبل الملحوظة التي يقدمها لنا متنه هنا؛ وذلك لأنها تتفق مع الحقائق المعلومة لدينا، فإن تركنا التفاصيل جانبًا فإنه يمكن أن نعترف بأنه حوالي ٧٢٠ق.م كان عدم الدقة في طريقة تسجيل المعاملات القانونية عاديًّا، وفي الوجه البحري كانت الاعترافات الرسمية والأيمان أمام الشهود والجمعيات وبخاصة أمام أعضاء المجالس المدنية والقروية والموظفين حتى هذا العهد هي الأداة الرئيسية للعقود القانونية ونقل الملكية، ومن ذلك العهد قد أصبح التسجيل كتابة يمثل مكانة أبرز ولا غنى عنه.

وهكذا نجد أن كثرة الوثائق القانونية نسبيًّا في خلال الأسرة الخامسة والعشرين وما بعدها قد أصبح مفهومًا سببه؛ وذلك لزيادة عدد المعاملات وعظم الحاجة للسجلات المدونة.

والآن نعود لبحث موضوع عمر الكتابة الديموطيقية، ولا يمكننا أن نحدد على وجه التأكيد عمر هذه الكتابة أو اللغة.

والواقع أن هذه الكتابة ليست إلا النمو الطبعي للخط الهيراطيقي المختصر «الذي يعد بدوره اختصارًا للخط الهيروغليفي الذي يكتب بالقلم»، وقد أخذ شيئًا فشيئًا يستقل عن الكتابة الهيروغليفية الأصلية، وأخيرًا تبلور في مجموعة رموز جديدة، فنجد في بعض الوثائق القانونية التي عُثر عليها في «طيبة» ويرجع عهدها إلى الأسرة العشرين، فقرات كتبت بخط مختصر يظهر فيه بعض خصائص الخط الديموطيقي. هذا؛ ونشاهد أن كلًّا من الكتابة واللغة المكتوبة قد استمرت في التغير حتى الأسرة الواحدة والعشرين، وذلك على الرغم من أن الأكثرية من المتون الباقية وهي ذات طابع ديني أو رسمي، كانت تحفظ اللغة القديمة والخط الهيروغليفي أو الخط الهيراطيقي الخشن، وأوراق البردي المكتوبة بحرية من الأسرة الواحدة والعشرين نادرة جدًّا، هذا ولا نجد أوراقًا بردية فيما عثر عليه تمثل العصر الذي يلي الأسرة السابقة الذكر.

وفي بداية العهد الكوشي «أي في نهاية القرن الثامن ق.م» نجد الكتابة العادية على البردي قد أخذت تظهر مع الوثائق القانونية الخاصة بالأسرة الخامسة والعشرين، ومن هذا الوقت أصبح يطلق على مثل هذه الأوراق تسهيلًا للأمور «ديموطيقية» في العرف الحديث، وذلك على الرغم من وجود صيغ ديموطيقية وأخرى هيراطيقية في وثيقة واحدة بعينها لمدة نحو خمسين سنة، والواقع أن أوراق البردي الطيبية حتى عهد الملك «أحمس الثاني» قد سارت على أسلوب خاص، ومع أنه لا يكاد يكون هيراطيقيًّا فإنه مع ذلك يتبع طريقًا مختلفًا في تطوره عن الخط الديموطيقي، ولا يمتزج مع الأخير إلا شيئًا فشيئًا، وهذا الأسلوب في الكتابة قد أطلق عليه اسم «الهيراطيقي الشاذ»، والخط الديموطيقي الحقيقي لا بد أنه كان قد نما واكتمل في مصر الوسطى والوجه البحري.

والواقع أن كل المتون التي كتبت بالخط الهيراطيقي الشاذ يمكن البرهنة على أنها من أصل طيبي، وذلك من نفس صلب المتون، ومن معرفة المكان الذي أتت منه، وليس لدينا براهين تدل على أنها أتت من أماكن أخرى، والواقع أن طيبة هي المصدر الوحيد للعقود حتى العصر البطلمي، وليس لدينا متن واحد مما نشر من طيبة ويرجع عهده إلى أقدم من عهد «أحمس الثاني» قد كتب بالخط العادي، ومن جهة أخرى نلحط أن كل المتون التي عثر عليها في «الحيبة» بمصر الوسطى حتى السنة العشرين من عهد «بسمتيك الأول» قد كتبت بالكتابة العادية، وذلك على الرغم من أن الكتابة الهيراطيقية كانت موجودة فعلًا، وعلى ذلك فإنه من الواضح أن الكتابة «الهيراطيقية الشاذة» سواء أكانت طيبية أم لا في أصلها فإنها متناسلة من هيراطيقي الأسرة الثانية والعشرين، وأنها قد استمرت طويلًا في إقليم طيبة المحافظ، في حين أن الأسلوب العادي كان يشق طريقه جنوبًا، ويحتمل أن قد أتى من الوجه البحري، وأنه كان قد حل محله في الإقليم الطيبي الخط الأخير في خلال حكم «أحمس الثاني» الطويل.

وهاك نص بعض الوثائق الديموطيقية التي من عهد «تهرقا»:

  • (١)
    عقد بيع عبد:١٢٦ السنة الثالثة في العاشر (؟) من شهر طوبة من عهد الفرعون «تهرقا» بن «إزيس» محبوب آمون له الصحة والسلطان والعافية أبديًّا مثل رع (؟).

    هذا اليوم: أعلن «باسمنأمون» بن «ستامنكو» وكذلك «ثبس» أخته أعلنت إلى مغنية آمون المسماة «تنسيجبس» ابنة «إتوروز» بما يأتي:

    لقد أعطيناك يا «وزحور» (؟) يا رجل البلاد الشمالية لتدفن بوساطته (؟) «ستامنكو» وكذلك «حتب أسي» زوجه، وهما والدتنا ووالدنا.

    وقد دفعنا لك دبنين وأربعة قدات من فضة خزانة «معبد» الإله حرشف مقابل ثمنه؛ لأجل أن يدفن بها (؟) «ستامنكو»، وكذلك «حتب أسي»، وليس لي أي مُدَّعٍ (؟) لفضة أو أي مُدَّعٍ لحنطة أو لأخ أو لأخت أو لابن أو لابنة أو لسيد أو لسيدة أو أي رجل في كل الأرض يخص «ستامنكو» يكون له أي ادعاء على «وزحور» بأية حالة ما.

    وقد أعلنوا بحياة آمون، وبحياة الفرعون ما دام في صحة وآمون يمنحه النصر، والمتعبده الإلهية لآمون سيدتي تعيش وعمرها طويل، فإنه لن يكون في استطاعتي أن أسحب الوثيقة التي عُملت أعلاه.

    الكاتب الشاهد: أتو …

    في حضرة «بتأمنؤبي» بن «حربس»، للاعتراف بكل كتابة أعلاه، في السنة الثالثة عشرة (؟) «طوبة» ويلي ذلك ستة شهود يعترف كل منهم بصحة هذا العقد مع اقتباس ألفاظه على وجه عام.

    ويلحظ في هذه الوثائق المكتوبة بالديموطيقية أن عبيد الشمال يمكن أن يكونوا من أتباع الملك «بوكوريس» وكان قد استولى عليهم الملك «شبكا» واشتراهم في الحال أفرادًا من أهل طيبة الذي كان ضلعهم مع الكوشيين في مناهضة أهل الوجه البحري.

    ويلحظ كذلك في هذه الوثيقة أن خزانة الإله «حرشف» كانت عملتها بطبيعة الحال تعد معيارًا لنقاء الفضة، وكان هو المتبع في التعامل.

    وقد جاء ذكر ذلك في برديات أخرى مؤرخة بالسنة ١٦ من حكم نفس هذا الملك وبالسنتين ٣٠ و٤٥ من حكم «بسمتيك الأول».

    هذا؛ ونجد في بعض الأوراق بدلًا من معيار خزانة «حرشف» معيار خزانة «ني»؛ أي طيبة، أما في الأوراق التي من عهد الملك «دارا» فنجد معيار فضتها معلمة بفضة خزانة «بتاح»، ومن ثم نعرف أنه في عهد الملك «دارا» كان المعيار للفضة هو المعيار المنفي في خزانة «بتاح».

    وقد ذكر أن «أرياندس» شطربة١٢٧ مصر وهو الذي نصبه قمبيز في وظيفته هذه كان قد قتله «دارا»؛ لأنه حاول أن يناهض معياره الجديد الذي عمله من الذهب الخالص بدرجة عظيمة بآخر من الفضة على درجة عظيمة من النقاء في مصر، حتى إنه في عهد «هردوت» لم تكن توجد فضة تعادل فضة «إرياندس» في نقائها راجع (Herod, II. 166) ومن المحتمل أن الفضة في أيامه كانت تضرب مثل الذهب.
  • (٢)
    عقد مخالصة:١٢٨ السنة الخامسة في ١٩ أبيب: يقرر «بدي خنوم» ابن «أنحور» إلى «بدي باستي» (؟) بن «بدي أمنؤبي» زميله بالنزول عن ثلاث إماء وعبد كانوا ملك «ستامنكو» «وحتبئيسي»، وذلك في مقابل توريد حاجيات الدفن لهذين الشخصين، هذا مع رضائه عن كل ما عملوه، وقد أسهم هو نفسه بمبلغ دبن و(؟) عبد لأجل الدفن، وليس له أي حق على «بدي باستي» فيما يخص المصاريف، وأنه يجد أنه «بدي باستي» قد أسهم بمبلغ سبع قدات من جيبه الخاص، ثم يلي ذلك اليمين واسم الكاتب وشهادة الشهود.
  • (٣)
    عقد مخالصة:١٢٩ السنة السادسة الخامس من بؤنة. «المضمون»: كان «بدي خنوم» في نزاع مع زوجته الأولى على دبنين من الفضة، وهما جزء من ستة دبنات ادعاها «بدي خنوم» وأخته «حتبئيسي» بسبب عبد صانع من الشمال بيع له في السنة السابعة من حكم «شبكا»، وقد طلب إلى المحكمة العليا في «ني»؛ أي طيبة، هو والمشرف على السجلات لأجل أن يعطي «بدي مين» خلاصة مكتوبة، وقد أعطى «بدي خنوم» الخلاصة بمبلغ ستة دبنات، وجعل تسعة أشخاص مسهمين في الموضوع بما فيهم هو وزوجه الأولى وزوجه الأخيرة دون دخول أخته، يحلفون أمام «آمون» بأن الدبنين قد دفعا عندما كانت زوجه الأولى في «طيبة»، ويلي ذلك اسم الكاتب وستة شهود، ومن المحتمل أن ما جاء في هذه الوثيقة عن المحكمة العليا التي كانت ذات شهرة عظيمة في عهد الدولة الحديثة هو أحدث إشارة لاجتماعها، وقد كان زوجتا «بدي خنوم» على قيد الحياة غير أنه من المحتمل أن واحدة منهما كانت مطلقة.
  • (٤)
    عقد بيع خيوط نسيج:١٣٠ السنة السادسة عشرة من شهر بشنس «بدون ذكر اسم ملك». ومضمون العقد أن امرأة تطالب سقاء بمبلغ قدات من الفضة من خزانة «حرشف» ثمنًا لخيط بيع له لأجل نسجه، وتعلن أنها ليس لها حق عليه ثم تذيل الوثيقة باليمين المعتاد، بل نجد اسم الكاتب، أما الشهود فقد فقدت أسماؤهم.
ويلحظ هنا أن السقائين كانوا تابعين للقبور والجبانات، وكانوا في الوقت نفسه عادة مكلفين بحمل محاريب الآلهة في المعابد المجاورة، ويمكن أن نتصور على وجه التأكيد ما كانوا يقومون به من واجبات في خدمة الآلهة، غير أن ما نعرفه عنهم ضئيل، وكان أولئك الذين يتبعون المقابر يتقاضون أجورهم من الأراضي التي كانت محبوسة على هذه المقابر، وذلك بالإضافة إلى المكافآت والقربات التي كانوا يعطونها:
  • متحف القاهرة: ويوجد في متحف القاهرة رأس تمثال للملك «تهرقا»١٣١ اشتُري من الأقصر،١٣٢ وكذلك عثر على رأس آخر من الجرانيت الأحمر لهذا الملك، محفوظ كذلك بالمتحف المصري.١٣٣
  • برمنجهام: يوجد تمثال صغير من البرنز في مجموعة «ماك جريجور» في «نام ورث» في «برمنجهام»، وهذا التمثال ارتفاعه ١٤ سنتيمترًا، وهو يمثل الملك «تهرقا» راكعًا يقدم قربانًا، والظاهر أنه كان في يده آنية قربان أو صورة إله، والشيء الذي يلفت النظر في هذا التمثال هو القلادة التي حول رقبته؛ إذ تتألف من حلقة حول الرقبة يحليها رأس كبش يحمل قرص الشمس وَصِلَّان، ونجد لذلك نظائر في صورة الملوك التي عثر عليها في معبد «برقل»، ووجه التمثال قد تآكل بعض الشيء غير أن ما تبقى منه يثبت أنه كان مستدير الوجه ومن ثم يختلف عن الوجه المصري العادي، والواقع أنه يذكرنا بوجه رأس التمثال الذي ذكرناه آنفًا، وهو محفوظ بالمتحف المصري، ويمثل وجه الملك «تهرقا»١٣٤ يضاف إلى ذلك أن اسم «تهرقا» قد وجد منقوشًا على الجزء الأوسط من حزامه.١٣٥
  • باريس: وأخيرًا يوجد «لتهرقا» تمثال في هيئة بولهول محفوظ بمتحف باريس.١٣٦
  • جعارين تهرقا: وجد «لتهرقا» جعارين قليلة جدًّا.١٣٧
  • بالميرا: وجد للملك «تهرقا» طابع خاتم بيضي الشكل في «بالميرا»، والظاهر من الكتابة التي على هذا الطابع لآمون «تهرقا» أنه أعطاك الحياة أبديًّا، ولما كان هذا الأثر قد وجد مع أشياء أخرى فإنه من الصعب التكهن بكيفية وصوله إلى هذا المكان، والطابع محفوظ الآن بالمتحف البريطاني.١٣٨
  • هرم «تهرقا»: تحدثنا فيما سبق عن مدافن ملوك «كوش» الواقعة في بلدة «الكورو» غير أنه لم يعثر بين مقابر جبانة «الكورو» على قبر الملك «تهرقا»، وقد كشف عنه الدكتور «ريزنر» في بلدة «نوري»، والواقع أن المدافن الملكية الكوشية في عهد الأسرة الخامسة والعشرين كانت كلها تتجمع حول عاصمة الملك وقتئذٍ؛ وأعني بذلك مدينة «نباتا».

ولا نزاع في أن مدينة «نباتا» كانت تقع على ضفتي النيل، غير أن حدود المساحة التي كانت آهلة بالسكان قد انكمشت من عصر لعصر، ولذلك لا يمكن حصرها على وجه التأكيد، ومن المحتمل أن المركز الديني والسياسي كان بالقرب من جبل «برقل» أو الجبل المقدس، وتدل المعابد التي هناك على أنه كان آهلًا بالسكان منذ عهد الدولة الحديثة حتى العصر المروي.

ويلحظ أن الجبانات الملكية التي في «نوري» «وتنجاس» «وزوما» «والكورو» كانت بعيدة عن هذا الموقع، بل يحتمل أنها كانت مراكز تحمل أسماء مستقلة، ومع ذلك فإن «نباتا» لا بد كانت عاصمة الملك لكل هؤلاء الملوك الذين دفنوا في هذه الأماكن الأربعة، وكذلك الذين ثووا في «نباتا» نفسها.

وتقع مجموعة أهرام «نوري» أو «بلال» (كما كانت تسمى أحيانًا) في أقصى الشمال من خمس مجاميع الأهرام التابعة لنباتا، وتقع «نوري» نفسها على مسافة حوالي خمسة أميال في أعلى النهر من بلدة «برقل»، ولكن على الشاطئ المقابل، أو بعبارة أخرى على الشاطئ الأيسر للنيل، وفي هذه البلدة تقع مجموعة الأهرام التي دفن فيها بعض ملوك «كوش» ومن بينهم «تهرقا».

وقد قام الدكتور «ريزنر» بعمل حفائر في منطقة أهرام «نوري» وكشف عن محتويات عدد عظيم منها وحقق معظم أسماء أصحابها، غير أنه مما يؤسف له جد الأسف أن معظم الأهرام كانت قد نهبت في الأزمان القديمة والحديثة أيضًا، كما أن بعضها كان قد نظف تمامًا على يد اللصوص فلم يتركوا فيها شيئًا قط، هذا إلى أن المعابد الجنازية التابعة لهذه الأهرام قد انتزعت أحجارها من أماكنها ووجدت إما ملقاة على الأرض أو مستعملة في إقامة مبانٍ حديثة، وقد أمكن الأستاذ «ريزنر» تحقيق أصحاب هذه الأهرام من الآثار التي وجدت داخل حجرة الدفن أو من الآثار الثقيلة الوزن التي لم يمكن حملها بسهولة إلى أماكن بعيدة عن مكانها الأصلي.

ففي الهرم رقم واحد وهو الذي دفن فيه «تهرقا» عثر في داخل الهرم وحوله على أكثر من ست مائة تمثال مجيب كتب عليها «أوزير» الملك «تهرقا»، ويلحظ أن هذه التماثيل كانت ترتدي لباس الرأس الملكي ونحتت في الحجر، وهي في أشكالها كالتماثيل المجيبة المصرية، وكذلك وجدت في قبره آنيتان من أواني الاحشاء باسم هذا الفرعون، وكذلك نقش عليها الصيغة المعتادة التي كانت من طراز الأسرتين الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين وهي: «حماية أوزير الملك «تهرقا» المرحوم: إن حابي يحمي «أوزير» «تهرقا» المرحوم بأنه «حابي» الذي يقول … «لنفتيس».»

وقد أظهرت عمليات الحفر في منطقة «نوري» أن الأهرام الملكية هناك كانت من طراز واحد وتمتاز بخواص ثلاث وهي؛ أولًا: الهرم نفسه الذي يتبعه مقصورة خارجية بنيت في جهة منه. ثانيًا: كان لكل هرم سور يحيط به وبالمقصورة. ثالثًا: كان لحجرة الدفن سلم مفتوح ينحدر من الغرب، ويؤدي إلى سلسلة حجرات مؤلفة إما من حجرتين أو ثلاث حجرات للدفن.

وكان جدار الهرم عاليًا وينحدر حوالي ٦٩ درجة وارتفاعه حوالي سبعة وأربعين مترًا وكسوته من الحجر الرمادي المحلي، أما أحجاره الأصلية فمن الحجر الأسمر المائل للصفرة، وتبلغ مساحة هذا الهرم حوالي ٥١٦٩ مترًا مربعًا.

وكان المعبد الجنازي أو المقصورة تتوسط الجدار الغربي للهرم وتلاصقه، وتحتوي على حجرة واحدة بابها في الجهة الغربية وفيها كوة في الجهة الشرقية مقابلة للباب،١٣٩ وكانت في العادة تحتوي على لوحة من الجرانيت، أما الأشياء التي كانت توضع في هذه المقصورة فتتألف من مائدة قربان مرتكزة على عمود قصير موضوع في وسط الحجرة وعلى قاعدتين للقربان مجوفتين تكنفان مائدة القربان واللوحة.

أما الحجر التي تحت الأرض، وهي كما قلنا المخصصة للدفن، فكانت مرتبة الواحدة خلف الأخرى في محور الهرم، وقد كان عدد الحجرات في الأهرام التي بنيت في العهد المبكر اثنتين ثم زيدت فيما بعد إلى ثلاث، وكانت المومية توضع في الحجرة الثالثة، أما الحجرتان الأولى والثانية فكانتا مخصصتين للأثاث الجنازي.

وتدل شواهد الأحوال على أن أول ملك معروف لنا أقام هرمه في هذه الجهة هو «تهرقا»، وقد جاء بعده ملكًا على البلاد «تانوت آمون» كما سنرى بعد.١٤٠

(٤) أسرة الملك «تهرقا»

ذكرنا من قبل أن الملك «تهرقا» هو ابن الفرعون «بيعنخي» وأمه هي الملكة «أبار»، ولم يعرف المكان الذي دفنت فيه على وجه التأكيد، وقد ذهب الأستاذ «ريزنر» إلى أنها دفنت مع ابنها في جبانة «نوري» في القبر رقم ٣٥، غير أنه لم يوجد في هذا القبر إلا تماثيل مجيبة منوعة، ولكنها ليست من الصناعة الكوشية المبكرة كتماثيل «تهرقا» المجيبة، وكذلك فيها أواني أحشاء عارية عن الكتابة،١٤١ وقد جاء ذكر هذه الملكة على لوحة «الكوة» رقم ٥، وكذلك جاء ذكرها في معبد جبل «برقل» رقم ٣٠٠ (B. 300).

(٤-١) زوجاته

تزوج «تهرقا» من عدة نساء نذكر منهن:
  • (١)
    الملكة أتخباسكن Atakhebasken: ودفنت في هرمها بجبانة «نوري» في القبر رقم ٣٦، وقد عثر لها على خمسة تماثيل مجيبة مكتوب عليها اسمها بالمداد كما وجد لها آنيتان للأحشاء محفوظتان بمتحف بوسطون، ولها كذلك مائدة قربان في متحف «مروي».١٤٢
  • (٢)
    الملكة تابكنأمون Tabekenamon: لم يُعرف قبرها بعد، وهي ابنه الملك «بيعنخي» ويُحتمل أنها تزوجت «تهرقا».١٤٣
  • (٣)
    الملكة ناباري Naparye: وهي ابنه «بيعنخي» وأخت «تهرقا» وزوجه، دفنت في «الكورو» في المقبرة رقم ٣، وقد وجد هرمها مهشمًا، وعثر في قبرها على مائدة قربان نقش على حافتها اسم ناباري وألقابها،١٤٤ وهذه المائدة محفوظة الآن بمتحف الخرطوم.١٤٥
  • (٤)
    الملكة تكاهاتاماني Tekahatamani: لم يُعرف قبرها بعد على وجه التأكيد، ويظن «ريزنر» أنها دفنت في المقبرة رقم ٢١ في «نوري»١٤٦ وقد جاء اسمها في نقوش معبد جبل «برقل»١٤٧ ومقبرة «نوري» التي دفنت فيها قد أرخت من الوجهة الأثرية بعهد الملك سنكامانيسكن Senkamnisken، وهذا يحتم أن هذه الملكة كان عمرها عند الوفاة سبعين عامًا إذا كان هذا القبر هو قبرها الحقيقي.١٤٨
  • (٥)
    ولدينا اسم ملكة لم يبقَ منه إلا جزء صغير «سالكا …» ويقال إنها تزوجت الملك «تهرقا»، وأنجبت منه ابنه الملك «أتلانرسا»، وقبرها لم يُعرف بعد، وقد وجد طغراء هذه الملكة مشهمًا على بوابة معبد «برقل» (B. 700).١٤٩

(٤-٢) أولاد «تهرقا»

  • (١)
    «أتلانرسا»: حكم هذا الملك بلاد «كوش» فقط بعد أن طرد الآشوريون ملوك «كوش» من مصر، ويحتمل أنه دفن في «نوري» في الهرم رقم ٢٠ وهو ابن «تهرقا»، وقد وجد اسمه على لوحة في «نوري» وهي محفوظة الآن بمتحف «بوستون»١٥٠ وسنتحدث عنه فيما بعد.
  • (٢)
    إسانهورت Esanhuret: ابن «تهرقا» البكر، وقبره لم يعرف بعد، ويعرف باسم «أوشاناخودو».١٥١

(٤-٣) بنات «تهرقا»

  • (١)
    «يتورو»: ابنه «تهرقا» وأخت الملك «أتلانرسا» وزوجه ودفنت في جبانة «نوري» في المقبرة رقم ٥٣، وقد صورت على جدران حجرة دفنها، ووجد لها جعران قلب في «نوري»، وكذلك نقش اسمها على بوابة معبد «برقل» (B. 700).١٥٢
  • (٢)
    «يلتاسن»: يحتمل أن هذه المرأة كانت ابنة الملك «تهرقا» وأخت الملك «أتلانرسا» وقبرها لم يعرف، وقد وجد اسمها على بوابة معبد برقل (B. 700).١٥٣
  • (٣)
    «أمنردس الثانية»: وهي ابنة «تهرقا» وكانت تحمل لقب المتعبدة الإلهية،١٥٤ وقد تحدثنا عنها فيما سبق وسنتحدث عنها بعد.
١  راجع: Ungar, Chronologie des Manetho, p. 246.
٢  راجع: L.R, IV. P. 31 No. 3.
٣  راجع: Count Gleichen, The Anglo-Egyptian Sudan, Vol. I. P. 313.
٤  وهذا التمثال موجود الآن بمتحف «مروي»، وقد رُكب فيه رأسه الذي عُثر عليه فيما بعد، راجع Merowe Museum No. 28, 492.
٥  راجع: Brugsch, Thesanrus 1213 (upper).
٦  ولكن شواهد الأحوال تدل على أنه قُتل في عقر داره في السنة التالية بسبب مؤامرة، (راجع J.E.A. 27 P. 2FF) وكذلك «الأدب المصري القديم»، الجزء الأول.
٧  راجع A. Z, 69, P. 24 L. 33 وكذلك «مصر القديمة»، الجزء الرابع.
٨  راجع: Ann. Arch. Anth, 9, 76.
٩  راجع: Kawa, I, P. 4.
١٠  راجع مصر القديمة الجزء الخامس.
١١  هذه الحادثة تذكرنا بحادثتين مماثلتين لها، أولاهما للملك «تحتمس الرابع» عندما زار بولهول ورأى الرمال تغمره ولم يكن بعدُ مليكًا على البلاد، والأخرى للملك «أمنحتب الثاني» عندما زار الأهرام قبل تولي عرش الملك ووعد بإقامة لوحة تذكارية لزيارته عند اعتلاء عرش الملك كما سنشرح ذلك بعدُ.
١٢  راجع: Ibid, Vol. I, P. P. 58, 73.
١٣  راجع: J.E.A, Vol. 9, 72.
١٤  راجع: Medinet Habu, Pl. 208.
١٥  راجع: Kawa, Vol. I, Pl. 33.
١٦  راجع: Strabo, Geography, XVII, No. 54.
١٧  راجع: J.E.A, 4, P. 160.
١٨  راجع: Ann. Arch. Studies, 7, 15–24.
١٩  راجع: Griffith, The Great Stela of Prince Akinizaz, J.E.A, Ibid.
٢٠  راجع: Strabo, XVII, 816.
٢١  راجع: Strabo, XVII, 820; Milane, History of Egypt Under Roman Rule, P. P. 21–23.
٢٢  راجع: J.E.A, 9, 73.
٢٣  راجع: Ibid, P. 68, 74.
٢٤  راجع: Maspero, Art in Egypt, English Ed, pp. 219-20.
٢٥  راجع: Kawa II, Pls. XIVB, Xvb.
٢٦  راجع: Borchadt, Das Grabdenkmal des Konigs Sa-hu-re, II, Pls. 1 and 8; Das Grabenkmal des Konigs Ne-user-re, Pls. 8, 9, 11.
٢٧  إلهة الكتابة والحساب.
٢٨  راجع «الأدب المصري القديم» الجزء الأول، ص٢٠٥.
٢٩  يوجد بعض توافق بين مناظر هذا الموكب والمناظر العظيمة الممثلة على جدران معبد الأقصر الخاصة بمواكب القارب المقدس (راجع Kawa II, Text, P. 245).
٣٠  راجع مصر القديمة الجزء العاشر.
٣١  راجع: The Temple of Kawa, I, Insc. III, Pl. 4.
٣٢  راجع: Ny Carlsberg Glyptotek Copenhagen.
٣٣  راجع: Macadam, The Temple of Kawa, 1, P. 14 K Pls. 7, 8.
٣٤  راجع: Merowe Museum No. 52.
٣٥  «أخو الملك» كان لقبًا عاديًّا جدًّا بين الألقاب الملكية الكوشية، والظاهر أن وراثة العرش كان ينتخب لها دائمًا من بين إخوة الملك، وذلك غير ما كان يحدث في مصر؛ فقد كان ينتخب الملك من بين أولاد الفرعون، وهذا يدل على أن وراثة الملك في الأسرة الكوشية كانت عادة من الأخ للأخ لا من الأب للابن.
٣٦  يجوز أن ذلك كان قد حدث بسبب حرب وقعت في مصر، وأراد الملك أن يقضي عليها فأرسل إلى إخوته ليشتركوا فيها، وهناك تعرف على «تهرقا» أخيه، ولحظ فطنته ومميزاته على إخوته فأحبه وقربه منه.
٣٧  لا بد أن هذه الفقرة تشير إلى مباني وإصلاحات «تهرقا» التي عملها في مصر؛ لأنه لم يعد إلى بلاد النوبة بعد أن غادرها أول مرة حوالي عام ٦٨٨ق.م، أما عن آثار «تهرقا» في مصر فلا يمكن تأريخ واحد منها، غير أنه من المعروف أنه بدأها مبكرًا كما يدل على ذلك لوحة مدينة هابو التي جاء عليها ذكر إصلاحات له هناك في السنة الثالثة من حكمه (راجع A. S, IV, P. 179).
٣٨  يقصد رجال الحاشية الذين يوجه إليهم «تهرقا» الكلام.
٣٩  راجع: Ny Karlsberg Glyptotek, Copenhagen, The Temple of Kawa I, The Inscriptions Text. P. 22 Pls. 9, 10.
٤٠  راجع: Griffith, Melanges Maspero I, 423–430.
٤١  راجع: Vikintiev. La haute crue du Nil et l’averse de l’an 6 de Taharqa, La Caire 1930.
٤٢  راجع: Kawa I: Kuenz. Mel. Maspero I. 430–432, Leclant et Yoyotte, Kemi, 10, 28–37 Pl. 2-3.
٤٣  المتن الذي بين القوسين «» لا يوجد في متن الكوة، ولكنه وجد في متني قفط والمطاعنة.
٤٤  نجد بدلًا من الكلمات ما بين «أ، ب» في متن المطاعنة: محبوب الإله «حمن» سيد «حفات» ولكن نجد في فقط كسرًا يمكن أن يصلح بما يأتي: محبوب «مين رب قفط».
٤٥  عمل فنتر باشا Ventre Pasha على حساب أن الذراع في مقياس النيل هو ٠٫٥٢٧ من المتر عندما كان يتحدث عن المقاييس التي ذكرها الأثري لجران A. Z, 34 P. 100-1 عن منسوب النيل الذي حسب به ارتفاع النيل في عهد كل من الملوك «شبكا» «وشبتاكا» «وبسمتيك الأول» في مناسيب النيل التي سجلت على مرمى الكرنك، وقد وجد أن هذا المنسوب هو ٦٣٫٩ مترًا عن سطح البحر في عهد الملكين الأولين و٦٣٫٨ مترًا في عهد الملك بسمتيك، هذا ولا يمكن عمل إحصاءات للقراءة صفر لعلامات المناسيب الأخرى للنيل؛ لأن هذه لم تكن مصحوبة بمقاييس معبر عنها بالأذرع والأشبار والأصابع على حسب النظام القديم، وكان ارتفاع النيل للسنة السادسة من عهد «تهرقا» عند مرسى الكرنك قد دون مرتين بارتفاعات تقابل على حسب رأي فنتر باشا ٧٠٫٠٢ مترًا و٧٥٫٠٢ مترًا، والرقم الأخير هو أعلى رقم سجل على المرسى، وكذلك أعلى رقم عرف في الأزمان القديمة، ولحسن الحظ أمدنا متن اللوحة التي نحن بصددها بالمقاييس المفقودة للمنسوب العلوي بالأذرع والأشبار والأصابع، وعلى أساس نفس هذا الذراع كالذي استعمله فنتر باشا فإنه يقدر لنا قراءته من صفر تبلغ ٦٣٫٩ مترًا، وهذه القراءة تقدم لنا ضابطًا مفيدًا، وعلى ذلك فإنه من المؤكد أن القراءة التي أوردناها هنا هي التي أخذت عند الكرنك ودونت على المرسى.
٤٦  ترجم مكأدم: عمل له هذه المعجزات الأربع، وهذا ما لا يفهم من سياق المتن كما سنرى بعد في التعليق على هذا المتن.
٤٧  المكان الذي ولد فيه حور وترعرع، وخميس هذه يظهر أنها كانت في الموقع الذي تقوم عليه قريه كوم الخبازة الحالية في شمال الدلتا.
٤٨  راجع: Macadam, Kawa I text, P. 29 line 10.
٤٩  راجع: Macadam, The Temple of Kawa, I, Insc. Text VI, P. 32.
٥٠  يجب أن نذكر هنا أن المعبد B 300 في «نباتا» هو معبد «آمون رع» ويحتوي على محراب مقطوع فعلًا في قاعدة جبل «برقل» وقد أقامه «تهرقا».
٥١  وكان الكهنة كذلك يجندون من قوم التحنو وقد سموا في اللوحة السادسة سطر ٢١ الرجال الذين يعرفون تعاويذهم، وهم أبناء عظماء من كل أرض، والواقع أن تعيين أولاد الأقوام المقهورين في وظائف في مصر هو صدى لسياسة عظماء الفاتحين خلال الدولة الحديثة، وقد كانوا بطبيعة الحال هنا قد تلقنوا تربية مصرية عندما عينوا في وظائفهم.
٥٢  كان صغار ملوك الدلتا أعداء «بيعنخي»، وكانوا بلا نزاع أعداء لأسرته كذلك، وذلك على الرغم من أن تهرقا كان في حاجة لمساعدتهم على «إسرحدون» كما سنرى بعد.
٥٣  «جس جس» هي بلا نزاع الواحة البحرية، وكانت مشهورة بنبيذها، ومما يطيب ذكره هنا أن «آمون» «جس جس» قد مثل في عهد الأسرة السادسة والعشرين برأس كبش مثل «آمون» بلاد النوبة.
٥٤  وهؤلاء ليسوا بطبيعة الحال من أهل الصحراء، بل الواقع أن هذا تعبير يطلق على كل الآسيويين أعداء مصر (راجع Max Müller, Asien & Europa 17-18).
٥٥  راجع مصر القديمة الجزء الأول.
٥٦  راجع مصر القديمة الجزء الرابع.
٥٧  راجع مصر القديمة الجزء الرابع.
٥٨  راجع مصر القديمة الجزء الخامس.
٥٩  راجع: Macadam, The Temple of Kawa I, The Inscriptions Pls. 13, 14. Text. P. 41.
٦٠  التاريخ هو ٩ فبراير حسب تأريخ جوليان سنة ٦٨٠ق.م، ويلاحظ هنا أن هذا هو التاريخ الوحيد في متون «تهرقا» الذي جاء فيه ذكر اليوم بالتحديد، وتدل شواهد الأحوال على أن اليوم الأول من السنة الجديدة المصرية هو اليوم التقليدي الذي كان يحتفل فيه بالشعائر أو على الأقل آخر واحدة منها.
٦١  لدينا في هذا المتن ثلاثة اصطلاحات خاصة بشعائر ترتبط بافتتاح معبد جديد وهي: (أ) إقامة المعبد. (ب) رش المعبد بالنطرون. وهذا الاحتفال الأخير كان يصحبه موكب يسير حول المعبد، وكان يُمثَّل فيه الملك وهو يرمي حبات النطرون على نموذج صغير لمبنى المعبد، وهذا الاحتفال كان لا يُعمل إلا بعد الانتهاء من بناء المعبد لا قبله، كما ذكر ذلك الأستاذ موريه راجع Roy, Phar, 137. Fig 30. (ﺟ) والاحتفال الثالث هو تقديم البيت أو المعبد لصاحبه، وفي هذا الاحتفال يظهر الملك وهو يقدم نموذجًا صغيرًا للمعبد الذي أقامه للإله، ويحتمل أنه نفس النموذج الذي استعمل في الاحتفال السابق، وقد بقي جزء منه في مناظر معبد «تهرقا» على الجدار الشرقي لقاعة العمد.
٦٢  راجع: Louvre, No. 121.
٦٣  راجع: Le Serpeum de Memphis III, Pl. 35; Rev. Egyptologique, VII, P. 136; Chassinat, Rec. Trav, 22, p. 18.
٦٤  راجع: Br, A. R. IV. § 917 ويؤرخ برستد السنة ٢٤ من حكم «تهرقا» بالسنة ٦٦٤ والحملة الثانية التي قام بها «آشور بانيبال» على مصر بالسنة ٦٦٨ق.م.
٦٥  راجع: Weissbach, Assurpanpli, Reallexikon der Assyriologie. I, (Leipzig 1932), P. 203 L. Delaporte, Le Proche Orient Asiatique (Paris 1938) P. 259.
٦٦  راجع: A Moret, Histoire de l’Orient, II (Paris 1936) P. 694.
٦٧  راجع: Chronique D’Egypte (1947), No. 241 note 3.
٦٨  راجع: Ibid P. 241 note 5.
٦٩  راجع: Ibid note 6.
٧٠  راجع: Ibid note 7.
٧١  راجع: Cylindre. A, II, 114-115.
٧٢  راجع: J. Vandier et E. Drioton, L’Egypte, p. 542.
٧٣  راجع: Fr. Delitzsch, Die Babylonische Chronik (Berlin 1906); S. Smith, Babylonian Texts (London, 1924); C. Gadd, The Fall of Nineveh (London 1923).
٧٤  راجع: Louvre No. 190; Mariette; Le Serapeum de Memphis Paris 1857, Pl. 36; Chassinat, Rec. Trav. XXII, p. 19.
٧٥  راجع: Roeder, Dabod bis Kalabsha, Pls, 94, 127 (a), pp, 215-16; Weigall, A Report on the Antiquites of Lower Nubia, Pl. XXVII (4) cf XXII (4) and p. 68.
٧٦  راجع: A. S, IX. p. 105–16.
٧٧  راجع: Emery and Kirwan, The Excavation and Survey between Wadi es Sabua and Adindan 1929–1931, Pl. 58 (34) cf. P. 532.
٧٨  راجع: Porter & Moss VII, P. 94; L.D, V, Text P. 129.
٧٩  راجع: Maciver, Buhen Pl. 24, cf. pp. 66 (90), 17; Power & Moss, VII, p. 137.
٨٠  راجع: Budge, The Egyptian Sudan I, pp. 481–8; pp. 42, 45, plan, id, ib.; I, Fig on p. 489.
٨١  راجع: The Egyptian Sudan (Budge) Vol. I. p. 132, Fig, P. 131; Porter & Moss, VII, 208.
٨٢  راجع: Porter & Moss, VII. p,. 208 f.; Budge, The Egyptian Sudan, Vol. I, P. 132ff.
٨٣  تدل شواهد الأحوال على أنه من المحتمل أن هذا المعبد قد أقيم على أنقاض معبد للملك رعمسيس الثاني راجع poter & Moss VII, P. 208 & L.D. V.P. 5.
٨٤  راجع: L.D, V, P. 7 a.
٨٥  راجع: E. De Rougé, Melanges Egypt. T. I, P. 14ff,; Budge, The Egyptian Sudan, Vol. II, p. 41–42.
٨٦  راجع: Moret, Du Caractere Religieux de la Royauté Pharaonique, P. 106.
٨٧  راجع: L. D, III, 36 b = Moret, Ibid. P. 105. Fig 21.
٨٨  راجع: Budge, The Egyptian Sudan, I. p. 138.
٨٩  راجع: B.I.F.A, Tom. XXX, P. 128; Weigall Report, p. 49.
٩٠  راجع: Herodot II, 29.
٩١  راجع: A. Z, 34, P. 116.
٩٢  راجع: Br, A. R, IV, § 888.
٩٣  راجع مثلا رقم ٣٦ A. Z, 34, p. 11.
٩٤  راجع: A. S, L, p, 128.
٩٥  راجع: Ibid, P. 137–172 & Pl. 41.
٩٦  راجع: Ibid, P. 269–80.
٩٧  راجع: Champolion, Notices Descriptives, II, p. 254–262.
٩٨  راجع: L. D, Text, III. P. 36–39.
٩٩  راجع: Bulletin De L’Institut Fr. D’Archeoleogie Orientale, Tome LIII. P. 114ff.
١٠٠  راجع: Griffith, Annals of Archeology & Anthropology Liverpool 9, (1922) Pl. 41.
١٠١  راجع: Mariette, Karnak Etudes p. 66.
١٠٢  راجع: Borchardt, Statuen und Statuetten, III, P. 80–2. No. 770.
١٠٣  راجع: Mariette, Karnak Atlas; J. de Rouge, Inscr. Hierog. etc. Pl. 299.
١٠٤  راجع: J. Simona, Egyptian Topographical Lists Relating to Western Asia, P. 103, & p, 187.
١٠٥  راجع: Bull. Instit. Fr. Ar. Tom. XLIX, p. 192.
١٠٦  راجع: Rec. Trav, XXIV, P. 208.
١٠٧  راجع: A. S, IV, P. 182.
١٠٨  راجع: Porter & Moss, II, P. 95; Mariette, Mon. Divers, Pl. 79–87, Plan id. ib. Pl. 79; Jequier, L’Architecture, II, Pl. 76 (2-3).
١٠٩  راجع: A, S, IV, P. 178–180.
١١٠  راجع: L. D, V, Pl. IC; Maspero, The Passing of the Empires, P. 362. note 6.
١١١  راجع: Transaction of the Society of Biblical Archeology Vol. VII P. 203.
١١٢  راجع: L. D, Text, III, P. 153.
١١٣  راجع: Ebers, Oberagypten, p. 237.
١١٤  راجع: Mission Archeologique Francaise, VIII, P. 273, 2.
١١٥  راجع: Rec. Trav, XXXVI. P. 57.
١١٦  الإله «همن» هو إله قديم في صورة صقر، راجع Bonnet, Reallexekon der Aegyptisohen Religionsgeschichte, P. 285.
١١٧  راجع: Gollenicheff, Hammamt IV, 2.
١١٨  راجع: Maspero, Guide To the Egyptian Museum Translated by quibel. p. 327.
١١٩  راجع: Transactions of The Society of Biblical Archaeology Vol. VII. P. 203.
١٢٠  راجع: Ibid. P. 203.
١٢١  راجع: Revillout, Quelques Textes Demotiques, p. 230–255; Deveria, Catalogues des Manuscrits Egyptiens 8 Paris 1875, P. 206; Griffith, Catalogue of the Demotic Papyri in the John Rylands Library, Manchester, Vol. III, p. 15,ff & 57.
١٢٢  راجع: Herodot, II, 36.
١٢٣  راجع: Heliodorus, IV, 8.
١٢٤  راجع: Diodorus, I, 94, 5.
١٢٥  راجع: Ibid, Cap. 79, 1–3.
١٢٦  راجع: Catalogue of The Demotic Papyri in the John Rylands Library, Vol. III, P. 57.
١٢٧  شطربة حاكم فارسي لمقاطعة أو مديرية من مديريات إمبراطورية فارس.
١٢٨  راجع: Ibid, P. 15.
١٢٩  راجع: Ibid, P. 15.
١٣٠  راجع: Ibid, P. 16.
١٣١  صورة رقم ١١
١٣٢  راجع: A. Z, XXXIII, Pl. VII.
١٣٣  راجع: Maspero, Guide, p. 183.
١٣٤  راجع: A. Z, XXXIII, Pls. VII, VIII.
١٣٥  راجع: Ibid, P. 115.
١٣٦  راجع: Pierret, Catalogue, Salle Historique, P. 266.
١٣٧  راجع: Petrie, History, Vol. III, p. 295.
١٣٨  راجع: T.S.B.A, VIII, p. 208.
١٣٩  راجع: Reisner Preliminary Report on the Harvard Excavationa at Nuri: The Kings of Ethiopia After Tirhaqa, p. 37.
١٤٠  راجع: Ibid, P. 46.
١٤١  راجع: Ibid, P. 13 No. XXXV.
١٤٢  راجع: Reisner, Ibid, P. 13; J.E.A, Vol. 35, P. 143; L. R, Tom. IV. P. 61.
١٤٣  راجع: A.S, 25, P. 25ff.
١٤٤  راجع: El Kurru, No. 3, P. 28 and Pl. XXXI. B.
١٤٥  راجع: Khartum Museum, No. 1911.
١٤٦  راجع: Reisner, Ibid, P. 11 No. XXI.
١٤٧  راجع: L. R, IV, P. 41 No. XLII.
١٤٨  راجع: J.E.A, Vol. 35, p. 147.
١٤٩  راجع: J.E.A, Vol. 15, Pl. 5.
١٥٠  راجع: J.E.A, Vol. 4, Pl. 45; J.E.A, Vol. 35, p. 143; L. R, IV, P. 53.
١٥١  راجع: Macadam, The Temple of Kawa. I, p. 124.
١٥٢  راجع: J.E.A, Vol. 35, P. 148; J.E.A, Vol. 15, Pl. 5 and Ibid, 32, 62.
١٥٣  راجع: J.E.A, Vol. 15, Pl. 5.
١٥٤  راجع: L. R, IV, P. 42; J.E.A. Vol. 35, p. 147.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤