الليلة الأولى للزواج

الليلة الأولى في الزواج تخلف أثرها الذي لن ينسى طوال السنين القادمة، وليس هذا غريبًا إذا تذكرنا أن هذه الليلة قد حلمت بها الفتاة، وتخيلها الشاب قبل الزواج، وكل منهما قد اجترها في ذهنه أيامًا وليالي.

وبذلك يجب أن تكون هذه الليلة وفق الأحلام الماضية مملوءة بالجمال والرقة والحب، مثيرة للسعادة والسرور واللذة، خالية من الفظاظة والجلافة والارتباك، حتى تعود ذكراها في السنين القادمة مثارًا للسرور وليس للغضب.

واحتفالاتنا الاجتماعية بليلة الزواج الأولى بدعوة الأقارب والأصدقاء بالعشاء والسهرة وبالتهاني والهدايا، هذه الاحتفالات تكسب الليلة الأولى للزواج مقامًا كبيرًا في نفسي الزوجين، وتجعلهما يحسان أنهما قد شرعا في مرحلة جديدة من حياتيهما؛ ولذلك لن تنسى التفاصيل الصغيرة التي تمر منهما في هذه الليلة.

وقد كنا نتزوج إلى وقت قريب وفق العادات الريفية، فيما نسميه «فض البكارة»، فكان العريس يدخل على عروسه بحضور والدتها وربما بعض الأقارب من خالة أو عمة، فتعصب الوالدة أصبعه السبابة بعمامة غليظة من القماش الخشن الذي يجرح، ثم يشرع هو في جرح العروس بإدخال أصبعه في المهبل، فإذا لم يخرج الدم الغزير عاودت الأم تكبير العمامة بزيادة في اللفائف من القماش الخشن، وحضَّت العريس على أن يزيد تحريك أصبعه كأنه يحفر، وعندئذٍ يحدث الجرح المطلوب ويغزر الدم، فيخرج المنديل مضرجًا، وتتباهى الأم بأن ابنتها بررت شرفها، وأنها عذراء لا غش فيها.

وكثيرًا ما كان يحدث نزف مؤلم خطِر من إجراء هذا العمل الوحشي، وكثيرًا ما كانت تبقى العروس في ألم نابض لا يطاق نحو شهرين عقب هذه الليلة الأولى، التي تذكرها عندئذٍ بآلامها بدلًا من أن تذكر بمسراتها.

وأذكر أن امرأة من الفلَّاحات صرحت لي ذات يوم بأنها تألمت من «فض البكارة» في الليلة الأولى من الزواج أكثر مما تألمت من ولادة ابنها البِكر.

ولكن لما شاعت الحضارة الغربية العصرية بيننا أهملنا هذه العادة وأخذنا بالأسلوب الطبيعي، ولكن بقيت عقيدة ريفية بشأن دم البكارة، ذلك أن كثيرين من الشبان، بل كثيرات من الفتيات، يعتقدون أن هذا الدم ضرورة لا غنى عنها لإثبات طهارة الفتاة، وأنها لم تعرف قط شابًّا قبل الزواج.

وهذه المأساة ربما تخلف آثارًا من السخط والحزن، بل العدوان، وربما تؤدي إلى الطلاق العاجل، وهي على كل حال لن تترك أحد الزوجين دون أن تحدث له صدمة سيكولوجية تقوم على الشبهة بأن الزواج لم يكن طاهرًا وأن الزوجة لم تكن عذراء.

وهذا كله سخف.

وذلك أن الزوج الذي يأخذ بالأسلوب الطبيعي دون استعمال أصبعه السبابة لن يجد ما كان ينتظر مما تعلمه وسمع به عن الدم، أو هو يجد قطرة أو قطرات لا يلتفت إليها، و٩٩ في المائة من الفتيات العذارى على هذه الحال، يمكن إتمام العمل الجنسي معهن دون نزول الدم، وهن لن يزول غشاء البكارة منهن تمامًا إلا بعد أن يلدن، وعلى الشاب أن يعرف أن الدم الشهري ينزل من خلايا هذا الغشاء الذي يحتوي خروقًا تتسع وتضيق، أو ينفتح أحدها على الآخر كي يخرج الدم الشهري، ومن خلال هذه الخروق في الغشاء المطاط يمكن إتمام الاتصال الجنسي بلا إراقة لقطرة واحدة من الدم، ما دام الأسلوب الطبيعي يتبع في هذا الاتصال، وإذ كان هناك شيء من الدم، فهو قطرات لا تكاد تلتفت إليها الفتاة أو الشاب.

ولكننا ورثنا عقيدة ريفية بأن الدم ضرورة في الليلة الأولى من الزواج، وقد كان ضرورة بالفعل حين كان العريس يعصب أصبعه بلفات من القماش الخشن حتى يجرح الفتاة، وكثيرًا ما كان يجرحها جرحًا خطيرًا.

وهناك بالطبع فتيات ينزل منهم الدم لأقل مساس، هؤلاء هن القلة، حتى لا يزدن على واحدة في المائة، وهذه الواحدة هي الشاذة، أما الباقيات وهن ٩٩ في المائة فسويَّات ليس بهن شذوذ، والأغلب أن هذه الفتاة الشاذة كانت تشكو قبل الزواج بتعب وألم وقت العادة الشهرية؛ لأن الخروق في غطاء البكارة كانت صغيرة لا تسمح للدم بالمسيل السهل.

ولذلك يجب أن نعمم هذه المعارف بين الشبان والفتيات حتى يسلموا بالحقائق، وحتى لا تنشأ بينهم المنازعات على أوهام، فإني أعرف حوادث طلاق كانت علتها الأولى هذا الوهم القاتل بضرورة الدم في الليلة الأولى من الزواج.

وعندما لا يكون طلاق تكون المعايرة للزوجة بأنها لم تكن عذراء، وتذل المسكينة لأنها لا تعرف كيف تنفي عن نفسها هذه التهمة مع يقينها بأنها كانت طاهرة، ولكن قد تداخلها شكوك بعد ذلك بأنها قد انتهكت مثلًا وهي نائمة، فيكون الشك المقيم أذًى يتعس حياتها، وهذا الشك قد يثير أمراضًا نفسية يسيرة أو خطيرة.

قبل نحو عام كنتُ في أحد المستشفيات الريفية، وصادفت زيارتي وجود زوجة في المخاض، فلما كشف عنها الطبيب الموِّلد قال لي في لهجة عابثة: إنها لا تزال عذراء، وسمعت الممرضات هذا القول فشرعن يعبثن ويمرحن بأحاديث طريفة عن الوالدة العذراء، وكان الزوج يزور زوجته ويلاطفها بالهدايا، ويدعو لها أبرَّ الدعاء، ولكن لشد ما كانت دهشته حين استقبلته بالسباب، واتهمته بأنه «خنثى» أي ليس رجلًا مثل كل الرجال الذي يفضون بكارة عرائسهن في الليلة الأولى من الزواج.

وزادت الممرضات في العبث والضحك حتى إن الرجل لم يتحمل هذا المزاح، على الرغم من حبه لزوجته، فتركها بالمستشفى وخرج لا يعود.

إننا يجب أن نمحو هذه المأساة، وأن نصرح بالحقائق، فلا نترك الأوهام الموروثة تدمر العائلات.

•••

إن الاعتقاد العامَّ هو أن الليلة الأولى للعروس هي ليلة الطرب والحب، ولكن الواقع أن كثيرات من العرائس يجدن فيها القلق والخوف من أنهن لن ينسكب منهن دم يبرر شرفهن، فعلينا لهذا السبب أن نبين الزيف والضرر في هذا الاعتقاد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤