مشكلة العادة السرية

وصل إليَّ (يناير ١٩٥٦) هذا الخطاب التالي الذي أنشره هنا بعد حذف بعض ما يستغنى عنه:

أعرض عليكم مشكلة حيرتني خمسة عشر عامًا أو يزيد، ولا أدري كيف السبيل إلى الخروج منها حتى كاد ينتهي بي الأمر إلى اليأس المطلق.

إنني شاب في الثالثة والثلاثين من عمري أحمل شهادة جامعية عالية وأستعد للدكتوراه وأشغل منصبًا حكوميًّا محترمًا، نشأت نشأة محافظة بعيدة عن الاختلاط بالجنس الآخر، كنت وما زلت مشغوفًا بالقراءة والاطلاع والتزود من الثقافة، ولكن يا سيدي الكريم أعاني مرضًا أزمن عندي حتى أصبح لصيقًا بي، هذا المرض، أو ما سميته في مستهل خطابي مشكلة، هذه المشكلة يا سيدي هي العادة السرية.

إنني الآن أريد جاهدًا أن أتخلَّص من هذه العادة المرذولة، لا لشيء إلا أنه لا ينبغي لشخص في سني وفي ثقافتي أن يزاول هذه العملية الحقيرة الدنيئة، فضلًا عن ضررها الشديد على أعصابي المرهقة.

إنني شخصيًّا أعتقد أن لعدم اختلاطي بالجنس الآخر دخلًا كبيرًا في استفحال أمر هذه العادة وبقائها حتى هذا السن، فقد كانت النشأة الدينية التي نشأت عليها سببًا كبيرًا في إبعادي عن الجنس الآخر، بل النفور منه، فلما أن تفتَّح العقل وشعَّت أنواره إذ بي أجدني غير قادر على اقتحام أسوار الجنس الآخر، وعلى فرضِ وجود هذه القدرة فإنه لا توجد لديَّ مجالات الاختلاط، بل في الظروف الضئيلة التي أتيح لي فيها الاختلاط كاد يؤدي بي هذا الاختلاط إلى أعمال لا يستسيغها الشرف أو الضمير كنتيجة للحرمان الشديد الذي أعانيه.

وإذا كان في الزواج شفاء من هذا الداء الوبيل فإنه للأسف لم تمكني ظروفي الخاصة — عائلية ومالية — من الإقدام على الزواج، هذا فضلًا عن أنني في شك من مدى صلاحيتي للزواج نظرًا لإفراطي في الماضي في مزاولة هذه العادة.

والإرادة هذه الكلمة التي نسمعها دائمًا في هذا المجال، الإرادة يا سيدي تسعفني في كل أمر من أمور حياتي، ولكنها إذا ما أسعفتني في البعد عن هذه العادة فإلى حد محدود وإلى أمد قصير.

ما الفعل وأنا رجل بحث ودراسة مستمرة فضلًا عن كثرة العمل الذي أقوم به، لا أجد متسعًا من الوقت يسمح لي بالاشتراك في النوادي الرياضية أو الاجتماعية إذا كان لها ثمة فائدة أكيدة في هذا السبيل.

إنني أشمئز كل الاشمئزاز من مزاولتي لهذه العادة — رغم قلة مرات المزاولة بالنسبة للماضي — وأحتقر نفسي إذ يصرعني هذا العمل الحقير، وأنا الشخص الذي أعتز بشخصيتي وكرامتي وعقلي وتفكيري.

وأول ما ألتفت إليه في صدر هذا الخطاب هو أن جميع مشاكلنا السيكولوجية تعود إلى عادات وممارسات وأهداف اجتماعية معينة، ولكل مجتمع لهذا السبب أمراضه السيكولوجية الخاصة، فحيث يكون الانفصال بين الجنسين يكون الشذوذ الجنسي، وحيث يكون التأخر في سن الزواج مع إلغاء البغاء تكون العادة السرية مع الشذوذ الجنسي أو بدونه.

فالشهوة الجنسية من الشهوات الصارخة، وهي عندما لا تجد الهدف الطبيعي تبحث عن الهدف الزائف، وليس هذا مقصورًا على الإنسان، فإن الحيوان أيضًا يقع في الشذوذ حين يُحرم الذكر الأنثى، فإن الشذوذ الجنسي والعادة السرية كلاهما يفشو بين بعض القردة الاجتماعية، حين يستولي كبيرها على الإناث جميعهن ويستأثر بهن ويضرب كل ذكر يحاول الاقتراب منهن، فإن جميع الذكور عندئذٍ يستعمل بعضها بعضًا في الشذوذ الجنسي، كما أنها أيضًا تستعمل «العادة السرية».

وقد ألغينا البغاء في مصر، مع أن الانفصال القائم بين الجنسين كان يحتم علينا استبقاءه، وإذا جاز للأوروبيين إلغاؤه فلا يجوز هذا لنا ونحن ما زلنا نتعثر في الاختلاط الجنسي.

ذلك أن الأوروبيين باختلاطهم الاجتماعي بين الجنسين لا تغيب صورة المرأة عن الرجل أو صورة الرجل عن المرأة، فيبقى كلاهما بعيدًا عن الشذوذ، أي عن حب جنسه هو دون الجنس الآخر، وإذا كان هناك شذوذ فهو من القلة بحيث لا يقارن بالحال عندنا، حيث يبعث الانفصال بين الجنسين عليه.

وكذلك الشأن في العادة السرية، أو النشاط الجنسي الانفرادي، فإن هذه العادة من الحقارة بحيث يأنف الرجل الذي عرف الحب السليم من ممارستها، وهذا الحب ممكن في أوروبا، وهو كثير الحدوث، بينما هو يكاد يكون مستحيلًا في بعض بيئاتنا الاجتماعية، كما هو نادر الحدوث في البيئات الأخرى.

ولا أستطيع أن أنصح للمنغمس في العادة السرية بأن يتزوج؛ إذ يجب أن يشفى من هذه العادة قبل الزواج؛ لأن هناك خطرًا من بقائها بعد الزواج، ويجب ألا يتزوج الشاب كي يجعل الزواج محل التجارب التي قد تخيب أو تنجح، كما أن الصدمة العنيفة التي تتلقاها عروسه عندما تعرف فيه هذه العادة قد تسود حياتها، بل حياتها في المستقبل، حتى بعد الشفاء.

والنصيحة التي أجدني مضطرًّا إلى إسدائها لهذا الشاب هي: اختلط بالنساء قبل الزواج، ولكن اختر البيئات النظيفة المحترمة؛ لأنك إذا اختلطت ببغي سافرة فاحشة فالأغلب أنك لن تشفى؛ لأنك ستشمئز وتجد أن العادة السرية أهون من فُحش هذه المرأة، وإنما عليك أن تختلط اختلاطًا جميلًا شريفًا، يخلو من الشهوة الجنسية، وذلك كي تتعود عادات نفسية جديدة، وكي ترتسم من جديد صورة المرأة في ذهنك الذي أفسده الانفصال بين الجنسين.

وإذا لم يتيسر لك هذا الاختلاط، فعليك أن ترافق بعض أصدقائك إلى المراقص؛ حيث يتعلم الشبان والفتيات الرقص، فتتعلم معهم، وراقص الفتيات، وأنفق بسخاء ولا تبخل، وصادق في شرف بعض هؤلاء الفتيات، ورافقهن في غير أوقات الرقص في نزهات مختلفة.

وقصدي من كل هذه المحاولات أن تستعيد صورة المرأة وإحساس الجنس السليم في ذهنك، مع بعث الشهامة في نفسك كي تعرف وتوقن الشرف في العلاقة الجنسية، والسفالة والخسة في العادة السرية أو الشذوذ الجنسي.

وأنت بعد ذلك جدير بأن تفكر تفكيرًا سليمًا في العلاج.

وإذا أيقنت بأنك قد ارتفعت على خسة العادة السرية وأنك أصبحت تشتهي المرأة اشتهاء سليمًا وأنك تلتفت إلى مفاتن النساء وتقدرها، إذا وصلت إلى هذه الحال فتتزوج بلا تردد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤