موسم ١٩٢٨-١٩٢٩

يُعتبَر التنافُس الفني بين الفرق الثلاث — علي الكسَّار ونجيب الريحاني وأمين صدقي — السِّمَة الغالبة في هذا الموسم، الذي افتتحه الكسَّار يوم ٢٠ / ٩ / ١٩٢٨، بمسرحية «أنا عارف وأنت عارف»، تعريب السيد والي، وأزجال بديع خيري وتلحين داود حسني، وبطولة الكسَّار وحامد السيد. وهذه المسرحية لاقت هجومًا من بعض النقَّاد؛ لأنهم اعتبروها نسخة من مسرحية «المتصرف بالعباد»، التي مثَّلتها فرقة جورج أبيض، وقام بتحويلها إلى كوميدية السيد والي. ولكن الكسَّار سرعان ما ردَّ على ذلك بنجاح مسرحيته الثانية «أبو النواس» التي عُرِضَت يوم ١١ / ١٠ / ١٩٢٨، تأليف حامد السيد وتمثيل: الكسَّار وحامد مرسي ولطيفة نظمي وعبد الحميد زكي وعبد العزيز أحمد ومحمد شفيق ومحمد سعيد.١
figure
علي الكسَّار في دور أبو النواس.
وبعد أسبوعين افتتح الريحاني مسرحه، بعد تجهيزه تجهيزًا جيدًا، وبعد أن تمَّ الوفاق بينه وبين بديعة مصابني، التي شاركته بطولة مسرحية الافتتاح «ياسمينة»، من تأليف الريحاني وبديع خيري. وهذه المسرحية لاقت نجاحًا كبيرًا، فاق كلَّ التوقُّعات، رغم أنها مأخوذة من موضوع مسرحية الكسَّار «إمبراطور زفتي». وكان من أسباب نجاح المسرحية، ألحان زكريا أحمد مُلحِّن جميع مسرحيات الكسَّار منذ تكوين فرقته. وهذا النجاح أكمله الريحاني بنجاح مسرحيته الثانية «أنا وأنت»، بفضل تألُّق بديعة مصابني وغناء محمد عبد الوهاب. والمسرحية من تأليف الريحاني وبديع خيري. وفي ١ / ١٢ / ١٩٢٨ أخرج الكسَّار مسرحيته الجديدة الثالثة «البلابل»، تأليف حامد السيد وأزجال بديع خيري وألحان زكريا أحمد، وتمثيل: الكسَّار وعلية فوزي وحامد السيد ولطيفة نظمي. وفي ٢٠ / ١٢ / ١٩٢٨ أخرج الكسَّار أيضًا مسرحيته الجديدة الرابعة هذا الموسم، وهي مسرحية «الكنوز» تأليف بديع خيري، ولكنَّنا لم نجد أثرًا نقديًّا لها — تبعًا لما بين أيدينا من معلومات — ولعلَّها لم تَنَلْ النجاح المرجوَّ.٢
figure
طلب تصريح تمثيل مسرحية «الكنوز».
figure
تقرير الرقابة عن مسرحية «الكنوز».
figure
صورة من عرض مسرحية «الكنوز».
وفي أوائل يناير ١٩٢٩ ظهر المنافس الثالث أمين صدقي، وكان ظهوره قويًّا هذا الموسم، حيث افتتح أعمال فرقته في دار التمثيل العربي بمسرحية «يا رايح قول للجاي»، من تأليفه. وقد نجحت هذه المسرحية جماهيريًّا ونقديًّا، كما نجحت أيضًا مسرحيته الثانية «أميرة مراكش».٣ فردَّ الكسَّار على هذا النجاح يوم ١٧ / ١ / ١٩٢٩، بنجاحِ مسرحيته الجديدة الخامسة «العروسة»، تعريب حامد السيد وأزجال بديع خيري وألحان زكريا أحمد، وتمثيل: الكسَّار وحامد مرسي وعلية فوزي.٤ فردَّ عليهما الريحاني بنجاحٍ ساحق، عندما عرض مسرحيته «علشان سواد عينها»، التي قال عنها سهيل، ناقِد مجلة المُصوِّر:
مازال نجيب الريحاني يعمل على التقدُّم بفرقته إلى الأمام، فلا يقف بها عند نوع واحد يقتصر عليه، بل نراه يكثر من التحوير والتغيير في إخراج رواياته. وهذه ميزة نعترف بها لنجيب ونسجِّلها لفرقته. أما الرواية التي نحن بصدَدِها ففكاهةٌ خفيفة الظلِّ لا تشُوبها شائبة من بذيء الألفاظ وسخيف النكات وسفيه العبارات، بل تسير في جوٍّ يسوده الصفاء والسرور وتتخلَّلُه العبرة النافعة والعظة البالغة … على أن أحسن ما سرَّني وأمتعني هو خلوُّ الرواية من أيِّ إشارة أو كلمة بذيئة، فجميع نكاتها بريئة وكلُّ هزْلِها في حدود الأدب الجمِّ والمتعة الخالية من كلِّ ما لا يلائم الذوق السليم. وأستطيع أن أقول في غير تحفُّظ أنَّ نجيبًا لم يبلغ في رواية من روايات هذا الموسم ما بلغه في قصَّته هذه من سموٍّ وارتفاع.٥
وظلَّ النجاح من نصيب الفِرق الثلاث المتنافسة طوال هذا الموسم، ممَّا أثرى الحياة المسرحية الكوميدية في مصر، فإذا نجحت إحدى الفرق في عَرْض لها، تردُّ عليها الفرقة الأخرى بنجاح مساوٍ لها، ثم تردُّ عليهما الفرقة الثالثة بنجاح أكثر بعض الشيء. وهكذا توزَّع النجاح بينهما بصورة يصعب على المرء تحديد نصيب كلِّ فرقةٍ منه. فعلى سبيل المثال نجد فرقة أمين صدقي تعرض مسرحية «ليلة دخلتي» في فبراير ١٩٢٩، فتقوم فرقة الكسَّار في ١٤ / ٢ / ١٩٢٩، بعرض مسرحيتها الجديدة السادسة «العيلة المزيفة»، تأليف حامد السيد وأزجال بديع خيري وألحان زكريا أحمد، فيختتم الريحاني آخر مسرحياته الجديدة هذا الموسم في مارس ١٩٢٩، بمسرحية «مصر في سنة ١٩٢٩»، من تأليف الريحاني وبديع خيري، فيعرض الكسَّار مسرحيته السابعة «مين فيهم»، يوم ٢٨ / ٣ / ١٩٢٩ تأليف حامد السيد وأزجال بديع خيري وألحان زكريا أحمد، كذلك يعرض مسرحيته الجديدة الثامنة «مافيش منها»، تأليف بديع خيري يوم ٢٥ / ٤ / ١٩٢٩، ثم يختتم الكسَّار موسمه يوم ٣٠ / ٥ / ١٩٢٩ بمسرحيته الجديدة التاسعة «ابن الأمباشي»، تأليف حامد السيد، ليبدأ الكسَّار بعد ذلك موسمه الصيفي بالإسكندريَّة فيعرض مجموعة من مسرحياته السابقة.٦
وإذا نظرنا إلى الفرق الكوميدية الصغرى التي عملت في هذا الموسم، سنجد فرقة محمد بهجت — التي كان لها شأن كبير فيما مضى — تظهر مرة أخرى وتمثِّل مسرحيتي «البرنسيس» و«بنت الحاوي»، على مسرح حديقة بيرة الأهرام بطولة شفيقة القبطيَّة. كذلك نجد فرقة محمد كمال المصري التي عرضت مجموعة من مسرحياتها الكوميدية على تياترو حديقة الفانتازيو بالجيزة، ومنها: «شرفنطح حرامي»، «العمدة في الكباريه»، و«أفيونتي».٧ أما فرقة أحمد المسيري — وتبعًا لما بين أيدينا من وثائق٨ — فإنها عزمت على تمثيل مجموعة من المسرحيات الكوميدية على مسرح الكونكودريا بالإسكندرية، ومنها: «اللوكاندة المسحورة»، «حرامي الفراخ»، «شايب وعايب»، «الكذاب». وأخيرًا نجد فرقة يوسف عز الدين تعتزم تمثيل مسرحية «ملايين الهندية» على مسرح كازينو سان أستفانو بروض الفرج.
أما فرقة فوزي منيب فقد تألقت تألُّقًا غير مسبوق في هذا الموسم، حيث عرضت — تبعًا لما بين أيدينا من وثائق رقابيَّة — مجموعة كبيرة من المسرحيات على مسرح كازينو ليلاس بروض الفرج، طوال خمسة أشهر. ومن هذه المسرحيات: «عريس الغفلة»، «كنز القبطان» أو «جزيرة المتوحشين»، «إمبراطور زفتى»، «السر في السبت»، «ليالي الأنس»، «بنت الوالي»، «خاتم الملك»، «الأميرة قمر الزمان»، «لوكاندة الحظ»، «مملكة العجائب» أو «بلاد السند والهند»، «غرايب الدنيا» أو «ابن الشمس»، «مملكة الباباظ» أو «دولة الحظ»، «القرش الأبيض»، «كوهين وكيلي»، «وراه ليتجوز»، «موسى الخضري» أو «أمَّا لبخة»، «بُريه من حماتي».٩
١  يُنظَر: جريدة الأهرام ١٦ / ٩ / ١٩٢٨، ٣٠ / ٩ / ١٩٢٨، مجلة المصور ١٩ / ١٠ / ١٩٢٨، مجلة مصر الحديثة المصورة ٢٩ / ١٠ / ١٩٢٨، ٩ / ١١ / ١٩٢٨.
٢  يُنظَر: جريدة كوكب الشرق ٧ / ١١ / ١٩٢٨، مجلة المصور ٢٣ / ١١ / ١٩٢٨، ٧ / ١٢ / ١٩٢٨، جريدة المقطم ١ / ١ / ١٩٢٩، جريدة الأهرام ٩ / ١ / ١٩٢٩، ١ / ١ / ١٩٢٩، ٨ / ١ / ١٩٢٩.
٣  يُنظَر: جريدة مصر ٢٧ / ١٢ / ١٩٢٨، جريدة الأهرام ١ / ١ / ١٩٢٩، مجلة المصور ١١ / ١ / ١٩٢٩، جريدة الاتحاد ٤ / ١ / ١٩٢٩.
٤  يُنظَر: جريدة الأهرام ١٦ / ١ / ١٩٢٩، جريدة السياسة ١٨ / ١ / ١٩٢٩، جريدة البلاغ ٢٠ / ١ / ١٩٢٩، ٢٤ / ١ / ١٩٢٩.
٥  مجلة المصور ١٥ / ٢ / ١٩٢٩.
٦  يُنظَر: جريدة مصر ٩ / ٢ / ١٩٢٩، جريدة البلاغ ١٤ / ٢ / ١٩٢٩، ٢٤ / ٣ / ١٩٢٩، ٢٨ / ٣ / ١٩٢٩، ٨ / ٤ / ١٩٢٩، ٢٤ / ٤ / ١٩٢٩، ٢٨ / ٤ / ١٩٢٩، ١ / ٩ / ١٩٢٩، مجلة المصور ٨ / ٣ / ١٩٢٩.
٧  يُنظَر: جريدة الأهرام ٢٦ / ٩ / ١٩٢٨، ٣٠ / ٩ / ١٩٢٨.
٨  وهذه الوثائق عبارة عن تقارير رقابيَّة، لا نملك الدليل على تمثيل المسرحيات المذكورة فيها.
٩  الوثائق التي بين أيدينا وتخصُّ فرقة فوزي منيب عبارة عن وثائق رقابيَّة وتقارير ونصوص مختلفة تبدأ من تاريخ ١ / ٤ / ١٩٢٩ وتنتهي في ١٠ / ٩ / ١٩٢٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤