الفصل الثاني

المميزات العامة للقارة

يتكون العالم القديم من كتلة قارية واحدة تتخللها ألسنة المحيط وأذرعته لتشكِّل لنا ما عرفه الإنسان منذ زمن قديم باسم «آسيا – أوروبا – أفريقيا»، ويمكننا في الواقع أن نقسِّم كتلة العالم القديم إلى كتلتين فقط هما: أوروآسيا – وأفريقيا؛ إذ إن هناك جبهة التحام من اليابس تربط آسيا وأوروبا معًا لمسافة تقترب من خمسة آلاف من الكيلومترات، بينما الالتحام الأرضي الأفريقي الأوروبي معدوم، والأفريقي الآسيوي لا يتجاوز ١٢٥ كيلومترًا هو برزخ السويس الذي شُقَّتْ فيه قناة السويس، وبذلك قضى على الاتصال البري بين أوروآسيا وأفريقيا. ورغمًا عن هذه الفواصل، فإن العلاقات البشرية والحضارية لكتلة العالم القديم تشابكت وتدعمت على مرِّ العصور، وأنتجت عالمًا خليطًا في وسط هذه الكتلة القارية حول شواطئ البحر المتوسط، بينما تركَّزَتِ السلالات والحضارات الأكثر نقاءً في أطراف الكتلة القديمة: في شرق آسيا المغول وحضاراتهم، وفي شمال وغرب أوروبا السلالة البيضاء وما لها من مميزات حضارية خاصة، وفي الجنوب الغربي الزنوج وتجمُّعاتهم الحضارية المختلفة.

من ناحية الصورة نستطيع أن نقول إن أفريقيا جزيرة ضخمة تكاد تلتصق بأوروآسيا، ويفصلها عن أوروبا البحر المتوسط، وعن آسيا البحر الأحمر، ولكن من ناحية التطبيق وواقع الأمور، فإن تصوير أفريقيا على أنها جزيرة لا يستقيم أبدًا وارتباطاتها المكانية والبشرية والحضارية بالعالم الأوروآسيوي.

وربما كان أقرب تصوير للوضع أن أفريقيا شبه جزيرة كبيرة؛ فالبحر الأحمر لسان ضيق يمتد من المحيط الهندي متوسط عرضه حوالي ١٨٠ كيلومترًا، فضلًا عن ضيق طرفه الجنوبي في صورة مضيق باب المندب (٢٨ كيلومترًا)، وارتداده في الشمال عن الاتصال بالبحر المتوسط.

والبحر المتوسط أكبر وأضخم من البحر الأحمر؛ فبين الجزائر ومرسيليا قرابة ٧٥٠ كيلومترًا، وبين الإسكندرية ورودس ٦٠٠ كيلومتر، ولكن أفريقيا وأوروبا تكادان تتلامسان في أقصى الغرب إلا من مضيق جبل طارق (١٤كم)، ورأس أدار (بون) في تونس تبعد عن صقلية ١٤٠ كيلومترًا، فالبحر المتوسط بأبعاده العريضة ليس فاصلًا مانعًا، خصوصًا وأن أشباه الجزر الأوروبية تمتد في اتجاه أفريقيا: إيبريا وإيطاليا والبلقان، بالإضافة إلى أن البحر مليء بالجزر التي تقرب المسافات، مما يجعل أطوال الرحلة البحرية في حقيقته أقل من الرقم المجرد — ويجعل من البحر المتوسط وسيلة ربط لا فصل — وفيما عدا ذلك تتوغل سواحل أفريقيا الشرقية والغربية في قلب المحيط، فإلى الجنوب من رأس جوردافوي (رأس عسير) في شرق أفريقيا تزيد الشواطئ الآسيوية في الابتعاد عن الأفريقية على النحو التالي:

ساحل ملبار ٢٥٠٠كم رأس جوردافوي
جزر سوندا ٦٨٠٠كم جزيرة زنجبار
غرب أستراليا ٨١٠٠كم ساحل ناتال

وتبتعد سواحل أفريقيا عن الأمريكتين مسافات شاسعة عبر المحيط الأطلنطي على النحو التالي:

سواحل المغرب ٦٨٥٠كم فلوريدا
سيراليون ٢٨٠٠كم رأس سان روك
مصب الأورنح ٦٣٠٠كم جنوب البرازيل

وأخيرًا فإن هناك قرابة ٤٠٠٠ كيلومتر من المحيط الجنوبي تفصل بين إقليم الكاب وقارة القطب الجنوبي. وفيما يختص بامتداد أفريقيا في درجات الطول والعرض نجد الوضع كالآتي:

أقصى نقطة في الشمال رأس أنغيلا (تونس) ٣٧٫٢٠ شمالًا
أقصى نقطة في الجنوب رأس أجولهاس ٣٤٫٥٠ جنوبًا
أقصى نقطة في الشرق رأس حافون ٥١٫٢٠ شرقًا
أقصى نقطة في الغرب رأس فرد ١٧٫٣٣ غربًا

وتأخذ القارة صورة مستطيلين متصلين معًا في الشرق والوسط، وأكبر طول من الشمال إلى الجنوب ٨٠٠٠ كيلومتر، وأقصى عرض ٧٦٠٠ كيلومتر.

وتؤدي هذه الأبعاد الكبيرة مع عدم وجود البحار والخلجان الطويلة إلى ابتعاد أجزاء كبيرة من القارة عن ساحل البحر، ويمكننا أن نوضِّح هذه الحقيقة بمقارنة الأرقام في كلٍّ من أفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية على النحو التالي:

جدول ٢-١: النسبة المئوية من مساحة القارة وبُعْدها عن البحر.
القارة ٢٥٠ ٢٥٠–٥٠٠كم ٥٠٠–١٠٠٠كم ١٠٠٠–١٥٠٠كم ١٥٠٠كم فأكثر
أفريقيا ٣٣ ١٩ ٣١ ٢٣ ٤
أمريكا الجنوبية ٣١ ٢٢ ٣١ ١٦
أوروبا ٥١ ٢٣ ١٩ ٧
ومعنى هذا أنه في الوقت الذي يبعد ٤٢٪ من مساحة القارة عن البحر بمسافة ٥٠٠ كيلومتر، فإن مساحة الأجزاء المقابلة من أمريكا الجنوبية ٥٣٪، ومن أوروبا ٧٤٪، والأجزاء التي تبعد عن البحر بأكثر من ٥٠٠كم في أفريقيا تساوي ٥٨٪، بينما في أمريكا الجنوبية ٤٧٪، وفي أوروبا ٢٦٪ فقط، وهذا يفسِّر لنا بوضوح لماذا توجد دول كثيرة في أفريقيا لا تتمتع بأية سواحل على المحيط رغم كبر مساحتها (مالي مساحتها ١٢٠٤٠٠٠كم٢، وتشاد ١٢٨٤٠٠٠كم٢، والنيجر ١١٩٨٠٠٠كم٢، وزامبيا ٧٤٦٠٠٠كم٢) ويفسِّر أيضًا أن معظم الدول الأفريقية لها جبهات بحرية قصيرة ومساحات كبيرة في الداخل (الكنغو مساحته ٢٣٤٤٠٠٠كم٢، وطول ساحله على البحر ٤٠كم، والجزائر مساحتها ٢٣٨١٠٠٠كم٢، وطول ساحلها ١٣٠٠كم، وتتعمق في الداخل إلى مسافة ٢٠٠٠كم، والسودان مساحته ٢٥٠٠٠٠٠كم٢، وطول ساحله حوالي ٧٠٠كم، ويتعمق في الداخل مسافة ١٨٠٠كم).

وتتأكَّد هذه الحقيقة مرةً أخرى إذا عرفنا أن أطوال سواحل أفريقيا كلها ٣٠٤٠٠٠ كيلومترات، أي كيلومتر من الساحل لكل ألف متر مربع من المساحة، بينما هذه النسبة هي ٤٫١ كيلومترات من الساحل لكل ألف كيلومتر مربع من مساحة أوروبا، وسبب هذا راجع إلى قلة التعريجات.

وفي أفريقيا لا نظير للخلجان الكبيرة مثل خليج المكسيك أو الهدسن أو بحر البلطيق أو الأسود، ولا توجد أشباه جزر كبيرة كما هو الحال في آسيا الصغرى أو البلقان أو إيبريا أو فلوريدا أو الملايو، وأكثر الشواطئ الأفريقية تعرُّجًا تلك التي توجد في شمال غرب أفريقيا، وفي منطقة سيراليون وغينيا، وفي إقليم الكاب والساحل الشرقي من موزمبيق إلى كينيا … ولكن هذه التعرجات صغيرة بحيث لا تظهر على الخرائط العامة للقارة.

وإلى جانب نقش الخلجان وأشباه الجزر تتميز أفريقيا بصِغَر عدد الجزر التي تضم إلى القارة، وتبلغ مساحة الجزر الأفريقية ٦٥٣٠٠٠ كيلومتر مربع، تتركز في جزيرة مدغشقر التي تحتل أكبر مساحة من الجزر، ثم تتوزع المساحة الباقية على الجزر الأخرى العديدة. ويبيِّن الجدول التالي أهم الجزر الأفريقية ومساحاتها:

جزر المحيط الهندي جزر المحيط الأطلنطي
الجزيرة أو المجموعة المساحة كم٢ الجزيرة أو المجموعة المساحة كم٢
مدغشقر ٥٩٠٠٠٠ الكناريا ٧٢٧٣
سقطرة ٣٥٧٩ كيب فرد ٤٠٣٣
ريونيون ٢٥١٠ فرناندوبو ٢٠١٧
قومورو ٢١٧١ سوتومي وبرنسيب ٩٦٤
موريشس ١٨٥٦ ماديرا ٧٤٠
زنجبار ١٦٥٨ سانتا هيلانا ١٢٢
بمبا ٩٨٤ ترستان داكوانها ٩٨
سيشل وأميرانت ٤٠٤ اسانشن ٨٨

وعدم وجود التعاريج في ساحل القارة يؤدي إلى عدم وجود موانئ طبيعية إلا في الأحوال النادرة، وأحسن منطقة فيها موانئ هي منطقة الالتواءات الألبية في الشمال والجنوب، حيث تتداخل السلاسل الجبلية مع ساحل البحر مما أدى إلى نشأة خلجان صغيرة تصلح أن تقوم فيها الموانئ. فيما عدا ذلك فالموانئ الأفريقية صناعية؛ لتمنع الإرسابات النهرية والبحرية، وتدرأ خطر الحواجز المرجانية — مثل موانئ البحر الأحمر وغرب أفريقيا.

والأرصفة القارية في أفريقيا قليلة جدًّا، وتظهر بوضوح في منطقة جنوب أفريقيا، حيث يمتد الرصيف ما بين أجولهاس وكيبتاون وبورت إليزابث، ويتوغَّل إلى الجنوب حوالي ١٠٠ ميل على شكل مثلث، وبطبيعة الحال فإن قلة الأرصفة القارية تؤدي إلى قلة الثروة السمكية البحرية في أفريقيا.

وقد أدى عدم وجود المرافئ الطبيعية وقلة وجود الأرصفة القارية إلى عدم اهتمام الأفريقيين بالبحر، فيما عدا الساحل الأفريقي الشمالي، والحقيقة أنه قلما توجد قارة لا يهتم أهلها بالبحر مثل أفريقيا إلا في أحوال نادرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤