الفصل الثالث

موجز التاريخ الجيولوجي

(١) التكوينات الأركية

كانت أفريقيا تكوِّن جزءًا من قارة أضخم هي جندوانالاند، بدأت تنكسر في الزمن الجيولوجي الثاني، وكان تكوين جنداونا أساسًا من الصخور البلورية: الشيست، الكوارتز، الفيلليت، المرمر، وغير ذلك من الصخور الجوفية، بالإضافة إلى تداخُل كتل جرانيتية ضخمة.

وفوق هذه القاعدة من الصخور القديمة تكوَّنت الصخور الأحدث في طبقات تكاد تكون أفقية أو مائلة قليلًا، ولكن عوامل التعرية وحركات الأرض اللاحقة قد أظهرت مساحات ضخمة من الصخور القديمة على سطح القارة الأفريقية.

وأكثر مناطق أفريقيا التي دُرِست جيولوجيًّا دراسة جيدة هي جنوب أفريقيا، وقد انتهت الدراسات إلى وجود تكوينات قديمة جدًّا يُطلَق عليها خيز-سوازي Kheis-swasi في شمال وشرق الترنسفال، هذه التكوينات التي يظهر فيها الجرانيت والشيست، ترجع إلى قرابة ١٢٠٠ مليون سنة، ومثل هذه الطبقات موجودة أيضًا في جنوب غرب أفريقيا باسم تكوينات أبابيس Ababis. وفي منطقة خط تقسيم المياه بين النيل والكنغو في إقليم الازاندي تظهر تكوينات مماثلة، وكذلك في هضبة غينيا العليا، وفي الأقسام الوسطى والغربية من الصحراء الكبرى، وفي جبال البحر الأحمر، وهذه التكوينات في مجموعها تظهر فيها ظاهرة عدم التناسق، وهي في الغالب دليل على حدوث التواءات ضخمة سُمِّيَتِ الالتواءات الأفريقية القديمة، تلاها فترة طويلة من التعرية.

(٢) تكوينات ما قبل الكمبري

وفي مناطق كثيرة من أفريقيا تلت تكوينات الأركي صخور ملتوية ومتحولة تمثِّل حقبة طويلة سابقة على الزمنِ الأولِ تُسمَّى الكمبري، وأقدم صخور هذه الحقبة مجموعة تُسمَّى سنكلير Sinclair التي تسودها تكوينات من اللافا قديمة، يتلوها مجموعة وتواترزراند Witwatersrand التي يبلغ سُمْكها قرابة ٧٠٠٠ متر من الكوارتز والكونجلومرات، والغالب أنها إرسابات مياه عذبة، أو على الأقل بحر داخلي. وإحدى طبقات هذا التكوين (تُسمَّى بانكتس Bankets) تحتوي على عروق ضخمة من الذهب، وفوق وتواترزراند طبقات غير متناسقة من تكوينٍ سميكٍ (٣٠٠٠ متر) يُسمَّى فنترزدورب Ventersdorp، ويتميز بمصهورات بركانية سميكة.

وتنتشر صخور مماثلة ﻟ «وتواترزراند» وفنترزدورب في كل شرق أفريقيا، وفي أحيانٍ — حسب معلوماتنا الراهنة — في وسط وغرب أفريقيا.

وفي خلال حقبة ما قبل الكمبري حدثت الالتواءات الأفريقية الوسيطة (٨٨٠ مليون سنة)، وقد أدت هذه الحركة إلى التواء كتل سميكة من الصخور الطباقية تداخلت فيها مجموعات عديدة من الجرانيت، وبانتهاء هذه الحقبة كان بناء قارة جندوانا قد تمَّ فصوله، وزاد عليه عوامل التعرية التي أعطت القارة صورتها بعد الالتواء الأفريقي الوسيط، والنتيجة النهائية للالتواء والتعرية تظهر في أشكال عديدة، نذكر منها تكوينات كايجا في جنوب أفريقيا، وناما في جنوب غرب أفريقيا، وترانسفال في جنوب شرق أفريقيا. وفي داخل هذه التكوينات تظهر أول صخور فحمية في أفريقيا إلى جانب الكوارتز والشيست؛ الإرسابات البركانية والجرانيتية. ويبلغ سُمْك الصخور الكربونية في الترنسفال حوالي مائة متر متكونة من حجر جيري ودولوميت، ومن الناحية الاقتصادية يظهر في هذه التكوينات كوارتز حديد، وكذلك تظهر ركامات نهائية مما يؤكِّد وجود عصر جليدي. وهناك تكوينات أحدث تُسمَّى واتربرج-ماتساب Waterberg-Matsap، وتتركب من صخور رملية ملونة وكونجلومورات.
جدول ٣-١: جدول يوضِّح أهم الأحداث الجيولوجية في أفريقيا.
الزمن العمر حركات تكوين الجبال اسم التركيب الجيولوجي
مليون سنة في جنوب أفريقيا في بقية أفريقيا
الثالث  تكوينات كلهاري تكوينات بركانية (شرق أفريقيا)
التواء الأطلس
١٠٠
الثاني الحجر الرملي النوبي (السودان ومصر)
التواء الكاب تكوينات لولابا-لوبلياش (الكنغو)
٢٠٠ 
تكوينات الكاروو (بوفورت وشترومبرج) تكوينات وانكي (زمبيزي)
الأول ٣٠٠
التواء كاتنجا تكوينات لوكوجا (الكنغو)
٤٠٠ تكوينات الكاب
تكوينات أطلس الخلفية
٥٠٠
الالتواء الأفريقي الجديد
٦٠٠
ما قبل الكمبري تكوينات واتربرج (ماتساب) تكوينات كوند ولونجو (الكنغو)
٧٠٠
تكوين ترنسفال تكوينات ناما (ج. غ. أفريقيا)
٨٠٠
الالتواء الأفريقي الوسيط
٩٠٠
تكوين كايجا (فنتترزدورب)
١٠٠٠ تكوينات دامارا (ج. غ. أفريقيا)
الأركي وتواترزراند سنكلير
١١٠٠ الالتواء قبل الأفريقي
١٢٠٠ مجموعة أبابيس (ج. غ. أفريقيا)
تكوينات خايز-سوازي
figure
خريطة رقم (٣): (١) الصخور الأركية. (٢) تكوينات ما قبل الكمبري. (٣) تكوينات الزمن الأول. (٤) تكوينات الكاروو. (٥) مناطق الالتواء. (٦) التكوينات الجيرية للزمنين الثاني والثالث. (٧) غطاءات اللافا في الزمنين الثالث والرابع. (٨) التكوينات الحوضية في الزمن الرابع.

وفي نهاية حقبة ما قبل الكمبري (٥٥٠–٦٠٠ مليون سنة) حدثت التواءات كبيرة، هي الالتواء الأفريقي الجديد الذي أدَّى إلى تشكيلات جديدة وتداخل جرانيتي كبير، ومن أهم الأمثلة على المناطق التي تأثَّرَتْ بهذا الالتواء تكوينات كوندولونجو السميكة (٥٠٠٠ متر) في كاتنجا، وهنالك تكوينات مماثلة ربما عادت إلى الزمن نفسه في مناطق متفرقة من شرق وغرب أفريقيا والصحراء الكبرى، كما يعود إلى الفترة نفسها تكوينات أطلس الخلفية التي — بفضل الحفريات الموجودة فيها — تعود في الواقع إلى الفترة بين حقبة ما قبل الكمبري والزمن الأول، ومثل هذا التكوين يكاد لا يكون له نظير في بقية العالم.

(٣) تكوينات ما بعد الكمبري

وتدل التكوينات الكربونية على أن جزءًا من جنداونا كان يقع تحت البحر في حقبة ما قبل الكمبري، بعد ذلك ظلت معظم القارة في الزمن الأول والثاني والثالث فوق مستوى البحر إلا من أجزاء هامشية وخاصة في الزمن الثاني، أما التكوينات التي حدثت في الزمن الأول والثاني والثالث والرابع، فهي إما إرسابات أرضية أو بحيرية. في الزمن الأول ظلت أفريقيا فوق سطح البحر إلا من انخفاضات في جنوب ووسط القارة، وأهم مثال على تكوينات الباليوزوي القديم تكوينات الكاب (٣٠٠٠) التي تظهر في جبل تيبول Table المشرف على مدينة كيبتاون.
وفي أواخر الزمن الأول نجد التكوينات الكربونية والبرمية في القسم الجنوبي من أفريقيا (٦٥٠٠ متر)، وتظهر بوضوح في تكوينات الكاروو، وتنقسم تكوينات الكاروو إلى بوفورت Beaufort، وشترومبرج Stromberg اللذين ينتميان إلى الترياسي (زمن ٢)، وكان ذلك آخِر تكوينات الكاروو، ويتميزان بطفوح وغطاءات ضخمة من اللافا سُمْكها ١٣٧٥ مترًا في طبقات متعاقبة، ومن مناطق ظهورها المثالية كاتلامبا على ارتفاع ٣٠٠٠ متر فوق سطح البحر.

وتظهر تكوينات آخِر الأول والترياسي في مناطق أخرى من أفريقيا، ومن هذه المناطق تكوينات حقول فحم وانكي في منطقة الزمبيزي، كما تظهر تكوينات مماثلة للكاروو في شرق أفريقيا. وفي شرق الكنغو تنتمي تكوينات لوكوجا ولوالابا-لوبيلاشي إلى نفس الزمن، وكذلك تظهر تكوينات مماثلة في السودان ومصر العليا كجزء من التركيب الصخري السائد المسمى الحجر الرملي النوبي.

ومن ناحية أخرى تميز أواخر الأول والترياسي بحركة الالتواء في جنوب القارة التي تظهر في سلسلتي لانج برجن وزفارتبرجن.

ومن بداية الجوراسي تنتهي الإرسابات الضخمة على القارة الأفريقية، وتبدأ الحركات التكتونية التي أعطت القارة صورتها الحالية، فالإرسابات البحرية في الزمن الثاني — وخاصة إرسابات الكريتاسي — تظهر في هوامش القارة فقط.

تظهر تكوينات الجوراسي البحرية في جنوب تونس، وليبيا، وإريتريا، والصومال، وتنجانيقا، ومدغشقر، ولكنها تتكون في الوقت الراهن من مناطق منقطعة غير متصلة في صورة أشرطة إرسابية ضيقة، وقد ارتبطت إرسابات الجوراسي في شمال أفريقيا بامتدادات بحر تيثس، بينما تدل إرسابات الجوراسي في شرق أفريقيا على أن المحيط الهندي ومضيق موزامبيق كانا على قيد الوجود في ذلك الوقت.

أما التكوينات الكريتاسية فتغطي شمال أفريقيا وهوامش القارة في الجنوب، وتتركب هذه التكوينات إما من حجر جيري أو حجر رملي، وأكبر امتداد للحجر الرملي هو ذلك الذي يظهر في جنوب مصر وشمال السودان وجنوب ليبيا باسم الحجر الرملي النوبي الذي يرجع معظمه إلى الكريتاسي، ولكن بعضه يرجع إلى أواخر الزمن الأول كما سبق الكلام. وتميز الكريتاسي في جنوب القارة بحركات بركانية واسعة، أدَّى بعضها إلى ظهور الماس في عروق البراكين القديمة، ويُسمَّى ذلك النوع باسم كمبرلي نسبةً إلى مدينة كمبرلي، كما يظهر في تكوينات قاع الأنهار أو الشواطئ، كما هو الحال في مناجم كساي وفي البانكتس (وتواترزراند) وجنوب أفريقيا، والقسم الغربي من شرق أفريقيا (بركانَيْ كمبرلي).

وحينما حلَّ الزمن الثالث كانت أفريقيا في مجموعها قد أخذت صورة قريبة جدًّا من صورته الحالية، فتكوينات الزمن الثالث البحرية في جنوب القارة نادرة جدًّا، وفي داخلية القارة نجد تكوينات حوض كلهاري — سُمْكها ١٤٠ مترًا من الجير والطين والرمال، التي ما زالت تتكون حتى الآن — وفي السواحل الشرقية والغربية للقارة توجد أشرطة متراوحة العرض من تكوينات الحجر الجيري الثالث، وفي داخل الأخدود الأفريقي توجد تكوينات مياه داخلية وعذبة من الثالث أيضًا. وأكبر امتداد لتكوينات الثالث الجيرية هي بلا شك تلك التي توجد في شمال القارة، والتي ارتبطت بتراجع ببحر تيثس إلى الشمال، لينكمش ويكون البحر المتوسط الحالي. وقد ارتبط الزمن الثالث في أفريقيا بحركتين: الأولى تكوين الأخدود الأفريقي التي سنبحثها بعد قليل بالتفصيل، والثانية حركة بناء الجبال الالتوائية في شمال غرب القارة، وقد ارتبطت هذه الحركة بتكوين الجبال الألبية في أوروبا وآسيا، وأدَّتْ في أفريقيا إلى تكون سلاسل جبال الأطلس المعروفة في بلاد المغرب، وبذلك تكون الحركات الالتوائية قد اقتصرت على أقصى جنوب القارة في الزمن الثاني، وأقصى شمالها الغربي في الزمن الثالث.

(٤) الأخدود الأفريقي

أكبر ما يميِّز الزمن الثالث الحركات التكتونية الضخمة في شرق أفريقيا التي بدأت مع أواخر الكريتاسي، ولكنها بلغت أوجها في الثالث والرابع؛ فأخدود البحر الأحمر، وبقية الأخدود الأفريقي داخل شرق أفريقيا، والقرن الأفريقي، والانكسارات العديدة، وحركات الرفع في القسم الجنوبي الشرقي من القارة، هي كلها نتائج للحركة الأرضية الضخمة في الثالث والرابع، وسبب هذه الحركات ما زال غير معروف، وسوف نعالج — في إيجاز شديد — بعض الدراسات التي دارت حول تكوين الأخدود.

figure
خريطة رقم (٤): الأخدود في شرق أفريقيا. معدلة عن: L. D. Stamp, “Africa” 1964. P. 50.

يمتد الأخدود الأفريقي من جنوب بحيرة نياسا، وربما من ساحل المحيط الهندي قرب مصب الزمبيزي إلى بحيرة نياسا التي تقع داخله، ثم يتفرع شمال نياسا إلى فرعين، الغربي منهما أقصر ولكنه واضح في معظم جهاته، ويمتد في اتجاه شمالي غربي، ثم إلى شمالي، وأخيرًا شمالي شرقي فيما يشبه القوس، ويشتمل على بحيرات تنجانيقا، ثم كيفو، ثم إدوارد، ثم ألبرت، وينتهي قرب لادو عند بداية بحر الجبل، ويشتمل بذلك على نيل ألبرت ونهر السمليكي. أما الفرع الشرقي فيتجه شمالًا مع انحراف بسيط تجاه الشرق عبر تنجانيقا، وهو في هذا الجزء أحيانًا غير واضح المعالم والحدود، ويكمل مساره شمالًا في كينيا وإثيوبيا حتى البحر الأحمر، ويشتمل على مجموعة من البحيرات الصغيرة مثل بحيرة نيفاشا وناكورو وبارينجو، وهو في كينيا محدَّد جدًّا، وتمتد حوافه شرقًا وغربًا في شكل هضاب عالية ترتفع فوقها جبال عالية مثل كينيا إلجُن، ويحتوي الأخدود على بحيرة رودلف في شمال كينيا، ثم يأخذ الأخدود عدة اتجاهات مختلفة إلى الشمال والشمال الشرقي، وهو بذلك يقسم كتلة الحبشة إلى الهضبة الجنوبية الشرقية التي تُسمَّى هضبة الصومال، والهضبة الشمالية الغربية والتي يُطلَق عليها فعلًا هضبة الحبشة.

ويحتوي الأخدود في هذا المسار على مجموعة من البحيرات الصغيرة مثل شالا وزفاي ومعظم وادي نهر هواش.

وعند درجة العرض العاشرة يتفرع الأخدود مرة أخرى إلى فرعين ويغيِّر اتجاهه، وربما كان السبب في ذلك راجع إلى وجود كتلة قديمة من صخور شديدة الصلابة استطاعت مقاومة الانكسار وتحملت الانزلاقات الأرضية، هذه هي هضبة الدناكل.

أما الفرع الأقصر فيمتد شرقًا ويشمل خليج عدن، أما الفرع الأطول فيتجه إلى الشمال الغربي، ويشتمل على كل حوض البحر الأحمر بخليجيه «العقبة والسويس»، وحوافه معروفة في مصر والسودان باسم جبال البحر الأحمر — وباسم جبال الحجاز في اليمن وعسير والحجاز على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر. ومن خليج العقبة يأخذ الأخدود مسارًا يمتد شمال الخليج حتى ينتهي تقريبًا في أقدام جبال طوروس، ويشتمل على البحر الميت، وبحيرة طبرية، وسهل البقاع، وأجزاء من وادي نهر العاصي.

(٤-١) محاولة تفسير ظاهرة الأخدود الأفريقي

  • جريجوري Gregory: ثنية أو طية أو قوس فوق شرق أفريقيا تدعمه وتضغط عليه ضغوط جانبية في الكريتاسي، ثم حدث هبوط في جندوانا كوَّن المحيط الهندي، مما أدَّى إلى فقدان الضغوط الجانبية التي كانت تدعم ثنية شرق أفريقيا، مما أدَّى إلى انهيار في الأجزاء العليا من المحدب، وتكون بذلك الأخدود ومظاهر البركنة في شرق أفريقيا في الزمن الثالث.
  • هولمز Holmes: تضاغط في قشرة الأرض مما أدى إلى انكسارات قافزة، وفي رأيه أن الكتل القافزة الرئيسية قد ركبت فوق الكتل السفلى underthrust فزادت من ضغطها إلى أسفل، وهذا الضغط يؤدِّي إلى إحداث خط انكسار قافز ثانٍ موازٍ للأول ولكنه يواجهه، وهكذا توجد كتلتان قافزتان مواجهتان لبعضهما عبر أرضية وادٍ متكوِّن من كتلة واحدة تحمل ضغط الكتلتين القافزتين، وأرضية الوادي هذا تأخذ في الهبوط التدريجي حتى تصل الحالة إلى التوازن الأرضي الطبيعي.

(٤-٢) تعليق

بعد رفع كثير من أفريقيا على خرائط تفصيلية بعد عام ١٩٤٥، فإنه قد ثبت أن كلًّا من هاتين النظريتين المتعارضتين بسيط وغير كافٍ لتفسير ظاهرة الأخدود. مثلًا كان التفكير أن الأخدود تكوَّنَ في نهاية الكريتاسي، ولكن الأبحاث الحديثة دلَّتْ على أنه أقدم بكثير؛ لأن خطوط الانكسار تتبع انكسارات تكوَّنَتْ فيما قبل الكمبري، وهكذا فإن انكسارات الكريتاسي والثالث ليست إلا مرحلة من مراحل تطور هذه الظاهرة، وبناء على هذا يري ديكسي Dixy في دراسة له عام ١٩٥٦ عن الأخدود، أنه يبدو أن حركات الكريتاسي والثالث ناجمة عن شدٍّ، بينما الضغوط هي سبب الانكسارات الأقدم. ويرى ديكسي وغيره من الخبراء أن الحركات العمودية التي أدَّتْ إلى ما يُسمَّى ﺑ «الأحواض والهضاب» في تركيب أفريقيا هي حقيقة المفتاح للمشكلة، وما زالت الدراسات عاجزة عن حل المشكلة.
figure
خريطة رقم (٥): جندوانالاند حسب التوزيع الحالي للكتل القارية.
figure
خريطة رقم (٦): جندوانالاند (حسب King). المناطق السوداء توضِّح التكوينات الحالية للكاروو، والمناطق المنقطة توضِّح احتمال انتشارها السابق عن H. Church Africa ١٩٦٤ ص١٨.

(٤-٣) نظريات زحزحة الأرض وارتباطها بأخدود أفريقيا وسواحلها الانكسارية

  • فجنر Wegener: في سنة ١٩١٠، أعلن عن نظريته الخاصة بأن قارات العالم جميعًا كانت قارة واحدة أسماها بانجايا Pangaea، وذلك بناء على مقارناته لسواحل المحيط الأطلنطي المتقابلة، بالإضافة إلى وجود أنواع متشابهة من التركيب الجيولوجي في جنوب أفريقيا وسلسلة سيرا في بيونس أيرس. هناك نواقص شديدة كثيرة في نظرية فجنر، والذي يهمنا أن فجنر في تأييده لفكرة الشد والجذب التي أدَّتْ إلى تكوين الأخدود، قد وسع هذه الفكرة لكي يكون الشد العامل الأساسي في تحطيم بانجاي، وإذا صحَّ ذلك فإن أجزاء شرق أفريقيا التي تقع شرق الأخدود الكبير سوف تنفصل في بضع ملايين السنين القادمة عن القارة نهائيًّا!
  • دي توات Du Toit: في سنة ١٩٣٧ نشر كتابه Our Wandering Continents، وفيه أدلة جديدة تأييدًا لقضية زحزحة القارات، ولكنه اقترح قارتين بدلًا من بانجاي، هما: لوراسيا (أمريكا الشمالية – أوروبا – آسيا)، وجندوانالاند (بقية قارات العالم + الهند)، ومن ثَمَّ فإن أفريقيا في نظرية دي توات كانت قلب ومركز جندوانا، وهذا هو ما أكَّدَه الأستاذ King بناء على الصبغة القارية الأساسية التي لصخور أفريقيا، ومن الأدلة القوية على وجود جندوانا منفصلة عن لوراسيا شيوع نبات glossopeteris في التكوينات الكربونية في البرازيل وأفريقيا والهند وأستراليا، وانعدام وجوده في التكوينات الكربونية في أوروبا وأمريكا الشمالية.
ورغم معارضة عدد كبير من الجيولوجيين لفكرة زحزحة القارات، إلا أن هذه النظرية أخذت تلقى تأييدًا متزايدًا في الفترة الأخيرة، ومن الأبحاث الجديدة. التي ترجح الزحزحة ما يُعرَف الآن باسم دراسة المغناطيسية القديمة Paleomagnetism التي تؤكِّد أن الصخور النارية قد تميَّزَتْ بطاقة مغناطيسية دائمة نشأت في الوقت الذي بردت فيه هذه الصخور، وتصلَّبَتْ في الأزمان الجيولوجية السحيقة، وبناء على ذلك فإن دراسة خطوط الاتجاه المغناطي في تلك الصخور يساعد على تأكيد نظرية الزحزحة.
figure
خريطة رقم (٧): تركيب أفريقيا.
كذلك أشار عدد من الكتَّاب إلى التغيُّرات المناخية على أنها دليل على الزحزحة، مثلًا تكوينات الكاروو في جنوب أفريقيا تبدأ بطبقات من التيلايت Tillite، وهو نوع من الطين الصخري المتحجر الذي يوضِّح أن تكوينات الكربوني في جنوب أفريقيا قد مرَّتْ في عصر جليدي، ومثل هذا التكوين موجود في الهند وأستراليا وأمريكا الجنوبية وإنتاركتيكا، ومعظمها من نفس العصر الكربوني. وهناك أشكال جليدية على الصخر الذي أرسبت عليه طبقة التيلايت، وهذه توضِّح بجلاء أن الجليد في مرحلة من مراحل ذلك العصر الجليدي كان ينبعث من مركز جليدي على مقربة من ساحل ناتال الحالي.

ومن المحال في الوقت الحاضر أن نجزم بشيء عن علاقة وارتباطات الأخدود الأفريقي بزحزحة القارات وتكسر جندوانا، وإلى أن تتم دراسات أكثر فإنه لا يمكن أن نعرف ما كان عليه الوضع في أفريقيا أو جندوانا تمامًا، ولا أسباب الانكسارات العديدة التي نلاحظها في منطقة الأخدود وساحل مدغشقر الشرقي، وانكسارات خليج بيافرا وجبال الكمرون وبامندا وباوتشي، وانكسار منطقة دكار وأغادير.

مراجع وكتب لمزيد من الاطلاع

  • Bally willis. 1936 “East African Plateaus and Rift Valleys” Washington.
  • Bernard. d, A., 1937 “Afrique septentrionale et occidentale” Tom XI, Geographie Universelle Paris.
  • Du Toit, A. L., 1939 “The Geology of South Africa” Edinburgh.
  • Dixey. F. 1944 “African Landscape” Geog. Review, 1944. Vol 34.
  • Furon. R. 1960 “Geologie de l’Afrique” Paris.
  • Gregory, J. W. 1921 “The Rift Valleys and the Geology of East Africa” London.
  • Hening. E., 1938 “Afrika” in “Regionale Geologie der Erde”. hg. Von K. Andrée, H. A. Brouwer, V. W. H. Bucher. Leipzig.
  • King. L. C. 1951 “South African Scenery” London.
  • King. L. C. 1962 “The Morphology of the Earth” London.
  • Krenkel, E., 1925–1933 “Geologie Afrikas” Bd. I. II. III. Berlin.
  • Maurette, F., 1939 “Afrique equatoriale, Orientale et australe” Tom. XII, Gaographie Universelle. Paris.
  • Wegener, A., 1922. “The Origin of Continents and Oceane” London.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤