موسم ١٩٢٩-١٩٣٠

يُعتبَر هذا الموسم امتدادًا للموسم السابق، من حيث التنافُس الفني بين الفرق الكوميدية الكبرى الثلاث: علي الكسَّار ونجيب الريحاني وأمين صدقي. وكان للكسَّار — كعادته — السَّبْق في افتتاح الموسم بمسرحية «طاحونة الهوى»، يوم ٢٦ / ٩ / ١٩٢٩ تأليف حامد السيد وأزجال بديع خيري وألحان زكريا أحمد، بطولة الكسَّار وحامد مرسي وعلية فوزي. أما أمين صدقي فقد افتتح موسمه في أكتوبر ١٩٢٩، على مسرح البوسفور بمسرحية «مصر في المنام». وفي يوم ٢٤ / ١٠ / ١٩٢٩ أخرج الكسَّار مسرحيته الثانية هذا الموسم بعنوان «ملكة الغابة»، تأليف بديع خيري وبطولة الكسَّار وحامد مرسي وعقيلة راتب، فقام أمين صدقي بإخراج مسرحيته الثانية أيضًا «قضية زربيحة هانم» في نوفمبر ١٩٢٩.١
وفي نوفمبر أيضًا ظهر الريحاني بقوَّة كبيرة، عندما افتتح موسمه بمسرحية «نجمة الصبح»، من تأليفه بالاشتراك مع بديع خيري. وقد استحسن النقَّاد هذه المسرحية، ومدحوها من حيث التنظيم والاستعداد والديكور. وكان من أسباب نجاحها أيضًا غناء أم كلثوم المصاحب للعرض.٢ فحاول المنافسان الآخران سلْبَ هذا النجاح من الريحاني، فعرض كلُّ واحد منهما مسرحيته الجديدة في يوم واحد، وهو يوم ٢٨ / ١١ / ١٩٢٩. ففي هذا اليوم عرض الكسَّار مسرحيته الجديدة الثالثة «قاضي الغرام»، تأليف بديع خيري، كما عرض صدقي مسرحيته الجديدة «دولاب الغرام» في اليوم نفسه.٣
figure
الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «قاضي الغرام».
ومن الواضح أنَّ مسرحية الكسَّار لم تفلح في سَلْب النجاح الذي حقَّقه الريحاني، بقدر ما تفوَّقت على مسرحية أمين صدقي، الذي قال عنها أحد النقَّاد: «دولاب الغرام لفرقة البسفور: لقد رأيت في هذه الرواية كثيرًا من الفضائح التي يَنْدَى لها الجبين. وتنزل إلى الحضيض من ناحية الأخلاق الشعبيَّة العامة … كان يجب على أمين صدقي أن يَرْبَأ بقلمه عن الإسفاف إلى هذه الدرجة، وهذا الأسلوب الذي يكتب به نكات رواياته، التي هي أشبه بنكات السوقة من الناس. وقد علمنا أن وزارة الداخليَّة قد صادرت هذه الرواية وعطَّلت تمثيلها. ويدور الآن شبه تحقيق مع المؤلِّف لإضافته بعض ألفاظ ونكات إلى الرواية بعد اطلاع قلم المطبوعات عليها والتصريح بتمثيلها.»٤
وفي ديسمبر ١٩٢٩ واصل الريحاني تألُّقه ونجاحه، عندما عرض مسرحيته الثانية «اتبحبح»، من تأليفه بالاشتراك مع بديع خيري. وقد أثنى النقَّاد على هذه المسرحية كثيرًا من المدح، خصوصًا تألُّق الريحاني في شخصية كشكش بك. فقام الكسَّار بعرض مسرحيته الجديدة الرابعة «زهرة الخبازة»، يوم ٣ / ١ / ١٩٣٠ تعريب حامد السيد وأزجال بديع خيري، وتمثيل: الكسَّار وحامد مرسي وعقيلة راتب وعبد الحميد زكي ولطيفة نظمي وفؤاد الجزايرلي. وقد لاقت هذه المسرحيَّة بعضًا من النجاح.٥
وفي يناير ١٩٣٠ عرض أمين صدقي مسرحيته «أول بختها»، التي كان حظُّها أفضل من سابقتها. بينما نجد الكسَّار يعرض مسرحيته الجديدة الخامسة «بوابة جحا»، يوم ٢٣ / ١ / ١٩٣٠ بطولة الكسَّار وحامد مرسي وعقيلة راتب. فينسحب صدقي من المنافسة ويسافر إلى الإسكندرية مع مجموعة أخرى من الفِرَق الصغرى. ويقوم الريحاني بإنهاء موسمه في فبراير ١٩٣٠، بعرض مسرحية «ليلة نغنغة»، من تأليفه بالاشتراك مع بديع خيري، ومن ثَمَّ سافر إلى سورية في رحلة فنية. أما الكسَّار فقد اختتم هذا الموسم مُبكِّرًا، حيث عرض مسرحيته السادسة والأخيرة هذا الموسم يوم ١٣ / ٣ / ١٩٣٠، وكانت بعنوان «عجايب».٦

ومن الملاحظ أن هذا الموسم كان أقصرَ المواسم المسرحية التي مرَّت على الفِرَق الثلاث الكوميدية المتنافسة. كما أن عدم النجاح الذي أصاب أغلبها، لم يكن سبَبُه إلَّا الأزمة الاقتصادية العالمية التي أثَّرت على الحالة الاقتصادية في مصر، ممَّا انعكس سلبًا على المسرح وجمهوره. وإذا كان الريحاني لاقى النجاح الأوفر في هذا الموسم رغم هذه الأزمة، فهذا راجع إلى الاستعراضات التي أدخلها في عروضه، والتي اعتمدت على رشاقة الراقصات الأجنبيَّات. ورغم هذا العامل، إلَّا أنَّ الريحاني آثر الانتقال إلى سورية هربًا من الأزمة الاقتصادية الخانقة. كذلك فعل أمين صدقي عندما سافر بفرقته إلى الإسكندرية، لعلَّ حظَّه يكون أفضل من العاصمة. أما الكسَّار فبقي وحده صامدًا أمام هذه الأزمة، التي أثَّرت عليه وتجلَّت في صورة قِلَّة المسرحيات الجديدة، التي تمَّ عرضها هذا الموسم.

ومن الجدير بالذكر أنَّ الأزمة الاقتصادية كما طالت الفرق الكبرى، طالت أيضًا الفرق الكوميدية الصغرى. فأغلب الفِرَق التي كانت تعمل في مسارح روض الفرج، سافرت إلى الإسكندرية في محاولة التغلُّب على أزمة عزوف الإقبال الجماهيري في العاصمة. ومن هذه الفرق فوزي الجزايرلي، وفوزي منيب، ويوسف عز الدين. وكانت هذه الفرق بالإضافة إلى فرقة عبد اللطيف جمجوم، وفرقة بشارة واكيم، تتنقل بين مسارح الإسكندرية وبين مسارح روض الفرج والجيزة أغلب فترات هذا الموسم.٧
١  يُنظَر: جريدة البلاغ ٢٥ / ٩ / ١٩٢٩، ٢١ / ١٠ / ١٩٢٩، جريدة المقطم ١٧ / ١٠ / ١٩٢٩، ٧ / ١١ / ١٩٢٩.
٢  يُنظَر: جريدة المقطم ٩ / ١١ / ١٩٢٩، مجلة مصر الحديثة المصورة ١٣ / ١١ / ١٩٢٩، جريدة البلاغ ١٩ / ١١ / ١٩٢٩.
٣  يُنظَر: جريدة المقطم ٢٨ / ١١ / ١٩٢٩، جريدة البلاغ ٢٧ / ١١ / ١٩٢٩، جريدة الأفكار ١٥ / ١٢ / ١٩٢٩.
٤  مجلة مصر الحديثة المصورة ١١ / ١٢ / ١٩٢٩.
٥  يُنظَر: مجلة المصور ١٣ / ١٢ / ١٩٢٩، ١٠ / ١ / ١٩٣٠، جريدة الأفكار ١٧ / ١٢ / ١٩٢٩، جريدة السياسة ٢٦ / ١٢ / ١٩٢٩، جريدة المقطم ٣ / ١ / ١٩٣٠.
٦  يُنظَر: جريدة مصر ٣ / ١ / ١٩٣٠، مجلة المصور ٢٣ / ١ / ١٩٣٠، ٣١ / ١ / ١٩٣٠، ١٤ / ٢ / ١٩٣٠، جريدة المقطم ١٣ / ٣ / ١٩٣٠، مجلة روز اليوسف ٢٩ / ٧ / ١٩٣٠.
٧  يُنظَر: مجلة المصور ٣١ / ١ / ١٩٣٠، ٢١ / ٢ / ١٩٣٠، جريدة مصر ١٢ / ٨ / ١٩٣٠، ٢١ / ٨ / ١٩٣٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤