الفصل الحادي عشر

النقل ومشكلاته في أفريقيا

(١) مشكلات النقل الأفريقي

حتى منتصف القرن الماضي، لم تكن في أفريقيا أية وسيلة من وسائل المواصلات الحديثة، باستثناء الخط الحديدي من الإسكندرية إلى القاهرة الذي بدأ إنشاؤه عام ١٨٥١، وتم في عام ١٨٥٥. وقد ظلت وسائل النقل التقليدية على ما هي عليه فترة طويلة، ولا تزال تلعب دورًا هامًّا في النقل المحلي، وعلى الرغم من مدِّ طرق برية عديدة في أفريقيا، إلا أن الإبل لا تزال لها أهميتها في النقل الداخلي في الواحات، وكذلك ما زال الإنسان وسيلة هامة من وسائل النقل في نطاق الغابات الكثيفة المدارية، ولا تزال عربات الثيران تلعب دورًا في النقل في أفريقيا الجنوبية. وبالمثل لا يزال النقل النهري يُمارَس بواسطة القوارب التقليدية الأفريقية، التي تتراوح بين القوارب المحفورة من جذع الشجرة أو من البوص والقصب في الأنهار المدارية، وبين القوارب الشراعية الكبيرة التي تبلغ حمولتها بضع عشرات من الأطنان في النيل.

وغني عن البيان أهمية طرق المواصلات في الحياة الاقتصادية، منذ أن استقرت المجموعات البشرية في الأرض الزراعية ومارست نُظُم إنتاج الغذاء. وبرغم التأكيد البالغ الذي يعطيه الجغرافيون للطرق كضرورة حتمية لنمو المجتمعات الإنسانية المختلفة من طور العصبيات والقبائل إلى طور الأمم، فإن هذه الحقيقة لم تكن سوى أحد العوامل الحاسمة في نشوء الدول منذ حضارات النيل والشرق الأدنى القديم.

ولقد اختلفت نظم النقل ووسائله من عصر إلى عصر، ومن حضارة إلى حضارة، ولا شك أن وسائل النقل في عالم ما قبل الحضارة الصناعية المعاصرة قد استمدت أصولها من الظروف البيئية في كل حضارة على حدة؛ فالملاحة النهرية كانت عماد النقل في الحضارة المصرية القديمة، والعجلة كانت وسيلة النقل في غرب آسيا، والملاحة البحرية كانت وسيلة النقل الأساسية في حضارات البحر المتوسط كلها، أما النقل بواسطة الحيوان فهو بدون جدال عبارة عن ارتباط وثيق بين الإقليم الجغرافي وحيوانه الرئيسي: الجمل في الصحاري الحارة، الخيل في السهوب والجبال، البقر في أقاليم الحشائش المدارية، الرنة في التندرا الجليدية، والياك وفصائل اللاما في الهضاب العالية (التبت والأنديز).

وحينما انتقل الإنسان إلى العصر الصناعي كانت بدايته التي اعتمد عليها في النقل هو البحر، ولكن ما لبث أن أخذ يفكِّر في وسائل أخرى للنقل الداخلي على إثر اشتداد الحاجة إليه لجلب الخامات إلى المصنع، ونقل المنتجات المصنعة إلى سوق الاستهلاك؛ ولهذا نلاحظ أن بدايات الصناعة قد نشأت أولًا في مناطق الموانئ. وحالة بريطانيا دليل واضح على ذلك؛ فالبحر كان وسيلة النقل الرئيسية في بداية العصر الصناعي، ولكن ما إن انتقلت الصناعة إلى مراكز الخامات الداخلية في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، حتى تطورت وسائل النقل أولًا إلى الاهتمام بالملاحة النهرية وحفر القنوات الداخلية (عصر سيادة القنوات ١٨٠٠–١٨٧٠)، ثم أخذ الاهتمام يتركز حول السكك الحديدية (عصر السكك الحديدية الذهبي ابتداء من ١٨٨٠)، وأخيرًا فإن اكتمال العصر الصناعي وبلوغه أوجه في أوروبا والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، قد جعل الاهتمام يُوجَّه إلى كل وسائل النقل مرة واحدة: البحر والنهر والقنوات والطرق الحديدية والبرية والجوية معًا.

ورغم أن تاريخ المواصلات الحديثة لا يعدو قرنًا من الزمان، إلا أن تقدُّمَ هذه الوسائل من المواصلات في أفريقيا ما زال في بداياته، حقيقة توجد مجموعة كبيرة من المجاري النهرية الصالحة للملاحة، إلا أنها تكاد أن تقتصر على القسم الغربي والأوسط من أفريقيا، بالإضافة إلى مجرى النيل في الجمهورية العربية المتحدة والسودان، وبقية أفريقيا محرومة تمامًا من هذه الوسيلة من وسائل النقل؛ فالصحراء محرومة من الجريان النهري، وكذلك هضاب أفريقيا الشرقية والجنوبية رغم ما فيهما من أنهار، إلا أنها أنهار قصيرة سريعة الانحدار مليئة بالشلالات، كذلك لم تمر أفريقيا حتى الآن بأي مرحلة من مراحل بناء القنوات الملاحية الداخلية.

أما السكة الحديدية والطرق البرية، فهي لا تكون شبكة بالمعنى المعروف في أوروبا أو أمريكا الشمالية أو الاتحاد السوفييتي، وهي في الحقيقة عبارة عن خطوط منعزلة تمتد من مناطق الإنتاج إلى موانئ التصدير، ونستثني من ذلك بضع مناطق من أفريقيا تقترب فيها الطرق الحديدية والبرية من مرحلة الشبكة المتشعبة، وعلى رأس هذه المناطق جنوب أفريقيا والجمهورية العربية المتحدة ونيجيريا.

ولقد ألقى كثير من الكتَّاب الغربيين اللومَ على طبيعة أفريقيا الجغرافية كسبب أساسي في تأخُّر وسائل النقل وتأخُّر تقدُّم القارة، ولسنا نريد أن نمضي في مناقشة هذه الأقوال إلا في أضيق الحدود، وخلاصة القول أن طبيعة أفريقيا قد شكَّلت عقبات كثيرة أمام النقل؛ فكل الأنهار — على وجه التعميم — تنتهي إلى البحر بمساقط عديدة نتيجة قرب حافة الهضبة من البحر، وعدم وجود سهول ساحلية عريضة، كما هو الحال في غيرها من القارات، وكذلك يكون نطاق الصحراء الكبرى عائقًا كبيرًا أمام تقدُّم الطرق الحديدية والبرية، وتكون المستنقعات في داخلية الأحواض النهرية الكبرى عوائق ملاحية هامة (منطقة السدود في النيل، مستنقعات النيجر الأوسط والكنغو على سبيل المثال).

ولكن هذه العقبات الطبيعية الأفريقية ليست خاصة بأفريقيا وحدها، بل هناك مثيل لها في مناطق عديدة من العالم؛ فالصحاري منتشرة في غرب ووسط آسيا ومعظم أستراليا، والمستنقعات موجودة في الأحواض النهرية الأخرى في العالم (سيبيريا، كندا، الولايات المتحدة، أمريكا الجنوبية، جنوب آسيا … إلخ)، والهضاب والجبال والشلالات موجودة في معظم أنهار العالم، ويكفي أن نذكر أن نهر سانت لورنس وبحيراته العظمى، الذي يكون الآن المحور الأساسي للصناعات الأمريكية والكندية، كان نهرًا مليئًا بالعوائق الملاحية ابتداءً من منتريال إلى منابعه، فضلًا عن تعرُّض الجزء الأدنى من منتريال حتى البحر إلى الانغلاق بواسطة الجليد خلال الشتاء — وهذه عقبة لا تعرفها أنهار أفريقيا — ومع ذلك فلقد بذل سكان الولايات المتحدة وكندا جهودًا جبَّارة لتذليل الملاحة في سانت لورنس؛ فشقوا القنوات وأقاموا السدود والأهوسة لتجنب عقبات الملاحة في مسار النهر وبين البحيرات، ولما لم يتغلبوا على جليد الشتاء شقوا قناة طويلة من بفلو إلى نيويورك لتحويل الملاحة إلى المياه الخالية من جليد الشتاء.

وعلى هذا النحو كانت جهود السوفيت لتحويل مياه الفولجا من بحر قزوين المغلق إلى البحر الأسود، بواسطة قناة الدون-الفولجا، وغير ذلك الكثير من الإنشاءات الهندسية الإنسانية لتصحيح «أخطاء الطبيعة»، التي لا تتفق ومصلحة الاقتصاد الحديث.

وعلى هذا فإن الطبيعة لم تكن جانية على أفريقيا وحانية على غيرها، ولكن لنا أن نتساءل: لماذا لم يفعل الإنسان في أفريقيا ما فعله في غيره لتذليل المصاعب أمام النقل الحديث؟ والإجابة تقتضي بحث العلاقة بين أنماط الاقتصاد والنقل، فكلما كان النظام الاقتصادي الصناعي سائدًا ومسيطرًا، كانت شبكة النقل الحديث كثيفة، وهذه حالة غير موجودة في أفريقيا، فالعلاقة بين المصنع والسوق علاقة ذات نسيج شديد التشابك في مناطق الحضارة الصناعية الأوروبية والأمريكية، مما يقتضي تجاوُبًا مماثلًا لشبكة النقل، بل إن شبكة النقل في هذه المناطق — على كثافتها — تعاني من ضغط متزايد نتيجة التوسُّع المستمر في العلاقات التجارية، ونمو قطاع الخدمات فوق علاقة السوق والمصنع. وتتضح هذه الحقيقة من الجدول التالي:

جدول ١١-١: حمولة البضائع للسكك الحديدية وأعداد السيارات في العالم.*
القارة حمولة البضائع للكيلومتر من السكك الحديدية (طن/كم) سيارات الشحن (العدد بالآلاف) سيارات الركوب (العدد بالآلاف)
١٩٥٠ ١٩٧٠ ١٩٥٣ ١٩٧٠ ١٩٥٣ ١٩٧٠
العالم ١٩٩٥ ٥٠٢٦ ١٩٦٣٠ ٥١٣٥٠ ٦٢٧١٠ ١٩٢٥٧٠
أفريقيا ٣٥ ٩٩ ٤٧٠ ١٣٦٠ ١٠٦٠ ٣٤٤٠
آسيا ١١٥ ٥٠٠ ١٠٤٠ ١٠٦٨٠ ٧٦٠ ١٣٢٥٠
أمريكا الجنوبية ٢٧ ٤٤ ٨٢٠ ٢٣٣٠ ١٠٥٠ ٤٥٩٠
أوشينيا ١٢ ٢٧ ٧٢٠ ١١٩٠ ١٥٨٠ ٤٨٨٠
أوروبا ٢٤٨ ٥٦٤ ٤١٤٠ ١٠٦٤٠ ٨٦٩٠ ٦٧٩٣٠
أمريكا الشمالية ٩٥٥ ١٢٩٧ ١٠٤٨٠ ٢٠٦٥٠ ٤٩٣٦٠ ٩٧٨٧٠
الاتحاد السوفييتي ٦٠٢ ٢٤٩٥
المصدر: الكتاب الاحصائي السنوي للأمم المتحدة ١٩٧١.

ويتضح من هذه الأرقام أن السكك الحديدية أو الطرق البرية تتحمل أعباء متزايدة في العالم كله، ولكن بصفة خاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية، ولا يزال النقل في أفريقيا متخلِّفًا؛ إذ يكون ٢٪ من الحمولة الصافية للبضائع للكيلومتر من مجموع هذه الحمولة في العالم، كما أن سيارات الشحن تكون ٢٫٦٪ من مجموعها في العالم، بينما تكون سيارات الركوب ١٫٨٪ من المجموع العالمي (النِّسَب لأرقام ١٩٧٠)، ويرجع ذلك إلى أن أعباء النقل الحديث في أفريقيا لا تزال محدودة بمناطق صغيرة من القارة، هي مناطق إنتاج الخامات الزراعية والمعدنية التي تُشحن للتصدير.

وتختلف أعباء النقل على السكك الحديدية من دولة لأخرى في القارة، وذلك حسب مساهمتها في الإنتاج المحتاج إلى التسويق والتصدير، فإذا كان مجموع الحمولة الصافية للبضائع للكيلومتر من أطوال السكك الحديدية في أفريقيا ككلٍّ عام ١٩٧٠ هو ٩٩٫٣ طنًّا/كم، فإن مشاركة الدول الأفريقية تختلف كثيرًا في تكوين هذا المجموع. وأكبر مشاركة تأتي من جنوب أفريقيا حيث نجدها تساهم بأكثر من نصف هذا المجموع (٥٧٫١ طنًّا/كم)، تليها روديسيا (٦٫٥)، ثم أنجولا (٥٫٢)، ثم مصر (٣٫٣)، وتنخفض إلى ٢٫٧ طن/كم في السودان، و١٫٩ في زائيري، و١٫٦ في نيجيريا.

ويدل ذلك دلالة واضحة على أن أحد الأسباب الرئيسية في تخلُّف النقل الحديث في أفريقيا هو أن الصناعة في هذه القارة لم تتجاوز بعدُ الخطوات الأولى، وأن معظم عمليات النقل تتم في صورة نقل الخام المعدني والزراعي من مناطق الإنتاج إلى موانئ التصدير.

إذن ليست طبيعة أفريقيا وحدها المسئولة عن تأخُّر وسائل النقل الحديث، ولكن ذلك راجع — إلى حد كبير — للتخطيط الاقتصادي وسياسات النقل في خلال حكم الاستعمار في أفريقيا، فإن تقطيع أوصال القارة في مستعمرات تابعة لدول مختلفة، قد جعل خطوط النقل في هذه المستعمرات تبدأ داخلها وتنتهي على سواحلها، لكي ينقل الخام المعدني والزراعي مباشَرةً على سفن الدولة صاحبة المستعمرة إلى أوروبا.

والأدلة على هذه الحالة كثيرة وليست في حاجة لتوضيح، إذا ما نظرنا إلى خريطة السكك الحديدة (رقم ٤٩). والحالة المثالية على ذلك الوضع خطوط السكك الحديدية في دول غرب أفريقيا ووسطها وشرقها، حيث لا تنتهي الخطوط الحديدية بالاتصال بخطوط الدول المجاورة إطلاقًا، ويمكن أن نستثني من ذلك شبكة خطوط شمال غرب أفريقيا، وخط «السنغال-مالي»، وخط «ساحل العاج-الفولتا العليا»؛ وذلك لأنها كلها كانت مستعمرات فرنسية، وفي هذه الدول لم تكن هناك حواجز سياسية، بل كان أمل فرنسا ربط كل مستعمراتها في غرب أفريقيا وشمالها بشبكة كبيرة عمودها الفقري خط حديد الصحراء، وهذه الحالة ذاتها تظهر في شرق أفريقيا، حيث مدت بريطانيا خطًّا يربط كينيا وأوغندا وشمال تنزانيا، وفي الجنوب ربطت بريطانيا جنوب أفريقيا بروديسيا وزامبيا وتسوانا (بتشوانالاند)، وأفريقيا الجنوبية الغربية بشبكة نقل حديدية هائلة، تُعَدُّ الأولى في أفريقيا كلها من حيث التعدُّد والأطوال وكثافة النقل من ناحية، ومن حيث عبورها عدة حدود دولية من ناحية أخرى، وفي الوقت ذاته اتصلت هذه الشبكة الضخمة بموانئ التصدير في مستعمرتَي البرتغال «موزمبيق وأنجولا»، وبنظام النقل الحديدي الكنغولي.

وفي الوقت الذي ترتبط فيه خطوط أفريقيا جنوب خط الاستواء، وخطوط شرق أفريقيا، وشمالها الغربي، تنقطع خطوط حوض النيل انقطاعًا يضر بمصلحة المنطقة أضرارًا بليغة، وهو تقطُّع يشبه التقطُّع المشين لخطوط السكك الحديدية في غرب أفريقيا؛ فشبكة الخطوط الحديدية في الجمهورية العربية المتحدة، تنقطع في أسوان دون مبرِّر ثم تكملها مواصلة نهرية أسبوعية بطيئة لتصل بها إلى بداية الخطوط الحديدية السودانية في وادي حلفا، وتقترب خطوط السودان الحديدية اقترابًا كبيرًا من الحدود الإثيوبية، ولكنها لا تمسها إلا في نقطة واحدة؛ من كسلا إلى تسناي على خور الجاش، بينما في الإمكان مد الخط السوداني والإثيوبي من تسناي إلى أجوردات، وبذلك تتصل الخطوط السودانية الشرقية بأسمرة ومصوع، ويصبح للسودان ميناء آخَر في مصوع بدلًا من اعتماده على بور سودان فقط، وبهذا تؤدي مصوع بالنسبة للسودان الوظيفةَ التي تؤديها موانئ موزمبيق بالنسبة لروديسيا وزامبيا. كذلك ما زال الخط الحديدي «جيبوتي-أديس أبابا» خطًّا مفردًا بطيئًا، ومع ذلك لا يمكن أن يمتد هذا الخط من أديس أبابا صوب السودان ليتصل بخط الرصيرص على النيل الأزرق، فيؤدي إلى فتح آفاق غرب إثيوبيا أمام التقدم الاقتصادي؟

إن جهود كل دولة صاحبة مستعمرات في أفريقيا كانت تتجه فقط إلى ربط مستعمراتها بالساحل داخل نطاق المستعمرة، دون الالتجاء إلى موانئ مستعمرة ثانية، ومن الحالات المثالية على ذلك بلجيكا في الكنغو؛ فرغم وجود سكة حديدية لا بأس بها تنقل إنتاج كاتنجا المعدني إلى ميناء لوبيتو في أنجولا، إلا أن بلجيكا كانت في النهاية تهدف إلى جعل ميناء الكنغو الأساسي داخل الكنغو؛ ولهذا فإننا نجد بلجيكا تستبدل مع البرتغال قطعتين من الأرض غير متكافئتين في المساحة عام ١٩٢٧؛ فقد تنازلت بلجيكا عن مساحة قدرها ٣٤٩٦٫٥ كيلومترًا مربعًا من أراضي الكنغو عند منطقة كساي، مقابل ٣٫١كم٢ من أراضي أنجولا خلف ميناء متادي الكنغولي، ولقد أصبحت المنطقة التي أخذتها أنجولا هي منطقة إنتاجها من الماس الذي يكون الآن ثاني صادرات أنجولا، أما بلجيكا فلقد أقدمت على هذه الصفقة، التي يبدو أنها غير رابحة، بغرض توسيع ميناء متادي، رغم أن ضفة النهر في هذه المنطقة شديدة الانحدار، مما جعل بلجيكا تتكلف كثيرًا في بناء المخازن اللازمة لتوسيع الميناء؛ لتتجنب عقبة ملاحية هائلة هي «دوامة الشيطان» التي تتوسط مجرى النهر على بُعْد كيلومترين من ميناء متادي القديم؛ وعلى هذا فإن إنشاء ميناء جديد قبل دوامة الشيطان هذه، قد ساعَدَ على وصول السفن البحرية (حمولة ٨ آلاف طن) إلى متادي، وبذلك أصبح لدى الكنغو ميناء كنغوليٌّ صرف، بعد بذل مال وجهد كبيرين، ولم يكن ميناء لوبيتو الأنجولي هو الحل الوحيد لتجارة الكنغو الخارجية، بل كان أمام بلجيكا أن تستفيد من وجود الخط الحديدي من برازافيل على نهر الكنغو أمام كينشاسا (ليوبولدفيل) إلى ميناء «بوان نوار» في الكنغو الفرنسي سابقًا، ولكن بلجيكا رفضت أيضًا الاعتماد على هذا الخط الحديدي الممتاز وميناء بوان نوار الواقع على المحيط مباشَرةً.

وهناك حالة أخرى من حالات التأخُّر الاقتصادي نتيجة الارتباط بالدول صاحبة المستعمرات؛ ففي مستعمرة ريوموني الإسبانية إمكانيات واسعة للاستغلال الغابي والزراعي، ولكن إصرار إسبانيا على أن تنقل هذه المنتجات على سفنها فقط قد أدَّى إلى بطء الاستغلال الاقتصادي، وتأخُّر حالة المستعمرة وسكانها تأخُّرًا كبيرًا.

ومن بين دول أفريقيا الاستوائية الفرنسية سابقًا، تتمتع جمهورية الكنغو برازافيل بمواصلات حديدية ونهرية ممتازة بالقياس إلى بقية دول المنطقة، ولكن جابون التي تتميز بغنى ووفرة في المعادن (المنجنيز الذي يقدر بأنه أكبر احتياطي في العالم الغربي)، والثروة الخشبية المتنوعة (أخشاب راقية استوائية أهمها الماهوجني والأبنوس) تنقصها وسائل النقل الحديدية والنهرية الحديثة، مما يجعلها تعتمد على فرع من خط حديد «بوان نوار-برازافيل»، يمتد من دوليزي إلى الحدود الجنوبية لجابون، وتبدي جابون امتعاضها من اعتمادها على هذا الخط، وتود أن تبني لنفسها وسائل نقل خاصة.

ويُضرَب المثل بخط حديد بوان نوار-برازافيل كدليل على مدى صعوبة مد الخطوط الحديدية في أفريقيا؛ فهو يمر فوق ٩٢ جسرًا، ويخترق ١٢ نفقًا، في مسافة طولها ٥١٥ كيلومترًا (أنشئ عام ١٩٣٢)، وكذلك يقال عن خط حديد متادي-كينشاسا (ليوبولدفيل) الذي أُنشِئ عام ١٨٩٨، ويمر خلال ١٧ نفقًا.

ولكن معظم الخطوط الحديدية في العالم، وفي أوروبا وأمريكا، تتعرض لعبور الجسور والأنفاق، فليس بمستغرب إذن أن تعبر خطوط أفريقيا الحديدية الجسور والأنفاق، وعلى هذا فالمغالاة في إبراز مثل هذه الحقائق لا يجب أن تُؤخَذ كتبرير يُحمِّل طبيعة أفريقيا نقص المواصلات الحديثة، غير أن التبرير الأساسي هو قصور رأس المال الأوروبي عن الاستجابة إلى ضرورات التقدم الأفريقي، واكتفاؤه باستثمار محدود في النقل يخدم استثماراته في المناجم وفي مناطق إنتاج الخامات الزراعية فقط.

ولا أدل على ذلك من أن الدول صاحبة المستعمرات لم تَشَأْ أن تمد الخطوط الحديدية في مناطق يمكن أن تستخدم فيها الملاحة النهرية. صحيح أن الملاحة النهرية أرخص كلفة وتشغيلًا، ولكن بطأها المتناهي وعبورها مسافات طويلة مع حنيات الأنهار، أصبح غير متكافئ مع متطلبات التقدم الحديث؛ فأنهار أوروبا، رغم قصرها المتناهي بالقياس إلى الأنهار الأفريقية الملاحية، ورغم صلاحيتها للملاحة معظم فصول السنة بالقياس إلى ذبذبة مناسيب الأنهار الأفريقية المدارية، ورغم تغلغلها داخل أوروبا وموازاتها بعضها للبعض، وخاصة في السهل الأوروبي العظيم، ورغم استخدام أوروبا لهذه الأنهار بشدة في الملاحة والنقل؛ فإن ذلك لم يمنع مد خطوط حديدية موازية للأنهار، كما هو الحال في نهر الألب والراين والسين والتيمز والرون والدانوب.

ولكن الحال في أفريقيا اختلف؛ فرغم المسافات الشاسعة للأنهار الأفريقية وذبذبة مناسيبها، إلا أن كل جزء صالح للملاحة من مساراتها أصبح يستخدم كشريان النقل الوحيد، والمثالان التقليديان على ذلك هما: النيل والكنغو، ففي السودان لا تمتد السكة الحديدية من كريمة إلى كرمة، بل تترك هذه المسافة للباخرة النهرية، رغم كثافة السكن في إقليم دنقلة، واشتداد الحاجة إلى وسيلة نقل سريعة، وفيما بين كوستي وجنوب السودان يعتمد النقل على النهر فقط (أخيرًا مُدَّ خطٌّ حديدي إلى واو).

وفي الكنغو تمتد السكة الحديدية من متادي إلى كينشاسا لتجنُّب شلالات لفنجستون، كما تمتد بين ستانلي فيل وبونتير فيل لتجنب شلالات ستانلي، وبذلك يصبح نهر الكنغو وسيلة المواصلات الوحيد بين كينشاسا وستانلي فيل، وهي مسافة تصل ١٧٠٠ كيلومتر، تقطعها الباخرة النهرية بين ثمانية أيام واثني عشر يومًا، وفي شمال شرق الكنغو منطقة إنتاج معدني وزراعي، ولهذا نجد البلجيكيين يبنون خطًّا حديديًّا بين مونجبيرو وباوليس وبوتا وبوندو، وينتهي هذا الخط إلى إكيتي من نهر إيتيمبيري، وبعد ذلك يكمل النهر عمليات النقل حتى كينشاسا، كذلك تكمل الملاحة النهرية عمليات النقل من بونتيرفيل إلى كندو على نهر لوالابا، ومن بورت فرانكي إلى نهر الكنغو على نهر كساي، بينما يمتد من كندو وبورت فرانكي خطان حديديان يلتقيان في كامينا، ومنها إلى إليزابث فيل، حيث يلتقي الخط بشبكة أفريقيا الجنوبية. كذلك يقوم نهر الأوبانجي (رافد الكنغو الشمالي) بعملية النقل الرئيسية للقسم الشمالي الغربي من الكنغو، ولجمهورية أفريقيا الوسطى وكنغو برازافيل، كما يمر فيه قسم كبير من تجارة جمهورية تشاد.

(٢) وسائل المواصلات

(٢-١) النقل المائي الداخلي

يتكون هذا النقل من نوعين هما النقل النهري والبحري، ولقد سبق أن تكلمنا بشيء من التفصيل عن بعض المجاري المائية وأهميتها الملاحية. وتوضح الخريطة رقم (١١) انظر [القسم الأول: الدراسة العامة لأفريقيا – الفصل الخامس: التصريف النهري] أجزاء الأنهار الصالحة للملاحة، ويتركز معظمها في غرب ووسط أفريقيا، بالإضافة إلى النيل وأجزاء من الزمبيزي. وفيما يلي مناطق الملاحة النهرية في الأحواض الكبرى:
  • (١)

    حوض النيل: يشتمل على قرابة ثمانية آلاف كيلومتر من المجاري النهرية الصالحة للملاحة، بالإضافة إلى الترع الملاحية في الجمهورية العربية المتحدة، وأهم مناطقه الملاحية هي: أسوان-المصب، أسوان-وادي حلفا، كرمة-كريمة، الخرطوم-ملكال، ملكال جمبيلة (السوباط)، ملكال واو (بحر الغزال)، ملكال-جوبا (بحر الجبل).

  • (٢)

    حوض الكنغو: يشتمل على قرابة ٢٥ ألف كيلومتر من المجاري المائية الصالحة للملاحة، وأهم مناطق الملاحة هي: كينشاسا-ستانلي فيل، بونتير فيل-كندو، الكنغو-كساي حتي بورت فرانكي، الأوبانجي حتى بانجي وكثير من الروافد الأخرى.

  • (٣)

    حوض النيجر: يشتمل على مسافات ملاحية طويلة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول في أعالي النهر: بين باماكو-كوروسا، وكوليكورو-أنسونجو، وبين موبتي-تمبكتو (من يوليو إلى يناير فقط)، وكذلك ٦٥٠ كيلومترًا من مجرى نهر باني، أهم الروافد العليا للنيجر، وقسم من نهر ميلو حتى كانكان، وهو الآخَر أحد روافد النيجر العليا. أما القسم الثاني من النيجر فهو القسم الأدنى، وتصلح فيه الملاحة من بارو حتى المصب طول السنة، وكذلك الملاحة مستمرة في البنوي طول السنة حتى ماكوردي، وفي فصل الفيضان حتى يولا على حدود الكمرون.

  • (٤)

    نهر الزمبيزي: صالح للملاحة لمسافة ٦٥٠ كيلومترًا من المصب، ويصلح للملاحة للقوارب والسفن الخفيفة بعد شلال جونج، وقد أثَّرت سكة حديد بيرا على الملاحة في هذا الجزء.

  • (٥)

    الجامبيا: صالح للملاحة للسفن البحرية حتى ٢٤٠كم من المصب.

  • (٦)

    السنغال: صالح للملاحة الخفيفة حتى كاييز.

  • (٧)

    شاري: ٨٧٠كم من مساره الأدنى ملاحي، بالإضافة إلى ٦٠٠كم من نهر اللوجوني (رافد شاري الأساسي).

  • (٨)

    نهر كروس: صالح للملاحة في مصبه الخليجي الواسع مسافة ٥٠ كيلومترًا حتى ميناء كلابار.

  • (٩)

    نهر اللمبوبو: صالح للملاحة لمسافة ٥٠ كيلومترًا فقط ابتداءً من المصب.

أما النقل في البحيرات الأفريقية فيتركز في بحيرات شرق أفريقيا الكبرى على النحو التالي:
  • (١)

    بحيرة فيكتوريا: توجد ست بواخر في البحيرة لها خطوط ملاحية منتظمة بالإضافة إلى القوارب الصغيرة، وقد بلغ عدد المسافرين على هذه السفن ٣٦٥ ألف شخص عام ١٩٦٠، كما بلغت حمولة البضائع في السنة ذاتها ٢٤٥ ألف طن، وأهم موانئ البحيرة كيسومو (كينيا)، بورت بل (أوغندا)، وموانزا (تانزانيا)، بالإضافة إلى بوكوبا (تانزانيا) كميناء لتصدير البن.

  • (٢)

    بحيرة تنجانيقا: هناك عدة سفن تقوم برحلات منتظمة بين كيجوما (تانزانيا)، وألبرت فيل (الكنغو)، وأزمبورا (بوراندي)، بالإضافة إلى رحلات القوارب التقليدية بين الموانئ العديدة على بحيرة تنجانيقا.

  • (٣)

    بحيرة نياسا: توجد سفينتان على البحيرة، إحداهما للبضائع والأشخاص، والثانية للبضائع فقط.

  • (٤)

    بحيرة ألبرت: توجد ثلاث بواخر في هذه البحيرة تقوم برحلات منتظمة بين بوتيابا (أوغندا) وكاساني (الكنغو)، وبين بوتيابا وماهاجي (الكنغو) وباكواش على نيل ألبرت (أوغندا).

  • (٥)

    بحيرة كيوجا: توجد ثلاث بواخر تقوم برحلات منتظمة بين ناماساجالي-أتورا، وناماساجالي-كاشونج، وناماساجالي-بوجوندو.

(٢-٢) الملاحة البحرية

تمتلك دول أفريقيا عددًا قليلًا من السفن بالنسبة للأسطول التجاري العالمي؛ ففي العالم من السفن التجارية وناقلات البترول ما حمولته ٢٤٧ مليون طن (١٩٦٩)، نصيب أفريقيا منه حوالي ٤٠٫٥ مليون طن موزَّعَة على الدول التالية:

جدول ١١-٢: الأسطول التجاري الأفريقي (١٩٦٩).
الدولة الحمولة بآلاف الأطنان
ليبيريا ٣٨٥٥٢
الصومال ٥٩٣
جنوب أفريقيا ٥٣٨
مصر ٢٤١
غانا ١٦٦
نيجيريا ٩٦
المغرب ٥٦

ويجب ملاحظة أن ارتفاع حمولة الأسطول الليبيري إلى هذا الحد الضخم لا يعبِّر عن وجود أسطول تجاري أفريقي؛ لأنه في واقع الأمر سفنًا وناقلات أمريكية في غالبيتها مسجَّلَة في ليبيريا تهرُّبًا من الضرائب العالية في أمريكا، وكذلك تمنح الصومال رايتها لسفن متعددة الجنسية، وبهذا فإن أكبر الأساطيل التجارية الأفريقية هي تلك التي تملكها جنوب أفريقيا ومصر.

ونظرًا لطبيعة السواحل الأفريقية فإن القليل من الموانئ هي تلك التي تقع على مرافئ طبيعية، مثل كيبتاون وفريتاون، ومن ثَمَّ فإن غالبية الموانئ الأفريقية تستدعي ضرورة إنشاءات صناعية باهظة التكاليف، ولبعض الموانئ أهمية بحرية دولية خاصة مستمدة من وقوعها على طرق الملاحة العالمية: «بور سعيد والسويس» تقعان على مداخل قناة السويس، «دكار» تقع على طريق الأطلنطي الأوسط من أوروبا إلى أمريكا الجنوبية وبقية أفريقيا الغربية، «كيبتاون» تقع على طريق الأطلنطي الجنوبي من أوروبا وأمريكا إلى أستراليا والمحيط الهندي، وباستثناء هذه الموانئ فإن غالبية الموانئ الأفريقية الأخرى تتعامل في تجارة شحن وتفريغ في حدود مليون إلى مليونَيْ طن سنويًّا، ولكن موانئ الدول النَّشِطة في أفريقيا (جنوب أفريقيا ومصر)، أو موانئ الدول المصدرة أساسًا للخامات المعدنية وعلى رأسها البترول (ليبيا والجزائر ونيجيريا)، أو موانئ الترانزيت للخامات المنتجة من الدول الداخلية (كموانئ أنجولا وموزمبيق بالنسبة لروديسيا ومالاوي وكاتنجا، أو موانئ تنزانيا بالنسبة لزامبيا ورواندا وبورندي، أو موانئ كينيا بالنسبة لأوغندا)؛ كل هذه المجموعات من الموانئ تتعامل في تجارة شحن وتفريغ كبيرة الحجم بالقياس إلى بقية الموانئ الأفريقية. ويوضِّح الجدول التالي بعضًا من أنماط الحركة في مثل هذه الدول:

جدول ١١-٣: حركة النقل البحري في بعض دول أفريقيا (بآلاف الأطنان).
الدولة بضائع مشحونة بضائع مفرغة
ليبيا (١٩٧٠) ١٦١١٣٣ ٢٦٠٠
نيجيريا (١٩٧٠) ٥٣٥٥١ ٣٦٩٣
الجزائر (١٩٧٠) ٤٤٢٦١ ٣٦٤٠
مصر (١٩٦٩) ١٢٧٧٥ ٦٣٨٥
ج. أفريقيا (١٩٦٩) ١٢٠٧١ ٦٦٠٥
أنجولا (١٩٧٠) ١٢١٨٨ ١٣٧٥
تنزانيا (١٩٧٠) ١٣٩٩ ٢٢٩٠
الملاحة في قناة السويس ١٩٦٦ سفن متجهة جنوبًا سفن متجهة شمالًا
Net R. T. حمولة السفن (ألف طن) ١٠٦١١٩ ٩٥٤٧٦
وزن البضائع (ألف طن) ٤٧٧٢٥ ١٩٤١٦٨

ويتضح من هذه الأرقام أنه إذا تركنا البترول جانبًا — وهو المسئول عن ارتفاع وزن البضائع المشحونة من ليبيا ونيجيريا والجزائر — فإننا نجد موانئ مصر وجنوب أفريقيا تتصدر الموانئ الأفريقية في حجم التعامل، وقد كانت أرقام التعامل في الموانئ المصرية حتى أواسط الستينيات تشير إلى ارتفاع وزن البضائع المفرغة عن المشحونة (٩٫٢ مليون طن مقابل ٧٫١ لعام ١٩٦٣)، وقد ارتبط ذلك باستيراد الآلات لبناء الصناعة في مصر، وقد أدت حرب ١٩٦٧ إلى نقص ملحوظ في كمية البضائع المفرغة، بحيث بلغت حوالي نصف البضائع المصدرة، كما هو واضح من أرقام ١٩٦٩.

ومن الملاحظ أن البضائع المفرغة في موانئ تنزانيا قد ارتفعت نتيجة سياسة زامبيا في الابتعاد عن الموانئ البرتغالية في موزمبيق وأنجولا، واتجاهها إلى تنزانيا كواجهة بحرية بعد إنشاء الطريق البري بينهما، كما أن العمل جارٍ على إتمام خط حديدي بين الدولتين. وتمثل البضائع المفرغة الآلات التي يقتضيها إنشاء هذه الطرق، كما يمثل أيضًا سد بعض احتياجات زامبيا من موارد الطاقة المستوردة وخاصة البترول.

(٢-٣) السكك الحديدية

سبق أن ذكرنا أن أول خط حديدي أُنشِئ في أفريقيا كان خط الإسكندرية القاهرة الذي تم بناؤه عام ١٨٥٥، وبعد ذلك أُنشِئَ خط القاهرة أسيوط (١٨٧٩) الذي مُدَّ إلى أسوان في ١٨٩٧، وبذلك اكتملت الخطوط الحديدية الأساسية في مصر. أما الجزائر فهي ثانية الدول الأفريقية في إنشاء ومد الخطوط الحديدية؛ ففي ١٨٦٢ مُدَّ خطٌّ صغير يربط بين مدينة الجزائر ومدينة بليدا (حوالي ٧٠كم).

figure
خريطة رقم (٤٩): السكك الحديدية في أفريقيا.

وكانت جنوب أفريقيا من الدول السبَّاقة أيضًا في بناء الخطوط الحديدية — عام ١٨٧٣ كان فيها ٥٠٠كم من أطوال السكك الحديدية — ففي عام ١٨٧١ بدأ خطان حديديان من كيبتاون وبورت إليزابث في اتجاه كمبرلي، حيث مناجم الماس العالمية، وقد وصل الخطان إلى هدفهما عام ١٨٨٥، وفي ١٨٨٦ بعد اكتشاف الذهب في إقليم الراند، بدأ مدُّ خط حديد بورت إليزابث-كمبرلي إلى الراند (تم عام ١٨٩٢)، ومد خط حديدي جديد من دربان إلى جوهانسبرج الذي تم عام ١٨٩٥، وفي الوقت ذاته أنشئ خط من جوهانسبرج إلى ميناء لورنز وماركيز في موزمبيق، وكان الهدف منه إيجاد اتصال بحري لجمهورية البوير في الترنسفال بعيدًا عن ناتال والكاب الإنجليزيتين.

ومن الخطوط القديمة الأخرى في أفريقيا خط دكار-سان لوي الذي أُنشِئ عام ١٨٨٥، بينما بدأ خط دكار-باماكو عام ١٨٨١، ولكنه لم يتم سوى عام ١٩٠٥، وكذلك بدأ خط متادي-كينشاسا (ليوبولدفيل) عام ١٨٨٩، ولكن العمل فيه لم ينتهِ قبل ١٨٩٨.

والملاحظ أن الفترة ما بين ١٨٩٥ و١٩١٤ هي الفترة التي شهدت أكبر توسُّع في مد الخطوط الحديدية في أفريقيا، وظلت حركة بناء الخطوط الحديدية في أفريقيا راكدة بعد ذلك إلى أن بدأت تنشط تدريجيًّا في الخمسينيات من هذا القرن، وما زالت هناك دول أفريقية تعمل لزيادة خطوطها الحديدية باستمرار، ومن أمثلة هذه الدول السودان الذي مدَّ خطوطًا جديدة في الخمسينيات وأوائل الستينيات إلى الرصيرص ونيالا وواو.

والملاحظ أيضًا أن الخطوط الحديدية الأفريقية قد أُنشِئَتْ في غالبيتها لتحقيق أغراض اقتصادية؛ فمدُّ الخطوط في ج. ع. م. أو جنوب أفريقيا أو نيجيريا أو الكنغو، وغير ذلك كثير، مرتبط بمناطق الإنتاج الزراعية والمعدنية، ولكن خط حديد القاهرة الإسكندرية أُنشِئ أساسًا لتجارة المحيط الهندي من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، للاستعاضة به عن شق قناة السويس، وهناك خطوط أخرى قامت به من أجل خدمة المستوطنين الأوروبيين، ومعظمها تركَّزَ في شرق أفريقيا وأقاليم الزمبيزي واللمبوبو في كينيا وروديسيا والترنسفال، بالإضافة إلى الكاب وأفريقيا الجنوبية الغربية.

ومعظم الخطوط التي أنشأها الفرنسيون، في غرب أفريقيا على وجه الخصوص، كانت تُمَدُّ بغرضٍ عسكري، فإن المواصلات السريعة كانت تشدِّد قبضة الحكم الفرنسي على المناطق الشاسعة في داخلية أفريقيا. ومن أكبر الأمثلة على ذلك خط دكار-باماكو الذي دعم حكم فرنسا على أقاليم النيجر، وكذلك خط «أبيجان-وجدوجو» في الفولتا العليا، وخط «كوتونو-باراكو» في شمال داهومي، وخط «كوناكري-كانكان»، داخل غينيا في وسط هضبة فوتا جالون. وفي شمال أفريقيا ربط الفرنسيون أقاليم الساحل في تونس والجزائر والمغرب بخط حديدي عظيم، الغرض منه خدمة الاقتصاد وتنمية مصالح الاستيطان الأوروبي، ولكنهم مدوا من هذا الخط خطوطًا أخرى إلى أطراف الصحراء الكبرى بغرض مدِّ نفوذهم العسكري في الصحراء، وهذه الخطوط هي: خط عنابة-بسكرة-توغرت، وخط وهران-كولمبشار-عبادلا، وخط وجدة-كلمبشار.

وقد بدأت السكك الحديدية في أفريقيا عام ١٨٥٥، وقد بلغت أطوالها عام ١٨٩٥ قرابة ١٢٫٤٠٠كم، ثم زادت بسرعة إلى ٤٨ ألف كيلومتر عام ١٩١٧ — أي بزيادةٍ قدْرُها أربعة أمثال، خلال عشرين سنة على وجه التقريب. وتبلغ أطوال السكك الحديدية الحالية في أفريقيا (١٩٦٠) قرابة ٧٤ ألف كيلومتر، وفيما يلي بيانات إحصائية عن أطوال السكك الحديدية في الدول الأفريقية:

الدولة أطوال السكك الحديدية (كم)
إثيوبيا ١٠٩٠
الجزائر ٤٣٥٠
السنغال ١٠٣٣
الصومال الفرنسي ١١٠
الكنغو (برازافيل) ٧٩٥
المغرب ١٨٩١
أوغندا ١١٢٠
تانزانينا ٢٥٣٢
تونس ٢١٠٦
داهومي ٥٩٤
زامبيا ١٢٠٠
سيراليون ٥٠٠
غينيا ٦٦٢
كينيا ٢٢٠٠
مالاوي ٤٣٠
موزمبيق ٢٣٦١
ليبيا ٣٦١
أفريقيا ج. غ. ٢٣٥٥
ج. ع. م. ٥٦٧٠
السودان ٤٨٠٠
الكمرون ٥٢٠
الكنغو (كينشاسا) ٥١٧٤
أنجولا ٣١١٠
بتشوانا (تسوانا) ٦٥٠
توجو ٤٤٤
جنوب أفريقيا ١٩٢٦٧
روديسيا ٣٦٠٠
ساحل العاج ٦٢٥
غانا ١٠٢١
فولتا العليا ٥٢٠
مالاجاشي ٨٦٤
مالي ٧١٦
ليبيريا ٦٩
نيجيريا ٢٨٤٩
وأهم الخطوط الدولية في أفريقيا ما يلي:
  • (١)

    خط شمال غرب أفريقيا: الذي يبدأ من مدينة تونس، وينتهي في الدار البيضاء مارًّا بالجزائر.

  • (٢)

    خط شرق أفريقيا: الذي يبدأ من ممبسا، وينتهي في كاسيزي (حدود أوغندا والكنغو)، مارًّا بنيروبي وكمبالا، ويبلغ طوله ١٤٧٠كم.

  • (٣)

    خط دكار-النيجر: الذي يبدأ من دكار، وينتهي في كوليكورو، مارًّا بكاييز وباماكو، ويبلغ طوله ١٢٩٦كم.

  • (٤)

    خط أبيجان-الفولتا: ويبدأ من أبيجان، وينتهي في وجدوجو عاصمة الفولتا العليا، ويبلغ طوله ١١٩٢كم.

  • (٥)

    خطا الكنغو-المحيط: والشمالي منهما يبدأ من بوان نوار، وينتهي في برازافيل، وطوله ٥١٥كم. أما الجنوبي فيبدأ من متادي، وينتهي في كينشاسا، وطوله ٣٨٦كم.

  • (٦)

    خط المحيطين الهندي والأطلنطي: ويبدأ من لوبيتو في أنجولا على ساحل الأطلنطي، وينتهي في بيرا في موزمبيق على ساحل المحيط الهندي، وطوله ٤٧١٢كم، ويمر بكاتنجا وزامبيا وروديسيا، وهو الخط الوحيد الذي يصل بين المحيطين في أفريقيا كلها.

  • (٧)

    الخط الشمالي-الجنوبي: الذي يبدأ من كيبتاون، وينتهي في سالسبوري في روديسيا، وهذا الخط هو قسم من الحلم الكبير الذي يُسمَّى خط القاهرة-كيبتاون، والذي لم يكتمل، وإنْ كان هناك طريق بري بديل لهذا الخط.

ويلاحظ من توزيع هذه الخطوط أنها في مجموعها تشترك في صفة أساسية واحدة، هي أنها تبدأ من الشاطئ متجهة إلى الداخل، ولذلك فهي عبارة عن خطوط ذات محاور شرقية غربية في شرق ووسط أفريقيا، وذات محاور شمالية جنوبية في غرب وجنوب أفريقيا، أما في حوض النيل فالخطوط ذات محاور شمالية جنوبية مرتبطة في ذلك باتجاه النيل، ولكنها حيث تبلغ نطاق السفانا السوداني تأخذ محورًا شرقيًّا غربيًّا (كسلا – سنار – الأبيض – نيالا). وفي شمال أفريقيا الغربي يسير الخط الأساسي موازيًّا للساحل — أي من الشرق للغرب، بينما تتعامد عليه الخطوط الحديدية الاستراتيجية المتجهة إلى الصحراء.

ولا يسعنا، قبل أن نختم الكلام عن السكك الحديدية الأفريقية إلا أن نذكر بعض مشروعات الخطوط الحديدية المستقبلة:
  • (١)

    خط حديد الصحراء: والكلام عنه قديم، ولكن التفكير فيه متصل، وهناك أحد احتمالين لمدِّ هذا الخط، الأول: من كولمبشار إلى تمبكتو في خط شبه مستقيم يخترق الصحراء في أقصر نقاطها (حوالي ألف كيلومتر)، والثاني: من توغرت إلى تمبكتو مارًّا بواحة ورقلة وحاسي مسعود وفلاترز وهضبة الحجار، وهو طريق أطول ولكنه يمر بمناطق واحات عديدة، وبالتالي يمر بمصادر للماء كثيرة، كما أنه يفتح آفاق الاستغلال الزراعي والمعدني في هذه الواحات وهضبة الحجار، ويمكن أن يمد منه خط حديدي من الحجار إلى واحة أغاديس، ومنها إلى بحيرة تشاد.

  • (٢)

    خط نجورو-بحيرة تشاد: ويكمل الطريق من لاجوس وكنو إلى بحيرة تشاد، ويربطها بساحل المحيط عن طريق نيجيريا.

  • (٣)

    خط ياوندين-ماروا-فورلامي: الذي يربط أيضًا بحيرة تشاد بالمحيط بطريق الكمرون.

  • (٤)

    خط كوماسي-تاملي: في شمال غانا.

  • (٥)

    خط لوزاكا-سالسبوري: لتقصير المواصلة بين كاتنجا وزامبيا من ناحية، وميناء بيرا من ناحية أخرى، بدلًا من الوصول إلى سالسبوري بطريق لفنجستون وبولاوايو.

(٢-٤) الطرق البرية

من المعروف أن مرحلة الطرق البرية أحدث من مرحلة الطرق الحديدية في العالم، ولكنها مع حداثتها قد أصبحت منافسًا قويًّا للنقل الحديدي في حدود النقاط التالية:
  • (١)

    إن الطرق البرية أقل كلفة في إنشائها من الطرق الحديدية.

  • (٢)

    إن للطرق الحديدية اتجاهًا محدودًا، بينما يمكن للسيارات والشاحنات أن تختار طرقًا عديدة داخل شبكة الطرق البرية؛ وبهذا فإن النقل البري يتمتع بحرية أكبر في الانتقال إلى أعماق بعيدة يصعب على السكك الحديدية الدخول إليها إلا بكلفة أكبر.

  • (٣)

    إن النقل البري أسرع من الحديدي من حيث إن حمولة الشاحنة صغيرة بالقياس إلى حمولة قطار البضاعة، ومن ثَمَّ يمكن تحميل البضائع بسرعة ومن مناطق بعيدة عن مجال الخط الحديدي، ثم نقل الحمولة إلى الهدف المطلوب مباشَرةً.

  • (٤)

    في الغالب يحدث شحن وتفريغ مزدوج للبضائع المنقولة بالسكك الحديدية، أولًا: من مكان الإرسال إلى محطة السكة الحديدية، وثانيًا: من محطة الوصول إلى مكان تسليم البضائع، وهذا الازدواج غير موجود في النقل البري.

هذه النقاط تجعل النقل البري أفضل من الحديدي، لولا أن الشحن بواسطة القطارات أرخص من السيارات في مجموعه، ومع ذلك تستفيد هيئات وشركات السكك الحديدية استفادةً متزايدة من النقل البري بإضافة شاحنات تابعة لها؛ لكي تقوم بتجميع البضائع من المناطق التي لا تمر فيها السكك الحديدية إلى المحطات القريبة، وإعادة نقلها من محطات الوصول إلى مكان التسليم.

وفي أفريقيا تقوم الشاحنات بهذه العملية بكثرة، مشترِكة في ذلك مع النقل الحديدي، وعلى هذا فالنقل البري في أفريقيا في معظمه مكمل للنقل الحديدي وغير متعارض معه؛ وذلك لقلة الخطوط الحديدية في أفريقيا عامةً، ولكن في الدول التي تتمتع بشبكة حديدية لا بأس بها (الجمهورية العربية المتحدة، وجنوب أفريقيا، وروديسيا)، قد ينافس النقل البري النقل الحديدي ما لم تكن هناك سياسات تنسق بين هذين النوعين من النقل.

ولقد بدأ بناء الطرق البرية في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي، وأخذت تنمو بعد ذلك بسرعة، وفي ١٩٢٣ اخترقت الشاحنات الصحراء الجزائرية إلى النيجر لأول مرة، وقد سهلت طبيعة أفريقيا ذات الهضاب المسطحة، إنشاء الطرق دون رصف الكثير منها إلا في حالات معينة، كما أن الجسور لم تُشيَّد بكثرة اعتمادًا على إمكانية عبور الأنهار في قوارب خاصة، ولكن الطرق غير المعبدة — وإن كانت صالحة لسير السيارات بوجه عام — تتصف بصفتين تعودان بالضرر على النقل البري؛ الأولى أنه خلال مواسم المطر يصبح السير في هذه الطرق مستحيلًا؛ لأنها تتحول إلى طين سميك، والصفة الثانية أنه في خلال الموسم الجاف يتكون على سطح الطريق طبقة جامدة متشققة في أحيان كثيرة، مما يجعل السيارات تسير على سرعات بطيئة — يستخدم السائق في ذلك السرعة الثانية في غالب الأحيان بدلًا من الثالثة أو الرابعة — مما يؤدي إلى زيادة استهلاك الوقود بنسبة قد تبلغ ٢٥٪ عمَّا لو كان الطريق ممهدًا بالأسفلت.

وأمام هذه العقبات أخذت الدول الأفريقية تزيد من اهتمامها بالطرق فتعبدها وترصفها باستمرار، ومع ذلك فإن نسبة هذه الطرق إلى الطرق غير المعبَّدة ضئيلة جدًّا؛ ففي الجمهورية العربية المتحدة ٣٣١٣كم فقط من الطرق الممهدة بالأسفلت، من مجموع الطرق البالغ ٢٠٢٢٨كم، وفي جنوب أفريقيا ٦٤٧١كم من الطرق الممهدة مقابل ١٥١٠٠٠كم من أطوال الطرق، وفي موزمبيق ٤١٠٣كم طرق ممهدة مقابل ٣٧٥٦٤كم من أطوال الطرق، وفي نيجيريا ٦٤٩٣كم من الطرق الممهدة مقابل ٦٠٩٠٤كم من أطوال الطرق، وفي معظم أفريقيا لا تكاد توجد طرق ممهدة إلا بأطوال محدودة، خاصة حول العواصم والموانئ.

أعداد السيارات في بعض دول أفريقيا (١٩٧٠).*
الدولة سيارات الركوب الشاحنات ٪ شاحنات لسيارات الركوب
أفريقيا ٣٤٤٠ ١٣٦٠ ٣٩٫٥
ج. أفريقيا ١٦٥٣ ٤٢٨ ٢٥٫٩
المغرب ٢٢٠٫٨ ٨٣٫٤ ٣٧٫٧
الجزائر ١٣٧٫٢ ١٠٦ ٧٧٫٢
مصر ١٣٠٫٧ ٢٢٫٣ ١٧
روديسيا ١٢٦٫٦ ٥٢ ٤١
كينيا ١٠٠٫٥ ١٨٫٩ ١٨٫٨
ليبيا ١٠٠٫١ ٤٥٫٤ ٤٥٫٢
ساح العاج ٥٦٫٤ ٤٠٫١ ٧١٫١
زائيري ٥٥٫٨ ٤٣٫١ ٧٧٫٢
ملاجاشي ٤٥٫٥ ٤٢٫٣ ٩٢٫٩
نيجيريا ٣٩٫٣ ٢٣٫٧ ٦٠٫٣
غانا ٣٦٫٥ ٢٧ ٧٣٫٩
تنزانيا ٣٣٫٣ ٣٣٫٧ ١٠١٫٢
السودان ٢٧٫٤ ١٦٫٥ ٦٠٫٢
جابون ٥٫٢ ٤٫٨ ٩٢٫٣
تشاد ٣٫٢ ٥٫١ ١٥٩٫٣
المصدر: الكتاب السنوي للإحصاء – الأمم المتحدة ١٩٧١.

ويوضِّح الجدول السابق أن أعداد السيارات في القارة قد بلغت في ١٩٧٠ قرابة ٣٫٥ ملايين، وأن عدد الشاحنات حوالي مليون وثلث المليون، وهذا يمثِّل زيادة ١٥٢٪ على أعداد سيارات الركوب لعام ١٩٦٣، وزيادة قدرها ١٦٢٪ بالنسبة للشاحنات، ويدل هذا النمو على زيادة الاهتمام بالطرق البرية وازدياد الإقبال على السيارة والشاحنة لتعويض النقص في السكك الحديدية داخل الدول الأفريقية، وداخل المدن الكبرى أيضًا — فضلًا عن مرونة النقل البري.

وتمتلك خمس دول أفريقية هي: جنوب أفريقيا، وروديسيا، والمغرب، والجزائر، ومصر ٦٥٫٧٪ من مجموع سيارات الركوب في القارة، ٥٢٫٥٪ من مجموع الشاحنات، ولكن الفارق كبير جدًّا بين جنوب أفريقيا وحدها وبين الدول الأربع الأخرى، بل وكل الدول الأفريقية مجتمعة؛ ففي جنوب أفريقيا ٤٨٪ من سيارات الركوب في القارة، و٣١٫٥٪ من الشاحنات، وقد زادت ما تملكه هذه الدولة عمَّا كانت عليه عام ١٩٦٣ بنسبة ١٥٥٪ و١٦٢٪ للسيارات والشاحنات على التوالي، وتؤكِّد هذه الأرقام، بالإضافة إلى أطوال السكك الحديدية في هذه الدولة، التطور الاقتصادي الحديث، وما يستدعيه ذلك من نمو في خطوط الحركة والاتصال. ويزيد من اعتماد جنوب أفريقيا على هاتين الوسيلتين من وسائل النقل — بالإضافة إلى النقل الجوي الداخلي — أن النقل النهري معدوم داخل الدولة.

ومن الجدير بالملاحظة أن أعداد السيارات الخاصة، قد انخفضت في الجزائر عمَّا كانت عليه عام ١٩٦٣، بحيث تكون أعداد ١٩٧٠ حوالي ٧٠٪ فقط من أرقام ١٩٦٣، وقد يرجع ذلك إلى هجرة المستوطنين الفرنسيين بعد استقلال الجزائر، وعلى وجه العموم فإننا نرى ارتفاعًا في أعداد السيارات الخاصة في الدول التي يوجد بها مستوطنون من الأوروبيين — جنوب أفريقيا وروديسيا من بين مناطق أخرى — نظرًا لارتفاع دخولهم عن بقية الأفريقيين.

وأخيرًا فإننا نلاحظ أن نسبة الشاحنات إلى سيارات الركوب ترتفع كثيرًا في معظم الدول الأفريقية عن المعدل العام للقارة، وأنه يصل أقصاه في عدد من الدول مثل تشاد وتنزانيا وملاجاشي وجابون، وقد لُوحِظَ نفس هذه النِّسَب العالية في أرقام ١٩٦٣ أيضًا، بل زادت في بعض الحالات مثل ملاجاشي وغانا وزائيري، ولا شك أن ارتفاع أعداد الشاحنات إنما يعكس احتياجات النقل المتزايدة في غالبية دول أفريقيا المدارية، وخاصةً تلك التي تنقصها شبكة جيدة من الخطوط الحديدية أو النقل النهري، ويدل ذلك دلالةً واضحة على سيادة النقل البري في المناطق التي يصعب فيها مدُّ الخطوط الحديدية — سواء في صحاري ليبيا والجزائر، أو مناطق الغابات والسفانا في بقية القارة.

وفيما يلي بيانات إحصائية عن أهم الطرق البرية العابرة للقارة الأفريقية راجع ذلك مع الخريطة رقم (٥٠):
  • (١)

    طريق القاهرة الكاب: وطوله ١٠٢٠٠كم، ويبدأ من القاهرة ويمر بالأقصر (٧٠٧كم)، أسوان (٢٣٣كم)، وادي حلفا (٤١٠كم)، أبو حمد (٣٧٠كم)، الخرطوم (٥٧٠كم)، ملكال (٨٩٣كم)، جوبا (٦١٢كم)، تورورو (أوغندا ٧١٣كم)، نيروبي (٤٤٨كم)، أروشا (تانزانيا ٢٩٠كم)، أيرنجا (تانزانيا ٦٩٢كم)، تندوما (حدود تانزانيا مع زامبيا ٥١٠كم)، لوزاكا (١٠٩٠كم)، بايت بريدج (حدود روديسيا مع جنوب أفريقيا ١٠٩٤كم)، جوهانسبرج (٥٦٠كم)، بوفور وست (الكاروو الكبير ٩٧٤كم)، وأخيرًا كيبتاون (٤٨١كم).

  • (٢)

    طريق القاهرة-الدار البيضاء: وطوله ٥٣٥٩كم، ويبدأ من القاهرة ويمر بالإسكندرية (٢١١كم)، مرسى مطروح (٢٩٩كم)، بنغازي (٨٤٩كم)، سيرت (٥٦٢كم)، طرابلس (٤٧٠كم)، صفاقس (٤٩٢كم)، تونس (٢٧٠كم)، الجزائر (٨٩٩كم)، وهران (٤٥٤كم)، مكناس (٦٢٣كم)، وأخيرًا الدار البيضاء (٢٣٠كم).

  • (٣)

    طريق السفانا السودانية: دكار-بور سودان وطوله ٧٦٧٣كم، أو كوناكري-بور سودان وطوله ٧٢٥٣كم، ويبدأ من دكار إلى باماكو (مالي ١٢٥٧كم)، أو من كوناكري إلى باماكو (٨٣٧كم)، ثم نيامي (النيجر ١٤٢٦كم)، ثم كنو (٩٤٨كم)، ثم فورلامي (٨٣٩كم)، ثم الفاشر (١٣١١كم)، ثم الأبيض (٦٢٠كم)، ثم الخرطوم (٤١٠كم)، ثم عطبرة (٣٢٣كم)، وأخيرًا بور سودان (٥٣٩كم).

  • (٤)

    الطريق الاستوائي الشمالي: أكرا ممبسه، وطوله ٦٩٦٣كم، يبدأ من أكرا إلى لاجوس (٥٢٨كم)، ثم أينوجو (٧٥٣كم)، ثم ياوندي (الكمرون ٨٨٧كم)، ثم بانجي (وسط أفريقيا ١١٠٣كم)، ثم بانزيفيل (٤٢٢كم)، ثم مونجا (٢١٤كم)، ثم ستانلي فيل (٦٥٧كم)، ثم مبارارا (غرب أوغندا ٩٤٨كم)، ثم تورورو (شرق أوغندا ٥٠٧كم)، ثم نيروبي (٤٤٨كم)، وأخيرًا ممبسة (٤٩٦كم).

    figure
    خريطة رقم (٥٠): الطرق البرية العابرة للقارة.
  • (٥)

    الطريق الاستوائي الجنوبي: متادي-ممبسة، وطوله ٤٩٦١كم، ويبدأ من متادي إلى كينشاسا (٣٩٠كم)، ثم كيكويت (٤٣٦كم)، ثم لولوابورج (٦١٣كم)، ثم لوبيفو (٣٩٣كم)، ثم كونجولو (على لوالابا ٣١٧كم)، ثم روتشورو (على الحدود الكنغولية الأوغندية ٨٠٦كم)، ثم كامبالا (٥٥٨كم)، ثم تورورو (٢١٧كم)، ثم نيروبي (٤٤٨كم)، ثم ممبسة (٤٩٦كم).

  • (٦)

    طريق السفانا الجنوبية: بنجويلا-بيرا، وببلغ طوله ٣٦٢٧كم، ويبدأ من بنجويلا إلى سيلفا بورتو (٥١٥كم)، ثم ديلولو (على حدود الكنغو وأنجولا ٧٣٥كم)، ثم كولويزي (كاتنجا ٤٣٩كم)، ثم إليزابث فيل (٣٤٠كم)، ثم لوزاكا (٦٠٠كم)، ثم سالسبوري (٤٠٠كم)، ثم أومتالي (حدود روديسيا وموزمبيق ٢٥٣كم)، ثم بيرا (٣٠٣كم).

  • (٧)

    طريق الصحراء الكبرى: الجزائر-كنو، ويبلغ طوله ٣٨٠٠كم، ويبدأ من الجزائر إلى القليعة (٩٥٨كم)، ثم عين صلاح (٤٢٧كم)، ثم تامنراست (هضبة الحجار ٧٠٠كم)، ثم أغاديس (٩١١كم)، ثم زندر (٢٧٥كم)، ثم كنو (٣٢٠كم).

  • (٨)

    طريق الصحراء الكبرى: طنجة-نيامي، ويبلغ طوله ٣٤٩٤كم، ويبدأ من طنجة إلى كولمبشار (٩٠٠كم)، ثم زاورة ريجانا (واحة توات ٧٨٠كم)، ثم جاو (على نهر النيجر ١٣٦٥كم)، ثم نيامي (٤٤٩كم).

  • (٩)

    طريق ساحل المحيط الهندي: دار السلام-كيبتاون، وطوله ٦٣٨١كم، ويبدأ من دار السلام إلى بالما على حدود موزمبيق وتانزانيا (٦٨٧كم)، ثم بورتو إميليا (٣٤٣كم)، ثم نامبولا (٤٢٣كم، ومنها طريق إلى الشرق يؤدي إلى ميناء موزمبيق ٢٤٠كم)، ثم بيرا (١٢١١كم)، ثم لورنزو ماركيز (١١٨٩كم)، ثم دربان (٧٦٠كم)، ثم بورت إليزابث (١٠٠٧كم)، ثم موسل باي (٣٩١كم)، ثم كيبتاون (٣٩٦كم).

  • (١٠)

    طريق كيبتاون متادي: وطوله ٤٤٨٥كم، يبدأ من كيبتاون إلى وندهوك (١٥٧٩كم)، ثم تسوميب (٤٩٠كم)، ثم سادا بانديرا (٨٦٢كم)، ثم نوفاليزبوا (لشبونة الجديدة ٤٥٢كم)، ثم لواندا (٧٣٩كم)، ثم متادي (٥٤١كم).

(٢-٥) الطرق الجوية

بدأ الاهتمام بإقامة خطوط جوية فوق أفريقيا حديثًا، وأقدم خط جوي في أفريقيا يرجع إلى عام ١٩٢٠ بين ليوبولد فيل «كينشاسا»، وستانلي فيل بواسطة طائرة مائية، ولكن أقدم خط جوي ربط أفريقيا بأوروبا هو الخط الأسبوعي الذي أُنشِئَ عام ١٩٣٢ بين لندن وكيبتاون، بطريق الإسكندرية – القاهرة – الخرطوم – جوبا – ممبسة، ثم مع ساحل المحيط الهندي حتى كيبتاون، وكانت هذه الرحلة تستغرق أحد عشر يومًا تقطعها طائرات مائية. وفي ١٩٣٣ استخدمت طائرات برية، فاستغنت عن الدوران مع الساحل، وأصبحت تمضي من جوبا – نيروبي – سالسبوري – جوهانسبرج – كمبرلي، ثم كيبتاون. كذلك أنشأ الفرنسيون الخط الجوي الثاني في أفريقيا من طنجة إلى الدار البيضاء ثم دكار.

وفي عام ١٩٣٦ أنشأت شركة سابينا البجليكية ١٥ مطارًا في الكنغو، وقد تأسست في الثلاثينيات أيضًا شركة مصر للطيران، وجاءت الحرب العالمية الثانية فأوقفت نمو الملاحة الجوية المدنية، ثم عادت تدريجيًّا إلى النمو بعد انتهاء الحرب. وفي عام ١٩٥٢ بدأت شركة الخطوط الجوية البريطانية في استخدام الطائرات النفاثة في أفريقيا، وأصبحت معظم خطوط الملاحة الجوية الدولية في أفريقيا الآن تستخدم الطائرات النفاثة في رحلاتها، بينما تستخدم طائرات المحركات في الخطوط الداخلية للدول.

وفضلًا عن الخطوط الجوية للشركات الأوروبية والأمريكية التي تخترق أجواء أفريقيا، هناك خطوط جوية أفريقية عديدة نذكر منها الخطوط الجوية العربية، والخطوط الجوية السودانية، والخطوط الجوية الإثيوبية، والخطوط الجوية الجزائرية، ثم الشريفية (المغربية)، والتونسية، وخطوط غانا الجوية، وخطوط نيجيريا الجوية، وخطوط شرق أفريقيا الجوية، وخطوط أفريقيا الوسطى الجوية، وخطوط ديتا (موزمبيق) الجوية، وخطوط أفريقيا الجنوبية، وأخيرًا تآلفت مجموعة من الخطوط لدول معاهدة ياوندي سُمِّيَتْ خطوط أفريقيا الجوية (تشمل: الكمرون، جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، كنغو برازافيل، داهومي، جابون، ساحل العاج، السنغال، موريتانيا، الفولتا العليا، النيجر)، وبدأت خطوطها عام ١٩٦١.

ومن حيث الأطوال التي تخدمها هذه الشركات الجوية نجد أكبرها هي خطوط أفريقيا الجنوبية S. A. A. التي بلغت خطوطها ١٩٢٥٧كم في داخل وخارج جمهورية جنوب أفريقيا معًا، يليها في ذلك الخطوط الجوية العربية U. A. A. بأطوال بلغت ١٢٨٦١كم، ثم خطوط أفريقيا الجوية Air Afrique وبلغت أطوالها ١١٥٣٦كم. أما الشركات الأخرى فأطوال خطوطها هي: ثمانية آلاف كم (الجزائرية)، وستة آلاف كم (الإثيوبية)، وخمسة آلاف كم (الروديسية والنيجيرية)، وأربعة آلاف كم (السودانية والشريفية والغانية)، وثلاثة آلاف (ملاجاشي)، وألفا كيلومتر (التونسية).

وتستخدم شركات جنوب أفريقيا والعربية والسودانية والإثيوبية والغانية طائراتٍ نفَّاثةً إنجليزيةً (كوميت)، وأمريكية (بوينج) في خطوطها الدولية.

figure
خريطة رقم (٥١): شبكة الخطوط الجوية الرئيسية.

أما الشركات الأخرى فتستخدم طائرات المحركات الصغيرة، ومعظمها فايكونت أو دوجلاس ٣ إلى ٧، وبعضها كالخطوط العربية والغانية تستخدم أيضًا الطائرات الروسية إيليوشن.

ومن حيث أعداد الركاب نجد أن خطوط أفريقيا الجنوبية تتصدر الشركات الأفريقية جميعًا؛ فقد بلغ عدد ركَّابها ٨٦٠ ألفًا عام ١٩٦٣، كما بلغت البضائع المشحونة عليها ٢٢ ألف طن لكلِّ كيلومتر من أطوال رحلاتها الجوية، ويليها في ذلك الشركة العربية بعدد ركاب ٣٨٥ ألفًا، وبضائع ٦٫٣ آلاف طن/كم.

ويمكننا أن نعرف ما يؤديه النقل الجوي الداخلي في الدول الأفريقية من دور هام في حياة كل دولة على حدة، من أطوال الخطوط المحلية لكل شركة. ومرة أخرى تظهر الخطوط الجوية لجنوب أفريقيا على رأس القائمة، ففي الوقت الذي تبلغ أطوال خطوطها الدولية ثمانية آلاف كيلومتر، نجد أطوال خطوطها المحلية ١١٠٠٠كم، ولا شك أن ذلك مرتبط بضخامة المساحة المسكونة من جنوب أفريقيا وتباعُد أطرافها، مما يدعو إلى كثرة السفر بالجو داخل الدولة. وعلى هذا النحو نجد في نيجيريا شبكة طيران محلية طولها ٦٢٠٠كم، وفي ج. ع. م. ألفا كيلومتر (وهي شبكة لا بأس بها بالقياس إلى مساحة المناطق المأهولة من الدولة)، وفي السودان ١٩٠٠كم (وهي شبكة صغيرة بالقياس إلى مساحة السودان الشاسعة).

وتوضِّح الخريطة رقم (٤٤) شبكة الخطوط الجوية الدولية في أفريقيا، ويتبيَّن من دراستها أن هناك موانئ جويةً على جانب كبير من الأهمية للملاحة الجوية الأفريقية وعلاقاتها بالعالم الخارجي، وأهم نقط التجمع هي: القاهرة والجزائر في الشمال، الخرطوم وكنو ودكار في نطاق السفانا، ونيروبي وكينشاسا وأكرا في النطاق الاستوائي، وجوهانسبرج في الجنوب.

مراجع لمزيد من الاطلاع

  • Clozier, R., 1963 “Geographie de la Circulation” Paris.
  • Oxford Regional Economic Atlas: Africa. 1965.
  • U. N. Statistical Year book 1971, New York.
  • صلاح الشامي: «النقل في أفريقيا» القاهرة ١٩٦١.

  • وكذلك راجع خرائط أفريقيا التفصيلة ١ : ٢٠٠٠٠٠٠، ١ : ٤٠٠٠٠٠٠.

  • والفصول الخاصة بالنقل في الكتب التي تعالج جغرافية أفريقيا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤