التربة والنبات والأقاليم الطبيعية
(١) التربة
(١-١) مشكلات التربة الأفريقية
منذ فترة غير بعيدة، كانت معلومات الأخصائيين عن تربة أفريقيا محدودة جدًّا، وكانت العينات التي أخذت مرتبطة بأماكن محدودة من القارة، أما بقية أنواع التربة فكانت عبارة عن مجهول يحاول العلماء استنتاجه بمعرفة أنواع النبات والمناخ، وعلى هذا يمكننا أن نقول: إنه حتى عام ١٩٢٢ كان عدد العينات التي دُرست للتربة الأفريقية لا يزيد عن ١٢ عينة فقط، ومما لا شك فيه أن الجهل بنوع التربة كان من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى فشل مشروع الفول السوداني في تنجانيقا عام ١٩٥٠.
-
قطر الجزء ٢ مليمتر أو أكثر: تُسمَّى تربة حجرية.
-
قطر الجزء ٠٫٢مم إلى ٢مم: تُسمَّى تربة رملية خشنة.
-
قطر الجزء ٠٫٠٢مم إلى ٠٫٢مم: تُسمَّى تربة رملية ناعمة.
-
قطر الجزء ٠٫٠٠٢مم إلى ٠٫٠٢مم: تُسمَّى تربة طفلية.
-
قطر الجزء أقل من ٠٫٠٠٢: تُسمَّى تربة طينية.
والمعروف أن الجزء المعدني التربة راجع في تكوينه إلى نوع الصخر أو التكوين الذي يقع تحت التربة، ومعظم التربات في العالم راجعة إلى اشتقاقها من الصخور المحلية، أو المنقولة بواسطة التعرية والنقل النهري والجليدي، أو الصخور الرسوبية البحرية الأصل.
وفي أفريقيا — وخاصة أقاليمها المدارية — لا نجد أثرًا لهذه العوامل الطبيعية، فالقارة كما عرفنا من قبلُ، هضبة عالية قديمة لم تنخفض تحت مستوى البحر في معظمها، وبالتالي فإن الصخور النارية القديمة ما زالت هي الصخور الأساسية التي تكون ما تحت التربة، والتربة ذاتها تكوَّنت محليًّا نتيجة للتفتيت الذي تؤدي إليه عوامل التعرية الجوية والأمطار والتحلل النباتي؛ ولهذا فإن الدراسة المجهرية للتربة المدارية الأفريقية وما تحتها قد أدى بنا إلى التعرُّف على صورة خاصة في تكوين التربة؛ فالأجزاء المعدنية للتربة وصخور ما تحت التربة مباشَرةً عبارة عن حبات رملية خشنة وحبات حجرية ذات زوايا حادة، ولو كانت هذه التكوينات بحرية أو نقلت بواسطة الأنهار أو وقعت تحت طائلة ضغط الغطاءات الجليدية؛ لَتهذبت زواياها الحادة، أو استدارت أشكالها، أو صقلت سطوحها.
وهذه الزوايا الحادة لحبات التربة الأفريقية تؤدي إلى سرعة تآكل الأسلحة في الآلات الزراعية الحديثة، مما يجعل استخدامها باهظ التكلفة، كما أن مرور الجرارات وغيرها من الآلات الزراعية المتحركة يساعد على تكوين طبقة أو قشرة صلبة للتربة الأفريقية المدارية، تمامًا كما تفعل مكنات بناء الطرق لعمل اﻟ «ماكدام» قبل تغطيته بطبقة الأسفلت. وعلى هذا فإنه — حتى الآن — أصبح معروفًا لدى الأخصائيين أن وسائل الزراعة الأفريقية التقليدية، في مثل هذه التربة، أصلح من استخدام آلات الزراعة الآلية.
ولكن ذلك لا يستقيم ومنطق الأمور التي تتعجل الإسراع في التنمية الاقتصادية للدول الأفريقية المستقلة؛ فلا يمكن للعلم أن يقول لدول أفريقيا إن هذه التربة لا بد من تركها تُزرَع بالفأس فقط، والمشكلة لم تجابه العلم حتى الآن مواجهة حقيقية، ولا بد من أن تتنبه الدول الأفريقية للمشكلة وتعرضها للبحث على نطاق علمي واسع. هذه هي المشكلة الأولى التي تعانيها التربة المدارية في أفريقيا.
والمشكلة الثانية هي زيادة نسبة الملوحة في التربة؛ ففي الجو الحار الأفريقي المداري تتسرب مياه الأمطار داخل التربة الدافئة «حوالي ٢٧°م»، بعد أن يتحلل معها الكثير من الأحماض، وحينما يحل موسم الجفاف — طال أم قصر — فإن نسبة تبخُّر الماء من سطح التربة يكون كبيرًا، مما يؤدي إلى ترك الأملاح في التربة، على السطح أو في الداخل. ويزيد نسبة الملوحة ارتفاعًا التأكسد السريع للمركبات العضوية حينما تتعرض للهواء، فإذا استُخدِمَ المحراث في التربة المدارية الأفريقية، فإن تقليب الأرض سيؤدي إلى تعريض المواد العضوية للهواء، وبالتالي إلى تكوين أكاسيد غاز الكربون التي سرعان ما تتطاير في الهواء، وبالتالي لا يؤدي ذلك إلى نمو البكتريا التي تساعد على خصب التربة في العروض المعتدلة.
وعلى هذا فإن استخدام المحراث بكثرة — سواء كان آليًّا أو بلديًّا — يؤدي إلى فقدان خصوبة التربة، وقد يبدو أن النمو الوفير للغابات الاستوائية وكثرة المخلفات الشجرية في تلك المناطق دليل على خصب التربة وزيادة موادها العضوية، ولكن التجارب القديمة في صورة الزراعة المتنقلة داخل الغابة، قد أثبتت أنه حينما تُجتَث الأشجار وتتعرض التربة للهواء عدة سنوات نتيجة الزراعة، فإنها بعد بضع سنوات قد لا تزيد عن خمس تصبح تربة عاقرة تمامًا، فالأمطار الساقطة بشدة معظم أشهر السنة سوف تؤدي إلى إذابة العناصر المخصبة وتخللها التربة إلى أعماق بعيدة، بينما يتحول سطح التربة إلى طين سميك جدًّا قليل المسامية، مما يؤدي إلى ظهور المستنقعات العديدة.
والمشكلة الثالثة هي تعرية التربة أو جرفها في أفريقيا نتيجة الأمطار الشديدة، ولولا أن كثيرًا من المزارع الأفريقية لا تنقى فيها الحشائش التي تنمو طبيعيًّا، لَأدى ذلك إلى سرعة انجراف التربة، ولهذا فإن الخطر الكبير يكمن في تعرية التربة من الحشائش وحرثها وتقليبها وتنظيفها تمامًا استعدادًا لزراعتها. وقد أخطأت عدة محطات زراعية بأن استخدمت هذه الطريقة؛ فأدى ذلك إلى جرف التربة بسرعة هائلة، فإن كل مسار من مسارات المحراث يصبح «واديًا» عميقًا حينما تهطل الأمطار الاستوائية.
ولقد حاوَلَ خبراء الزراعة الأوروبيون أن ينشروا بين فلاحي غرب أفريقيا زراعة نباتات بقولية لتساعد على زيادة النيتروجين في التربة، ولكن ذلك لم يلقَ تأييدًا كبيرًا بين الأفريقيين الذين اعتادوا على طريقة إعداد الحقل بحرق الأعشاب والشجيرات، والزراعة بالفأس في مساحات صغيرة تترك كل عدد معين من السنين حسب خصوبة أو ضعف التربة، وهي طريقة ناجحة ولا تؤدي إلى جرف التربة؛ لأن الأشجار لا تقطع جذورها فتظل محتفظة بالتربة دون أن تتفكك.
ولكن نجاح هذه الطريقة في مقاومة انجراف التربة لا يحقق النجاح الكامل، فكلنا نعرف أن حرق الطين يؤدي إلى تحويله إلى طوب أو ما يشبهه، ولكن الأفريقيين بالتجربة عرفوا أن الحرق يجب أن يتم قبل حلول الفصل الجاف بحرارته الشديدة التي تؤدي إلى تجفيف الأعشاب تمامًا، وعلى هذا فحرق الأعشاب وهي بعدُ غير جافة يؤدي إلى تقليل قوة النار، وبالتالي لا يساعد على تحويل التربة إلى طوب.
والحقيقة إن مشكلة انجراف التربة من المشاكل التي تهدِّد الإنسان بشدة، فإن التربة الصالحة لنمو المحصولات تتكون على مدى مئات السنين، ولكنها قد تفقد في ليلة واحدة إذا كان هناك فيضان خطر أو سيل جارف، وينطبق الخطر على جميع أنواع التربات في جميع القارات، ولهذا فإن الأبحاث متصلة لمواجهة الخطر. ومن النتائج القليلة التي توصَّلَ إليها البحث لدرء خطر الانجراف ما يُسمَّى بالحرث الكنتوري؛ أي أن تسير خطوط المحراث مع خطوط الكنتور وليست عمودية عليها، فإنها إن كانت عمودية يساعد ذلك على جريان ماء المطر في مسارات خطوط المحراث فيما يشبه المسايل التي تأخذ في التعمق والاستعراض، وبالتالي يسهل معها انهيار التربة وانجرافها.
- التربات المدارية: تحتل أنواع عديدة من التربة الحمراء
النطاقين المداري والاستوائي من أفريقيا، مع استثناء
منطقة الهضبة الشرقية، حيث يتعدل المناخ نتيجة
للارتفاع، وتغطي تربة اللاتريت قلب حوض الكنغو
والمناطق الرطيبة من سهول غرب أفريقيا. وكلمة
Laterite مشتقة
أصلًا من اللاتينية
Later بمعنى مفرد
طوب، ويتكون اللاتريت من التحول الكيمائي لأنواع
عديدة من التركيبات الصخرية، ويتعمق في أحيان إلى
بضع عشرات من الأقدام تحت سطح التربة. ولون تربة
اللاتريت مشوب بالخضرة المصفرة التي تتداخل فيها
أشرطة حمراء، إذ لم تكن قد تعرَّضَتْ بعدُ للهواء،
وحينما تتعرض للهواء يتغيَّر اللون الأصفر إلى أحمر
داكن وتشتد صلابته، بينما يظل الأخضر طريًّا يمكن
للأمطار أن تذيبه وتجرفه، ويتبقى بعد ذلك تربة ذات
لون أحمر داكن تقطع وتعمل منها البيوت في كثير من
المناطق المدارية.
وعلى هذا يثار الجدل حول ماهية اللاتريت. هل هو صخر أم تربة؟ وجاءت نتيجة التحليل ليقول بعضها إن مكونات اللاتريت الأصلية هي أيدروكسيد الألمونيوم مع كمية طفيفة من أكاسيد الحديد، ويقول البعض الآخَر إنه تجمُّع لأملاح الحديد تحت التربة، تتحول بعد ظهورها للهواء إلى تركيب «الطوب» بعد تحوُّل الأملاح إلى أوكسيدات حديد، مضافًا إليها أيدروكسيد الألمونيوم. والذي يهمنا في هذا المجال أن الآراء قد استقرت على أن اللاتريت تكوُّن صخري مشتق من صخور أخرى، وليس نوعًا من أنواع التربة.
ولكن تربة ما تتكون على سطح اللاتريت، وهذه هي التي نسميها تربة اللاتريت، وهي في حقيقتها لا تختلف عن تركيب اللاتريت تحتها، إلا من حيث وجود نبات عليها يُكسِبها إضافات تركيبية أخرى.
وبالإضافة إلى اللاتريت توجد أنواع أخرى من التربة الحمراء، مثل الطفل الأحمر والطفل الأحمر الحديدي، وتشترك مع اللاتريت في حمرتها، وتتسرب مكوناتها الجيرية مع ماء المطر إلى الداخل وترتفع نسبة ملوحتها، وفي نهاية عملية التعرية تنتج هذه التربات الحمراء طبقة صخرية صلبة فوق قمم التلال تحميها من التعرية، ولكنها طبقة جرداء تمامًا.
أما هضبة شرق أفريقيا فالتربة أفتح لونًا، وتتراوح بين الرمادي والأصفر مع البني خالية من كربونات الكالسيوم، ولكن بها نسبة من الحجر الحديدي تحت التربة مباشَرةً، وتنمو على هذه التربة أنواع من الأشجار النفضية أو الغابات الجافة.
وإلى جانب مجموعة التربة الحمراء نجد التربة السوداء الجيرية وغير الجيرية، وتسمى تربات القطن السوداء، وهي طينية ثقيلة خلال مواسم الأمطار، وتتشقق شقوقًا عميقة خلال موسم الجفاف، وكلما اقتربت هذه التربات من النطاق الجاف أصبحت جيدة وخاصة للرعي، وقد أُطلِق على أطرافها المتاخمة للصحراء تربة الكستناء أو تربة البراري.
- تربة إقليم البحر المتوسط: لم تدرس تربة أقاليم البحر المتوسط الأفريقية دراسة كافية، وكل معلوماتنا عبارة عن استنتاجات مستقاة من دراسة التربة في إقليم البحر المتوسط الأوروبي، وبما أن موسم الحرارة يتفق مع موسم الجفاف، فإن التحولات الكيميائية في الطبقات العليا للتربة محدودة الأثر، والتربة رقيقة وغير ناضجة، وفي كلٍّ من نطاق البحر المتوسط الشمالي وإقليم الكاب نجد كثيرًا من المناطق عبارة عن صخور عارية، مع تراكم التربة في صورة جيوب وأودية ضيقة. وفي هذه المناطق تنمو أعشاب وشجيرات «الماكي» المقاومة لحرارة الصيف وجفافه، مما يترتب عليه ضعف القيمة الاقتصادية للتربة. وقد أدت دراسات «فان دي ميرف» في جنوب أفريقيا إلى اعتبار التربة من النوع البني مع قليل من تربة الكستناء في الداخل بعيدًا عن السواحل، فالمناطق التي تتمتع بمطر كبير في سهول المغرب تظهر فيها التربة البنية، والأراضي الخصبة في الداخل تتكون تربتها من مواد تأتي بها الأنهار والفيضانات من الحواف المجاورة، مما يساعد على تكوين التربة الطميية أو الفيضية. والتربة هنا تحتوي على نسب منخفضة من الجير والبوتاس وحامض الفوسفوريك والنيتروجين، وبذلك فإنها تحتاج إلى مخصبات كثيرة لكي تصبح أراضي خصبة منتجة — مثلها في ذلك مثل وادي كاليفورنيا.
- تربة الساحل الجنوبي الشرقي الدفيء: تكونت تربة ناتال وموزمبيق من تعرية صخور الهضبة المجاورة، ونقلها بواسطة الأنهار العديدة القصيرة، بالإضافة إلى الأمطار الغزيرة، وتؤدي الأحوال المناخية المناسبة، وأهمها المطر المتوازن، إلى تكوين تربة شرنوزم السوداء، ولكن في بعض المناطق تصطحب هذه التربة تكوينات تربة حمراء مدارية.
- تربة الهضبة العليا في الجنوب الشرقي: تؤدي الأمطار المتوسطة مع غطاء العشب إلى تكوين تربة خالية من الأملاح الضارة فوق هضبة الفلد والترنسفال، والتربة هنا سوداء أو سوداء وحمراء، خصبة للزراعة وخاصة في الإقليم الذي يُعرَف باسم «مثلث الذرة».
- تربة الصحاري: وهذه تتكون من صخور عارية وتكوينات رملية سميكة نتيجة التعرية الهوائية، وفي بعض المناطق تتكون السبخات الملحية حيث يوجد تصريف داخلي.
- التربة الفيضية: وتتكون من طين سميك وهي غالبًا صالحة للزراعة، كما هو الحال في وادي النيل الأدنى والأوسط، ولكن يعيبها أن السُّمْك وعدم المسامية يساعدان على تكوُّن المستنقعات، أو أن تصبح التربة مليئة بالمياه الباطنية، بحيث يحتاج إصلاحها إلى مشروعات صرف المياه. ومن الأمثلة على ذلك شمال دلتا النيل، ومستنقعات السدود في السودان الجنوبي.
(٢) النبات الطبيعي
النبات الطبيعي عبارة عن الكم النهائي للتفاعلات الطبيعية في إقليم معين: تفاعل أشكال التضاريس وأنواع التربة ودرجات الحرارة ونظام المطر والصقيع، وأنواع النبات الطبيعي ثلاثة: الحياة الشجرية بأشكالها المختلفة، والحياة العشبية بأشكالها المختلفة، وأخيرًا نباتات الأقاليم الجافة.
وتتفاوت وتتداخل توزيعات هذه الأنواع الثلاثة الرئيسية حسب ظروف المناخ والتضاريس، مما يؤدي إلى توزيع أفقي أو رأسي (الجبال). ونظرًا لموقع أفريقيا وظروفها الطبيعية، فإن نسبة هذه الأنواع إلى مسطح القارة نسبة مختلفة، فمن ٣٠ مليون كيلومتر هي مساحة القارة، نجد ١٨٫٤٪ تغطيها الحياة الشجرية، و٤٢٫٣٪ تغطيها الحياة العشبية، و٣٩٫٣٪ تغطيها نباتات الصحاري.
- (١)
غابات المطر المدارية بما فيها الاستوائية، وتحتل: ٧٫٨٪ من مساحة أفريقيا.
- (٢)
الغابات الجافة وتحتل: ٧٫٩٪ من مساحة أفريقيا.
- (٣)
غابات الأشجار الشوكية وتحتل: ٠٫٧٪ من مساحة أفريقيا.
- (٤)
غابات المطر في المناطق المعتدلة وتحتل: ٠٫٥٪ من مساحة أفريقيا.
- (٥)
غابات البلوط والأشجار المخروطية وتحتل: ٠٫٢٪ من مساحة أفريقيا.
- (٦)
غابات المنجروف وتحتل: ٠٫١٪ من مساحة أفريقيا.
ونلاحظ من هذا التوزيع أن أكبر نسبة تحتلها غابات المناطق الحارة، سواء كانت أقاليم مطر دائم (الاستوائي)، أو مطر غزير فصلي (الغابات الجافة) التي تنتشر بكثرة في جنوب حوض الكنغو وحوض الزمبيزي وهضاب أنجولا. ويضاف إلى ذلك نسبة ضئيلة تتكون من غابات المنجروف المستنقعية، أما غابات المناطق المعتدلة والأشجار المخروطية التي تنمو في المناطق الباردة من الجبال فمساحتها ١٪ من القارة؛ وذلك راجع إلى صِغَر مساحة الإقليم الأفريقي المعتدل، ولعدم امتداد القارة إطلاقًا إلى النطاق البارد، وإنما يعوضها في ذلك ارتفاع الكتل الجبلية العالية في الأطلس أو الحبشة أو القمم البركانية في شرق أفريقيا.
- (١)
السفانا العالية ذات الأشجار السنطية، وتحتل ١٥٫٩٪ من مساحة أفريقيا.
- (٢)
السفانا العالية ذات الأشجار القصيرة، وتحتل ١١٫٦٪ من مساحة أفريقيا.
- (٣)
السفانا القصيرة ذات الأشجار السنطية الجافة، وتحتل ٩٫٦٪ من مساحة أفريقيا.
- (٤)
السفانا العالية الخالية من الأشجار، وتحتل ٠٫٩٪ من مساحة أفريقيا.
- (٥)
سفانا المستنقعات، وتحتل ٠٫٤٪ من مساحة أفريقيا.
- (٦)
أعشاب الجبال، وتحتل ٣٫٢٪ من مساحة أفريقيا.
وكما سبق أن أوضحنا، فإن ارتفاع أجزاء كثيرة من أفريقيا في صورة هضاب عالية قد جعل نسبة أعشاب الجبال عالية، كذلك كان لطول وقِصَر فصل المطر أثر على انتشار أنواع السفانا. وفي المناطق القريبة من الغابات الاستوائية، حيث يطول فصل المطر، تنتشر أنواع السفانا العالية ذات الأشجار القصيرة، وكلما ابتعدنا تجاه المنطقة الجافة تتزايد نسبة مساهمة أشجار السنط في السفانا، مما يؤخذ دليلًا على طول فصل الجفاف.
وأخيرًا فإن الحياة النباتية في المناطق الجافة تتراوح بين العدم المطلق «الصحراء العارية الرملية»، وتحتل حوالي ٨٪ من مساحة القارة، وبين أعشاب صغيرة تتلاءم مع الحياة الحارة الجافة، وتحتل مساحة ٣١٫٤٪ من مساحة القارة. ويُلاحَظ أنه لا وجود للصحاري الرملية العارية عن النبات إلا في أجزاء معينة من الصحراء الكبرى، خاصة مناطق بحار الرمل الواسعة في الصحراء الليبية وصحاري موريتانيا والجزائر.
وفيما يلي وصف سريع لأهم أنواع الحياة النباتية الطبيعية:
(٢-١) الغابات الاستوائية
من أهم ما توصف به هذه الغابات أنها أشجار دائمة الخضرة على عكس الأشجار التي تنفض أوراقها في موسم الجفاف، وتظهر الغابات الاستوائية مرتبطة بشدة في توزيعها مع توزيع نطاقات المناخ الاستوائي باستثناء هضبة شرق أفريقيا، وأكبر مساحة متصلة للغابات الاستوائية الأفريقية تظهر في حوض الكنغو ومنطقة جابون وجنوب الكمرون، وفيما عدا ذلك تتكون الغابة الاستوائية من أشرطة ساحلية تضيق وتتسع في غرب أفريقيا حسب كمية المطر وشكل التضاريس، بالإضافة إلى ذلك تظهر أشرطة ساحلية في شرق أفريقيا وموزمبيق وغابات أروقة في بحر الغزال.
وتتكون الغابة الاستوائية من أشجار ضخمة يبلغ طولها في المتوسط ٥٠ مترًا، ويعلو الغابة غطاء أو أكثر من فروع وأغصان وأوراق الشجر المتشابكة، وكل غطاء مرتبط بأطوال الأشجار، وأعلى غطاءات الغابة يتكون من الأشجار التي يتراوح ارتفاعها من ٦٠ إلى ٨٠ مترًا، وأكثر الغطاءات انخفاضًا يتكون من الأشجار التي لا تزيد عن ٢٠ مترًا، كما أن النمو الأرضي في الغابة الاستوائية قليل؛ وذلك لكثرة المخلفات النباتية الساقطة على الأرض، وهناك ميزة ثالثة هي كثرة النبات المتسلق الذي يسد الفراغات ما بين الأشجار، ويجعل الانتقال داخل الغابة أمرًا شاقًّا ويحجب الرؤية إلى مسافات طويلة.
ومع ذلك فالغابة الاستوائية الأفريقية في معظمها ليست هي الصورة التي كانت عليها قبل ظهور الإنسان، وبالتالي فهي لا تمثِّل الغابة الطبيعية إلا في حدود ضيقة، على عكس معظم غابات الأمازون، والسبب في هذا راجع إلى اختراق الإنسانِ المُزارِع نطاقَ الغابة شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، وقطعه لمساحات عديدة منها طوال أجيال متعاقبة، مما أدى إلى وجود غابة استوائية ثانوية؛ أي نمو غابي طبيعي بعد قطع وحرق الغابة الأصلية مرة على الأقل.
ونضيف إلى ذلك أن الإنسان قد ساعَدَ على انتشار أنواع معينة من أشجار الغابة الاستوائية، بل وزرعها في مساحات واسعة لفائدتها الاقتصادية، نذكر من أهم هذه الأشجار نخيل الزيت الذي يكاد يحتكر المظهر العام للغابة الاستوائية في جنوب نيجيريا ومنطقة الكمرون الاستوائية.
ورغم تدخل الإنسان في الغابة الاستوائية إلا أنها تضم عددًا كبيرًا من أنواع الأشجار، وتدل أبحاث الخبراء على أن هناك ما بين ٢٠ و٣٠ نوعًا من الأشجار في مساحة الفدان الواحد داخل الغابة الاستوائية، وأن هناك ما بين ٤٠٠ و٥٠٠ نوع من الأشجار الضخمة، و٨٠٠ إلى ١٠٠٠ نوع من بقية أنواع الأشجار في أفريقيا الاستوائية، وهذا التنوع الضخم ربما يرجع إلى سرعة النمو وعدم فصليته، مما يؤدي إلى حدوث طفرات في النوع وظهور أنواع جديدة باستمرار. ورغم هذا التنوع، إلا أن ذلك يؤدي إلى صعوبة استغلالها اقتصاديًّا، ولولا وجود أنواع مرغوبة من أشجار الغابة الاستوائية لَكان استغلالها قد توقَّفَ، ومن أهم الأمثلة على الأشجار المستغلة نخيل الزيت والرافيا، والمطاط وأشجار الأخشاب الراقية.
(٢-٢) الغابات الجافة
(٢-٣) غابات الأشجار الشوكية
وهذه في الحقيقة ليست غابات بالمعنى المفهوم، بل أراضٍ تغطيها كميات كبيرة من الأشجار ذات الأشواك يتراوح ارتفاعها بين ٣ و٧ أمتار، وخلال موسم الأوراق تصبح هذه الأشجار كتلًا من الورق والأزهار العديدة الألوان، ولكن هذا الموسم قصير، ومعظم أشجار هذا الإقليم سنط، بعضه شوكي جدًّا ويتعذر عبوره، ويُعَدُّ مكانًا ممتازًا لاختباء حيوان الصيد.
وأهم ما يميز هذا الإقليم النباتي نمو شجرة الباوباب أو «التبلدي» كما تُسمَّى في السودان، وهي شجرة غريبة ذات جذع متناهي الضخامة — يبلغ قطره أحيانًا عشرة أمتار — وأغصانها ليست عالية، وتنمو غالبًا شبه عمودية على الساق، ولها ورد أبيض كبير ينمو فرادي في أماكن مختلفة من الشجرة، ويبدو أن سبب انتشارها الواسع في نطاق كبير في أفريقيا راجع إلى مقاومتها للحريق، وفي إقليم السفانا الفقيرة تستخدم جذوعها، بعد تجويفها، كخزانات كبيرة لمياه المطر.
(٢-٤) غابات المنطقة المعتدلة
تنمو في جبال الأطلس وإقليم الكاب، ولكن أنواعًا منها تنمو أيضًا في الجبال العالية في داخل أفريقيا الشرقية والوسطى وهضبة الحبشة، والأشجار أقل تنوعًا، وفي المناطق العالية من الجبال تسود أشجار البلوط والفلين وبعض أنواع الأشجار المخروطية. أما المناطق المنخفضة في شمال وجنوب أفريقيا فيسودها نوع «الماكي» النباتي، وهو عبارة عن شجيرات صغيرة ذات جذور طويلة لتقاوم موسم الجفاف والحرارة.
(٢-٥) غابات المنجروف
وهذه غابات حارة مستنقعية ساحلية، تتكون من أشجار يتراوح ارتفاعها بين عشرة أمتار وعشرين مترًا، وكلما تأثَّرَتِ الغابات بمياه المد البحري كانت الأشجار أقصر، في حين أنها تعلو وتتكاثف إذا كانت المياه العذبة أكثر تواجدًا من مياه المد البحري.
(٢-٦) السفانا العالية
تنقسم إلى قسمين: السفانا العيلية ذات الأشجار القصيرة، والسفانا ذات أشجار السنط، والنوع الأول أقرب إلى المنطقة الاستوائية، وبذلك فإن الغابات الاستوائية تتدرج في الكثافة إلى القلة الملحوظة مع تدرج إقليم المطر ذي القمتين حتى يصبح الغطاء النباتي الرئيسي هو الحشائش لا الأشجار، ومع ذلك تظل الأشجار تظهر داخل السفانا، وتقل كثافتها تدريجيًّا بعيدًا عن الإقليم الاستوائي.
وتنمو الحشائش بسرعة في موسم المطر حتى تصبح أعلى من الإنسان، ويصبح عبور الإقليم غير ممكن إلا إذا كان هناك ممر. وفي موسم الجفاف تذوي الحشائش وتحترق، وهذه الحشائش العالية الخشنة قليلة الأهمية كغذاء للحيوان، وتصبح موطنًا للحيوانات الضخمة: الفيل، الجاموس البري، الخرتيت.
أما القسم الثاني الذي من السفانا، تنمو فيه أشجار من عائلة السنط، فيغطي أكبر مساحة من أفريقيا بالنسبة لغيره من أنواع الغطاء النباتي (حوالي ١٦٪)، وبالرغم من انتشاره الواسع على سطح أفريقيا — من السنغال حتى القرن الأفريقي وجنوب أفريقيا — إلا أن نمط النبات يكاد أن يتكرر دون اختلاف كبير، فالأشجار تتناثر بعيدة عن بعضها، وهي غالبًا شوكية وذات قمم مسطحة، ولا يزيد ارتفاعها عن ثلاثة إلى خمسة أمتار، أما الحشائش فإنها لا تزيد عن متر إلى متر ونصف حينما تبلغ أوجها، وبما أن موسم الأوراق واحد فإن الإقليم يزهو بخضرة ناضرة خلال موسم المطر، ولكن الإقليم يأخذ صورة كئيبة حينما تحترق الحشائش. وقيمة هذه الحشائش الغذائية ليست كبيرة، كما أنها في جنوب أفريقيا مُرَّة المذاق، وهذا الإقليم هو أكثر أقاليم أفريقيا امتلاء بحيوان الصيد من وعول وأسود وزراف وحمار وحشي، والتربة يمكن أن تُزرَع، ولهذا فإنه إقليم زراعة الذرة والدخن بأنواعه العديدة والفول السوداني.
وأخيرًا فإن ارتفاع الهضبات في شرق أفريقيا وجنوبها الشرقي يخلق قسمًا صغيرًا من السفانا العالية الخالية تمامًا من الأشجار. ومن أمثلة هذه السهول العليا سهل الأنكولي في جنوب غرب أوغندا والفلد الأعلى.
(٢-٧) السفانا القصيرة
تظهر في النطاق العشبي القريب من نطاق الأقاليم الصحراوية، وتتميز بحشائش قصيرة وأشجار قصيرة سنطية شوكية، وهذا النوع من السفانا هو إقليم الرعي الكبير في أفريقيا، سواء كان على حافة الصحراء الكبرى أو في أخدود شرق أفريقيا أو المناطق الهامشية الغربية، ونظرًا لتركز الرعي في هذا الإقليم فإنه يعاني من مشكلة اختفاء الحشائش لكثرة الرعي وقلة مصادر الماء في الموسم الجاف. ولهذا الإقليم فضل في تعمير القارة، فقد كان هو الطريق الذي يخترق القارة من حوض النيل حتى السنغال، ومن حوض النيل إلى شرق أفريقيا وجنوبها، وعلى طوله سارت الهجرات البشرية، ومنه تغلغلت وتضاغطت القبائل والجماعات صوب نطاق السفانا العالية، ثم صوب نطاق الغابات الكثيفة.
(٢-٨) أنواع أخرى من الحياة العشبية
تظهر هنا أنواع مختلفة مرتبطة بظروف محلية، فهناك حشائش الهضاب، والجبال العالية في السفوح العليا لجبال شرق أفريقيا وهضبة الحبشة، وهذه الأعشاب قصيرة ناعمة تشابه أعشاب المناطق الألبية الأوروبية. وهناك أعشاب قصيرة في أودية جبال الأطلس، وأخيرًا فهناك أعشاب مناطق المستنقعات التي تتكون أساسًا من نباتات المياه وأهمها البردي.
(٢-٩) الأعشاب الصحراوية
وهذه بطبيعة موطنها قصيرة وتنمو متفرقة، وتزيد كثافتها في مناطق الأمطار الكثيرة نسبيًّا، بينما تقل وتتباعد في المناطق الأكثر جفافًا. وقد يساعد على نمو النبات الصحراوي الندى الذي يحدث في أحيان كثيرة في الفجر. وفي بعض المناطق الصحراوية الهامشية، قد تنمو أشجار صغيرة من السنط الشوكي، أما داخل الصحراء الكبرى فإن النباتات تنعدم تمامًا، وخاصة مناطق بحار الرمال ومناطق العرق (الأرج) والرق (الرج).
(٣) الأقاليم الطبيعية
لا تشتمل قارة كأفريقيا، لها هذا القِدَم الجيولوجي، على أقسام طبيعية بالمعنى المعروف الذي نجده في القارات الأخرى، فليس في أفريقيا من الأقاليم ما يتميَّز بوضوح سوى إقليمَيِ الالتواء في الأطلس والكاب، وفيما عدا ذلك لا توجد حدود واضحة تفصل بين أقسام القارة، ومع ذلك فإن التفصيلات التضاريسية الصغيرة التي تكون خطوط تقسيم المياه، أو تكون أحواضًا واسعة أو هضابًا عالية، تساعد بلا شك على إمكانية تقسيم القارة إلى أقاليم ليس لها حدود ظاهرة محدودة، إنما تنتقل من إقليم إلى آخَر في تدرج وتشابك واضحين، ويمكننا أيضًا أن نستفيد — في أحيان كثيرة — من أشكال المناخ وأقاليمه، وأشكال النبات وأقاليمه، في تحديد هذه الأقاليم.
ونظرًا لهذه الصعوبة فإنه لم يتم اتفاق حتى الآن على أقاليم أفريقيا الطبيعية الرئيسية، ومع ذلك فإن الموضوع لا يمنع من تقديم الخريطة رقم (٣٦) كمحاولة لهذا التقسيم.
ونلاحظ في هذه الخريطة أننا قد فصلنا بادئ ذي بدء إقليم الأطلس وإقليم الكاب وحدهما؛ نظرًا لما يتميز به كلٌّ منهما عن الآخَر من ناحية امتداد السلاسل الجبلية، وتاريخ كلٍّ منهما المنفصل جيولوجيًّا، واختلاف أشكال المناخ تفصيلًا، وهما بعد ذلك بغير حاجة إلى إيضاح أكثر لتمييزهما عن بقية أفريقيا.
كذلك نلاحظ إننا استخدمنا المعيار النباتي والمناخي في تمييز إقليم الصحراء الكبرى بما فيه من اختلافات تضاريسية، وأدمجنا فيه وادي النيل الأدنى من التقاء العطبرة بالنيل حتى المصب. والحقيقة أن هذا القسم من الوادي، إنما هو حدث طارئ نتيجة اتجاه تصريف النيل إلى الشمال، ولولا ذلك لأصبحت المنطقة جزءًا متممًا للصحاري المحيطة، وعلى ذلك فالظروف المناخية في هذا الجزء من وادي النيل ليست في تفصيلاتها ومجموعها إلا قسمًا من المناخ الصحراوي.
أما إقليم غرب أفريقيا والسودان الأوسط والشرقي، فقد أدمجناها معًا في إقليم طبيعي واحد، رغم اختلاف المناخ والنبات، فالإقليم الساحلي لغرب أفريقيا في معظمه استوائي المطر والنبات، ولكن هذا الإقليم الساحلي ليس إلا هامشًا للإقليم الاستوائي باعتبار أن قسمًا منه يتميز بمطر ذي قمة واحدة (الساحل الجنوبي الغربي من ليبيريا إلى جامبيا) وإن القسم الشرقي منه (غابات جنوب نيجيريا) قد تدخَّلَ فيه الإنسان بدرجة أفقدته صبغته الاستوائية الحقة، ومعنى ذلك أن الإقليم كله يمكن أن يُعتبَر من الناحية المناخية إقليم مطر موسمي مع هامش استوائي انتقالي في الجنوب، وأن الحياة النباتية السائدة هي السفانا الشجرية مع هامش غابي حار في الجنوب، وإلى جانب ذلك فهو من الناحية التضاريسية إقليم متدرج الكنتور، ولا توجد فيه خطوط تضاريسية واضحة، بل هضاب غير فجائية أو بقايا تلال منعزلة ومتفرقة كما الحال في جبال النوبا في جنوب كردفان وهضبة دارفور وتلال ماندارا بين البنوي الأعلى وتشاد وهضبة جوس وهضبة فوتا جالون. وهذا الإقليم يشتمل على مجموعة كبيرة من التصريف النهري الأفريقي، تتمثل في القسم الأعظم من النيل الأوسط، وتصريف تشاد والنيجر والسنغال والفولتا بالإضافة إلى أنهار أخرى صغيرة، وحدود هذه المجموعات النهرية غير واضحة بينها وبين البعض الآخَر، كما هو الحال في منابع بحر العرب ونهر لول وبحر السلامات واللوجوني والبنوي، كما أن عمليات الأسر النهري قد حدثت في الماضي، وبعضها قد يحدث في المستقبل غير البعيد — جيولوجيًّا طبعًا.
وحدود هذا الإقليم السوداني واضحة كل الوضوح في الشرق حينما تصطدم بأقدام الهضبة الحبشية، وفي الجنوب مع خط تقسيم المياه بين النيل وشاري من جهة ونظام الكنغو من جهة أخرى، وعند خليج بيافرا يرتفع جبل الكمرون وهضبتي بامندا وأدماوا حدودًا فاصلة بين الإقليم السوداني وإقليم الكنغو، أما في الشمال فإن الحد الفاصل عبارة عن إقليم انتقالي مناخي ونباتي إلى الصحراء الكبرى.
وإلى الجنوب من الإقليم السوداني يمتد إقليم طبيعي شاسع مهَّد له النظام النهري الكبير لحوض الكنغو، وهذا النظام النهري هو الذي يمسك بأطراف هذا الإقليم الطبيعي، الذي يتكون من حوض واسع تحده بكل وضوح خطوط تقسيم المياه في الشمال وحافة الأخدود الغربي في الشرق، ولكن الحدود الجنوبية التي تتكون من خط تقسيم المياه مع الزمبيزي غير واضحة، ولكنها تعود للوضوح في هضبة بيهي، وقد كان في الإمكان فصل إقليم ساحل غانا السفلي المتكون من جابون وجنوب الكمرون وشمال أنجولا، لولا أنه من ناحيتي المناخ والنبات جزء لا يتجزأ من مناخ ونبات الكنغو الاستوائي.
وإلى الشرق من الإقليمين السابقين؛ السودان والكنغو، ترتفع هضاب شرق أفريقيا الواسعة العالية في كلٍّ من إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتانزانيا، وتشترك هذه المنطقة الكبيرة في عدد من الظاهرات الطبيعية، أهمها الشكل التضاريسي الهضبي والتكوين الجيولوجي الذي يتمثل في مسارات أخاديد أفريقيا الرئيسية، وتكويناتها البركانية في صورة طفوح وطبقات هائلة السُّمْك والاتساع في الحبشة، أو صورة أقماع بركانية رائعة في شرق أفريقيا. ورغم انقسام هذا الإقليم المرتفع إلى قسمين مناخيين هما: الحبشة الموسمية وشرق أفريقيا الاستوائي المطر، فإنهما يتشابهان حرارة ونباتًا، فالحرارة قد تلطفت بفعل الارتفاع، والنبات جبلي في مجمله: حشائش وأعشاب وأشجار متباعدة، أو غابات متكاثفة على الساحل الشرقي وفي أعماق الأودية النهرية الحبشية.
وإلى الشرق من هذا الإقليم يقع إقليم الصومال أو القرن الأفريقي الذي يتميز أولًا وقبل كل شيء بالمناخ الجاف والنبات الصحراوي، كما يتميز بانبساط التضاريس إلا إذا استثنينا هضبة الدناكل وحافة أخدود خليج عدن.
وإلى الجنوب من إقليمي شرق أفريقيا والكنغو، يمتد إقليم شاسع يكاد أن يشمل الجزء الجنوبي من هضبة أفريقيا القديمة، وهذا الإقليم من الناحية التضاريسية عبارة عن هضاب متفاوتة الارتفاع تدور حول حوض واسع هو حوض كلهاري، وهو مناخيًّا إقليم شبه جاف إلى جاف باستثناء أطرافه الشمالية والشرقية الفصلية المطر، وتخترقه مجموعة أنهار عديدة أكبرها الزمبيزي والأورنج واللمبوبو، كما تتميز بوجود تصريف داخلي إلى بحيرة نجامي، وهو في كثير من عمومياته يشبه الإقليم السوداني من ناحيتي المطر والنبات، ولكنه يضم أيضًا إقليمًا صحراويًّا وشبه صحراوي في ناميب وكلهاري على التوالي، ولكن الظروف الصحراوية هنا، من ناحية الامتداد والمناخ، ليست بالقسوة التي نجدها في الصحراء الكبرى.
وإلى الشرق من هذا الإقليم يمتد إقليم ساحلي ضيق في موزمبيق، له ظروفه الخاصة، فهو سهل ساحلي عريض في أحيان كثيرة، تحده من الغرب حافة الهضبة الأفريقية العالية، ويتمتع بأمطار غزيرة معظمها صيفي.
وأخيرًا وعبر مضيق موزمبيق نجد جزيرة مدغشقر التي تكون بنفسها إقليمًا طبيعيًّا خاصًّا بحكم تكوينها كجزيرة.
مراجع لمزيد من الاطلاع
-
Dudley Stamp, L., 1964 “Africa: A Study in Tropical Development” London.
-
Hirschberg, W. 1962 “Meyers Handbuch Ueber Afrika” Mannheim.
-
Keay, R. W. J. 1959 “Vegetation map of Africa South of the Sahara” London.
-
Mohr. E. C. J., & F. A. Van Baren, 1959 “Tropical Soils” The Hague.
-
Schokalskaja, S. Ju., 1953 “Die Boeden Afrikas” Berlin.
-
Shantz, H. L. & C. F. Marbut, 1923 “Vegetation and Soils of Africa” American Geog. Society.
-
Tothil, J. D.1948 “Agriculture in the Sudan” London.
-
Tothil, J. D.1952 “Agriculture in Uganda” London.
-
Van der Merwe, C. R., 1941 “Soil groups and Sub-groups of South Africa” Pretoria.
-
Worthington, E. B. 1960 “Connaisance Scientifique de l’Afrique” Paris.