جمال المرأة بعد الزواج

قبل شهور نهض الرأي العامُّ المثقف يحتج على جامعة عين شمس لاعتزامها إنشاء كلية للبنات فقط، كلية تدخلها البنات ولا يدخلها الشبان كما لو كانت ديرًا خاصًّا بالنساء.

وكان هذا الاحتجاج برهانًا على حيوية المثقفين، كما كان إصرار هذه الجامعة على إنشاء هذه الكلية برهانًا على تعسُّف وعناد وجهل.

إن القائمين بالتعليم المختلط يعترفون بالفواصل الجنسية بين الشبَّان والفتيان، ولكنهم لا يعمون عن الروابط الإنسانية والاجتماعية بين الجنسين، وإن هذه الروابط ترجح كفتها تلك الفواصل، والتعليم المختلط يبرز القيم الإنسانية ويهذِّب العلاقات الاجتماعية.

إن المرأة إنسان قبل أن تكون أنثى.

والرجل إنسان قبل أن يكون ذكرًا.

وكلاهما، الرجل والمرأة، يرتبطان بالإنسانية قبل أن ينفصلا بالجنس، ثم أيضًا حياتنا الاجتماعية المتمدنة الحاضرة تحتاج إلى أن نتعارف ونتعامل في أسلوب اجتماعي مهذب قبل الزواج؛ حتى نستعد به للزواج، ومن الضرر الفادح أن نحيا حياة انفرادية انعزالية إلى سن الثلاثين مثلًا، ثم نطالب بالمعاشرة الزوجية، وكلانًا على جهل بأخلاق الآخر، والاختلاط وحده قبل الزواج هو الذي يهيئنا للتفاهم النير والمعاملة المهذبة في الزواج.

والذين يقولون بالانفصال في التعليم بين الجنسين يخشون الخطر من الإغراء الجنسي، ولكن قليلًا من التأمل والمعرفة يثبت أن الحرمان والانعزال يبعثان على التفكير الجنسي الملح أكثر مما يبعثه الاختلاط.

الاختلاط يعتمد على الواقع، والواقع يهذِّب ويربي وينزل على الحقائق، ولكن الانعزال يبعث على الخيال ويغري على الانغماس الجنسي الانفرادي، وهو تعاسة ونجاسة وظلام.

وقد تخرج من كليات الجامعات، حيث التعليم مختلط، أكثر من عشرين ألف فتاة مصرية يعملن في التعليم والطب والتمريض والزراعة والهندسة، وكلهن على أخلاق عالية، أخلاق نقتدي بها ولا ننفر منها.

وقد يقال: إنه قد حدثت حوادث مؤسفة.

ولكن مثل هذه الحوادث تحدث في غير البيئة الجامعية، بل تحدث أكثر حيث يكون الانفصال في المجتمع.

وثم اعتبار آخر يجب ألا ننساه، هو أن الصحة النفسية في كل من الشابِّ والفتاة تعود مرضًا وشذوذًا في الانفصال؛ وذلك لأن لكلٍّ من الجنسين صورة نفسية للجنس الآخر، فالشاب السليم الذي عاش في مجتمع مختلط ومدرسة مختلطة وجامعة مختلطة تبقى صورة الفتاة في نفسه، فلا يزيغ ولا ينحرف، وكذلك الشأن في الفتاة التي لا تنصب نفسها على الجنس الآخر وحده، أما حيث يكون الانفصال فإن الشذوذ يأخذ مكان الصحة، فتتجه الفتاة إلى الفتاة والشاب إلى الشباب، وهنا العاهة الاجتماعية البشعة التي لزمت المجتمعات الشرقية آلاف السنين الماضية حين شاع الانفصال بين الجنسين، وليست أشعار أبي نواس التي يمجد فيها هذا الشذوذ إلا انعكاسًا للحال الاجتماعية التي كانت سائدة في عصره بسبب الانفصال بين الجنسين.

إن صحة النفس تطالبنا بالاختلاط في المدرسة وفي الكلية وفي المجتمع، والانفصال بين الجنسين هو إفساد للطبيعة البشرية وتفشِّي الشذوذ على الدوام ثمرة الانفصال حتى بين الحيوانات، الشذوذ هو تشويه دنس نجس للغريزة الجنسية.

ثم هذا الاختلاط بين الجنسين هو متعة ليس من حق أي إنسان أن يحرمنا إياها؛ إذ لمصلحة مَن نحرم هذه المتعة؟ من نخدم بهذا الحرمان؟ هل نحرم للحرمان من أجل الحرمان؟

ثم هناك ميزة للتعليم المختلط هو أنه اقتصادي، والاقتصاد في شعب فقير مثل شعبنا لا يمكن إهماله، فهنا مثلًا البلدة المنعزلة التي ليس فيها غير مائة صبي أو شاب، فإن إنشاء مدرسة ابتدائية أو ثانوية لهم وحدهم تجعل النفقة باهظة، لكن إذا أضفنا إليهم مائة فتاة يتعلمن معهم في فصول مختلطة فإن المدرسة عندئذٍ تنخفض نفقاتها؛ لأن المعلم الذي يعلم ١٥ تلميذًا يمكنه أيضًا، بلا زيادة في المجهود أن يعلم ٣٠ تلميذًا وتلميذة، وهنا الاقتصاد.

بل إن هذا الاقتصاد يزداد وضوحًا في كليات الجامعة، ففي أحيان كثيرة لا نجد غير عشرة من الطلبة الشبَّان لمادة البيولوجية أو المصرلوجية أو اللغة الألمانية أو غيرها من المواد، ومن الإسراف المهلك أن نخصص الأساتذة الذين لا يقل مرتب أحدهم السنوي عن ألف أو ١٥٠٠ جنيه لتعليم هذا العدد القليل، ولكن هذا الإسراف يعود اقتصادًا حين يتضاعف عدد الطلبة بإضافة الطالبات إليهم في فصلٍ واحد.

ولا أستطيع أن أسلم بأن الرغبة في التعليم المنفصل غير مرتبطة بالنزعة الرجعية التي تقول بأن البيت هو المكان الأول للمرأة، فإن هناك طوائف في الشعب لا يزال الجهل يغمرها، ولا يزال أفرادها يستمسكون بالعادات الشرقية في احتقار المرأة، وأن التعليم ليس ضروريًّا لها، ودعوة التعليم المنفصل هي محاولة ابتدائية لرد المرأة إلى مكانة محتقرة بعد أن اكتسبت معركة المساواة إلى مدًى بعيد.

وأخيرًا أقول: إن لجمال الفتاة قيمتَه الكبرى في كرامتها وفي نجاحها في اختيار الزوج، وفي سعادتها في زواجها، وأسمى أنواع الجمال هو جمال الشخصية.

لا، ليس الجمال أن تكوني أيتها الفتاة ذات قوم أهيف ووجه كله حلاوة في الملامح، فقد تحصلين على ذلك وعلى أكثر منه ويبقى بعد ذلك أن تكون لك شخصية لبقة رشيقة ناطقة.

لقد كان الجيل الماضي يحسب الأدب الجم في الفتاة الصامتة التي تقعد مكتوفة ساكنة تغض النظر وتزعم الحياء، ينظر إليها خطيبها وهي لا تنظر إليه إلا خلسة وفي مكر مظلم.

وكانت تسمى مؤدبة، ولم تكن متعلمة، ولم تكن تحسن الحديث، بل لم يكن لها من عمل تليق له سوى التناسل.

شخصية خشبية صامتة لا ترنُّ إذا نقرت.

ولكن شبابنا المثقف الذي عرف وجرَّب يطلب فتاة لها شخصية رشيقة، ولا يمكن فتاة تمضي عمرها في البيت أو تتعلم منعزلة عن الشبان أو لا تختلط بالمجتمع أو لا تؤدي صناعة أو لا تحترف حرفة أو تهمل قراءة الصحف والكتب، أو تجمد عن الارتقاء الشخصي، لا يمكن مثل هذه الفتاة أن تستمتع بشخصية رشيقة جميلة.

وأكرر القول: إن الشخصية الرشيقة هي أسمى طرز الجمال؛ إذ هي جمال النفس المبتهجة، النشيطة المتطلعة المرتقية الجريئة، وهو جمال يعلو على العيون الحور والوجنات الوردية والصدر الناهد، وسائر أوصاف الجسم اللحمية.

لقد أجرى، قبل سنوات، أستاذ سيكولوجي، امتحانات بين الطلبة عن صفات الجمال التي يؤثرونها على غيرها من الفتيات، فكانت الأكثرية في وصف الصفات التي تزدان بها الشخصية، وعلى هذا الأساس قلتُ: إن الرقص والتعليم المختلط والألعاب المختلطة كلها تكوِّن الشخصية، وكلها تزيد الفتيات، بل الشبان أيضًا جمالًا وإغراءً للجنس الآخر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤